مغنى اللبيب - ج ١

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٦
الجزء ١ الجزء ٢

أوجه اثنان يرجعان إلى نفى كونه قياسا وذلك بإثبات اختلاف الوسط ، أحدهما : أن التقدير لأسمعهم إسماعا نافعا ، ولو أسمعهم إسماعا غير نافع لتولوا ، والثانى أن تقدرو لو أسمعهم على تقدير عدم علم الخير فيهم ، والثالث بتقدير كونه قياسا متحد الوسط صحيح الإنتاج ، والتقدير : ولو علم الله فيهم خيرا وقتا ما لتولوا بعد ذلك الوقت.

الثانى من أقسام لو : أن تكون حرف شرط فى المستقبل ، إلا أنها لا تجزم ، كقوله :

٤١٦ ـ ولو تلتقى أصداؤنا بعد موتنا

ومن دون رمسينا من الأرض سبسب

لظلّ صدى صوتى وإن كنت رمّة

لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب

وقول توبة :

٤١٧ ـ ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلمت

علىّ ودونى جندل وصفائح

لسلّمت تسليم البشاشة ، أوزقا

إليها صدّى من جانب القبر صائح

وقوله :

٤١٨ ـ لا يلفك الرّاجيك إلّا مظهرا

خلق الكرام ، ولو تكون عديما

وقوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) أى وليخش الذين إن شارفوا وقاربوا أن يتركوا ، وإنما أوّلنا الترك بمشارفة الترك لأن الخطاب للأوصياء ، وإنما يتوجّه إليهم قبل الترك ؛ لأنهم بعده أموات ، ومثله (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أى حتى يشارفوا رؤيته ويقاربوها ؛ لأن بعده

٢٦١

(فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) وإذا رأوه ثم جاءهم لم يكن مجيئه لهم بغتة وهم لا يشعرون ، ويحتمل أن تحمل الرؤية على حقيقتها ، وذلك على أن يكونوا يرونه فلا يظنونه عذابا مثل (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) أو يعتقدونه عذابا ، ولا يظنونه واقعا بهم ، وعليهما فيكون أخذه لهم بغتة بعد رؤيته ، ومن ذلك (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أى إذا قارب حضوره (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ) لأن بلوغ الأجل انقضاء العدة ، وإنما الإمساك قبله.

وأنكر ابن الحاجّ فى نقده على المقرب مجىء لو للتعليق فى المستقبل ، قال : ولهذا لا تقول «لو يقوم زيد فعمرو منطلق» كما تقول ذلك مع إن.

وكذلك أنكره بدر الدين بن مالك ؛ وزعم أن إنكار ذلك قول أكثر المحققين ، قال : وغاية ما فى أدلة من أثبت ذلك أن ما جعل شرطا للو مستقبل فى نفسه ، أو مقيد بمستقبل ، وذلك لا ينافى امتناعه فيما مضى لامتناع غيره ، ولا يحوج إلى إخراج «لو» عما عهد فيها من المضى ، اه.

وفى كلامه نظر فى مواضع :

أحدها : نقله عن أكثر المحققين ؛ فإنا لا نعرف من كلامهم إنكار ذلك ، بل كثير منهم ساكت عنه ، وجماعة منهم من أثبتوه.

والثانى : أن قوله «وذلك لا ينافى ـ إلى آخره» مقتضاه أن الشرط يمتنع لامتناع الجواب ، والذى قرّره هو وغيره من مثبتى الامتناع فيهما أن الجواب هو الممتنع لامتناع الشرط ، ولم نر أحدا صرّح بخلاف ذلك ، إلا ابن الحاجب وابن الخباز.

فأما ابن الحاجب فإنه قال فى أماليه : ظاهر كلامهم أن الجواب امتنع

٢٦٢

لامتناع الشرط ؛ لأنهم يذكرونها مع لو لا ؛ فيقولون : لو لا حرف امتناع لوجود ، والممتنع مع لو لا هو الثانى قطعا ؛ فكذا يكون قولهم فى لو ، وغير هذا القول أولى ؛ لأن انتفاء السبب لا يدل على انتفاء مسببه ؛ لجواز أن يكون ثم أسباب أخر. ويدل على هذا (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) فإنها مسوقة لنفى التعدد فى الآلهة بامتناع الفساد ، لا أن امتناع الفساد لامتناع الآلهة ، لأنه خلاف المفهوم من سياق أمثال هذه الآية ، ولأنه لا يلزم من انتفاء الآلهة انتفاء الفساد ؛ ولجواز وقوع ذلك وإن لم يكن تعدّد فى الآلهة ؛ لأن المراد بالفساد فساد نظام العالم عن حالته ، وذلك جائز أن يفعله الإله الواحد سبحانه ، اه.

