بحوث في المعراج

السيد علي الحسيني الصدر

بحوث في المعراج

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-380-3
الصفحات: ١٦٠

المنصرف انصرفت ، وطوباك وطوبى لمن آمن بك وصدَّقك.

ثم قُذِفتُ في بحارالنور ، فلم تزل الأمواج تقذفني حتى تلقّاني جبرئيل في سدرة المنتهى.

فقال لي : خليلي ، نعم المجيء جئت ، ونعم المنصَرَف. ماذا قلت وماذا قيل لك؟

فقلت بعض ما جرى ، فقال لي : وما كان آخر الكلام الذي أُلقي إليك؟

فقلت له : نوديت : يا أبا القاسم ، امضِ هادياً مهديّاً رشيداً. طوباك وطوبى لمن آمن بك وصدَّقك.

فقال لي جبرئيل : أفلَم تَستفهم ما أراد بأبي القاسم؟

قلت : لا ياروح الله.

فنوديت : يا أحمد ، إنما كنَّيتك أبا القاسم لأنك تُقَسِّمالرحمة منِّي بين عبادي يوم القيامة.

فقال جبرئيل : هنيئاً مريئاً يا حبيبي. والذي بعثك بالرسالة واختصَّك بالنبوة ، ما أعطى الله هذا آدمياً قبلك.

ثم انصرفنا حتى جئنا إلى السماء السابعة ، فإذاً القصر على حاله. فقلت : حبيبي جبرئيل ، سِلهما من الفتى من بني هاشم.

فسألهما فقالا : علي بن أبي طالب ابن عم محمد.

فما نزلنا إلى سماء من السماوات إلا والقصور على حالها. فلم يزل جبرئيل يسألهم عن الفتى الهاشمي ، ويقول كلُّهم : علي بن أبي طالب ١.

الحديث التاسع والعشرون :

حديث السيج ابن طاووس مسنداً ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال :

بينما أنا في الحِجر ، إذأتاني جبرئيل فهزمني برجلي ، فاستيقظت فلم أر شيئاً. ثم

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣١٢ ب ٣ ح ٢٦.

١٢١

أتاني الثانية ، فهمزني برجلي فاستيقظت. فأخذ بضبعي فوضعني في شيء كوَكَر الطير. فلمّا طرفت ببصري طرفة ، فرجعت إليَّ وأنا في مكان ، فقال : أتدري أين أنت؟

فقلت : لا يا جبرئيل.

فقال : هذا بيت المقدس ، بيت الله الأقصى ، فيه المحشر والمنشر.

ثم قام جبرئيل فوضع سبّابته الُمنى في أُذنه اليمنى ، فأذَّن مَثنى مَثنى ، يقول في آخرها : حيِّ على خيرالعمل ، مَثنى مَثنى. حتى إذا قضى أذانه ، أقام الصلاة مَثنى مَثنى ، وقال في آخرها : قد قامت الصلاى ، قد قامت الصلاة. فبرق نور من السماء ، ففتحت به قبور الأنبياء. فأقبلوا من كلِّ أوب يلبُّون دعوة جبريل. فوافي أربعة آلاف وأربعمائة نبي وأربعة عشر نبياً ، فأخذوا مصافِّهم ، ولا أشك أن جبرئيل سيقدَّمنا.

فلمّا استووا على مصافِّهم ، أخذ جبرئيل بضبعي ، ثم قال لي : يا محمد ، تقدَّم بإخوانك ، فالخاتم أولى من المختوم. فالتفتُّ عن يميني ، وإذاً أنا بأبي إبراهيم عليه السلام ، عليه حلَّتان خضراوان ، وعن يمينه ملكان ، وعن يساره ملكان.

ثم التفت عن يساري ، وإذاً أنا بأخي ووصيي علي بن أبي طالب عليه السلام ، عليه حلَّتان بيضاوان ، عن يمينه ملكان ، وعن يساره ملكان. فاهتززتُ سروراً ، فغمز بي جبرئيل بيده.

فلمّا انقضّت الصلاة ، قمت إلى إبراهيم عليه السلام فقام اليَّ فصافحني ؛ وأخذ بيميني بكلتا يديه وقال : مرحباً بالنبي الصالح والإبن الصالح والمبعوث الصالح في الزمان الصالح. وقام إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، فصافحه وأخذ بيمينه بكلتا يديه وقال : مرحباً بالإبن الصالح ووصي النبي الصالح ، يا أبا الحسن.

فقلت له : يا أبة ، كنَّيتَه ، بأبي الحسن ولا ولده له؟

فقال : كذلك وجدتُه في صُحُفي وعلم غيب ربي بإسمه عليَّ ، وكنَّيتُه بأبي الحسن واين ، ووصيِّ خاتم أنبياء ربي.

١٢٢

ثم قال في بعض تمام الحديث ما هذالفظه :

ثم أصبحنا بالأبطح نَشِطين ، لم يباشرنا عناء ، وإني محدِّثكم بهذاالحديث وسيكذِّبقوم، وهو الحق فلا تَمتَرون ١.

