الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

السيّد سامي البدري

الإمام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الأموي

المؤلف:

السيّد سامي البدري


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-499-295-7
الصفحات: ٦١٤

وفيه أيضا روى ابن جرير الطبري في تاريخه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه وكان ممن خرج لقتال الحجاج مع ابن الأشعث انه قال فيما كان يخص به الناس على الجهاد اني سمعت عليا رفع الله درجته في الصالحين واثابه ثواب الشهداء والصديقين يقول يوم لقينا أهل الشام :

(ايها المؤمنون انه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فانكره بقلبه فقد سلم وبرئ ومن انكره بلسانه فقد اجر وهو افضل من صاحبه ومن انكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ونور في قلبه اليقين. (١)

وروى الطبري في تفسيره قال حدثنا محمد بن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن هلال الوزان عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا قال نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط. (٢)

وروى ابن عساكر بسنده عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمار قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول آخر زادك من الدنيا ضياح (٣) لبن ، وقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقتلك الفئة الباغية. (٤)

أقول :

قال ابن عبد البر وروى الأعمش ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : شهدنا مع علي رضي‌الله‌عنه صفّين ، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفّين إلا رأيت أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتبعونه ، كأنه علم لهم. وسمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عقبة : يا هاشم ، تقدم الجنة تحت الأبارقة اليوم ألقى الأحبة : محمدا وحزبه. والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل ، ثم قال :

__________________

(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج ١٩ ص ١٧٨.

(٢) الطبري ، تفسير الطبري ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، مؤسسة الرسالة ٢٠٠٠ م ، ج ١١ ص ٣٨٤.

(٣) ضياح : في القاموس : الضيح والضياح : اللبن الرقيق الممزوج ، وتضيَّح اللبن : صار ضياحا.

(٤) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ٤٣ ص ٤١٨ ، وج ٤٦ ص ٢٨٨.

١٦١

نحن ضربناكم على تنزيله

فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحقّ إلى سبيله

قال : فلم أر أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ. (١)

وقال ابن عساكر أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم أنا أبو العباس أحمد بن منصور أنا أبو محمد بن أبي نصر أنا عمي أنا أبو علي نا أحمد بن عمر القاضي نا وكيع نا ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب أنه قال يوم الجمل ادع إلي الزبير لَعلّي أذكِّره شيئا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعي الزبير فجاء على دابته وجاء علي على دابته حتى اختلف رؤوس دوابهما فلم يزل علي يذكره ووجه الزبير يتغير ثم انصرفا.

فأما الزبير فمضى فنزل على ناس من بني سعد فأخبر طلحة أن الزبير قد انصرف.

فقال مروان إن لم أدرك ثأري اليوم لم أدركه أبدا فرماه بسهم فقتله ، قال وقتل ابن جرموز الزبير. فقال علي أقتله وقد أمنته ائذنوا له وبشروه بالنار. (٢)

قال ابن عبد البر حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أبو بكر أحمد ابن زهير ، قال حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا أبو سلمة التّبوذكيّ ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا أبو فروة ، قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال قال عمر رضي‌الله‌عنه : عليّ أقضانا. (٣)

أقول : وجدنا في روايات هؤلاء المحدثين الثلاثة وقد دخلوا الشام نماذج من الحديث النبوي واخبار سيرة علي عليه‌السلام التي انتشرت في الشام مما كان أهل الشام قد جهلوه بسبب سياسة منع الحديث ، وسياسة الحرب والاعلام الكاذب مما يؤكد نجاح الحسن في خطته في مواجهة المخطط الأموي.

__________________

(١) ابن عبد البر ، الاستيعاب ج ٣ ص ١١٣٩.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ٢٠ ص ٣٠١ ـ ٣٠٢.

(٣) ابن عبد البر ، الاستيعاب ، ج ٣ ص ١١٠٢.

١٦٢

الباب الثاني / الفصل الثالث

سيرة الامام الحسن عليه‌السلام (معالم امامته الدينية ومرجعيته في عمل الخير)

المبحث الأول في سنوات الصلح

عالج الامام الحسن عليه‌السلام الانشقاق الذي كان ينطوي على مخاطر جسيمة على الرسالة والأمة تحدثنا عنها في الفصول السابقة ، وفتح الشام لمشروع علي عليه‌السلام الاحيائي للسنة ليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة واقام حكومة المجتمع المدني وقدم اختيار اهل الشام على اهل العراق مؤقتا ، محتفظا لنفسه بموقع الإمامة الهادية الذي لم يأته ببيعة الناس بل بالوصية من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو موقع لا يزيده الحكم شيئا ولا ينقصه شيئا.

