بحوث في المعراج

السيد علي الحسيني الصدر

بحوث في المعراج

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-380-3
الصفحات: ١٦٠

ثم أوحى الله إليه ؛ إستَوِ جالساً يا محمد. ففعل ، فلمّا رفع رأسه من سجوده واستوى جالساً ، نظر إلى عظمته تجلَّت له. فخرَّ ساجداً من تِلقاء نفسه لا لأمر أُمِربه فسبَّح أيضاً ثلاثاً.

فأوحى الله إليه : إنتَصِب قائماً. ففعل ، فلم يَرَ ما كان رأى من العظمة. فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة وسجدتين.

ثم أوحى الله عز وجل إليه: إقرء بـ «الحمد لله». فقرأها مثل ما قرء أولاً.

ثم أوحى الله عز وجل إليه : إقرء «إنا أنزلناه» ، فإنها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة.

وفعل في الركوع مثل ما فعل في المرة الأولى ، ثم سجد سجدة واحدة. فلمّا رفع رأسه ، تجلَّت له العظمة فخرَّ ساجداً من تلقاء نفسه لا لأمر أُمِر به فسبَّح أيضاً.

ثم أوحى الله إليه : ارفَع رأسك يا محمد ، ثبتك ربك.

فلمّا ذهب ليَقوم ، قيل : يا محمد ، اجلس. فجلس ، فأوحى الله إليه : يا محمد ، إذا ما أنعمت عليك فسمِّ بإسمي. فأُلهِم أن قال : بسم الله وبالله ، ولا إله إلا الله ، والأسماء الحسنة كلُّها لله.

ثمأوحى الله إليه : يا محمد ، صلِّ على نفسك وعلى أهل بيتك. فقال : صلَّى الله عليّ وعلى أهل بيتي وقد فعل.

ثم التفت فإذاً بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين ، فقيل : يا محمد ، سلِّم عليهم.

فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فأوحى الله إليه : إن السلام والتحيَّة والرحمة والبركاتأنت وذرِّيتك.

ثم أوحى الله إليه أن لا يلتفت يساراً ، وأول آية سمعها بعد «قل هو الله أحد» و «إنّا أنزلناه» ، آية أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تِجاه القبلة ، ومن أجل ذلك كان التكبير في السجد شكراً.

وقوله : سمع الله لِمَن حمده ، لأن النبي صلى الله عليه وآله سمع ضجَّة الملائكة بالتسبيح والتحميد والتهليل ، فمن أجل ذلك قال : سمع الله لمن حمده.

٨١

ومن أجل ذلك صارت الركعتان الأوليان ، كلَّما أحدث فيهما حدثاً كان على صاحبهما إعادتهما. فهذا الفرض الأول في صلاة الزوال يعني صلاة الظهر ١.

الحديث السابع :

حديث إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : كيف صارتالصلاة ركعة وسجدتين ، وكيف إذا صارت سجدتين لم تكن ركعتين؟ فقال :

إذا سألت عن شيء ، ففرَّغ قلبك لِتَفهَم. إن أول صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وآله إنما صلّاها في السماء بين يَدَي الله تبارك وتعالى ، قُدّام عرشه جلَّ جلاله. وذلك إنه لمّا أُسرِيَ به وصار عند عرشه تبارك وتعالى ، قال : يا محمد ، ادنُ من صار فاغسِل مساجدك وطهِّرها صلِّ لربك.

فدنا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حيث أمره الله تبارك وتعالى ، فتوضّأ فأسبَغ وضوءه. ثم استقبل الجبار تبارك وتعالى قائماً ، فأمره بإفتتاح الصلاة ففعل.

فقال : يا محمد ، اقرأ : (بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين) ، إلى آخرها ، ففعل ذلك.

ثم أمره أن يقرأ نسبة ربه تبارك وتعالى : (بسم الله الرحمن الرحيم *قُل هو الله أحد * لم يَلِد ولم يولَد * ولم يَكُن له كُفُواً أحد) ، فأمسك عنه القول. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كذلك الله ربي ، كذلك الله ربي ، كذلك الله ربي.

فلما قال ذلك ، قال : اركَع ـ يا محمد ـ لربك. فركع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له وهو راكع : قل : «سبحان ربي العظيم وبحمده» ، ففعل ذلك ثلاثاً.

ثم قال : إرفَع رأسك يا محمد. ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقام مُنتصباً بين يدي الله عز وجل.

__________________

١. الكافي : ج ٣ (الفروع) ص ٤٨٢ ح ١.

٨٢

فقال : اسجُد ـ يا محمد ـ لربك. فخرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله ساجداً فقال : قل : «سبحان ربي الأعلى وبحمده». ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثاً.

فقال له : استَوِ جالساً يا محمد. ففعل ، فلمّا استوى جالساً ، ذكره جلال ربه جلَّ جلاله ، فخرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله ساجداً من تلقاء نفسه لا لأمرأمره ربه عز وجل. فقال له : إقرأ يا محمد وافعَل كما فعلتَ في الركعة الأولى. ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم سجد سجدة واحدة. فلما رفع رأسه ، ذكر جلالة ربه تبارك وتعالى الثانية ، فخرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله ساجداً من تلقاء نفسه لا لأمر أمره ربه عز وجل ، فسبَّح أيضاً.

