مغنى اللبيب - ج ١

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٦
الجزء ١ الجزء ٢

قليلا ، وفى نحو (إِذِ انْتَبَذَتْ) ظرف لمضاف إلى مفعول محذوف ، أى : واذكر قصة مريم ، ويؤيد هذا القول التصريح بالمفعول فى (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً).

ومن الغريب أن الزمخشرى قال فى قراءة بعضهم (لمن من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا) : إنه يجوز أن يكون التقدير منّه إذ بعث ، وأن تكون إذ فى محل رفع كإذا فى قولك : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما ، أى لمن منّ الله على المؤمنين وقت بعثه ، انتهى ؛ فمقتضى هذا الوجه أن إذ مبتدأ ، ولا نعلم بذلك قائلا ، ثم تنظيره بالمثال غير مناسب ؛ لأن الكلام فى إذ لا فى إذا ، وكان حقه أن يقول إذ كان ؛ لأنهم يقدرون فى هذا المثال ونحوه إذ تارة وإذا أخرى ، بحسب المعنى المراد ، ثم ظاهره أن المثال يتكلم [به] هكذا ، والمشهور أن حذف الخبر فى ذلك واجب ، وكذلك المشهور أن إذا المقدرة فى المثال فى موضع نصب ، ولكن جوّز عبد القاهر كونها فى موضع رفع ، تمسكا بقول بعضهم : أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة ، بالرفع ؛ فقاس الزمخشرى إذ على إذا ، والمبتدأ على الخبر.

والوجه الثانى : أن تكون اسما للزمن المستقبل ، نحو (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) والجمهور لا يثبتون هذا القسم ، ويجعلون الآية من باب (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أعنى من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما قد وقع ، وقد يحتج لغيرهم بقوله تعالى : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) فإنّ (يَعْلَمُونَ) مستقبل لفظا ومعنى ؛ لدخول حرف التنفيس عليه ، وقد أعمل فى إذ ؛ فيلزم أن يكون بمنزلة إذا.

والثالث : أن تكون للتعليل ، نحو (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) أى : ولن ينفعكم اليوم اشتراككم فى العذاب ؛ لأجل

٨١

ظلمكم فى الدنيا ، وهل هذه حرف بمنزلة لام العلة أو ظرف والتعليل مستفاد من قوة الكلام لامن اللفظ ؛ فإنه إذا قيل : ضربته إذ أساء ، وأريد [بإذ] الوقت اقتضى ظاهر الحال أن الإساءة سبب الضرب؟ قولان ، وإنما يرتفع السؤال على القول الأول ؛ فإنه لو قيل : «لن ينفعكم اليوم وقت ظلمكم الاشتراك فى العذاب» لم يكن التعليل مستفادا ؛ لاختلاف زمنى الفعلين ، ويبقى إشكال فى الآية ، وهو أن إذ لا تبدل من اليوم لاختلاف الزمانين ، ولا تكون ظرفا لينفع ؛ لأنه لا يعمل فى ظرفين ، ولا لمشتركون ؛ لأن معمول خبر الأحرف الخمسة لا يتقدم عليها ولأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول ، ولأن اشتراكهم فى الآخرة لا فى زمن ظلمهم.

ومما حملوه على التعليل (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) وقوله :

١٢٠ ـ فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش ، وإذ ما مثلهم بشر

[ص ٣٦٣ و ٥١٧ و ٦٠٠]

وقول الأعشى :

١٢١ ـ إنّ محلّا وإن مرتحلا

وإنّ فى السّفر إذ مضوا مهلا

[ص ٢٣٩ و ٦٠٩ و ٦٣١]

أى إن لنا حلولا فى الدنيا وإن لنا ارتحالا عنها إلى الآخرة ، وإن فى الجماعة الذين ماتوا قبلنا إمهالا لنا ، لأنهم مضوا قبلنا وبقينا بعدهم ، وإنما يصح ذلك كله على القول بأن إذ التعليلية حرف كما قدمنا.

والجمهور لا يثبتون هذا القسم ، وقال أبو الفتح : راجعت أبا على مرارا فى قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) الآية ، مستشكلا إبدال إذ من اليوم ، فآخر ما تحصّل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان ، وأنهما فى حكم الله تعالى سواء ، فكأن اليوم ماض ، أو كأن إذ مستقبلة ، انتهى.

٨٢

وقيل : المعنى إذ ثبت ظلمكم. وقيل : التقدير بعد إذ ظلمتم ، وعليهما أيضا فإذ بدل من اليوم ، وليس هذا التقدير مخالفا لما قلناه فى (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) ؛ لأن المدّعى هناك أنها لا يستغنى عن معناها كما يجوز الاستغناء عن يوم فى يومئذ ، لأنها لا تحذف لدليل ، وإذا لم تقدر إذ تعليلا فيجوز أن تكون أنّ وصلتها تعليلا ، والفاعل مستتر راجع إلى قولهم (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) أو إلى القرين ، ويشهد لهما قراءة بعضهم (إِنَّكُمْ) بالكسر على الاستئناف.