الحديث الثلاثون :

حديث ابن عباس ، قال : لمّا زوَّج رسول الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام فاطمة عليها السلام ، تحدَّثن نساء قريش وغيرهنَّ وعيَّرنها ؛ وقلن زوَّجك رسول الله صلى الله عليه وآله من عائل لا مال له. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله :

يا فاطمة ، أما ترضين؟ إن الله تبارك وتعالى اطلع اطلاعة إلى الأرض فاختار منها رجلين : أحدهما أبوك والآخر بعلك. يا فاطمة ، كنت أنا وعلي عليه السلام نوراً بين يدي الله مطيعين من قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام بأربعة عشر ألف عام. فلمّاخلق آدم ، قسَّم ذلك النور بجزئين ؛ جزء أنا وجزء علي عليه السلام.

ثم إن قريشاً تكلَّمت في ذلك وفشا الخبرفبلغ الي صلى الله عليه وآله. فأمر بلالاً فجمع الناس ، وخرج إلى مسجده ورقي منبره يحدِّث الناس ما خصَّه الله تعالى من الكرامة ، وما خصَّ به علياً وفاطمة عليهما السلام ؛ فقال :

يا معشر الناس! إنه بلغني مقالتكم ، وإني محدِّثكم حديثاً ، فعُوه واحفظوا منِّي واسمَعوه. فإني مُخبِركم بما خصَّ الله به علياً عليه السلام من الفضل والكرامة وفضَّله عليكم. فلا تخالفوه فتَقلبوا على أعقابكم ، (ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرَّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) ٢.

معاشر الناس! إن الله قد اختارني من خلقه ، فبعثني إليكم رسولاً ، واختار لي علياً عليه السلام خليفة ووصياً.

معاشر الناس! إني لمّا أُسرِي بي إلى السماء ، فما مررتبملاء من الملائكة في

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣١٧ ب ٣ ح ٣٢.

٢. سورة آل عمران : الآية ١٤٤.

١٢٣

سماء من السماوات إلا سألوني عن علي بن أبي طالب عليه السلام وقالوا : يا محمد ، إذا رجعت إلى الدنيا فاقرأ علياً عليه السلام وشيعته منّا السلام.

فلمّا وصلتُ إلى السماء السابعة وتخلَّف عني جميع من كان معي من ملائكة السماوات وجبرئيلوالملائكة المقربين ووصلتُ إلى حجب ربي ، دخلت سبعين ألف حجاب ، بين كلِّ حجاب إلى حجاب من حجب العزَّة والقدرة والبهاء والكرامةوالكبرياء والعظمة والنور والظلمة والوقار. حتى وصلت إلى حجاب الجلال ، فناجيت ربي تبارك وتعالى وقمت بين يديه. وتقدَّم إليَّعزَّذكره بما أحبَّه وأمرني بما أراد. ولم أسأله لنفسي شيئاً وفي علي عليه السلام إلا أعطاني ، ووعدني الشفاعة في شيعته وأوليائه.

ثم قال لي الجليل جلَّ جلاله : يا محمد ، من تحبُّ من خلقي؟

قلت : أُحبُّ الذي تحبُّه أنت يا ربي.

فقال لي جلَّ جلاله : فأحبِّ علياً ، فإني أُحبُّ مَن يحبُّه وأُحبُّ مَن أُحبُّ مَن يحبُّه. فخررتُ لله ساجداً مسبِّحاً شاكراً لربي تبارك وتعالى.

فقال لي : يامحمد ، علي وليي وخيرتي بعدك من خلقي ؛ إخترتُه لك أخاً ووصياً ووزيراً وصفيّاً وخليفة وناصراً لك على أعدائي.

يا محمد ، وعزتي وجلالي ، لا يناوي علياً جبّار إلا قصمتُه ، ولا يقاتل علياً عدوٌّ من أعدائي إلا هزمتُه وأبَدتُه.

يا محمد ، إني اطلعتُ على قلوب عبادي فوجدت علياً أنصح خلقي لك وأطوعهم لك ، فاتخذه أخاً وخليفة ووصياً ، وزوَّجه ابنتك ، فإني سأهب لهما غلامين طيبين طاهرين تقيَّين نقيَّين.

فبي حلفتُ وعلى نفسي حتمتُ أنه لا يتولَّين علياً زوجته وذرِّيتهما أحد من خلقي إلا رفعت لواءه إلى قائمة عرشي وجنتي وبُحبوحّة كرامتي ، وسَقيتُه منحظيرة قدسي. ولا يعاديهم أحد أو يعدل عن ولايتهم ـ يا محمد ـ إلا سلبتُه وُدِّي ، وباعَدتُه من قُربي ، وضاعفت عليهم عذابي ولعنتي.

يا محمد ، إنك رسولي إلى جميع خلقي ، وإن علياً وليِّي وأمير المؤمنين ، وعلى ذلك

١٢٤

أخذت ميثاق ملائكتي وأنبيائي وجميع خلقي ، وهم أرواح من قبل أن أخلق خلقاً في سمائي وأرضي. محبَّة منِّي لك ـ يا محمد ـ ولعلي ولولدكما ولمن أحبَّكما وكان من شيعتكما ، ولذلك خلقته من طينتكما.