ثم قال له : ارفَع رأسك ثبَّتك الله ، واشهَد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد ، وارحَم محمداً وآل محمد ، كما صلَّيتَ وباركتَ وترحَّمتَ ومَنَنتَ على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد. اللهم تَقبَّل شفاعته في أمته وارفَع درجته. ففعل.

فقال : سلِّم يا محمد ، استقبِل. فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله ربه تبارك وتعالى وتقدَّس وجهه مُطرِقاً ، فقال : السلام عليك.

فأجابه الجبّار جلَّ جلاله فقال : وعليك السلام يا محمد ، بنعمتي قَوَيتُكعلى طاعتي ، وبعصمتي إيّاك اتخذتك نبياً وحبيباً.

ثم قال أبو الحسن عليه السلام : وإنما كانت الصلاة التي أُمِر بها ركعتين وسجدتين ، وهو صلى الله عليه وآله إنما سجد سجدتين في كل ركعة عما أخبرتك من تذكرة لعظمة ربه تبارك وتعالى ، فجعله الله عز وجل فرضاً.

قلت : جعلت فداك ، وما صاد الذي أُمِر أن يُغسِّل منه؟

فقال : عين تَنفَجِر من ركن من أركان العرش ، يقال له : ماء الحياة ، وهو ما قال الله عز وجل : (ص والقرآن ذي الذكر)١ ، إنما أمره أن يتوضَّأ ويقرأ ويصلِّي ٢.

__________________

١. سورة ص : الآية ١.

٨٣

الحديث الثامن :

حديث سيدنا عبدالعظيم الحسني ، عن الإمام الجواد ، عن آبائه الطاهرين، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال :

دخلت أنا وفاطمة عليها السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فوجدتُه يبكي بكاءاً شديداً. فقلت : فداك أبي وأمي يا رسول الله! ما الذي أبكاك؟

فقال : يا علي ، ليلة أُسرِيَ بي إلى السماء ، رأيت نساء من أمتيفي عذاب شديد. فأنكرت شأنَهنَّ ، فبكيتُ لِما رأيت من شدة عذابهنَّ :

ورأيت إمرأة بشعرها ، يغلي دماغ رأسها.

ورأيت إمرأة معلَّقة بلسانها والحميم يصبُّ في حلقها.

ورأيت إمرأة معلَّقة بثديَيها.

ورأيت إمرأة تأكل لحم جسدها والنار توقد من تحتها.

ورأيت إمرأة قد شدَّ رجلاها إلى يديها ، وقد سلَّط عليها الحيّات والعقارب.

ورأيت إمرأة صمّاء عَمياء خَرساء في تابوت من نار ، يخرج دماغ رأسها منمنخرها ، وبدنها متقطع من الجذام والبرص.

ورأيت إمرأة معلَّقة برجلَيها في تنُّور من نار.

ورأيت إمرأة تقطع لحمجسدها من مقدمها ومؤخَّرها بمقاريض من نار.

ورأيت إمرأة يحرق وجهها ويداها ، وهي تأكل أمعاءها.

ورأيت إمرأة رأسها رأس الخنزير وبدنها بدن الحمار ، وعليها ألف ألف لون من العذاب. ورأيت إمرأة على صورة الكلب ، والنار تدخل في دبرها وتخرج من فيها ، والملائكة يضربون رأسها وبدنها بمقامع من نار.

فقالت فاطمة عليها السلام : حبيبي وقرة عيني ، أخبرني ما كان عملهنَّ وسيرتهنَّ حتى وضع الله عليهنَّ هذا العذاب!؟

__________________

٢. علل الشرائع : ص ٣٣٤ ب ٣٢ ح ١.

٨٤

فقال : يا بنيَّتي ، أما المعلَّقة بشعرها ، فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال.

وأما المعلَّقة بلسانها ، فإنها كانت تؤذي زوجها.

وأما المعلَّقة بثديَيها ، فإنها كانت تَمتنع من فراش زوجها.

وأما المعلَّقة برجلَيها ، فإنها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها.

وأما التي كانت تأكل لحم جسدها ، فإنها كانت تزيِّن بدنها للناس.

وأما التي شدَّت يداها إلى رجلَيها وسلَّط عليها الحيّات والعقارب ، فإنها كانت قذرة الوضوء قذرة الثياب ، وكانت لا تغتسل من الجنابة والحيض ولا تَتنظَّف ، وكانت تَستهين بالصلاة.

وأما الصمّاء العمياء الخَرساء ، فإنها كانت تَلِد من الزنا فتعلِّقه في عنق زوجها.

وأما التي كانت تقرض لحمها بالمقاريض ، فإنها كانت تعرض نفسها على الرجال.

وأما التي كانت تحرق وجهها وبدنها وهي تأكل أمعاءها ، فإنها كانت قوّادة.

وأما التي كان رأسها رأس خنزير وبدنها بدن الحمار ، فإنها كانت نَمّامة كذّابة.

وأما التي كانت على صورة الكلب والنار تدخل في دبرها وتخرج من فيها ، فإنها كانت قينة نواحة حاسدة.

ثم قال عليه السلام : ويل لإمرأة أغضبَت زوجها ، وطوبى لإمرأة رضي عنها زوجها ١.

