بحوث في المعراج

السيد علي الحسيني الصدر

بحوث في المعراج

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-380-3
الصفحات: ١٦٠

الرجل ، يقلِّبه كيف يشاء ، وما من دار إلا وأنا أتصفَّحها كل يوم خمس مرات. وأقول إذا بكى أهل الميت : لا تَبكوا عليه فإن لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كفى بالموت طامة يا جبرئيل.

فقال جبرئيل : إن ما بعد الموت أطم وأطم من الموت.

قال : ثم مضيت ، فإذاً أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث ، يأكلون الخبيث ويدعون الطيب.

فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء يأكلون الحرام ويدعون الحلال ، وهم من أمتك يا محمد.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ثم رأيت ملكاً من الملائكة ، جعل الله أمره عجباً ؛ نصف جسده نار والنصف الآخر ثلج ، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفي النار. وهو ينادي بصوت رفيع يقول : سبحان الذي كفَّ حرَّ هذه النار فلا تذيب الثلج ، وكفَّ بَرد هذا الثلج فلا يُطفي حرَّ هذه النار. اللهم يا مؤلِّف بين الثلج والنار ، ألِّف بين قلوب عبادك المؤمنين.

فقلت : من هذا يا جبرئيل؟

فقال : هذاملك وكَّله الله بأكناف السماوات وأطراف الأرضين ، وهو أنصح ملائكة الله تعالى لأهل الأرض من عباده المؤمنين ؛ يَدعو لهم بما تَسمع منذ خلق. وملكان يناديان في السماء ؛ أحدهما يقول : اللهم اعطِ كل مُنفِق خلفاً ، والآخر يقول : اللهم اعطِ في أفواههم!

فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء الهَمّازون اللَمّازون.

ثم مضيت ، فإذاً أنا بأقوام تُرضَخ رؤوسهم بالصَخر!

فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟

٦١

فقال : هؤلاء الذين ينامون من صلاة العشاء.

ثم مضيت ، فإذاً أنا بأقوام تُقذَف النار في أفواههم وتَخرج من أدبارهم!

فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ، إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيُصلَون سعيراً.

ثم مضيت ، فإذاً أنا بأقوام يُريد أحدهم أن يقوم فلا يَقدر من عظم بطنه!

فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟

قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا ، لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطان من المسِّ. فإذا هم مثل آل فرعون ؛ يُعرَضون على النار غدوّاً وعشيّاً. يقولون : ربَّنا! متى تقوم الساعة؟

قال : ثم مضيت ، فإذاً أنا بنِسوان معلَّقات بثَديهنَّ!

فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء اللواتي يورِثنَ أموال أزواجهنَّ أولاد غيرهم.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

إشتدَّ غضب الله على إمرأة أدخلَت على قوم في نسبهم مَن ليس منهم ، فاطلع على عوراتهم وأكل خزائنهم.

قال : ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عز وجل ، خلقهم الله كيف شاء ووضع وجوههم كيف شاء. ليس شيء من أطباق أجسادهم إلا وهو يسبِّح الله ويحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة ؛ أصواتهم مرتفِعة بالتحميد والبكاء من خشية الله!

فسألت جبرئيل عنهم ، فقال : كما ترى خُلِقوا. إن الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلَّمه قط ، ولا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتهم خوفاً من الله خشوعاً. فسلَّمت عليهم ، فردُّوا عليَّ إيماءاً برؤوسهم ، لا ينظرون إليَّ من الخشوع!

فقال لهم جبرئيل : هذا محمد نبي الرحمة ، أرسله الله إلى العباد رسولاً ونبياً ، وهو خاتم النبيين وسيدهم ، أفلا تكلِّمونه؟

٦٢

قال : فلما سمعوا ذلك من جبرئيل ، أقبلوا عليَّ بالسلام وأكرموني وبشِّروني بالخير لي ولأمتي.

قال : ثم صعد بي إلى السماء الثانية ، فإذاً فيها رجلان متشابهان!

فقلت : من هذان يا جبرئيل؟

فقال لي : أبناء الخالة ؛ يحيى وعيسى بن مريم عليهما السلام.

فسلَّمتُ عليهما وسلَّما عليَّ ، واستغفرت لهما واستغفرا لي ، وقالا : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. وإذاً فيها من الملائكة مثل ما في السماء الأولى ، وعليهم الخشوع ؛ قد وضع الله وجوههم كيف شاء ، ليس منهم إلا يسبِّح لله ويحمده بأصوات مختلفة.

ثم صعدنا إلى السماء الثالثة : فإذاً فيها رجل فضلُ حُسنه على سائر الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم!

فقلت : من هذا يا جبرئيل؟

فقال : هذا أخوك يوسف عليه السلام.

فسلَّمتُ عليه وسلَّم عليَّ واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح. وإذاً فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الأولى والثانية. وقال لهم جبرائيل في أمري ما قال للآخرين ، وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.

ثم صعدنا إلى السماء الرابعة ، وإذاً فيها رجل.

