مغنى اللبيب - ج ١

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٦
الجزء ١ الجزء ٢

فقالوا : التقدير فى (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) أى بدلا منها ؛ فالمفيد للبدلية متعلّقها المحذوف ، وأما هى فللابتداء ، وكذا الباقى.

السادس : مرادفة عن ، نحو (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) وقيل : هى فى هذه الآية للابتداء ، لتفيد أن ما بعد ذلك من العذاب أشدّ ، وكأنّ هذا القائل يعلق معناها (١) بويل ، مثل (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ولا يصح كونه تعليقا صناعيا للفصل بالخبر (٢) ، وقيل : هى فيهما للإبتداء ، أو هى فى الأول للتعليل ، أى من أجل ذكر الله ؛ لأنه إذا ذكر قست قلوبهم.

وزعم ابن مالك أن من فى نحو «زيد أفضل من عمرو» للمجاوزة ، وكأنه قيل : جاوز زيد عمرا فى الفضل ، قال : وهو أولى من قول سيبويه وغيره إنها لابتداء الارتفاع فى نحو «أفضل منه» وابتداء الانحطاط فى نحو «شرّ منه» إذ لا يقع بعدها إلى ، اه.

وقد يقال : ولو كانت للمجاوزة لصح فى موضعها عن.

السابع : مرادفة الباء ، نحو (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) قاله يونس ، والظاهر أنها للابتداء.

الثامن : مرادفة فى ، نحو (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) والظاهر أنها فى الأولى لبيان الجنس مثلها فى (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ).

التاسع : موافقة عند ، نحو (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) قاله أبو عبيدة ، وقد مضى القول بأنها فى ذلك للبدل.

العاشر : مرادفة ربما ، وذلك إذا اتصلت بما كقوله :

__________________

(١) الأولى حذف «معنى» فتكون العبارة «وكأن هذا القائل يعلقها بويل» لأن من فى الآية المشبه بها متعلقة بويل.

(٢) المراد بالخبر هنا الجملة الخبرية ، وهو(قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا).

٣٢١

وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة

على رأسه تلقى اللّسان من الفم [٥١٣]

قاله السيرافى وابن خروف وابن طاهر والأعلم ، وخرّجوا عليه قول سيبويه : واعلم أنهم مما يحذفون كذا ، والظاهر أن من فيهما ابتدائية وما مصدرية ، وأنهم جعلوا كأنهم خلقوا من الضرب والحذف مثل (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ).

الحادى عشر : مرادفة على ، نحو (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) وقيل : على التضمين ، أى منعناه منهم بالنصر (١).

الثانى عشر : الفصل ، وهى الداخلة على ثانى المتضادين نحو (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) قاله ابن مالك ، وفيه نظر ؛ لأن الفصل مستفاد من العامل ، فإنّ مازو ميّز بمعنى فصل ، والعلم صفة توجب التمييز ، والظاهر أن من فى الآيتين للابتداء ، أو بمعنى عن.

الثالث عشر : الغاية ، قال سيبويه «وتقول رأيته من ذلك الموضع» فجعلته غاية لرؤيتك ، أى محلا للابتداء والانتهاء ، قال «وكذا أخذته من زيد» وزعم ابن مالك أنها فى هذه للمجاوزة ، والظاهر عندى أنها للابتداء ؛ لأن الأخذ ابتدىء من عنده وانتهى إليك.

الرابع عشر : التنصيص على العموم ، وهى الزائدة فى نحو «ما جاءنى من رجل» فإنه قبل دخولها يحتمل فى الجنس ونفى الوحدة ؛ ولهذا يصح أن يقال «بل رجلان» ويمتنع ذلك بعد دخول من.

الخامس عشر : توكيد العموم ، وهى الزائدة فى نحو «ما جاءنى من أحد ، أو من ديّار» فإن أحدا وديارا صيغتا عموم.

وشرط زيادتها فى النوعين ثلاثة أمور :

__________________

(١) حاصل هذا الكلام أن من فى الآية متعلقة بنصر البتة ؛ فإن كان نصر باقيا على معناه كانت من بمعنى على ؛ لأن نصر يتعدى بعلى لا بمن ، وإن ضمن نصر معنى منع كانت من باقية على معناها ؛ لأن منع يتعدى بمن.

