مغنى اللبيب - ج ١

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٦
الجزء ١ الجزء ٢

٨٤ ـ قد قيل ذلك إن حقّا وإن كذبا

[فما اعتذارك من قول إذا قيلا؟]

وهذه المعانى لأو كما سيأتى ، إلا أن إمّا يبنى الكلام معها من أول الأمر على ما جىء بها لأجله من شك وغيره ، ولذلك وجب تكرارها فى غير ندور ، وأو يفتتح الكلام معها على الجزم ثم يطرأ الشك أو غيره ، ولهذا لم تتكرر.

وقد يستغنى عن إمّا الثانية بذكر ما يغنى عنها نحو «إما أن تتكلّم بخير وإلّا فاسكت» وقول المثقّب العبدى :

٨٥ ـ فإمّا أن تكون أخى بصدق

فأعرف منك غثّى من سمينى (١)

وإلّا فاطّرحنى واتّخذنى

عدوّا أتّقيك وتتّقينى

وقد يستغنى عن الأولى لفظا كقوله :

*سقنه الرّواعد من صيّف* [٨٢]

البيت ، وقد تقدم ، وقوله :

٨٦ ـ تلمّ بدار قد تقادم عهدها

وإمّا بأموات ألم حيالها

أى إما بدار ، والفراء يقيسه ؛ فيجيز «زيد يقوم وإما يقعد» كما يجوز «أو يقعد».

تنبيه ـ ليس من أقسام إمّا التى فى قوله تعالى (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) بل هذه إن الشرطية وما الزائدة.

(أو) ـ حرف عطف ، ذكر له المتأخرون معانى انتهت إلى اثنى عشر.

الأول : الشك ، نحو (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).

والثانى : الإبهام ، نحو (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الشاهد فى الأولى ، وقول الشاعر :

__________________

(١) فى نسخة «فإمّا أن تكون أخى بحق».

٦١

٨٧ ـ نحن أو أنتم الأولى ألفوا الحق ؛

فبعدا للمبطلين وسحقا.

والثالث : التخيير ، وهى الواقعة بعد الطلب ، [و] قبل ما يمتنع فيه الجمع نحو «تزوّج هندا أو أختها» و «خذ من مالى دينارا أو درهما».

فإن قلت : فقد مثل العلماء بآيتى الكفارة والفدية للتخيير مع إمكان الجمع.

قلت : لا يجوز الجمع بين الإطعام والكسوة والتحرير على أنّ الجميع الكفارة (١) ولا بين الصيام والصدقة والنسك على أنهنّ الفدية ، بل تقع واحدة منهن كفارة أو فدية والباقى قربة مستقلة خارجة عن ذلك.

والرابع : الإباحة ، وهى الواقعة بعد الطلب وقبل ما يجوز فيه الجمع ، نحو «جالس العلماء أو الزهّاد» و «تعلم الفقه أو النحو» وإذا دخلت لا الناهية امتنع فعل الجميع نحو (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) إذ المعنى لا تطع أحدهما ، فأيهما فعله فهو أحدهما ، وتلخيصه أنها تدخل للنّهى عما كان مباحا ، وكذا حكم النهى الداخل على التخيير ، وفاقا للسيرافى ، وذكر ابن مالك أن أكثر ورود أو «للاباحة» فى التشبيه نحو (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) والتقدير نحو (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) فلم يخصها بالمسبوقة بالطلب.

والخامس : الجمع المطلق كالواو ، قاله الكوفيون والأخفش والجرمى ، واحتجوا بقول توبة :

٨٨ ـ وقد زعمت ليلى بأنّى فاجر

لنفسى تقاها أو عليها فجورها

وقيل : أو فيه للابهام ، وقول جرير :

٨٩ ـ جاء الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر

__________________

(١) فى نسخة «قلت : لا يجوز الجمع بين الإطعام والكسوة والتحرير اللاتى كل منهن كفارة» وكذا فيما بعده ، والذى أثبتناه أظهر.

٦٢

والذى رأيته فى ديوان جرير «إذ كانت» وقوله :

٩٠ ـ وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما

أو يسرحوه بها ، واغبرّت السّوح

أى : وكان الشأن أن لا يرعوا الإبل وأن يرعوها سيان لوجود القحط ، وإنما قدرنا «كان» شانية لئلا يلزم الإخبار عن النكرة بالمعرفة ، وقول الراجز :

٩١ ـ إنّ بها أكتل أو رزاما

خوير بين ينقفان الهاما

إذ لم يقل «خويربا» كما تقول «زيد أو عمرو لص» ولا تقول لصان ، وأجاب الخليل عن هذا بأن «خوير بين» بتقدير «أشتم» لا نعت تابع ، وقول النابغة :

٩٢ ـ قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فقد

فحسبوه فالفوه كما ذكرت

ستّا وستّين لم تنقص ولم تزد (١)

[ص ٢٨٦ ، ٣٠٨]

ويقوّيه أنه روى «ونصفه» وقوله :

٩٣ ـ قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم

ما بين ملجم مهره أو سافع

ومن الغريب أن جماعة ـ منهم ابن مالك ـ ذكروا مجىء أو بمعنى الواو ، ثم ذكروا أنها تجىء بمعنى «ولا» نحو (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) وهذه هى تلك بعينها ، وإنما جاءت «لا» توكيدا للنفى السابق ، ومانعة من توهم تعليق النفى بالمجموع ، لا بكل واحد ، وذلك مستفاد من دليل خارج عن اللفظ وهو الإجماع ، ونظيره قولك «لا يحلّ [لك] الزنا والسّرقة» ولو تركت لا فى التقدير لم يضر ذلك.