قلت : من هذا يا جبرئيل؟

قال : هذا إدريس عليه السلام ، رفعه الله مكاناً علياً. فسلَّمتُ عليه وسلَّم عليَّ واستغفرت له واستغفر لي. وإذاً فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات ، فبشِّروني بالخير لي ولأمتي. ثم رأيت ملكاً جالساً على سرير ، تحت يديه سبعون ألف ملك ، تحت كل ملك سبعون ألف ملك. فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله أنه هو. فصاح به جبرئيل فقال : قم ، فهو قائم إلى يوم القيامة.

٦٣

ثم صعدنا إلى السماء الخامسة ، فإذاً فيها رجل كهل عظيم العين ، لم أرَ كهلاً أعظم منه ، حوله ثُلَّة من أمته ، فأعجبَتني كثرتهم!

فقلت : من هذا يا جبرئيل؟

قال : هذا المُحبَّب في قومه ؛ هارون بن عمران عليه السلام. فسلَّمتُ عليه وسلَّم عليَّ واستغفرت له واستغفر لي. وإذاً فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

ثم صعدنا إلى السماء السادسة ، وإذاً فيها رجل أدم ، طويل شعره ، ولو أن عليه قميصين لنَفَذ شعره منهما. فسمعته يقول : تَزعم بنو إسرائيل أنى أكرم وُلد آدم على الله ، وهذا الرجل أكرم على الله مني.

فقلت : من هذا يا جبرائيل؟

قال : هذا أخوك موسى بن عمران عليه السلام. فسلَّمتُ عليه وسلَّم عليَّ واستغفرت له واستغفر لي. وإذاً فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السموات.

ثم صعدنا إلى السماء السابعة ، فما مررتُ بملك من الملائكة إلا قالوا : يا محمد ، احتَجِم وأمرُ أمتك بالحجامة. وإذاً فيها رجل أشمَط الرأس ١ واللحية ، جالس على كرسي.

فقلت : يا جبرئيل ، من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله؟

فقال : هذا أبوك إبراهيم عليه السلام ، وهذا محلك محل من اتقى من أمتك. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله : (إن أولَى الناس بإبراهيم لَلذين اتبَعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله وَلِيُّ المؤمنين) ٢. قال صلى الله عليه وآله : فسلَّمت عليه وسلَّم عليَّ ، وقال : مرحباً بالنبي الصالح والإبن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح. وإذاً فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات. فبشَّرني بالخير لي ولأمتي.

__________________

١. «الشَمَط» هو البياض يُخالط السواد في الشعر.

٢. سورة آل عمران : الآية ٦٨.

٦٤

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ورأيت في السماء السابعة بحاراً من نور يتلألأ ، يكاد تلألؤها يخطف بالأبصار. وفيها بحار مظلمة ، وبحار ثلج ورعد. فكلَّما فزعتُ ورأيت هؤلاء ، سألت جبرئيل : فقال : ابشِر ـ يا محمد ـ واشكُر كرامة ربك واشكُر الله بما صنع إليك.

قال : فثبَّتني الله بقوته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل وتعجبي.

فقال جبرئيل : يا محمد! أتعظم ما ترى؟ إنما هذا خلق من ربك ، فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى وما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربك. إن بين الله وبين خلقه سبعون ١ ألف حجاب ، وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل وبيننا وبينه أربعة حُجُب ؛ حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وحجاب من الغَمام ، وحجاب من الماء.

قال : ورأيت من العجائب التي خلق الله سبحانه وسخَّر به على ما أراده ديكاً ، رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ورأسه عند العرش. وملكاً من ملائكة الله ، خلقه كما أراد ؛ رجلاه في تخوم الأرضين السابعة.

ثم أقبل مُصعِداً ، حتى خرج في الهواء إلى السماء. وانتهى فيها مُصعِداً حتى استقرَّ قرنه إلى قرب العرش ، وهو يقول : سبحان ربي حيث ما كنت ، لا تدري أين ربك من عظم شأنه. وله جناحان في مِنكبَيه؛ إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب. فإذا كان في السحر ، ذلك الديك نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح ؛ يقول : سبحان الله الملك القوس ، سبحان الله الكبير المتعال ، لا إله إلا الله الحي القيوم. وإذا قال ذلك ، سبحَت ديوك الأرض كلها وخفقَت بأجنحتها وأخذت في الصراخ. فإذا سكت ذلك الديك في السماء ، سكتَت ديوك الأرض كلها. ولذلك الديك زغب أخضر ، وريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط. وله زغب أخضر أيضا ، تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها.

ثم قال : مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور ٢ ، فصلَّيت فيه ركعتين ومعي أُناس

__________________

١. وفي نسخة : تسعون.

٢. «البيت المعمور» هو بيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة ، تعمِّره الملائكة بعبادتها فيه.

٦٥

من أصحابي ، عليهم ثياب جُدَد ، وآخرون عليهم ثياب خلقان. فدخل أصحاب الجُدَد ، وحُبِس أصحاب الخلقان.

ثم خرجت، فانقاد لي نهران ؛ نهر يسمّى الكوثر ، ونهر يسمّى الرحمة. فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة. ثم انقادا لي جميعاً حتى دخلت الجنة ، فإذاً على حافيتها بيوتي وبيوت أزواجي ، وإذاً ترابها كالمسك ، فإذاً جارية تَنغَمِس في أنهارالجنة! فقلت : لِمَن أنت يا جارية؟ فقالت : لزيد بن حارثة. فبشَّرتُه بها حين أصبحت.