٣٢٢

أحدها : تقدم نفى أو نهى أو استفهام بهل ، نحو (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) وتقول «لا يقم من أحد» وزاد الفارسى الشّرط كقوله :

٥٣١ ـ ومهما تكن عند امرىء من خليقة

وإن خالها تخفى على النّاس تعلم [ص ٣٣٠]

وسيأتى فصل مهما.

والثانى : تنكير مجرورها.

والثالث : كونه فاعلا ، أو مفعولا به ، أو مبتدأ.

تنبيهات ـ أحدها : قد اجتمعت زيادتها فى المنصوب والمرفوع فى قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) ولك أن تقدر كان تامة ؛ لأن مرفوعها فاعل ، وناقصة (١) ؛ لأن مرفوعها شبيه بالفاعل وأصله المبتدأ.

الثانى : تقييد المفعول بقولنا به هى عبارة ابن مالك ، فتخرج بقية المفاعيل ، وكأن وجه منع زيادتها فى المفعول معه والمفعول لأجله والمفعول فيه أنهن فى المعنى بمنزلة المجرور بمع وباللام وبفى ، ولا تجامعهن من ، ولكن لا يظهر للمنع فى المفعول المطلق وجه ، وقد خرّج عليه أبو البقاء (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) فقال : من زائدة ، وشىء فى موضع المصدر ، أى تفريطا ، مثل (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) والمعنى تفريطا وضرا ، قال : ولا يكون مفعولا به ؛ لأن فرّط إنما يتعدى إليه بفى ، وقد عدى بها إلى الكتاب ، قال : وعلى هذا فلا حجّة فى الآية لمن ظن أن الكتاب يحتوى على ذكر كل شىء صريحا ، قلت : وكذا لا حجة فيها لو كان شىء مفعولا به ؛ لأن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ ، كما فى قوله تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) وهو رأى الزمخشرى ، والسياق يقتضيه.

__________________

(١) يريد أنك إن قدرت كان تامة فمرفوعها فاعل ، وإن قدرتها ناقصة فمرفوعها أصله مبتدأ ؛ فقد وجد الشرط الثالث على الوجهين.

٣٢٣

الثالث : القياس أنها لا تزاد فى ثانى مفعولى ظن ، ولا ثالث مفعولات أعلم ؛ لأنهما فى الأصل خبر ، وشذت قراءة بعضهم (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) ببناء نتخذ للمفعول ، وحملها ابن مالك على شذوذ زيادة من فى الحال (١) ، ويظهر لى فساده فى المعنى ؛ لأنك إذا قلت «ما كان لك أن تتخذ زيدا فى حالة كونه خاذلا لك» فأنت مثبت لخذلانه ناه عن اتخاذه ، وعلى هذا فيلزم أن الملائكة أثبتوا لأنفسهم الولاية.

الرابع : أكثرهم أهمل هذا الشرط الثالث ؛ فيلزمهم زيادتها فى الخبر ، فى نحو «ما زيد قائما» والتمييز فى نحو «ما طاب زيد نفسا» والحال فى نحو «ما جاء أحد راكبا» وهم لا يجيزون ذلك.

وأما قول أبى البقاء فى (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) : إنه يجوز كون (آيَةٍ) حالا ومن زائدة كما جاءت آية حالا فى (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) والمعنى أى شىء ننسخ قليلا أو كثيرا ؛ ففيه تخريج التنزيل على شىء إن ثبت فهو شاذ ، أعنى زيادة من فى الحال ، وتقدير ما ليس بمشتق ومنتقل ولا يظهر فيه معنى الحال حالا ، والتنظير بما لا يناسب ؛ فإن (آيَةً) فى (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) بمعنى علامة لا واحدة الآى ، وتفسير اللفظ بما لا يحتمله ، وهو قوله قليلا أو كثيرا ، وإنما ذلك مستفاد من اسم الشرط لعمومه لا من آية.

ولم يشترط الأخفش واحدا من الشرطين الأولين ، واستدل بنحو (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ).

__________________

(١) أصل العبارة قبل بناء الفعل للمجهول : يتخذنا الناس أولياء ، فحذف الفاعل وهو الناس ، وبنى الفعل للمجهول وأسند للضمير ، وابن مالك يعتبر اتخذ متعدية لواحد فيجعل انتصاب أولياء على الحالية ، وغيره يعتبر اتخذ متعدية لاثنين فيجعل نصب أولياء على أنه مفعول ثان.