فقلت : إلهي وسيدي ، فاجمَع الأمة.

فأبى عليَّ وقال : يا محمد ، إنه المُبتلى والمُبتلى به ، وإني جعلتكم مِحنة لخلقي ؛ أمتحن بكم جميع عبادي وخلقي في سمائي وأرضي وما فيهنَّ. لأُكمِّل الثواب لمن أطاعني فيكم وأُحلَّعذابي ولعنتي على من خالفني فيكم وعصاني. وبكم أُميِّز الخبيث من الطيب.

يا محمد ، وعزتي وجلالي ، لولاك ما خلقت آدم ، ولو لا علي ما خلقت الجنة ، لأني بكم أجزي العباد يوم المعاد بالثواب والعقاب. وأحكِّمكما في جنتي وناري ، فلا يدخل الجنة لكما عدوٌّ ، ولا يدخل النار لكما ولي. أُقسمتُ على نفسي.

ثم انصرفت ، فجعلت لا أخرج من حجاب من حجب ربي ذي الجلال والإكرام إلا سمعت النداء من ورائي :

يا محمد ، أجِب علياً. يا محمد ، أكرِم علياً. يا محمد ، قدِّم علياً. يا محمد ، استَخلِف علياً. يامحمد ، أوص إلى علي. يا محمد ، واخِ علياً. يا محمد ، أحبَّ من يحبُّ علياً. يا محمد ، استوصِ بعلي وشيعته خيراً.

فلمّا وصلت إلى الملائكة ، جعلوا يهنِّؤوني في السماوات ويقولون : هنيئاً لك يا رسول الله ، كرامة لك ولعلي عليه السلام.

معاشر الناس! علي عليه السلام أخي في الدنيا والآخرة ، ووصيِّي ، وأميني على سرِّيوسرِّ رب العالمين ، ووزيري ، وخليفتي عليكم في حياتي وبعد وفاتي. لا يتقدَّمه أحد غيري ، وخير من أخلف بعدي. ولقد أعلمني ربي تبارك وتعالى أنه سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وأمير المؤمنين ، ووارثي ووارث النبيين ، ووصيُّ رسول رب العالمين ، وقائد الغرِّ المحجَّلين من شيعته وأهل ولايته إلى جنّات النعيم بأمر رب العالمين.

يبعثه الله يوم القيامة مقاماً محموداً يَغبِطه به الأولون والآخرون. بيده لوائي لواء

١٢٥

الحمد ، يسير به أمامي وتحته آدم وجميع من ولد من النبيين والشهداء والصالحين إلى جنّات النعيم. حتماً من الله محتوماً من رب العالمين ، وعد وعدنيه ربي فيه ، (ولن يُخلِف الله وعده) ١ وأنا على ذلك من الشاهدين ٢.

الحديث الحادي والثلاثون :

حديث أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال :

لمّا أًسرِيَ بي إلى السماء ، ما سمعت شيئاً قطُّ هو أحلى ن كلام ربي عز وجل. فقلت : يا رب ، اتخذتَ إبراهيم خليلاً ، وكلَّمتَ موسى تكليماً ، ورفعتَ إدريس مكاناً علياً ، وآتيتَ داوود زبوراً ، وأعطيتَ سليمان مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فماذا لي يا رب؟

فقال جلَّ جلاله : يا محمد ، اتخذتُك خليلاً كما اتخذت إبراهيم خليلاً ، وكلَّمتُك تكليماً كما كلَّمت موسىتكليماً ، وأعطيتُك فاتحة الكتاب وسورة البقرة ولم أُعطهما نبياً قبلك ، وأرسلتُك إلى أسود أهل الأرض وأحمرهم وإنسهم وجنِّهم ، ولم أُرسل إلى جماعتهم نبياً قبلك. وجعلت الأرض لك ولأُمتك مسجداً وطهوراً ، وأطعمت أُمتك الفيء ولم أُحلَّه لأحد قبلها ، ونصرتك بالرُعب حتى أن عدوَّك ليرعب منك ، وأنزلت سيد الكتب كلها مهيمناً عليك ؛ قرآناً عربياً مبيناً ، ورفعت لك ذكرك حتى لا أذكر بشيء من شرائع ديني إلا ذكرت معي ٣.

الحديث الثاني والثلاثون:

ما جاء في حديث أبي بصير ، أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ، ما قاب قوسين أو

__________________

١. سورة الحج : الآية ٤٧.

٢. بحارالأنوار : ج ١٨ ص ٣٩٨ ب ٣ ح ١٠١.

٣. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٠٥ ب ٣ ح ١١.

١٢٦

أدنى؟ قال :

ما بين سيتها إلى رأسها ، بينهما حجاب يتلألؤ بخفق ، ولا أعلمه إلا وقد قال :زبرجد ، فنظر في مثل سمِّ الإبرة إلى ما شاء الله من نور العظمة.

فقال الله تبارك وتعالى : يا محمد.

قال : لبَّيك ربي.

قال : من لأُمتك من بعدك؟

قال : الله أعلم.

قال : علي بن أبي طالب ، أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغرِّ المحجَّلين.

