مغنى اللبيب - ج ١

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٦
الجزء ١ الجزء ٢

بعد فعل تعجب أو اسم تفضيل مفهمين حبّا أو بغضا ، تقول «ما أحبّنى ، وما أبغضنى» فإن قلت «لفلان» فأنت فاعل الحب والبغض وهو مفعولهما ، وإن قلت «إلى فلان» فالأمر بالعكس ، هذا شرح ما قاله ابن مالك ، ويلزمه أن يذكر هذا المعنى فى معانى «إلى» أيضا لما بينا ، وقد مضى فى موضعه.

الثاني والثالث : ما يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية ، وما يبين مفعولية غير ملتبسة بفاعلية ، ومصحوب كل منهما إما غير معلوم مما قبلها ، أو معلوم لكن استؤنف بيانه تقوية للبيان وتوكيدا له ، واللام فى ذلك كله متعلقة بمحذوف.

مثال المبينة للمفعولية «سقيا لزيد ، وجدعا له» فهذه اللام ليست متعلقة بالمصدرين ، ولا بفعليهما المقدّرين ؛ لأنهما متعديان ، ولا هى مقوية للعامل لضعفه بالفرعية إن قدّر أنه المصدر أو بالتزام الحذف إن قدّر أنه الفعل ؛ لأن لام التقوية صالحة للسقوط ، وهذه لا تسقط ، لا يقال «سقيا زيدا» ولا «جدعا إياه» خلافا لابن الحاجب ذكره فى شرح المفصل ، ولا هى ومخفوضها صفة للمصدر فتتعلق بالاستقرار ؛ لأن الفعل لا يوصف فكذا ما أقيم مقامه ، وإنما هى لام مبينة للمدعوّ له أو عليه إن لم يكن معلوما من سياق أو غيره ، أو مؤكدة للبيان إن كان معلوما ، وليس تقدير المحذوف «أعنى» كما زعم ابن عصفور ؛ لأنه يتعدى بنفسه ، بل التقدير : إرادتى لزيد.

وينبنى على أن هذه اللام ليست متعلقة بالمصدر أنه لا يجوز فى «زيد سقياله» أن ينصب زيد بعامل محذوف على شريطة التفسير ، ولو قلنا إن المصدر الحالّ محل فعل دون حرف مصدرى يجوز تقديم معموله عليه ؛ فتقول «زيدا ضربا» لأن الضمير فى المثال ليس معمولا له ، ولا هو من جملته ، وأما تجويز بعضهم فى قوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) كون الذين فى موضع نصب على الاشتغال فوهم.

وقال ابن مالك فى شرح باب النعت من كتاب التسهيل : اللام فى «سقيالك»

٢٢١

متعلقة بالمصدر ، وهى للتبيين ، وفى هذا تهافت ، لأنهم إذا أطلقوا القول بأن اللام للتبيين فإنما يريدون بها أنها متعلقة بمحذوف استؤنف للتبيين.

ومثال المبينة للفاعلية «تبّا لزيد ، وويحا له» فإنهما فى معنى خسرو هلك ، فإن رفعتهما بالابتداء ؛ فاللام ومجرورها خبر ، ومحلّهما الرفع ، ولا تبيين ؛ لعدم تمام الكلام.

فإن قلت «تبّا له وويح» فنصبت الأول ورفعت الثانى لم يجز ؛ لتخالف الدليل والمدلول عليه ، إذ اللام فى الأول للتبيين ، واللام المحذوفة لغيره

واختلف فى قوله تعالى : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ؟ هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) فقيل : اللام زائدة ، و «ما» فاعل ، وقيل : الفاعل ضمير مستتر راجع إلى البعث أو الإخراج فاللام للتبيين ، وقيل : هيهات مبتدأ بمعنى البعد والجار والمجرور خبر.

وأما قوله تعالى : (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) فيمن قرأ بهاء مفتوحة وياء ساكنة وتاء مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة ، فهيت : اسم فعل ، ثم قيل : مسماه فعل ماض أى تهيأت ، فاللام متعلقة به كما تتعلق بمسمّاه لو صرح به ، وقيل : مسماه فعل أمر بمعنى أقبل أو تعال ؛ فاللام للتبيين ، أى إرادتى لك ، أو أقول لك ، وأما من قرأ (هئت) مثل جئت فهو فعل بمعنى تهيأت ، واللام متعلقة به ، وأما من قرأ كذلك ولكن جعل التاء ضمير المخاطب فاللام للتبيين مثلها مع اسم الفعل ، ومعنى تهيئه تيسر انفرادها به ، لا أنه قصدها ؛ بدليل (وَراوَدَتْهُ) فلا وجه لإنكار الفارسى هذه القراءة مع ثبوتها واتجاهها ، ويحتمل أنها أصل قراءة هشام (هَيْتَ) بكسر الهاء وبالياء وبفتح التاء ، وتكون على إبدال الهمزة.

