بحوث في المعراج

السيد علي الحسيني الصدر

بحوث في المعراج

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-380-3
الصفحات: ١٦٠

٢. قوله تعالى : (أن أسرِ بِعِبادي فاضرِب لهم طريقاً في البحر يَبساً) ١.

فواضح أن الإسراء في كِلتا الآيتين بالنسبة إلى النبي لوط عليه السلام وأهله وكذا بالنسبة إلى النبي موسى عليه السلام وقومه ، كان بأبدانهم ، لا بمجرد أرواحهم ولا في منامهم.

الوجه الثالث :

كلمة «بعبده» في الآية المباركة أيضاً ، ظاهرة في العروج بالروح والجسد ، لأن العبد إسم لجسم الشخص وروحه كلَيهما لا الروح فقط. بدليل :

١. قوله تعالى : (وأنه لمّا قام عبد الله يَدعوه كادوا يكونون عليه لِبَداً) ٢.

٢. وقوله تعالى : (أرأيت الذي يَنهى * عبداً إذا صلّى) ٣.

فلا شك أن المعنى بالعبد مجموع الجسد والروح. وأما مجرد الروح فقط ، فهي روح العبد لا العبد ، ولا يطلق عليه العبد.

الوجه الرابع :

كلمة «لِنُريَه» في الآية المباركة أيضاً ، ظاهرة بالدلالة اللفظية في الرؤية العينيَّة الحقيقية.

نظير الرؤية في قوله تعالى : (ولد رآه بالأُفُق المبين) ٤ ، أي رأى النبي صلى الله عليه وآله جبرئيل. ولا يوجد في الآية الشريفة قرينة صارفة تصرف هذا الظهور إلى الظهور في الرؤيا المناميَّة حتى تحمل عليها. كما كانت هذه القرينة الصارفة موجودة ـ وهي كلمة المنام ـ في مثل

__________________

١. سورةطه : الآية ٧٧.

٢. سورةالجن : الآية ١٩.

٣. سورة العلق : الآيتان ٩ ، ١٠.

٤. سورة التكوير : الآية ٢٣.

٢١

قوله تعالى : (إذ يُرِيكَهم الله في مَنامك قليلاً) ١.

فمع عدم وجود القرينة الصارفة في آية الإسراء ، تَكون الرؤية ظاهرة في الرؤية العينيَّة التي تكون بالبصر ، الذي هو في الجسد.

الوجه الخامس :

قوله تعالى في آية الإسراء الأخرى في سورة النجم ، المبيِّنة لمعراجه صلى الله عليه وآله ؛ فقد ورد فيها : (ما زاغ البَصَر وما طَغى * لقد رأى مِن آيات ربه الكبرى) ٢.

وهو لا يناسب رؤيا النوم إطلاقاً ، بل هو صريح في رؤية البصر حقيقة ، وأنها كانت رؤية بصريَّة صحيحة لم يكن فيها زيغٌ وميل ، ولا طغيان وتجاوز. فرأى من آيات ربه الكبرى.

وبديهيٌّ أن البصر يكون في الجسد ، فيلزم أن يكون العروج بالجسد ، لتكون الرؤية بالبصر. فلا يصحُّ بوجه أن يقال بكون المعراج بغير البدن.

الوجه السادس :

إنه لو كان معراجه صلى الله عليه وآله في الرؤيا ، لم يكن مجال أو مناسبة لتكذيب المشركين له ، واستنكارهم سير هذه المسافة الطويلة ؛ بين مكة والمسجد الأقصى في ليلة واحدة. فإن رؤيا البلدان وقاصي المكان في الأحلام والمنام أمر طبيعي لا يستنكره أحد ولا يَستبعده أيُّ شخص.

وقد استنكر المشركون معراجه ومسير عروجه حين بيانه صلى الله عليه وآله له ، كما تلاحظه في تفاسير كلا الفريقين الخاصة والعامة.

فقد جاء في مجمع البيان عن النبي صلى الله عليه وآله :

«... فلما أصبحتُ، حدَّثت به الناس. فكذَّبني أبو جهل والمشركون ؛ وقال مطعم بن

__________________

١. سورة الأنفال:الآية ٤٣.

٢. سورة النجم : الآيتان ١٧ ، ١٨.

٢٢

عدي : أتزعم أنك سِرتَ مسيرة شهرين في ساعة ، أشهد أنك كاذب.