الحديث التاسع :

حديث عبد الله بن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال :

أعطاني الله تعالى خمساً وأعطى علياً خمساً : أعطاني جوامع الكلم وأعطى علياً عليه السلام جوامع العلم ، وجعلني نبياً وجعله وصياً ، وأعطاني الكوثر وأعطاه السلسبيل ، وأعطاني الوحي وأعطاه الإلهام ، وأُسرِي بي وفُتح له أبواب السماء والحجب حتى نظر إليَّ ونظرت إليه.

__________________

١. عيون الأخبار : ج ٩ ب ٣٠ ح ٢٤.

٨٥

قال : ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقلت له : ما يبكيك ، فداك أبي وأمي؟!

فقال : يا بن عباس ، أول ما كلَّمني ربي أن قال : يا محمد ، انظُر إلى تحتك. فنظرت إلى الحجب قد انخرقَت وإلى أبواب السماء قد فُتِحَت. فنظرت إلى علي عليه السلام وهو رافع رأسه ، فكلَّمني وكلَّمته بما كلَّمني ربي عز وجل.

فقلت : يا رسول الله ، بِمَ كلَّمك ربك؟

فقال : قال لي ربي : يا محمد ، إني جعلت علياً وصيَّك ووزيرك وخليفتك من بعدك ، أعلِمه فها هو يسمع كلامك. فأعلمتُه وأنا بين يدي ربي عز وجل. فقال لي : قد قبلتُ وأطعتُ.

فأمر الله الملائكة : أن تسلِّم عليه. ففعلتَ ، فردَّ عليهم السلام. ورأيت الملائكة يتباشرون به ، وما مررت بملائكة من ملائكة السماء إلا هنِّؤوني ؛ وقالوا : يا محمد ، والذي بعثك بالحق نبياً ، لقد دخل السرور على جميع الملائكة باستخلاف الله عز وجل لك ابن عمِّك.

ورأيت حملة العرش قد نكسوا رؤوسهم إلى الأرض ، فقلت : يا جبرئيل ، لِمَ نكس حملة العرش رؤوسهم؟

فقال : يا محمد ، ما من ملك من الملائكة إلا وقد نظر إلى وجه علي بن أبي طالب عليه السلام استبشاراً به ، ما خلا حملة العرش. فإنهم استأذنوا الله عز وجل في هذه الساعة ، فأذن لهم أن ينظروا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، فنظروا إليه. فلمّا هبطتُ ، جعلت أخبره بذلك وهو يخبرني به. فعلمت أني لم أطأ موطئاً إلا وقد كُشِف لعلي عليه السلام عنه حتى نظر إليه.

قال ابن عباس : فقلت : يا رسول الله ، أوصِني.

فقال : يا بن عباس ، عليك بحبِّ علي بن أبي طالب عليه السلام.

قلت : يا رسول الله ، أوصِني.

قال : عليك بمودَّة علي بن أبي طالب عليه السلام. والذي بعثني بالحق نبياً ، لا يقبل الله من عبد حسنة حتى يسأله عن حبِّ علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو تعالى أعلم. فإن جاء

٨٦

بولايته ، قبل عمله على ما كان فيه. فإن لم يأت بولايته ، لم يسأله عن شيء وأمر به إلى النار ... ١.

الحديث العاشر :

حديث سيدنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن الإمام الجواد ، عن آبائه الكرام ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، أنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

إن الله خلق الإسلام ، فجعل له عرصة ، وجعل له نوراً ، وجعل له حصناً ، وجعل له ناصراً. فأما عرصته فالقرآن ، وأما نوره فالحكمة ، وأما حصنه فالمعروف ، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا. فأحِبُّوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم ، فإنه لمّا أُسرِي بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبرئيل لأهل السماء ، استودع الله حبِّي وحبِّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة ، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة.

ثم هبط بي إلى أهل الأرض فنسبني إلى أهل الأرض ، فاستودع الله عز وجل حبِّي وحبَّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني أمتي. فمؤمنوا أمتي يحفظون وديعتي في أهل بيتي إلى يوم القيامة. ألا فلو أن الرجل من أمتي عبد الله عز وجل عمره أيام الدنيا ، ثم لقى الله عز وجل مبغضاً لأهل بيتي وشيعتي ، ما فرَّج الله صدره إلا عن النفاق ٢.

الحديث الحادي عشر :

حديث عيسىى بن داوود ، عن الإمام الكاظم ، عن آبائه الكرام ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام في قوله عز وجل : (إذ يَغشَى السِدرة ما يَغشى) ٣ :

__________________

١. تأويل الآيات الباهرة : ج ١ ص ٢٧٦ ح ٦ ، وعنه كنز الدقائق : ج ٧ ص ٣٤٩.

٢. الكافي : ج ٢ (الأصول) ص ٤٦ ح ٣.

٣. سورة النجم : الآية ١٦.

٨٧

إن النبي صلى الله عليه وآله لمّا أُسرِي به إلى ربه قال : وقف بي جبرئيل عند شجرة عظيمة لم أر مثلها ؛ على كلِّ غصن منها ملك ، وعلى كلِّ ورقة منها ملك ، وعلى كلِّ ثمرة منها ملك ، وقد تجلَّلها نور من نور الله عز وجل.

فقال جبرئيل : هذه سدرة المنتهى ، كان ينتهي الأنبياء قبلك إليها ثم لم يتجاوزها ، وأنت تجوزها إن شاء الله ليُريكمن آياته الكبرى. فاطمئنَّ ـ أيَّدك بالثبات ـ حتى تستكمل كرامات الله وتصير إلى جواره.