والرابع : أن تكون للمفاجأة ، نص على ذلك سيبويه ، وهى الواقعة بعد بينا أو بينما كقوله :

١٢٢ ـ استقدر الله خيرا وارضينّ به

فبينما العسر إذ دارت مياسير

وهل هى ظرف مكان أو زمان ، أو حرف بمعنى المفاجأة ، أو حرف توكيد ، أو زائد؟ أقوال ، وعلى القول بالظرفية فقال ابن جنى : عاملها الفعل الذى بعدها ، لانها غير مضافة إليه ، وعامل «بينا وبينما» محذوف يفسره الفعل المذكور ، وقال الشلوبين : إذ مضافة إلى الجملة ، فلا يعمل فيها الفعل ولا فى بينا وبينما ، لأن المضاف إليه لا يعمل فى المضاف ولا فيما قبله ، وإنما عاملها محذوف يدل عليه الكلام ، وإذ بدل منهما ، وقيل : العامل ما يلى بين بناء على أنها مكفوفة عن الإضافة إليه كما يعمل تالى اسم الشرط فيه ، وقيل : بين خبر لمحذوف ، وتقدير قولك «حينما أنا قائم إذ جاء زيد» بين أوقات قيامى مجىء زيد ، ثم حذف المبتدأ مدلولا عليه بجاء زيد ، وقيل : مبتدأ ، وإذ خبره ، والمعنى حين أنا قائم حين جاء زيد.

وذكر لإذ معنيان آخران ، أحدهما : التوكيد ، وذلك بأن تحمل على الزيادة ، قاله أبو عبيدة ، وتبعه ابن قتيبة ، وحملا عليه آيات منها (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) والثانى : التحقيق كقد ، وحملت عليه الآية ، وليس القولان بشىء ، واختار ابن الشّجرى أنها تقع زائدة بعد بينا وبينما خاصة ، قال : لأنك إذا قلت «بينما أنا

٨٣

جالس إذ جاء زيد» فقدرتها غير زائدة أعملت فيها الخبر ، وهى مضافة إلى جملة جاء زيد ، وهذا الفعل هو الناصب لبين ، فيعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف ، اه. وقد مضى كلام النحويين فى توجيه ذلك ، وعلى القول بالتحقيق فى الآية ، فالجملة معترضة بين الفعل والفاعل.

مسألة ـ تلزم إذ الإضافة إلى جملة ، إما اسمية نحو (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) أو فعلية فعلها ماض لفظا ومعنى نحو (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ) أو فعلية فعلها ماض معنى لا لفظا نحو (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ) (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) وقد اجتمعت الثلاثة فى قوله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) الأولى ظرف لنصره ، والثانية بدل منها ، والثالثة قيل بدل ثان وقيل ظرف لثانى اثنين ، وفيهما وفى إبدال الثانية نظر ، لأن الزمن الثانى والثالث غير الأول فكيف يبدلان منه؟ ثم لا يعرف أن البدل يتكرر إلا فى بدل الإضراب ، وهو ضعيف لا يحمل عليه التنزيل ، ومعنى (ثانِيَ اثْنَيْنِ) واحد من اثنين ، فكيف يعمل فى الظرف وليس فيه معنى فعل؟ وقد يجاب بأن تقارب الأزمنة ينزلها منزلة المتحدة ، أشار إلى ذلك أبو الفتح فى المحتسب ، والظرف يتعلق بوهم الفعل وأيسر روائحه.

وقد يحذف أحد شطرى الجملة فيظن من لا خبرة له أنها أضيفت إلى المفرد كقوله :

١٢٣ ـ هل ترجعنّ ليال قد مضين لنا

والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا؟

والتقدير : إذ ذاك كذلك ، وقال الأخطل :

١٢٤ ـ كانت منازل ألّاف عهدتهم

إذ نحن إذ ذاك دون النّاس إخوانا

٨٤

ألّاف ـ بضم الهمزة ـ جمع آلف بالمد مثل كافر وكفار ، ونحن وذاك مبتدآن حذف خبراهما ، والتقدير : عهدتهم إخوانا إذ نحن متآلفون ؛ إذ ذاك كائن ، ولا تكون إذ الثانية خبرا عن نحن ؛ لأنه زمان ونحن اسم عين ، بل هى ظرف للخبر المقدر ، وإذ الأولى ظرف لعهدتهم ، ودون : إما ظرف له أو للخبر المقدر أو لحال من إخوانا محذوفة ، أى متصافين دون الناس ، ولا يمنع ذلك تنكير صاحب الحال ؛ لتأخره ؛ فهو كقوله :

١٢٥ ـ لمية موحشا طلل

[يلوح كأنّه خلل [ص ٤٣٦ و ٦٥٩]

ولا كونه اسم عين ، لأن دون ظرف مكان لا زمان ، والمشار إليه بذلك التجاوز المفهوم من الكلام.

وقالت الخنساء :

١٢٦ ـ كأن لم يكونوا حمى يتّقى

إذ النّاس إذ ذاك من عزبزّ

إذ الأولى ظرف ليتقى ، أو لحمى ، أو ليكونوا إن قلنا إن لكان الناقصة مصدرا ، والثانية ظرف لبزّ ، ومن : مبتدأ موصول لا شرط ، لأن بزّ عامل فى إذ الثانية ، ولا يعمل ما فى حيز الشرط فيما قبله عند البصريين ، وبز : خبر من ، والجملة خبر الناس ، والعائد محذوف ، أى من عزّ منهم ، كقولهم «السّمن منوان بدرهم» ولا تكون إذ الأولى ظرفا لبزّ ، لأنه جزء الجملة التى أضيفت إذ الأولى إليها ، ولا يعمل شىء من المضاف إليه فى المضاف ، ولا إذ الثانية بدلا من الأولى ، لأنها إنما تكمل بما أضيفت إليه ، ولا يتبع اسم حتى يكمل ، ولا [تكون] خبرا عن الناس ، لأنها زمان والناس اسم عين ، وذاك : مبتدأ محذوف الخبر ، أى كائن ، وعلى ذلك فقس.