وزعم ابن مالك أيضا أن «أو» التى للاباحة حالّة محلّ الواو ، وهذا أيضا

__________________

(١) فى أكثر النسخ «تسعا وتسعين» ولها وجه لا بأس به.

٦٣

مردود ؛ لأنه لو قيل «جالس الحسن وابن سيرين» كان المأمور به مجالستهما [معا] ولم يخرج المأمور عن العهدة بمجالسة أحدهما ، هذا هو المعروف من كلام النحويين ، ولكن ذكر الزمخشرى عند الكلام على قوله تعالى : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) أن الواو تأتى للاباحة ، نحو «جالس الحسن وابن سيرين» وأنه إنما جىء بالفذلكة دفعا لتوهم إرادة الإباحة فى (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) وقلّده فى ذلك صاحب الإيضاح البيانى ، ولا تعرف هذه المقالة لنحوى.

والسادس : الإضراب كبل ، فعن سيبويه إجازة ذلك بشرطين : تقدم نفى أو نهى ، وإعادة العامل ، نحو «ما قام زيد أو ما قام عمرو» و «لا يقم زيد أو لا يقم عمرو» ونقله عنه ابن عصفور ، ويؤيده أنه قال فى (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ولو قلت أو لا تطع كفورا انقلب لمعنى ، يعنى أنه يصير إضرابا عن النهى الأول ونهيا عن الثانى فقط ، وقال الكوفيون وأبو على وأبو الفتح وابن برهان : تأتى للاضراب مطلقا ، احتجاجا بقول جرير :

٩٤ ـ ماذا ترى فى عيال قد برمت بهم

لم أحص عدّتهم إلّا بعدّاد؟

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية

لو لا رجاؤك قد قتلت أولادى [ص ٢٧]

وقراءة أبى السّمال (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) بسكون واو «أو» ، واختلف فى (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) فقال الفراء : بل يزيدون ، هكذا جاء فى التفسير مع صحته فى العربية. وقال بعض الكوفيين : بمعنى الواو ، وللبصريين فيها أقوال ؛ قيل : للابهام ، وقيل : للتخيير ؛ أى إذا رآهم الرائى تخير بين أن يقول هم مائة ألف أو يقول هم أكثر ؛ نقله ابن الشجرى عن سيبويه ؛ وفى ثبوته عنه نظر ؛ ولا يصح التخيير بين شيئين الواقع أحدهما ؛ وقيل : هى للشك

٦٤

مصروفا إلى الرائى ، ذكره ابن جنى ، وهذه الأقوال ـ غير القول بأنها بمعنى الواو ـ مقولة فى (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)

والسابع : التقسيم ، نحو «الكلمة اسم أو فعل أو حرف» ذكره ابن مالك فى منظومته [الصغرى] وفى شرح الكبرى ، ثم عدل عنه فى التسهيل وشرحه فقال : تأتى للتفريق المجرّد من الشك والإبهام والتخيير ، وأما هذه الثلاثة فإن مع كل منها تفريقا مصحوبا بغيره ، ومثل بنحو (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) قال : وهذا أولى من التعبير بالتقسيم ؛ لأن استعمال الواو فى التقسيم أجود نحو «الكلمة اسم وفعل وحرف» وقوله :

٩٥ ـ [وننصر مولانا ، ونعلم أنّه]

كما النّاس مجروم عليه وجارم

[ص ٣١٣ و ٣٥٨]

ومن مجيئه بأو قوله :

٩٦ ـ فقالوا : لنا ثنتان ، لا بدّ منهما

صدور رماح أشرعت أو سلاسل

انتهى ، ومجىء الواو فى التقسيم أكثر لا يقتضى أن «أو» لا تأتى له ، بل إثباته الأكثرية للواو يقتضى ثبوته بقلة لأو ، وقد صرح بثبوته فى البيت الثانى ، وليس فيه دليل ، لاحتمال أن يكون المعنى لا بد من أحدهما ، فحذف المضاف كما قيل فى (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) وغيره عدل عن العبارتين ، فعبّر بالتفصيل ، ومثّله بقوله تعالى (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) (قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) إذ المعنى : وقالت اليهود كونوا هودا ، وقالت النصارى كونوا نصارى ، وقال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : مجنون فأو فيهما لتفصيل الإجمال فى (قالُوا) وتعسّف ابن الشجرى فقال فى الآية الأولى : إنها حذف منها مضاف

٦٥

وواو وجملتان فعليّتان ، وتقديره : وقال بعضهم ـ يعنى اليهود ـ كونوا هودا ، وقال بعضهم ـ يعنى النصارى ـ كونوا نصارى ، قال : فأقام (أَوْ نَصارى) مقام ذلك كله ، وذلك دليل على شرف هذا الحرف ، انتهى.