قالوا : ثم قالت قريش : أخبِرنا عمّا رأيت.

فقال : مررتُ بعير بني فلان ، وقد أضلُّوا بعيراً لهم وهم في طلبه ، وفي رحلهم قعبٌ مملوء من ماء. ومررتُ بعير بني فلان ، فنفرتُ بكرةفلان فانكسرت يدها.

قالوا : فأخبِرنا عن عيرنا.

قال : مررتُ بها بالتنعيم ، وبيَّن لهم أجمالها وهيئاتها.

وقال : تقدَّمها جمل ، أورق ، عليه قرارتان محيطتان ، ويطلع عليكم عند طلوع الشمس.

قالوا : هذه آية أُخرى.

ثم خرجوا يشتدُّون نحو التيه ، وهم يقولون : لقد قضى محمد بيننا وبينه قضاءاً بيِّناً. وجلسوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذِّبوه.

فقال قائل : والله إن الشمس قد طلعت ، وقال آخر : والله هذه الإبل قد طلعت ، يقدمها بعيرٌ أورق. فبهتوا ولم يؤمنوا» ١.

وجاء في تفسير الكشّاف :

«ورُوِي أنه كان نائماً في بيت أم هاني بعد صلاة العشاء ، فأُسرِيَ به ورجع من ليته. وقصَّالقصة على أم هاني وقال : مَثُل لي النبيُّون فصلَّيتُ بهم.

وقام ليخرج إلى المسجد ، فتشبَّثَت أم هاني بثوبه.

فقال : ما لكِ؟

قالت : أخشى أن يكذِّبك قومك إن أخبرتَهم.

قال : وإن كذَّبوني.

فخرج ، فجلس إليه أبو جهل ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله بحديث الإسراء.

فقال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي! هلَمَّ ، فحدَّثهم .... فمن بين مصفِّقٍ وواضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً ، وارتدَّ ناس ممَّن كان قد آمن به ... فاستنعتوه المسجد ، فجَلى به

__________________

١. تفسير مجمع البيان : ج ٦ ص ٣٩٥.

٢٣

بيت المقدس ، فطفق ينظر إليه وينعته لهم.

فقالوا : أما النعت فقد أصاب ، فقالوا : أخبِرنا عن عيرنا؟ فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها ، وقال : تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس ، يقدمها جملٌ أورق.

فخرجوا يشتدُّون ذلك اليوم نحو الثنيَّة. فقال قائل منهم : هذه والله الشمس قد شرقت. فقال آخر : هذه والله العير قد أقبلت ، يقدمها جمل أورق كما قال محمد.

ثم لم يؤمنوا وقالوا : ما هذا إلا سحر مبين» ١.

فتكذيب المشركين وتعجبهم واستنكارهم قرينة على أن بيان معراجه صلى الله عليه وآله كان بعروج جسمه مع الروح ، لا بروحه ، أو في نومه الذي لا عجب فيه.

الوجه السابع :

أن أحاديث المعراج المتواترة والمتفق عليها بين الجميع ـ كما يأتي ذكرها وتفصيل بيانها ـ مليئة بقرائن معراجه صلى الله عليه وآله ببدنه الشريف وجسمه المقدس.

وذلك للتصريح بمثل ركونه البُراق ، وتوضُّؤه للصلاة ، وصلاته بالأنبياء ، واقتدوا الأنبياء به ، ورؤيته بحر النور ببصره ، ورفع رأسه لرؤية الحُجُب ، وغير ذلك مما يكون بالبدن وأعضاء الجسم وفي عالم اليقظة ، لا بخصوص الروح أو في عالم المنام.

الوجه الثامن :

إنه تطابق الظاهر القرآني والظاهر الروائي على المعراج الجسماني ، ولم تُوجَد قرينة أو دلالة على المعراج بالروح فقط حتى تُحمَل عليه.

والأدلة المتظافرة الأتية على المعراج لا قرينة لها ـ مقاليَّة أو حالية ـ على كون المعراج روحياً أو مناميّاً حتى يستظهر ذلك المعنى. وعدم الوجدان في مورد الوجدان دليل على عدم الوجود.

__________________

١. تفسير الكشّاف : ج ٢ ص ٦٤٧.

٢٤

فيتعيَّن حمل الأدلة على معناها الظاهر بل الصريح ، وهو المعراج الجسماني.