وإذاً بطيرها كالبُخت ١ ، وإذاً رمّانها مثل الدلاء العظام ، واذاً شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها تسعمائة سنة ، وليس في الجنة منزل إلا وفيها فرع منها!

فقلت : ما هذه يا جبرئيل؟

فقال : هذه شجرة طوبى ٢ ، قال الله : (طوبى لهم وحُسنُ مآب) ٣.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : فلما دخلت الجنة ، رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك

__________________

في حديث أمير المؤمنين عليه السلام : «ذلك الضراح بيت في السماء الرابعة حيال الكعبة من لؤلؤة واحدة. يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ...».

وفي حديثه عليه السلام الآخر : «حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض». بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٥٦ ح ١ وص ٦١ ح ١٢.

وفي الحديث الصادقي عليه السلام : «لو أُلقِيَ حجر من العرش لوَقَع على ظهر البيت المعمور ، ولو أُلقِيَ من البيت المعمور لسقط على ظهر البيت الحرام».

وفي حديث آخر : «إن الله تعالى خلق بيتاً تحت العرش سمّاه البيت المعمور ، تَحجُّه الملائكة في كل عام». بحار الأنوار : ج ٥٨ ص ٨.

١. «البُخت» هي الإبل الخراسانية المعروفة بالبخاتيَّه.

٢. «شجرة طوبى» هي الشجرة الطيبة المباركة في الجنة ، أصلها في بيت الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ، وفروعها في بيوت شيعتهم في الجنان. تهدل على الشيعة بكل ما يشتهون. تلاحظ مزيد بيانها في : بحار الأنوار : ج ٨ ص ١١٧ ح ٢ وص ٣١٢ ح ٨٢.

٣. سورة الرعد : الآية ٢٩.

٦٦

البحار وهولها وأعاجيبها ، قال : هي سرادقات الحُجُب التي احتجب الله بها ، ولو لا تلك الحجب لهتك نور العرش كل شيء فيه.

وانتهيت إلى سدرة المنتهى ، فإذاً الورقة تظلُّ به أمة من الأمم. فكنت منها كما قال الله تبارك وتعالى : كـَ (قاب قَوسَين أو أدنى) ١. فناداني : (آمَنالرسول بِما أُنزِلإليه مِن ربه) ٢ ، وقد كتبنا ذلك في سورة البقرة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يارب! أعطيتَ أنبياءك فضائل ، فأعطِني.

فقال الله : قد أعطيتُك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي : «لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا منجا منك إلا إليك».

قال : وعلَّمَتني الملائكة قولاً أقوله إذا أصبحت وأمسيت : «اللهم إن ظلمي أصبح مستجيراً بعفوك ، وذنبي أصبح مستجيراً بمغفرتك ، وذُلِّي أصبح مستجيراً بعِزّك ، وفقري أصبح مستجيراً بغناك ، ووجهي الفاني البالي أصبح مستجيراً بوجهك الدائم الباقي الذي لا يفنى».

ثم سمعت الأذان ، فإذاًملك يؤذِّن ، لم يُرَ في السماء قبل تلك الليلة. فقال : الله أكبر الله أكبر.

فقال الله : صدق عبدي ، أنا أكبر.

فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله.

فقال الله : صدق عبدي ، إن محمداً عبدي ورسولي ، أنا بعثتُه وانتجبتُه.

فقال : حيِّ على الصلاة ، حيِّ على الصلاة.

فقال : صدق عبدي ودعا إلى فريضتي. فمن مشى إليها راغباً فيها محتسباً كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه.

فقال : حيِّ على الفلاح ، حيِّ على الفلاح.

__________________

١. سورة النجم : الآية ٩.

٢. سورة البقرة : الآية ٢٨٥.

٦٧

فقال الله : هي الصلاح والنجاح والفلاح.

ثم أمَّمتُ الملائكة في السماء كما أمَّمت الأنبياء في البيت المقدس.

قال : ثم غشيَتني صبابة ، فخررتُ ساجداً. فناداني ربي : إني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة ، وفرضتها عليك وعلى أمتك. فقُم بها أنت في أمتك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فانحدرتُ حتى مررتُ على إبراهيم عليه السلام ، فلم يسألني عن شيء ، حتى انتهيتُ إلى موسى عليه السلام ، فقال : ما صنعت يا محمد؟

فقلت : قال ربي : فرضتُ على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة ، وفرضتها عليك وعلى أمتك.

فقال موسى عليه السلام : يا محمد ، إن أمتك آخر الأمم وأضعفها ، وإن ربك لا يردَّ عليك شيئاً ، وإن أمتك لا تستطيع أن تقوم بها. فارجِع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك.

فرجعت إلى ربي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى. فخررت ساجداً ، ثم قلت : فرضتَ عليَّ وعلى أمتي خمسين صلاة ولا أطيق ذلك ولا أمتي ، فخفِّف عنِّي. فوضع عني عشرة. فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته. فقال : ارجع ، لا تطيق.

