الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

السيّد سامي البدري

الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-499-295-7
الصفحات: ٦١٤

هريرة من أرضهما ، فجعل سعد يكلم حسينا يقول : الله ، الله ، فلم يزل بحسين حتى ترك ما كان يريد. (١)

أقول :

ونستفيد من الروايات الآنفة الذكر ان الموقف السلبي من بني أمية بقيادة مروان ومنع دفن الحسن عليه‌السلام عند جده وهي غرفة امه السيدة فاطمة عليها‌السلام لم يكن بعيدا عن مشورة معاوية ورضاه وبخاصة وقد ابرد مروان إليه يخبره بالخبر ولابد انه ابرد إليه بالموقف ، بل الموقف صريحا منه في رواية الزبير بن بكار.

ونستفيد أيضا :

ان الحسين عليه‌السلام وبني هاشم لم يعدلوا عن دفن الحسن عليه‌السلام في غرفة امه الصديقة عليها‌السلام عند جده لضعف منهم فقد كان معهم احلافهم في حلف الفضول وهم بنو المطلب وتيم وزهرة وأسد وبنو جعونة بن شعوب من بني ليث. (٢) ولكنها وصية الامام الحسن عليه‌السلام

__________________

(١) ترجمة الامام الحسن من طبقات ابن سعد ص ٨٧.

(٢) أقول : فان تيما رهط الخليفة أبي بكر ، واسدا رهط عبد الله بن الزبير وقد حضر وحضرت اسد كلها كما روى ابن سعد في طبقاته (انظر ترجمة الإمام الحسن من الطبقات ص ٨٧) وعاتب معاوية بعد ذلك ابن الزبير : قال وحضرت مع حسين بن علي ذلك اليوم؟ فقال : حضرت للحلف الذي تعلم دُعيت به فأجبت فسكت معاوية. وزهرة رهط سعد بن أبي وقاص والمسور بن مخرمة وقد حضرا فيمن حضر ، مضافا إلى حضور جعونة وبني المطلب. أقول : ومن الغريب ان تضم السيدة عائشة صوتها إلى بني أمية في منع دفن الحسن عليه‌السلام عند جده النبي وغرفة امه فاطمة فقد روى ابن سعد ٣ / ٣٩٣ ط الخانجي بمصر بسنده عن عباد ابن عبد الله بن الزبير قال : سمعت عائشة تقول يومئذ : هذا الأمر لا يكون أبداً ، يدفن ببقيع الفرقد ولا يكون لهم رابعاً ، ورواه مختصر تاريخ مدينة دمشق ٧ / ٤٥. والذهبي في سير أعلام النبلاء ترجمة الأمام الحسن عليه‌السلام ج ٣ ص ٢٧٦. واليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٥ وابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ٤ ص ٧٥ وج ١٦ ص ٥١ وسبط ابن الجوزي ، تذكرة الخواص ص ٢١٣ وأبي الفداء ، المختصر في اخبار البشر ـ تاريخ أبي الفداء ، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت ، ج ١ ص ١٨٣ والاصفهاني ، مقاتل الطالبيين ص ٤٩ ، وأحمد بن محمد لسان الدين ابن الشِّحْنَة الثقفي ، روضة المناظر في علم الأوائل والأواخر ، (ت ٨٨٢ هـ) ، والمفيد ، الإرشاد ص ١٨ و ١٩. اما الجواب على قول السيدة عائشة «والله إنه لبيتي أعطانيه رسول الله» (ترجمة الامام الحسن لابن سعد تحقيق الطباطبائي ص ٩٢) : فنحيل القارئ الكريم إلى دراسة الباحث العلامة الشيخ محمد علي برو ن حول مدفن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحجرة عائشة ، حيث اثبت فيها ان النبي قد دفن في حجرة الصديقة فاطمة عليها‌السلام.

٢٠١

ان لا يراق في دفنه محجمة دم وتدخل الوسطاء.

السؤال الرابع : هل استمرت سياسة الدولة بعد وفاة الحسن عليه‌السلام على ما كانت عليه أيام حياته؟ وهل عهد معاوية إلى احد؟

وقد أجابت مصادر التاريخ ان معاوية قد غير سياسة الأمان لشيعة علي إلى رعب وقتل وملاحقة وسياسة ذكر علي بخير إلى لعن وذكر بسوء ، وعيَّن ابنه يزيد خلفا له من بعده وبذلك أوجد حدثا جديدا في الإسلام لم يكن له سابقة وهو ان يحصر الحاكم الحكم في اسرته مضافا إلى إحلاله العهد.

فقد روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب (الاحداث) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته.

فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ...

ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه.

وشفع ذلك بنسخة أخرى :

من اتهمتوه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره.

فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة. (١)

وسجلت مصادر التاريخ الأولى قتل حجر وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابها العابدين المصلين ، وقطع الايدي وسمل الاعين والنفي الدفن لبعضهم وهو حي ، ثم ختم معاوية سياسته هذه بتعيين ولده يزيد ولي عهده ليضمن مواصلة سياسته فكان قتله

__________________

(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج ١١ ص ٤٦. أقول : أورد المدائني بعدها قوله (فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليه السالم فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريد في الأرض) وقد مر تحقيقنا في المسالة ان ورودها هنا اشتباه أو تعمد لتضييع الانجاز العظيم للامام الحسن عليه‌السلام في صلحه. والحق هو ان ذلك من معاوية كان بعد وفاة الحسن عليه‌السلام.

٢٠٢

للحسين وأهل بيته وصحبه وسبي نسائه في نهاية هذه السنوات العشر سنوات اشد محنة عرفها أهل البيت وشيعتهم في التاريخ ثم غزوه المدينة واباحتها لجيشه ثلاثة أيام ورمي الكعبة بالمنجنيق بما لم يقع مثله في تاريخ الإسلام وليس من شك ان كل أعمال يزيد يتحملها معاوية ميتا.

وفيما يلي تفصيل اكثر عن نقض معاوية شروط الحسن بعد موته وقبل ذلك نجد من المفيد ان نحدد سنة وفاة الحسن عليه‌السلام.

تسلسل الحوادث بعد وفاة الحسن سنة ٥٠ هـ :

توفي الحسن عليه‌السلام سنة ٥٠ هجري في شهر ربيع الأول كما نختاره من بين الأقوال وفي ضوئه يكون تسلسل الحوادث كما يلي :

كتب معاوية إلى ولاته ولا يبعد ان يكون في أواخر ربيع الأول سنة ٥٠ هـ يأمرهم بلعن علي عليه‌السلام. (١) روى النسائي قال أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى قال حدثنا جعفر بن عون عن شقيق بن أبي عبد الله قال حدثنا أبو بكر بن خالد بن عرفطة قال رأيت سعد بن مالك بالمدينة فقال ذُكِر أنكم تسبون عليا قلت قد فعلنا قال لعلك سببته قلت معاذ الله قال لا تسبه فإن وضع المنشار على مفرقي على أن أسب عليا ما سببته بعدما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما سمعت الترغيب في موالاة علي رضي الله تعالى عنه والترهيب في معاداته. والشاهد في الرواية هو ان خالد بن عرفطة مولى بني زهرة وابن أخت سعد وقد سكن الكوفة هو وولده وكان مع سعد في القادسية ، وكان يهمه ان يعرف خبر الكوفة بوصفها مركز ولاية علي عليه‌السلام هل سب أهلها عليا؟ وهو ينهى ابن أبين أخته ان يسب عليا عليه‌السلام وهذا يؤكد ان سب علي في