وقد سجلت له كتب التاريخ من فعل الخير وعبادة الله تعالى في هذه السنوات ما يجعله مصداقا لقوله تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) الأنبياء / ٧٣ الأمر الذي جعله يرتقي في الشرف عند الناس ما لم يبلغه احد الا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويكون يوم وفاته كيوم وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حشد أهل المدينة انفسهم جميعا الرجال والنساء والاطفال لكي يحضروا جنازته. وفيما يلي طرف من أعمال الخير هذه قد اقف عند بعضها بتحليل مختصر ، واترك الباقي لوضوحها في الإفصاح عن نفسها :

١٦٣

عبادته عليه‌السلام وخوفه من الله تعالى :

عن المفضل بن عمر ، قال : قال الصادق عليه‌السلام : حدثني أبي ، عن أبيه عليهما‌السلام أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

كان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم وأفضلهم ،

وكان إذا حج حج ماشيا ، وربما يمشي حافيا ،

وكان إذا ذكر الموت بكى ، وإذا ذكر القبر بكى ، وإذا ذكر البعث والنشور بكى ، وإذا ذكر المرر على الصراط بكى ، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها.

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل ،

وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم ، ويسأل الله تعالى الجنة ، وتعوذ به من النار ،

وكان عليه‌السلام لا يقرأ من كتاب الله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال : لبيك اللهم لبيك ، ولم ير في شيء من أحواله إلا ذاكرا لله سبحانه ،

وكان أصدق الناس لهجة ، وأفصحهم منطقا. (١)

وقال لي ابن عساكر عن عبد الله بن العباس قال : ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشيا ، ولقد حج الحسن بن علي خمسة وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه. (٢)

كرمه وتعامله عليه‌السلام مع المال :

روى ابن عساكر عن أبي هشام القناد ، قال : كنت أحمل المتاع من البصرة إلى الحسن بن علي وكان يماكسني فلعلي لا أقوم من عنده حتى يهب عمامته ، ويقول : إن أبي حدثني أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : المغبون لا محمود ولا مأجور. (٣)

__________________

(١) الشيخ الصدوق ، الأمالي ، ركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة ١٤١٧ هـ ، ص ١٤٠.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ ص ٧٢ ، الذهبي ، سير اعلام النبلاء ، ج ٤ ص ٣٨٧.

(٣) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ ص ٧٤.

١٦٤

وعن سعيد بن عبد العزيز أن الحسن بن علي بن أبي طالب سمع إلى جنبه رجلا يسأل أن يرزقه الله عشرة آلاف درهم فانصرف فبعث بها إليه.

قال هشام بن حسان ، عن ابن سيرين : إن الحسن بن علي كان يجيز الرجل الواحد بمئة ألف.

قاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات وخرج من ماله لله تعالى مرتين. (١)

سأله رجل فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار وقال له ائت بحمال يحمللك ، فأتى بحمال فأعطاه طيلسانة فقال هذا كرى الحمال.

وجاءه بعض الأعراب فقال : اعطوه ما في الخزانة ، فوجد فيها عشرون ألف درهم فدفعت إليه ، فقال الأعرابي يا مولاي الا تركتني ابوح بحاجتي وانشر مدحتي؟ فانشأ الحسن يقول :

نحن أناس نوالنا خضل

يرتع فيه الرجاء والامل

تجود قبل السؤال انفسنا

خوفا على ماء وجه من يسل (٢)

أقول :

من الواضح ان هذا التصرف من الحسن عليه‌السلام يستهدف الضغط على معاوية وإثارته ليقتدي بالحسن وليكون اكثر كرما منه وبذلك يتحرك المال الذي اكتنزه معاوية في خزانته في المجتمع لقضاء حوائج الناس. ومع ذلك كله فان معاوية لا يلحق بالحسن عليه‌السلام لانه عليه‌السلام قاسم الله عز وجل ثلاث مرات ماله حتى ان كان يعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطى خفا ويمسك خفا. وخرج من ماله مرتين (رواه ابن حبيب). (٣)

رأفته عليه‌السلام ونبله تقييمه للنفوس النبيلة :

روي أنه عليه‌السلام كان مارا في بعض حيطان المدينة فرأى أسود بيده رغيف يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة إلى أن شاطره الرغيف ، فقال له الحسن : ما حملك على أن شاطرته

__________________

(١) المزي ، تهذيب الكمال ج ٢ ص ٥٩٠ ـ ٥٩١ ، ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٤.

(٢) المجلسي ، بحار الانوار ج ٤٣ ص ٢٥٣ نقل عن المناقب لابن شهر آشوب ص ١٤.

(٣) ومثله عن المدائني المحمودي ٩.

١٦٥

فلم تغابنه فيه بشيء؟ فقال : استحت عيناي من عينيه أن أغابنه. فقال له : غلام من أنت؟ قال : غلام أبان بن عثمان. فقال له : والحائط؟ قال : لابان بن عثمان. فقال له الحسن : أقسمت عليك لا برحت حتى أعود إليك. فمر فاشترى الغلام والحائط وجاء إلى الغلام فقال : يا غلام قد اشتريتك. فقام قائما فقال : السمع والطاعة لله لولرسوله ولك يا مولاي. قال : فقد اشتريت الحائط وأنت حر لوجه الله والحائط هبة مني إليك. قال : فقال الغلام : يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني له. (١)

سعيه عليه‌السلام في قضاء حوائج المؤمنين :