فرجعت إلى ربي ، فوضع عني عشراً. فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته. فقال : ارجع ، وفي كل رجعة أرجع إليه أخرُّ ساجداً ، حتى رجع إليَّ عشر صلوات. فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : لا تطيق. فقلت : قد استحييتُ من ربي ، ولكن أصبر عليها. فناداني مناد : كما صبرت عليها ، فهذه الخمس بخمسين ، كل صلاة بعشر. من هّمَّ من أمتك بحسبنة يعملها كتبتُ له عشرة ، وإن لم يَعمل كتبتُ واحدة ، ومن همَّ من أمتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة ، وإن لم يعملها لم أكتب عليه شيئاً.

فقال الصادق عليه السلام : جزى الله موسى عليه السلام عن هذهالأمة خيراً ، وهذاتفسير قول الله : (سبحان الذي أسرى بِعَبده ليلاً من المسجد الحرام) الآية ١.

__________________

١. تفسير القمي : ج ٢ ص ٣.

٦٨

الحديث الثاني :

حديث الإمام الصادق عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال :

بينا أنا راقد بالأبطح وعلي عليه السلام عن يميني وجعفر عن يساري وحمزة بين يديَّ ، وإذاً أنا بخَفق أجنحة الملائكة ، وقائل منهم يقول : إلى أيِّهم بُعِثتَ يا جبرئيل؟

فقال : إلى هذا ، وأشار إليَّ.

ثم قال : هو سيد ولد آدم وحواء ، وهذا وصيه ووزيره وختنه وخليفته في أمته ، وهذا عمه سيد الشهداء حمزة ، وهذا ابن عمه جعفر ، له جناحان خصيبان يطير بهما في الجنة مع الملائكة. دَعه فلتَنم عيناه ولتَسمع أُذناه وليعي قلبه. واضربوا له مثلاً ملكٌ بنى داراً ، واتخذ مأدبة وبعث داعياً.

فقال النبي صلى الله عليه وآله : فالمَلِك الله ، والدار الدنيا ، والمأدبة الجنة ، والداعي أنا.

قال : ثم أدركه إسرافيل بالبراق ، وأسرى به إلى بيت المقدس ، وعرض عليه محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء. فصلّى فيها ، وردَّه من ليلته إلى مكة. فمرَّ في رجوعه بعَير لقريش ، وإذاً لهم ماء في آنية ، فشرب منه وأهرق باقي ذلك ، وقد كانوا أضلُّوا بعيراً لهم وكانوا يطلبونه.

فلمّا أصبح ، قال لقريش : إن الله قد أسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس ، فعرض عليَّ محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء. وإني مررتُ بعير لكم في موضع كذا وكذا. وإذاً لهم ماء في آنية ، فشربت منه وأهرقت باقي ذلك. وقد كانوا أضلُّوا بعيراُ لهم.

فقال أيو جهل لعنه الله : قد أمكنكم الفرصة من محمد ، سلوه كم الأساطين فيها والقناديل.

فقالوا : يا محمد ، إن ههنا من قد دخل بيت المقدس ، فصِف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه؟

فجاء جبرئيل : فعلٌّق صورة بيت المقدس تِجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما سألوه.

فلما أخبرهم قالوا : حتى تجيء العَير ونسألهم عما قلت.

٦٩

فقال لهم : وتصديق ذلك أن العَير تَطلع عليكم مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أحمر.

فلما أصبحوا ، أقبلوا ينظرون إلى العقبة ويقولون : هذه الشمس تطلع الساعة. فبينا هم كذلك ، إذ طلعت العَير مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أحمر. فسألوهم عما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالوا : لقد كان هذا ؛ ضلَّ جمل لنا في موضع كذا وكذا ، ووضعنا ماءاً وأصبحنا وقد أُهريق الماء. فلم يزدهم ذلك إلا عُتوّاً ١.

الحديث الثالث :

حديث ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال :

لمّا عرج بي إلى ربي جلَّ جلاله ، أتاني النداء : يا محمد.

قلت : لبَّيك ربَّ العظمة لبَّيك.

فأوحى الله تعالى إليَّ : يا محمد ، فيمَ اختصم الملؤ الأعلى؟

قلت : إلهي لا علم لي.

فقال : يا محمد ، هلّا اتخذت من الآدمين وزيراً وأخاً ووصياً من بعدك؟

فقلت : إلهي ومن أتخِذ؟ تخيَّر لي أنت يا إلهي.

فأوحى الله إليَّ : يا محمد ، قد اخترت لك من الآدميين علي بن أبي طالب.

فقلت : إلهي ، ابن عمِّي؟

فأوحى الله إليَّ : يا محمد ، إن علياً وارثك ووارث العلم من بعدك ، وصاحب لوائك ؛ لواء الحمد يوم القيامة ، وصاحب حوضك ؛ يسقي من ورد عليه من مؤمني أُمتك.

ثم أوحى الله عز وجل إليَّ : يا محمد ، إني قد أقسمت على نفسي قسماً حقاً لا يشرب من ذلك الحض مبغضٌ لك ولأهل بيتك وذرِّيتك الطيبين الطاهرين. حقاً أقول : يا محمد ، لأدخلنَّ جميع أمتك الجنة إلا من أبى من خلقي.

فقلت : إلهي هل واحد يأبي من دخول الجنة؟

__________________

١. تفسير القمي : ج ٢ ص ١٣.

٧٠

فأوحى الله عز وجل إليَّ : بلى.