ثم صعد بي إلى تحت العرش ، فدُلي إليَّ رفرف أخضر ما أحسن أصفه. فرفعني الرفرف بإذن الله إلى ربي فصِرتُ عنده ، وانقطع عنِّي أصوات الملائكة ودويُّهم ، وذهبَت المخاوف والرَوعات وهدأت نفسي ، واستبشرت وجعلت أمتدَّ وأنقبض ، ووقع عليَّ السرور والإستبشار.

وكان توفيقاً من ربي أن غمضت عيني ، فكلَّ بصري وغشي عن النظر ؛ فجعلت أبصر بقلبي كما أبصر بعيني بل أبعد وأبلغ. فذلك قوله : (ما زاغَ البصر وما طَغَى * لقد رأى مِن آيات ربه الكبرى). وإنما كنت أبصر مثل خيط الإبرة نوراً بيني وبين ربي ، ونور ربي لا تطيقه الأبصار.

فناداني ربي ؛ فقال تعالى : يا محمد.

قلت : لبيَّيك ربي وسيدي وإلهي ، لبَّي.

قال : هل عرفت قدرك عندي وموضعك ومنزلتك؟

قلت : نعم يا سيدي.

قال : يا محمد ، هل عرفت موقعك منِّي وموقع ذرِّيتك؟

قلت : نعم ، يا سيدي.

قال : فهل تعلم ـ يا محمد ـ فيمَ اختصم الملؤ الأعلى؟

قلت : أنت أعلم سيدي وأحكم ، وأنت علّام الغُيوب.

قال : اختصموا في الدرجات والحسنات ، فهل تدري ما الدرجات والحسنات؟

قلت : أنت أعلم سيدي وأحكم.

٨٨

قال : إسباغ الوضوء في المفروضات. والمَشي على الأقدام إلى الجماعات معك ومع الأئمة من ولدك ، وإنتظار الصلاة بعد الصلاة ، وإفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والتهجُّد بالليل والناس نيام.

ثم قال : (آمَن الرسول بِما أُنزِل إليه مِن ربه).

قلت : (والمؤمنون كلٌّ آمَن بالله وملائكته وكُتُبه ورُسُله لا نُفَرِّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطَعنا غُفرانَك ربنا وإليك المصير).

قال : صدقت يا محمد ، (لا يُكَلَّف الله نَفساً إلا وُسعَها لها ما كسبَت وعليها ما اكتسبَت).

فقلت : (ربنا لا تؤاخِذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تَحمِل علينا إصراً كما حملتَه على الذين من قبلِنا ربنا ولا تُحَمِّلنا ما لا طاقة لنا به واعفُ عنّا واغفِر لنا وارحَمنا أنت مولانا فانصُرنا على القوم الكافرين) ١.

قال : ذلك لك ولذرِّيتك يا محمد.

قلت : لبيك ربي وسعديك ، سيدي وإلهي.

قال : أسألك عمّا أنا أعلم به منك : من خلَّفتَ في الأرض بعدك؟

قلت : خير أهلها لها ؛ أخي ، وابن عمِّي ، وناصر دينك ، والغاضب لمحارمك إذا استُحِلَّت ولنبيك غضب النَمر إذا غضب ؛ علي بن أبي طالب.

قال : صدقتَ يا محمد ، إني اصطفيتُك بالنبوة وبعثتك بالرسالة ، وامتحنت علياً بالبلاغ والشهادة على أمتك ، وجعلته حجَّة في الأرض معك وبعدك ، وهو نور أوليائي ، وولي من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتُها المتقين.

يا محمد ، وزوَّجته فاطمة ، فإنه وصيُّك ووارثك ووزيرك ، وغاسل عورتك ، وناصر دينك ، والمقتول على سنَّتي وسنَّتك ، يقتله شقيُّ هذه الأمة.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ثم إن ربي أمرني بأمور وأشياء ، وأمرني أن أكتمها إذ علاني نور

__________________

١. سورة البقرة : الآية ٢٨٦.

٨٩

من نور الله. فنظرتإلى مخيط الإبرة إلى ما كنت نظرت إليه في المرة الأولى.

فناداني ربي : يا محمد.

قلت : لبيك ربي وإلهي وسيدي.

قال : سبقَت رحمتي غضبي لك ولذرِّيتك ، أنت صفوتي من خلقي ، وأنت أميني وحبيبي ورسولي. وعزتي وجلالي ، لو لقيني جميع خلقي يشكُّون فيك طرفة عين أو ينقصوك أو ينقصوا صفوتي من ذرِّيتك ، لأدخلنَّهم ناري ولا أبالي.

يا محمد ، علي أمير المؤمنين ، وسيد المرسلين ، وقائد الغرِّ الحجَّلين إلى جنّات النعيم. أبو السبطين ، سيدَي شباب جنَّتي، المقتولين بي ظلماً.

ثم فرض عليَّ الصلاة وما أراد تبارك وتعالى ، وقد كنت قريباً منه في المرة الأولى ؛ مثل ما بين كبد القوس إلى سيته ، فذلك قوله تعالى : (قابَ قَوسَين أو أدنى) ١.