٣٢٤

ولم يشترط الكوفيون الأول ، واستدلوا بقولهم «قد كان من مطر» وبقول عمر بن أبى ربيعة :

٥٣٢ ـ وينمى لها حبّها عندنا

فما قال من كاشح لم يضر

وخرّج الكسائى على زيادتها «إنّ من أشدّ الناس عذابا يوم القيامة المصورون» وابن جنى قراءة بعضهم (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) بتشديد لما ، وقال : أصله لمن ما ، ثم أدغم ، ثم حذفت ميم من (١).

وجوّز الزمخشرى فى (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) الآية كون المعنى ومن الّذى كنا منزلين ، فجوز زيادتها مع المعرفة (٢)

وقال الفارسى فى (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) : يجوز كون من ومن الأخيرتين زائدتين ؛ فجوز الزيادة فى الإيجاب.

وقال المخالفون : التقدير قد كان هو أى كائن من جنس المطر ، وفما قال هو أى قائل من جنس الكاشح ، وإنه من أشد الناس أى إن الشأن ، ولقد جاءك هو أى جاء من الخبر كائنا من نبأ المرسلين ، أو ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين ثم حذف الموصوف ، وهذا ضعيف فى العربية ؛ لأن الصفة غير مفردة ؛ فلا يحسن تخريج التنزيل عليه.

واختلف فى «من» الداخلة على قبل وبعد ؛ فقال الجمهور : لابتداء الغاية ، وردّ بأنها لا تدخل عندهم على الزمان كما مر ، وأجيب بأنهما غير متأصّلين فى الظرفية

__________________

(١) من التى قال ابن جنى بزيادتها فى الآية الكريمة هى الداخلة على كتاب والتقدير عنده : لمن جملة ما آتيتكم كتاب وحكمة.

(٢) من الداخلة على جند زائدة ، وهى مستكملة لشروط زيادتها ، والكلام فى من مقدرة الدخول على (ما) التى جعلها بمعنى الذى وجعلها معطوفة على جند وهى فى (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) فصار التقدير : ومن الذى كنا منزلين ، فزيدت من وهى داخلة على معرفة.

٣٢٥

وإنما هما فى الأصل صفتان للزمان ؛ إذ معنى «جئت قبلك» جئت زمنا قبل زمن مجيئك ؛ فلهذا سهل ذلك فيهما ، وزعم ابن مالك أنها زائدة ، وذلك مبنى على قول الأخفش فى عدم الاشتراط لزيادتها.

مسألة ـ (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ) من الأولى للابتداء والثانية للتعليل ، وتعلقها بأرادوا أو بيخرجوا ، أو للابتداء فالغمّ بدل اشتمال ، وأعيد الخافض ، وحذف الضمير ، أى من غم فيها.

مسألة ـ (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها) من الأولى للابتداء ، والثانية إما كذلك فالمجرور بدل بعض وأعيد الجار ، وإما لبيان الجنس فالظرف حال والمنبت محذوف ، أى مما تنبته كائنا من هذا الجنس.

مسألة ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) من الأولى مثلها فى «زيد أفضل من عمرو» ومن الثانية للابتداء على أنها متعلقة باستقرار مقدر ، أو بالاستقرار الذى تعلقت به عند ، أى شهادة حاصلة عنده مما أخبر الله به ، قيل : أو بمعنى عن ، على أنها متعلقة بكتم على جعل كتمانه عن الأداء الذى أوجبه الله كتمانه عن الله ، وسيأتى أن (كَتَمَ) لا يتعدى بمن.

مسألة ـ (لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) من للابتداء ، والظرف صفة لشهوة ، أى شهوة مبتدأة من دونهن ، قيل : أو للمقابلة كـ «خذ هذا من دون هذا» أى اجعله عوضا منه ، وهذا يرجع إلى معنى البدل الذى تقدم ، ويردّه أنه لا يصح التصريح به ولا بالعوض مكانها هنا (١).

مسألة ـ (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ

__________________

(١) وجه عدم صحة التصريح بالمقابلة وبالعوض مكان من فى هذه الآية الكريمة أن لفظ(الْمُفْسِدُونَ) يمنع من التصريح بأحدهما ، وقد علم أن من لا تكون للعوض إلا إذا صح التصريح به مكانها.