فقلت : وكيف يأبي؟

فأوحى الله إليَّ : يا محمد ، اخترتك من خلقي واخترت لك وصياً من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدك. وألقيت محبته في قلبك ، وجعلته أباً لوُلدك.

فحقُّه بعدك على أمتك كحقِّك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقَّه فقد جحد حقَّك ، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنة.

فخررتُ لله عز وجل ساجداً شكراً لِما أنعم عليَّ. فإذاً منادياً ينادي : ارفَع يا محمد رأسك ، وسَلني أُعطَك.

فقلت : إلهي ، اجمَع أمتي من بعدي على ولاية علي بن أبي طالب ليَرِدوا جميعاً عليَّ حوضي يوم القيامة؟

فأوحى الله تعالى إليَّ : يا محمد ، إني قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم ـ وقضائي ماض فيهم ـ لأهلك به من أشاء وأهدى به من أشاء. وقد آتيته علمك من بعدك ، وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وأُمَّتك.

عزيمة منِّي لأدخل الجنة من أحبَّه ولا أُدخل الجنة من أبغضه وعاداه وأنكر ولايته بعدك. فمن أبغضه أبغضك ومن أبغضك أبغضني ، ومن عاداه فقد عاداك ومن عاداك فقد عاداني ، ومن أحبَّه فقد أحبَّك ومن أحبَّك فقد أحبَّني ، وقد جعلت له هذه الفضيلة.

وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديّاً ، كلُّهم من ذرِّيتك من البكر البتول. وآخر رجل منهم يصلِّي خلفه عيسى بن مريم ، يملؤ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أُنجي به من الهلكة ، وأُهدي به من الضلالة ، وأُبرئ به من العَمي ، وأشفي به المريض.

فقلت : إلهي وسيِّدي، متى يكون ذلك؟

فأوحى الله جلَّ وعزَّ : يكون ذلك إلا رفع العلم وظهر الجهل ، وكثر القرّاء ، وقلَّالعمل ، وكثر القتل ، وقلَّ الفقهاء الهادون وكثر فقهاء الضلالة والخونة ، وكثر الشعراء ، واتخذ

٧١

أمتك قبورهم مساجد ، وحُلِّيَت المصاحف ، وزُخرُفتِ المساجد ، وكثر الجور والفساد ، وظهر المنكَر وأمر أمَّتك به ، ونهوا عن المعروف ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، وصارت الأمراء كفرة وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة وذوي الرأي منهم فسقة.

وعند ذلك ثلاثة خُسوف : خَسف بالمشرق ، وخَسف بالمغرب ، وخَسف بجزيرة العرب ، وخراب البصرة على يد رجل من ذرِّيتك يَتبعه الزنوج ، وخروج رجل من ولد الحسين بن علي ، وظهور الدجال ؛ يخرج بالمشرق من سجستان ، وظهور السفياني.

فقلت : إلهي ، ومتى يكون بعدي من الفتن؟

فأوحى الله إليَّوأخبرني ببلاء بني أمية وفتنة ولد عمِّي ، وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.

فأوصيت بذلك ابن عمِّي حين هبطت إلى الأرض وأدَّيت الرسالة ، ولله الحمد على ذلك كما حمده النبيُّون ، وكما حمده كلُّ شيء قبلي وما هو خالقه إلى يوم القيامة ١.

الحديث الرابع :

حديث المفضل الجعفي ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

لمّا أُسري بي إلى السماء ، أوحى إليَّ ربي جلَّ جلاله فقال : يا محمد ، إني أطلعت على الأرض إطلاعة ، فاخترتك منها فجعلتك نبياً. وشققت لك من إسمي إسماً ؛ فأنا المحمود وأنت محمد.

ثم أطلعت الثانية ، فاخترت منها علياً ، وجعلته وصيَّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك. وشققت له إسماً من أسمائي ؛ فأنا العليُّ الأعلى وهو علي.

__________________

١. كمال الدين / ص ٢٥ ب ٢٣ ح ١.

٧٢

وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما. ثم عرضتُ ولايتهم على الملائكة ، فمن قبلها كان عندي من المقرَّبين. يا محمد ، لو أن عبداً عبدني حتى ينقطع ويصير كالشنِّ البالي ، ثم أتاني جاحداً لولايتهم ، فما أسكنته جنَّتي ولا أظللته تحت عرشي.

يا محمد ، تحبُّ أن تَراهم؟

قلت : نعم يا رب.

فقال عز وجل : ارفَع رأسك. فرفعت رأسي وإذاً أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، و «م ح م د» بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري.

قلت : يا رب ، ومن هؤلاء؟

قال : هؤلاء الأئمة ، وهذا القائم الذي يحلِّل حلالي ويحرِّم حرامي ، وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لأوليائي ، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين. فيُخرج اللات والعزّى طريَّين فيُحرقهما. فلَفتنة الناس يومئذ بهما أشدُّ من فتنة العجل والسامري ١.

الحديث الخامس :

حديث عبد السلام بن صالح الهروي ، عن الإمام الرضا ، عن آبائه الكرام ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه منِّي.

قال علي عليه السلام : فقلت : يا رسول الله ، فأنت أفضل أم جبرئيل؟

فقال صلى الله عليه وآله :

__________________

١. كمال الدين ، ص ٢٥٢ ب ٢٣ ح ٢.

