بحوث في المعراج

السيد علي الحسيني الصدر

بحوث في المعراج

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-380-3
الصفحات: ١٦٠

لقد أُسرِيَ بي ربي عز وجل ، فأوحى إليَّ من وراء حجاب ما أوحى وكلَّمني بما كلَّم ، وكان مما كلَّمني به أن قال :

يا محمد ، إني أنا الله لا إله إلا أنا ، عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم. إني أنا الله لا إله إلا أنا ، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، سبحان الله ما يشركون. إني أنا الله لا إله إلا أنا ، الخالق البارئ المصوِّر لي الأسماء الحسنى ، يسبِّح لي من في السماوات والأرض وأنا العزيز الحكيم.

يا محمد ، إني أنا الله لا إلا إلا أنا الأول فلا شيء قبلي ، وأنا الآخر فلا شيء بعدي ، وأن الظاهر فلا شيء فوقي ، وأنا الباطن فلا شيء دوني ، وأنا الله لا إله إلا أنا بكل شيء عليم.

يا محمد ، علي عليه السلام أول ما أخذ بميثاقه من الأئمة.

يا محمد ، علي عليه السلام آخر من أقبض روحه من الأئمة ، وهو الدابة التي تكلِّمهم.

يا محمد ، علي عليه السلام أظهره على جميع ما أوجهه إليك ، يس لك أن تكتم منه شيئاً.

يا محمد ، أبطنه الذي أسررته إليك ، فليس فيما بيني وبينك سرٌّ دونه.

يا محمد ، على ما خلقت من حلال وحرام علي عليه السلام عليم به ١.

الحديث العشرون :

حديث محمد بن العباس بسنده المتصل ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، جاء فيه أنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

كنتُ نائماً في الحجر ، إذ أتاني جبرئيل فحرَّكني تحريكاً لطيفاً ، ثم قال لي : عفا الله عنك يا محمد ، قم واركَب فَفِد إلى ربك. فأتاني بدابَّة دون البَغل وفوق الحمار. خطوها مدَّ البصر ، له جناحان من جوهر ، يُدعَى البُراق.

__________________

١. مختصر بصائر الدرجات : ص ٣٦.

١٠١

فركبتُ حتى طعنتُ في الثنيَّة ١ ، إذاً أنا برجل قائم ، متَّصل شعره إلى كتفه. فلمّا نظر إليَّ قال : السلام عليك يا أول ، السلام عليك يا آخر ، السلام عليك يا حاشر.

فقال لي جبرئيل : ردَّ عليه يا محمد.

فقلت : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

فلما أن جزت الرجل فطعنت في وسط الثنيَّة ، إذاً أنا برجل أبيض الوجه ، جعد الشعر. فلمّا نظر إليَّ قال : السلام مثل تسليم الأول.

فقال جبرئيل : ردَّ عليه يا محمد.

فقلت : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

فقال لي : يا محمد ، احتَفِظ بالوصي ـ ثلاث مرّات ـ علي بن أبي طالب عليه السلام المقرَّب من ربه.

فلمّا جزتُ الرجل وانتهيت إلى بيت المقدس ، إذاً أنا برجل أحسن الناس وجهاً وأتمِّ الناس جسماً وأحسن الناس بشرة. فلمّا نظر إليَّ قال : السلام عليك يا نبي ، السلام عليك يا أول مثل تسليم الأول.

فقال لي جبرئيل : يا محمد ، ردَّ عليه.

فقلت : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

فقال لي : يا محمد احتفِظ بالوصي ـ ثلاث مرات ـ علي بن أبي طالب عليه السلام المقرَّب من ربه ، الأمين على حوضك ، صاحب شفاعة الجنة.

قال : فنزلت عن دابَّتي عمداً ، فأخذ جبرئيل بيدي فأدخَلَني المسجد ، فخرق بي الوف والمسجد غاصٌّ أهله. فإذاً بنداء من فوقي : تقدَّم يا محمد. فقدَّمني جبرئيل فصلَّيت بهم.

قال : ثم وُضِع لنا منه سُلَّمٌ إلى السماء الدنيا من لؤلؤ. فأخذ بيدي جبرئيل فخرق بي

__________________

١. «الثنيَّة» هو الطريق العالي في الجبل ، ومنه الخبر : «كان صلى الله عليه وآله يدخل مكة من الثنيَّة العليا». مجمع البحرين : ص ١٦.

١٠٢

إلى السماء ، (فوجدناها ملأت حرساً شديداً وشهباً) ١. فقرع جبرئيل الباب ، فقالوا له : من هذا؟

قال: أنا جبرئيل.

قالوا : من معك؟

قال : معي محمد.

قالوا : وقد أرسِل إليه؟

قال : نعم.

ففتحوا لنا ، ثم قالوا : مرحباً بك من أخ ومن خليفة. فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المختار خاتم النبيين لا نبيَّ بعده.

ثم وُضِع لنا منها سُلَّم من ياقوت موشَّح بالزبرجد الأخضر، فصعدنا إلى السماء الثانية. فقرع جبرئيل ، فقالوا مثل اقول الأول ، وقال جبرئيل مثل القول الأول. ففتح لنا.