والثامن : أن تكون بمعنى «إلا» فى الاستثناء ، وهذه ينتصب المضارع بعدها بإضمار أن كقولك «لأقتلنّه أو يسلم» وقوله :

٩٧ ـ وكنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما

وحمل عليه يعض المحققين قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) فقدر (تَفْرِضُوا) منصوبا بأن مضمرة ، لا مجزوما بالعطف على (تَمَسُّوهُنَّ) لئلا يصير المعنى لا جناح عليكم فيما يتعلق بمهور النساء إن طلقتموهن فى مدة انتفاء أحد هذين الأمرين ، مع أنه إذا انتفى الفرض دون المسيس لزم مهر المثل ، وإذا انتفى المسيس دون الفرض لزم نصف المسمّى ، فكيف يصح نفى الجناح عند انتفاء أحد الأمرين؟ ولأن المطلقات المفروض لهنّ قد ذكرن ثانيا بقوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية ، وترك ذكر الممسوسات لما تقدم من المفهوم ، ولو كان (تَفْرِضُوا) مجزوما لكانت المسوسات والمفروض لهن مستويين فى الذكر ، وإذا قدرت «أو» بمعنى إلا خرجت المفروض لهنّ عن مشاركة الممسوسات فى الذكر.

وأجاب ابن الحاجب عن الأول بمنع كون المعنى مدة انتفاء أحدهما ، بل مدة لم يكن واحد منهما ، وذلك بنفيهما جميعا ، لأنه نكرة فى سياق النفى الصريح ، بخلاف الأول ، فإنه لا ينفى إلا أحدهما.

وأجاب بعضهم عن الثانى بأن ذكر المفروض لهن إنما كان لتعيين النصف لهن ، لا لبيان أن لهنّ شيئا فى الجملة.

وقيل : أو بمعنى الواو ، ويؤيده قول المفسرين : إنها نزلت فى رجل أنصارى طلّق امرأته قبل المسيس وقبل الفرض ، وفيها قول آخر سيأتى.

٦٦

والتاسع : أن تكون بمعنى «إلى» وهى كالتى قبلها فى انتصاب المضارع بعدها بأن مضمرة ، نحو «لألزمنّك أو تقضينى حقى» وقوله :

٩٨ ـ لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى

فما انقادت الآمال إلّا لصابر

ومن قال فى (أَوْ تَفْرِضُوا) إنه منصوب جوّز هذا المعنى فيه ، ويكون غاية لنفى الجناح ، لا لنفى المسيس ، وقيل : أو بمعنى الواو.

والعاشر : التقريب ، نحو «ما أدرى أسلّم أو ودّع» قاله الحريرى وغيره.

الحادى عشر : الشرطية ، نحو «لأضربنّه عاش أو مات» أى إن عاش بعد الضرب وإن مات ، ومثله «لآتينّك أعطيتنى أو حرمتنى» قاله ابن الشجرى.

الثانى عشر : التبعيض ، نحو (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) نقله ابن الشجرى عن بعض الكوفيين ، والذى يظهر لى أنه إنما أراد معنى التفصيل السابق ؛ فإن كل واحد مما قبل «أو» التفصيلية وما بعدها بعض لما تقدم عليهما من المجمل ، ولم يرد أنها ذكرت لتفيد مجرد معنى التبعيض.

تنبيه ـ التحقيق أن «أو» موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء ، وهو الذى يقوله المتقدمون ، وقد تخرج إلى معنى بل ، وإلى معنى الواو ، وأما بقية المعانى فمستفادة من غيرها ، ومن العجب أنهم ذكروا أن من معانى صيغة افعل التخيير والإباحة ، ومثّلوه بنحو «خذ من مالى درهما أو دينارا» أو «جالس الحسن أو ابن سيرين» ثم ذكروا أن أو تفيدهما ، ومثلوا بالمثالين المذكورين لذلك ، ومن البين الفساد هذا المعنى العاشر ، وأو فيه إنما هى للشك على زعمهم ، وإنما استفيد [معنى] التقريب من إثبات اشتباه السّلام بالتوديع ؛ إذ حصول ذلك ـ مع تباعد ما بين الوقتين ـ ممتنع أو مستبعد ، وينبغى لمن قال إنها تأتى للشرطية أن يقول وللعطف لأنه قدّر مكانها وإن ، والحقّ أن الفعل الذى قبلها دالّ على معنى حرف

٦٧

الشرط كما قدّره هذا القائل ، وأنّ أو على بابها ، ولكنها لما عطفت على ما فيه معنى الشرط دخل المعطوف فى معنى الشرط.

(ألا) بفتح الهمزة والتخفيف ـ على خمسة أوجه :

أحدها : أن تكون للتنبيه ؛ فتدلّ على تحقق ما بعدها ، وتدخل على الجملتين ، نحو (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) ويقول المعربون فيها : حرف استفتاح ؛ فيبينون مكانها ، ويهملون معناها ، وإفادتها التحقيق من جهة تركيبها من الهمزة ولا ، وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفى أفادت التحقيق ، نحو (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى؟) قال الزمخشرى : ولكونها بهذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدّرة بنحو ما يتلقى به القسم ، نحو (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) وأختها «أما» من مقدّمات اليمين وطلائعه كقوله :

٩٩ ـ أما والّذى لا يعلم الغيب غيره

ويحيى العظام البيض وهى رميم

وقوله :

أما والّذى أبكى وأضحك ، والّذى

أمات وأحيا ، والّذى أمره الأمر [٧٥]

والثانى : التوبيخ والإنكار(١) ، كقوله :

١٠٠ ـ ألا طعان ألا فرسان عادية

إلّا تجشّؤكم حول التّنانير [ص ٣٥٠]

وقوله :

١٠١ ـ ألا ارعواء لمن ولّت شبيبته

وآذنت بمشيب بعده هرم

__________________

(١) ظاهر كلامه أن المفيد للتوبيخ والإنكار هو «ألا» برمتها ، والذى عليه الأئمّة أن المفيد لهما هو الهمزة وحدها ، وأن «لا» باقية الدلالة على النفى.