__________________

(١) النسائي ، سنن النسائي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ١٩٣٠ م ، ج ٥ ص ١٣٤ أقول : سعد بن مالك هو سعد بن أبي وقاص الزهري ، وابو بكر بن خالد بن عرفطة حليف بني زهرة / قال إبراهيم بن إسحاق الحربي : لما قتل رستم بالقادسية بعث سعد إلى الناس خالد بن عرفطة وهو ابن أخته ، فامتعض الناس امتعاضا شديدا غريب الحديث ، دار المدينة للطباعة والنشر والتوزيع جدة ١٤٠٥ هـ ، ج ٣ ص ٩٢٩. والظاهر ان رؤيته لسعد كانت سنة خمسين ههجرية وهي سنة إعادة معاوية لعن علي في الكوفة والامصار فسأله سعد عن خبر لعن علي في الكوفة خاصة فاكده له ذلك.

٢٠٣

الكوفة وبقية الأمصار أمر جديد حصل بعد وفاة الحسن عليه‌السلام.

حج معاوية في سنة ٥٠ هـ وكان معه سعد بن أبي وقاص. وكان حواره معه حول لعن علي فلم يرضه سعد. قال المسعودي لمَّا حجَّ معاوية طاف بالبيت ومعه سعد فلمَّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه على سريره ووقع معاوية في علي وشرع في سبَّه فزحف سعد ثم قال : أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سب علي والله لأن يكون فيَّ خصلة واحدة من خصال علي (١) ...

وقال البلاذري حدثني عباس بن هشام ، عن أبيه عن جده ، عن أبي صالح قال : قدم معاوية مكة / فلقيه ابن عباس فقال له معاوية : عجبا للحسن شرب عسلة طائفية بماروحة فمات منها. فقال ابن عباس : لئن هلك الحسن فلن ينسأ في أجلك ، قال : وأنت اليوم سيد قومك. قال : أما ما بقي أبو عبد الله فلا!. (٢) أقول : هذه الحجة كانت سنة خمسين هجرية والخبر يشهد ان الحسن عليه‌السلام توفي في ربيع الأول سنة خمسين.

رجع معاوية من الحج إلى المدينة ودس السم لسعد في بقية ذي الحجة سنة ٥٠ هـ ومن ثم قالوا في الحسن عليه‌السلام وسعد بن أبي وقاص ماتا في سنة واحدة. قال أبو الفرج : حدثني أحمد ، قال : حدثني يحيى بن بكير ، عن شعبه ، عن أبي بكر بن حفص ، قال : توفى الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص في أيام متقاربة ، وذلك بعد ما مضى من ولاية إمارة معاوية عشر سنين ، وكانوا يروون أنه سقاهما السم. (٣)

أمر معاوية بعد موت سعد آخر سنة ٥٠ هجرية بلعن علي عليه‌السلام على منبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

مات المغيرة بن شعبة سنة ٥١ هـ وكان قد وفد إلى معاوية فيها وحاول ان يثنيه عن لعن علي فقال له لا والله الا دفنا دفنا وقال المغيرة لولده جئتك من عند اخبت الناس.

ضم معاوية ولاية الكوفة إلى زياد بعد موت المغيرة سنة ٥١ هـ وتتبع شيعة علي عليه‌السلام بابشع واقسى ما يتصوره المرء.

ولى زياد بن أبي سفيان الربيع بن زياد الحارثي سنة إحدى وخمسين هـ خراسان ،

__________________

(١) المسعودي ، مروج الذهب ج ٣ ص ٢٥. ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ٢١ ص ١٢٥ ، ج ٥٩ ص ٦٠ ، أبو زرعة الدمشقي ، تاريخ أبو زرعة ، مجمع اللغة العربية ـ دمشق ج ١ ص ١٨٨.

(٢) البلاذري ، أنساب الأشراف ، ج ٣ ص ٦٢ ـ ٦٣.

(٣) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ١٦ ص ٤٩ ، مقاتل الطالبيين ص ٧٣.

٢٠٤

وحول معه من أهل المصرين (الكوفة والبصرة) زهاء خمسين ألفا بعيالاتهم. وأسكنهم دون النهر. ولما بلغه مقتل حجر بن عدي الكندي (سنة ٥٣ هـ كما مروج الذهب للمسعودي) غمه ذلك ، فدعا بالموت فسقط من يومه ، ومات سنة ثلاث وخمسين. (١)

سيَّر زياد حجرا وأصحابه إلى معاوية فأمر ان يعرضوا على البراءة من علي وامتنعوا (٢) فقتلهم سنة ٥٣ هـ (٣) وهي السنة التي توفي فيها زياد (٤) بالآكلة.

سياسة معاوية بعد وفاة الحسن عليه‌السلام :

وكانت اهم بنودها ما يلي :

١. لعن علي عليه‌السلام وشتمه على منابر المسلمين ليربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ، ويستهدف هذا البند تهديم موقع علي كإمام هدى وحجة على الناس معين من الله ورسوله بشكل مباشر.

٢. المنع من رواية فضائل علي وأهل بيته عليهم‌السلام ، ويستهدف هذا البند تغييب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أشادت بعلي عليه‌السلام وبينت إمامته الهادية بإذن الله ورسوله.

٣. اختلاق أخبار قبيحة في علي وأهل بيته عليهم‌السلام ، ويستهدف هذا البند بناء قاعدة فكرية تبرر لعن علي عليه‌السلام.

٤. اختلاق الفضائل للخلفاء وبني أمية ، ويستهدف هذا الأساس بنناء القاعدة الفكرية التي تطرح الخلفاء وبني أمية على انهم أئمة هدى والحجة على الناس بعد الرسول إذ ان القاعدة التي شيد عليها حكم قريش المسلمة في السقيفة (ان العرب لا

__________________

(١) البلاذري ، فتوح البلدان ، ج ٣ ص ٥٠٧.

(٢) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٠٥ ، وفي المستدرك للحاكم ج ٣ ص ٢٧٠ (حجر بن عدي قتل في موالاة علي عليه‌السلام). وفي سنن النسائي ج ٥ ص ١٣٤ يقول سعد بن أبي وقاص : (فإن وضع المنشار على مفرقي على أن أسب عليا ما سببته بعدما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما سمعت الترغيب في موالاة علي رضي الله تعالى عنه والترهيب في معاداته).

(٣) ابن حجر ، الإصابة ، ج ٢ ص ٣٤.

(٤) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٢ ص ٢٣٢ ، ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب ، تحقيق الدكتور سهيل زكار ، مؤسسة البلاغ ـ بيروت ١٤٠٨ ، ج ٥ ص ٢١٣٠.

٢٠٥

ترضى ان يكون هذا الأمر في غير قريش) لم تعد مؤثرة ولا يمكن إحياء الإمامة الدينية لقريش المسلمة بعد انتشار أحاديث النبي في تأسيس إمامة أهل بيته الا بوضع أحاديث مثلها ومنع تداول الأحاديث الصحيحة.