تنبيه ـ الظاهر أن «لها» من قول المتنبى :

٣٦٩ ـ لو لا مفارقة الأحباب ما وجدت

لها المنايا إلى أرواحنا سبلا

٢٢٢

جار ومجرور متعلق بوجدت ، لكن فيه تعدّى فعل الظاهر إلى ضميره المتصل كقولك «ضربه زيد» وذلك ممتنع ؛ فينبغى أن يقدر صفة فى الأصل لسبلا فلما قدّم عليه صار حالا منه ، كما أن قوله «إلى أرواحنا» كذلك ؛ إذ المعنى سبلا مسلوكة إلى أرواحنا ؛ ولك فى «لها» وجه غريب ، وهو أن تقدره جمعا للهاة كحصاة وحصى ، ويكون «لها» فاعلا بوجدت ، والمنايا مضافا إليه ، ويكون إثبات اللهوات للمنايا استعارة ، شبهت بشىء يبتلع الناس ، ويكون أقام اللها مقام الأفواه لمجاورة اللهوات للفم

وأما اللام العاملة للجزم فهى اللام الموضوعة للطلب ، وحركتها الكسر ، وسليم تفتحها ، وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها ، نحو (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) وقد تسكن بعد ثمّ نحو (ثُمَّ لْيَقْضُوا) فى قراءة الكوفيين وقالون والبزى ، وفى ذلك رد على من قال : إنه خاص بالشعر.

ولا فرق فى اقتضاء اللام الطلبية للجزم بين كون الطلب أمرا ، نحو (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ) أو دعاء نحو (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) أو التماسا كقولك لمن يساويك «ليفعل فلان كذا» إذا لم ترد الاستعلاء عليه ، وكذا لو أخرجت عن الطلب إلى غيره ، كالتى يراد بها وبمصحوبها الخبر نحو (مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) أى فيمد ونحمل ، أو التهديد نحو (وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) وهذا هو معنى الأمر فى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) وأما (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا) فيحتمل اللامان منه التعليل ، فيكون ما بعدها منصوبا ، والتهديد فيكون مجزوما ، ويتعين الثانى فى اللام الثانية فى قراءة من سكنها ، فيترجح بذلك أن تكون اللام الأولى كذلك ، ويؤيده أن بعدهما (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وأما (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ) فيمن قرأ بسكون اللام فهى لام الطلب ؛ لأنه يقرأ بسكون الميم ، ومن كسر اللام ـ وهو حمزة ـ فهى لام

٢٢٣

التعليل ؛ لأنه يفتح الميم ، وهذا التعليل إما معطوف على تعليل آخر متصيّد من المعنى لأن قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) معناه وآتيناه الإنجيل للهدى والنور ، ومثله (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً) لأن المعنى إنا خلقنا الكواكب فى السماء زينة وحفظا ، وإما متعلق بفعل مقدر مؤخّر ، أى ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله أنزله ، ومثله (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) أى وللجزاء خلقهما ، وقوله سبحانه : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) أى وأريناه ذلك ، وقوله تعالى : (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) أى وخلقناه من غير أب.

وإذا كان مرفوع فعل الطلب فاعلا مخاطبا استغنى عن اللام بصيغة افعل غالبا ، نحو قم واقعد ؛ وتجب اللام إن انتفت الفاعلية ، نحو «لتعن بحاجتى» أو الخطاب نحو «ليقم زيد» أو كلاهما نحو «ليعن زيد بحاجتى» ودخول اللام على فعل المتكلم قليل ، سواء أكان المتكلم مفردا ، نحو قوله عليه الصلاة والسّلام :

«قوموا فلاصلّ لكم» أو معه غيره كقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) وأقلّ منه دخولها فى فعل الفاعل المخاطب كقراءة جماعة (فبذلك فلتفرحوا) وفى الحديث «لتأخذوا مصافّكم».

وقد تحذف اللام فى الشعر ويبقى عملها كقوله :

٣٧٠ ـ فلا تستطل منّى بقائى ومدّتى

ولكن يكن للخير منك نصيب

وقوله :

٣٧١ ـ محمّد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من شىء تبالا [ص ٤٦١]

٢٢٤

أى ليكن ولتفد ، والتّبال : الوبال ، أبدلت الواو المفتوحة تاء مثل تقوى.

ومنع المبرد حذف اللام وإبقاء عملها حتى فى الشعر ، وقال فى البيت الثانى : إنه لا يعرف قائله ، مع احتماله لأن يكون دعاء بلفظ الخبر نحو «يغفر الله لك» و «يرحمك الله» وحذفت الياء تخفيفا ، واجتزىء عنها بالكسرة كقوله :

٣٧٢ ـ [فطرت بمنصلى فى يعملات]

دوامى الايد يخبطن السريحا

قال : وأما قوله :

٣٧٣ ـ على مثل أصحاب البعوضة فاخمشى

لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى

فهو على قبحه جائز ؛ لأنه عطف على المعنى إذ اخمشى ولتخمشى بمعنى واحد.

وهذا الذى منعه المبرد فى الشعر أجازه الكسائى فى الكلام ، لكن بشرط تقدم قل ، وجعل منه (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) أى ليقيموها ، ووافقه ابن مالك فى شرح الكافية ، وزاد عليه أن ذلك يقع فى النثر قليلا بعد القول الخبرى كقوله :

٣٧٤ ـ قلت لبوّاب لديه دارها

تأذن فإنّى حمؤها وجارها (١)

أى لتأذن ، فحذف اللام وكسر حرف المضارعة ، قال : وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول : إيذن ، اه

قيل : وهذا تخلص من ضرورة لضرورة وهى إثبات همزة الوصل فى الوصل ، وليس كذلك ؛ لأنهما بيتان لا بيت مصرّع ؛ فالهمزة فى أول البيت لافى حشوه ، بخلافها فى نحو قوله :

__________________

(١) كسر ما قبل الهمزة الساكنة يجيز قلبها ياء ، ولذلك يقع فى بعض الأصول «تيذن» وليس ذلك بواجب ما لم يكن المكسور همزة أخرى نحو إيمان وإيذن.