وهذا الذى قاله خلاف المتبادر فى مثل «لو جئتنى أكرمتك» وخلاف ما فسروا به عبارتهم ، إلا بدر الدين ؛ فإن المعنى انقلب عليه ، لتصريحه أولا بخلافه ، وإلا ابن الخباز ؛ فإنه من ابن الحاجب أخذ ، وعلى كلامه اعتمد ، وسيأتى البحث معه.

وقوله : «المقصود نفى التعدد لانتفاء الفساد» مسلّم ، ولكن ذلك اعتراض على من قال : إن لو حرف امتناع لامتناع ، وقد بينا فساده.

فإن قال : إنه على تفسيرى لا اعتراض عليهم.

قلنا : فما تصنع بـ «لو جئتنى لأكرمتك» و (لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) فإنّ المراد نفى الإكرام والإسماع لانتفاء المجىء وعلم الخير فيهم ، لا العكس.

وأما ابن الخباز فإنه قال فى شرح الدرة وقد تلا قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) : يقول النحويون : إن التقدير لم نشأ فلم نرفعه ، والصواب لم نرفعه فلم نشأ ؛

٢٦٣

لأن نفى اللازم يوجب نفى الملزوم ، ووجود الملزوم يوجب وجود اللازم ، فيلزم من وجود المشيئة وجود الرفع ، ومن نفى الرفع نفى المشيئة ، اه.

والجواب أن الملزوم هنا مشيئة الرفع لا مطلق المشيئة ، وهى مساوية للرفع ، أى متى وجدت وجد ، ومتى انتفت انتفى ، وإذا كان اللازم والملزوم بهذه الحيثية لزم من نفى كل منهما انتفاء الآخر.

الاعتراض الثالث على كلام بدر الدين : أن ما قاله من التأويل ممكن فى بعض المواضع دون بعض ، فمما أمكن فيه قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا) الآية ، إذ لا يستحيل أن يقال : لو شارفت فيما مضى أنك تخلف ذرّيّة ضعافا لخفت عليهم ، لكنك لم تشارف ذلك فيما مضى ، ومما لا يمكن ذلك فيه قوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) ونحو ذلك.

وكون لو بمعنى «إن» قاله كثير من النحويين فى نحو (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) ونحو «أعطوا السائل ولو جاء على فرس» وقوله :

٤١٩ ـ قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النّساء ولو باتت بأطهار

وأما نحو (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) وقول كعب رضى الله عنه :

٤٢٠ ـ [لقد أقوم مقاما] لو يقوم به

أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل

فمن القسم الأول ، لا من هذا القسم ، لأن المضارع فى ذلك مراد به المضى ، وتحرير (١) ذلك أن تعلم أن خاصية «لو» فرض ما ليس بواقع واقعا ، ومن ثم انتفى

__________________

(١) فى نسخة «وتقرير ذلك».

٢٦٤

شرطها فى الماضى والحال لما ثبت من كون متعلقها غير واقع ، وخاصية إن تعليق أمر بأمر مستقبل محتمل ، ولا دلالة لها على حكم شرطها فى الماضى والحال ؛ فعلى هذا قوله «ولو باتت بأطهار» يتعين فيه معنى إن ؛ لأنه خبر عن أمر مستقبل محتمل ، أما استقباله فلأن جوابه محذوف دل عليه شدّوا ، وشدّوا مستقبل ؛ لأنه جواب إذا ، وأما احتماله فظاهر ، ولا يمكن جعلها امتناعية ، للاستقبال والاحتمال ، ولأن المقصود تحقق ثبوت الطهر لا امتناعه ، وأما قوله [٤١٦] «ولو تلتقى ـ البيت» وقوله [٤١٧] «ولو أن ليلى ـ البيت» فيحتمل أن لو فيهما بمعنى إن ، على أنّ المراد مجرد الإخبار بوجود ذلك عند وجود هذه الأمور فى المستقبل ، ويحتمل أنها على بابها وأن المقصود فرض هذه الأمور واقعة والحكم عليها مع العلم بعدم وقوعها.

والحاصل أن الشرط متى كان مستقبلا محتملا ، وليس المقصود فرضه الآن أو فيما مضى ؛ فهى بمعنى إن ، ومتى كان ماضيا أو حالا أو مستقبلا ، ولكن قصد فرضه الآن أو فيما مضى ؛ فهى الامتناعية.

والثالث : أن تكون حرفا مصدريا بمنزلة أن إلا أنها لا تنصب ، وأكثر وقوع هذه بعد ودّ أو يودّ ، نحو (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ) ومن وقوعها بدونهما قول قتيلة :

٤٢١ ـ ما كان ضرّك لو مننت ، وربّما

منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

وقوله الأعشى :

٤٢٢ ـ وربّما فات قوما جلّ أمرهم

من التّأنّى ، وكان الحزم لو عجلوا

وقول امرئ القيس :

٢٦٥

٤٢٣ ـ تجاوزت أحراسا عليها ومعشرا

على حراصا لو يسرّون مقتلى [ص ٥٢٢]

وأكثرهم لم يثبت ورود لو مصدرية ، والذى أثبته الفراء وأبو على وأبو البقاء والتبريزى وابن مالك.