الحديث الثاني عشر :

حديث الشيخ الصدوق ، بسنده المتصل عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال :

لمّا عُرِج بي إلى السماء ، إذاً أنا بأسطوانة ؛ أصلها من فضة بيضاء ، ووسطها من ياقوتة وزبرجد ، وأعلاها من ذهبة حمراء. فقلت : يا جبرئيل! ما هذه؟

فقال : هذادينك أبيض واضح مُضيء.

قلت : وما هذه وسطها؟

قال : الجهاد.

قلت : فما هذه الذهبة الحمراء؟

قال : الهجرة ، ولذلك علا إيمان علي عليه السلام على إيمان كل مؤمن ٢.

__________________

١. تأويل الآيات الباهرة : ج ٢ ص ٦٢٥ ح ٩ ، وعنه كنز الدقائق : ج ١٢ ص ٤٩٠.

٢. معاني الأخبار : ص ١١٣ ح ١.

٩٠

الحديث الثالث عشر :

حديث محمد بن عمران، أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال : لأيِّ علة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وسائر الصلوات ؛ الظهر والعصر لا يجهر فيهما؟ ولأيِّ علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال :

لأن النبي صلى الله عليه وآله لمّا أُسرِي به إلى السماء ، كان أول صلاة فرض الله عليه الظهر يوم الجمعة. فأضاف الله عز وجل إليه الملائكة تصلِّي خلفه ، وأمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يجهر بالقراءة ليُبَيِّن لهم فضله.

ثم فرض الله عليه العصر ولم يَضِف إليه أحداً من الملائكة ، وأمره أن يخفي القراءة لأنه لم يكن وراءه أحد. ثم فرض عليه المغرب وأضاف إليه ملائكة وأمره بالإجهار ، وكذلك العشاء الآخرة.

فلمّا كان قرب الفجر ، نزل فقرض الله عز وجل عليه الفجر. وأمره بالإجهار ليُبيِّن للناس فضله كما بيَّن للملائكة. فلهذه العلَّة يجهر فيها.

وصار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأن النبي صلى الله عليه وآله لمّا كان في الأخيرتين ، ذكر ما رأى من عظمة الله عز وجل. فدهش ، فقال : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر». فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة ١.

الحديث الرابع عشر :

حديث عبد الرحمن بن غنم ، ورد فيه :

جاء جبرئيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بدابَّة دون البغل وفوق الحمار ، رجلاها أطول من يديها ، خطوها مَدُّ البصر. فلما أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يركب ، امتنعَت. فقال جبرئيل : إنه محمد! فتواضعَت حتى لصقَت بالأرض.

__________________

١. من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٠٩ ح ٩٢٤.

٩١

قال : فركب ، فكلَّما هبطَت ، ارتفعَت يداها ، وقصرَت رجلاها. وإذا صعدَت ، ارتفعَت رجلاها وقصرَت يداها.

فمرَّت به في ظلمة الليل على عير محملة ، فنفرَت العير من دفيف البراق. فنادى رجل في آخر العير غلاماً له في أول العير : يا فلان ، إن الإبل قد نفرَت ، وإن فلانة ألقَت حملها وانكسر يدها. وكانت العير لأبي سفيان.

ثم مضى حتى إذا كان ببطن البلقاء ، قال : يا جبرئيل ، قد عطشتُ. فتناول جبرئيل قصعة فيها ماء ، فناوله فشرب.

ثم مضى فمرَّ على قوم معلقين بعراقيبهم بكلاليب من نار ، فقال : ما هؤلاء يا جبريل؟!

فقال : هؤلاء الذين أغناهم الله بحلال ، فيَبتَغون الحرام.

ثم مرَّ على قوم تخاط جلودهم بمخايط من نار. فقال : ما هؤلاء يا جبرئيل؟!

فقال : هؤلاء الذين يأخذون عُذرة النساء بغير حلٍّ.

ثم مضى على رجل يرفع حزمة من حطب ، كلما لم يستطع أن يرفعها زاد فيها. فقال : من هذا يا جبرئيل؟!

قال : هذا صاحب الدَين يريد أن يقضى ، فإذا لم يستطع زاد عليه.

ثم مضى حتى إذا كان بالجبل الشرقي من بيت المقدس ، وجد ريحاً حارَّة وسمع صوتاً. قال : ما هذه الريح ـ يا جبرئيل ـ التي أجدها ، وهذا الصوت الذي أسمع؟!

قال : هذه جهنم.

فقال النبي صلى الله عليه وآله : أعوذ بالله من جهنم.

ثم وجد ريحاً عن يمينه طيبة وسمع صوتاً ، فقال : ما هذه الريح التي أجدها وهذا الصوت الذي أسمع؟!

قال : هذه الجنة.

فقال : أسأل الله الجنة.

ثم مضى ؛ أي هابطاً إلى الأرض ، حتى انتهى إلى باب مدينة بيت المقدس وفيها

٩٢

هرقل ، وكانت أبواب المدينة تغلق كل ليلة ويؤتي بالمفاتيح وتوضع عند رأسه. فلما كانت تلك الليلة ، امتنع الباب أن يتغلق. فأخبروه ، فقال : ضاعِفوا عليها من الحَرس.

قال : فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل بيت المقدس. فجاء جبرئيل إلى الصخرة فرفعها ، قدح اللبن فشرب ، ثم ناوله قدح العسل فشرب ، ثم ناوله قدح الخمر.

فقال : قد رويتُ يا جبريل.