٢٢٥

٣٧٥ ـ لا نسب اليوم ولا خلّة

اتّسع الخرق على الرّاقع [ص ٦٠٠]

والجمهور على أن الجزم فى الآية مثله فى قولك «ائتنى أكرمك». وقد اختلف فى ذلك على ثلاثة أقوال :

أحدها للخليل وسيبويه ، أنه بنفس الطّلب ، لما تضمنه من معنى إن الشرطية كما أن أسماء الشرط إنما جزمت لذلك

والثانى للسيرافى والفارسى ، أنه بالطلب لنيابته مناب الجازم الذى هو الشرط المقدر ، كما أن النصب بضربا فى قولك «ضربا زيدا» لنيابته عن اضرب ، لا لتضمنه معناه.

والثالث للجمهور ، أنه بشرط مقدّر بعد الطلب.

وهذا أرجح من الأول ؛ لأن الحذف والتضمين وإن اشتركا فى أنهما خلاف الأصل ، لكن فى التضمين تغيير معنى الأصل ، ولا كذلك الحذف ، وأيضا فإن تضمين الفعل معنى الحرف إما غير واقع أو غير كثير.

ومن الثانى ؛ لأن نائب الشىء يؤدّى معناه ، والطلب لا يؤدّى معنى الشرط.

وأبطل ابن مالك بالآية أن يكون الجزم فى جواب شرط مقدّر ؛ لأن تقديره يستلزم أن لا يتخلف أحد من المقول له ذلك عن الامتثال ، ولكن التخلف واقع (١).

وأجاب ابنه بأن الحكم مسند إليهم على سبيل الإجمال ، لا إلى كل فرد ؛ فيحتمل أن الأصل يقم أكثرهم ، ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه فارتفع واتصل بالفعل ، وباحتمال أنه ليس المراد بالعباد الموصوفين بالإيمان مطلقا ، بل المخلصين منهم ، وكل مؤمن مخلص قال له الرسول أقم الصلاة أقامها.

__________________

(١) الآية هى قوله تعالى (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا) والجزم على الوجه الذى رده ابن مالك يقتضى أن تقدير الكلام : إن تقل لهم ذلك يقيموا الصلاة.

٢٢٦

وقال المبرد : التقدير قل لهم أقيموا يقيموا ، والجزم فى جواب أقيموا المقدر ، لا فى جواب قل.

ويردّه أن الجواب لا بد أن يخالف المجاب : إما فى الفعل والفاعل نحو «ائتنى أكرمك» أو فى الفعل نحو «أسلم تدخل الجنة» أو فى الفاعل نحو «قم أقم» ولا يجوز أن يتوافقا فيهما ، وأيضا فإن الأمر المقدّر للمواجهة ، ويقيموا للغيبة (١).

وقيل : يقيموا مبنى ؛ لحلوله محل أقيموا وهو مبنى ، وليس بشىء.

وزعم الكوفيون وأبو الحسن أن لام الطلب حذفت حذفا مستمرا فى نحو قم واقعد ، وأن الأصل لنقم ولتقعد ، فحذفت اللام للتخفيف ، وتبعها حرف المضارعة.

وبقولهم أقول ؛ لأن الأمر معنى حقّه أن يؤدى بالحرف ، ولأنه أخو النهى ولم يدلّ عليه إلا بالجرف ، ولأن الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمان المحصل ، وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده ، ولأنهم قد نطقوا بذلك الأصل كقوله :

٣٧٦ ـ لنقم أنت يا ابن خير قريش

[كى لتقضى حوائج المسلميا] [ص ٥٥٢]

وكقراءة جماعة (فبذلك فلتفرحوا) وفى الحديث «لتأخذوا مصافّكم» ولأنك تقول : اغز واخش وارم ، واضربا واضربوا واضربى ، كما تقول فى الجزم ، ولأن البناء لم يعهد كونه بالحذف ، ولأن المحققين على أن أفعال الإنشاء مجردة عن الزمان كبعت وأقسمت وقبلت ، وأجابوا عن كونها مع ذلك أفعالا بأن تجرّدها عارض لها عند نقلها عن الخبر ، ولا يمكنهم إدعاء ذلك فى نحو قم ، لأنه ليس له حالة غير هذه ، وحينئذ فتشكل فعليّته ، فإذا ادعى أن أصله «لتقم» كان الدال على الإنشاء اللام لا الفعل.

__________________

(١) الأمر المقدر هو أقيموا ، وهو للمواجهة كما هو ظاهر ، والجواب المذكور هو يقيموا ، وهو للغيبة ، ولا يصلح أن يكون جوابا لذلك المقدر ؛ إذ لو أريد جوابه مقيل تقيموا ، إذ لا تجاب المواجهة بالغيبة والفاعل واحد.