٣٢٦

يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) الآية. فيها من ثلاث مرات ؛ الأولى للتبيين لأن الكافرين نوعان كتابيون ومشركون ، والثانية زائدة ، والثالثة لابتداء الغاية

مسألة ـ (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ) الأولى منهما للابتداء ، والثانية للتبيين.

مسألة ـ (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) من فيهما للابتداء ، ومجرور الثانية بدل من مجرور الأولى بدل اشتمال لأن الشجرة كانت نابتة بالشاطىء.

(من) : على خمسة أوجه :

شرطية نحو (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ).

واستفهامية نحو (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟) (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى؟).

وإذا قيل «من يفعل هذا إلا زيد؟» فهى من الاستفهاميّة أشربت معنى النفى ، ومنه (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) ولا يتقيد جواز ذلك بأن يتقدمها الواو ، خلافا لابن مالك ، بدليل (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ).

وإذا قيل «من ذا لقيت؟» فمن : مبتدأ وذا : خبر موصول ، والعائد محذوف ، ويجوز على قول الكوفيين فى زيادة الأسماء كون ذا زائدة ، ومن مفعولا ، وظاهر كلام جماعة أنه يجوز فى «من ذا لقيت» أن تكون من وذا مركبتين كما فى قولك «ماذا صنعت» ومنع ذلك أبو البقاء فى مواضع من إعرابه وثعلب فى أمالية وغيرهما ، وخصوا جواز ذلك بماذا ؛ لأن «ما» أكثر إبهاما ، فحسن أن تجعل مع غيرها كشىء واحد ؛ ليكون ذلك أظهر لمعناها ، ولأن التركيب خلاف الأصل ، وإنما دل عليه الدليل مع «ما» وهو قولهم «لما جئت» بإثبات الألف

وموصولة [فى] نحو (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ).

٣٢٧

ونكرة موصوفة ، ولهذا دخلت عليها ربّ فى قوله :

٥٣٣ ـ ربّ من أنضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لى موتا لم يطع

ووصفت بالنكرة فى نحو قولهم «مررت بمن معجب لك» وقال حسان رضى الله عنه :

فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النّبىّ محمد إيّانا [١٥٨]

ويروى برفع غير ؛ فيحتمل أن من على حالها ، ويحتمل الموصولية ، وعليهما فالتقدير : على من هو غيرنا ، والجملة صفة أو صلة ، وقال الفرزدق :

٥٣٤ ـ إنّى وإيّاك إذ حلّت بأرحلنا

كمن بواديه بعد المحل ممطور

أى كشخص ممطور بواديه.

وزعم الكسائى أنها لا تكون نكرة إلا فى موضع يخص النكرات ، وردّ بهذين البيتين ، فخرجهما على الزيادة ، وذلك شىء لم يثبت كما سيأتى.

وقال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) فجزم جماعة بأنها موصوفة وهو بعيد ، لقلة استعمالها ، وآخرون بأنها موصولة ، وقال الزمخشرى : إن قدرت أل فى الناس للعهد فموصولة مثل (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ) أو للجنس فموصوفة مثل (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ) ويحتاج لتأمل.

تنبيهان : الأول ـ تقول «من يكرمنى أكرمه» فتحتمل [من] الأوجه الأربعة ، فإن قدرتها شرطية جزمت الفعلين ، أو موصوفة رفعتهما ، أو استفهامية رفعت الأولى وجزمت الثانى ؛ لأنه جواب بغير الفاء ، ومن فيهن مبتدأ ، وخبر الاستفهامية الجملة الأولى ، والموصولة أو الموصوفة الجملة الثانية ، والشرطية الأولى أو الثانية على خلاف فى ذلك ، وتقول «من زارنى زرته» فلا تحسن الاستفهامية (١) ، ويحسن ما عداها.

__________________

(١) لا تحسن الاستفهامية لكون ما بعدها ماضيا ، ولكنها ـ مع ذلك ـ تصح

٣٢٨

الثانى ـ زيد فى أقسام من قسمان آخران ؛ أحدهما أن تأتى نكرة تامة ، وذلك عند أبى على ، قاله فى قوله :

٥٣٥ ـ [ونعم مز كأمن ضافت مذاهبه]

ونعم من هو فى سرّ وإعلان [ص ٤٣٥ و ٤٣٧]

فزعم أن الفاعل مستتر ، ومن تمييز ، وقوله «هو» مخصوص بالمدح ، فهو مبتدأ خبره ما قبله أو خبر لمبتدأ محذوف ، وقال غيره : من موصول فاعل ، وقوله «هو» مبتدأ خبره هو آخر محذوف على حد قوله :

٥٣٦ ـ [أنا أبو النّجم] وشعرى شعرى

[لله درّى ما أجنّ صدرى] [ص ٤٣٧ و ٦٥٧]

والظرف متعلق بالمحذوف ؛ لأن فيه معنى الفعل ، أى ونعم من هو الثابت فى حالى السر والعلانية.