وقد تحذف الجملة كلّها للعلم ، ويعوص عنها التنوين ، وتكسر الذال لالتقاء الساكنين ، نحو (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) وزعم الأخفش أن إذ فى ذلك معربة

٨٥

لزوال افتقارها إلى الجملة ، وإن الكسرة إعراب ، لأن اليوم مضاف إليها ، وردّ بأن بناءها لوضعها على حرفين ، وبأن الافتقار باق فى المعنى كالموصول تحذف صلته لدليل ، قال :

١٢٧ ـ نحن الأولى فاجمع جمو

عك ثمّ وجّههم إلينا [ص ٦٢٥]

أى نحن الأولى عرفوا ، وبأن العوض ينزل منزلة المعوض عنه ، فكأنّ المضاف إليه مذكور ، وبقوله :

١٢٨ ـ نهيتك عن طلابك أمّ عمرو

بعافية وأنت إذ صحيح

فأجاب عن هذا بأن الأصل حينئذ ، ثم حذف المضاف وبقى الجر كقراءة بعضهم (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أى ثواب الآخرة.

تنبيه ـ أضيفت «إذ» إلى الجملة الاسمية ، فاحتملت الظرفية والتعليليّة فى قول المتنبى :

١٢٩ ـ أمن ازديارك فى الدّجى الرّقباء

إذ حيث كنت من الظّلام ضياء

وشرحه : أنّ أمن فعل ماض ، فهو مفتوح الآخر ، لا مكسوره على أنه حرف جر كما توهّم شخص ادعى الأدب فى زماننا وأصرّ على ذلك ، والازديار أبلغ من الزيارة كما أن الاكتساب أبلغ من الكسب ، لأن الافتعال للتصرف ، والدال بدل عن التاء ، وفى : متعلقة به ، لا بأمن ؛ لأن المعنى أنهم أمنوا دائما أن تزورى فى الدجى ، وإذ : إما تعليل أو ظرف مبدل من محل فى الدجى ، وضياء : مبتدأ خبره حيث ، وابتدىء بالنكرة لتقدم خبرها عليها ظرفا ، ولأنها موصوفة فى المعنى ، لأن من الظلام صفة لها فى الأصل ، فلما قدمت عليها صارت حالا منها ، ومن للبدل ، وهى متعلقة بمحذوف ، وكان تامة ، وهى وفاعلها خفض بإضافة حيث ، والمعنى : إذ الضياء حاصل فى كل موضع حصلت فيه بدلا من الظلام.

٨٦

(إذ ما) : أداة شرط تجزم فعلين ، وهى حرف عند سيبويه بمنزلة إن الشرطية ، وظرف عند المبرد وابن السراج والفارسى ، وعملها الجزم قليل ، لا ضرورة ، خلافا لبعضهم.

(إذا) على وجهين :

أحدهما : أن تكون للمفاجأة ، فتختص بالجمل الاسمية ، ولا تحتاج إلى جواب ، ولا تقع فى الابتداء ، ومعناها الحال لا الاستقبال ، نحو «خرجت فإذا الأسد بالباب» ومنه (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ).

وهى حرف عند الأخفش ، ويرجّحه قولهم «خرجت فإذا إنّ زيدا بالباب» بكسر إن ، لأن إن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وظرف مكان عند المبرد ، وظرف زمان عند الزجاج ، واختار الأول ابن مالك ، والثانى ابن عصفور ، والثالث الزمخشرىّ ، وزعم أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة ، قال فى قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً) الآية : إن التقدير إذا دعاكم فاجأتم الخروج فى ذلك الوقت ، ولا يعرف هذا لغيره ، وإنما ناصبها عندهم الخبر المذكور فى نحو «خرجت فإذا زيد جالس» أو المقدر فى نحو «فإذا الأسد» أى حاضر ، وإذا قدّرت أنها الخبر فعاملها مستقر أو استقر.

ولم يقع الخبر معها فى التنزيل إلا مصرّحا به نحو (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ) (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ).

وإذا قيل «خرجت فإذا الأسد» صح كونها عند المبرد خبرا ، أى فبالحضرة الأسد ، ولم يصح عند الزجاج ، لأن الزمان لا يخبر به عن الجثة ، ولا عند الأخفش لأن الحرف لا يخبر به ولا عنه ، فإن قلت «فإذا القتال» صحت خبريتها عند غير الأخفش.

وتقول «خرجت فإذا زيد جالس» أو «جالسا» فالرفع على الخبرية ، وإذا

٨٧

نصب به ، والنصب على الحالية والخبر إذا إن قيل بأنها مكان ، وإلا فهو محذوف.

نعم يجوز أن تقدرها خبرا عن الجثة مع قولنا إنها زمان إذا قدرت حذف مضاف كأن تقدر فى نحو «خرجت فإذا الأسد» فإذا حضور الأسد.