٥. ترويع شيعة علي عليه‌السلام قتلا وسجنا ونفيا وتهجيرا ، ويستهدف هذا البند تصفية نخبة الأمة التي حملت أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبار سيرة علي عليه‌السلام ونشرها بين الناس ، وكذلك تصفية الوجود البشري الذي انفتح على علي عليه‌السلام بصدق واخلاص وتعلم منه وجعله الحجة بينه وبين الله تعالى بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم خصَّ العراق بسياسة معينة.

وكان قبل ذلك قد اعتمد على رجال ركنوا إلى الدنيا ، أمثال عمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومروان بن الحكم ، والضحاك بن قيس الفهري ، وزياد بن عبيد الثقفي الذي الحقه بنفسبه فقيل زياد بن أبي سفيان ، وسمرة بن جندب ، وعمرو بن حريث ، وغيرهم حيث ولّاهم اهم البلدان والمناصب لكي يضبط تطبيق هذه السياسة.

ونحن حين ننعم النظر في بنود تلك السياسة ، نجدها جميعا مما خالف فيه معاوية الكتاب وسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فَلَعْنُ علي عليه‌السلام ، وتربيةُ النسا على بغضه مخالفةٌ صريحة ، لما أَمَرَ به الله ورسوله في إيجاب مودته وولايته.

والنهيُ عن رواية أحاديث النبي في فضل علي عليه‌السلام ومنزلته ، مخالفةٌ صريحة لأمر النبي بتبليغ سنته إلى من لم يسمعها.

ووضعُ الحديث في ذم علي عليه‌السلام ، ومدحُ أناس لم يمدحهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كذبٌ متعمَّدٌ على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يستحق فاعله النار لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوّأْ مقعده من النار). (١)

وترويعٌ المؤمنين ، وإخافتُهم ، وسجنُهم ، وقتلُهم ، لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن

__________________

(١) البخاري ، صحيح البخاري ، ج ٣ ص ٨١ ، ج ٧ ص ١١٨ ، مسلم بن الحجاج ، صحيح مسلم ، ج ١ ص ٨.

٢٠٦

المنكر مخالفةٌ بكتاب الله ورسوله ، استحق فاعلُها النار بنص القرآن (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) آل عمران / ٢١.

هذا مضافا إلى مخالفات صريحة أخرى لكتاب الله وسنة نبيه من قبيل : استلحاقِه زياد بن عبيد ، وهو ردٌ صريحٌ لقضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن قبيل امرِه بترك التلبية نهارَ عرفة قبل الزوال (١) ، وهو ردٌ صريحٌ لسنة النبي في التلبية في الحج.

ومن قبيل امرِه بتحريم متعة الحج ، وهو مخالفةٌ صريحةٌ لكتاب الله وسنة النبي.

ومن قبيل تعطيله حد السرقة في سارق لتشفّع أم السارق فيه. (٢)

ومن قبيل حرمان قربى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من خمس الغنائم وهو مخالفة صريحة للقرآن وسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن قبيل أمره لقادة الفتوح بان يستصفوا له ذهب الغنائم وفضتها قبل القسمة.

وغير ذلك.

وفيما يلي الحديث عن بعض بنود تلك السياسة

لعن علي عليه‌السلام وسبه على المنابر :

أوردت الصحاح كتب الحديث المعتبرة ، أحاديث نبوية صحيحة تفرض حب علي عليه‌السلام وولايته وتنهى عن إيذائه وبغضه وتصف فاعل ذلك بالنفاق والحرب لله ولرسوله وفيما يلي بعضها :

__________________

(١) روى النسائي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك ج ١ ص ٦٣٦ : عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال : كنا مع ابن عباس بعرفات فقال : مالي لا أسمع الناس يلبون؟ فقلت : يخافون من معاوية ، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبيك اللهم لبيك ، فإنهم قد تركوا السنة من بعد علي عليه‌السلام. قال في تقريب التهذيب : ميسرة بن حبيب النهدي بفتح النون أبو حازم الكوفي صدوق من السابعة.

(٢) روى البلاذري في انساب الاشراف ج ١ ص ١٢٣ قال : أتي معاوية بشاب قد سرق ، فأمر بقطع يده ، فقال شعرا يستعطفه ، ثم جاءت امه وهي تبكي وتطلب منه ، ان يعفو عنه فخلى سبيله.

٢٠٧

روى الطبراني : عن أبي عبد الله الجدلي قال : قالت لي أم سلمة : أيسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكم على رؤوس الناس؟ فقلت : سبحان الله وأنى يسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقالت : أليس يسب علي بن أبي طالب ومن يحبه؟ فأشهد ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحبه. (١)

وفي رواية قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول من سب عليا فقد سبني. (٢)

روى احمد في مسنده : عن عمرو بن شاس الأسلمي قال : (وكان من أصحاب الحديبية) قال خرجت مع علي إلى اليمن ، فجفاني في سفري ذلك ، حتى وجدت في نفسي عليه ، فلما تقدمت أظهرت شكايته في المسجد ، حتى بلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخلت المسجد ذات غدوة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ناس من أصحابه ، فلما رآني أبدَّني عينيه ، يقول : حدَّدَ إلي النظر حتى إذا جلست ، قال : يا عمرو والله لقد آذيتني ، قلت : أعوذ بالله أو أوذيك يا رسول الله ، قال : بلى! من آذى عليا فقد آذاني. (٣)

وروى ابو يعلى : عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه ، قال : كنت جالسا في المسجد أنا ورجلين معي ، فنلنا من علي ، فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غضبان يعرف في وجهه الغضب ، فتعوذت بالله من غضبه ، فقال : ما لكم وما لي ، من آذى عليا فقد آذاني. (٤)

وروى احمد عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لم نسالمكم. (٥)

ورواه الطبراني عن صبيح مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم. (٦)

وروى مسلم : عن عدي بن ثابت عن زر قال : قال علي عليه‌السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي الأمي إليَّ ، أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. (٧)

__________________

(١) الطبراني ، المعجم الصغير ج ٢ ص ٨٣ ، النسائي ، السنن الكبرى ج ٥ ص ١٣٣ ، أبو يعلى الموصلي ، مسند أبي يعلى ج ١٢ ص ٤٤٤ ، الحاكم ، المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٣٠.

(٢) احمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٦ ص ٣٢٣ ، النسائي ، فضائل الصحابة ٢ / ٥٩٤.

(٣) احمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٣ ص ٤٨٣.

(٤) أبو يعلى الموصلي ، مسند أبي يعلى ج ٢ ص ١٠٩.

(٥) احمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٢ ص ٤٤٢ ، الطبراني ، المعجم الكبير ج ٣ ص ٤٠ ، ج ٥ ص ١٨٤.

(٦) الطبراني ، المعجم الصغير ج ٢ ص ٥٣.