وأما ما سُجِّل في دعاء الندبة الشريفة : وعَرَجتَ بروحه ، فهي إنما توجَد في نسخة من نسخ المصباح للسيد ابن طاووس لا في جميعها. والمأخذ لدعاء الندبة الشريفة هو المزار الكبير للشيخ الجليل ابن المشهدي ، بسنده المعتبرالمذكور في محلِّه ، وليس فيه كلمة بروحه.

علماً بأن المصباح ينقل الدعاء بنفس سند المزار ؛ يعني : عن محمد بن علي بن أبي قُرَّة ، عن محمد بن الحسيني البزوفري ، فسند دعاء الندبة الشريفة إذاً سند واحد وهو سند المزار الكبير. والموجود في المزار وكذا في بقية نسخ المصباح هو : وعَرَجتَ به. وهو ظاهر في العروج بشخص النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لا بروحه فقط ١.

وعليه ، فلا قرينة من هذه الجهة على المعراج الروحاني.

وأما ما في تفسير بعض العامة عن عائشة أنها قالت : «والله ما فُقِد جسد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكن عرج بروحه» ٢ ، فليس بمقبول أصلاً ، ولا صالح للقرينة قطعاً. وذلك :

أولاً : لأن عائشة معلومة الحال.

ثانياً : لأن قولها هذا ليس عن خُبرة وصِدق مقال ؛ حيث إن الإسراء كان من مكة بعد النبوة بسنتين ، كما سيأتي عن ابن عباس الذي هو مقبول القول عند العامة. وعائشة آنذاك لم تكن زوجة للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله أو معاشرة له حتى تخبرعن فقدان جسده أو عدم فقدانه ، بل لم تكن مولودة في عالم الحياة! حيث إنه تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الهجرة بسنتين وهي بنت سبع سنين ، وبَنى عليها بالمدينة وهي بنت تسع سنين وعشرة أشهر ٣.

ثالثاً : إنه لم يكن الإسراء من بيت عائشة حتى يكون لها إطلاع على جسم الرسول صلى الله عليه وآله

__________________

١. لاحظ التفصيل في كتاب : تحقيقي دربارهء دعاى ندبه : ص ٣٢.

٢. جاء في تفسير الكشّاف : ج ٢ ص ٦٤٧. وذكر في الهامش إرسال سنده ، وأنه رواه ابن إسحاق في المغازي ؛ قال : حدثني بعض آل أبي بكر عن عائشة بهذا ، لكن أسرى بدل عرج.

٣. سفينة البحار : ج ٦ ص ٥٧٣.

٢٥

في معراجه ، حتى يُمكنها الحلف على بقاء جسمه في معراجه أو عدم بقائه. بل كان الإسراء من بيت أم هاني أخت أمير المؤمنين عليه السلام وزوجة هبيرة بن أبي وهب المخزومي ١.

وعليه ، فلا يصح هذا الإخبار المحكي قرينة على كون المعراج في النوم ، ويستنتج أنه بعد عدم القرينة على كون المعراج في الرؤيا أو بالروح فقط لا كتاباً ولا سنَّة ، لا لفظيّاً ولا حاليّاً ، يتعيَّن حمل أدلة المعراج والإسراء على كون العروج بروحه الزكيَّة وبدنه الشريف إلى ما حباه به ربه اللطيف.

وبهذا عرفت في المقام الأول إمكان المعراج الجسماني ثبوتاً.

وعرفت في المقام الثاني : وقوع المعراج الجسماني إثباتاً.

وستعرف في المقام الثالث الآتي : أدلة المعراج استدلالاً ، وما كان من أخبارالملكوت الأعلى تفصيلاً ، إن شاء الله تعالى.

__________________

١. مجمع البيان : ج ٦ ص ٦٩٥. الكشّاف : ج ٢ ص ٦٤٧.

٢٦

المقام الثالث :

أدلة المعراج

٢٧
٢٨

ثبت المعراج الشريف لرسول الله صلى الله عليه وآله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله بالأدلة القاطعة والحجج الساطعة ، المتمثِّلة في كتاب الله المبين ، وأحاديث الهداة المعصومين عليهم السلام ، مؤيَّدة بإجماع الصالحين ، بل بضروري الدين.