٧٣

يا علي ، إن الله تبارك وتعالى فضَّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرَّبين ، وفضَّلني على جميع النبيين والمرسلين. والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك. فإن الملائكة لَخدّامنا وخدّام محبينا.

يا علي ، الذين يحملون العرض ومن حوله ، يسبِّحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا.

يا علي ، لو لا نحن ما خلق الله آدم ولا حوّا ، ولا الجنة ولا النار ، ولا السماء ولا الأرض.

وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربنا عز وجل وتسبيحه وتقديسه وتهليله ، لأن أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا. فأنطقنا بتوحيده وتمجيده.

ثم خلق الملائكة. فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً ، استعظموا أمورنا. فسبَّحنا لتَعلم الملائكة ؛ إنّا خلق مخلوقون وأنه منزَّه عن صفاتنا. فسبَّحّت الملائكة لتسبيحنا ، ونزَّهَته عن صفاتنا.

فلمّا شاهدوا عظم شأننا ، هلَّلنا لتَعلم الملائكة ؛ أن لا إله إلا الله ، وأنّا عبيد ولسنا بآلهة ، يجب أن نعبد معه أو دونه ؛ فقلنا : لا إله إلا الله ، وإنّا عبيد ولسنا بآلهة. يجب أن نعبد معه أو دونه. فقالوا : لا إله إلا الله.

فلما شاهدوا كبر محلِّنا ـ كبرنا الله لتَعلم الملائكة ـ أن الله أكبر من أن ينال وأنه عظيم المحل. فلما شاهدوا ما جعل الله لنا من العزة والقوة ؛ قلنا : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، لتَعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله. فقالت الملائكة : لا حول ولا قوة إلا بالله.

فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة ؛ قلنا : الحمد لله ، لتَعلم الملائكة ما يحق الله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه. فقالت الملائكة : الحمد لله. فبِنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده.

ثم إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام وأودعنا صلبه ، ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه ،

٧٤

فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلُّهم أجمعين؟

وإنه لمّا عُرِج بي إلى السّماء ، أذَّن جبرئيل مَثنى مَثنى ، وأقام مثنى مثنى. ثم قال : تقدَّم يا محمد.

فقلت : يا جبرئيل ، أتقدَّم عليك؟

فقال : نعم ، لأن الله ـ تبارك وتعالى إسمه ـ فضَّل أنبياءه على ملائكته أجمعين ، وفضَّلك خاصة. فتقدَّمتُ وصلَّيتُ بهم ولا فخر.

فلمّا انتهينا إلى حُجُب النور ، قال لي جبرئيل : تقدَّم يا محمد ، وتخلَّف عني.

فقلت : يا جبرئيل ، في مثل هذا الموضع تُفارقني.

فقال : يا محمد ، إن هذا انتهاء حدِّي الذي وضعه الله عز وجل لي في هذا المكان ، فإن تَجاوزتُه احترقَت أجنحتي لِتعدِّي حدود ربي جلَّ جلاله.

فزخَّ بي زخة في النور ، حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله عز وجل من ملكوته.

فنوديت : يا محم.

فقلت : لبَّيك ربي وسعكديك تباركتَ وتعاليتَ.

فنوديت : يا محمد ، أنت عبدي وأنا ربك ، فإيّاي فاعبُد وعليَّ فتوكَّل. فإنك نوري في عبادي ، ورسولي إلى خلقي ، وحجتي في بريَّتي. لِمَن تبعك خلقتُ جنَّتي ، ولمن خالفك خلقت ناري ، ولأوصيائك أوجبت كرامتي ، ولشيعتك أوجبت ثوابي.

فقلت : يا رب ، ومن أوصيائي؟

فنوديت : يا محمد إن أوصياءك المكتوبون على ساق العرش.

فنظرت ـ وأنا بين يدي ربي ـ إلى ساق العرش ، فرأيت اثنا عشر نوراً ؛ في كلِّ نور سطر أخضر ، مكتوب عليه إسم كل وصي من أوصيائي. أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمَّتي.

فقلت : يا رب ، أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟

فنوديت : يا محمد ، هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي حججي بعدك على بريَّتي ، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك. وعزَّتي وجلالي ، لأظهرنَّ بهم ديني ،

٧٥

ولأعلينَّ بهم كلمتي.

ولأطهرنَّ الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأمَلِّكنَّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرنَّ له الرياح ، ولأذلِّلنَّ له الرقاب الصعاب ، ولأرَقِّينَه في الأسباب ١ ، ولأنصرنَّه بجندي ، ولأمدَّنَّه بملائكتي ، حتى يُعلِن دعوتي ويجمع الخلق على توحدي. ثم لأديمنَّ مُلكه ولأداولنَّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة.

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلِّم تسليماً ٢.

الحديث السادس :

حديث ابن أُذينه ، عن الامام الصادق عليه السلام : قال :

ما تروي هذه الناصبة؟

فقلت : جُعلتُ فداك ، فيماذا؟

فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم.

فقلت : إنهم يقولون أن أبيِّ بن كعب رآه في النوم.

فقال : كذبوا ، فإن دين الله عز وجل أعزُّ من أن يُرَى في النوم.