(٧) مسلم بن الحجاج ، صحيح مسلم ج ١ ص ٨٦ ، النسائي ، السنن الكبرى ج ٥ ص ٤٧ ، ٣بو يعلى

٢٠٨

وروى الطبراني : عن فطر بن خليفة عن أبي الطفيل ، قال سمعت أم سلمة تقول : أشهد أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من أحب عليه فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله. (١)

وروى ابو يعلى عن أبي الجارود عن الحارث الهمداني قال : رأيت عليا جاء حتى صعد ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : قضاء قضاه الله على لسان نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله النبي الأمي ، أنه لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق ، وقد خاب من افترى.

قال : قال النضر : وقال علي عليه‌السلام : أنا أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمه ، لا يقولها أحد بعدي. (٢)

وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب. (٣)

وروى احمد عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله عز وجل : من أذل لي وليا فقد استحل محاربتي. (٤)

أقول : وإذا ضممنا إلى هذه النصوص ، الأحاديث التي ترفع من شأن الصحابة ككل ، المنتشرة في كتب الحديث ، لم يكن من السهل على الكثير من المعاصرين ان يقبل ما يعتقده الشيعة في بني أمية من أمور ، منها انهم كانوا قد سفُّوا سنة لعن علي عليه‌السلام وسبِّه ، وغفل هؤلاء ، عن حقيقة ان الاخبار والروايات في هذه القضية بالذات من الكثرة بحيث لم يستطع ان يغفلها أصحاب الصحاح انفسهم.

قال الدكتور عبد الحليم عويس : (لا يعقل ما يشاع عن بني أمية ، من انهم كانوا يسبون عليا على المنابر) (٥) ، وقد وافقه آخرون أمثال محب الدين الخطيب (٦) ومحمود

__________________

الموصلي ، مسند أبي يعلى ج ١ ص ٢٥١.

(١) الطبراني ، المعجم الكبير ج ٢٣ ص ٣٨٠.

(٢) أبو يعلى الموصلي ، مسند أبي يعلى ج ١ ص ٣٤٧.

(٣) جلال الدين السيوطي ، الجامع الصحيح المختصر ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ١٩٨١ م ، ج ٥ ص ٢٣٨٤.

(٤) احمد بن حنبل ، مسند احمد ، ج ٦ ص ٢٥٦.

(٥) حسن بن فرحان المالكي ، نحو انقاذ التاريخ الإسلامي (٢٠ عن صحيفة مرآة الجامعة العدد ١١٠).

(٦) في تعليقاته على كتاب العواصم من القواصم.

٢٠٩

شاكر (١) وإبراهيم شعوط (٢) وغيرهم وزاد بعضهم قوله (ولم يردنا بطريق صحيح). (٣)

وقد رد على هؤلاء أناس من غير الشيعة أيضا (٤) بذكر اخبار من كتب الصحاح وفيما يلي بعضها :

روى البخاري : قال حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه (سلمة بن دينار) أن رجلا جاء إلى سهل بن سعد فقال : هذا فلان لأمير المدينة يدعو عليا عند المنبر قال : فيقول ماذا؟ قال يقول له : أبو تراب فضحك ، قال : والله ما سماه إلا النبي وما كان والله له اسم أحب إليه منه. (٥)

وهذه الرواية عند مسلم في صحيحه أكثر وضوحا ، قال سهل بن سعد : أن رجلا أتاه فقال : هذا فلان ـ لأمير من أمراء المدينة ـ يدعوك غدا فتسب عليا على المنبر ، قال : فأقول ماذا؟ قال : تقول أبو تراب ، فضحك سهل ، ثم قال : والله ما سماه إياه الا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والله ما كان من اسم أحب إليه منه. (٦)

قال في فتح الباري :

قوله (هذا فلان لأمير المدينة) : أي عنى أمير المدينة ولم أقف على اسمه صريحا. (٧)

وروى مسلم قال : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني أبن أبي حازم ، عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : استعمل على المدينة رجل من آل مروان قال :

__________________

(١) محمود احمد شاكر ، موسوعة التاريخ الإسلامي ، المكتب الإسلامي بيروت ١٤٠٠ هـ ، المجلد الخاص بالخلفاء الراشدين والعهد الأموي.

(٢) كقوله : «فلم يصح ابدا عن معاوية انه سب عليا أو لعنه مرة واحدة فضلا عن التشهير به على المنابر». إبراهيم شعوط ، أباطيل يجب ان تمحى من التاريخ ، المكتب الإسلامي ، الطبعة السادسة ١٤٠٨ هـ ١٩٨٨ م. ص ٢٠٤.

(٣) حسن بن فرحان المالكي ، نحو انقاذ التاريخ الإسلامي ٢٧.

(٤) منهم الأستاذ حسن فرحان المالكي الحجازي (وهو مالكي المذهب ، بالأحاديث التي اوردناها في المتن).

(٥) جلال الدين السيوطي ، الجامع المختصر ج ٣ ص ١٣٥٨. البخاري ، صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٠٧.

(٦) مسلم بن الحجاج ، صحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٧١ ، الطبراني ، المعجم الكبير ج ٦ ص ١٥٠ ، أبو عاصم الضحاك ، الاحاد والمثاني ، دار الدراية للطباعة والنشر والتوزيع ١٩٩١ م ، ج ١ ص ١٦٧ ، ابن حبان ، صحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٣٦٨.

(٧) ابن حجر ، فتح الباري ج ٧ ص ٧٢.

٢١٠

فدعا سهل بن سعد ، فأمره أن يشتم عليا ، قال : فأبى سهل ، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا التراب! فقال سهل : ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب وإن كان ليفرح إذا دعي بها. (١)

وقال في ارشاد الساري : ان هذا الوالي هو مروان بن الحكم. (٢)

وروى مسلم أيضا قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد ، وتقاربا في اللفظ قالا : حدثنا حاتم وهو بن إسماعيل عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقال عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا (٣) فقال : ما منعك ان تسب أبا تراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلن اسبه (٤) لان تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به ارمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه.

__________________

(١) مسلم بن الحجاج ، صحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٧٤ ، البيهقي ، سنن البيهقي ج ٢ ص ٤٤٦. وتكملة الرواية : فقال له : أخبرنا عن قصته! لم سمي أبا تراب؟ قال : جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيت فاطمة عليها‌السلام فلم يجد عليا عليه‌السلام في البيت فقال : اين ابن عمك؟ فقالت : كان بيني وبينه شيء فغاضبني فلم يقل عندي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لإنسان : أنظر أين هو ، فجاء فقال : يا رسول الله هو في المسجد راقد ، فجاءه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسحه عنه ويقول : قم أبا التراب! قم أبا التراب!؟ قال ابن حجر : وروى ابن أبي إسحاق من طريقه وأحمد من حديث عمار بن ياسر قال : نمت أنا وعلي في غزوة العشيرة في نخل ، فما أفقنا الا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يحركنا برجله يقول لعلي : قم يا أبا تراب ، لما يرى عليه من التراب. (ابن حجر ، فتح الباري ج ٧ ص ٧٢).

(٢) شهاب الدين القسطلاني ، ارشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري ، الأميرية ـ بولاق ١٣٢٣ هـ ، ج ٦ ص ١١٢.

(٣) الذي يظهر ان هذا كان سنة خمسين لما حج معاوية بعد وفاة الحسن عليه‌السلام ، وهي السنة التي توفي فيها سعد أيضا ، ابن الاثير ، الكامل في التاريخ ، ج ٣ ص ٤٧١).