ويقول المانعون فى نحو (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) : إنها شرطية ، وإن مفعول يؤد وجواب لو محذوفان ، والتقدير : يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنة لسرّه ذلك ، ولا خفاء بما فى ذلك من التكلف.

ويشهد للمثبتين قراءة بعضهم (ودوا لو يدهن فيدهنوا) بحذف النون ، فعطف يدهنوا بالنصب على يدهن لما كان معناه أن تدهن.

ويشكل عليهم دخولها على أنّ فى نحو (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً).

وجوابه أن لو إنما دخلت على فعل محذوف مقدر بعد لو تقديره تود لو ثبت أن بينها.

وأورد ابن مالك السؤال فى (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) وأجاب بما ذكرنا ، وبأن هذا من باب توكيد اللفظ بمرادفه نحو (فِجاجاً سُبُلاً) والسؤال فى الآية مدفوع من أصله ، لأن لو فيها ليست مصدرية ، وفى الجواب الثانى نظر ، لأن توكيد الموصول قبل مجىء صلته شاذ كقراءة زيد بن على (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) بفتح الميم.

والرابع : أن تكون للتمنى نحو «لو تأتينى فتحدّثنى» قيل : ومنه (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) أى فليت لنا كرة ، ولهذا نصب (فَنَكُونَ) فى جوابها كما انتصب (فَأَفُوزَ) فى جواب ليت فى (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ) ولا دليل فى هذا ، لجواز أن

٢٦٦

يكون النصب فى (فَنَكُونَ)(١)) مثله فى (إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) وقول ميسون :

٤٢٤ ـ ولبس عباءة وتقرّ عينى

أحبّ إلىّ من لبس الشّفوف

[ص ٢٨٣ و ٣٦١ و ٤٧٩ و ٥٥١]

واختلف فى «لو» هذه ؛ فقال ابن الضائع وابن هشام : هى قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشرط ، ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت ، وقال بعضهم : هى لو الشرطية أشربت معنى التمنى ، بدليل أنهم جمعوا لها بين جوابين : جواب منصوب بعد الفاء ، وجواب باللام كقوله :

٤٢٥ ـ فلو نبش المقابر عن كليب

فيخبر بالذّنائب أىّ زير

بيوم الشّعثمين لقرّ عينا

وكيف لقاء من تحت القبور؟

وقال ابن مالك : هى لو المصدرية أغنت عن فعل التمنى ، وذلك أنه أورد قول الزمخشرى «وقد تجىء لو فى معنى التمنى فى نحو لو تأتينى فتحدثنى» فقال : إن أراد أن الأصل «وددت لو تأتينى فتحدثنى» فحذف فعل التمنى لدلالة لو عليه فأشبهت ليت فى الإشعار بمعنى التمنى فكان لها جواب كجوابها فصحيح ، أو أنها حرف وضع للتمنى كليت فممنوع ؛ لاستلزامه منع الجمع بينها وبين فعل التمنى كما لا يجمع بينه وبين ليت ، اه.

الخامس : أن تكون للعرض نحو «لو تنزل عندنا فتصيب خيرا» ذكره فى التسهيل.

وذكر ابن هشام اللّخمى وغيره لها معنى آخر ، وهو التقليل نحو «تصدّقوا ولو بظلف محرق» وقوله تعالى (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) وفيه نظر.

__________________

(١) فى نسخة «لجواز أن يكون النصب فى فأفور».

٢٦٧

وهنا مسائل : إحداها ، أن «لو» خاصة بالفعل ، وقد يليها اسم مرفوع معمول لمحذوف يفسره ما بعده ، أو اسم منصوب كذلك ، أو خبر لكان محذوفة ، أو اسم هو فى الظاهر مبتدأ وما بعده خبر ؛ فالأول كقولهم «لو ذات سوار لطمتنى» وقول عمر رضى الله عنه «لو غيرك قالها يا أبا عبيدة» وقوله :

٤٢٦ ـ لو غيركم علق الزّبير بحبله

أدّى الجوار إلى بنى العوّام

والثانى نحو «لو زيدا رأيته أكرمته» والثالث نحو «التمس ولو خاتما من حديد ، واضرب ولو زيدا ، وألا ماء ولو باردا» وقوله :

٤٢٧ ـ لا يأمن الدّهر ذو بغى ولو ملكا

جنوده ضاق عنها السّهل والجبل

واختلف فى (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) فقيل : من الأول ، والأصل : لو تملكون تملكون ، فحذف الفعل الأول فانفصل الضمير ، وقيل : من الثالث ، أى لو كنتم تملكون ، وردّ بأن المعهود بعد لو حذف كان ومرفوعها معا ؛ فقيل : الأصل لو كنتم أنتم تملكون فحذفا ، وفيه نظر ؛ للجمع بين الحذف والتوكيد.