روى ابن عساكر عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين قال : خرج الحسن يطوف بالكعبة فقام إليه رجل فقال : يا أبا محمد اذهب معي في حاجتي إلى فلان. فترك الطواف وذهب معه ، فلما ذهب خرج إليه رجل حاسد للرجل الذي ذهب معه ، فقال : يا أبا محمد تركت الطواف وذهبت مع فلان إلى حاجته؟ قال : فقال له الحسن : وكيف لا أذهب معه؟ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من ذهب في حاجة أخيه المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة وإن لم تقض له كتبت له عمرة. فقد اكتسبت حجة وعمرة ورجعت إلى طوافي. (٢)

تربيته عليه‌السلام للشباب :

قال محمد بن سعد : أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي ، قال : حدثنا مسعود ابن سعد ، قال : حدثنا يونس بن عبد الله بن أبي فروة ، عن شرحبيل أبي سعيد ، قال : دعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه ، فقال : يا بني وبني أخي ، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته. (٣)

__________________

(١) الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ج ٦ ص ٣٣ ، ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٥.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٦.

(٣) ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام من طبقات ابن سعد القسم المفقود ج ١ ص ٢٩٢. الدارمي ، سنن الدارمي ،

١٦٦

نشاطه عليه‌السلام اليومي :

قال محمد بن سعد : أخبرنا علي بن محمد ، عن محمد بن عمر العبدي ، عن أبي سعيد : إن معاوية قال لرجل من أهل المدينة من قريش : أخبرني عن الحسن بن علي.

قال : يا أمير المؤمنين ، إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ، ثم يساند ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رجل له شرف إلا أتاه فيتحثون.

حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين ، ثم نهض فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن فربما أتحفنه.

ثم ينصرف إلى منزله ثم يروح فيصنع مثل ذلك.

فقال : ما نحن معه في شيء. (١)

نشاطه عليه‌السلام العلمي :

كان يتتبع ما تفرق من سيرة أبيه ومسائله وخطبه يجمعها من أصحاب أبيه.

إجابته عليه‌السلام على الأسئلة الفقهية تاكيدا لفتاوى أبيه علي عليه‌السلام :

حدثني أبي قال حدثنا حسين بن حسن قال حدثنا شريك عن خارجة الصيرفي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال سألت الحسن بن علي عن قول علي في الخيار فدعا بربعة فأخرج منها صحيفة صفراء مكتوب فيها قول علي في الخيار. (٢)

سفراته عليه‌السلام إلى الشام وحواراته مع معاوية ورجاله :

روى أبو عثمان الجاحظ قال : دخل الحسن بن علي عليهما‌السلام على معاوية

__________________

الاعتدال دمشق ١٣٤٩ هـ ، ص ٩١ ، البخاري ، التاريخ الكبير ، لمكتبة الإسلامية ـ ديار بكر ـ تركيا ، ج ٨ ص ٢٨١.

(١) ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام من طبقات ابن سعد ج ١ ص ٢٩٧ ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧١ ، البلاذري ، انساب الاشراف ج ٣ ص ٢٧٤.

(٢) احمد بن حنبل ، العلل ومعرفة الرجال تحقيق : الدكتور وصي الله بن محمود عباس ، دار الخاني الرياض ١٤٠٨ هـ ، ج ١ ص ٣٤٦.

١٦٧

وعنده عبد الله بن الزبير وكان معاوية يحب أن يغري بين قريش فقال يا أبا محمد أيهما كان اكبر سنا علي أم الزبير؟ فقال الحسن ما اقرب ما بينهما وعلي أسنّ من الزبير ، رحم الله عليا.

فقال ابن الزبير رحم الله الزبير.

وهناك أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب ، فقال يا عبد الله وما يهيجُك من أن يترحَّم الرجل على أبيه

قال : وأنا أيضا ترحمت على أبي.

قال : أتظنه ندا له وكفؤا.

قل وما يعدِل بهب عن ذلك؟ كلاهما من قريش ، وكلاهما دعا إلى نفسه ولم يتم له.

قال : دع ذاك عنك يا عبد الله إن عليا من قريش ، ومن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث تعلم. ولما دعا إلى نفسه أتُّبع فيه وكان رأسا ، ودعا الزبير إلى أمر وكان الرأس فيه امرأة ، ولما تراءت الفئتان نكصَ على عقبيه وولى مُدبِرا قبل أن يظهر الحق فيأخذه ، أويدحض الباطل فيتركه ، فأدركه رجلٌ لو قِيسَ ببعض أعضائه لكان اصغر ، فضرب عنقه وأخض سَلَبه وجاء برأسه ، ومضى عليٌّ قُدُما كعادته مع ابن عمه! رحم الله عليا.

فقال ابن الزبير : اما لو أن غيرك تكلم بهذا يا أبا سعيد لعلِم.

فقال : إن الذي تُعرِّض به يرغب عنك.

وكفَّه معاوية فسكتوا.

وأخبرت عائشة بمقالتهم. ومر أبو سعيد بفنائها فنادته يا أبا سعيد انت القائل لابن أختي كذا ، فالتفت أبو سعيد فلم ير شيئا ، فقال إن الشيطان يرانا ولا نراه ،

فضحكت عائشة وقالت لله أبوك ما اذلق لسانك. (١)

سؤدده عليه‌السلام وهيبته وحلمه :

روى ابن عساكر : عن رجل من أهل الشام قال : قدمت المدينة فرأيت رجلا

__________________

(١) ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ١١ ص ١٦ ، ابن عبد ربه ، العقد الفريد ج ٣ ص ٢٠٥.