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام لأبي بصير :

يا با محمد ، والله ما جاءت ولاية علي عليه السلام من الأرض ، ولكن جاءت من السماء مشافهةً ١.

الحديث الثالث والثلاثون :

حديث الإمام الصادق عليه السلام ، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

لقد أسري ربي بي ، فأوحى اليَّ من وراء حجاب ما أوحى وشافهني، إلى أن قال لي :

يا محمد، من أذلَّ لي ولياً فقد أرصد لي بالمحارب ، ومن حاربني حاربتُه.

قلت : يا رب ، ومن وليُّك هذا؟ فقد علمت أن من حاربك حاربتُه.

قال : ذاك من أخذت ميثاقه لك ولوصيِّك ولذريتكما بالولاية ٢.

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٠٦ ب ٣ ح ١٣.

٢. بحار الأنوار: ج ١٨ ص ٣٠٧ ب ٣ ح ١٥.

١٢٧

الحديث الرابع والثلاثون :

حديث ابن عمارة ، عن أبيه ، قال : قال الصادق عليه السلام :

ليس من شيعتنا من أنكر أربعة أشياء : المعراج ، والمساءلة في القبر ، وخلق الجنة والنار ، والشفاعة ١.

الحديث الخامس والثلاثون :

حديث علي بن الحسين بن فضّال ، عن أبيه ، عن الإمام الرضا عليه السلام ، أنه قال :

مَن كذَّب بالمعراج فقد كذَّب رسول الله صلى الله عليه وآله ٢.

وفي حديث الفضل بن شاذان ، عنه عليه السلام :

مَن أقرَّ بتوحيد الله، وساق الحديث ، إلى أن قال :

وآمن بالمعراج ، والمساءلة في القبر ، والحوض ، والشفاعة ، وخلق الجنة والنار ، والصراط ، والميزان ، والبَعث ، والنُشور ، والجزاء، والحساب فهو مؤمن حقاً ، وهو من شيعتنا أهل البيت ٣.

الحديث السادس والثلاثون :

حديث أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

ليلة أُسرِيَ بي إلى السماء ، أخذ جبرئيل بيدي فأدخلني الجنة وأجلسني على در نورك ٤ من درانيك الجنة. فناولنى سفرجلة ، فانقُلِقَت بنصفين ، فخرجت منها حوراء

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣١٢ ب ٣ ح ٢٢.

٢. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣١٢ ب ٣ ح ٢٣.

٣. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣١٢ ب ٣ ح ٢٤.

٤. «الدرنوك» ضرب من الثياب والبساط ، له خَمَل.

١٢٨

كأن أشفار عينها مقاديم النسور. فقالت : السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام يا محمد.

فقلت : من أنت يرحمك الله؟

فقالت : أنا الراضية المرضيَّة ، خلقني الجبار من ثلاثة أنواع : أسفلي من المسك ، وأعلاي من الكافور ، ووسطي من العنبر ، وعجِنتُ بماء الحيوان. قال الجليل : كوني فكُنتُ. خُلِقتُ لابن عمك وصيك ووزيرك علي بن أبي طالب ١.

الحديث السابع والثلاثون :

حديث ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام :

يا علي ، أنت إمام المسلمين ، أمير المؤمنين ، وقائد الغرِّ المحجَّلين ، وحجة الله بعدي على الخلق أجمعين ، وسيد الوصيين ، ووصيِّ سيد النبيين.

يا علي ، إنه لمّا عُرِج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ومنها إلى حجب النور ، وأكرمني ربي جلَّ جلاله بمناجاته ، قال لي : يا محمد.

قلت : لبِّيك ربي وسعدَيك ، تباركتَ وتعاليتَ.

قال : إن علياً إمام أوليائي ، ونور لمَن أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتُها المتقين. مَن أطاعه أطاعني ، ومن عصاه عصي. فبشِّره بذلك.

فقال علي عليه السلام : يا رسول الله! بلغ من قدري حتى أني أُذكَر هناك؟

فقال : نعم يا علي ، فاشكُر ربك.

فخرَّ علي عليه السلام ساجداً ، شكراً لله على ما أنعم به عليه.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ارفَع رأسك يا علي ، فإن الله قد باهى بك ملائكته ٢.

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٣٢ ب ٣ ح ٣٥.

٢. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٣٧ ب ٣ ح ٣٩.

١٢٩

الحديث الثامن والثلاثون :

حديث ابن عباس أيضاً قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لمّا أُسرِيَ به إلى السماء، انتهى به جبرئيل إلى نهر يقال له النور ، وهو قول الله عز وجل : (خلق الظلمات والنور). فلمّا انتهى به إلى ذلك النهر ، قال له جبرئيل : يا محمد ، اعبر على بركة الله ، فقد نوَّر الله لك بصرك ومدَّ لك أمامك ، فإن هذا نهر لم يعبره أحد ؛ لا ملك مقرَّب ولا نبي مرسل ، غير أن لي في كل يوم إغتماسة فيه ، ثم أخرج منه فأنفض أجنحتي. فليس من قطرة تَقطر من أجنحتي إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكاً مقرباً له عشرون ألف وجه ، وأربعون ألف لسان ؛ كل لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الآخر.