والرابع نحو قوله :

٤٢٨ ـ لو بغير الماء حلقى شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصار

وقوله :

٤٢٩ ـ لو فى طهيّة أحلام لما عرضوا

دون الّذى أنا أرميه ويرمينى

واختلف فيه ؛ فقيل : محمول على ظاهره وإن الجملة الاسمية وليتها شذوذا كما قيل فى قوله :

٢٦٨

[ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة

إلىّ] فهلا نفس ليلى شفيعها [١٠٩]

وقال الفارسى : هو من النوع الأول ، والأصل لو شرق حلقى هو شرق ، فحذف الفعل أولا والمبتدأ آخرا ، وقال المتنبى :

٤٣٠ ـ ولو قلم ألقيت فى شقّ رأسه

من السّقم ما غيّرت من خطّ كاتب

فقيل : لحن ؛ لأنه لا يمكن أن يقدر ولو ألقى قلم ، وأقول : روى بنصب قلم ورفعه ، وهما صحيحان ، والنصب أوجه بتقدير : ولو لابست قلما ، كما يقدر فى نحو «زيدا حبست عليه» والرفع بتقدير فعل دل عليه المعنى ، أى ولو حصل قلم ، أى ولو لوبس قلم ، كما قالوا فى قوله :

٤٣١ ـ إذا ابن أبى موسى بلالا بلغته

[فقام بفأس بين وصليك جازر]

فيمن رفع ابنا : إن التقدير إذا بلغ ، وعلى الرفع فيكون ألقيت صفة لقلم ، ومن الأولى تعليلية على كل حال متعلقة بألقيت ، لا بغيرت ؛ لوقوعه فى حيز ما النافية ، وقد تعلّق بغيرت ؛ لأن مثل ذلك يجوز فى الشعر كقوله :

*ونحن عن فضلك ما استغنينا* [١٣٧]

المسألة الثانية : تقع «أنّ» بعدها كثيرا نحو (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ) (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) وقوله :

ولو أنّ ما أسعى لأذنى معيشة

[كفانى ولم أطلب قليل من المال] [٤١٤]

وموضعها عند الجميع رفع ، فقال سيبويه : بالابتداء ولا تحتاج إلى خبر ؛ لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه ، واختصت من بين سائر ما يؤول بالاسم بالوقوع بعد لو ، كما اختصت غدوة بالنصب بعد لدن ، والحين بالنصب بعد لات ، وقيل : على الابتداء والخبر محذوف ، ثم قيل : يقدر مقدما ، أى ولو ثابت إيمانهم ، على حد

٢٦٩

(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا) وقال ابن عصفور : بل يقدر هنا مؤخرا ، ويشهد له أنه يأتى مؤخرا بعد أما كقوله :

٤٣٢ ـ عندى اصطبار ، وأمّا أنّنى جزع

يوم النّوى فلوجد كاد يبرينى

وذلك لأن لعل لا تقع هنا ؛ فلا تشتبه أنّ المؤكدة إذا قدمت بالتى بمعنى لعل ، فالأولى حينئذ أن يقدر مؤخرا على الأصل ، أى ولو إيمانهم ثابت.

وذهب المبرد والزجاج والكوفيون إلى أنه على الفاعلية ، والفعل مقدر بعدها ، أى ولو ثبت أنهم آمنوا ، ورجّح بأن فيه إبقاء لو على الاختصاص بالفعل.

قال الزمخشرى : ويجب كون خبر أنّ فعلا ليكون عوضا من الفعل المحذوف ، وردّه ابن الحاجب وغيره بقوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) وقالوا : إنما ذاك فى الخبر المشتق لا الجامد كالذى فى الآية وفى قوله :

٤٣٣ ـ ما أطيب العيش لو أنّ الفتى حجر

تنبو الحوادث عنه وهو ملموم

وقوله :

٤٣٤ ـ ولو أنها عصفورة لحسبتها

مسوّمة تدعو عبيدا وأزنما

ورد ابن مالك قول هؤلاء بأنه قد جاء اسما مشتقا كقوله :

٤٣٥ ـ لو أنّ حيّا مدرك الفلاح

أدركه ملاعب الرّماح

وقد وجدت آية فى التنزيل وقع فيها الخبر اسما مشتقا ، ولم يتنبه لها الزمخشرى ، كما لم يتنبه لآية لقمان ، ولا ابن الحاجب وإلا لما منع من ذلك ، ولا ابن مالك

٢٧٠

وإلا لما استدل بالشعر ، وهى قوله تعالى : (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) ووجدت آية الخبر فيها ظرف [لغو] وهى (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ).