قلت : ويحتاج إلى تقدير هو ثالث يكون مخصوصا بالمدح.

الثانى : التوكيد ، وذلك فيما زعم الكسائى [من] أنها ترد زائدة كما ، وذلك سهل على قاعدة الكوفيين فى أن الأسماء تزاد ، وأنشد عليه :

*فكفى بنا فضلا على من غيرنا* [١٥٨]

فيمن خفض غيرنا ، وقوله :

٥٣٧ ـ يا شاة من قنص لمن حلّت له

حرمت علىّ ، وليتها لم تحرم

فيمن رواه بمن دون ما ، وهو خلاف المشهور ، وقوله :

٥٣٨ ـ آل الزبير سنام المجد ، قد علمت

ذاك القبائل والأثرون من عددا (١)

__________________

(١) علمت فى هذا الموضع بمعنى عرفت فتحتاج إلى مفعول واحد وهو قوله «ذاك» وليس لك أن تعتبرها من أفعال اليقين فتكون محتاجة إلى مفعولين ، ووجه عدم صحة ذلك أن الشاعر لم يذكر إلا مفعولا واحدا ، وأنت خبير أن حذف المفعول الثانى من مفعولى ظن وأخواتها لغير دليل لا يجوز ، وهو الذى يسمونه الحذف اقتصارا.

٣٢٩

ولنا أنها فى الأولين نكرة موصوفة ، أى على قوم غيرنا ، ويا شاه : إنسان قنص ، وهذا من الوصف بالمصدر للمبالغة ، وعددا : إما صفة لمن على أنه اسم وضع موضع المصدر ، وهو العدّ : أى والأثرون قوما ذوى عد ، أى قوما معدودين ، وإما معمول ليعد محذوفا صلة أو صفة لمن ، ومن بدل من الأثرون.

(مهما) : اسم ؛ لعود الضمير إليها فى (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها) وقال الزمخشرى وغيره : عاد عليها ضمير (بِهِ) وضمير (بِها) حملا على اللفظ وعلى المعنى ، اه. والأولى أن يعود ضمير (بِها) لآية ، وزعم السهيلى أنها تأتى حرفا ، بدليل قول زهير :

ومهما تكن عند امرئ من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تعلم [٥٣١]

قال : فهى هنا حرف بمنزلة إن ، بدليل أنها لا محل لها ، وتبعه ابن يسعون ، واستدل بقوله

٥٣٩ ـ قد أوبيت كلّ ماء فهى ضاوية

مهما تصب أفقا من بارق تشم (١)

قال : إذ لا تكون مبتدأ لعدم الرابط من الخبر وهو فعل الشرط ، ولا مفعولا لاستيفاء فعل الشرط مفعوله ، ولا سبيل إلى غيرهما ، فتعين أنها لا موضع لها.

والجواب أنها فى الأول إما خبر تكن ، وخليقة اسمها ، ومن زائدة ، لأن الشرط غير موجب عند أبى على ، وإما مبتدأ ، واسم تكن ضمير راجع إليها ، والظرف خبر ، وأنت ضميرها لأنها الخليقة فى المعنى ، ومثله «ما جاءت حاجتك» فيمن نصب حاجتك ، ومن خليقة تفسير للضمير ، كقوله :

__________________

(١) أو بيت : فعل ماض مبنى للمجهول وزانه أكرمت ومعناه منعت ؛ وضاوية : هزيلة من العطش ، والبارق : السحاب ذو البرق ، وتشم : تنظر ، من شام البرق يشيمه ـ بوزن باعه يبيعه ـ أى نظر إليه ليعرف أين بمطر.

٣٣٠

٥٤٠ ـ [فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها]

لما نسجتها من جنوب وشمال

وفى الثانى مفعول تصب ، وأفقا : ظرف ، ومن بارق : تفسير لمهما أو متعلق بتصب ، فمعناها التبعيض ، والمعنى : أى شىء تصب فى أفق من البوارق تشم.