فعبر رسول الله صلى الله عليه وآله حتى انتهى إلى الحجب. والحجب خمسمائة حجاب ، من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام.

ثم قال : تقدَّم يا محمد.

فقال له : يا جبرئيل ، ولِمَ لا تكون معي؟

قال : ليس لي أن أجوز هذا المكان.

فقتدَّم رسول الله صلى الله عليه وآله ما شاء الله أن يتقدَّم ، حتى سمع ما قال الرب تبارك وتعالى : أنا المحمود وأنت محمد ، شققتُ إسمك من إسمي. فمن وصلك وصلتُه ، ومن قطعك بتكته. انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إيّاك ، واني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيراً ، وأنك رسولي وعلى وزيرك ١.

الحديث التاسع والثلاثون :

حديث عبد الله بن الفضل ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه الكرام عليهم السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال :

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٣٨ ب ٣ ح ٤٠.

١٣٠

لما أُسرِيَ بي إلى السماء ، كلَّمني ربي جلَّ جلاله فقال : يا محمد.

قلت : لبيك ربي.

فقال : إن علياً حجتي بعدك على خلقي ، وإمام أهل طاعتي. من أطاعه أطاعني ، ومن عصاه عصاني. فانصَبه علماً لأمتك ، يَهتدون به بعدك ١.

الحديث الأربعون :

حديث زرارة ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، أنه قال :

إن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث أُسرِي به ، لم يمرَّ بخلق من خلق الله إلا أى منه ما يحبُّ من البُشر واللطف والسرور به. حتى مرَّ بخلق من خلق الله ، فلم يلتفت إليه ولم يَقُل له شيئاً ، فوجده قاطبا عابساً. فقال : يا جبرئيل! ما مررتُ بخلق من خلق الله إلا أيت البُشر والف والسرور منه إلا هذا ، فمن هذا؟

قال : هذا مالك خازن النار ، وهكذا خلقه ربه.

قال : فإني أُحبُّ أن تطلب أن يريني النار.

فقال له جبرئيل : إن هذا محمد رسول الله ، وقد سألني أن أطلب إليك أن تريه النار.

قال : فأخرج له عنقاً منها فرآها. فلمّا أبصرها ، لم يكن ضاحكاً حتى قبضه الله عز وجل ٢.

الحديث الحادي والأربعون :

حديث عبد الله بن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

لمّا عُرِج بي إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ومن السدرة إلى حجب

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٤٠ ب ٣ ح ٤٦.

٢. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٤١ ب ٣ ح ٤٨.

١٣١

النور ، ناداني ربي جلَّ جلاله :

يا محمد ، أنت عبدي وأنا ربك ، فلي فاخضَع ، وإيّاي فاعبُد ، وعليَّ فتوكَّل ، وبي فَثِق. فإني قد رضيتُ بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبياً ، وبأخيك علي خليفة وباباً. فهو حجتي على عبادي ، وإمام لخلقي. به يُعرَف أوليائي من أعدائي ، وبه يُميَّز حزب الشيطان من حزبي ، وبه يُقام ديني ، وتُحفَظ حدودي ، وتُنفَذ أحكامي ، وبك وبه وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي.

وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتقديسي وتهليلي وتكبيري وتمجيدي ، وبه أُطهِّر الأرض من أعدائي وأُورثها أوليائي ، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السُفلى وكلمتي العليا ، وبه أُحيي عبادي وبلادي بعلمي ، وله أُظهر الكنوز والذخائر بمشيَّتي ، وإيّاه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي ، وأمدُّه بملائكتي لتؤيِّده على إنفاذ أمري وإعلان ديني. ذلك وليَّي حقاً ومهدي عبادي صدقاً ١.

الحديث الثاني والأربعون :

حديث حمّاد بن عثمان ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه الكرام ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

لمّا أسرِي بي إلى السماء ، دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً من ياقوت أحمر ؛ يُرى باطنه من ظاهره ليضائه ونوره ، وفيه قبَّتان من درٍّ وزبرجد. فقلت : يا جبرئيل! لِمَن هذا القصر؟

قال : هو لمن أطاب الكلام ، وأدام الصيام ، وأطعم الطعام ، وتهجَّد بالليل والناس نيام.

قال علي عليه السلام : فقلت : يا رسول الله! وفي أُمتك من يطيق هذا؟

فقال : أتدري ما إطابة الكلام؟

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٤١ ب ٣ ح ٤٩.

١٣٢

فقلت : الله ورسوله أعلم.

قال : من قال : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر». أتدري ما إدامة الصيام؟

قلت : الله ورسوله أعلم.

قال : من صام شهر الصبر ـ شهر رمضان ـ ولم يفطر منه يوما. أتدري ما إطعام الطعام؟

قلت : الله ورسوله أعلم.

قال : من طلب لعياله ما يكفُّ به وجوههم عن الناس. أتدري ما التهجُّد بالليل والناس نيام؟

قلت : الله ورسوله أعلم.