ثم وُضِع لنا سُلَّم من نور محفوف حوله بالنور. قال : فقال لي جبرئيل : يا محمد ، تثبِّت واهتَدِ هديت. ثم ارتفعنا إلى الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة بإذن الله تعالى ، فإذاً بصوت وصيحة شديدة.

قال : قلت : يا جبرئيل ، ما هذا الصوت؟

فقال لي : يا محمد ، هذا صوت طوبى، قد اشتاقَت إليك ....

ثم قال لي جبرئيل : يا محمد ، تقرَّب إلى ربك ، فقد وطئتَ اليوم مكاناً بكرامتك على الله عز وجل ما وطأتُه قطُّ ، ولو لا كرامتك لأحرقني هذا النور الذي بين يديَّ.

قال : فتقدَّمت ، فكشف لي عن سبعين حجاباً ، فقال لي : يا محمد. فخررتُ ساجداً وقلت : لبيك رب العزَّة لبيك.

فقيل لي : يا محمد ، ارفَع رأسك وسَل تُعطَ ، واشفَع تُشَفَّع. يا محمد ، أنت حبيبي وصفيي ورسولي إلى خلقي وأميني في عبادي. من خلَّفتَ في قومك حين وفدتَ إليَّ؟

__________________

١. سورة الجن الآية ٨.

١٠٣

فقلت : من أنت أعلم به منِّي ؛ أخي وابن عمي وناصري ووزيري وعَيبَة علمي ومنجز عداتي.

فقال لي ربي: وعزتي وجلالي وجودي ومجدي وقدرتي على خلقي ، لا أقبل الإيمان بي ولا بأنك نبي إلا بالولاية له. يا محمد ، أتحبُّ أن تراه في ملكوت السماء؟

فقلت : ربي! وكيف لي به وقد خلَّقتُه في الأرض؟

فقال لي : يا محمد ، ارفَعرأسك. فرفعت رأسي ، فإذاً أنا به مع الملائكة المقربينمما يلي السماء الأعلى. فضحكتُ حتى بدَت نواجدي ، فقلت : يا رب! اليوم قرَّت عيني.

ثم قيل لي : يامحمد.

قلت : لبيك ذا العزَّة لبيك.

قال : إني أعهد إليك في علي عليه السلام عهداً فاسمعه.

قلت : ما هو يا رب؟

قال : علي عليه السلام راية الهدى ، وإمام الأبرار ، وقاتل الفجار ، وإمام من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتُها المتقين ، أورثته علمي وفهمي. فمن أحبَّه فقد أحبَّني ، ومن أبغضه فقد أبغضني. إنه مبتلى وبمتلى به ، فبشِّره بذلك يا محمد.

قال : ثم أتاني جبرئيل فقال لي : يقول الله لك : يا محمد ، (وألزِمهم كلمة التقوى وكانوا أحقُّ بها وأهلها) ١ ؛ ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام. تقدَّم بين يديَّ يا محمد.

فتقدَّمتُ فإذاً أنا بنهر حافَّتاه قباب الدرِّ واليواقيت. أشدُّ بياضاً من الفضة ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحاً من المسك الأذفر. فضربتُ بيدي فإذاً طينه مسكة ذفرة.

فأتاني جبرئيل فقال لي : يا محمد ، أيُّ نهر هذا؟

قلت : أيُّ نهر هذا يا جبرئيل؟

__________________

١. سورة الفتح : الآية ٢٦.

١٠٤

قال : هذا نهرك ، وهو الذي يقول الله عز وجل : (إنّا أعطيناك الكَوثر). إلى موضع (الأبتر) ١ ، عمرو بن العاص هو الأبتر.

ثم التبتُّ فإذاً أنا برجال يقذف بهم في نار جهنم. قلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال لي : هؤلاء المُرجشة والقدريَّة والحرورىَّ ، وبنو أمية والناصب لذرِّيتك العداوة ، هؤلاء الخمسة لا سهم لهم في الإسلام.

ثم قال لي : أرضيتَ عن ربك ما قسم لك؟

فقلت : سبحان ربي ، واتخذني خليلاً ، وأعطاني في علي عليه السلام أمراً عظيماً. يا جبرئيل ، من الذي لقيتُ في أول الثنيَّة؟

قال : ذاك أخوك موسىبن عمران عليه السلام ....

ـ فمن الذي لقيتُ في وسط الثنيَّة؟

قال : ذاك أخوك عيسى بن مريم عليه السلام ، يوصيك بأخيك علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنه قائد الغرِّ المحجَّلين وأمير المؤمنين ، وأنت سيد ولد آدم.

ـ فمَن الذي لقيتَ عند الباب ؛ باب المقدس؟

قال : ذاك أبوك ، يوصيك بوصيِّك علي بن أبي طالب عليه السلام خيراً ، ويُخبرك أنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغرِّ المحجَّلين.

ـ فمن الذي صلَّيتُ بهم؟

قال : أولئك الأنبياء والملائكة ، كرامة من الله ، أكرمك يا محمد.

ثم هبط إلى الأرض.

قال : فلمّا أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله ، بعث إلى أنس بن مالك فدعاه. فلمّا جاءه ، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ادعُ علياً عليه السلام.

فأتاه ، فقال : يا علي ، أُبشِّرك؟

قال : بماذا؟

__________________

١. سورة الكوثر: الآية ١ ـ ٣.