مسألة ـ قالت العرب «قد كنت أظنّ أن العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو هى» وقالوا أيضا «فإذا هو إياها» وهذا هو الوجه الذى أنكره سيبويه لمّا سأله الكسائىّ ، وكان من خبرهما أن سيبويه قدم على البرامكة ، فعزم يحيى بن خالد على الجمع بينهما ، فجعل لذلك يوما ، فلما حضر سيبويه تقدّم إليه الفرّاء وخلف ، فسأله خلف عن مسألة فأجاب فيها ، فقال له : أخطأت ، ثم سأله ثانية وثالثة ، وهو يجيبه ، ويقول له : أخطأت ، فقال [له سيبويه] : هذا سوء أدب ، فأقبل عليه الفرّاء فقال له : إن فى هذا الرجل حدّة وعجلة ، ولكن ما تقول فيمن قال «هؤلاء أبون ومررت بأبين» كيف تقول على مثال ذلك من وأيت أو أويت ، فأجابه ، فقال : أعد النظر ، فقال : لست أكلمكما حتى يحضر صاحبكما ، فحضر الكسائى فقال له [الكسائى] : تسألنى أو أسألك؟ فقال له سيبويه : سل أنت ، فسأله عن هذا المثال فقال سيبويه «فإذا هو هى» ولا يجوز النصب ، وسأله عن أمثال ذلك نحو «خرجت فإذا عبد الله القائم ، أو القائم» فقال له : كل ذلك بالرفع ، فقال الكسائى : العرب ترفع كلّ ذلك وتنصب ، فقال يحيى : قد اختلفتما ، وأنتما رئيسا بلديكما ، فمن يحكم بينكما؟ فقال له الكسائى : هذه العرب ببابك ، قد سمع منهم أهل البلدين ، فيحضرون ويسألون ، فقال يحيى وجعفر : أنصفت ، فأحضروا ، فوافقوا الكسائى ، فاستكان سيبويه ، فأمر له يحيى بعشرة آلاف درهم ، فخرج إلى فارس ، فأقام بها حتى مات ، ولم يعد إلى البصرة ، فيقال : إن العرب قد أرشوا على ذلك ، أو إنهم علموا منزلة الكسائى عند الرشيد ، ويقال : إنهم قالوا : القول قول الكسائى ، ولم ينطقوا بالنصب ، وإن سيبويه قال ليحيى : مرهم أن ينطقوا بذلك ، فإنّ ألسنتهم

٨٨

لا تطوع به ، ولقد أحسن الإمام الأديب أبو الحسن حازم بن محمد الأنصارى [القرطاجنّى] إذ قال فى منظومته فى النحو حاكيا هذه الواقعة والمسألة :

والعرب قد تحذف الأخبار بعد إذا

إذا عنت فجأة الأمر الّذى دهما

وربّما نصبوا للحال بعد إذا

وربما رفعوا من بعدها ، ربما

فإن توالى ضميران اكتسى بهما

وجه الحقيقة من إشكاله غمما

لذاك أعيت على الأفهام مسألة

أهدت إلى سيبويه الحتف والغمما

قد كانت العقرب العوجاء أحسبها

قدما أشدّ من الزنبور وقع حما

وفى الجواب عليها هل «إذا هو هي»

أو هل «إذا هو إيّاها» قد اختصما

وخطّأ ابن زياد وابن حمزة فى

ما قال فيها أبا بشر ، وقد ظلما

وغاظ عمرا علىّ فى حكومته

يا ليته لم يكن فى أمره حكما

كغيظ عمرو عليّا فى حكومته

يا ليته لم يكن فى أمره حكما

وفجّع ابن زياد كلّ منتخب

من أهله إذ غدا منه يفيض دما

٨٩

كفجعة ابن زياد كلّ منتخب

من أهله إذا غدا منه يفيض دما

وأصبحت بعده الأنقاس باكية

فى كل طرس كدمع سحّ وانسجما

وليس يخلو امرؤ من حاسد أضم

لو لا التنافس فى الدنيا لما أضما

والغبن فى العلم أشجى محنة علمت

وأبرح النّاس شجوا عالم هضما

وقوله «وربما نصبوا ـ إلخ» أى وربما نصبوا على الحال بعد أن رفعوا ما بعد إذا على الابتداء ، فيقولون «فإذا زيد جالسا».

وقوله «ربما» فى آخر البيت بالتخفيف توكيد لربّما فى أوله بالتشديد.

وغمما فى آخر البيت الثالث بفتح الغين كناية عن الإشكال والخفاء ، وغمما فى آخر البيت الرابع بضمها جمع غمّة.

وابن زياد : هو الفراء ، واسمه يحيى ، وابن حمزة هو الكسائى ، واسمه على ، وأبو بشر : سيبويه ، واسمه عمرو ، وألف «ظلما» للتثنية إن بنيته للفاعل ، وللاطلاق إن بنيته للمفعول ، وعمرو وعلى الأولان : سيبويه والكسائى ، والآخران : ابن العاص وابن أبى طالب رضى الله عنهما ، وحكما الأول اسم ، والثانى فعل ، أو بالعكس دفعا للايطاء ، وزياد الأول : والد الفراء ، والثانى زياد بن أبيه ، وابنه المشار إليه هو ابن مرجانة المرسل فى قتلة الحسين رضى الله عنه ، وأضم كغضب وزنا ومعنى ، وإعجام الضاد ، والوصف منه أضم كفرح ، وهضم : مبنى للمفعول ، أى لم يوف حقه.