قال : أما إنك لو شرَبتَه ضلَّت أمتك وتفرَّقت عنك.

قال : ثم أمَّ رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد بيت المقدس بسبعين نبياً. وهبط مع جبرئيل ملك ويقول : هذه مفاتيح خزائن الأرض ، فإن شئت فكُن نبياً عبداً ، وإن شئت ملكاً.

فأشار إليه جبرئيل أن تواضع يا محمد.

فقال : بل أكون نبياً عبداً.

ثم صعد إلى السماء. فلما انتهى إلى باب السماء ، استفتح جبرئيل فقالوا : من هذا؟

قال : محمد.

قالوا : نعم المجيء جاء. فدخل ، فما مرَّ على ملأ من الملائكة إلا سلَّموا عليه ودعوا له وشيَّعه مقربوها.

فمرَّ على شيخ قاعد تحت شجرة وحوله أطفال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من هذا الشيخ يا جبرئيل؟

قال : هذا أبوك إبراهيم.

قال : فما هؤلاء الأطفال حوله؟

قال : هؤلاء أطفال المؤمنين حوله يَغذوهم.

ثم مضى ، فمرَّعلى شيخ قاعد على كرسي ، إذا نظر عن يمينه ضحك وفرح ، وإذا نظر عن يساره حزن وبكى. فقال : من هذا يا جبرئيل؟

قال : هذا أبوك آدم ، إذا رأى من يدخل الجنة من ذريته ضحك.

٩٣

فمرَّ على ملك قاعد على كرسي ، فسلَّم عليه فلم ير منه من البُشر ما رأى من الملائكة! فقال : يا جبرئيل ، ما مررت بأحد من الملائكة إلا رأيت منه ما حبُّ إلا هذا ، فمن هذا الملك؟

قال : هذا مالك خازن النار. أما إنه قد كان من أحسن الملائكة بُشراً وأطلقهم وجهاً. فلما جعل خازن النار، إطلع فيها إطلاعة ١ فرأى ما أعدَّ الله فيها لأهلها. فلم يضحم بعد ذلك.

ثم مضى حتى إذا انتهى حيث انتهى فرضت عليه الصلاة خمسون صلاة. فأقبل ، فمرَّ على موسى عليه السلام فقال : يا محمد ، كم فرض على أمتك؟

قال : خمسون صلاة.

قال : إرجع إلى ربك فاسأله أن يخفِّف على أمتك ، فرجع. ثم مرَّ على موسى عليه السلام فقال : كم فرض على أمتك؟

قال : كذا وكذا.

قال : فإن أمتك أضعف الأمم ، إرجع إلى ربك فاسأله أن يخفِّف عن أمتك ، فإني كنت في بني اسرائيل ، فلم يكونوا يطيقون إلا دون هذا. فلم يزل يرجع إلى ربه عز وجل حتى جعلها خمس صلوات.

قال : إرجع إلى ربك فاسأله أن يخفِّف عن أمتك.

قال : قد استحييتُ من ربي ما أرجع إليه.

ثم مضى ، فمرَّ على إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام. فناداه من خلفه فقال : يا محمد ، إقرأ أمتك عني السلام ، وأخبِرهم أن الجنة ماؤها عَذب ، وتربتها طيبة ، فيها قيعان بيض ، غرسها «سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله والله اكبر» و «لا حول ولا قوة إلا بالله». فمُر أمتك فليُكثِروا من غرسها.

ثم مضى ـ أي في هبوطه أيضاً ـ حتى مرَّ بِعَير يقدمها جمل أورق. ثم أتى أهل مكة

__________________

١. وفي نسخة : اضطلع فيها إضطلاعة.

٩٤

فأخبرهم بمسيره ، وقد كان بمكة قوم من قريش قد أتوا بيت المقدس فأخبرهم ، ثم قال : آية ذلك أنها تطلع عليكم الساعة عَير مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أورق.

قال : فنظروا فإذاً هي قد طلعت.

وأخبرهم أنه قد مرَّ بأبي سفيان ، وإن إبله نفرَت في بعض الليل ، وأنه نادى غلاماً له في أول العَير : يا فلان ، إن الإبل قد نفرَت ، وإن فلانة قد ألقَت حملها وانكسر يدها.

فسألوا عن الخبر ، فوجدوه كما قال النبي صلى الله عليه وآله ١.

الحديث الخامس عشر :

حديث زيد بن علي عليه السام ، قال : سألت أبي سيد العابدين عليه السلام فقلت له : يا أبة ، أخبِرني عن جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله لمّا عُرِجبه إلى السماء وأمره ربه عز وجل بخمسين صلاة ، كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران عليه السلام : إرجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لا تطيق ذلك؟ فقال عليه السلام :

يا بنيَّ ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يقترح على ربه عز وجل ولا يراجعه في شيء يأمره به. فلمّا سأله موسى عليه السلام ذلك وصار شفيعاً لأُمته إليه ، لم يجز له ردُّ شفاعة أخيه موسى عليه السلام. فرجع إلى ربه عز وجل فسأله التخفيف إلى أن ردَّها إلى خمس صلوات.

قال : فقلت: يا أبة ، فلِمَ لم يرجع إلى ربه عز وجل ولم يسأله التخفيف بعد خمس صلوات.