٦٨

والثالث : التمنى ، كقوله :

١٠٣ ـ ألا عمر ولّى مستطاع رجوعه

فيرأب ما أثأت يد الغفلات [ص ٣٨١]

ولهذا نصب «يرأب» لأنه جواب تمنّ مقرون بالفاء.

والرابع : الاستفهام عن النفى، كقوله :

ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد

إذا ألاقى الذى لاقاه أمثالى؟ [١٠]

وفى هذا البيت ردّ على من أنكر وجود هذا القسم ، وهو الشلوبين.

وهذه الأقسام الثلاثة مختصة بالدخول على الجملة الاسمية ، وتعمل عمل «لا» التّبرئة ، ولكن تختصّ التى للتمنى بأنها لا خبر لها لفظا وتقديرا (١) ، وبأنها لا يجوز مراعاة محلّها مع اسمها ، وأنها لا يجوز إلغاؤها ولو تكررت ؛ أما الأول فلأنها بمعنى أتمنى ، وأتمنى لا خبر له ، وأما الآخران فلأنها بمنزلة ليت ، وهذا كله قول سيبويه ومن وافقه ، وعلى هذا فيكون قوله فى البيت «مستطاع رجوعه» مبتدأ وخبر على التقديم والتأخير ، والجملة صفة ثانية على اللفظ ، ولا يكون «مستطاع» خبرا أو نعتا على المحل و «رجوعه» مرفوع به عليهما لما بينا (٢).

والخامس : العرض والتحضيض ، ومعناهما : طلب الشىء ، لكن الغرض طلب بلين ، والتحضيض طلب بحثّ ، وتختص ألا هذه بالفعلية ، نحو (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) ومنه عند الخليل قوله :

١٠٣ ـ ألا رجلا جزاه الله خيرا

يدلّ على محصّلة تبيت

[ص ٢٥٥ و ٦٠٠]

والتقدير عنده «ألا تروننى رجلا هذه صفته» فحذف الفعل مدلولا عليه بالمعنى ، وزعم بعضهم أنه محذوف على شريطة التفسير ، أى ألا جزى الله رجلا جزاه خيرا ،

__________________

(١) فى نسخة «لفظا ولا تقديرا».

(٢) فى نسخة «كما بينا».

٦٩

وألا على هذا للتنبيه ، وقال يونس : ألا للتمنى ، ونوّن اسم «لا» للضرورة ، وقول الخليل أولى ؛ لأنه لا ضرورة فى إضمار الفعل ، بخلاف التنوين ، وإضمار الخليل أولى من إضمار غيره ؛ لأنه لم يرد أن يدعو لرجل على هذه الصفة ، وإنما قصده طلبه ، وأما قول ابن الحاجب فى تضعيف هذا القول «إنّ يدلّ صفة لرجل فيلزم الفصل بينهما بالجملة المفسرة وهى أجنبية» فمردود بقوله تعالى (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) ثم الفصل بالجملة لازم وإن لم تقدر مفسرة ، إذ لا تكون صفة ؛ لأنها إنشائية.

(إلّا) ـ بالكسر والتشديد ـ على أربعة أوجه :

أحدها : أن تكون للاستثناء ، نحو (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً) وانتصاب ما بعدها فى هذه الآية ونحوها بها على الصحيح ، ونحو (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) وارتفاع ما بعدها فى هذه الآية ونحوها على أنه بدل بعض من كل عند البصريين ويبعده أنه لا ضمير معه فى نحو «ما جاءنى أحد إلا زيد» كما فى [نحو] «أكلت الرغيف ثلثه» وأنه مخالف للمبدل منه فى النفى والإيجاب ، وعلى أنه معطوف على المستثنى منه و «إلّا» حرف عطف عند الكوفيين ، وهى عندهم بمنزلة «لا» العاطفة فى أن ما بعدها مخالف لما قبلها ، لكن ذاك منفى بعد إيجاب ، وهذا موجب بعد نفى ، وردّ بقولهم «ما قام إلّا زيد» وليس شىء من أحرف العطف يلى العامل ، وقد يجاب بأنه ليس تاليها فى التقدير ؛ إذ الأصل «ما قام أحد إلا زيد».

الثانى : أن تكون بمنزلة غير فيوصف بها وبتاليها ، جمع منكر أو شبهه.