١٦٨

جُهريا كحالة (أي ذا منظرا وهيئة حسنة).

فقلت : من هذا؟

قالوا : الحسن بن علي.

قال : فحسدت والله عليا أن يكون له ابن مثله ،

قال : فأتيته.

فقلت : أنت ابن أبي طالب؟

قال : أني ابنه.

فقلت : بك وبأبيك وبك وبأبيك.

قال : وأزم لا يرد إلي شيئا ،

ثم قال : أراك غريبا فلو استحملتنا حملناك ، وإن استرفدتنا رفدناك ، وإن استعنت بنا أعناك.

قال فانصرفت والله عنه وما في الأرض أحد أحب إلي منه. (١)

قال وحدثنا ابن أبي الدنيا حدثني سليمان بن أبي شيخ حدثني أبي صالح بن سليمان قالا قدم رجل من المدينة وكان يبغض عليا فقطع به فلم يكن له زاد ولا راحلة فشكا ذلك إلى بعض أهل المدينة فقال له عليك بحسن بن علي فقال له الرجل ما لقيت هذا إلا في حسن وأبي حسن فقيل له فإنك لا تجد خيرا إلا منه فأتاه فشكا إليه فأمر له بزاد وراحلة فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالاته وقيل للحسن أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة قال أفلا اشتري عرضي منه بزاد وراحلة. (٢)

قصته عليه‌السلام مع معاوية بن حديج سنة ٤٤ هجرية :

عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية قال حج معاوية بن أبي سفيان وحج معه معاوية بن حديج وكان من أسب الناس لعلي فمر في المدينة في مسجد رسول الله

__________________

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٥ ، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج ١٨ ص ٤١٧.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٧٦.

١٦٩

صلى‌الله‌عليه‌وسلم والحسن بن علي جالس في نفر من أصحابه فقيل له هذا معاوية بن حديج الساب لعلي رضي‌الله‌عنه فقال علي بالرجل فأتاه الرسول فقال أجب قال من قال الحسن بن علي يدعوك فأتاه فسلم عليه فقال له الحسن بن علي رضي‌الله‌عنه أنت معاوية بن حديج قال نعم فرد عليه ثلاثا فقال له الحسن الساب لعلي فكأنه استحيى فقال له الحسن رضي‌الله‌عنه أم والله إذا وردت عليه الحوض وما أراك ان ترده لتجدنه مشمر الإزار على ساق يذود المنافقين ذود غريبة الإبل قول الصادق المصدوق صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد خاب من افترى. (١)

وروى ابن عساكر عن عبد الرزاق ، قال : قال لي عبد الله بن مصعب :

كان رجل عندنا قد انقطع في العبادة ، فإذا ذكر عبد الله بن الزبير بكى ، وإذا ذكر عليا نال منه!

قال : فقلت : ثكلتك أمك لروحة من علي أو غدوة منه في سبيل الله خير من عمر عبد الله بن الزبير حتى مات.

وعن عبد الله بن عروة أخبره قال : رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة ، قال : فوالله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقا!. قال : فغاظني ذلك فقمت إليه فقلت : يا عم. قال : ما تشاء؟ قلت : رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت من عنده حتى تفسخ جبينك عرقا! قال : ابن أخي انه ابن فاطمة لا والله ما قامت النساء عن مثله. (٢)

وقيل للحسن : فيك عظمة ، فقال عليه‌السلام : بل فيَّ عزة قال الله : «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (٣)».

وقال معاوية لعبد الله بن الزبير سنة ٤٤ حين زار المدينة الا ترى الحسن زارني مرة واحدة ... قال ان مع الحسن مائة ألف سيف لو شاء ضربك بها.

__________________

(١) الطبراني ، المعجم الكبير ج ٣ ص ٩١ ـ ٩٢ حدثنا علي بن إسحاق الوزير الأصبهاني ثنا إسماعيل بن موسى السدوسي ثنا سعيد بن خيثم الهلالي عن الوليد بن يسار الهمداني عن علي بن أبي طلحة مولى بني أمية.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٦٩ ـ ٧٠.

(٣) المجلسي ، بحار الانوار ج ٤٣ ص ٢٥١.

١٧٠

قال محمد بن إسحاق : ما بلغ احد من الشرف بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بلغ الحسن بن علي. كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق فما يمر احد من خلق الله الا جلس إجلالا له فاذا علم قام ودخل بيته فيمر الناس. ونزل عن راحلته في طريق مكة فمشى فما من خلق الله احد الا نزل ومشى حتى سعد بن أبي وقاص فقد نزل ومشى إلى جنبه. (١)

وقال مدرك بن زياد لابن عباس وقد امسك للحسن والحسين بالركاب وسوى عليهما ثيابهما (انت اسن منهما تمسك لهما بالركاب؟ فقال يا لكع وما تدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله اوليس مما انعم الله علي بن ان امسك لهما واسوي عليهما! (٢)

قال واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك. (٣)

تعليمه عليه‌السلام :