ونحن بعون الله تعالى نستعرض تلك الأدلة المباركة ، في سبيل تحصيل دليل العلم الإعتقادي بهذه الحقيقة الإسلامية.

ونستفيد من خلالها ما خصَّ الله تعالى به نبيَّه الكريم ورسوله العظيم صلى الله عليه وآله في مشاهداته ومشهوداته ، من أنوار السماوات والأرضين ، وأسرار علوم ربِّ العالمين.

فتكون لنا نموذجاً مثاليّاً من معارف الإماميَّة ، والمعالم الإسلامية في مدرسة الدين المبين ، وشريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله.

هذا إلى جانب تجلِّي المعطيات العوائد ، والفوائد الفرائد ، التي أتحف صلى الله عليه وآله بها هذه الأمة في معارجه الهامَّة. فإنه سيظهر لك من خلال دراسة آيات وروايات المعراج ، الألطاف الكريمة التي تفضَّل الله بها على هذه الأمة الأمة ببركة معراج نبي الرحمة صلى الله عليه وآله ، والتي يمكن تقسيمها إلى أقسام ثلاثة من المَنح التي أعطيت وشرَّعت لنبينا صلى الله عليه وآله في معراجه ، نذكرها قبل بيان الأدلة مقدمة.

٢٩

المنحة الأولى :

من معطيات المعراج الشريف الأصل الأساسي المُبقي للدين الإسلامي ؛ يعني الخلافة الإلهية العظمى والإمامة الحقة الكبرى ؛ إمامة أهل البيت عليهم السلام وولايتهم ، التي هي من أعمدة الدين ووسيلة سعادة المؤمنين والموجبة لأولى النعم وهداية الأمم.

ففي حديث الإمام الباقر عليه السلام :

بنى الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يُنادَ بشيء كما نودِيَ بالولاية ١.

وفي الزيارة الجامعة الشريفة :

سعد والله من والاكم ٢.

وفي حديث الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم السلام ، قال :

مَن أحبَّنا أهل البيت فليَحمِد الله على أولى النعم.

قلت : وما أولى النعم؟

قال : طيب الولادة ، ولا يحبُّنا إلا مَن طابَت ولادته ٣.

وفي حديث الإمام الباقر عليه السلام ، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الروح والراحة والرحمة والنصرة واليُسر واليَسار والرضاء والرضوان والفرج والمخرج والظهور والتمكين والغُنم والمحبة من الله ومن رسوله لِمَن والى علياً وائتمَّ به ٤.

وفي حديث الإمام الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام ، قال :

مرَّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في مسجد الكوفة وقنبر معه ، فرأى رجلاً

__________________

١. الكافي : ج ٢ (الأصول) : ص ١٨ ح ١.

٢. عيون الأخبار : ج ٢ ص ٢٧٩.

٣. المحاسن : كتاب الصفوة ص ١٠٤ ح ٢٤.

٤. المحاسن : كتاب الصفوة ص ١٠٧ ح ٣٧.

٣٠

قائماً يصلِّي.

فقال : يا أمير المؤمنين! ما رأيت رجلاً أحسن صلاة من هذا.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : مَه يا قنبر ، فوالله لرجل على يقين من ولايتنا أهل البيت خيرمن عبادة ألف سنة. ولو أن عبداً عبد الله ألف سنة ، لا يقبل الله منه السنة حتى يعرف ولايتنا أهل البيت. ولو أن عبداً عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبياً ، ما يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت ، وإلا أكبَّه الله على مِنخَرَيه في نار جهنم ١.

إلى غير ذلك من الأحاديث المتظافرة المتواترة المبيِّنة لأهمية ولاية أهل البيت عليهم السلام العلياء التي نزلت من السماء ، فإنها مُنِحَت ليلة المعراج.

المنحة الثانية :

الفرائض الإلهية والسنن الفاضلة التي هي من أسس الدين ؛ مثل الصلاة ، فإنها شُرِّعَت ليلة المعراج. وكانت خير نعمة وأعظم مثوبة للمؤمنين ، كما بُيِّن فضيلتها الزاهرة في أحاديثنا الباهرة ، مثل :

١. حديث الإمام الصادق عليه السلام :

أول ما يُحاسَب به العبد الصلاة ، فإن قُبِلَت قُبِل سائر عمله ، وإذا رُدَّت رُدَّ عليه سائرعمله ٢.

