مغنى اللبيب - ج ١

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٦
الجزء ١ الجزء ٢

وإن وقع النفى فى حيزها اقتضى السّلب عن كل فرد ، كقوله عليه الصلاة والسّلام ـ لما قال له ذو اليدين : أنسيت أم قصرت الصلاة ـ : «كلّ ذلك لم يكن» وقول أبى النجم :

٣٣٢ ـ قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى

علىّ ذنبا كلّه لم أصنع

[ص ٤٩٨ و ٦١١ و ٦٣٣]

وقد يشكل على قولهم فى القسم الأول قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ)

وقد صرح الشلوبين وابن مالك فى بيت أبى النجم بأنه لا فرق فى المعنى بين رفع كل ونصبه ، وردّ الشلوبين على ابن أبى العافية إذ زعم أن بينهما فرقا ، والحق ما قاله البيانيون ، والجواب عن الآية أن دلالة المفهوم إنما يعوّل عليها عند عدم المعارض ، وهو هنا موجود ؛ إذ دلّ الدليل على تحريم الاختيال والفخر مطلقا.

الثانية ـ كل فى نحو (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا) منصوبة على الظرفية باتفاق ، وناصبها الفعل الذى هو جواب فى المعنى مثل (قالُوا) فى الآية ، وجاءتها الظرفية من جهة ما فإنها محتملة لوجهين :

أحدهما : أن تكون حرفا مصدريا والجملة بعده صلة له ؛ فلا محل لها ، والأصل كل رزق ، ثم عبر عن معنى المصدر بما والفعل ، ثم أنيبا عن الزمان ، أى كلّ وقت رزق ، كما أنيب عنه المصدر الصريح فى «جئتك خفوق النّجم» :

والثانى : أن تكون اسما نكرة بمعنى وقت ؛ فلا تحتج على هذا إلى تقدير وقت ، والجملة بعده فى موضع خفض على الصفة ؛ فتحتاج إلى تقدير عائد منها ، أى كل وقت رزقوا فيه.

٢٠١

ولهذا الوجه مبعد ، وهو ادعاء حذف الصفة وجوبا ، حيث لم يرد مصرّحا به فى شىء من أمثلة هذا التركيب ، ومن هنا ضعف قول أبى الحسن فى نحو «أعجبنى ما قمت» : إن ما اسم ، والأصل ما قمته ، أى القيام الذى قمته ، وقوله فى «يا أيها الرجل» : إن أيّا موصولة والمعنى يا من هو الرجل ، فإن هذين العائدين لم يلفظ بهما قط ، وهو مبعد عندى أيضا لقول سيبويه فى نحو «سرت طويلا ، وضربت زيدا كثيرا» : إن طويلا وكثيرا حالان من ضمير المصدر محذوفا ، أى سرته وضربته ، أى السير والضرب ، لأن هذا العائد لم يتلفظ به قط.

فإن قلت : فقد قالوا «ولا سيّما زيد» بالرفع ، ولم يقولوا قط «ولا سيما هو زيد».

قلت : هى كلمة واحدة شذّوا فيها بالتزام الحذف ، ويؤنسك بذلك أن فيها شذوذين آخرين : إطلاق «ما» على الواحد ممن يعقل ، وحذف العائد المرفوع بالابتداء مع قصر الصلة.

وللوجه الأول مقربان : كثرة مجىء الماضى بعدها نحو (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ) (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا) وأنّ ما المصدرية التوقيتية شرط من حيث المعنى ، فمن هنا احتيج إلى جملتين إحداهما مرتبة على الأخرى ، ولا يجوز أن تكون شرطية مثلها فى «ما تفعل أفعل» لأمرين : أن تلك عامة فلا تدخل عليها أداة العموم ، وأنها لا ترد بمعنى الزمان على الأصح.

وإذا قلت : «كلّما استدعيتك فإن زرتنى فعبدى حرّ» فكل منصوبة أيضا على الظرفية ، ولكنّ ناصبها محذوف مدلول عليه بحرّ المذكور فى الجواب وليس العامل المذكور لوقوعه بعد الفاء وإن ، ولما أشكل ذلك على ابن عصفور

٢٠٢

قال وقلده الابّدىّ : إن كلا فى ذلك مرفوعة بالابتداء ، وإن جملتى الشرط والجواب خبرها ، وإن الفاء دخلت فى الخبر كما دخلت فى نحو «كلّ رجل يأتينى فله درهم» وقدّرا فى الكلام حذف ضميرين ، أى كلما استدعيتك فيه فإن زرتنى فعبدى حر بعده ؛ لترتبط الصفة بموصوفها والخبر بمبتدئه.