٢٢٧

وأما اللام غير العاملة فسبع :

إحداها : لام الابتداء ، وفائدتها أمران : توكيد مضمون الجملة ، ولهذا زحلقوها فى باب إنّ عن صدر الجملة كراهية ابتداء الكلام بمؤكدين ، وتخليص المضارع للحال ، كذا قال الأكثرون ، واعترض ابن مالك الثانى بقوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) فإن الذهاب كان مستقبلا ، فلو كان الحزن حالا لزم تقدّم الفعل فى الوجود على فاعله مع أنه أثره ، والجواب أن الحكم واقع فى ذلك اليوم لا محالة ، فنزل منزلة الحاضر المشاهد ، وأن التقدير قصد أن تذهبوا ، والقصد حال ، وتقدير أبى حيان قصدكم أن تذهبوا مردود بأنه يقتضى حذف الفاعل ، لأن (أَنْ تَذْهَبُوا) على تقديره منصوب.

وتدخل باتفاق فى موضعين ، أحدهما : المبتدأ نحو (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) والثانى بعد إنّ ، وتدخل فى هذا الباب على ثلاثة باتفاق : الاسم ، نحو (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) والمضارع لشبهه به نحو (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) والظرف نحو (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وعلى ثلاثة باختلاف ، أحدها : الماضى الجامد نحو «إنّ زيدا لعسى أن يقوم» أو «لنعم الرجل» قاله أبو الحسن ، ووجهه أن الجامد يشبه الاسم ، وخالفه الجمهور ، والثانى : الماضى المقرون بقد ، قاله الجمهور ، ووجهه أن قد تقرب الماضى من الحال فيشبه المضارع المشبه للاسم ، وخالف فى ذلك خطاب ومحمد بن مسعود الغزنى ، وقالا : إذا قيل «إنّ زيدا لقد قام» فهو جواب لقسم مقدر ، والثالث : الماضى المتصرف المجرد من قد ، أجازه الكسائى وهشام على إضمار قد ، ومنعه الجمهور ، وقالوا : إنما هذه لام القسم ، فمتى تقدّم فعل القلب فتحت همزة أن كـ «علمت أنّ زيدا لقام» والصواب عندهما الكسر.

واختلف فى دخولها فى غير باب إن على شيئين : أحدهما خبر المبتدأ المتقدم نحو «لقائم زيد» فمقتضى كلام جماعة [من النحويين] الجواز ، و [إن كان] فى أمالى ابن الحاجب : لام الابتداء يجب معها المبتدأ ، الثانى : الفعل نحو «ليقوم زيد» فأجاز

٢٢٨

ذلك ابن مالك والمالقى وغيرهما ، زاد المالقى «الماضى الجامد» نحو (لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وبعضهم المتصرف المقرون بقد نحو (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ) والمشهور أن هذه لام القسم ، وقال أبو حيان فى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) : هى لام الابتداء مفيدة لمعنى التوكيد ، ويجوز أن يكون قبلها قسم مقدر وأن لا يكون ، اه.

ونص جماعة على منع ذلك كله ، قال ابن الخباز فى شرح الإيضاح : لا تدخل لام الابتداء على الجمل الفعلية إلا فى باب إنّ ، اه.

وهو مقتضى ما قدمناه عن ابن الحاجب ، وهو أيضا قول الزمخشرى ، قال فى تفسير (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) : لام الابتداء لا تدخل إلا على المبتدأ والخبر ، وقال فى (فَلا أُقْسِمُ) : هى لام الابتداء دخلت على مبتدأ محذوف ، ولم يقدرها لام القسم ؛ لأنها عنده ملازمة للنون ، وكذا زعم فى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) أن المبتدأ مقدر ، أى ولأنت سوف يعطيك ربك.

وقال ابن الحاجب : اللام فى ذلك لام التوكيد ، وأما قول بعضهم إنها لام الابتداء وإن المبتدأ مقدر بعدها ففاسد من جهات ؛ إحداها : أن اللام مع الابتداء كقد مع الفعل وإنّ مع الاسم ، فكما لا يحذف الفعل والاسم ويبقيان بعد حذفهما كذلك اللام بعد حذف الاسم ، والثانية : أنه إذا قدر المبتدأ فى نحو «لسوف يقوم زيد» يصير التقدير لزيد سوف يقوم زيد ، ولا يخفى ما فيه من الضعف ، والثالثة : أنه يلزم إضمار لا يحتاج إليه الكلام ، اه.

وفى الوجهين الأخيرين نظر ؛ لأن تكرار الظاهر إنما يقبح إذا صرح بهما ، ولأن النحويين قدّروا مبتدأ بعد الواو فى نحو «قمت وأصكّ عينه» وبعد الفاء فى نحو (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) وبعد اللام فى نحو (لاقسم بيوم القيامة) وكل ذلك تقديرلأصل الصناعة دون المعنى ، فكذلك هنا.

٢٢٩

وأما الأول فقد قال جماعة فى (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) : إن التقدير لهما ساحران فحذف المبتدأ وبقيت اللام ، ولأنه يجوز على الصحيح نحو «لقائم زيد».

وإنما يضعف قول الزمخشرى أن فيه تكلّفين لغير ضرورة ، وهما تقدير محذوف وخلع اللام عن معنى الحال ؛ لئلا يجتمع دليلا الحال والاستقبال ، وقد صرح بذلك فى تفسير (لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) ونظّره بخلع اللام عن التعريف وإخلاصها للتعويض فى «يالله» وقوله إن لام القسم مع المضارع لا تفارق النون ممنوع ، بل تارة تجب اللام وتمتنع النون ، وذلك مع التنفيس كالآية ، ومع تقديم المعمول بين اللام والفعل نحو (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) ومع كون الفعل للحال نحو (لأقسم) وإنما قدر البصريون هنا مبتدأ لأنهم لا يجيزون لمن قصد الحال أن يقسم إلا على الجملة الاسمية ، وتارة يمتنعان ، وذلك مع الفعل المنفى نحو (تَاللهِ تَفْتَؤُا) وتارة بجباز ، وذلك فيما بقى نحو (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ).