فقال : يا بنيَّ ، أراد صلى الله عليه وآله أن يحصل لأُمته التخفيف مع أجر خمسين صلاة ، لقول الله عز وجل : (مَن جاء بالحسنة فلَه عشر أمثالِها) ٢. ألا ترى أنه صلى الله عليه وآله لمّا هبط إلى الأرض ، نزل عليه جبرئيل فقال : يا محمد ، إن ربك يُقرؤك السلام ويقول : إنها خمس بخمسين ؛

__________________

١. الأمالي (للشيخ الصدوق) : ص ٤٠٢ المجلس ٦٩.

٢. سورة الأنعام : الآية ١٦٠.

٩٥

(ما يُبَدَّل القَول لَدَيَّ وما أنا بِظَلّام للعَبيد) ١.

قال : فقلت له : يا أبة ، أليس الله ـ تعالى ذكره ـ لا يوصَف بمكان؟

فقال : بلى ، تعالى الله عن ذلك.

فقلت : فما معنى قول موسى عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله : إرجع إلى ربك؟

فقال : معناه معنى قول إبراهيم عليه السلام : (إني ذاهب إلى ربي سَيَهدين) ٢ ، ومعنى قول موسى عليه السلام : (وعَجِلتُ إليك رب لِتَرضى) ٣ ، ومعنى قوله عز وجل : (فَفِرُّوا إلى الله) ٤ ، يعني حجُّوا إلى بيت الله.

يا بني ، إن الكعبة بيت الله وقصد إليه ، والمصلِّي ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي الله جلَّ جلاله ، وأهل موقف عرفات وقوف بين يدي الله عز وجل. وإن لله تباركوتعالى بقاعاً في سماواته ، فمن عرج به إليها فقد عرج به إليه. ألا تَسمع الله عز وجل يقول : (تَعرُجُ الملائكة والروح إليه) ٥ ، ويقول عز وجل : (إليه يَصعَد الكَلِم الطيب والعمل الصالح يَرفَعه) ٦.

الحديث السادس عشر :

حديث شيخ الطائفة بسنده المتصل إلى أبي بصير ، عن الإمام الصادق عن آبائه الكرام ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، أنه قال :

__________________

١. سورة ق : الآية ٢٩.

٢. سورة الصافات : الآية ٩٩.

٣. سورة طه : الآية ٨٤.

٤. سورة الذاريات : الآية ٥٠.

٥. سورة المعارج : الآية ٤.

٦. التوحيد : ص ١٧٦ ب ٢٨ ح ٨.

٩٦

قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله :

يا علي ، إنه لمّا أُسرِيَ بي إلى السماء ، تلقَّتني الملائكة بالبشارات في كلِّ سماء حتى لقيني جبرئيل في محفل من الملائكة ، فقال : يا محمد ، لو اجتمعَت أُمتك على حبِّ علي عليه السلام ما خلق الله عز وجل النار ....

يا علي ، إن الله تعالى أشهدك معي في سبعة مواطن حتى آنست بك :

أما أول ذلك : فليلة أُسرِيَ بي إلى السماء ، قال لي جبرئيل : أين أخوك يا محمد؟

فقلت : يا جبريل ، خلَّفتُه ورائي.

فقال : أُدع الله عز وجل فليأتك به.

فدعوت الله ، فإذاً مثالك معي ، وإذاً الملائكة وقوف صفوفاً! فقلت : يا جبرئيل ، من هؤلاء؟

قال : هؤلاء الذين يباهي الله عز وجل بهم يوم القيامة. فدنوتُ فنطقت بما كان وبما يكون إلى يوم القيامة.

والثاني : حين أُسرِيَ بي إلى ذي العرش عز وجل ، فقال لي جبرئيل : أين أخوك يا محمد؟

فقلت : خلَّفتُه ورائي.

قال : أُدع الله عز وجل فليأتك به. فدعوت الله عز وجل ، فإذاً مثالك معي ، وكشط لي عن سبع سماوات حتى رأيت سكّانها وعمّارها وموضع كلِّ ملك منها ....

والثالث : حيث بُعِثتُ للجن ، فقال لي جبرئيل : أين أخوك؟

فقلت : خلَّفتُه ورائي.

فقال : أُدع الله عز وجل فليأتك به. فدعوت الله عز وجل ، فإذاً أنت معي. فما قلت لهم شيئاً ولا ردُّوا عليَّ شيئاً إلا سمعته ووعيتُه.

والرابع : خُصِّصنا بليلة القدر وأنت معي فيها وليست لأحد غيرنا.

والخامس : ناجيتُ الله عز وجل ومثالك معي. فسألت فيك خصالاً أجابني إليه اإلا النبوة ؛ فإنه قال : خصًّصتها بك وختمتُها بك.

٩٧

والسادس : لمّا طِفتُ بالبيت المعمور ، كان مثالك معي.

والسابع : هلاك الأحزاب علي يدي وأنت معي.

يا علي ، إن الله أشرف على الدنيا ، فاختارني على رجال العالمين. ثم اطلع الثانية ، فاختارك على رجال العالمين. ثم اطلع الثالثة ، فاختار فاطمة عليها السلام على نساء العالمين. ثم طلع الرابعة ، فاختار الحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من وردهما على رجال العالمين.

يا علي ، إني رأيت إسمك مقروناً بإسمي في أربعة مواطن. فآنستُ بالنظر إليه : إني لمّا بلغتُ بيت المقدس في معارجي إلى السماء ، وجدت على صخرتها : «لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أيَّدته بوزيره ونصرتُه به».