روى الكليني عن عليبن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الله بن حماد ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي برزة الأسلمي قال : ولد للحسن بن علي عليهما‌السلام مولود فأتته قريش فقالوا : يهنئك الفارس ، فقال : وما هذا من الكلام؟ قولوا : شكرت الواهب ، وبورك لك في الموهوب ، وبلغ الله به أشده ، ورزقك بره. (٤)

وروى ايضا عن البرقي ، عن بكر بن صالح ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : هنا رجل رجلا أصاب ابنا ، فقال : يهنئك الفارس ، فقال الحسن عليه‌السلام له : ما علمك يكون فارسا أو راجلا؟ قال : جعلت فداك فما أقول؟ قال : تقول : شكرت الواهب ، وبورك لك في الموهوب ، وبلغ أشده ، ورزقك بره. (٥)

__________________

(١) المجلسي ، بحار الانوار ج ٤٣ ص ٢٥٤ نقل عن المناقب.

(٢) المجلسي ، بحار الانوار ج ٤٣ ص ٢٣٧ ، الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ج ١٤ ص ١٥٥ ، ابن عساكر تاريخ مدينة دمشق ج ١٤ ص ٦٨.

(٣) المجلسي ، بحار الانوار ج ٤٣ ص ٢٥١.

(٤) الكليني ، الكافي ج ٦ ص ١٩.

(٥) الكليني ، الكافي ج ٦ ص ١٩.

١٧١

وروى عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الرحمن بن حماد ، عن أبي مريم الأنصاري رفعه قال : إن الحسن بن علي عليهما‌السلام خرج من الحمام فلقيه إنسان فقال : طاب استحمامك ، فقال : يا لكع وما تصنع بالاست ههنا؟ فقال : طاب حميمك ، فقال : أما تعلم أن الحميم العرق؟ قال : طاب حمامك : فقال : وإذا طاب حمامي فأي شيء لي؟

قال : طهر ما طاب منك ، وطاب ما طهر منك. (١)

حسن خلقه عليه‌السلام :

عن ابن عون عن عمير بن إسحاق قال ما تكلم عندي أحد كان احب إلي إذا تكلم ان لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرو فإنه كان بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في ارض فعرض حسين أمرا لهم لم يرضه عمرو فقال الحسن فليس له عندنا إلا ما رغم انفه قال فهذا اشد كلمة فحش سمعتها منه قط. (٢)

روى ابن سعد قال : جلس رجل إلى الحسن بن علي فقال انك جلست إلينا على حين قيام منا أفتأذن : (٣)

__________________

(١) الكليني ، الكافي ج ٦ ص ٥١٥. بيان : قال الفيروزآبادي : استحم اغتسل بالماء الحار ، وبالماء البارد ضد وقال : ولا يقال «طاب حمامك» وإنما يقال : طابت حِمَّتك بالكسر أي حميمك أي طاب عرقك. انتهى. ولعله عليه‌السلام قال : ما تصنع بالاست ، على وجه المطايبة لكون الاست موضوعا لأمر قبيح ، وإن لم يكن مقصودا ههنا تنبيها له على أنه لا بد أن يرجع في تلك الأمور إلى المعصوم ، ولا يخترعوا بآرائهم ، ويحتمل أن يكون المراد أن الألف والسين والتاء الموضوعة للطلب غير مناسب في المقام فيكون إشارة إلى أن الاستحمام بمعنى الاغتسال لغة غير فصيحة (بحار الانوار ج ٤٤ ص ٣٤١).

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ ص ٨٠ ، ابن سعد ، الطبقات الكبرى القسم الناقص ج ١ ص ٢٧٩ ، المزي ، تهذيب الكمال ج ٢ ص ٥٩١ ، الزبير بن بكار ، جمهرة نسب قريش وأخبارها ، ص ٢٤.

(٣) ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، القسم الناقص ج ١ ص ٢٨١ ، ابن أبي شيبة ، المصنف ج ٥ ص ٢٤٣ ، السيوطي ، تاريخ الخلفاء ج ١ ص ٢٢٥.

١٧٢

طرف من كلماته عليه‌السلام :

قال عليه‌السلام : ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم.

وقال عليه‌السلام : اللؤم أن لا تشكر النعمة.

وقال عليه‌السلام : لبعض ولده : يا بني لا تواخ أحدا حتى تعرف موارده ومصادره فإذا استنبطت الخبرة ورضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العسرة.

وقال عليه‌السلام : ما أعرف أحدا إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه.

وقال عليه‌السلام : من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب أحدى ثمان : آية محكمة وأخا مستفادا وعلما مستطرفا ورحمة منتظرة وكلمة تدله على الهدى أو ترده عن ردى وترك الذنوب حياء أو خشية.

ورزق غلاما فأتته قريش تهنيه فقالوا : يهنيك الفارس ، فقال عليه‌السلام أي شيء هذا القول؟ ولعله يكون راجلا ، فقال له جابر : كيف نقول يا ابن رسول الله؟ فقال : عليه‌السلام : إذا ولد لاحدكم غلام فأتيتموه فقولوا له : شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ، بلغ الله به أشُدَّه ورزقك بِرَّه.

وقال عليه‌السلام : إن أبصر الأبصار ما نفذ في الخير مذهبه ، وأسمع الأسماع ما وعى التذكير وانتفع به.