وقال بعضهم : مهما ظرف زمان ، والمعنى أى وقت تصب بارقا من أفق ، فقلب الكلام ، أو فى أفق بارقا ، فزاد من ، واستعمل أفقا ظرفا ، انتهى ، وسيأتى أن مهما لا تستعمل ظرفا.

وهى بسيطة ، لا مركبة من مه وما الشرطية ، ولا من ما الشرطية وما الزائدة. ثم أبدلت الهاء من الألف الأولى دفعا للتكرار ، خلافا لزاعمى ذلك.

ولها ثلاثة معان :

أحدها : ما لا يعقل غير الزمان مع تضمن معنى الشرط ، ومنه الآية ، ولهذا فسرت بقوله تعالى (مِنْ آيَةٍ) وهى فيها إما مبتدأ أو منصوبة على الاشتغال ، فيقدر لها عامل متعدّ كما فى «زيدا مررت به» متأخرا عنها ، لأن لها الصدر ، أى مهما تحضرنا تأتنا به.

الثانى : الزمان والشرط ؛ فتكون ظرفا لفعل الشرط ، ذكره ابن مالك ، وزعم أن النحويين أهملوه ، وأنشد لحاتم :

٥٤١ ـ وإنّك مهما تعط بطنك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا

وأبياتا أخر ، ولا دليل فى ذلك ، لجواز كونها للمصدر بمعنى أىّ إعطاء كثيرا أو قليلا وهذه المقالة سبق إليها ابن مالك غيره ، وشدد الزمخشرى الإنكار على من قال بها (١)

__________________

(١) أراد المؤلف بهذا أن ينكر على ابن مالك شيئين ؛ الأول ادعاؤه أن النحويين أهملوا هذا المعنى من معانى مهما ؛ فذكر أن غير ابن مالك سبقه إلى ذكر هذه المقالة ، والثانى : أن هذا المعنى الذى ادعاه لمهما غير صحيح ، وإن يقول به من لا بد له فى العربية

٣٣١

فقال : هذه الكلمة فى عداد الكلمات التى يحرفها من لا يد له فى علم العربية ، فيضعها فى غير موضعها ، ويظنها بمعنى متى ، ويقول «مهما جئتنى أعطيتك» وهذا من وضعه ، وليس من كلام واضع العربية ، ثم يذهب فيفسر بها الآية فيلحد فى آيات الله ، انتهى. والقول بذلك فى الآية ممتنع ، ولو صح ثبوته فى غيرها ؛ لتفسيرها بمن آية.

الثالث : الاستفهام ، ذكره جماعة منهم ابن مالك ، واستدلوا عليه بقوله :

مهما لى اللّيلة مهما ليه

أودى بنعلىّ وسرباليه [١٥٥]

فزعموا أن مهما مبتدأ ، ولى الخبر ، وأعيدت الجملة توكيدا ، وأودى : بمعنى هلك ، ونعلى : فاعل ، والباء زائدة مثلها فى (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) ولا دليل فى البيت ؛ لاحتمال أن التقدير مه اسم فعل بمعنى اكفف ثم استأنف استفهاما بما وحدها.

تنبيه ـ من المشكل قول الشاطبى رحمه‌الله :

٥٤٢ ـ *ومهما تصلها أو بدأت براءة*

ونقول فيه : لا يجوز فى مهما أن تكون مفعولا به لتصل لاستيفائه مفعوله ، ولا مبتدأ لعدم الرابط ، فإن قيل : قدّر مهما واقعة على براءة ؛ فيكون ضمير تصلها راجعا إلى براءة ، وحينئذ فمهما مبتدأ أو مفعول لمحذوف يفسره تصل ، قلنا : اسم الشرط عام ، وبراءة اسم خاص فضميرها كذلك ، فلا يرجع إلى العام ، وبالوجه الذى بطل به ابتدائية مهما يبطل كونها مشتغلا عنها العامل بالضمير.

وهذه بخلافها فى قوله :

٥٤٣ ـ *ومهما تصلها مع أواخر سورة*

فإنها هناك واقعة على البسملة التى فى أول كل سورة ؛ فهى عامة ؛ فيصحّ فيها الابتداء أو النصب بفعل يفسره تصل ، أى وأى بسملة تصل تصلها ، والظرفية بمعنى وأىّ وقت تصل البسملة ، على القول بجواز ظرفيتها.