١٠٥

قال : لقيت أخاك موسى وأخاك عيسى وأباك آدم صلوات الله عليهم ، فكلُّهم يوصي بك.

قال : فبكى علي عليه السلام وقال : الحمد لله الذي لم يَجعلني عنده منسيّاً.

ثم قال : يا علي ، ألا أُبشِّرك؟

قال : قلت : بشِّرني يا رسول الله.

قال : يا علي ، نظرت إلى عرش ربي جلَّ وعزَّ ، فرأيت مثلك في السماء الأعلى وعهد إليّ فيك عهداً.

قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أوَ كلُّ ذلك كانوا يذكرون إليك؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ، إن الملأ الأعلى ليدعون لك ، وإن المصطفين الأخيار ليرغبون إلى ربهم جلَّ وعزَّ أن يجعل لهم السبيل إلى النظرإليك ، وإنا لتشفع يوم القيامة ، وإن الأُمم كلُّهم موقوفون على جُرف جهنم.

فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ، فمَن الذين كانوا يقذف بهم في نار جهنم؟

قال : أولئك المُرجئة والقدريَّة والحروريَّة وبنو أمية ومناصبك العداوة. يا علي ، هؤلاء الخمسة ليس لهم في الإسلام نصيب ١.

الحديث الحادي والعشرون :

حديث أبي ذر الغفاري ، قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم في منزل أم سلمة ورسول الله صلى الله عليه وآله يحدِّثني وأنا له مستمع ، إذ دخل علي بن أبي طالب عليه السلام. فلما أن بصر به النبي صلى الله عليه وآله ، أشرق وجهه نوراً وفرحاً وسروراً بأخيه وابن عمه. ثم ضمَّه إلى صدره وقبَّل بين عينيه ، ثم التفت إليَّ فقال :

يا أبا ذر ، تَعرف هذا الداخل إلينا حق معرفته؟

قال أبو ذر: يا رسول الله هو أخوك وابن عمك وزوج فاطمة عليها السلام وأبو الحسن

__________________

١. بحار الأنوار : ج ٣٧ ص ٣١٢ ب ٥٤ ح ٤٦.

١٠٦

والحسين عليهما السلام سيدَي شباب أهل الجنة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أبا ذكر ، هذا الإمام الأزهر ، ورمح الله الأطول ، وباب الله الأكبر. فمن أراد الله فليَدخل من الباب.

يا أبا ذر ، هذا القائم بقسط الله ، والذابُّ عن حريم الله ، والناصر لدين الله ، وحجة الله على خلقه في الأمم كلها.

يا أبا ذر ، إن الله عز وجل على كل ركن من أركان عرشه سبعون ألف ملك ، ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلا الدعاء لعلي عليه السلام والدعاء على أعدائه.

يا أبا ذر ، لو لا علي عليه السلام ما أبان الحق من الباطل ولا مؤمن من كافر وما عُبِد الله ، لأنه ضرب على رؤوس المشركين حتى أسلموا وعبدوا الله ، ولو لا ذلك ما كان ثواب ولا عقاب.

لا يَستره من الله ستر ولا يحجبه عن الله حجاب ، بل هو الحجاب والستر.

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله : (شَرَع لكم من الدين ما وصَّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وَصَّينا بِ إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تَتَفَرَّقوا فيه كَبُر على المُشركين ما تَدعوهم إليه الله يَجتَبى إليه مَن يَشاء ويَهدي إليه مَن يُنيب) ١.

يا أبا ذر ، إن الله تبارك وتعالى تعزِّز بملكه ووحدانيته في فَردانيته ، فعرَّف عباده المخلصين نفسه فأباح له جنته. فمن أراد أن يهديَه عرَّفه ولايته ، ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عليه معرفته.

يا أبا ذر هذا راية الهدى ، وكلمة التقوى ، والعروة الوثقى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين. فمن أحبَّه كان مؤمناً ، ومن أبغضه كان كافراً ، ومن ترك ولايته كان ضالاً مضِلاً ، ومن جحد حقه كان مشركاً.

يا أبا ذر ، يؤتى بجاحد حق علي عليه السلام وولايته يوم القيامة أصمٌّ وأبكم وأعمى ، يتكبكب في ظلمات يوم القيامة ، ينادي مناد : (يا حسرتَى على ما فرَّطتُ في جنب

__________________

١. سورة الشورى : الآية ١٣.

١٠٧

الله) ١. وأُلقِيَ في عنقه طوق من نار ؛ ولذلك الطوق ثلاثمائة شعبة ، على كل شعبة شيطان يتفل في وجهه ، ويكلح من جوف قبره إلى النار.

فقال أبو ذر: قلت : فداك أبي وأمي يا رسول الله ، ملأتَ قلبي فرحاً وسروراً ، فزِدني.

فقال : يا أبا ذر ، لما أن عُرِج بي إلى السماء فصرت في الدنيا ، أذَّن ملك من الملائكة وأقام الصلاة. فأخذ بيدي جبريل فقدَّمني وقال لي : يا محمد ، صلِّ بالملائكة ، فقد طال شوقهم إليك.