المسألة الثالثة : لغلبة دخول «لو» على الماضى لم تجزم ، ولو أريد بها معنى إن الشرطية ، وزعم بعضهم أن الجزم بها مطرد على لغة ، وأجازه جماعة فى الشعر منهم ابن الشجرى كقوله :

٤٣٦ ـ لو يشأ طار به ذو ميعة

لاحق الآطال نهد ذو خصل [ص ٦٩٨]

وقوله :

٤٣٧ ـ تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت

إحدى نساء بنى ذهل بن شيبانا

وقد خرج هذا على أن ضمة الإعراب سكنت تخفيفا كقراءة أبى عمرو (وَيَنْصُرْكُمْ) و(يُشْعِرُكُمْ) و(يَأْمُرُكُمْ) والأول على لغة من يقول شايشا بألف ، ثم أبدلت همزة ساكنة ؛ كما قيل العألم والخأتم ، وهو توجيه قراءة ابن ذكوان (مِنْسَأَتَهُ) بهمزة ساكنة ؛ فإن الأصل (مِنْسَأَتَهُ) بهمزة مفتوحة مفعلة من نسأه إذا أخّره ، ثم أبدلت الهمزة ألفا ثم الألف همزة ساكنة.

المسألة الرابعة : جواب لو إما مضارع منفى بلم نحو «لو لم يخف الله لم يعصه» أو ماض مثبت ، أو منفى بما ، والغالب على المثبت دخول اللام عليه نحو (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) ومن تجرده منها (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) والغالب على المنفى تجرده منها نحو (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) ومن اقترانه بها قوله :

٤٣٨ ـ ولو نعطى الخيار لما افترقنا

ولكن لا خيار مع اللّيالى

٢٧١

ونظيره فى الشذوذ اقتران جواب القسم المنفى بما بها كقوله :

٤٣٩ ـ أما والّذى لو شاء لم يخلق النّوى

لئن غبت عن عينى لما غبت عن قلبى

وقد ورد جواب «لو» الماضى مقرونا بقد وهو غريب كقول جرير :

٤٤٠ ـ لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الحوائم لا يجدن غليلا

ونظيره فى الشذوذ اقتران جواب لو لا بها كقول جرير أيضا :

*لو لا رجاؤك قد قتّلت أولادى* [٩٤]

قيل : وقد يكون جواب لو جملة اسمية مقرونة باللام أو بالفاء ، كقوله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) وقيل : هى جواب لقسم مقدر ، وقول الشاعر :

٤٤١ ـ قالت سلامة : لم يكن لك عادة

أن تترك الأعداء حتّى تعذرا

لو كان قتل يا سلام فراحة

لكن فررت مخافة أن أوسرا

(لو لا) : على أربعة أوجه :

أحدها : أن تدخل على [جملتين] اسمية ففعلية لربط امتناع الثانية بوجود الأولى نحو : «لو لا زيد لأكرمتك» أى لو لا زيد موجود ، فأما قوله عليه الصلاة والسّلام : «لو لا أن أشقّ على أمّتى لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاة» فالتقدير لو لا مخافة أن أشق على أمتى لأمرتهم ، أى أمر إيجاب ، وإلّا لا نعكس معناها ؛ إذ الممتنع المشقة ، والموجود الأمر.

٢٧٢

وليس المرفوع بعد لو لا م فاعلا بفعل محذوف ، ولا بلو لا لنيابتها عنه ، ولا بها أصالة ، خلافا لزاعمى ذلك ، بل رفعه بالابتداء ، ثم قال أكثرهم : يجب كون الخبر كونا مطلقا محذوفا ، فإذا أريد الكون المقيد لم يجز أن تقول «لو لا زيد قائم» ولا أن تحذفه ، بل تجعل مصدره هو المبتدأ ؛ فتقول «لو لا قيام زيد لأتيتك» أو تدخل أنّ على المبتدأ فتقول «لو لا أنّ زيدا قائم» وتصير أنّ وصلتها مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ، أو مبتدأ لا خبر له ، أو فاعلا بثبت محذوفا ، على الخلاف السابق فى فصل «لو».