فمثال الجمع المنكر (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) فلا يجوز فى إلا هذه أن تكون للاستثناء ، من جهة المعنى ، إذ التقدير حينئذ لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا ، وذلك يقتضى بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا ، وليس ذلك المراد ، ولا من جهة اللفظ ، لأن آلهة جمع منكر فى الإثبات فلا عموم له

٧٠

فلا يصحّ الاستثناء منه ، فلو قلت «قام رجال إلا زيدا» لم يصح اتفاقا ، وزعم المبرد أن «إلّا» فى هذه الآية للاستثناء ، وأن ما بعدها بدل ، محتجا بأن «لو» تدل على الامتناع ، وامتناع الشىء انتفاؤه ، وزعم أن التفريغ بعدها جائز ، وأن نحو «لو كان معنا إلّا زيد» أجود كلام ، ويردّه أنهم لا يقولون «لو جاءنى ديّار أكرمته» ولا «لو جاءنى من أحد أكرمته» ولو كانت بمنزلة الثانى لجاز ذلك كما يجوز «ما فيها ديّار» و «ما جاءنى من أحد» ولما لم يجز ذلك دلّ على أن الصواب قول سيبويه إنّ إلّا وما بعدها صفة.

قال الشلوبين وابن الضائع : ولا يصح المعنى حتى تكون إلا بمعنى غير ، والتى يراد بها البدل والعوض ، قالا : وهذا هو المعنى فى المثال الذى ذكره سيبويه توطئة للمسألة ، وهو «لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا» أى : رجل مكان زيد أو عوضا من زيد ، انتهى.

قلت : وليس كما قالا ، بل الوصف فى المثال وفى الآية مختلف ، فهو فى المثال مخصّص مثله فى قولك «جاء رجل موصوف بأنه غير زيد» وفى الآية مؤكّد مثله فى قولك «متعدد موصوف بأنه غير الواحد» وهكذا الحكم أبدا :

إن طابق ما بعد إلّا موصوفها فالوصف مخصّص له ، وإن خالفه بإفراد أو غيره فالوصف مؤكد ، ولم أر من أفصح عن هذا ، لكن النحويين قالوا : إذا قيل «له عندى عشرة إلا درهما» فقد أقر له بتسعة ، فإن قال «إلّا درهم» فقد أقر له بعشرة ، وسرّه أن المعنى حينئذ عشرة موصوفة بأنها غير درهم ، وكلّ عشرة فهى موصوفة بذلك ، فالصفة هنا مؤكدة صالحة للاسقاط مثلها فى (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ)(١) وتتخرج الآية على ذلك ، إذ المعنى حينئذ لو كان فيهما آلهة لفسدتا ، أى أن الفساد يترتب على تقدير تعدّد الآلهة ، وهذا هو المعنى المراد

__________________

(١) فى نسخة «مثلها فى (نَعْجَةٌ واحِدَةٌ)» وكلتاهما صحيح.

٧١

ومثال المعرف الشبيه بالمنكر قوله :

١٠٤ ـ أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة

قليل بها الأصوات إلّا بغامها [ص ٣١٦]

فإن تعريف «الأصوات» تعريف الجنس.

ومثال شبه الجمع قوله :

١٠٥ ـ لو كان غيرى سليمى الدّهر غيّره

وقع الحوادث إلّا الصّارم الذّكر

فإلّا الصارم : صفة لغيرى.

ومقتضى كلام سيبويه أنه لا يشترط كون الموصوف جمعا أو شبهه ، لتمثيله بـ «لو كان معنا رجل إلّا زيد لغلبنا» وهو لا يجرى «لو» مجرى النفى ، كما يقول المبرد.

وتفارق إلا هذه غيرا من وجهين :

أحدهما : أنه لا يجوز حذف موصوفها ، لا يقال «جاءنى إلّا زيد» ويقال «جاءنى غير زيد» ونظيرها فى ذلك الجمل والظروف ، فإنها تقع صفات ، ولا يجوز أن تنوب عن موصوفاتها.

والثانى : أنه لا يوصف بها إلا حيث يصح الاستثناء ، فيجوز «عندى درهم إلا دانق» لأنه يجوز إلا دانقا ، ويمتنع «إلا جيد» ، لأنه يمتنع إلا جيدا ، ويجوز «درهم غير جيد» قاله جماعات ، وقد يقال : إنه مخالف لقولهم فى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) الآية ، ولمثال سيبويه «لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا»

وشرط ابن الحاجب فى وقوع إلا صفة تعذر الاستثناء ، وجعل من الشاذ قوله :

١٠٦ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان

[ص ٥٦٨]

٧٢

والوصف هنا مخصص لا مؤكد ، كما بينت (١) من القاعدة.

والثالث : أن تكون عاطفة بمنزلة الواو فى التشريك فى اللفظ والمعنى ، ذكره الأخفش والفرّاء وأبو عبيدة ، وجعلوا منه قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) أى ولا الذين ظلموا ، ولا من ظلم ، وتأولهما الجمهور على الاستثناء المنقطع.

والرابع : أن تكون زائدة ، قاله الأصمعى وابن جنى ، وحملا عليه قوله :

١٠٧ ـ حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة

على الخسف أو نرمى بها بلدا قفرا

وابن مالك ، [و] حمل عليه قوله :

١٠٨ ـ أرى الدّهر إلا منجنونا بأهله

وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا

وإنما المحفوظ «وما الدهر» ثم إن صحت روايته فتخرّج على أن «أرى» جواب لقسم مقدر ، وحذفت «لا» كحذفها فى (تَاللهِ تَفْتَؤُا) ودلّ على ذلك الاستثناء المفرّغ ، وأما بيت ذى الرمة فقيل : غلط منه ، وقيل : من الرواة ، وإن الرواية «آلا» بالتنوين ، أى شخصا ، وقيل : تنفك تامة بمعنى ما تنفصل عن التعب ، أو ما تخلص منه ، فنفيها نفى ، ومناخة : حال ، وقال جماعة كثيرة : هى ناقصة والخبر «على الخسف» و «مناخة» حال ، وهذا فاسد ؛ لبقاء الإشكال ؛ إذ لا يقال «جاء زيد إلّا راكبا».