قال عليه‌السلام : إن من طلب العبادة تزكى لها. إذا أضرت النوافل بالفريضة فارفضوها.

وقال عليه‌السلام : اتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب وتجاه الهرب ، وبادروا العمل قبل مقطعات النقمات وهادم اللذات فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجيعها ولا تتوقى في مساويها ، غرور حائل ، وسناد مائل ، فاتعظوا عباد الله بالعبر ، واعتبروا بالأثر ، وازدجروا بالنعيم. وانتفعوا بالمواعظ ، فكفى بالله معتصما ونصيرا وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما وكفى بالجنة ثوابا وكفى بالنار عقابا ووبالا.

وقال عليه‌السلام : إذا لقي أحدكم أخاه فليقبل موضع النور من جبهته.

ومرَّ عليه‌السلام في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال : إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه (١) فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا

__________________

(١) المضمار : المدة والأيام التي تضمر فيها للسباق. وموضع السباق.

١٧٣

وقصر آخرون فخابوا. فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغول بإساءته ، ثم مضى. (١)

قال أبو بكر محمد بن كيسان الأصم : قال الحسن ذات يوم لأصحابه : إني أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني ، وكان عظيم ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، كان خارجا عن سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، وكان خارجا عن سلطان فرجه ، فلا يستخف له عقله ولا رأيه ، وكان خارجا عن سلطان جهله فلا يمد يدا إلا على ثقة المنفعة ، ولا يخطو خطوة إلا لحسنة ، وكان لا يسخط ولا يتبرم ، كان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم ، وكان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت ، كان أكثر دهره صامتا ، فإذا قال يذر القائلين ، وكان لا يشارك في دعوى ، ولا يدخل في مراء ، ولا يدلى بحجة ، حتى يرى قاضيا يقول ما لا يفعل ، ويفعل ما لا يقول ، تفضلا وتكرما ، كان لا يغفل عن إخوانه ، ولا يستخص بشيء دونهم. كان لا يكرم أحدا فيما يقع العذر بمثله ، كان إذا ابتدأه أمر ان لا يرى أيهما أقرب إلى الحق نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه. رواه ابن عساكر والخطيب.

وقال أبو الفرج المعافى بن زكريا الحريري : ثنا بدر بن الهيثم الحضرميّ ثنا علي بن المنذر الطريفي ثنا عثمان ابن سعيد الدارميّ ثنا محمد بن عبد الله أبو رجاء ـ من أهل تستر ـ ثنا شعبة بن الحجاج الواسطي عن أبي إسحاق الهمدانيّ عن الحارث الأعور أن عليا سأل ابنه ـ يعني الحسن ـ عن أشياء من المروءة ،

فقال : يا بني ما السداد؟ قال : يا أبة السداد دفع المنكر بالمعروف ،

قال : فما الشرف؟ قال : اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.

قال : فما المروءة؟ قال : العفاف وإصلاح المرء ماله.

قال : فما الدنيئة؟ قال : النظر في اليسير ومنع الحقير.

__________________

(١) ابن شعبة الحراني ، تحف العقول ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ١٤١٤ هـ ، ص ١٦٧.

١٧٤

قال : فما اللوم؟ قال : احتراز المرء نفسه وبذله عرسه.

قال : فما السماحة؟ قال : البذل في العسر واليسر.

قال : فما الشح؟ قال : أن ترى ما في يديك سرفا وما أنفقته تلفا.

قال : فما الإخاء؟ قال : الوفاء في الشدة والرخاء.

قال : فما الجبن؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.

قال : فما الغنيمة؟ قال : الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا.

قال : فما الحلم؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس.

قال : فما الغنى؟ قال : رضى النفس بما قسم الله لها وإن قلّ ، فإنما الغنى غنى النفس.

قال : فما الفقر؟ قال : شره النفس في كل شيء.

قال : فما المنعة؟ قال : شدة البأس ومقارعة أشد الناس.

قال : فما الذل؟ قال : الفزع عند المصدوقية.

قال : فما الجرأة؟ قال : موافقة الأقران.

قال : فما الكلفة؟ قال : كلامك فيما لا يعنيك.

قال : فما المجد؟ قال : أن تعطى في الغرم وأن تعفو عن الجرم.

قال : فما العقل؟ قال : حفظ القلب كل ما استرعيته.

قال : فما الخرق؟ قال : معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.

قال : فما الثناء؟ قال : إتيان الجميل وترك القبيح.

قال : فما الحزم؟ قال : طول الأناة ، والرّفق بالولاة ، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم.

قال : فما الشرف؟ قال : موافقة الإخوان ، وحفظ الجيران.

قال : فما السفه؟ قال : اتباع الدناة ، ومصاحبة الغواة.

قال : فما الغفلة؟ قال : تركك المسجد وطاعتك المفسد.

قال : فما الحرمان؟ قال : تركك حظك وقد عرض عليك.