(٤) وفي مسند أبي يعلى ج ٢ ص ١١٤ قال : والذي نفس سعد بيده لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في علي شيئا لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسبه ما سببته أبدا.

٢١١

ولما نزلت هذه الآية : (تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي. (١)

وروى احمد بن حنبل قال : حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا عشبة عن حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم قال : خطب المغيرة بن شعبة فنال من علي ، فخرج سعيد بن زيد فقال : ألا تعجب من هذا يسب عليا؟ (٢)

وروى النسائي عن شقيق بن أبي عبد الله قال : حدثنا أبو بكر بن خالد بن عرفطة قال : رأيت سعد بن مالك بالمدينة فقال : ذكر أنكم تسبون عليا؟ قلت : قد فعلنا ، قال : لعلك سببته ، قلت : معاذ الله ، قال : لا تسبه ، فإن وضع المنشار على مفرقي على أن أسب عليا ما سببته ، بعد ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما سمعت. (٣)

أقول :

يتضح من هذه الروايات الصحيحة وفق مسلك أهل السنة في تصحيح الرواية ، وقد وردت في اهم مصادرهم الحديثية ، ان معاوية وولاته (مروان والمغيرة) كانوا يسبون عليا على المنابر.

وفي المصادر التاريخية تفصيل اكثر نورد طرفا منه فيما يلي :

«قال ابو عثمان الجاحظ (٤) : ان معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة : اللهم ان أبا تراب ألحد في دينك وصدَّ عن سبيلك ، فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما».

وكتب بذلك إلى الآفاق ، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر ، وصار ذلك سنة في أيام بني أمية ، إلى ان قام عمر بن عبد العزيز فأزاله. (٥)

__________________

(١) مسلم بن الحجاج ، صحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٧١ ، الترمذي ، صحيح الترمذي ج ٥ ص ٦٣٨.

(٢) احمد بن حنبل مسند احمد ج ١ ص ١٨٨ ، النسائي ، السنن الكبرى ج ٥ ص ٥٨.

(٣) النسائي ، السنن الكبرى ج ٥ ص ١٣٣.

(٤) هو عمرو بن بحر الليثي البصري النحوي ، كان مائلا إلى النصب.

(٥) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج ٤ ص ٥٦ الخطبة ٥٧. قال كثير بن عبد الرحمن يمدح عمر ويذكر قطعة للسب :

وليت فلم تشتم عليا ولم

تخف بريا ولم تقبل اساءة مجرم

(راجع أبو الفرج الاصفهاني ، الاغاني ج ٩ ص ٢٥٨).

وقال الشريف الرضي :

٢١٢

وقال أيضا : وما كان عبد الملك مع فضله وأناته وسداده ورجحانه ، ممن يخفى عليه فضل علي ، وان لعنه على رؤوس الاشهاد ، وفي اعطاف الخطب ، وعلى صهوات المنابر ، مما يعود عليه نقصه ويرجع إليه وهنه ، لانهما جميعا من بني عبد مناف ، والأصل واحد ، ولكنه أراد تشييد الملك وتأكيد ما فعله الأسلاف ، وان يقرر في انفس الناس ان بني هاشم لاحَظّ لهم في هذا الأمر ، وان سيدهم الذي يصولون به ويجولون ، وبفخره يفخرون ، هذا حاله وهذا مقداره ، فيكون من انتمى إليه ويدلي به عن الأمر أبعد ، وعن الوصول إليه اشحط. (١)

وقد بلغ الأمر ببني أمية انهم لا يحتملون لشخص ان يجمع بين اسم علي وكنيته.

روى ابن سعد في ترجمة علي بن عبد الله بن عباس قال : ويكنى أبا محمد ، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب رحمة الله عليه في شهر رمضان سنة أربعين ، فسمي باسمه وكني بكنيته أبي الحسن ، فقال له عبد الملك بن مروان : لا والله لا أحتمل لك الاسم والكنية جميعا ، فغير أحدهما فغير كنيته فصيرها أبا محمد. (٢)

ثم تمادى بهم الأمر إلى انهم صغَّروا كل عَلِيّ فقالوا عُلَيّ.

قال ابن حبان في ترجمة علي بن رباح اللخمي (٣) : وهو الذين يقال له : عُلَيّ بن

__________________

يابن عبد العزيز لو بكت

العين فتى من أمية لبكيتك

غير اني أقول انك قد طبت

وان لم يطب ولم يزك بيتك

انت نزهتنا عن السب والقذف

فلو امكن الجزاء جزيتك

(ديوان الشريف الرضي ، دار صادر ١٩٦١ م).

وقد ذكر البلاذري في انساب الاشراف ج ٨ ص ١٩٥ رواية المدائني عن عمر بن عبد العزيز قوله : نشأت على بغض علي لا اعرف غيره ، وكان أبي يخطب فإذا ذكر عليا ونال منه تلجلج ، فقلت : يا أبه انك تمضي في خطبتك فإذا اتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيرا ، قال : أفطنت لذلك؟ قلت : نعم! قال : يا بني ان الذين من حولنا لو نعلمهم من حال علي ما نعلم تفرقوا عنا.

أقول (وفي ج ٨ ص ١٨٤) قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عامله على الكوفة : اما بعد فقد بلغني ان من قبلك يسبون الحجاج فانهم عن ذلك.

(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ٤ ص ٥٧.

(٢) ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، ج ٥ ص ٣١٢. أقول : كان هذا من عبد الملك في أيام خلافته وتوفي علي بن عبد الله بن عباس سنة ١١٨.

(٣) علي بن رباح روى له الاربعة ومسلم والبخاري في الادب المفرد ، روى عن عمرو بن العاص وسراقة بن مالك بن جعشم وفضالة بن عبيد والمستورد بن شداد وعتبة بن النذر ومعاوية بن أبي

٢١٣

رباح ، وكان يقول : من قال لي عَلِيّ ليس مني في حل ، وذاك أن أهل الشام كانوا يصغِّرون كل علي ، لما في قلوبهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب. (١)

ونقل العلامة ابن عقيل رحمه‌الله عن الحافظ السيوطي : انه كان في أيام بني أمية اكثر من سبعين ألف منبر ، يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنه لهم معاوية من ذلك. (٢)

وقد بقيت أثار هذه التربية عند بعض اتباع بني أمية من حملة الحديث حتى بعد زوال حكمهم كما يذكر أصحاب التراجم عن حريز بن عثمان.