فقال : له سدير الصيرفي : جعلت فداك ، فأحدث لنا من ذلك ذكراً.

فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله عز وجل لمّا عرج بنبيه صلى الله عليه وآله إلى سماواته السبع ؛ أما أوليهنَّ فبارك عليه ، والثانية علَّمه فرضه.

فأنزل الله محملاً من نور ، فيه أربعون نوعاً من أنواع النور ، كانت مُحدِقَة بعرش الله ، تغشي أبصار الناظرين. أما واحد منها فأصفر ، فمن أجل ذلك اصفرَّت الصفرة. وواحد

__________________

١. وفي حديث الإمام الباقر عليه السلام : «ويرقى في الأسباب ، أسباب السماوات السبع والأرضين السبع». بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٣٢١.

٢. كمال الدين : ص ٢٥٥ ب ٢٣ ح ٤.

٧٦

منها أحمر ، فمن أجل ذلك احمرَّت الحُمرة. وواحد منها أبيض ، فمن أجل ذلك ابيضَّ البياض. والباقي على سائر عدد الخلق من النور والألوان في ذلك المحمل ، حلق وسلاسل من فضَّة.

ثم عرج به إلى السماء ، فنفرَت الملائكة إلى أطراف السماء ، وخرَّت سُجَّداً وقالت : سُبُّوح قدُّوس ، ما أشبه هذا النور بنور ربنا.

فقال جبريل : الله أكبر ، الله أكبر.

ثم فتحت أبواب السماء واجتمعت الملائكة ، فسلَّمَت على النبي صلى الله عليه وآله أفواجاً وقالت : يا محمد ، كيف أخوك؟ إذا نزلتَ فاقرءه السلام.

قال النبي صلى الله عليه وآله : أفَتَعرفونه؟

قالوا : وكيف لا نعرفه وقد أُخذ ميثاقك وميثاقه منّا ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا. وإنّا لنَتَصفَّح وجوه شيعته في كلِّ يوم وليلة خمساً ـ يعنون في كل وقت صلاة ـ ، وإنّا لَنُصلِّي عليك وعليه.

قال صلى الله عليه وآله : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور ، لا يشبه النور الأول ، وزادني حلقاً وسلاسل.

وعرج بي إلى السماء الثانية. فلمّا قربتُ من باب السماء الثانية ، نفرَت الملائكة إلى أطراف السماء ، وخرَّت سُجَّداً وقالت : سُبُّوح قدُّوس ربُّ الملائكة والروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربنا.

فقال جبرئيل : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله.

فاجتمعت الملائكة وقالت : يا جبرئيل ، من هذا معك؟

قال : هذا محمد.

قالوا : وقد بُعِث؟

قال : نعم.

٧٧

قال النبي صلى الله عليه وآله : فخرجوا إليَّ شبه المعانيق ١ ، فسلَّموا عليَّ وقالوا : إقرء أخاك السلام. قلت : أتعرفونه؟

قالوا : وكيف لا نعرفه وقد أُخذ ميثاقك وميثاقه وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنّا لَنَتصفَّح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً ؛ يعنون في كل وقت صلاة.

قال : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور ، لا تشبه الأنوار الأُولى.

ثم عرج بي إلى السماء الثالثة ، فنفرت الملائكة وخرَّت سُجَّداً وقالت : سُبُّوح قدُّوس ، ربُّ الملائكة والروح. ما هذا النور الذي يشبه نور ربنا؟

فقال جبرئيل : أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله.

فاجتمعت الملائكة وقالت : مرحباً بالأول ومرحباً بالآخر ومرحباً بالحاشر ومرحباً بالناشر ٢ ؛ محمد خير النبيين وعلي خير الوصيين.

قال النبي صلى الله عليه وآله : ثم سلَّموا عليَّ وسألوني عن أخي. قلت : هو في الأرض، أفتَعرفونه؟

قالوا : وكيف لا نعرفه وقد نحج البيت المعمور كلَّ سنة ، وعليه رقٌّ أبيض ٣ ، فيه إسم محمد وإسم علي والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام وشيعتهم إلى يوم القيامة. وإنّا لَنٌبارك عليهم كلَّ يوم وليلة خمساً ـ يعنون في وقت كل صلاة ـ ، ويَمسحون رؤوسهم بأيديهم.

قال : ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور ، لا تشبه تلك الأنوار الأولى.

ثم عرج بي حتى انتهيت إلى السماء الرابعة ، فلم تقل الملائكة شيئاً ، وسمعت دويّاً

__________________

١. «المعانيق» جمع المعناق ، وهو الفرس الجيِّد. مجمع البحرين : مادة «عنق».

٢. في الهامش ما نصُّه : «الحاشر» من ألقاب النبي صلى الله عليه وآله ، فلِمُقارنته عليه الصلاة والسلام مع الحشر ، كما قال صلى الله عليه وآله : «إنا والساعة كهاتَين» ، وأشار إلى السبابة والوسطى.

و «الناشر» من ألقاب أمير المؤمنين عليه السلام ، لأن الناشر بمعنى المُفرِّق ، وهو عليه السلام يُفرِّق بين أهل الجنة والنار ، كذا في هامش المطبوع.