فصلَّيت بسبعين صفاً ؛ الصفُّ ما بين المشرق والمغرب ، لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم. فلما انتفلتُ من صلاتي وأخذت في التسبيح والتقديس ، أقبلت إلى شرذمة بعد شرذمة من الملائكة ، فسلَّموا عليَّ وقالوا : يا محمد ، لنا إليك حاجة ، هل تَقضيها يا رسول الله؟

فظننت أن الملائكة يسألون الشفاعة عند رب العالمين ، لأن الله فضَّلني بالحوض والشفاعة على جميع الأنبياء. قلت : ما حاجتكم ملائكة ربي؟

قالوا : يا نبي الله ، إذا رجعت إلى الأرض فاقرأ علي بن أبي طالب عليه السلام منّا السلام ، وأعلمه بأن قد طال شوقنا إليه.

قلت : ملائكة ربي ، هل تعرفونا حق معرفتنا؟

فقالوا : يا نبي الله ، وكيف لا نعرفكم؟ وأنتم أول خلق الله ؛ خلقكم أشباح نور من نور في نور ، من سناء عزه ومن سناء ملكه ومن نور وجهه الكريم ، وجعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه وعرشه على الماء قبل أن تكون السماء مَبنيَّة والأرض مَدحيَّة ، وهو في الموضع الذي يتوفاه. ثم خلق السماوات والأرضين في ستة أيام. ثم رفع العرش إلى السماء السابعة فاستوى على عرشه ، وأنتم أمام عرشه تُسبِّحون وتُقدِّسون وتُكبِّرون. ثم خلق الملائكة من بدو ما أراد من أنوارشتّى.

__________________

١. سورة الزمر : الآية ٥٦.

١٠٨

وكنّا نمرُّ بكم وأنتم تُسبِّحون وتَحمدون وتُهلِّلون وتُكبِّرون وتُمجِّدون وتُقدِّسون ، فنُسبِّح ونقدِّس ونمجِّد ونكبِّر ونهلِّل بتسبيحكم وتحميدكم وتهليلكم وتكبيركم وتقديسكم وتمجيدكم. فما نزل من الله فإليكم ، وما صعد إلى الله فمن عندكم. فلِمَ لا نعرفكم؟! إقرأ علياً عليه السلام منّا السلام ، وأعلِمهبأنه قد طال شوقنا إليه.

ثم عرج بي إلى السماء الثانية ، فتلقَّتني الملائكة. فسلَّموا عليَّ ، وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم.

فقلت : يا ملائكة ربي ، هل تعرفونا حق معرفتنا؟

فقالوا : يا نبي الله ، كيف لا نعرفكم؟ وأنتم صفوة الله من خلقه وخزان علمه ، وأنتم العروة الوثقى ، وأنتم الحجة ، وأنتم الجانب والجنب ، وأنتم الكرسي ، أصول العلم. قائمكم خير قائم ، وناطقكم خير ناطق. بكم فتح الله دينه وبكم يختمه. فاقرأ علياً عليه السلام منّا السلام وأخبِره بشوقنا إليه.

ثم عرج بي إلى السماء الثالثة ، فتلقَّتني الملائكة. فسلَّموا عليَّ ، وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم.

فقلت : ملائكة ربي ، هل تعرفونا حق معرفتنا؟

فقالوا : يا نبي الله ، لِمَ لا نعرفكم؟ وأنتم باب المقام ، وحجة الخصام ، وعلي عليه السلام دابَّة الأرض ، وفاصل القضاء ، وصاحب العضباء ، وقسيم النار غداً ، وسفينة النجاة ؛ من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها في النار يتردَّى .... فلِمَ لا نعرفكم؟ فاقرأ علياً عليه السلام منّا السلام وأعلمه بشوقنا إليه.

ثم عرج بي إلىالسماء الرابعة ، فتلقَّتني الملائكة. فسلَّموا عليَّ وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم.

فقلت : ملائكة ربي ، هل تعرفونا حق معرفتنا؟

فقالوا : لِمَ لا نعرفكم؟ وأنتم شجرة النبوة ، وبيت الرحمة ، ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، وعليكم جبرئيل ينزل بالوحي من السماء من عند رب العالمين ، فاقرأ علياً عليه السلام منّا السلام وأعلِمه بطول شوقنا إليه.

١٠٩

ثم عرج بي إلى السماء الخامسة ، فتلَّقتني الملائكة. وسلَّموا عليَّ فقالوا لي مثل مقالة أصحابهم.

فقلت : يا ملائكة ربي ، هل تعرفونا حق معرفتنا؟

فقالوا : يا نبي الله ، لِمَ لا نعرفكم؟ ونحن نَغدو ونَروح على العرش بالغداة والعشي ، فننظرإلى ساق العرش مكتوب : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أيَّده الله بعلي بن أبي طالب ولي الله ، والعَلَم بيه وبين خلقه ، وهو دافع المشركين ، ومبير الكافرين». فعلمنا عند ذلك أن علياّ عليه السلام ولي من أولياء الله. فاقرأ علياً عليه السلام منّا السلام وأعلِمه بشوقنا إليه.

ثم عرج بي إلى السماء السادسة ، فتلَّقتني الملائكة. فسلَّموا عليَّوقالوا لي مثل مقالة أصحابهم.