قال ابن حجر : حريز بن عثمان أبو عون الحمصي (٣) (خ ٤ البخاري والأربعة) قال أحمد : حريز صحيح الحديث إلا أنه يحمل على علي عليه‌السلام ، وقال المفضل بن غسان :

__________________

سفيان ومعاوية بن حديج ، وفد على معاوية وعلى عبد الملك بن مروان ، ذكره خليفة بن خياط في الطبقة الأولى من أهل مصر ، وقال عمر : وذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية وقال : كان ثقة. وقال سلمة بن شبيب : سمعت أبا عبد الرحمن المقرئ يقول : كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه ، فبلغ ذلك رباحا فقال : هو عُلَيّ ، وكان يغضب من عَلِيّ يحرّج على من سماه به. وقال أبو سعيد بن يونس : ولد سنة خمس عشرة عام اليرموك ، وكان أعور ذهبت عينه يوم ذي الصواري في البحر مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة أربع وثلاثين ، وكان يفد لليمانية من أهل مصر على عبد الملك بن مروان ، وكانت له من عبد العزيز بن مروان منزلة وهو الذي زف أم البنين ابنة عبد العزيز بن مروان إلى الوليد بن عبد الملك. مات سنة ١١٤. (ابن حجر ، تهذيب التهذيب ، دار الفكر بيروت ١٩٨٤ م). أقول : والظاهر ان قوله : قتلوه مصحف غيروه.

(١) مشاهير علماء الأمصار لابن حبان.

(٢) سيد محمد بن عقيل العلوي ، النصائح الكافية ، دار الثقافة قم ١٤١٢ هـ ، ص ١٠٤ وفيه : وفي تلك يقول العلامة احمد الحفظي الشافعي في ارجوزته :

سبعون ألف منبر وعشرة

من فوقهن يلعنون حيدرة

وهذه في جنبها العظائم

تصغر بل توجه اللوائم

فهل ترى من سنها يعادى

أم لا وهل يستر أم يهادى

أو عالم يقول عنه نسكتاحب

اني للجواب منصت

وليت شعري هل يقال اجتهدا

كقولهم في بغيه أم الحدا

اليس ذا يؤذيه أم لا فاسمعن

ان الذي يؤذي من ومن

بل جاء في حديث أم سلمة

هل فيكم الله يسب مه لمه

عاون اخا العرفان بالجواب

وعاد من عادى أبا تراب

وقد حكى الشيخ السيوطي انه

قد كان فيما جعلوه سُنَّة

(٣) ولد سنة ٨٠ وتوفي في سنة ١٦٣.

٢١٤

يقال في حريز مع تثبته أنه كان سفيانيا ، وقال العجلي : شامي ، ثقة وكان يحمل على علي ، وقال عمرو بن علي كان ينتقص عليا وينال منه ، وقال في موضع آخر : ثبت شديد التحامل على علي ، وقال ابن عمار : يتهمونه أنه كان ينتقص عليا ويروون عنه ويحتجون به ولا يتركونه ، وقال أحمد بن سعيد الدارمي عن أحمد بن سليمان المروزي سمعت إسماعيل بن عياش ، قال : عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسب عليا ويلعنه ، قال إسماعيل بن عياش : سمعت حريز بن عثمان يقول : هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعلي : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) حق ولكن أخطأ السامع ، قلت : فما هو؟ فقال : إنما هو أنت بمنزلة قارون من موسى ، قلت : عمن ترويه؟ قال : سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر ، وقال ابن عدي : وحريز من الاثبات في الشاميين ويحدث عن الثقات منهم ، وقد وثقه القطان وغيره ، وإنما وُضَع منه ببغضه لعلي ، قال يزيد بن عبد ربه (١) : قال ابن حجر : وحكى الأزدي في الضعفاء : أن حريز بن عثمان روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب فحل حزام البغلة ليقع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال الأزدي : من كانت هذه حاله لا يروى عنه ، قال ابن حجر : لعله سمع هذه القصة أيضا من الوليد ، وقال غنجار قيل ليحيى بن صالح : لم لم تكتب عن حريز؟ فقال : كيف اكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة ، وقال ابن حبان : كان يلعن عليا بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة فقيل له في ذلك ، فقال : هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي ، وكان داعية إلى مذهبه يتنكب حديثه انتهى. قال ابن حجر : وإنما أخرج له البخاري لقول أبي اليمان (٢) أنه رجع عن النصب كما مضى نقل ذلك عنه الله أعلم. (٣)

__________________

(١) مولده سنة ٨٠ ومات سنة ١٦٣.

(٢) ابو اليمان الحكم بن نافع البهراني الحمصي ، ولد في حمص سنة ٢٢١ وتوفي وهو ابن ٨٣ سنة ، قال الذهبي : روى عن إسماعيل بن عياش وحريز بن عثمان وآخرين وعنه البخاري والدارمي وابو زرعة وأبو حاتم استقدمه المأمون ليوليه قضاء حمص. وروايته ان حريز رجع عن النصب من اجل ان يبرئ ساحة شيخه في الرواية ، وقد اثبتنا في كتابنا علم الرجال المقارن انه لم يرجع عن النصب.

(٣) ابن حجر ، تهذيب التهذيب ، ترجمة حريز.

٢١٥

أقول :

وقد بقيت آثار التربية أيضا في بعض البلدان فلم يعد أهلها يتحملون سماع فضيلة لعلي عليه‌السلام حتى من محدِّثسهم.

روى الذهبي في ترجمة ابن السقاء : الحافظ الامام محدِّث واسط أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي ، وقال علي بن محمد الطيب الجلابي في تاريخه ابن السقاء من أئمة الواسطيين والحفاظ المتقنين ، توفي في جمادي الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة ، قال السلفي : سألت الحافظ خميسا الحوزي عن ابن السقاء؟ فقال : هومن مزينة مضر ولم يكن سقاء بل لقب له من وجوه الواسطيين وذوي الثروة والحفظ ، رحَل به أبوه فأسمعه من أبي خليفة وأبي يعلى وابن زيدان البجلي والمفضل بن الجندي ، وبارك الله في سنه وعلمه ، واتفق انه أملى حديث الطير فلم تحتمله نفوسهم ، فوثبوا به واقاموه وغسلوا موضعه فمضى ولزم بيته ، فكان لا يحدث أحدا من الواسطيين ، فلهذا قال حديثه عندهم وتوفي سنة إحدى وسبعين وثلاث مائة. قال الذهبي : حدثني ذلك شيخنا أبو الحسن المغازلي. (١)

وقد بقيت تربية الإنحراف في دمشق عن علي عليه‌السلام بشكل ظاهر ، بعد اكثر من قرن ونصف من قيام الدولة العباسية ، قال الامام النسائي (٢) (لما سئل عن سبب تصنيف كتابه الخصائص) قال : (دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير ، وصنف كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله). (٣)

خطة معاوية لتصفية التشيّع في الكوفة

عقبتان أمام مخطط معاوية بعد وفاة الحسن عليه‌السلام :

كان للكوفة في نظر معاوية اكثر من جُرم ، فقد انطلقت منها الشرارة الأولى في الاعتراض على سياسة ولاة عثمان ، ثم هي مركز أنضار علي وشيعته ، وهي القاعدة

__________________

(١) الذهبي ، تذكرة الحفاظ ، ج ٣ ص ٩٦٥.

(٢) كتابه في الحديث يعتبر احد الكتب السنة المعتبرة عن أهل السنة توفي سنة ٣٠٣ هجرية.

(٣) انظر ابن حجر ، في تهذيب التهذيب ، ج ١ ص ٣٣ ترجمة النسائي.