وذهب الرمانى وابن الشجرى والشلوبين وابن مالك إلى أنه يكون كونا مطلقا كالوجود والحصول فيجب حذفه ، وكونا مقيدا كالقيام والقعود فيجب ذكره إن لم يعلم نحو «لو لا قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة» ويجوز الأمران إن علم ، وزعم ابن الشجرى أن من ذكره (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) وهذا غير متعين ؛ لجواز تعلق الظرف بالفضل ، ولحّن جماعة ممن أطلق وجوب حذف الخبر المعرىّ فى قوله فى وصف سيف :

٤٤٢ ـ يذيب الرّعب منه كلّ عضب

فلولا الغمد يمسكه لسالا [ص ٥٤٢]

وليس يجيد ؛ لاحتمال تقدير «يمسكه» بدل اشتمال على أن الأصل أن يمسكه ، ثم حذفت أن وارتفع الفعل ، أو تقدير يمسكه جملة معترضة ، وقيل : يحتمل أنه حال من الخبر المحذوف ، وهذا مردود بنقل الأخفش أنهم لا يذكرون الحال بعدها ؛ لأنه خبر فى المعنى ، وعلى الإبدال والاعتراض والحال عند من قال به يتخرج أيضا قول تلك المرأة :

٤٤٣ ـ فو الله لو لا الله تخشى عواقبه

لزعزع من هذا السّر جوانبه

٢٧٣

وزعم ابن الطراوة أن جواب لو لا أبدا هو خبر المبتدأ ، ويرده أنه لا رابط بينهما.

وإذا ولى لو لا مضمر فحقّه أن يكون ضمير رفع ، نحو (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) وسمع قليلا «لولاى ، ولولاك ، ولولاه» خلافا للمبرد.

[ثم] قال سيبويه والجمهور : هى جارة للضمير مختصة به ، كما اختصت حتى والكاف بالظاهر ، ولا تتعلق لو لا بشىء ، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء ، والخبر محذوف.

وقال الأخفش : الضمير مبتدأ ، ولو لا غير جارة ، ولكنهم أنابوا الضمير المخفوض عن المرفوع ، كما عكسوا ؛ إذ قالوا «ما أنا كأنت ، ولا أنت كأنا» وقد أسلفنا أن النيابة إنما وقعت فى الضمائر المنفصلة لشبهها فى استقلالها بالأسماء الظاهرة ؛ فإذا عطف عليه اسم ظاهر نحو «لولاك وزيد» تعين رفعه ، لأنها لا تخفض الظاهر.

الثانى : أن تكون للتحضيص والعرض فتختص بالمضارع أو ما فى تأويله نحو «لو لا تستغفرون الله» ونحو (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) والفرق بينهما أن التحضيص طلب بحثّ وإزعاح ، والعرض طلب بلين وتأدب.

والثالث : أن تكون للتوبيخ والتنديم فتختص بالماضى نحو (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) ومنه (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) إلا أن الفعل أخّر ، وقوله :

٤٤٤ ـ تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم

بنى ضوطرى لو لا الكمىّ المقنّعا

إلا أن الفعل أضمر ، أى لو لا عددتم ، وقول النحويين «لو لا تعدون» مردود ؛

٢٧٤

إذ لم يرد أن يحضّهم على أن يعدّوا فى المستقبل ، بل المراد توبيخهم على ترك عدّه فى الماضى ، وإنما قال «تعدون» على حكاية الحال ؛ فإن كان مراد النحويين مثل ذلك فحسن.

وقد فصلت من الفعل بإذ وإذا معمولين له ، وبجملة شرطية معترضة ؛ فالأول نحو (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) والثانى والثالث نحو (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها) المعنى فهلّا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين ، وحالتكم أنكم تشاهدون ذلك ، ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا ، أو بالملائكة ، ولكنكم لا تشاهدون ذلك ، ولو لا الثانية تكرار للأولى.

الرابع : الاستفهام ، نحو (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) قاله الهروى ، وأكثرهم لا يذكره ، والظاهر أن الأولى للعرض ، وأن الثانية مثل (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ).

وذكر الهروى أنها تكون نافية بمنزلة لم ، وجعل منه (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) والظاهر أن المعنى على التوبيخ ، أى فهلا كانت قرية واحدة من القرى المهلكة تابت عن الكفر قبل مجىء العذاب فنفعها ذلك ، وهو تفسير الأخفش والكسائى والفراء وعلى بن عيسى والنحاس ، ويؤيده قراءة أبىّ وعبد الله (فهلا كانت) ويلزم من هذا المعنى النفى ؛ لأن التوبيخ يقتضى عدم الوقوع ، وقد يتوهم أن الزمخشرى قائل بأنها للنفى لقوله : «والاستثناء منقطع بمعنى لكن ، ويجوز كونه متصلا والجملة فى معنى النفى ، كأنه قيل : ما آمنت» ولعله إنما أراد ما ذكرنا ، ولهذا قال «والجملة فى معنى النفى «ولم يقل «ولو لا للنفى» وكذا قال فى (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) :

٢٧٥

معناه نفى التضرع ، ولكنه جىء بلو لا ليفاد أنهم لم يكن لهم عذر فى ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التى زيّنها الشيطان لهم ، اهـ