فقلت : يا ملائكة ربي ، هل تعرفونا حق معرفتنا؟

فقالوا : بلى يا نبي الله ، لِمَ لا نعرفكم؟وقد خلق الله جنة الفردوس ، وعلى بابها شجرة ليس منها ورقة إلا عليها مكتوبة حرفين بالنور : «لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي بن أبي طالب عروة الله الوثيقة ، وحبل الله المتين ، وعينه على الخلائق أجمعين ، وسيف نقمته على المشركين». فاقرأه منّا السلام وقد طال شوقنا إليه.

ثم عرج بي إلى السماء السابعة ، فسمعت الملائكة يقولون لمّا أن رأوني : الحمد لله الذي صدَّقنا وعده. ثم تلقُّوني فسلَّموا عليَّ ، وقالوا لي مثل مقالة أصحابهم.

فقلت : يا ملائكة ربي ، سمعت وأنتم تقولون : الحمد لله الذي صدَّقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوَّء من الجنة حيث نشاء ، فما الذي صُدِّقتُم؟

قالوا : يا نبي الله ، إن الله تبارك وتعالى لما أن خلقكم أشباح نور من سناء نوره ومن سناء عزه ، وجعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه ، وأشهدكم على عباده ، عرض ولايتكم علينا ورسخت في قلوبنا. فشكونا محبتك إلى الله ، فوعدنا ربنا أن يريناك في السماء معنا ، وقد صدَّقنا وعده وهو ذا أنت في السماء. فجزاك الله من نبي خيراً.

ثم شكونا علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الله ، فخلق لنا في صورته ملكاً ، وأقعده عن

١١٠

يمين عرشه ، على سرير منذهب مرصَّع بالدرِّ والجواهر ؛ قوائمه من الزبرجد الأخضر ، عليه قبة من لؤلؤة بيضاء ، يُرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها ، بلا دعامة من تحتها وعلاقة من فوقها. قال لها صاحب العرش : قومي بقدرتي. فقامت بأمر الله. فكلَّما اشتّقنا إلى رؤية علي بن أبي طالب عليه السلام في الأرض ، نظرنا إلى مثاله في السماء ١.

الحديث الثاني والعشرون :

حديث ابن عبد الملك ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، أنه قال :

لمّا صعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماء وانتهى إلى السماء السابعة ولقى الأنبياء عليهم السلام ، قال: أين أبي إبراهيم عليه السلام؟

قالوا له : هو مع أطفال شيعة عليه عليه السلام. فدخل الجنة ، فإذاً هو تحت شجرة لها ضروع كضروع البقر. فإذا انفلت الضرع من فم الصبي ، قام إبراهيم عليه السلامفردَّعليه.

قال : فسلَّم عليه ، فسأله عن علي عليه السلام. فقال : خلَّفتُه في أمتي.

قال : نعم الخليفة خلَّفت. أما إن الله فرض على الملائكة طاعته ، وهؤلاء أطفال شيعته ، سألت الله أن يجعلني القائم عليهم ففعل. وإنّ الصبي ليجرَّع الجرعة ، فيجد طعم ثمار الجنة وأنهارها في تلك الجرعة ٢.

الحديث الثالث والعشرون :

حديث عبد الله بن يحيى الكاهلي ، عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل : (وما تُغِي الآيات والنُذُر عن قوم لا يؤمنون) ٣ ، قال :

__________________

١. تفسير فرات الكوفي : ص ٣٧٠ ح ٥٠٣.

٢. بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٩٤ ب ١٣ ح ١٩.

٣. سورة يونس : الآية ١٠١.

١١١

لما أُسرِيَ برسول الله صلى الله عليه وآله ، أتاه جبرئيل بالبُراق فركبها. فأتى بيت المقدس ، فلقى مَن لقى من إخوانه الأنبياء عليهم السلام. ثم رجع ، فحدَّث أصحابه : إني أتيت بيت المقدس ورجعت من الليلة ، وقد جاءني جبرئيل بالبُراق فركبتُها. وآية ذلك أني مررت بعَير لأبي سفيان على ماء لبني فلان ، وقد أضلُّوا جملاً لهم أحمر ، وقد همَّ القوم في طلبه.

فقال بعضهم لبعض : إنما جاء الشام وهو راكب سريع ، ولكنَّكم قد أتيتم الشام وعرفتموها. فسلوه عن أسواقها وأبوابها وتجارها.

فقالوا : يا رسول الله ، كيف الشام وكيف أسواقها؟

قال : أبو عبد الله عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سُئل عن الشيء لا يعرفه ، شقَّعليه حتى يُرى ذلك في وجهه. قال : فبينما هو كذلك ، إذ أتاه جبرئيل فقال : يا رسول الله ، هذه الشام قد رفعت لك.

فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله فإذاً هو بالشام بأبوابها وأسواقها وتجارها ، فقال : أين السائل عن الشام؟

فقالوا له : فلان وفلان.

فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وآله في كل ما سألوه عنه. فلم يؤمن منهم إلا قليل ، وهو قول الله تبارك وتعالى : (وما تُغنِي الآيات والنُذُر عن قوم لا يُؤمِنون) ١.

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : نعوذ بالله أن لا نؤمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله ، آمنّا بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله ٢.

__________________

١. سورة يونس : الآية ١٠١.

٢. الكافي : ج ٨ (الروضة) ص ٣٦٤ ح ٥٥٥.