وقال المجلسي : «مرحباً بالحاشر» ، أي مَن يتَّصل زمان أمته بالحشر. و «مرحباً بالناشر» ، أي بمن ينشر قبل الخلق وإليه الجمع والحساب.

٣. «الرق» بفتح الراء والكسر لغة ، هو الجلد الرقيق الذي يُكتب فيه. مجمع البحرين : مادة «رقق».

٧٨

كأنه في الصدور. فاجتمعَت الملائكة ، ففُتِحَت أبواب السماء وخرجت إليَّ شبه المعانيق.

فقال جبرئيل : حيَّ على الصلاة ، حيَّ على الصلاة. حيَّ على الفلاح ، حيَّ على الفلاح.

فقالت الملائكة : صوتان مقرونان معروفان.

فقال جبرئيل : قد قامَت الصلاة ، قد قامَت الصلاة.

فقالت الملائكة : هي لشيعته إلى يوم القيامة.

ثم اجتمعت الملائكة وقالت : كيف تركتَ أخاك؟

فقلت لهم : وتعرفونه؟

قالوا : نعرفه وشيعته ، وهم نور حول عرش الله. وإن في البيت المعمور لرقّاً من نور ، فيه كتاب من نور ، فيه إسم محمد وعلي والحسن والحسين والأئمة وشيعتهم إلى يوم القيامة. لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل ، وإنه لَميثاقنا ، وإنه ليقرء علينا كل يوم جمعة.

ثم قيل لي : ارفَع رأسك يا محمد.

فرفعت رأسي ، فإذاً أطباق السماء قد خرقت والحُجُب قد رفعت.

ثم قال لي : طأطئ رأسك ، أنظُر ما ترى.

فطأطأتُ رأسي ، فنظرت إلى بيت مثل بيتكم هذا وحرم مثل حرم هذا البيت ، لو ألقيت شيئاً من يدي لم يَقَع إلا عليه.

فقيل لي : يا محمد ، إن هذا الحرم وأنت الحرام ، ولكلِّ مثل مثال.

ثم أوحى الله إليَّ : يا محمد ، ادنُ من صاد فاغسِل مساجدك وطهِّرها ، وصلِّ لربك.

فدنى رسول الله صلى الله عليه وآله من صاد ، وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن. فتلقَّى رسول الله صلى الله عليه وآله الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين. ثم أوحى الله عز وجل إليه أن اغسِل وجهك فإنك تَنظر إلى عظمتي. ثم اغسِل ذراعَيك اليمنى واليسرى ، فإنك تلقَّى بيدك كلامي. ثم امسَح رأسك بفضل ما بقى في يديك من الماء ورجليك إلى كعبيك ، فإني أُبارك عليك وأُوطيك موطئاً لم يطأه أحد غيرك. فهذا على الأذان والوضوء.

٧٩

ثم أوحى الله عز وجل إليه : يا محمد ، استقبِل الحجر الأسود ، وكبِّرني على عدد حُجُبي. فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً ، لأن الحجب سبع. فافتتح عند إنقطاع الحجب ، فمن أجل ذلك صار الإفتتاح سنَّة.

والحجب متطابقة ، بينهنَّ بحار النور ، وذلك النور الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله ، فمن أجل ذلك صار الإفتتاح ثلاث مرّات لإفتتاح الحجب ثلاث مرات ، فصار التكبير سبعاً والإفتتاح ثلاثاً.

فلمّا فرغ من التكبير والإفتتاح ، أوحى الله إليه : سَمِّ بإسمي ، فمن أجل ذلك جعل «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول السورة.

ثم أوحى الله إليه أن احمِدني ، فلمّا قال : الحمد لله رب العالمين ، قال النبي في نفسه شكراً. فأوحى الله عز وجل إليه : قطعت حمدي ، فسَمِّ بإسمي ، فمن أجل ذلك جعل في الحمد «الرحمن الرحيم» مرتين.

فلمّا بلغ «ولا الضالِّين» ، قال النبي صلى الله عليه وآله : الحمد لله رب العالمين شكراً. فأوحى الله إليه : قطعت ذكري ، فسَمِّ بإسمي. فمن أجل ذلك جعل الله «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول السورة.

ثم أوحى الله عز وجل إليه : اقرَء ـ يا محمد ـ نسبة ربك تبارك وتعالى : (قُل هو الله أحد * الله الصمد * لم يَلِد ولم يولَد * ولم يَكُن له كُفُواً أحد). ثم أمسك عنه الوحي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الواحد الأحد الصمد. فأوحى الله إليه : (لم يَلِد ولم يولَد ولم يكن له كفواً أحد). ثم أمسك عنه الوحي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كذلك الله ، كذلك الله ربُّنا.

فلمّا قال ذلك ، أوحى الله إليه : اركَع لربك يا محمد. فركع ، فأوحى الله إليه وهو راكع : قل : سبحان ربي العظيم. ففعل ذلك ثلاثاً.

ثم أوحى الله إليه أن ارفَع رأسك يا محمد. ففعل رسول الله صلى الله عليه وآله فقام منتصباً.

فأوحى الله عز وجل إليه أن اسجُد لربك يا محمد. فخرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله ساجداً. فأوحى الله عز وجل إليه قل : سبحان ربي الأعلى. ففعل ذلك ثلاثاً.

٨٠