قال ثم قال علي : يا بني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول :

١٧٥

«لا فقر أشد من الجهل ، ولا مال أفضل من العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا عقل كالتدبير ، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا ورع كالكف ، ولا عبادة كالتفكر ، ولا إيمان كالحياء ، ورأس الإيمان الصبر ، وآفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة الحلم السفه ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الطرف الصلف ، وآفة الشجاعة البغي ، وآفة السماحة المن ، وآفة الجمال الخيلاء ، وآفة الحب الفخر» ثم قال علي : يا بني لا تستخفن برجل تراه أبدا ، فان كان أكبر منك فعدّه أباك ، وإن كان مثلك فهو أخوك ، وإن كان أصغر منك فاحسب أنه ابنك. فهذا ما سأل على ابنه عن أشياء من المروءة». (١)

أقول : ورواه المزي ثم قال بعده قال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا : في هذا الخبر من جوابات الحسن أباه عما سائله عنه من الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه وحفظه ورعاه ، وعمل به ، وأدب نفسه بالعمل عليه وهذبها بالرجوع إليه ، وتتوفر فائدته بالوقوف عنده ، وفيما رواه في أضعافه أمير المؤمنين ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مالا غنى لكل لبيب عليم ، ومدره حكيم عن حفظه وتأمله ، والمسعود من هدي لتقبله ، والمجدود من وفق لامتثاله وتقبله.

قال المزي تابعه أبو عمر خشيش بن أصرم البصري ، عن أحمد بن عبد الله الحبطي. أخبرنا به أبو الحسن ابن البخاري ، قال : أنبأنا أبو سعد ابن الصفار ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الفزاري ، قال : أخبرنا أبو عثمان الصابوني ، قال : حدثنا الأستاذ أبو منصور محمد بن عبد الله بن حمشاذ ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبيد الله الجرجاني ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد المؤمن الجرجاني بجرجان ، قال : أحسب عليكم هذا الحديث بمئة حديث. (٢)

المبحث الثاني مراحل حياته عليه‌السلام

ولد الحسن في ١٥ رمضان من السنة الثالثة من الهجرة وتوفي في صفر أو ربيع الأول

__________________

(١) ابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ٨ ص ٤٠. ورواه المزي في تهذيب الكمال.

(٢) المزي ، تهذيب الكمال ج ٦ ص ٢٤١.

١٧٦

سنة ٥٠ هـ ، وقيل سنة ٤٩ هـ وقيل سنة ٥١ هـ والأول اشهر وقد اخترناه في هذا البحث وبذلك يكون قد عاش ٤٧ سنة تقريبا تفصيلها كما يلي :

سبع سنوات مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

خمس وعشرون سنة عاش مع أبيه علي عليه‌السلام في محنته مع الخلفاء في المدينة.

خمس سنوات مع بيعة أبيه في حكمه.

سبعة شهور نم بيعته حاكما.

عشر سنوات في عهد صلحه (سنوات مرجعيته الدينية المستقلة عن السلطة).

طفولته عليه‌السلام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سبع سنوات :

ولد الحسن بن علي عليهما‌السلام في المدينة ليلة النصف من رمضان وكان يشبه النبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله وسأل النبي علياً إن كان قد سماه فقال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وما كنت لأسبق ربّي باسمه ، فأوحى الله إليه : أنَّ علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون قال : وما اسم ابن هارون؟ قال : شُبَّر ، قال : لساني عربي ، قال : سمِّه الحسن فسمّاه الحسن. (٢)

أخذه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من فور ولادته فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ثم عق عنه وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة فكان وزن درهما وشيئا وأمر فطلي راسه طيبا وسنت بذلك سنة العقيقة والتصدق بوزن الشعر.

روى ابن عساكر عن شعبة ، قال : سمعت بريد ابن أبي مريم يحدث عن أبي الحوراء قال : قلت للحسن بن علي : ما تذكر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : أذكر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فجعلتها في في قال : فنزعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلعابها فجعلها في التمر ، فقيل : يا رسول الله ما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي؟ قال : إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. (٣)

__________________

(١) الطبري ، تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٨.

(٢) المجلسي ، بحار الانوار ج ٤٣ ص ١٧٧.

(٣) احمد بن حنبل ، مسند احمد ج ٢ ص ٣٤٥ ، ابن حبان ، صحيح ابن حبان ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ،

١٧٧

قال : وكان يقول : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة.

قال : وكان يعلمنا هذا الدعاء : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت. (١)

وروى الدولابي قال حدثنا أحمد بن يحيى نا عبد الحميد بن صالح نا أبو شهاب عن مسعر عن أبي مصعب السلمي قال : حدثني ثلاثة رجال منهم : الحسن بن علي : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : «اللهم أقلني عثرتي واستر عورتي وآمن روعتي واكفني من بغى علي وانصرني ممن ظلمني وأرني ثاري منه». (٢)

وروى أيضا حدثنا أبو جعفر ـ أحمد بن يحيى الصوفي نا إسماعيل بن صبيح اليشكري نا صباح بن واقد الأنصاري عن سعد الإسكاف عن عمير بن مأمون عن الحسن بن علي قال : سمعت جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من صلى الفجر فجلس في مصلاه إلى طلوع الشمس ستره الله من النار. (٣)

وروى أبو نعيم قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا يوسف القاضي ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا مبارك بن فضالة : حدثنا الحسن ، حدثني أبو بكرة قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي بنا فيجئ الحسن ـ وهو ساجد ـ صبي صغير حتى يصير على ظهره ـ أو رقبته ـ فيرفعه رفعا رفيقا فلما صلى صلاته قالوا : يا رسول الله إنك لتصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه بأحد؟! فقال : إن هذا ريحانتي وإن ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين. (٤)

__________________

مؤسسة الرسالة ١٩٩٣ م ، ج ٢ ص ٣٩ ، الطبراني ، المعجم الكبير ج ٣ ص ٧٦ ، أبو يعلى الموصلي ، مسند أبي يعلى ج ٥ ص ١٦٧.