قال : من لم يَنم حتى يصلِّي العشاء الآخرة ، والناس من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين يَنام بينهما ١.

الحديث الثالث والأربعون :

حديث حفص بن البختري ، عن الإمام الصادق عليه السلام :

لمّا أُسرِيَ برسول الله صلى الله عليه وآله وحضرت الصلاة ، فأذَّن جبرئيل. فلمّا قال : الله أكبر ، الله أكبر ، قالت الملائكة : الله أكبر ، الله أكبر. فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، قالت الملائكة : خلع الأنداد. فلمّا قال : أشهد أن محمداً رسول الله ، قالت الملائكة : نبي بُعِث. فلمّا قال : حيِّ على الصلاة ، قالت الملائكة : حثّ على عبادة ربه. فلمّا قال : حيِّ على الفلاح ، قالت الملائكة : أفلح من اتبعه ٢.

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٤١ ب ٣ ح ٥٠.

٢. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٤٤ ب ٣ ح ٥٤.

١٣٣

الحديث الرابع والأربعون :

حديث ابن عباس ، قال : دخلت عائشة على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقبِّل فاطمة عليها السلام ، فقالت له : أتحبُّها يا رسول الله؟

قال : وأما والله لو علمتِ حبِّي لها لازددتَ لها حباً. إنه لمّا عُرِج بي إلى السماء الرابعة ، أذَّن جبرئيل وأقام ميكائيل ، ثم قيل لي : ادنُ يا محمد. فقلت : أتقدَّم وأنت بحضرتي يا جبرئيل؟

قال : نعم ، إن الله عز وجل فضَّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين ، وفضَّلك أنت خاصة.

فدنوتُ فصلَّيت بأهل السماء الرابعة. ثم التفتُ عن يميني ، فإذاً أنا بإبراهيم عليه السلام في روضة من رياض الجنة وقد اكتنفها جماعة من الملائكة. ثم إني صِرتُ إلى السماء الخامسة ، ومنها إلى السادسة ، فنوديتُ : يا محمد ، نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي.

فلمّا صِرتُ إلى الحجب ، أخذ جبرائيل بيدي فأدخلني الجنة. فإذاً أنا بشجرة من نور ، في أصلها ملكان يطويان الحلل والحلي. فقلت : حبيبي جبرئيل ، لمن هذه الشجرة؟

فقال : هذه لأخيك علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهذا الملكان يطويان له الحلي والحلل إلى يوم القيامة.

ثم تقدَّمت أمامي ، فإذاً أنا برطب ألين من الزبد وأطيب من المسك وأحلى من العسل. فأخذت رطبة فأكلتُها ، فتحوَّلَت الرطبة نطفة في صلبي. فلمّا أن هبطت إلى الأرضض ، واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام. ففاطمة عليها السلام حوراء إنسيَّة. فإذا اشتقت إلى الجنة ، شممتُ رائحة فاطمة عليها السلام ١.

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٥٠ ب ٣ ح ٦١.

١٣٤

الحديث الخامس والأربعون :

حديث أحمد بن الحسن الحسيني ، عن الإمام العسكري ، عن أبيه ، عن جده الإمام الرضا ، عن أبيه موسى عليه السلام ، أنه قال :

سأل الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن بعض أهل مجلسه ، فقيل : عليل. فقصده عائداً ، وجلس عند رأسه. فوجده دنِفاً ١ ، فقال له : أحسِن ظنِّك بالله.

قال : أما ظنِّي بالله فحسن ، ولكن غمِّي لبَناتي ، ما أمرضني غير غمِّي بهنَّ.

فقال الصادق عليه السلام: الذي تَرجوه لتضعيف حسناتك ومحو سيئاتك ، فارجه لإصلاح حال بناتك. أما علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال :

لمّا جاوزتُ سدرة المنتهى وبلغت أغصانها وقضبائها ، رأيت بعض ثمار قضبائها ثداء معلَّقة يقطر من بعضها اللبن ، ومن بعضها العسل ، ومن بعضها الدهن ، ويخرج عن بعضها شبه دقيق السميذ ، وعن بعضها الثياب ، وعن بعضها كالنبق. فيهوي ذلك كلُّه نحو الأرض.

فقلت في نفسي : أين مقرُّ هذه الخارجات عن هذه الثداء ، وذلك أنه لم يكن معي جبرئيل ، لأني كنت جاوزت مرتبته واختزل دوني. فناداني ربي عز وجل في سرِّي :

يا محمد ، هذه أنبتُّها من هذا المكان الأرفع لأغذو منها بنات المؤمنين من أُمتك وبنيهم. فقل لآباء البنات: لا تضيقنَّ صدوركم على فاقتهنَّ ، فإني كما خلقتُهنَّ أرزقهنَّ ٢.

الحديث السادس والأربعون :

حديث محمد بن حمزة ٣ ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : لأيِّ علة يجهر في صلاة الفجر

__________________

١. «الدنف» هو المريض الذي لزمه المرض.

٢. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٥٢ ب ٣ ح ٦٣.

٣. مرَّ ما يقرب منه في حديث محمد بن عمران ، تحت رقم ١٣.