٢. عن معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل ما يتقرَّب به العباد ربهم وأحبَّ ذلك إلى الله عز وجل ، ما هو؟ فقال :

ما أعلم شيئاً أفضل من هذهالصلاة ، ألا تَرى أن العبد الصالح عيسى بن مريم عليه السلام قال : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دُمتُ حيّاً ٣.

__________________

١. المحاسن : كتاب الصفوة ص ١٠٧ ح ٣٧.

٢. وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٢٢ ب ٨ ح ١٠.

٣. وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٢٥ ب ١٠ ح ١.

٣١

٣. حديث الإمام الصادق عليه السلام :

صلاة فريضة خير من عشرين حجة ، وحجة خير من بيت مملوٍّ ذهباً يتصدَّق منه حتى يفنى ١.

٤. حديث الإمام الصادق عليه السلام :

يؤتَى بشيخ يوم القيامة ، فيُدفَع إليه كتابه ، ظاهره مما يلي الناس ، ولا يُرى إلا مساوي فيطول ذلك عليه. فيقول : يا رب! أتأمرني إلى النار؟

فيقول الجبّار جلَّ جلاله : يا شيخ ، إني أستحي أن أُعذِّبك ، وقد كنت تصلِّي لي في دار الدنيا. إذهَبوا بعبدي إلى الجنة ٢.

٥. حديث رسول الله صلى الله عليه وآله :

لا تُترَك الصلاة متعمِّداً ، فإن من تركها متعمِّداً فقد برئت منه ملَّة الإسلام ٣.

٦. حديث أبان بن تغلب ، قال :

كنتُ صلَّيتُ خلف أبي عبد الله عليه السلام بالمزدلفة. فلما انصرفتُ ، التفت إليَّ فقال :

يا أبان ، الصلوات الخمس المفروضات. من أقام حدودهنَّ وحافظ على مواقيتهنَّ ، لقى الله يوم القيامة وله عهد يدخله به الجنة ، ومن لم يَقُم حدودهنَّ ولم يحافظ على مواقيتهنَّ لقى الله ولا عهد له ؛ إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له ٤.

٧. حديث الإمام الصادق عليه السلام :

إن ملك الموت قال : ليس في شرقها ولا في غربها أهل بيت مَدَر ولا وَبَر إلا وأنا أتصفَّحَهم في كل يوم خمس مرات.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنما يتصفَّحهم في مواقيت الصلاة. فإن كل ممَّن يواظب عليها

__________________

١. وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٢٦ ب ١٠ ح ٤.

٢. وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٢٧ ب ١٠ ح ٦.

٣. وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٢٩ ب ١١ ح ٥.

٤. وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٧٨ ب ١ ح ١.

٣٢

عند مواقيتها ، لقَّنه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ونحَّى عنه ملك الموت إبليس ١.

٨. حديث رسول الله صلى الله عليه وآله :

لا يَنال شفاعتي غداً من أخَّر الصلاة المفروضة بعد وقتها ٢.

٩. حديث الإمام الرضا ، عن آبائه عليهم السلام ، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : مَن أدَّى فريضة فله عند الله دعوة مستجابة ٣.

١٠. حديث النبي صلى الله عليه وآله :

ما من صلاة يحضر وقتها إلا نادى ملك بين يدي الناس : أيها الناس! قوموا إلى نيرانكم التي أوقَدتُموها على ظهوركم ، فاطفَؤوها بصلاتكم ٤.

١١. حديث رسول الله صلى الله عليه وآله :

ألا إن الصلاة مأدَبَة الله في الأرض ؛ قد هيَّأها لأهل رحمته في كل يوم خمس مرات ٥.

١٢. حديث رسول الله صلى الله عليه وآله :

الصلاة ميزان أمَّتيي ، من وفَّى استَوفَى ٦.

١٣. حديث الإمام الصادق عليه السلام :

للمصلِّي ثلاث خصال : ينتاثر عليه البرُّ من أعنان السماء إلى مفرق رأسه ، وتحفَّبه الملائكة من قدميه إلى أعنان السماء ، وملك ينادي : لو تَعلم من تُناجي ومن يَنظر إليك

__________________

١. وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٧٩ ب ١ ح ٥.

٢. وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٨١ ب ١ ح ١٣.