٢١٦

الصلبة التي استند إليها الحسن عليه‌السلام لتحقيق أهدافه في الصلح ، وجعلت معاوية يعاني جهدا نفسيا كبيرا مدة تسع سنوات ، ليظهر بمظهر الحليم ، ويتحمل انتشار أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حق علي عليه‌السلام ، وانتشار سيرته المشرقة في الشام وغيرها ، ويكرم وجوه أصحابه وهم ألدّ أعدائه.

وضع معاوية في حسابه ان يبذل كل جهده لتغيير وجهة الولاء الفكري والسياسي في الكوفة الذي كان لصالح علي وولده الطاهرين عليهم‌السلام ، وتحويلها إلى مدينة موالية لبني أمية ، وليس من شك انه أمر عسير جدا ، ودونه عقبات كؤود أهمها عقبتان اثنتان بعد ان تخلص من الحسين عليه‌السلام وهما :

١. الجيش (١) والشرطة فان النسبة الغالبة منهم ان لم يكونوا كلهم شيعة علي عليه‌السلام.

٢. الوجوه البارزة في المجتمع واغلبهم من الشيعة وفيهم رموز العلم والتقوى أمثال : حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي وغيرهما من الصحابة والتابعين.

الجيش والشرطة :

اعتمد معاوية في خطته لغربلة الجيش وقوى الأمن الداخلي في الكوفة من كل شيعي فيه واستبداله بشيعة بني أمية بمرحلتين أساسيتين :

المرحلة الأولى في حياة الحسن عليه‌السلام :

ويبدو ان اهم وسيلة اعتمدها معاوية في هذه المرحلة ، هي مقاتلة الخوارج وملاحقتهم ، فان المخلصين والواعين من الشيعة كانوا يمتنعون من مقاتلة الخوارج ، للكلام المأثور عن علي عليه‌السلام : (لا تقاتلوا الخوارج بعدي ، فانه ليس من طلب الحق فاخطأه كمن عرف الباطل وأصابه) (٢) ، وقال عليه‌السلام : (إن خرجوا على إمام عادل

__________________

(١) كانت مجموع المقاتلة ستين ألف وكان المقاتلة الفعليون كل سنة عشرة آلاف.

(٢) قال ابن عبد البر في الاستيعاب بترجمة خالد بن عرفطة : (لما سلم الأمر الحسن لمعاوية) خرج عليه عبد الله بن أبي الحوساء في جمادي سنة ٤١ بالنخيلة ، فبعث إليه معاوية خالد بن عرفطة العذري حليف بن زهرة في جمع من أهل الكوفة (أيضا خليفة بن خياط ، تاريخ خليفة بن خياط ، تحقيق د.

٢١٧

فقاتلوهم ، وإن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم فان لهم بذلك مقالا). (١)

المرحلة الثانية بعد وفاة الحسن عليه‌السلام :

وكان أسلوب الغربلة في هذه المرحلة يعتمد على سياسة الدولة في لعن علي عليه‌السلام والبراءة منه ، فمن يرفض لعن علي عليه‌السلام وسبه كان نصيبه ان يسقط اسمه من ديوان العطاء ، بل كان نصيب كل متهم بحب علي هو ان يسقط اسمه من ديوان العطاء ، وليس من شك ان المخلصين والواعين من الشيعة لا تطيب نفوسهم بسب علي عليه‌السلام حتى في حالات الضرورة المسموح بها فضلا عن البراءة وهي غير مسموح بها لأنها أمر قلبي ، وقد كان هذا الأسلوب الذي استخدمه معاوية اقوى أسلوب لتصفية الجيش وقوى الأمن الداخلي من الشيعة بل من كل متهم بحب علي.

إجراءات زياد بن عبيد الثقفي في الكوفة :

كان زياد بن عبيد الثقفي الذي غَيَّرَ نَسَبَه معاوية في قصة معروفة إلى زياد بن أبي سفيان ، يعتبر بحق باني الجيش الأموي في العراق وقوى الأمن الداخلي فيه. وكانت من اهم اجراءاته في هذا السبيل (إلى جنب صرامته في تطبيق السياسة العامة التي اشرنا إليها آنفا) أربعة أمور أساسية هي :

__________________

سهيل زكار ، دار الفكر بيروت ، ص ٢٠٣) ثم خرج حوثرة بن وداع ، فسرح إليه معاوية عبد الله بن عوف بن أحمر في ألف ، فقتل حوثرة في جمادي الآخرة سنة ٤١ (المصدر السابق ، ص ٢٠٤) ، ثم خرج فروة بن نوفل على المغيرة بعد رحيل معاوية فوجه إليه المغيرة شبث بن رِبعي (ويقال : معقل بن قيس) فقتله ، ثم خرج شبيب بن بَجَرَة خرج على المغيرة بالقُفِّ قريب الكوفة فبعث إليه المغيرة خالد بن عرفطة فقتله (وفي رواية ابن خياط وجه إليه كثير بن شهاب الحارثي فقتله في أذربيجان) ، ثم خرج ابو مريم مولى بني الحارث بن كعب فوجه إليه المغيرة جابرا البجلي فقتله ، ثم خرج ابو ليلى ومعه ثلاثون من الموالي بعث إليه المغيرة معقل بن قيس الرياحي فقتله (ابن الاثير ، الكامل في التاريخ ، ج ٣ ص ٤١١ ـ ٤١٢) ثم خرج المستورد بن عُلِّفَة غرة شعبان سنة ٤٣ ، فبعث إليه المغيرة معقل بن قيس فقتله (المصدر السابق ج ٣ ص ٤٢١). ثم خرج سهم بن غالب الهجيمي ومعه زياد بن مالك الخطيم بناحية البصرة ، فخرج اليهم عبد الله بن عامر (خليفة بن خياط ، تاريخ ابن خياط ، ص ٢٠٤).

(١) ابن أبي شيبة ، مصنف ابن أبي شيبة ، ج ٨ ص ٧٣٨.

٢١٨

الأول : إحياء الخروج الإلزامي للغزو ، وهو أول إجراء اتخذه عند قدومه الكوفة ، قال البلاذري : لما استعمل معاوية زيادا حين هلك المغيرة (١) على الكوفة جاء حتى دخل المسجد ثم خطب ، فقال : ... وأي رجل مكتبه بعيد فأجله سنتان ثم هو أمير نفسه ، وأي رجل مكتبه قريب فاجله سنة ثم هو أمير نفسه. (٢)

الثاني : تغيير نظام الأسباع الذي كان على عهد الامام علي عليه‌السلام (٣) إلى نظام الأرباع ، وفي هذا النظام جعل تعبئة قبيلة همدان مع قبيلة تميم ربعا ، وعليهم خالد بن عرفطة (٤) ، وربيعة وكندة ربعا وعليهم قيس بن خالد ، ومذحج واسد ربعا وعليهم

__________________

(١) هلك سنة ٥٠ هجرية وقيل سنة ٥١ هجرية.