١١٢

الحديث الرابع والعشرون :

حديث صباح المُزني ، عن الإمام الصادق عليه السلام ، أنه قال :

عُرِج بالنبي صلى الله عليه وآله إلى السماء مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا وقد أوصى الله عز وجل فيها النبي صلى الله عليه وآله بالولاية لعلي والأئمة عليهم السلام أكثر مما أوصاه بالفرائض ١.

الحديث الخامس والعشرون :

حديث الإحتجاج ، عن الإمام الكاظم ، عن آبائه الطاهرين ، عن الإمام الحسين عليهم السلام ، فيما بيَّنه الإمام أمير المؤمنين عليه السلامليهودي الشام ، جاء فيه :

قال له اليهودي : فإن هذا سليمان ، قد سُخِّرَت له الرياح ، فسارت به في بلاده غدوها شهر ورواحها شهر؟

قال له علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى الله عليه وآله أُعطِي ما هو أفضل من هذا :

إنه أُسرِيَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر ، وعُرَج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقلِّ من ثُلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش. فدنى بالعلم فتَدلَّى من الجنة رفرف أخضر ، وغشى النور بصره. فرأى عظمة ربه عز وجل بفؤاده ولم يَرَها بعينه ، فكان كقاب قوسين بينه وبينها أو أدنى. فأوحى الله إلى عبده ما أوحى.

وكان فيما أوحى إليه ، الآية التي في سورة البقرة ؛ قوله : (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تُخفوه يُحاسِبكم به الله فيَغفِر لِمَن يَشاء ويُعذِّب مَن يَشاء والله على كل شيء قدير) ٢.

وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى أن بعث الله تبارك وتعالى

__________________

١. الخصال: ص ٦٠٠ ح ٣.

٢. سورة البقرة : الآية ٢٨٤.

١١٣

محمداً صلى الله عليه وآله. وعرضَت على الأمم ، فأبوا أن يقبلوها من ثقلها. وقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعرضها على أمته فقبلوها.

فلمارأى الله تبارك وتعالى منهم القبول ، علم أنهم لا يطيقونها. فلما أن سار إلى ساق العرش ، كرَّر عليه الكلام ليفهمه ؛ فقال : (آمَنَ الرسول بِما أُنزِل إليه مِن ربه).

فأجاب صلى الله عليه وآله مجيباً عنه وعن أمته : (والمؤمنون كلٌّ آمَن بالله وملائكته وكُتُبه ورُسله لا نُفرِّق بين أحد من رسله) ١.

فقال جلَّ ذكره : لهم الجنة والمغفرة على أن فعلوا ذلك.

فقال النبي صلى الله عليه وآله : أما إذا فعلَت ذلك بِنا ، غُفرانك ربنا وإليك المَصير : يعني المرجع في الآخرة.

قال : فأجابه الله عز وجل قد فعلت ذلك بك وبأمتك.

ثم قال عز وجل : أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها ، وقد عرضتُها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلَتها أمتك. حقٌّ عليَّ أن أرفعها عن أمتك ، وقال : (لا يُكلِّف الله نَفساً إلا وُسعَها لها ما كسبَت) من خير (وعليها ما اكتسبَت) ٢ من شرٍّ.

فقال النبي صلى الله عليه وآله لما سمع ذلك : إما إذا فعلَت ذلك بي وبأمتي فزِدني.

قال : سل.

قال : (ربنا لا تؤاخِذنا إن نسينا أو أخطأنا) ٣.

قال الله عز وجل : لستُ أُؤاخذ أمتك بالنسيان والخطأ لكرامتك عليَّ ، وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به ، فتحتُ عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت ذلك عن أمتك.

وكانت الأمم السالفة إذا أخطأوا ، أخذوا بالخطأ وعوقِبوا عليه ، وقد رفعت ذلك عن أمتك لكرامتك عليَّ.

__________________

١. سورة البقرة : الآية ٢٨٥.

٢. سورة البقرة : الآية ٢٨٦.

٣. سورة البقرة : الآية ٢٨٦.

١١٤

فقال صلى الله عليه وآله : اللهم إذا اعطيتَني ذلك فزِدني.

قال الله تبارك وتعالى له : سل.

قال : (ربنا ولا تَحمِل علينا إصراً كما حملتَه على الذين مِن قبلِنا) ١ ؛ يعني بالإصر الشدائد التي كانت على من كان من قبلنا.

فأجابه الله عز وجل إلى ذلك ؛ وقال تبارك إسمه : قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة :

كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع معلومة من الأرض ، إخترتها لهم وإن بعدت. وقد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجداً وطهوراً. فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك ، فرفعتُها عن أمتك.

وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذىً من نجاسة ، قرضوه من أجسادهم ، وقد جعلت الماء لأمتك طهوراً. فهذا من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمتك.

وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلَت ذلك منه أرسلت عليه ناراً فأكلته فرجع مسروراً ، ومن لم أقبل منه ذلك رجع مثبوراً ٢. وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبلت ذلك منه أضعفت له أضعافاً مضاعفة ، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا. وقد رفعت ذلك عن أمتك. وهي من الآصار التي كانت على الأمم من كان من قبلك.