مسألة ـ للام الابتداء الصّدرية ، ولهذا علّقت العامل فى «علمت لزيد منطلق» ومنعت من النصب على الاشتغال فى نحو «زيد لأنا أكرمه» ومن أن يتقدم عليها الخبر فى نحو «لزيد قائم» والمبتدأ فى نحو «لقائم زيد» فأما قوله :

٣٧٧ ـ أمّ الحليس لعجوز شهربه

[ترضى من اللّحم بعظم الرّقبه] [ص ٢٣٣]

فقيل : اللام زائدة ، وقيل : للابتداء والتقدير لهى عجوز ، وليس لها الصّدرية فى باب إن لأنها [فيه] مؤخّرة من تقديم ، ولهذا تسمى اللام المزحلقة ، والمزحلقة أيضا ، وذلك لأن أصل «إنّ زيدا لقائم» «لإن زيدا قائم» فكرهوا افتتاح الكلام بتوكيدين فأخّروا اللام دون إن لئلا يتقدم معمول الحرف عليه ، وإنما لم ندّع أن

٢٣٠

الأصل «إنّ لزيدا قائم» لئلا يحول ماله الصدر بين العامل والمعمول ، ولأنهم قد نطقوا باللام مقدمة على إنّ فى نحو قوله :

٣٧٨ ـ [ألا يا سنابرق على قلل الحمى]

لهنّك من برق علىّ كريم

ولاعتبارهم حكم صدريّتها فيما قبل إن دون ما بعدها ، دليل الأول أنها تمنع من تسلط فعل القلب على أن ومعموليها ، ولذلك كسرت فى نحو (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) بل قد أثّرت هذا المنع مع حذفها فى قول الهذلى :

٣٧٩ ـ فغبرت بعدهم بعيش ناصب

وإخال إنّى لاحق مستتبع

الأصل إنى للاحق ، فحذفت اللام بعد ما علّقت إخال ، وبقى الكسر بعد حذفها كما كان مع وجودها ، فهو مما نسخ لفظه وبقى حكمه. ودليل الثانى أن عمل إن يتخطاها ، تقول «إنّ فى الدار لزيدا» و «إنّ زيدا لقائم» وكذلك يتخطاها عمل العامل بعدها نحو «إنّ زيدا طعامك لآكل» ووهم بدر الدين ابن ابن مالك ، فمنع من ذلك ، والوارد منه فى التنزيل كثير نحو (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ)

تنبيه ـ «إنّ زيدا لقام ، أو ليقومنّ» اللام جواب قسم مقدّر ، لا لام الابتداء ، فإذا دخلت عليها «علمت» مثلا فتحت همزتها ، فإن قلت «لقدم قام زيد» فقالوا : هى لام الابتداء ، وحينئذ يجب كسر الهمزة ، وعندى أن الأمرين محتملان.

فصل وإذا خففت إنّ نحو (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) فاللام عند سيبويه والأكثرين لام الابتداء أفادت ـ مع إفادتها توكيد النسبة وتخليص المضارع للحال ـ الفرق بين إن المخففة من الثقيلة وإن النافية ؛ ولهذا صارت

٢٣١

لازمة بعد أن كانت جائزة ، اللهم إلا أن يدل دليل على قصد الإثبات كقراءة أبى رجاء (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) بكسر اللام أى للّذى ، وكقوله :

٣٨٠ ـ إن كنت قاضى نحبى يوم بينكم

لو لم تمنّوا بوعد غير توديع (١)

ويجب تركها مع نفى الخبر كقوله :

٣٨١ ـ إن الحقّ لا يخفى على ذى بصيرة

وإن هو لم يعدم خلاف معاند

وزعم أبو على وأبو الفتح وجماعة أنها لام غير لام الابتداء ، اجتلبت للفرق ، قال أبو الفتح : قال لى أبو على : ظننت أن فلانا نحوى محسن ، حتى سمعته يقول : إن اللام التى تصحب إن الخفيفة هى لام الابتداء ، فقلت له : أكثر نحويّى بغداد على هذا ، اه. وحجة أبى على دخولها على الماضى المتصرف نحو «إن زيد لقام» وعلى منصوب الفعل المؤخر عن ناصبه فى نحو (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) وكلاهما لا يجوز مع المشددة.

وزعم الكوفيون أن اللام فى ذلك كله بمعنى إلا ، وأن إن قبلها نافية ، واستدلوا على مجىء اللام للاستثناء بقوله :

٣٨٢ ـ أمسى أبان ذليلا بعد عزّته

وما أبان لمن أعلاج سودان [ص ٢٣٣]

وعلى قولهم يقال «قد علمنا إن كنت لمؤمنا» بكسر الهمزة ؛ لأن النافية مكسورة دائما ، وكذا على قول سيبويه لأن لام الابتداء تعلق العامل عن العمل ، وأما على قول أبى على وأبى الفتح فتفتح.