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ ص ٦.

(٢) محمد بن أحمد الدولابي ، الذرية الطاهرة النبوية ، تحقيق سعد المبارك الحسن ، الدار السلفية ـ الكويت ١٤٠٧ هـ ، ص ١١٨ ـ ١١٩.

(٣) محمد بن أحمد الدولابي ، الذرية الطاهرة النبوية ص ١١٩.

(٤) أبو نعيم ، حلية الأولياء ج ٢ ص ٤٤.

١٧٨

وروى الحاكم في المستدرك : عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، عن أبيه قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر وهو حامل أحد ابنيه الحسن أو الحسين فتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضعه عند قدمه اليمنى فسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سجدة أطالها ، قال أبي : فرفعت رأسي من بين الناس فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساجد وإذا الغلام راكب على ظهره فعدت فسجدت فلما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الناس : يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها أفشيء أمرت به أو كان يوحى إليك؟ قال : كل ذلك لم يكن إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته. (١)

وفي تهذيب الكمال : قد رأيت الحسن بن علي يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ساجد فيركب ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ، ويأتي وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر. (٢)

روى ابن عساكر بسنده عن نصر بن علي أنا علي بن جعفر بن محمد حدثني أخي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن علي عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده أن النبي أخذ الحسن والحسين فقال من احبني واحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. قال ابن عساكر : أخرجه الترمذي عن نصر بن علي. (٣)

وروى أيضا بسنده عن سفيان عن زبيد عن شهر بن حوشب عن أم سلمة أن النبي جلل عليا وحسنا وحسينا وفاطمة كساء ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فقالت أم سلمة قلت يا رسول الله أنا ، وأنا منهم؟ قال انك إلي خير. (٤)

وروى عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيتي (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الأحزاب / ٣٣

__________________

(١) الحاكم النيسابوري ، المستدرك ، ج ٣ ص ١٨٣.

(٢) المزي ، تهذيب الكمال ، ج ٢ ص ٥٨٦.

(٣) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ ص ٣٣.

(٤) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ ص ٣٤.

١٧٩

قلت : يا رسول الله الست من أهل البيت؟ قال انك إلى خير ، انك من أزواج رسول الله ، قالت : وأهل البيت رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين. (١)

وروى عن سالم بن أبي الجعد عن قيس بن أبي حازم عن حذيفة بن اليمان قال : بت عند رسول الله ليلة فرأيت شخصا فقال لي النبي هي رأيت قلت نعم ، قال فإن ملكا هبط عليَّ من السماء لم يهبك عليَّ إلا ليلتي هذه فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. قال الراوي وحدثونا به انه قال وأبوهما خير منهما. (٢)

وروى عن أبي إسحاق عن زيد بن ارقم قال أني لعند رسول الله إذ مرَّ علي وفاطمة والحسن والحسين.

فقال رسول الله : أنا حربٌ لمن حاربهم وسلمٌ لمن سالمهم. (٣)

وروى عن عبد الرحمن بن أبي ذئاب حدثني عبد الله بن الحارث بن نوفل حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله دخل على ابنته فاطمة وابناها إلى جانبها وعلي نائم فاستسقى الحسن فأتى رسول الله ناقة لهم تحلب فحلب منها ثم جاء به فنازعه الحسين أن يشرب قبله حتى بكى فقال يشرب أخوك ثم تشرب فقالت فاطمة كأنه آثر عندك منه؟

قال : ما هو بآثر عندي منه وانهما عندي بمزلة واحدة ، وانك وهما وهذا المضطجع معي في مكان واحد يوم القيامة. (٤)

احداث سنوات محنة أبيه عليه‌السلام مع الخلفاء (خمس وعشرون سنة) :

قال في ينابيع المودة أخرج الدارقطني : إن الحسن جاء لابي بكر رضي‌الله‌عنهما وهو على المنبر ، فقال : انزل عن مجلس أبي وفي رواية عن منبر أبي. فقال : صدقت ، والله إنه لمجلس أبيك. ثم أخذه وأجلسه في حجره وبكى. فقال علي رضي‌الله‌عنه : أما والله ما كان عن رأيي. فقال : صدقت ، والله ما اتهمتك. (٥)

__________________

(١) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ ص ٤٢.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ ص ٤٣.

(٣) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ ص ٥١.

(٤) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ ص ٥٦.

(٥) القندوزي ، ينابيع المودة ، تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني ، دار الأسوة للطباعة والنشر ١٤١٦ هـ ، ج ٢ ص ٤٦٥.

١٨٠