تنبيه ـ ليس من أقسام إلا التى فى نحو (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) وإنما هذه كلمتان إن الشرطية ولا النافية ، ومن العجب أن ابن مالك على إمامته ذكرها فى شرح التسهيل من أقسام إلّا.

__________________

(١) فى نسخة «لما بينت من القاعدة».

٧٣

(ألا) بالفتح والتشديد ـ حرف تحضيض مختص بالجمل الفعلية الخبرية كسائر أدوات التحضيض ، فأما قوله :

١٠٩ ـ ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة

إلىّ ، فهلّا نفس ليلى شفيعها

[ص ٢٦٩ و ٣٠٧ و ٥٨٣]

فالتقدير : فهلا كان هو ، أى الشأن ، وقيل : التقدير فهلا شفعت نفس ليلى ؛ لأن الإضمار من جنس المذكور أقيس ، وشفعيها على هذا خبر لمحذوف ، أى هى شفعيها.

تنبيه ـ ليس من أقسام «ألّا» التى فى قوله تعالى : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ) بل هذه كلمتان أن الناصبة ولا النافية ، أو أن المفسّرة [أو المخففة من الثقيلة (١)] ولا الناهية ، ولا موضع لها على هذا ، وعلى الأول فهى بدل من (كِتابٌ) على أنه بمعنى مكتوب ، وعلى أن الخبر بمعنى الطلب ، بقرينة (وَأْتُونِي) ومثلها (أَلَّا يَسْجُدُوا) فى قراءة التشديد ، ولكن أن فيها الناصبة ليس غير ، و «لا» فيها محتملة للنفى ؛ فتكون ألا بدلا من (أَعْمالَهُمْ) أو خبرا لمحذوف ، أى : أعمالهم ألا يسجدوا ، وللزيادة فتكون (أَلَّا) مخفوضة بدل من (السَّبِيلِ) أو مختلفا فيها : أمخفوضة هى أم منصوبة ، وذلك على أن الأصل لئلا واللام متعلقة بيهتدون.

(إلى) ـ حرف جر ، له ثمانية معان :

أحدها : انتهاء الغاية الزمانية ، نحو (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) والمكانية نحو (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) وإذا دلّت قرينة على دخول ما بعدها نحو «قرأت القرآن من أوله إلى آخره» أو خروجه نحو (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ونحو (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) عمل بها ، وإلا فقيل : يدخل إن كان من الجنس ، وقيل : يدخل مطلقا ، وقيل : لا يدخل مطلقا ، وهو الصحيح ؛ لأن

__________________

(١) سقط ما بين هذين المعقوفين من النسخة التى شرح عليها الدسوقى.

٧٤

الأكثر مع القرينة عدم الدخول ؛ فيجب الحمل عليه عند التردد.

والثانى : المعية ، وذلك إذا ضممت شيئا إلى آخر ، وبه قال الكوفيون وجماعة من البصريين فى (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) وقولهم «الذّود إلى الذّود إبل» والذود : من ثلاثة إلى عشرة [والمعنى إذا جمع القليل إلى مثله صار كثيرا] ، ولا يجوز «إلى زيد مال» تريد مع زيد مال.

والثالث : التبيين ، وهى المبينة لفاعليّة مجرورها بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل نحو (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ).

والرابع : مرادفة اللام نحو (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) وقيل : لانتهاء الغاية ، أى منته إليك ، ويقولون «أحمد إليك الله سبحانه» أى أنهى حمده إليك.

والخامس : موافقة فى ، ذكره جماعة فى قوله :

١١٠ ـ فلا تتركنّى بالوعيد كأنّنى

إلى النّاس مطلىّ به القار أجرب

قال ابن مالك : ويمكن أن يكون منه (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) وتأول بعضهم البيت على تعلق إلى بمحذوف ، أى مطلى بالقار مضافا إلى الناس فحذف وقلب الكلام ، وقال ابن عصفور : هو على تضمين مطلى معنى مبغّض ، قال : ولو صح مجىء إلى بمعنى فى لجاز «زيد إلى الكوفة».

والسادس : الابتداء ، كقوله :

١١١ ـ تقول وقد عاليت بالكور فوقها :

أيسقى فلا يروى إلىّ ابن أحمرا؟

أى منى.

والسابع : موافقة عند ، كقوله :

١١٢ ـ أم لا سبيل إلى الشّباب ، وذكره

أشهى إلىّ من الرّحيق السّلسل؟

٧٥

والثامن : التوكيد ، وهى الزائدة ، أثبت ذلك الفراء ، مستدلا بقراءة بعضهم (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) بفتح الواو ، وخرّجت على تضمين تهوى معنى تميل ، أو أن الأصل تهوى بالكسر ، فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا كما يقال فى رضى : رضا ، وفى ناصية : ناصاة ، قاله ابن مالك ، وفيه نظر ، لأن شرط هذه اللغة تحرك الياء فى الأصل.