وكانت الأمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار ، وهي من الشدائد التي كانت عليهم. فرفعتها عن أمتك ، وفرضت صلاتهم في أطراف الليل والنهار وفي أوقات نشاطهم.

وكانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتاً ، وهي من الآصار التي كانت عليهم. فرفعتها عن أمتك وجعلتها خمساً في خمسة أوقات ، وهي

__________________

١. سورة البقرة : الآية ٢٨٦.

٢. «المثبور» الخائب.

١١٥

إحدى وخمسون ركعة ، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة.

وكانت الأمم السالفة حسنتُهم بحسنة وسيئتُهم بسيئئة ، وهي من الآصار التي كانت عليهم. فرفعتها عن أمتك ، وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة.

وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة فلم يعملها لم تُكتَب له ، وإن عملها كُتبَت له حسنة. وإن أمتك إذا همَّ أحدهم بحسنة فلم يعملها كُتبَت له حسنة ، وإن عملها كُتبَت له عشرة. وهي من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتُها عن أمتك.

وكانت الأمم السالفة إذا همَّ أحدهم بسيئة فلم يعملها لم تُكتَب عليه ، وإن عملها كُتبَت عليه سيئة. وإن أمتك إذا همَّ أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كُتبَت له حسنة. وهذه من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمتك.

وكانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كُتبَت ذنوبهم على أبوابهم ، وجعلتُ توبتهم من الذنوب أن حرَّمتُ عليهم بعد التوبة أحبُّ الطعام إليهم. وقد رفعت ذلك عن أمتك وجعلت ذوبهم فيما بيني وبينهم ، وجعلت عليهم ستوراً كثيفة ، وقبلت توبتهم بلا عقوبة ، ولا أُعاقبهم بأن أحرم عليهم أحبَّ الطعام إليهم.

وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم إلى الله من الذنب الواحد مائة سنة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ، ثم لا أقبل توبته دون أن أُعاقبه في الدنيا بعقوبة. وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتُها عن أمتك ؛ وإن الرجل من أمتك ليُذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة سنة، ثم يتوب ويندم طرفة عين ، فأغفر ذلك كله.

فقال النبي صلى الله عليه وآله : إذا أعيتني ذلك كله فزِدني.

قال : سل.

قال : (ربنا ولا تُحَمِّلنَا ما لا طاقة لنا به) ١.

قال تبارك إسمه : قد فعلت ذلك بأمتك ، وقد رفعت عنهم عظم بلايا الأمم ، وذلك حكمي في جميع الأمم أن لا أُكلِّف خلقاً فوق طاقتهم.

__________________

١. سورة البقرة : الآية ٢٨٦.

١١٦

فقال النبي صلى الله عليه وآله : (واعفُ عنّا واغفِر لنا وارحَمنا أنت مولانا) ١.

قال الله عز وجل : قد فعلت ذلك بتائبي أمتك.

ثم قال صلى الله عليه وآله : (فانصُرنا على القوم الكافرين) ٢.

قال الله جلَّ إسمه : إن أمتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الأسود ؛ هم القادرون ، وهم القاهرون ، يَستخدمون ولا يُستخدَمون لكرامتك عليَّ. وحقٌّ عليَّ أن أظهر دينك على الأديان ، حتى لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين إلا دينك ، ويؤدُّون إلى أهل دينك الجزية ٣.

الحديث السادس والعشرون :

حديث محمد بن مسلم ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، أنه قال :

حدَّث أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله :

إن جبرئيل أتاني ليلة أُسرِي بي وحين رجعت ، فقلت : يا جبرئيل ، هل لك من حاجة؟

فقال : حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنِّي السلام.

وجدَّثنا عند ذلك : أنها قالت حين لقيَها نبي الله صلى الله عليه وآله فقال لها الذي قال جبرئيل ، قالت : إن الله هوالسلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام ، وعلى جبرئيل السلام ٤.

الحديث السابع والعشرون :

حديث الشيخ المفيد ، عن الإمام الهادي ، عن آبائه الكرام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام. أنه قال :

__________________

١. سورة البقرة : الآية ٢٨٦.

٢. سورة البقرة : الآية ٢٨٦.

٣. الإحتجاج : ج ١ ص ٣٢٧.

٤. تفسير العياشي : ج ٢ ص ٢٧٩ ح ١٢.

١١٧

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

لمّا أُسرِيبي إلى السماء الرابعة ، نظرت إلى قبَّة من لؤلؤ ، لها أربعة أركان وأربعة أبواب ، كلها من إستبرق أخضر.

قلت : يا جبرئيل ، ما هذه القبَّة التي لم أرَ في السماء الرابعة أحسن منها؟

فقال : حبيبي محمد ، هذه صورة مدينة يقال لها : قم ، يجتمع فيها عباد الله المؤمنون ، ينتظرون محمداً وشفاعته للقيامة والحساب ، يجري عليهم الغمَّ والهمَّ والأحزان والمكاره.

فسألت علي بن محمد العسكري عليه السلام : متى ينتظرون الفرج؟

قال : إذا ظهر الماء على وجه الأرض ١.

الحديث الثامن والعشرون :

حديث سلمان الفارسي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

لما عُرِج بي إلى السماء الدنيا ، إذاً أنا بقصر من فضَّة بيضاء ، على بابه ملكان. فقلت : يا جبرئيل ، سَلهما لمن هذاالقصر. فسألهما ، فقالا: لفتى من بني هاشم.