القسم الثانى : اللام الزائدة ، وهى الداخلة فى خبر المبتدأ فى نحو قوله :

__________________

(١) المحفوظ فى شواهد النحاة *لو لم تمنوا بوعد غير مكذوب*

٢٣٢

*أم الحليس لعجوز شهر به* [٤٧٧]

وقيل : الأصل لهى عجوز ، وفى خبر أنّ المفتوحة كقراءة سعيد بن جبير (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) بفتح الهمزة ، وفى خبر لكن فى قوله :

٣٨٣ ـ *ولكنّنى من حبّها لعميد* [ص ٢٩٢]

وليس دخول اللام مقيسا بعد أنّ المفتوحة خلافا للمبرد ، ولا بعد لكن خلافا للكوفيين ، ولا اللام بعدهما لام الابتداء خلافا له ولهم ، وقيل : اللامان للابتداء على أن الأصل «ولكن إنّنى» فحذفت همزة إنّ للتخفيف ، ونون لكن لذلك لثقل اجتماع الأمثال ، وعلى أن ما فى (١) قوله :

*وما أبان لمن أعلاج سودان* [٣٨٢]

استفهام ، وتم الكلام عند «أبان» ثم ابتدىء لمن أعلاج ، أى بتقدير لهو من أعلاج ، وقيل : هى لام زيدت فى خبر ما النافية ، وهذا المعنى عكس المعنى على القولين السابقين :

ومما زيدت فيه أيضا خبر زال فى قوله.

٣٨٤ ـ وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها

لكالهائم المقصى بكلّ مراد

وفى المفعول الثانى لأرى فى قوله بعضهم «أراك لشاتمى» ونحو ذلك. قيل : وفى مفعول يدعو من قوله تعالى (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) وهذا مردود ؛ لأن زيادة هذه اللام فى غاية الشذوذ فلا يليق تخريج التنزيل عليه ، ومجموع ما قيل فى اللام فى هذه الآية قولان : أحدهما هذا ، وهو أنها زائدة ، وقد بينا فساده ، والثانى أنها لام الابتداء ، وهو الصحيح ، ثم اختلف هؤلاء ؛ فقيل : إنها مقدمة من تأخير ، والأصل يدعو من لضرّه أقرب من نفعه ، فمن : مفعول ، وضره أقرب : مبتدأ وخبر ، والجملة

__________________

(١) هذا الكلام عطف على قوله «على أن الأصل» و «ما» بمعنى الذى ، أى وعلى أن الذى فى قوله ، أو مقصود لفظها ، أى وعلى أن لفظ ما فى قوله ، وخبر «أن» هو قوله «استفهام» الواقع بعد إنشاد الشاهد.

٢٣٣

صلة لمن ، وهذا بعيد ؛ لأن لام الابتداء لم يعهد فيها التقدّم عن موضعها ، وقيل : إنها فى موضعها ، وإن من مبتدأ ، ولبئس المولى خبرها (١) ؛ لأن التقدير لبئس المولى هو ، وهو الصحيح ، ثم اختلف هؤلاء فى مطلوب يدعو على أربعة أقوال ، أحدها : أنها لا مطلوب لها ؛ وأن الوقف عليها ، وأنها [إنما] جاءت توكيدا ليدعو فى قوله (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ) وفى هذا القول دعوى خلاف الأصل مرتين ؛ إذ الأصل عدم التوكيد ، والأصل أن لا يفصل المؤكد من توكيده ولا سيما فى التوكيد اللفظى ، والثانى أن مطلوبه مقدّم عليه ، وهو (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ) على أن ذلك موصول ، وما بعده صلة وعائد ، والتقدير يدعو الذى هو الضلال البعيد ، وهذا الإعراب لا يستقيم عند البصريين ؛ لأن «ذا» لا تكون عندهم موصولة إلا إذا وقعت بعد ما أو من الاستفهاميتين والثالث : أن مطلوبه محذوف ، والأصل يدعوه ، والجملة حال ، والمعنى ذلك هو الضلال البعيد مدعوا ، والرابع : أن مطلوبه الجملة بعده ، ثم اختلف هؤلاء على قولين ؛ أحدهما : أن يدعو بمعنى يقول ، والقول يقع على الجمل ، والثانى : أن يدعو ملموح فيه معنى فعل من أفعال القلوب ، ثم اختلف هؤلاء على قولين ، أحدهما : أن معناه يظن ؛ لأن أصل [يدعو] معناه يسمّى ، فكأنه قال : يسمى من ضره أقرب من نفعه إلها ، ولا يصدر ذلك عن يقين اعتقاد ، فكأنه قيل : يظن ، وعلى هذا القول فالمفعول الثانى محذوف كما قدرنا ، والثانى : أن معناه يزعم ؛ لأن الزعم قول مع اعتقاد.

ومن أمثلة اللام الزائدة قولك «لئن قام زيد أقم ، أو فأنا أقوم» أو «أنت ظالم لئن فعلت» فكل ذلك خاص بالشعر ، وسيأتى توجيهه والاستشهاد عليه.

الثالث : لام الجواب ، وهى ثلاثة أقسام : لام جواب لو نحو (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا) (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) ولام جواب لو لا نحو (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ولام جواب القسم نحو

__________________

(١) فى نسخة «ولبئس المولى خبره».