٣. بحار الأنوار : ج ٨٢ ص ٢٠٧ ب ١ ح ١٣.

٤. بحار الأنوار : ج ٨٢ ص ٢٠٩ ب ١ ح ٢١.

٥. مستدرك الوسائل : ج ٣ ص ١٥ ب ٢ ح ٩.

٦. مستدرك الوسائل : ج ٣ ص ٣١ ب ٨ ح ١.

٣٣

ما انفلتَّ ولا زِلتَ من موضعك ١.

١٤. حديث السيد ابن طاووس ، عن سيدة النساء فاطمة ابنة سيد الأنبياء عليها السلام ، أنها سألت أباها محمداً صلى الله عليه وآله فقالت :

يا أبتاه! ما لِمَن تُهاون بصلاته من الرجال والنساء؟

قال : يا فاطمة ، مَن تُهاون بصلاته من الرجال والنساء ، إبتلاه الله بخمسة عشر خصلة ؛ ست منها في دار الدنيا ، وثلاث عند موته ، وثلاث في قبره ، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره.

فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا : فالأولى يرفع الله البركة من عمره ، ويرفع الله البركة من رزقه ، ويَمحو الله عز وجل سيماء الصالحين من وجهه ، وكل عمل يَعمله لا يؤجَر عليه ، ولا يَرتفع دعاؤه إلى السماء ، والسادسة ليس له حظٌّ في دعاء الصالحين.

وأما اللواتي تصيبه عند موته : فأولاهنَّ أنه يموت ذليلاً ، والثانية يموت جائعاُ ، والثالثة يموت عطشاناً ؛ فلو سُقِيَ من أنهار الدنيا لم يُروَ عطشه.

وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره : فأولاهنَّ أن يوكِّل الله به ملكاً يَسحَبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه ، والثانية يُحاسبه حساباً شديداً ، والثالثة لا ينظر الله إليه ولا يزكِّيه وله عذاب أليم ٢.

المنحة الثالثة :

المعنويات والكرامات الربانية التي حباها الله تعالى لهذه الأمة كرامة لنبي الرحمة : كالشفاعة والمغفرة وسهولة الشريعة ويُسر التكاليف ورفع العقوبة ، فإنها من كرامات الله تعالى له ليلة المعراج.

وتلاحظها في الأحاديث الشريفة ، ومنها :

__________________

١. مستدرك الوسائل : ج ٣ ص ٣١ ب ٨ ح ٢.

٢. مستدرك الوسائل : ج ٣ ص ٢٣ ب ٦ ح ١.

٣٤

١. حديث سلمان الفارسي ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، جاء فيه فيما خاطب الله تعالى نبيَّه الكريم بعد سدرة المنتهى :

يا أحمد ، العزيز يقرؤ عليك السلام.

فقلت : هو السلام وإليه يَعود السلام.

ثم نوديتُ ثانية : يا أحمد.

فقلت : لبَّيك وسعدَيك سيدي ومولاي.

قال : يا أحمد ، آمن الرسول بما أُنزِل إليه من ربه والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته. وكتبه فألهمني ربِّي ، فقلت : آمن الرسول بما أُنزِل إليه من ربِّه والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.

فقلت : قد (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).

فقال الله عز وجل : (لا يكلِّف الله نفساً إلا وُسعها لها ما كسبَت وعليها ما اكتَسبَت).

فقلت : (ربنا لا تؤاخِذنا إن نسينا أو أخطأنا).

فقال الله عز وجل : قد فعلت.

فقلت : (ربنا ولا تحمِل علينا إصراً كما حملتَه على الذين من قبلنا).

فقال : قد فعلت.

فقلت : (ربنا ولا تحمِّلنا ما لا طاقة لنا به واعفُ عنّا واغفِر لنا وارحَمنا أنت مولانا فانصُرنا على القوم الكافرين).

فقال الله عز وجل : قد فعلت ، تجرى القلم بما جرى ١.

٢. حديث الإمام الهادي ، عن آبائه الطاهرين ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لمّا أسرِيَ بي إلى السماء الرابعة ، نظرتُ إلى قبَّة من لؤلؤ ، لها أربعة أركان وأربعة أبواب ، كلُّها من إستبرق أخضر.

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣١٣ ب ٣ ح ٢٦.

٣٥

قلت : يا جبرئيل! ما هذه القبَّة التي لم أرَ في السماء الرابعة أحسن منها؟!