١٣٥

وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة ، وسائر الصلوات ـ مثل الظهر والعصر ـ لا يجهر فيها؟ ولأيَّ علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضلمن القرآن ١؟ قال :

لأن النبي صلى الله عليه وآله لمّا أُسرِيَ به إلى السماء ، كان أول صلاة فرضه الله عليه وصلاة الظهر يوم الجمعة. فأضاف الله عز وجل إليه الملائكة تصلِّي خلفه ، وأمر الله عز وجل نبيَّه صلى الله عليه وآله أن يجهر بالقراءة ليبيِّن لهم فضله. ثم افترض عليه العصر ، ولم يضف إليه أحداً من الملائكة ، وأمره أن يخفي القراءة لأنه لم يكن وراءه أحد. ثم افترض عليه المغرب ، ثم أضاف إليه الملائكة فأمره بالإجهار. وكذلك العشاء الآخرة. فلمّا كان قرب الفجر ، افترض الله عز وجل عليه الفجر ، وأمره بالإجهار ليبيِّن للناس فضله كما بيَّن للملائكة. فلهذه العلة يجهر فيها.

فقلت : لأيِّ شيء صار التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة؟

قال : لأنه لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما يظهر من عظمة الله عز وجل ، فدهش وقال : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر». فلذلك العلة صار التسبيح أفضل من القراءة ٢.

الحديث السابع والأربعون :

حديث الحسين بن الوليد ، عمن ذكره ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : لأيَّ على أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله من الشجرة ولم يحرم من موضع دونه؟ قال :

لأنه لمّا أُسرِي به إلى السماء وصار بحذاء الشجرة ، وكانت الملائكة تأتي إلى البيت المعمور بحذاء المواضعالتي هي مواقيت سوى الشجرة. فلمّا كان في الموضع الذي بحذاء الشجرة ، نودي : يا محمد.

قال : لبَّيك.

__________________

١. وفي نسخة «القراءة».

٢. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٦٦ ب ٣ ح ٧١.

١٣٦

قال : ألم أجدك يتيماً فآويت ، ووجدتك ضالّاً فهديت.

قال النبي صلى الله عليه وآله : «إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبَّيك». فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلها ١.

الحديث الثامن والأربعون :

حديث مالك الجهني ، عن الإمام أبي جعفر الباقر ، عن آبائه الكرام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لمّا أسرِي بي إلى السماء ، ثم من المساء إلى السماء ، ثم إلى سدرة المنتهى ، أوقفت بين يدي ربي عز وجل ، فقال : يا محمد.

فقلت : لبَّيك ربي وسعديك.

قال : قد بلوتَ خلقي ، فأيُّهم وجدت أطوع لك؟

قلت : رب علياً.

قال : صدقت يا محمد ، فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدِّي عنك ، ويعلِّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون.

قال : قلت : اختَر لي ، فإن خيرتك خير لي.

قال : قد اخترت لك علياً ، فاتخِذه لنفسك خليفة ووصياً ، ونحتُله علمي وحلمي. وهو أمير المؤمنين حقاً ، لم يَنَلها أحد قبله ولا أحد بعده.

يا محمد ، علي راية الهدى ، وإمام من أطاعني ، ونور أوليائي ، وهو الكلمة التي ألزمتُها المتقين. من أحبَّه فقد أحبَّني ، ومن أبغضه فقد أبغضني. فبشِّره بذلك يا محمد.

فقال النبي صلى الله عليه وآله : رب ، فقد بشَّرته.

فقال علي عليه السلام : أنا عبد الله ، وفي قبضته إن يعذِّبني ، فبذنوبي لم يظلمني شيئاً ، وإن يتمَّ لي ما وعدني فالله أولى بي.

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٧٠ ب ٣ ح ٧٦.

١٣٧

فقال صلى الله عليه وآله : اللهم اخل قلبه ، واجعل ربيعه الإيمان بك.

قال : قد فعلت ذلك به يا محمد ، غير أني مختصُّه بشيء من البلاء لم أختصًّ به أحداً من أوليائي.

قلت : رب ، أخي وصاحبي.

قال : إنه قد سبق في علمي أنه مبتلى ومبتلى به ، ولو لا علي لم يُعرَف أوليائي ولا أولياء رسلي ١.

الحديث التاسع والأربعون :

حديث أبي بصير ، جاء فيه أنه قال : سمعت الصادق عليه السلام يقول :

قال النبي صلى الله عليه وآله :

أتاني جبرئيل وأنا بمكة ، فقال: قم يا محمد.

فقمت معه وخرجت إلى الباب ، فإذاً جبرئيل ومعه ميكائيل وإسرافيل. فأتى جبرئيل بالبُراق ؛ وكان فوق الحمار ودون البغل ، خدُّه كخدِّ الإنسان وذنبهكذنب البقر وعُرفه كَعُرف الفرس وقوائمه كقوائم الإبل. عليه رحل من الجنة ، وله جناحان من فخذيه ، خطوه منتهى طرفه. فقال : اركَب. فركبتُ ومضيت ، حتى انتهيت إلى بيت المقدس.