فإن احتجّ محتج للهروى بأنه قرىء بنصب (قَوْمَ) على أصل الاستثناء ، ورفعه على الإبدال ، فالجواب أنّ الإبدال يقع بعد ما فيه رائحة النفى ، كقوله :

٤٤٥ ـ [وبالصّريمة منهم منزل خلق]

عاف تغيّر إلّا النّؤى والوتد

فرفع لما كان تغير بمعنى لم يبق على حاله ، وأدقّ من هذه قراءة بعضهم (فشربوا منه إلا قليل منهم) لما كان شربوا منه فى معنى فلم يكونوا منه ، بدليل (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) ويوضح لك ذلك أن البدل فى غير الموجب أرجح من النصب ، وقد أجمعت السبعة على النصب فى (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) فدل على أن الكلام موجب ، ولكن فيه رائحة غير الإيجاب ، كما فى قوله :

*عاف تغيّر إلّا النّؤى والوتد* [٤٤٥]

تنبيه ـ ليس من أقسام «لو لا» الواقعة فى نحو قوله :

٤٤٦ ـ ألا زعمت أسماء أن لا أحبّها

فقلت : بلى لو لا ينازعنى شغلى

لأن هذه كلمتان بمنزلة قولك «لو لم» والجواب محذوف ، أى لو لم ينازعنى شغلى لزرتك ، وقيل : بل هى لو لا الامتناعيّة ، والفعل بعدها على إضمار «أن» على حد قولهم «تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه».

(لوما) : بمنزلة لو لا ، تقول : لو ما زيد لأكرمتك ، وفى التنزيل (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) وزعم المالقى أنها لم تأت إلا للتحضيض ، ويرده قول الشاعر :

٤٤٧ ـ لو ما الإصاخة للوشاة لكان لى

من بعد سخطك فى رضاك رجاء

٢٧٦

(لم) : حرف جزم لنفى المضارع وقلبه ماضيا ، نحو (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) الآية. وقد يرفع الفعل [المضارع] بعدها ، كقوله :

٤٤٨ ـ لو لا فوارس من نعم وأسرتهم

يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار [ص ٣٣٩]

فقيل : ضرورة ، وقال ابن مالك : لغة.

وزعم اللحيانى أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم (أَلَمْ نَشْرَحْ) وقوله :

٤٤٩ ـ فى أىّ يومىّ من الموت أفرّ

أيوم لم يقدر أم يوم قدر

وخرجا على أن الأصل «نشرحن» و «يقدرن» ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها ، وفى هذا شذوذان : توكيد المنفى بلم ، وحذف النون لغير وقف ولا ساكنين ، وقال أبو الفتح : الأصل يقدر بالسكون ، ثم لما تجاورت الهمزة المفتوحة والراء الساكنة ـ وقد أجرت العرب الساكن المجاور للمحرك مجرى المحرك ، والمحرك مجرى الساكن ، إعطاء للجار حكم مجاوره ـ أبدلوا الهمزة المحركة ألفا ، كما تبدل الهمزة الساكنة بعد الفتحة ، يعنى ولزم حينئذ فتح ما قبلها ؛ إذ لا تقع الألف إلا بعد فتحة ، قال : وعلى ذلك قولهم : المراة ، والكماة ، بالألف ، وعليه خرج أبو على قول عبد يغوث :

٤٥٠ ـ [وتضحك منّى شيخة عبشميّة]

كأن لم ترا قبلى أسيرا يمانيا

[ص ٢٧٨]

فقال : أصله ترأى ـ بهمزة بعدها ألف ـ كما قال سراقة البارقى :

٤٥١ ـ أرى عينىّ ما لم ترأياه

[كلانا عالم بالتّرهات]

ثم حذفت الألف للجازم ، ثم أبدلت الهمزة ألفا لما ذكرنا ، وأقيس من تخريجهما أن يقال فى قوله «أيوم لم يقدر» : نقلت حركة همزة أم إلى راء يقدر ، ثم أبدلت الهمزة

٢٧٧

الساكنة ألفا ، ثم الألف همزة متحركة لالتقاء الساكنين ، وكانت الحركة فتحة إتباعا لفتحة الراء ، كما فى (وَلَا الضَّالِّينَ) فيمن همزه ، وكذلك القول فى «المراة والكماة» وقوله :

*كأن لم ترا قبلى أسيرا يمانيا* [٤٥٠]

ولكن لم تحرك الألف فيهنّ لعدم التقاء الساكنين.