فقلت : يا جبرئيل ، ومن وزيري؟

قال : علي بن أبي طالب عليه السلام.

فلمّا انتهيت إلى سدرة المنتهى ، وجدت مكتوباً عليها : «لا إله إلا الله أنا وحدي ، ومحمد صفوتي من خلقي ، أيَّدته بوزيره ونصرته به».

فقلت : يا جبرئيل ، ومَن وزيري؟

فقال : علي بن أبي طالب عليه السلام.

فلمّا جاوزت السدرة وانتهيت إلى عرش رب العالمين ، وجدتُ مكتوباً على قائمة من قوائم العرش : «أنا الله لا إله إلا أنا وحدي ، محمد حبيبي وصفوتي من خلقي ، أيَّدته بوزيره وأخيه ونصرته به».

يا علي ، إن الله عز وجل أعطاني فيك سبع خصال : أنت أول من يَنشقُّ القبر عنه معي ، وأنت أول من يَقِف معي على الصراط ، فيقول للنار : خُذي هذا فهو لك وذَري هذا فليس هو لك ، وأنت أول من يكسي إذا كُسيت ويحيا إذا حييت ، وأنت أول من يقف معي عن يمين العرش ، وأول من يقرع معي باب الجنة ، وأول من يسكن معي علِّيين ، وأول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك ، وفي ذلك فليتَنافَس المتنافسون ١.

__________________

١. الأمالي (لشيخ الطائفة) : ص ٦٤١ ح ١٣٣٥.

٩٨

الحديث السابع عشر :

حديث ابن عباس ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

لمّا أُسرِي بي إلى السماء ، ما مررت بملئ من الملائكة إلا سألوني عن علي بن أبي طالب عليه السلام. فلما بلغت السماء الرابعة ، نظرت إلى ملك الموت ، فقال : يا محمد ، ما خلق الله خلقاً إلا أُقبِض روحه بيدي ، ما خلا أنت وعلي عليه السلام : فإن الله جل جلاله يقبض أرواحكما بقدرته.

فلما صِرتُ تحت العرش ، نظرتُ فإذاً أنا بعلي بن أبي طالب عليه السلام واقفاً تحت عرش ربي. فقلت : يا علي ، سبقتَني؟

فقال لي جبرئيل : يا محمد ، من هذا الذي يكلِّمك؟

قلت : هذاأخي علي بن أبي طالب عليه السلام.

قال لي : يا محمد ، ليس هذا علياً عليه السلام ، ولكنّه ملك من ملاكة الرحمن ، خلقه الله تعالى على صورة علي بن أبي طالب عليه السلام. فنحن الملائكة المقربون كلَّما اشتَقنا إلى وجه علي بن أبي طالب عليه السلام ، زُرنا هذا الملك لكرامة علي بن أبي طالب عليه السلام على الله سبحانه ١.

الحديث الثامن عشر :

حديث الخوارزمي ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال :

لمّا أُسرِيَ بي إلى السماء ثم من السماء إلى سدرة المنتهى ، وقفتُ بين يدي الله عز وجل ، فقال لي : يا محمد.

فقلت : لبَّيك وسعدَيك.

قال : قد بلوت خلقي ، فأيُّهم رأيت أطوع لك؟

قال : قلت : ربي ، علياً عليه السلام.

__________________

١. كنز الفوائد : ص ٢٦٠.

٩٩

قال : صدقت يا محمد ، فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدِّي عنك ويعلِّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون؟

قال : قلت : يا رب ، اختَر لي فإن خيَرتك خيَرتي.

قال : قد اخترت لك علياً عليه السلام ، فاتخذِه لنفسك خليفة ووصياً ، ونحلتُه علمي وحلمي. وهو أمير المؤمنين حقاً ، لم ينلها أحدٌ قبله وليست لأحد بعده.

يا محمد ، علي عليه السلام راية الاهدى ، وإمام مَن أطاعني ، ونور أوليائي ، وهو الكلمة التي ألزَمتُها المتقين. من أحبَّه فقد أحبَّني ، ومن أبغضه فقد أبغضني. فبشِّره بذلك يا محمد. فقال النبي صلى الله عليه وآله : قلت : رب قد بشَّرتُه.

فقال : أنا عبد الله وفي قبضته. إن يعاقِبني فبِذنوبي لم يظلمني شيئاً ، وإن تمَّم لي وعدي فالله مولاي.

قال : قلت : اللهم اجلُ قلبه ، واجعل ربيعه الإيمان.

قال : قد فعلت ذلك يا محمد ، غير أني مختصَّه بشيء من البلاء لم أختصَّ به أحداً من أوليائي.

قال : قلت : رب ، أخي وصاحبي.

قال : قد سبق في علمي أنه مبتلى ، لو لا علي عليه السلام لم يُعرَف حزبي ولا أوليائي ولا أولياء رسلي.

قال العلامة أعلى الله مقامه بعد ذكر هذا الحديث الشريف : هذه الأحاديث وردَت من أزيد من ثلاثمائة طريق ١.

الحديث التاسع عشر :

حديث عبد الله بن سنان ، عن الإمام الصادق عليه السلام ، أنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

__________________

١. كشف اليقين : ص ٢٧٨.

١٠٠