فقال : حبيبي محمد ، هذه صورة مدينة يقال لها قم. يجتمع فيها عباد الله المؤمنون. ينتظرون محمداً وشفاعته للقيامة والحساب ، يجري عليهم الغمَّ والهمَّ والأحزان والمكاره.

قال : فسألت علي بن محمد العسكري عليه السلام : متى ينتظرون الفرج؟

قال : إذا ظهر الماء على وجه الأرض ١.

٣. حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، جاء فيه :

فتقدَّمتُ فكُشِفَ لي عن سبعين حجاباً ، فقال لي : يا محمد. فخررتُ ساجداً وقلت : لبيك رب العزِّة لبيك.

فقيل لي : يا محمد ، ارفَع رأسك وسَل تُعطَ واشفَع. يا محمد ، أنت حبيبي وصفيِّي ورسولي إلى خلقي ٢.

٤. حديث سيدتنا فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها عليه السلام ، أنه قال :

حدَّثنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لمّا دخلت الجنة ، رأيت فيها شجرة تحمل الحليَّ والحلل. أسفلها خيل بلق ، وأوسطها حور عين ، وفي أعلاها الرضوان.

قلت : يا جبرئيل! لِمَن هذه الشجرة؟

قال : هذه لابن عمِّك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. فإذا أمر الله بدخول الجنة ، يؤتَى بشيعة علي عليه السلام حتى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة. فيلبسون الحليَّ والحلل ، ويركبون الخيل البلق ، وينادي مناد : هؤلاء شيعة علي ، صبروا في الدنيا على الأذى ، فخبوا في هذا اليوم بهذا ٣.

__________________

١. بحار الأنوار: ج ١٨ ص ٣١١ ب ٣ ح ٢١.

٢. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٩١ ب ٣ ح ٩٨.

٣. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٤٠١ ب ٣ ح ١٠٢.

٣٦

٥. حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، جاء فيه :

فلمّا دخلتُ الجنة ، رأيت في الجنة شجرة طوبى. أصلها في دار علي عليه السلام ، وما في الجنة قصر ولا منزل إلا وفيها فرع منها. وأعلاها أسفاط حلل من سندس وإستبرق. يكون للعبد المؤمن ألف ألف سفط ، في كلِّ سفط مائة ألف حُلَّة ، ما فيها حلَّة تشبه الأُخرى على ألوان مختلفة ، وهي ثياب أهل الجنة.

وسطها ظلٌّ ممدود : عرض الجنَّة كعرض السماء والأرض ، أُعِدَّت للذين آمنوا بالله ورسله. يسير الراكب في ذلك الظلِّ مسيرة مائة عام فلا يقطعه ، وذلك قوله : (وظلٍّ ممدود) ، وأسفلها ثمار أهل الجنة ، وطعامهم متدلى في بيوتهم.

يكون في القضيب منها مائة لون من الفاكهة ، ممّا رأيتم في دار الدنيا وممّا لم تروه ، وما سمعتم به وما لم تسمعوا مثلها. وكلَّما يجتني منها شيء نبتت مكانها أُخرى ، لا مقطوعة ولا ممنوعة.

ويجري نهر في أصل تلك الشجرة ، تنفجر منها الأنهار الأربعة : نهر من ماء غير آسن ، ونهر من لبن لم يتغيَّر طعمه ، ونهر من خمر لذة للشاربين ، ونهر من عسل مصفَّى ... ١.

فلنقتبس فيما يلي دلائل الإثبات من هدى الكتاب والسنة ، ونستضيء بما شعَّ من معجزة المعراج في الأدلة الآتية :

الآيات القرآنية الكريمة.

الأحاديث المعصومية الشريفة.

الإجماعات القطعية المحقَّقة.

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٤٠٨ ب ٣ ح ١١٨.

٣٧

المعراج في القرآن الكريم

ورد معراج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في ثلاث مواضع من كتاب الله تعالى :

الآية الأولى :

قوله عزَّ إسمه في سورة الإسراء : الآية ١ :

(سبحان الذي أسرَى بِعَبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لِنُرِيَه مِن آياتنا إنه هو السميع البصير).

هذه الآية المباركة صريحة في الإسراء ، ومبيِّنة لقدرة رب الأرض والسماء ، ودليل قطعي لهذه المعجزة عند جميع الأمة ، كما بيَّنه تفسيره بل ظهوره.