وقد تفصل من مجزومها فى الضرورة بالظرف كقوله :

٤٥٢ ـ فذاك ولم ـ إذا نحن امترينا ـ

تكن فى النّاس يدركك المراء

وقوله :

٤٥٣ ـ فأضحت مغانيها قفارا رسومها

كأن لم ـ سوى أهل من الوحش ـ تؤهل

وقد يليها الاسم معمولا لفعل محذوف يفسره ما بعده كقوله :

٤٥٤ ـ ظننت فقيرا ذا غنى ثمّ نلته

فلم ذا رجاء ألقه غير واهب

(لمّا) : على ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها تختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيا كلم ، إلا أنها تفارقها فى خمسة أمور :

أحدها : أنها لا تقترون بأداة شرط ، لا يقال «إن لمّا تقم» وفى التنزيل (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا).

الثانى : أن منفيها مستمر النفى إلى الحال كقوله :

٤٥٥ ـ فإن كنت مأكولا فكن خيرا آكل

وإلّا فأدركنى ولمّا أمزّق

٢٧٨

ومنفى لم يحتمل الاتصال نحو (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) والانقطاع مثل (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) ولهذا جاز «لم يكن ثم كان» ولم يجز «لما يكن ثم كان» بل يقال «لما يكن وقد يكون» ومثّل ابن مالك للنفى المنقطع بقوله :

٤٥٦ ـ وكنت إذ كنت إلهى وحدكا

لم يك شىء يا إلاهى قبلكا

وتبعه ابنه فيما كتب على التسهيل ، وذلك وهم فاحش.

ولامتداد النفى بعد لما لم يجز اقترانها بحرف التعقيب ، بخلاف لم ، تقول قمت فلم تقم ، لأن معناه وما قمت عقيب قيامى ، ولا يجوز «قمت فلما تقم» لأن معناه وما قمت إلى الآن.

الثالث : أن منفى لما لا يكون إلا قريبا من الحال ، ولا يشترط ذلك فى منفى لم ، تقول : لم يكن زيد فى العام الماضى مقيما ، ولا يجوز «لما يكن» وقال ابن مالك : لا يشترط كون منفى لما قريبا من الحال مثل «عصى إبليس ربّه ولمّا يندم» بل ذلك غالب لا لازم.

الرابع : أن منفى لما متوقّع ثبوته ، بخلاف منفى لم ، ألا ترى أن معنى (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) أنهم لم يذوقوه إلى الآن وأن ذوقهم له متوقّع ، قال الزمخشرى فى (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) : ما فى لما من معنى التوقع دالّ على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد ، اه. ولهذا أجازوا «لم يقض ما لا يكون» ومنعوه فى لما.

وهذا الفرق بالنسبة إلى المستقبل ، فأما بالنسبة إلى الماضى فهما سيّان فى نفى المتوقع وغيره ، مثال المتوقع أن تقول : ما لى قمت ولم تقم ، أو ولما تقم ، ومثال غير المتوقع أن تقول ابتداء : لم تقم ، أو لما تقم.

الخامس : أن منفى لما جائز الحذف لدليل ، كقوله :

٢٧٩

٤٥٧ ـ فجئت قبورهم بدأ ولمّا

فناديت القبور فلم يجبنه

أى ولما أكن بدأ قبل ذلك ، أى سيدا ، ولا يجوز «وصلت إلى بغداد ولم» تريد ولم أدخلها ، فأما قوله :

٤٥٨ ـ احفظ وديعتك الّتى استودعتها

يوم الأعازب إن وصلت وإن لم

فضرورة.

وعلة هذه الأحكام كلها أن لم لنفى فعل ، ولما لنفى قد فعل.

الثانى من أوجه لما : أن تختصّ بالماضى ؛ فتقتضى جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما ، نحو «لما جاءنى أكرمته» ويقال فيها : حرف وجود لوجود ، وبعضهم يقول : حرف وجوب لوجوب ، وزعم ابن السراج وتبعه الفارسى وتبعهما ابن جنى وتبعهم جماعة أنها ظرف بمعنى حين ، وقال ابن مالك : بمعنى إذ ، وهو حسن ؛ لأنها مختصة بالماضى وبالإضافة إلى الجملة.

وردّ ابن خروف على مدّعى الاسمية بجواز أن يقال : لما أكرمتنى أمس أكرمتك اليوم ، لأنها إذا قدّرت ظرفا كان عاملها الجواب ، والواقع فى اليوم لا يكون فى الأمس.

والجواب أن هذا مثل (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) والشرط لا يكون إلا مستقبلا ، ولكن المعنى إن ثبت أنى كنت قلته ، وكذا هنا. المعنى لما ثبت اليوم إكرامك لى أمس أكرمتك.

ويكون جوابها فعلا ماضيا اتفاقا ، وجملة اسمية مقرونة بإذا الفجائية أو بالفاء عند ابن مالك ، وفعلا مضارعا عند ابن عصفور ، دليل الأول (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ

٢٨٠