٣٣٢

وأما هنا فيتعين كونها ظرفا لتصل بتقدير وأى وقت تصل براءة ، أو مفعولا به حذف عامله أى ومهما تفعل ، ويكون تصل وبدأت بدل تفصيل من ذلك الفعل ، وأما ضمير تصلها فلك أن تعيده على اسم مظهر قبله محذوفا ، أى ومهما تفعل فى براءة تصلها أو بدأت بها ، وحذف بها ، ولما خفى المعنى بحذف مرجع الضمير ذكر براءة بيانا له. إما على أنه بدل منه ، أو على إضمار أعنى ، ولك أن تعيده على ما بعده وهو براءة : إما على أنه بدل منه مثل «رأيته زيدا» فمفعول بدأت محذوف ، أو على أن الفعلين تنازعاها فأعمل الثانى متّسعا فيه بإسقاط الباء ، وأضمر الفضلة فى الأول ، على حد قوله :

٥٤٤ ـ إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

جهارا فكن فى الغيب أحفظ للودّ

(مع) : اسم ؛ بدليل التنوين فى قولك «معا» ودخول الجار فى حكاية سيبويه «ذهبت من معه (١)» وقراءة بعضهم (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) وتسكين عينه لغة غنم وربيعة ، لا ضرورة خلافا لسيبويه ، واسميتها حينئذ باقية ، وقول النحاس «إنها حينئذ حرف بالإجماع» مردود.

وتستعمل مضافة ؛ فتكون ظرفا ، ولها حينئذ ثلاثة معان :

أحدها : موضع الاجتماع ؛ ولهذا يخبر بها عن الذوات نحو (وَاللهُ مَعَكُمْ)

والثانى : زمانه ، نحو «جئتك مع العصر».

والثالث : مرادفة عند ، وعليه القراءة وحكاية سيبويه السابقتين.

ومفردة ؛ فتنون ، وتكون حالا. وقد جاءت ظرفا مخبرا به فى نحو قوله :

٥٤٥ ـ أفيقوا بنى حرب وأهواؤنا معا

[وأرماحنا موصولة لم تقضّب]

__________________

(١) التنوين يدل على اسمية «مع» فى موضعين ؛ الأول أن تكون اسما لموضع الاجتماع ، والثانى أن تكون اسما لزمان الاجتماع ، وقبول دخول من عليها يدل على اسميتها فى موضع واحد ، وهو أن يكون اسما مرادفا لعند ، وهى لا تخرج عن هذه المواضع الثلاثة.

٣٣٣

وقيل : هى حال ، والخبر محذوف ، وهى فى الإفراد بمعنى جميعا عند ابن مالك ، وهو خلاف قول ثعلب : «إذا قلت «جاآ جميعا» احتمل أن فعلهما فى وقت واحد أو فى وقتين ، وإذا قلت «جاآ معا» فالوقت واحد» اه. وفيه نظر ، وقد عادل بينهما من قال :

٥٤٦ ـ كنت ويحيى كيدى واحد

نرمى جميعا ونرامى معا

وتستعمل معا للجماعة كما تستعمل للاثنين ، قال :

٥٤٧ ـ *إذا حنّت الأولى سجعن لها معا*

وقالت الخنساء :

٥٤٨ ـ وأفنى رجالى فبادوا معا

فأصبح قلبى بهم مستفزّا

(متى) : على خمسة أوجه : اسم استفهام ، نحو (مَتى نَصْرُ اللهِ) واسم شرط ، كقوله :

[أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا]

متى أضع العمامة تعرفونى [٢٦٣]

واسم مرادف للوسط ، وحرف بمعنى من أو فى ، وذلك فى لغة هذيل يقولون «أخرجها متى كمّه» أى منه ، وقال ساعدة :

٥٤٩ ـ أخيل (١) برقا متى حاب له زجل

إذا يفتّر من توماضه حلجا

أى من سحاب حاب ، أى ثقيل المشى له تصويت ، واختلف فى قول بعضهم : «وضعته متى كمى» فقال ابن سيده : بمعنى فى ، وقال غيره : بمعنى وسط ، وكذلك اختلف فى قول أبى ذؤيب يصف السحاب :

__________________

(١) أخيل ـ بضم الهمزة وكسر الخاء ـ مضارع أخال البرق ، وأخيله ـ على الأصل ـ ومعناه شام سحابه ، ومتى : بمعنى من ، والحابى معناه الدانى ، وفسره المؤلف بالثقيل ، وليس بذاك ، والزجل ـ بوزن جمل ـ الصوت ، ويفتر : يضعف ، والتوماض : اللمع الخفيف من البرق ، وحلج : أمطر.