٢٣٤

(تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) وزعم أبو الفتح أن اللام بعد «لو» و «لو لا» و «لوما» لام جواب قسم مقدر ، وفيه تعسّف ، نعم الأولى فى (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) أن تكون اللام لام جواب قسم مقدر ، بدليل كون الجملة اسمية ، وأما القول بأنها لام جواب لو وأن الاسمية استعيرت مكان الفعلية كما فى قوله :

٣٨٥ ـ وقد جعلت قلوص بنى سهيل

من الأكوار مرتعها قريب

ففيه تعسف ، وهذا الموضع مما يدل عندى على ضعف قول أبى الفتح ؛ إذ لو كانت اللام بعد لو أبدا فى جواب قسم مقدر لكثر مجىء [الجواب بعد لو جملة اسمية] نحو «لو جاءنى لأنا أكرمه» كما يكثر ذلك فى باب القسم

الرابع : اللام الداخلة على أداة شرط للايذان بأن الجواب بعدها مبنىّ على قسم قبلها ، لا على الشرط ، ومن ثمّ تسمى اللام المؤذنة ، وتسمى الموطئة أيضا ؛ لأنها وطّأت الجواب للقسم ، أى مهّدته له ، نحو (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ، وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) وأكثر ما تدخل على إن ، وقد تدخل على غيرها كقوله :

٣٨٦ ـ لمتى صلحت ليقضين لك صالح

ولتجزينّ إذا جزيت جميلا

وعلى هذا فالأحسن فى قوله تعالى (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) أن لا تكون موطّئة وما شرطية ، بل للابتداء وما موصولة ؛ لأنه حمل على الأكثر.

وأغرب ما دخلت عليه إذ ، وذلك لشبهها بإن ، وأنشد أبو الفتح :

٢٣٥

٣٨٧ ـ غضبت علىّ لأن شربت بجزّة

فلاذ غضبت لأشربن بخروف

وهو نظير دخول الفاء فى (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) شبهت إذ إن فدخلت الفاء بعدها كما تدخل فى جواب الشرط ، وقد تحذف مع كون القسم مقدرا قبل الشرط نحو (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) وقول بعضهم ليس هنا قسم مقدر وإن الجملة الاسمية جواب الشرط على إضمار الفاء كقوله :

*من يفعل الحسنات الله يشكرها* [٨١]

مردود ؛ لأن ذلك خاص بالشعر ، وكقوله تعالى (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ) فهذا لا يكون إلا جوابا للقسم ، وليست موطئة فى قوله :

٣٨٨ ـ لئن كانت الدّنيا علىّ كما أرى

تباريح من ليلى فللموت أروح

وقوله :

٣٨٩ ـ لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا

أصم فى نهار القيظ للشّمس باديا

وقوله :

٣٩٠ ـ ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا

قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا

بل هى فى ذلك كله زائدة كما تقدمت الإشارة إليه ؛ أما الأولان فلأن الشرط قد أجيب بالجملة المقرونة بالفاء فى البيت الأول وبالفعل المجزوم فى البيت الثانى ، فلو كانت اللام للتوطئة لم يجب إلا القسم ، هذا هو الصحيح ، وخالف فى ذلك

٢٣٦

الفراء ، فزعم أن الشرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه ، وأما الثالث فلأن الجواب قد حذف مدلولا عليه بما قبل إن ، فلو كان ممّ قسم مقدر لزم الإجحاف بحذف جوابين.

الخامس : لام أل كالرجل والحارث ، وقد مضى شرحها.

السادس : اللام اللاحقة لأسماء الإشارة للدلالة على البعد أو على توكيده ، على خلاف فى ذلك ، وأصلها السكون كما فى «تلك» وإنما كسرت فى «ذلك» لالتقاء الساكنين.

السابع : لام التعجب غير الجارة نحو «لظرف زيد ، ولكرم عمرو» بمعنى ما أظرفه وما أكرمه ، ذكره ابن خالويه فى كتابه المسمى بالجمل ، وعندى أنها إما لام الابتداء دخلت على الماضى لشبهه لجموده بالاسم ، وإما لام جواب قسم مقدر.

(لا) : على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون نافية ، وهذه على خمسة أوجه :

أحدها : أن تكون عاملة عمل إنّ ، وذلك إن أريد بها نفى الجنس على سبيل التنصيص ، وتسمى حينئذ تبرئة ، وإنما يظهر نصب اسمها إذا كان خافضا نحو «لا صاحب جود ممقوت» وقول أبى الطيب :

٣٩١ ـ فلا ثوب مجد غير ثوب ابن أحمد

على أحد إلّا بلؤم مرقّع

أو رافعا نحو «لا حسنا فعله مذموم» أو ناصبا نحو «لا طالعا جبلا حاضر» ومنه «لا خيرا من زيد عندنا» وقول أبى الطيب :

٢٣٧

٣٩٢ ـ قفا قليلا بها علىّ ؛ فلا

أقلّ من نظرة أزوّدها

ويجوز رفع «أقل» على أن تكون عاملة عمل ليس.

وتخالف لا هذه إنّ من سبعة أوجه :

أحدها : أنها لا تعمل إلا فى النكرات.