فلمّا صِرتُ في السماء الثانية ، إذاً أنا بقصر من ذهب أحمر أحسن من الأول ، على بابه ملكان. فقلت : يا جبرئيل ، سَلهما لمن هذا القصر. فسألهما ، فقالا : لفتى من بني هاشم.

فلمّا صِرتُ إلى السماء الثالثة ، إذاً أنا بقصر من ياقوتة حمراء ، على بابه ملكان. فقلت : يا جبرئيل ، سَلهما. فسألهما ، فقالا : لفتى من بني هاشم.

فلمّا صِرتُ في السماء الرابعة : إذاً أنا بقصر من درَّة بيضاء ، على بابه ملكان. فقلت : يا جبرئيل ، سَلهما. فسألهما ، فقالا : لفتى من بني هاشم.

فلمّا صِرتُ إلى السماء الخامسة ، فإذاً أنا بقصر من درَّة صفراء ، على بابه ملكان. فقلت : يا جبرئيل ، سَلهما لمن هذا القصر. فسألهما ، فقالا : لفتى من بني هاشم.

__________________

١. الإختصاص : ص ١٠١.

١١٨

فلمّا صِرتُ إلى السماء السادسة، إذاً أنا بقصر من لؤلؤة رطبة مجوَّفة ، على بابه مبكان. فقلت : يا جبرئيل ، سلهما. فسألهما : لمن هذا القصر؟ فقالا : لفتى من بني هاشم.

فلمّا صِرتُ إلى السماء السابعة ، إذاً أنا بقصر من نور عرش الله تبارك وتعالى ، على بابهملكان ، فقلت : يا جبرئيل ، سَلهما لمن هذا القصر. فسألهما ، فقالا : لفتى من بني هاشم.

فسِرنا ، فلم نزل ندفع من نور إلى ظلمة ومن ظلمة إلى نور ، حتى وقفت على سدرة المنتهى. فإذاً جبرئيل ينصرف.

قلت : خليلي جبرئيل! في مثل هذا المكان ـ أو في مثل هذا السدرة ـ تخلفني وتمضي؟

فقال : حبيبي ، والذي بعثك بالحق نبياً ، إن هذا المسلك ما سلكه نبي مرسل ولا ملك مقرَّب ، أستودعك رب العزة.

وما زلتُ واقفاً حتى قُذِفتُ في بحار النور: فلم تزل الأمواج تقذفني من نور إلى ظلمة ومن ظلمة إلى نور ، حتى أوقفني ربي الموقف الذي أحبُّ أن يَقفني عنده من ملكوت الرحمن.

فقال عز وجل : يا أحمد ، قف. فوقفتُ منتفضاً مرعوباً. فنوديت من الملكوت : يا أحمد.

فألهمني ربي ، فقلت : لبَّيك ربي وسعديك ، ها أنا ذا عبدك بين يديك.

فنوديت : يا أحمد ، العزيز يُقرؤ عليك السلام.

فقلت : هو السلام وإليه يعود السلام.

ثم نوديت ثانية : يا أحمد.

فقلت : لبَّيك وسعديك ، سيدي ومولاي.

قال : يا أحمد ، (آمن الرسول بما أُنزِل إليه من ربهوالمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) ١.

__________________

١. سورة البقرة : الآية ٢٨٥.

١١٩

فقلت : قد (سمعنا وأطَعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) ١.

فقال الله عز وجل : (لا يكلِّف الله نفساً إلا وُسعَها لها ما كسبَت وعليها ما اكتَسبَت).

فقلت : (ربنا لا تؤاخِذنا إن نسينا أو أخطأنا).

فقال الله عز وجل : قد فعلت.

فقلت : (ربنا ولا تحمِل علينا إصراً كما حملتَه على الذين من قبلنا).

فقال : قد فعلت.

فقلت : (ربنا ولا تُحَمِّلنا ما لا طاقة لنا به واعفُ عنّا واغفِر لنا وارحَمنا أنت مولانا فانصُرنا على القوم الكافرين) ٢.

فقال الله عز وجل : قد فعلت ، فجرى القلم بما جرى.

فلمّا قضيت وطري من مناجات ربي ، نوديت : إن العزيز يقول لك : من خلَّفتَ في الأرض؟

فقلت : خيرها ؛ خلَّفتُ فيهم ابن عمِّي.

فنوديت : يا أحمد ، من ابن عمك؟

قلت : أنت أعلم ، علي بن أبي طالب.

فنوديت من الملكوت سبعاً متوالياً : يا أحمد ، استوص بعلي بن أبي طالب ابن عمك خيراً. ثم قال : إلتفِت.

فالتفتُ عن يمين العرش ، فوجدت على ساق العرش الأيمن مكتوباً : «لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، محمد رسولي ، أيَّدتُه بعلي».

يا أحمد ، شققت إسمك من إسمي ؛ أنا الله المحمود الحميد. وأنا الله العليُّ ، وشققت إسم ابن عمِّك علي من إسمي ، امضِ هادياً مهديّاً. نعم المجيء جئت ونعم

__________________

١. سورة البقرة: الآية ٢٨٥.

٢. سورة البقرة : الآية ٢٨٦.

١٢٠