ولمّا انتهيتُ إليه ، إذاً الملائكة نزلت من السماء بالبشارة والكرامة من عند رب العزَّة ، وصلَّيت في بيت المقدس. ثم أخذجبرئيل بيدي إلى الصخرة ، فأقعدني عليها. فإذاً معراج إلى السماء لم أر مثلها حسناً وجمالاً ... ٢.

__________________

١. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٧١ ب ٣ ح ٧٨.

٢. بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٧٥ ب ٣ ح ٨١.

١٣٨

الحديث الخمسون :

حديث الديلمي المفصَّل ، الذي نجعله مسك الختام لأحاديث معراج خير الأنام صلى الله عليه وآله ، المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أنه قال :

إن النبي صلى الله عليه وآله سأل ربه سبحانه ليلة المعراج فقال : يا رب ، أيُّ الأعمال أفضل؟

فقال الله عز وجل : ليس شيء عندي أفضل من التوكل علَّ ، والرضا بما قسمتُ.

يا محمد ، وجبت محبتي للمتحابِّين فيَّ ، ووجبت محبتي للمتعاطفين فيَّ ، ووجبت محبتي للمتواصلين فيَّ ، ووجبت محبتي للمتوكلين عليَّ ، وليس لمحبتي عَلَم ولا غاية ولا نهاية ١. وكلَّما رفعت لهم علماً وضعت لهم علماً. أولئك الذين نظروا إلى المخلوقين بنظري إليهم ، ولا يرفعوا الحوائج إلى الخلق. بطونهم من أكل الحلال ، نعيمهم في الدنيا ذكري ومحبّتي ورضاي عنهم.

يا أحمد ، إن أحببت أن تكون أورع الناس ، فازهَد في الدنيا وارغَب في الآخرة.

فقال : يا إلهي ، كيف أزد في الدنيا وأرغب في الآخرة؟

قال : خذ من الدنيا خِفّاً ٢ من الطعام والشراب واللباس ، ولا تدَّخر لِغَد ، ودُم على ذكري.

فقال : يا رب ، وكيف أدوم على ذكرك؟

فقال : بالخلوة عن الناس ، وبغضك الحلو والحامض ، وفراغ بطنك وبيتك من الدنيا.

يا أحمد ، فاحذَر أن تكون مثل الصبي ؛ إذا نظر إلى الأخضر والأصفر أحبَّه وإذا أُعطي شيء من الحلو والحامض اغترَّ به.

فقال : يا رب ، دُلَّني على عمل أتقرَّب به إليك.

قال : اجعل ليلك نهاراً ، ونهارك ليلاً.

قال : يارب ، كيف ذلك؟

__________________

١. بيان يستفاد منه عدم المحدودية.

٢. بكسر الخاء بمعنى الخفيف.

١٣٩

قال : اجعل نومك صلاة ، وطعامك الجوع.

يا أحمد ، وعزتي وجلالي ، ما من عبد مؤمن ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته الجنة : يطوي لسانه فلا يفتحه إلا بما يعنيه ، ويحفظ قلبه من الوسواس ، ويحفظ علمي ونظري إليه ، وتكون قرَّة عينه الجوع.

يا أحمد ، لو ذقتَ حلاوة الجوع والصمت والخلوة وما ورثوا منها.

قال : يا رب ، ما ميراث الجوع؟

قال : الحكمة وحفظ القلب ، والتقرُّب إليَّ، والحزن الدائم ، وخفَّة المؤونة بين الناس ، وقول الحق ، ولا يبالي عاش بيُسر أو بعُسر.

يا أحمد ، هل تدري بأيِّ وقت يتقرَّب العبد إلى الله؟

قال : لا يا رب.

قال : إذا كان جائعاً أو ساجداً.

يا أحمد ، عجبت من ثلاثة عبيد : عبد دخل في الصلاة وهو يعلم إلى من يرفع يديه وقدّام من هو ، وهو ينعس. وعجبت من عبد له قوت يوم من الحشيش أو غيره ، وهو يهتمُّ لِغَد. وعجبت من عبد لا يدري أني راض عنه أم ساخط عليه ، وهو يضحك.

يا أحمد ، إن في الجنة قصراً من لؤلؤة فوق لؤلؤة ، ودرَّة فوق درَّة. ليس فيها قصم ولا وصل ، فيها الخواص. أنظر إليهم كل يوم سبعين مرة وأُكلِّمهم. كلَّما نظرت إليهم أزيد في ملكهم سبعين ضعفاً ، وإذا تلذَّذ أهل الجنة بالطعام والشراب تلذَّذوا بكلامي وذكري وحديثي.

قال : يا رب ، ما علامات أولئك؟

قال : هم في الدنيا مسجونون ، قد سَجَنوا ألسنتهم من فضول الكلام ، وبطونهم منفضول الطعام.

يا أحمد ، إن المحبة لله هي المحبة للفقراء والتقرُّب إليهم.

قال : يا رب ، ومن الفقراء؟

قال : الذين رضوا بالقليل ، وصبروا على الجوع ، وشكروا على الرخاء. ولم يشكوا

١٤٠