(إى) بالكسر والسكون ـ حرف جواب بمعنى نعم ، فيكون لتصديق المخبر ولإعلام المستخبر ، ولوعد الطالب ، فتقع بعد «قام زيد» و «هل قام زيد» و «اضرب زيدا» ونحوهن ، كما تقع نعم بعدهن ، وزعم ابن الحاجب أنها إنما تقع بعد الاستفهام نحو (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ، قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) ولا تقع عند الجميع إلا قبل القسم ، وإذا قيل «إى والله» ثم أسقطت الواو ، جاز سكون الياء وفتحها وحذفها ، وعلى الأول فيلتقى ساكنان على غير حدّهما.

(أى) بالفتح والسكون ـ على وجهين :

حرف لنداء البعيد أو القريب أو المتوسط ، على خلاف فى ذلك ، قال الشاعر :

١١٣ ـ ألم تسمعى أى عبد فى رونق الضّحى

بكاء حمامات لهنّ هدير

وفى الحديث «أى ربّ» وقد تمدّ ألفها.

وحرف تفسير ، تقول «عندى عسجد أى ذهب» و «غضنفر أى أسد» وما بعدها عطف بيان على ما قبلها ، أو بدل ، لا عطف نسق ، خلافا للكوفيين وصاحبنى المستوفى والمفتاح ، لأنا لم نر عاطفا يصلح للسقوط دائما ، ولا عاطفا ملازما لعطف الشىء على مرادفه ، وتقع تفسيرا للجمل أيضا ، كقوله :

١١٤ ـ وترميننى بالطّرف ، أى أنت مذنب

وتقليننى ، لكنّ إيّاك لا أقلى [ص ٤٠٠ و ٤١٣]

٧٦

وإذا وقعت بعد تقول وقبل فعل مسند للضمير حكى الضمير ، نحو «تقول استكتمته الحديث أى سألته كتمانه» يقال ذلك بضم التاء ، ولو جئت بإذا مكان أى فتحت التاء فقلت «إذا سألته» لأن إذا ظرف لتقول ، وقد نظم ذلك بعضهم فقال :

١١٥ ـ إذا كنيت بأى فعلا تفسّره

فضمّ تاءك فيه ضمّ معترف

وإن تكن بإذا يوما تفسّره

ففتحة التّاء أمر غير مختلف

(أىّ) بفتح الهمزة وتشديد الياء ـ اسم يأتى على خمسة أوجه :

شرطا ، نحو (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ).

واستفهاما ، نحو (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) وقد تخفف كقوله :

١١٦ ـ تنظّرت نصرا والسّماكين أيهما

علىّ من الغيث استهلّت مواطره

وموصولا ، نحو (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) التقدير : لننزعن الذى هو أشد ، قاله سيبويه ، وخالفه الكوفيون وجماعة من البصريين ؛ لأنهم يرون أن أيا الموصولة معربة دائما كالشرطية والاستفهامية ، قال الزجاج : ما تبين لى أن سيبويه غلط إلا فى موضعين هذا أحدهما ، فإنه يسلم أنها تعرب إذا أفردت ، فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت؟ وقال الجرمى : خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحدا يقول «لأضربنّ أيّهم قائم» بالضم ، اه. وزعم هؤلاء أنها فى الآية استفهامية ، وأنها مبتدأ ، وأشدّ خبر ، ثم اختلفوا فى مفعول ننزع ، فقال الخليل : محذوف ، والتقدير : لننزعنّ الفريق الذى (١) يقال فيهم أيهم أشد ، وقال يونس : هو الجملة ، وعلّقت ننزع عن العمل كما فى (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) وقال الكسائى

__________________

(١) فى نسخة «لننزعن الذين يقال فيهم» وما أثبتناه أدق.

٧٧

والأخفش : كل شيعة ، ومن زائدة ، وجملة الاستفهام مستأنفة ، وذلك على قولهما فى جواز زيادة من فى الإيجاب. ويردّ أقوالهم أن التعليق مختص بأفعال القلوب ، وأنه لا يجوز «لأضربنّ الفاسق» بالرفع بتقدير الذى يقال فيه هو الفاسق ، وأنه لم يثبت زيادة من فى الإيجاب ، وقول الشاعر :

١١٧ ـ إذا ما لقيت بنى مالك

فسلّم على أيّهم أفضل

[ص ٤٠٩ و ٥٥٢]

يروى بضم أىّ ، وحروف الجر لا تعلّق ، ولا يجوز حذف المجرور ودخول الجار على معمول صلته ، ولا يستأنف ما بعد الجار.

وجوّز الزمخشرى وجماعة كونها موصولة مع أن الضمة إعراب ، فقدّروا متعلق النزع من كل شيعة ، وكأنه قيل : لننزعن بعض كل شيعة ، ثم قدر أنه سئل : من هذا البعض؟ فقيل : هو الذى هو أشد ، ثم حذف المبتدآن المكتنفان للموصول ، وفيه تعسّف ظاهر ، ولا أعلمهم استعملوا أيا الموصولة مبتدأ ، وسيأتى ذلك عن ثعلب.