فكلمة : «سبحان» كلمة تنزيه ، وإسم بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه.

قال في المجمع :

«وقد يُراد به التعجيب ، يعني : سبحان الذي سيَّر عبده محمداً صلى الله عليه وآله ، وهو عجيب من

٣٨

عجائب قدرة الله تعالى ، وتعجيب لمن لم يقدِّر الله حق قدره وأشرك به غيره» ١.

و «الذي أسرَى» من الإسراء ، وهو السير ليلاً.

و «بعبده» وهو رسوله الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله الذي له كامل العبودية لله تعالى ، وهو أكمل عباده.

ولعله لذلك قُدِّمت هذه الصفة على الرسالة في الشهادة : وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

و «ليلاً» ظرف للإسراء.

قال في التبيان :

«معناه بعض الليل على تقليل وقت الإسراء ، ويقوِّي ذلك قراءة حذيفة وعبد الله : من الليل» ٢.

وأضاف في المقتنيات :

«أراد بالتنكير تقليل مدة الإسراء ، أي بعض الليل.

فإن قولك : سرتُ ليلاً ، كما يفيد بعضيَّة زمان سيرك من الليالي ، يفيد بعضيةً من فرد واحد منها. بخلاف ما إذا قلت : سرتُ الليلة ، فإنه يفيد إستيعاب السير له جميعاً» ٣.

واعلم أن من المسلَّم ، كون زمان هذا الإسراء قبل الهجرة الشريفة ، لكن اختلف في وقتها.

ففي البحار ، بيَّن الأقوال في وقت الإسراء بما نصُّه :

«قال في المنتقَى : كان المسرَى في ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلَت من شهر رمضان ، في السنة الثانية عشر من النبوة ، قبل الهجرة ثمانية عشر شهراً.

وقيل : ليلة سبع عشرة من ربيع الأول ، قبل الهجرة بسنة.

وقيل : ليلة سبع وعشرين من رجب.

__________________

١. محمع البيان : ج ٦ ص ٣٩٦.

٢. تفسير التبيان : ج ٦ ص ٤٤٦.

٣. مقتنيات الدرر : ج ٦ ص ٢٠٧.

٣٩

وقيل : كان الإسراء قبل الهجرة بسنة وشهرين ، وذلك سنة ثلاث وخمسين من الفيل.

وقال السيد ابن طاووس : رُوِي أن ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول أُسرِيَ بالنبي صلى الله عليه وآله وأضاف في موضع آخر عن ابن عباس : هي في شهر ربيع الأول بعد النبوة بسنتين» ١.

و «من المسجد الحرام» ، أفاد في المجمع :

«إن أكثر المفسرين على أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إسراؤه من دار أم هاني أخت أمير المؤمنين عليه السلام وزوجة هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، وأن المراد بالمسجد الحرام هنا مكة. فمكة يطلق عليها المسجد الحرام.

وقال بعض المفسرين : إنه كان الإسراء من نفس المسجد الحرام» ٢.

و «إلى المسجد الأقصى» ، أي الأبعد.

فُسِّر ببيت المقدس ، وهو مسجد سليمان بن داوود. وسُمِّي بالأقصى لبُعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ، مسيرة أربعين ليلة.

وفُسِّر في بعض الأحاديث بالمسجد الأقصى في السماء ، أي البيت المعمور.

ففي تفسير القمي : عن إسماعيل الجعفي ، قال :

كنت في المسجد الحرام قاعداً ، وأبو جعفر عليه السلام في ناحية ، فرفع رأسه فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ، ثم قال : (سبحان الذي أسرَى بِعَبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) ، وكرَّر ذلك ثلاث مرات. ثم التفت إليَّ فقال :

أيُّ شيء يقولون أهل العراق في هذه الآية ، يا عراقي؟

قلت : يقولون : أسرى به من المسجد الحرام إلى البيت المقدس.

فقال : لا ، ليس كما يقولون ، ولكنَّه أسرى به من هذه إلى هذه. وأشار بيده السماء ، وقال : ما بينهما حرم ٣.

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٠٢ ، ٣٨١.

٢. مجمع البيان : ج ٦ ص ٣٩٦.

٣. تفسير القمي : ج ٢ ص ٢٤٣.

٤٠