وأما سؤال الفراء فجوابه أن أبون جمع أب ، وأب فعل بفتحتين ، وأصله أبو ،

٩٠

فإذا بنينا مثله من أوى أو من وأى قلنا أوّى كهوى ، أو قلنا وأى كهوى أيضا ، ثم تجمعه بالواو والنون فتحذف الألف كما تحذف ألف مصطفى ، وتبقى الفتحة دليلا عليها فتقول : أوون أو وأون رفعا ، وأوين أو وأين جرا ونصبا ، كما تقول فى جمع عصا وقفا اسم رجل عصون وقفون وعصين وقفين ، وليس هذا مما يخفى على سيبويه ولا على أصاغر الطلبة ، ولكنه كما قال أبو عثمان المازنى : دخلت بغداد فألقيت علىّ مسائل فكنت أجيب فيها على مذهبى ، ويخطئوننى على مذاهبهم ، اه وهكذا اتفق لسيبويه رحمه‌الله تعالى.

وأما سؤال الكسائى فجوابه ما قاله سيبويه ، وهو «فإذا هو هى» هذا هو وجه الكلام ، مثل (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ) وأما «فإذا هو إياها» إن ثبت فخارج عن القياس واستعمال الفحصاء ، كالجزم بلن والنصب بلم والجر بلعلّ ، وسيبويه وأصحابه لا يلتفتون لمثل ذلك ، وإن تكلم بعض العرب به.

وقد ذكر فى توجيهه أمور :

أحدها لأبى بكر بن الخياط ، وهو أن «إذا» ظرف فيه معنى وجدت ورأيت ، فجاز له أن ينصب المفعول [كما ينصبه وجدت ورأيت] ، وهو مع ذلك ظرف مخبربه (١) عن الاسم بعده ، انتهى.

وهذا خطأ ، لأن المعانى لا تنصب المفاعيل الصحيحة ، وإنما تعمل فى الظروف والأحوال ، ولأنها تحتاج على زعمه إلى فاعل وإلى مفعول آخر ، فكان حقها أن تنصب ما يليها.

والثانى : أن ضمير النصب استعير فى مكان ضمير الرفع ، قاله ابن مالك ، ويشهد له قراءة الحسن (إياك تعبد) ببناء الفعل للمفعول ، ولكنه لا يتأتّى فيما أجازوه من قولك «فإذا زيد القائم» بالنصب ، فينبغى أن يوجّه هذا على أنه نعت مقطوع ، أو حال على زيادة أل ، وليس ذلك مما ينقاس ، ومن جوّز تعريف

__________________

(١) فى نسخة «يخبر به».

٩١

الحال أو زعم أن إذا تعمل عمل وجدت ، وأنها رفعت عبد الله بناء على أن الظرف يعمل وإن لم يعتمد ، فقد أخطأ ، لأن وجد ينصب الاسمين ، ولأن مجىء الحال بلفظ المعرفة قليل ، وهو قابل للتأويل.

والثالث : أنه مفعول به ، والأصل فإذا هو يساويها ، أو فإذا هو يشابهما ، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير ، وهذا الوجه لابن مالك أيضا ، ونظيره قراءة على رضى الله عنه (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) بالنصب أى نوجد عصبة أو نرى عصبة ، وأما قوله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ) إذا قيل : إن التقدير يقولون ما نعبدهم ، فإنما حسّنه أن إضمار القول مستسهل عندهم.

والرابع : أنه مفعول مطلق ، والأصل : فإذا هو يلسع لسعتها ، ثم حذف الفعل كما تقول «ما زيد إلا شرب الإبل» ثم حذف المضاف ، نقله الشلوبين فى حواشى المفصل عن الأعلم ، وقال : هو أشبه ما وجّه به النصب.

الخامس : أنه منصوب على الحال من الضمير فى الخبر المحذوف ، والأصل : فإذا هو ثابت مثلها ثم حذف المضاف فانفصل الضمير وانتصب فى اللفظ على الحال على سبيل النيابة ، كما قالوا «قضيّة ولا أبا حسن لها» على إضمار مثل ، قاله ابن الحاجب فى أماليه ، وهو وجه غريب ، أعنى انتصاب الضمير على الحال ، وهو مبنى على إجازة الخليل «له صوت صوت الحمار» بالرفع صفة لصوت ، بتقدير مثل ، وأما سيبويه فقال : هذا قبيح ضعيف ، وممن قال بالجواز ابن مالك ، قال : إذا كان المضاف إلى معرفة كلمة «مثل» جاز أن تخلفها المعرفة فى التنكير ، فتقول «مررت برجل زهير» بالخفض صفة للنكرة ، و «هذا زيد زهيرا» بالنصب على الحال ، ومنه قولهم «تفرّقوا أيادى سبا» و «أيدى سبا» وإنما سكنت إلياء مع أنهما منصوبان لثقلهما بالتركيب والإعلال كما فى معديكرب وقال قلا.