وزعم ابن الطراوة أن أيا مقطوعة عن الإضافة ، فلذلك بنيت ، وأن (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) مبتدأ وخبر ، وهذا باطل برسم الضمير متّصلا بأىّ ، والإجماع على أنها إذا لم تضف كانت معربة

وزعم ثعلب أن أيا لا تكون موصولة أصلا ، وقال : لم يسمع «أيهم هو فاضل جاءنى» بتقدير الذى هو فاضل جاءنى.

والرابع : أن تكون دالة على معنى الكمال ، فتقع صفة للنكرة نحو «زيد رجل أىّ رجل» أى كامل فى صفات الرجال ، وحالا للمعرفة كمررت بعبد الله أىّ رجل.

والخامس : أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل ، نحو «يا أيّها الرجل» وزعم الأخفش أن أيا لا تكون وصلة ، وأن أيا هذه هى الموصولة (١) حذف صدر صلتها وهو العائد ، والمعنى يا من هو الرجل ، وردّ بأنه ليس لنا عائد يجب حذفه ،

__________________

(١) فى نسخة «وأن أيا هذه موصولة».

٧٨

ولا موصول التزم كون صلته جملة اسمية ، وله أن يجيب عنهما بأن «ما» فى قولهم «لا سيّما زيد» بالرفع كذلك.

وزاد قسما ، وهو : أن تكون نكرة موصوفة نحو «مررت بأىّ معجب لك» كما يقال : بمن معجب لك ، وهذا غير مسموع.

ولا تكون «أى» غير مذكور معها مضاف إليه البتة إلا فى النداء والحكاية ، يقال «جاءنى رجل» فتقول : أىّ يا هذا ، وجاءنى رجلان ، فتقول : أيان ، وجاءنى رجال ، فتقول : أيّون.

تنبيه ـ قول أبى الطيب :

١١٨ ـ أىّ يوم سررتنى بوصال

لم ترعنى ثلاثة بصدود (١)؟ [ص ٥١٤]

ليست فيه أى موصولة ؛ لأن الموصولة لا تضاف إلا إلى المعرفة ، قال أبو على فى التذكرة فى قوله :

١١٩ ـ أرأيت أىّ سوالف وخدود

برزت لنا بين اللّوى فزرود؟

لا تكون أى فيه موصولة ؛ لإضافتها إلى نكرة ، انتهى.

ولا شرطية ؛ لأن المعنى حينئذ : إن سررتنى يوما بوصالك آمنتنى ثلاثة أيام من صدودك ، وهذا عكس المعنى المراد ، وإنما هى للاستفهام الذى يراد به النفى ، كقولك لمن أدعى أنه أكرمك : أىّ يوم أكرمتنى؟ والمعنى ما سررتنى يوما بوصالك إلا روّعتنى (٢) ثلاثة بصدودك ، والجملة الأولى مستأنفة قدّم ظرفها ؛ لأن له الصّدر ، والثانية إما فى موضع جر صفة لوصال على حذف العائد : أى لم ترعنى بعده ، كما حذف فى قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ) الآية ، أو نصب حالا من فاعل سررتنى أو مفعوله ، والمعنى : أى يوم سررتنى غير رائع لى أو غير مروع منك ، وهى حال مقدّرة مثلها فى (طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) أو لا محل لها على أن تكون معطوفة على الأولى بفاء محذوفة كما قيل فى (وَإِذْ قالَ

__________________

(١) فى نسخة «إلا وروعتنى» بزيادة واو الحال بعد إلا ، والفصيح تركها.

(١) فى نسخة «إلا وروعتنى» بزيادة واو الحال بعد إلا ، والفصيح تركها.

٧٩

مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ، قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً؟ قالَ أَعُوذُ بِاللهِ) وكذا فى بقية الآية ، وفيه بعد ، والمحققون فى الآية على أن الجمل مستأنفة ، بتقدير : فما قالوا له؟ فما قال لهم؟ ومن روى «ثلاثة» بالرفع لم يجز عنده كون الحال من فاعل سررتنى ، لخلو «ترعنى» من ضمير ذى الحال.

(إذ) على أربعة أوجه :

أحدها : أن تكون اسما للزمن الماضى ، ولها أربعة استعمالات.

أحدها : أن تكون ظرفا ، وهو الغالب ، نحو (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا).

والثانى : أن تكون مفعولا به ، نحو (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ)

والغالب على المذكورة فى أوائل القصص فى التنزيل أن تكون مفعولا به ، بتقدير «اذكر» نحو (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) وبعض المعربين يقول فى ذلك : إنه ظرف لا ذكر محذوفا ، وهذا وهم فاحش ، لاقتضائه حينئذ الأمر بالذكر فى ذلك الوقت ، مع أن الأمر للاستقبال ، وذلك الوقت قد مضى قبل تعلق الخطاب بالمكلفين منّا ، وإنما المراد ذكر الوقت نفسه لا الذكر فيه.

والثالث : أن تكون بدلا من المفعول ، نحو (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) فإذ : بدل اشتمال من مريم على حد البدل فى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ).

وقوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) يحتمل كون إذ فيه ظرفا للنعمة وكونها بدلا منها.

والرابع : أن يكون مضافا إليها اسم زمان صالح للاستغناء عنه نحو «يومئذ ، وحينئذ» أو غير صالح له نحو قوله تعالى : (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا)

وزعم الجمهور أن إذ لا تقع إلا ظرفا أو مضافا إليها ، وأنها فى نحو (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً) ظرف لمفعول محذوف ، أى : واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم

٨٠