(٢) البلاذري ، انساب الاشراف ، ج ١ / ١٩٨. كان نظام التجنيد على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله اختياريا وكذلك في عهد أبي بكر وشطرا من عهد عمر ، ثم صيره عمر الزاميا ونقل الطبري (٣ / ٤٧٨) عن عمر قوله : (ولا تدعوا في ربيعة أحدا ولا مضر ولا حلفائهم أحدا من أهل النجدات ولا فارسا إلا اجتلبتموه ، فإن جاء طائعا وإلا حشرتموه). وذكر المقريزي : ان الأمير قبل ذلك كان يقري البعوث على قدر المسافة ان كان بعيدا فسنة وان كان دون ذلك فستة اشهر ، فإذا اخل الرجل بثغره نزعت عمامته وأقيم في مسجد حيه ، فقيل هذا فلان قد أخل. (نجدت خماش ، الإدارة في العصر الأموي ، ط ١ ، دار الفكر دمشق ، ١٩٨٠ م ، ص ٢٦٨ عن المقريزي).

(٣) كان ترتيب الاسباع على عهد علي عليه‌السلام كما يلي : ١. همدان وحمير ٢. مذحج واشعر ومعهم طيء (ولكن رايتهم خاصة بهم) ٣. قيس وعبس وذبيان ومعهم عبد القيس ٤. كندة وحضرموت وقضاعة ومهرة. ٥. الازد وبجيلة وخثعم والانصار ٦. بكر وتغلب وبقية بطون ربيعة (عدا عبد القيس) ٧. قريش وكنانة واسد وتميم وضبة والرباب (البلاذري ، فتوح البلدان. الطبري ، تاريخ الطبري ، ج ٤ ص ٣١٧. وأيضا الدينوري ، الاخبار الطوال. ونصر بن مزاحم ، وقعة صفين).

(٤) قال ابن حجر في الاصابة في ترجمته : خالد بن عرفطة (بضم المهملة والفاء بينهما راء ساكنة) بن أبرهة (بفتح الهمزة والراء بينهما موحدة ساكنة) بن سنان الليثي ويقال العذري وهو الصحيح ، وهو حليف بني زهرة ، وولاه سعد القتال يوم القادسية ، أخرج حديثه الترمذي بإسناد صحيح ، روى عنه أبو عثمان النهدي وعبد الله بن يسار ومسلم مولاه وأبو إسحاق السبيعي وغيرهم ، وكان خالد مع سعد بن أبي وقاص في فتوح العراق ، وكتب إليه عمر يأمره أن يؤمره واستخلفه سعد على الكوفة ، ولما بايع الناس لمعاوية ودخل الكوفة خرج عليه عبد الله بن أبي الحوساء بالنخيلة فوجه إليه خالد بن عرفطة هذا فحاربه حتى قتله ، وعاش خالد إلى سنة ستين ، وقيل مات سنة إحدة وستين ، قال في تهذيب الكمال في ترجمته : وقال أبو القاسم الطبراني : كان خليفة سعد بن أبي وقاص على الكوفة ثم استعمله زياد على الكوفة. قال ابن حجر : وذكر بن المعلم المعروف بالشيخ المفيد الرافضي في مناقب علي من طريق ثابت الثمالي عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة قال : جاء رجل إلى علي فقال إني مررت بوادي القرى فرأيت خالد بن عرفطة بها مات فاستغفر له فقال : إنه لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة ويكون صاحب لوائه حبيب بن حمار ، فقام رجل فقال

٢١٩

ابو بردة بن أبي موسى الاشعري (١) ، وأهل المدينة ربعا ، وعليهم عمرو بن حريث المخزومي ، ومن الواضح ان الهدف من هذا التغيير هو تطويق القبائل المعروفة بتشيّعها. (٢)

الثالث : تسيير خمسين ألف مقاتل عراقي مع عوائلهم إلى خراسان (٣) ، منهم خمس وعشرون ألف من الكوفة ، عيِّن عليهم عبدالله بن عقيل ، والباقون من البصرة ، عيِّن عليهم الربيع بن زياد الحارثي (٤).

كما عيّنه على الجميع (٥) ، وكان فيهم بريدة بن الحصيب الاسلمي ، وبمرو توفي أيام يزيد بن معاوية ، وكان فيهم أيضا ابو برزة الاسلمي عبد بن نضلة ، وبها مات واسكنهم

__________________

يا أمير المؤمنين إني لك محب وأنا حبيب بن حمار ، فقال لتحملنها وتدخل بها من هذا الباب وأشار إلى باب المقبل فاتفق أن بن زياد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي ، فجعل خالدا على مقدمته وحبيب بن حمار صاحب رايته ، فدخل بها المسجد من باب المقبل.

(١) قال ابن سعد في الطبقات الكبرى ج ٦ ص ٢٦٨ : أبو بردة بن أبي موسى الأشعري واسمه عامر بن عبد الله بن قيس قال : أخبرنا محمد بن حميد العبدي عن معمر عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة قال : أرسلني أبي إلى عبد الله بن سلام أتعلّم منه ، فجئته فسألني : من أنت؟ فأخبرته فرحب بي ، فقلت : إن أبي أرسلني إليك لأسألك وأتعلم منك ، وقال أبو نعيم : قد ولي أبو بردة قضاء الكوفة بعد شريح قال محمد بن عمر وقد روى أبو بردة عن أبيه وقد ولي قضاء الكوفة : وقال محمد بن عمر وغيره : توفي أبو بردة بالكوفة سنة ثلاث ومائة.

(٢) وقد التفت إلى هذا الهدف أيضا المستشرق لامنس المعروف بميوله للأمويين. انظر خطط الكوفة للعلامة ماسينيون ترجمة. المصعبي ص ١٦.

(٣) قال الخربوطلي في كتابه العراق في ظل العهد الأموي / وهو رسالة دكتوراه / في ص ٢٩٨ : ولا شك ان معظمهم من الشيعة الذين أراد زياد التخلص من معارضتهم الدائمة.

(٤) قال ابن حجر في الاصابة : الربيع بن زيااد الحارثي ، قال أبو عمر : له صحبة ولا أعرف له رواية ، كذا قال ، وقال أبو أحمد العسكري : أدرك الأيام النبوية ولم يقدم المدينة إلا في أيام عمر ، وذكره البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان في التابعين ، وقال بن حبان : ولاه عبد الله بن عامر سجستان سنة تسع وعشرين ففتحت على يديه وقال المبرد في الكامل كان عاملا لأبي موسى على البحرين وفد على عمر فسأله عن سنه؟ فقال خمس وأربعون ، وقص قصة في آخرها أنه كتب إلى أبي موسى أن يقرّه على عمله واستخلفه أبو موسى على حرب مناذر سنة تسع عشرة فافتتحها عنوة ، وقتل بها أخوه المهاجر بن زياد ، وله مع عمر أخبار كثيرة : منها أن عمر قال لأصحابه دلوني على رجل إذا كان في القوم أميرا فكأنه ليس بأمير وإذا لم يكن بأمير فكأنه أمير فقالوا : ما نعرفه إلا الربيع بن زياد ، قال : صدقتم. ذكرها بن الكلبي ، وكان الحسن البصري كاتبه ، وولي خراسان لزياد إلى أن مات.

(٥) الخيرو ، رمزية عبد الوهاب ، إدارة العراق في صدر الإسلام ، دار الحرية للطباعة والنشر ، بغداد ، ١٩٧٨ م ، ص ١٤٣ و ٢٣٩ نقلا عن الطبري (ج ٤ ص ١٧٠) عن المدائني.

٢٢٠