والثانى من وجهى إذا : أن تكون لغير مفاجأة ، فالغالب أن تكون ظرفا

٩٢

للمستقبل مضمنة معنى الشرط ، وتختص بالدخول على الجملة الفعلية ، عكس الفجائية ، وقد اجتمعا فى قوله تعالى (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) وقوله تعالى : (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) ويكون الفعل بعدها ماضيا كثيرا ، ومضارعا دون ذلك ، وقد اجتمعا فى قول أبى ذؤيب :

١٣٠ ـ والنّفس راغبة إذا رغّبتها

وإذا تردّ إلى قليل تقنع

وإنما دخلت الشرطية على الاسم فى نحو (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) لأنه فاعل بفعل محذوف على شريطة التفسير ، لا مبتدأ خلافا للأخفش ، وأما قوله :

١٣١ ـ إذا باهلىّ تحته حنظلية

له ولد منها فذاك المذرّع

فالتقدير : إذا كان باهلى ، وقيل : حنظلية فاعل باستقر محذوفا ، وباهلى : فاعل بمحذوف يفسره العامل فى حنظلية ، ويرده أن فيه حذف المفسر ومفسره جميعا ، ويسهله أن الظرف يدل على المفسر ، فكأنه لم يحذف.

ولا تعمل إذا الجزم إلا فى ضرورة كقوله :

١٣٢ ـ استغن ما أغناك ربّك بالغنى

وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (١) [ص ٩٦ و ٦٩٨]

قيل : وقد تخرج عن كل من الظرفية ، والاستقبال ، ومعنى الشرط ، وفى كل من هذه فصل.

__________________

(١) يروى «فتجمل» بالجيم ، وبالحاء المهملة ، وسينشده المؤلف مرة أخرى قريبا (ص ٩٦)

٩٣

الفصل الأول

فى خروجها عن الظّرفية

زعم أبو الحسن فى (حَتَّى إِذا جاؤُها) أن إذا جرّ بحتى ، وزعم أبو الفتح فى (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) الآية فيمن نصب (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) أن إذا الأولى مبتدأ ، والثانية خبر ، والمنصوبين حالان ، وكذا جملة (لَيْسَ) ومعموليها ، والمعنى وقت وقوع الواقعة خافضة لقوم رافعة لآخرين هو وقت رجّ الأرض ، وقال قوم فى «أخطب ما يكون الأمير قائما» : إن الأصل أخطب أوقات أكوان الأمير إذا كان قائما ، أى وقت قيامه ، ثم حذفت الأوقات ونابت ما المصدرية عنها ، ثم حذف الخبر المرفوع ، وهو إذا ، وتبعها كان التامة وفاعلها فى الحذف ، ثم نابت الحال عن الخبر ، ولو كانت «إذا» على هذا التقدير فى موضع نصب لاستحال المعنى كما يستحيل إذا قلت «أخطب أوقات أكوان الأمير يوم الجمعة» إذا نصبت اليوم ، لأن الزمان لا يكون محلا للزمان.

وقالوا فى قول الحماسىّ :

١٣٣ ـ وبعد غد يالهف قلبى من غد

إذا راح أصحابى ولست برائح

إن إذا فى موضع جر بدلا من غد.

وزعم ابن مالك أنها وقعت مفعولا فى قوله عليه الصلاة والسّلام لعائشة رضى الله عنها : «إنّى لأعلم إذا كنت عنّى راضية وإذا كنت علىّ غضبى».

والجمهور على أن «إذا» لا تخرج عن الظرفية ، وأن حتى فى نحو (حَتَّى إِذا جاؤُها) حرف ابتداء دخل على الجملة بأسرها ، ولا عمل له ، وأما (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) فإذا الثانية بدل من الأولى ، والأولى ظرف ، وجوابها محذوف لفهم المعنى ، وحسّنه طول الكلام ، وتقديره بعد إذا الثانية ، أى انقسمتم أقساما (١) ،

__________________

(١) فى نسخة «انقسمتم انقساما» وما أثبتناه أدق.

٩٤

وكنتم أزواجا ثلاثة ، وأما «إذا» فى البيت فظرف للهف ، وأما التى فى المثال ففى موضع نصب ، لأنا لا نقدر زمانا مضافا إلى ما يكون ، إذ لا موجب لهذا التقدير ، وأما الحديث فإذا ظرف لمحذوف ، وهو معمول (١) أعلم ، وتقديره شأنك ونحوه ، كما تعلق إذ بالحديث فى (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ).

الفصل الثانى

فى خروجها عن الاستقبال

وذلك على وجهين :

أحدهما : أن تجىء للماضى كما تجىء (٢) إذ للمستقبل فى قول بعضهم ، وذلك كقوله تعالى : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا) (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) وقوله :

١٣٤ ـ وندمان يزيد الكأس طيبا

سقيت إذا تغوّرت النّجوم

والثانى : أن تجىء للحال ، وذلك بعد القسم ، نحو (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) قيل : لأنها لو كانت للاستقبال لم تكن ظرفا لفعل القسم ، لأنه إنشاء لا إخبار عن قسم يأتى ، لأن قسم الله سبحانه قديم ، ولا لكون محذوف هو حال من والليل والنجم ، لأن الحال والاستقبال متنافيان ، وإذا بطل هذان الوجهان تعين أنه ظرف لأحدهما على أن المراد به الحال ، اه.

والصحيح انه لا يصح التعليق بأقسم الإنشائى ، لأن القديم لا زمان له ، لا حال ولا غيره ، بل هو سابق على الزمان ، وأنه لا يمتنع التعليق بكائنا مع بقاء إذا على الاستقبال ، بدليل صحة مجىء الحال المقدرة باتفاق ، كـ «مررت برجل معه

__________________

(١) فى نسخة «وهو مفعول أعلم»

(٢) فى نسخة «كما جاءت»

٩٥

صقر صائدا به غدا» أى مقدرا الصيد به غدا ، كذا يقدرون ، وأوضح منه أن يقال : مريدا به الصيد غدا ، كما فسر قمتم فى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) بأردتم.