٣٣٤

شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت

متى لجج خضر لهنّ نثيج [١٤٨]

فقيل : بمعنى من ، وقال ابن سيده : بمعنى وسط.

(منذ ، ومذ) : لهما ثلاث حالات :

إحداها : أن يليهما اسم مجرور ، فقيل : هما اسمان مضافان ، والصحيح أنهما حرفا جر : بمعنى من إن كان الزمان ماضيا ، وبمعنى فى إن كان حاضرا ، وبمعنى من وإلى جميعا إن كان معدودا نحو «ما رأيته مذ يوم الخميس ، أو مذ يومنا ، أو عامنا ، أو مذ ثلاثة أيام»

وأكثر العرب على وجوب جرهما للحاضر ، وعلى ترجيح جر منذ للماضى على رفعه ، وترجيح رفع مذ للماضى على جره ، ومن الكثير فى منذ قوله :

٥٥٠ ـ [قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان]

وربع عفت آثاره منذ أزمان

ومن القليل فى مذ قوله :

٥٥١ ـ [لمن الدّيار بقنّة الحجر]

أقوين مذ حجج ومذ دهر

والحالة الثانية : أن يليهما اسم مرفوع ، نحو «مذ يوم الخميس ، ومنذ يومان» فقال المبرد وابن السراج والفارسى : مبتدآن ، وما بعدهما خبر ، ومعناهما الأمد إن كان الزمان حاضرا أو معدودا ، وأول المدة إن كان ماضيا ، وقال الأخفش والزجاج والزجاجى : ظرفان مخبر بهما عما بعدهما ، ومعناهما بين وبين مضافين ؛ فمعنى «ما لقيته مذ يومان» بينى وبين لقائه يومان ، ولا خفاء بما فيه من التعسّف ، وقال أكثر الكوفيين : ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها ، وبقى فاعلها ، والأصل : مذ كان يومان ، واختاره السهيلى وابن مالك ، وقال بعض الكوفيين : خبر لمحذوف ، أى ما رأيته من الزمان الذى هو يومان ، بناء على أن مذ مركبة من كلمتين من وذو الطائية.

٣٣٥

الحالة الثالثة : أن يليهما الجمل الفعلية أو الاسمية ، كقوله :

٥٥٢ ـ ما زال مذ عقدت يداه إزاره

[فسما فأدرك خمسة الأشبار]

وقوله :

٥٥٣ ـ وما زلت أبغى المال مذ أنا يافع

[وليدا وكهلا حين شبت وأمردا]

والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان ، فقيل : إلى الجملة ، وقيل : إلى زمن مضاف إلى الجملة ، وقيل : مبتدآن ؛ فيجب تقدير زمان مضاف للجملة يكون هو الخبر.

وأصل مذ منذ ، بدليل رجوعهم إلى ضم ذال مذ عند ملاقاة الساكن ، نحو «مذ اليوم» ولو لا أن الأصل الضم لكسروا ، ولأن بعضهم يقول «مذ زمن طويل» فيضم مع عدم الساكن ، وقال ابن ملكون : هما أصلان ، لأنه لا يتصرّف فى الحرف ولا شبهه ، ويردّه تخفيفهم إنّ وكأنّ ولكنّ وربّ وقطّ ، وقال المالقى : إذا كانت مذ اسما فأصلها منذ ، أو حرفا فهى أصل.

قد تم ـ بحمد الله تعالى وتوفيقه وتيسيره ـ الجزء الأول من كتاب «مغنى اللبيب ،

عن كتب الأعاريب» لأنحى النحاة العلامة ابن هشام ، الأنصارى ، المصرى.

ويليه ـ إن شاء الله تعالى ـ الجزء الثانى ، مفتتحا بحرف النون من باب الحروف

نسأل الله جلت قدرته أن يعين على إكماله بمنه وفضله

٣٣٦