الثانى : أن اسمها إذا لم يكن عاملا فإنه يبنى ، قيل : لتضمنه معنى من الاستغراقية ، وقيل : لتركيبه مع لا تركيب خمسة عشر ، وبناؤه على ما ينصب به لو كان معربا ، فيبنى على الفتح فى نحو «لا رجل ، ولا رجال» ومنه (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) (قالُوا لا ضَيْرَ) (يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ) وعلى الياء فى نحو «لا رجلين» و «لا قائمين» وعن المبرد أن هذا معرب لبعده بالتثنية والجمع عن مشابهة الحرف ، ولو صح هذا للزم الإعراب فى «يا زيدان ، ويا زيدون» ولا قائل به ، وعلى الكسرة فى نحو «لا مسلمات» وكان القياس وجوبها ولكنه جاء بالفتح ، وهو الأرجح ، لأنها الحركة التى يستحقها المركب ، وفيه ردّ على السيرافى والزجاج إذ زعما أن اسم لا غير العامل معرب ، وأن ترك تنوينه للتخفيف.

ومثل لا رجل عند الفراء «لا جرم» نحو (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) والمعنى عنده لا بدّ من كذا ، أو لا محالة فى كذا ، فحذفت من أوفى ، وقال قطرب : لا ردّ لما قبلها ، أى ليس الأمر كما وصفوا ، ثم ابتدىء ما بعده ، وجرم : فعل ، لا اسم ، ومعناه وجب وما بعده فاعل ، وقال قوم : لا زائدة ، وجرم وما بعدها فعل وفاعل كما قال قطرب ، وردّه الفراء بأن «لا» لا تزاد فى أول الكلام ؛ وسيأتى البحث فى ذلك.

والثالث : أن ارتفاع خبرها عند إفراد اسمها نحو «لا رجل قائم» مما كان مرفوعا به قبل دخولها ، لا بها ، وهذا القول لسيبويه ، وخالفه الأخفش والأكثرون

٢٣٨

ولا خلاف بين البصريين فى أن ارتفاعه بها إذا كان اسما عاملا.

الرابع : أن خبرها لا يتقدم على اسمها ولو كان ظرفا أو مجرورا.

الخامس : أنه يجوز مراعاة محلها مع اسمها قبل مضى الخبر وبعده ؛ فيجوز رفع النعت والمعطوف عليه نحو «لا رجل ظريف فيها ، ولا رجل وامرأة فيها».

السادس : أنه يجوز إلغاؤها إذا تكررت ، نحو «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ولك فتح الاسمين ، ورفعهما ، والمغايرة بينهما ، بخلاف نحو قوله :

إنّ محلّا وإنّ مرتحلا

وإن فى السّفر إذ مضوا مهلا [١٢١]

فلا محيد عن النصب.

والسابع : أنه يكثر حذف خبرها إذا علم ، نحو (قالُوا لا ضَيْرَ) (فَلا فَوْتَ) وتميم لا تذكره حينئذ.

الثانى : أن تكون عاملة عمل ليس ، كقوله :

٣٩٣ ـ من صدّ عن نيرانها

فأنا ابن قيس لا براح [ص ٦٣١]

وإنما لم يقدروها مهملة والرفع بالابتداء لأنها حينئذ واجبة التكرار ، وفيه نظر ، لجواز تركه فى الشعر.

و «لا» هذه تخالف ليس من ثلاث جهات :

إحداها : أن عملها قليل ، حتّى ادّعى أنه ليس بموجود.

الثانية : أن ذكر خبرها قليل ، حتى إن الزجاج لم يظفر به فادّعى أنها تعمل فى الاسم خاصة ، وأنّ خبرها مرفوع ، ويرده قوله :

٣٩٤ ـ تعزّ فلا شىء على الأرض باقيا

ولا وزر ممّا قضى الله واقيا [ص ٢٤٠]

٢٣٩

وأما قوله :

٣٩٥ ـ نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل

فبوّثت حصنا بالكماة حصينا

فلا دليل فيه كما توهّم بعضهم ؛ لاحتمال أن يكون الخبر محذوفا و «غير» استثناء».

الثالثة : أنها لا تعمل إلا فى النكرات ، خلافا لابن جنى وابن الشجرى ، وعلى ظاهر قولهما جاء قول النابغة :

٣٩٦ ـ وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها ، ولا عن حبّها متراخيا

وعليه بنى المتنبى قوله :

٣٩٧ ـ إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا

تنبيه ـ إذا قيل «لا رجل فى الدار» بالفتح تعين كونها نافية للجنس ويقال فى توكيده «بل امرأة (١)» وإن قيل بالرفع تعين كونها عاملة عمل ليس ، وأمتنع أن تكون مهملة ، وإلا تكررت كما سيأتى ، واحتمل أن تكون لنفى الجنس وأن تكون لنفى الوحدة ، ويقال فى توكيده على الأول «بل امرأة» وعلى الثانى «بل رجلان ، أو رجال».

وغلط كثير من الناس ؛ فزعموا أن العاملة عمل ليس لا تكون إلا نافية للوحدة لا غير ، ويرد عليهم نحو قوله :

تعزّ فلا شىء على الأرض باقيا

البيت ... [٣٩٤]

وإذا قيل «لا رجل ولا امرأة فى الدار» برفعهما احتمل كون لا الأولى عاملة

__________________

(١) المراد توكيد المعنى الذى دل عليه قولك «لا رجل» ووجهه أن «بل» تفيد تقرير فى الذى قبلها وتثبت ضده لما بعدها ، وهذا التقرير هو مراده بالتوكيد.

٢٤٠