مسألة ـ فى ناصب إذا مذهبان ، أحدهما : أنه شرطها ، وهو قول المحققين ، فتكون بمنزلة متى وحيثما وأيّان ، وقول أبى البقاء إنه مردود بأن المضاف إليه لا يعمل فى المضاف غير وارد ، لأن إذا عند هؤلاء غير مضافة ، كما يقوله الجميع إذا جزمت كقوله :

*وإذا تصبك خصاصة فتحمل (١)* [١٣٢]

والثانى : أنه ما فى جوابها من فعل أو شبهه ، وهو قول الأكثرين ، ويرد عليهم أمور :

أحدها : أن الشرط والجزاء عبارة عن جملتين تربط بينهما الأداة ، وعلى قولهم تصير الجملتان واحدة ، لأن الظرف عندهم من جملة الجواب والمعمول داخل فى جملة عامله.

والثانى : أنه ممتنع فى قول زهير :

١٣٥ ـ بدا لى أنّى لست مدرك ما مضى

ولا سابقا شيئا إذا كان جائيا

[ص ٢٨٨ و ٤٦٠ و ٤٧٦ و ٤٧٨ و ٥٥١ و ٦٧٨]

لأن الجواب محذوف ، وتقديره إذا كان جائيا فلا أسبقه ، ولا يصح أن يقال : لا أسبق شيئا وقت مجيئه ، لأن الشىء إنما يسبق قبل مجيئه ، وهذا لازم لهم أيضا إن أجابوا بأنها غير شرطية وأنها معمولة لما قبلها وهو سابق ، وأما على القول الأول فهى شرطية محذوفة الجواب وعاملها إما خبر كان أو نفس كان إن قلنا بدلالتها على الحدث

والثالث : أنه يلزمهم فى نحو «إذا جئتنى اليوم أكرمتك غدا» أن يعمل أكرمتك فى ظرفين متضادين ، وذلك باطل عقلا ؛ إذ الحدث الواحد المعين لا يقع بتمامه فى زمانين ، وقصدا ؛ إذ المراد وقوع الإكرام فى الغد لا فى اليوم.

__________________

(١) يروى قوله «فتحمل» بالحاء المهملة ، وبالجيم.

٩٦

فإن قلت : فما ناصب اليوم على القول الأول؟ وكيف يعمل العامل الواحد فى ظرفى زمان.؟

قلنا : لم يتضادا كما فى الوجه السابق ، وعمل العامل فى ظرفى زمان يجوز إذا كان أحدهما أعمّ من الآخر نحو «آتيك يوم الجمعة سحر» ؛ وليس بدلا ؛ لجواز «سير عليه يوم الجمعة سحر» برفع الأول ونصب الثانى ، ونص عليه سيبويه ، وأنشد للفرزدق :

١٣٦ ـ متى تردن يوما سفار تجد بها

أديهم يرمى المستجيز المعوّرا

فيوما يمتنع أن يكون بدلا من متى ؛ لعدم اقترانه بحرف الشرط ، ولهذا يمتنع فى اليوم فى المثال أن يكون بدلا من إذا ، ويمتنع أن يكون ظرفا لتجد ؛ لئلا ينفصل ترد من معموله وهو سفار بالأجنبى ؛ فتعين أنه ظرف ثان لترد.

والرابع : أن الجواب ورد مقرونا بإذا الفجائية نحو (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) وبالحرف الناسخ نحو «إذا جئتنى اليوم فإنّى أكرمك» وكل منهما لا يعمل ما بعده فيما قبله ، وورد أيضا والصالح فيه للعمل صفة كقوله تعالى (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) ولا تعمل الصفة فيما قبل الموصوف ، وتخريج بعضهم هذه الآية على أن إذا مبتدأ وما بعد الفاء خبر لا يصح إلا على قول أبى الحسن ومن تابعه فى جواز تصرف إذا وجواز زيادة الفاء فى خبر المبتدأ ؛ لأن عسر اليوم ليس مسببا عن النّقر ، والجيد أن تخرج على حذف الجواب مدلولا عليه بعسير ، أى عسر الأمر ، وأما قول أبى البقاء إنه يكون مدلولا عليه بذلك فإنه إشارة إلى النقر فمردود ؛ لأدائه إلى اتحاد السبب والمسبب ، وذلك ممتنع ، وأما نحو «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله

٩٧

ورسوله» فمؤول على إقامة السبب مقام المسبب ؛ لاشتهار المسبب ، أى فقد استحقّ الثواب العظيم المستقر للمهاجرين.

قال أبو حيان : ورد مقرونا بما النافية نحو (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ) الآية ، وما النافية لها الصّدر ، انتهى.

وليس هذا بجواب ، وإلا لاقترن بالفاء ، مثل (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) وإنما الجواب محذوف ، أى عمدوا إلى الحجج الباطلة.

وقول بعضهم إنه جواب على إضمار الفاء مثل (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) مردود بأن الفاء لا تحذف إلا ضرورة ، كقوله :

*من يفعل الحسنات الله يشكرها* [٨١]

والوصية فى الآية نائب عن فاعل كتب ، وللوالدين : متعلق بها ، لا خبر ، والجواب محذوف ، أى فليوص.

وقول ابن الحاجب «إنّ إذا هذه غير شرطية فلا تحتاج إلى جواب ، وإن عاملها ما بعد ما النافية كما عمل ما بعد لا فى يوم من قوله تعالى (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) وإن ذلك من التوسع فى الظرف» مردود بثلاثة أمور :

أحدها : أن مثل هذا التوسع خاص بالشعر كقوله :

١٣٧ ـ *ونحن عن فضلك ما استغنينا*

[ص ٢٦٩ و ٣١٧ و ٥٣٩ و ٦٩٤]

والثانى : أن ما لا تقاس على لا ؛ فإن مالها الصّدر مطلقا بإجماع البصريين ، واختلفوا فى لا ؛ فقيل : لها الصدر مطلقا ، وقيل : ليس لها الصدر مطلقا لتوسطها بين العامل والمعمول فى نحو «إن لا تقم أقم» و «جاء بلا زاد» وقوله :

١٣٨ ـ ألا إنّ قرطا على آلة

ألا إنّنى كيده لا أكيد

وقيل : إن وقعت لا فى جواب (١) القسم فلها الصدر ؛ لحلولها محلّ أدوات الصّدر ، وإلا

__________________

(١) فى نسخة «إن وقعت فى صدر جواب القسم فلها الصدر».

٩٨

فلا ، وهذا هو الصحيح ، وعليه اعتمد سيبويه ؛ إذ جعل انتصاب «حبّ العراق» فى قوله :

١٣٩ ـ آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه

[والحبّ يأكله فى القرية السّوس]

[ص ٢٤٥ و ٥٩٠ و ٦٠٠]

على التوسع وإسقاط الخافض وهو على ، ولم يجعله من باب «زيدا ضربته» لأن التقدير لا أطعمه ، ولا هذه لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وما لا يعمل لا يفسر فى هذا الباب عاملا.

والثالث : أن «لا» فى الآية حرف ناسخ مثله فى نحو «لا رجل» والحرف الناسخ لا يتقدّمه معمول ما بعده ، ولو لم يكن نافيا ، لا يجوز «زيدا إنّى أضرب» فكيف وهو حرف نفى؟ بل أبلغ من هذا أن العامل الذى بعده مصدر ، وهم يطلقون القول بأن المصدر لا يعمل فيما قبله ، وإنما العامل محذوف ، أى اذكر يوم ، أو يعذبون يوم.

ونظير ما أورده أبو حيان على الأكثرين أن يورد عليهم قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) فيقال : لا يصح لجديد أن يعمل فى إذا ؛ لأن إنّ ولام الابتداء يمنعان من ذلك لأن لهما الصّدر ، وأيضا فالصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف. والجواب أيضا أن الجواب محذوف مدلول عليه بجديد ، أى إذا مزقتم تجددون ؛ لأن الحرف الناسخ لا يكون فى أول الجواب إلا وهو مقرون بالفاء ، نحو (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) وأما (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) فالجملة جواب لقسم محذوف مقدر قبل الشرط ، بدليل (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ) الآية ، ولا يسوغ أن يقال : قدرها خالية من معنى الشرط ، فتستغنى عن جواب ، وتكون معمولة لما قبلها وهو (قالَ) أو (نَدُلُّكُمْ) أو (يُنَبِّئُكُمْ) لأن هذه الأفعال لم تقع فى ذلك الوقت.

٩٩

الفصل الثالث

فى خروج إذا عن الشرطية

ومثاله قوله تعالى (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) وقوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) فإذا فيهما ظرف لخبر المبتدأ بعدها ، ولو كانت شرطية والجملة الاسمية جوابا لاقترنت بالفاء مثل (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقول بعضهم «إنه على إضمار الفاء» تقدم ردّه ، وقول آخر «إن الضمير توكيد لا مبتدأ ، وإن ما بعده الجواب» ظاهر التعسّف ، وقول آخر «إن جوابها محذوف مدلول عليه بالجملة بعدها» تكلف من غير ضرورة.

ومن ذلك إذا التى بعد القسم نحو (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) إذ لو كانت شرطية كان ما قبلها جوابا فى المعنى كما فى قولك «آتيك إذا أتيتنى» فيكون التقدير إذا يغشى الليل وإذا هوى النجم أقسمت.

وهذا ممتنع ؛ لوجهين :

أحدهما : أن القسم الإنشائى لا يقبل التعليق ؛ لأن الإنشاء إيقاع ، والمعلّق يحتمل الوقوع وعدمه ، فأما «إن جاءنى فو الله لأكرمنّه» فالجواب فى المعنى فعل الإكرام ؛ لأنه المسبّب عن الشرط ، وإنما دخل القسم بينهما لمجرد التوكيد ، ولا يمكن ادعاء مثل ذلك هنا ، لأن جواب والليل ثابت دائما ، وجواب والنجم ماض مستمر الانتفاء ؛ فلا يمكن تسببهما عن أمر مستقبل وهو فعل الشرط.

والثانى : أن الجواب خبرى ، فلا يدل عليه الإنشاء ، لتباين حقيقتهما.

(أيمن) المختص بالقسم ، اسم لا حرف ، خلافا للزجاج والرمانى ، مفرد مشتق من اليمن [وهو البركة] وهمزته وصل ، لا جمع يمين وهمزته قطع ، خلافا

١٠٠