قال أبو حيان : وقولهما مدفوع بأنه لم يسمع «كل» فى ذلك إلا منصوبة ، ثم تلا الآيات المذكورة ، وأنشد قوله :

٣٣٣ ـ وقولى كلّما جشأت وجاشت

مكانك تحمدى أو تستريحى

وليس هذا مما البحث فيه ؛ لأنه ليس فيه ما يمنع من العمل.

(كلا ، وكلتا) : مفردان لفظا ، مثّنيان معنى ، مضافان أبدا لفظا ومعنى إلى كلمة واحدة معرفة دالة على اثنين ، إما بالحقيقة والتنصيص نحو (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ) ونحو (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) وإما بالحقيقة والاشتراك نحو «كلانا» فإن «نا» مشتركة بين الاثنين والجماعة ، أو بالمجاز كقوله :

٣٣٤ ـ إنّ للخير وللشّرّ مدى

وكلا ذلك وجه وقبل

فإن «ذلك» حقيقة فى الواحد ، وأشير بها إلى المثنى على معنى : وكلا ما ذكر ، على حدها فى قوله تعالى : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) وقولنا كلمة واحدة احتراز من قوله :

٣٣٥ ـ كلا أخى وخليلى واجدى عضدا

[وساعدا عند إلمام الملمّات]

فإنه ضرورة نادرة ، وأجاز ابن الأنبارى إضافتها إلى المفرد بشرط تكريرها نحو «كلاى وكلاك محسنان» وأجاز الكوفيون إضافتها إلى النكرة المختصة نحو

٢٠٣

«كلا رجلين عندك محسنان» فإن رجلين قد تخصّصا بوصفهما بالظرف ، وحكوا «كلتا جاريتين عندك مقطوعة يدها» أى تاركة للغزل.

ويجوز مراعاة لفظ كلا وكلتا فى الإفراد نحو (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) ومراعاة معناهما ، وهو قليل ، وقد اجتمعا فى قوله :

٣٣٦ ـ كلاهما حين جدّ السّير بينهما

قد أقلعا ، وكلا أنفيهما رابى

ومثّل أبو حيان لذلك بقول الأسود بن يعفر :

٣٣٧ ـ إنّ المنيّة والحتوف كلاهما

يوفى المنيّة يرقبان سوادى

وليس بمتعين ؛ لجواز كون «يرقبان» خبرا عن المنية والحتوف ، ويكون ما بينهما إما خبرا أول أو اعتراضا ، ثم الصواب فى إنشاده «كلاهما يوفى المخارم» ؛ إذ لا يقال إن المنية توفى نفسها

وقد سئلت قديما عن قول القائل «زيد وعمرو كلاهما قائم ، أو كلاهما قائمان» أيهما الصواب؟ فكتبت : إن قدّر كلاهما توكيدا قيل : قائمان ؛ لأنه خبر عن زيد وعمرو ، وإن قدر مبتدأ فالوجهان ، والمختار الإفراد ، وعلى هذا فإذا قيل «إنّ زيدا وعمرا» فإن قيل «كليهما» قيل «قائمان» أو «كلاهما» فالوجهان ، ويتعين مراعاة اللفظ فى نحو «كلاهما محب لصاحبه» لأن معناه كل منهما ، وقوله :

٣٣٨ ـ كلانا غنىّ عن أخيه حياته

ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا

(كيف) : ويقال فيها «كى» كما يقال فى سوف : سو ، قال :

كى تجنحون إلى سلم وما ثئرت

قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم [٣٠٢]

٢٠٤

وهو اسم ؛ لدخول الجار عليه بلا تأويل فى قولهم «على كيف تبيع الأحمرين» (١) ولإبدال الاسم الصريح منه نحو «كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم؟» وللاخبار به مع مباشرته الفعل فى نحو «كيف كنت؟» فبالإخبار به انتفت الحرفية وبمباشرة الفعل انتفت الفعلية.

وتستعمل على وجهين :

أحدهما : أن تكون شرطا ؛ فتقتضى فعلين متفقى اللفظ والمعنى غير مجزومين نحو «كيف تصنع أصنع» ولا يجوز «كيف تجلس أذهب» باتفاق ، ولا «كيف تجلس أجلس» بالجزم عند البصريين إلا قطربا ؛ لمخالفتها لأدوات الشرط بوجوب موافقة جوابها لشرطها كما مر ، وقيل : يجوز مطلقا ، وإليه ذهب قطرب والكوفيون ، وقيل : يجوز بشرط اقترانها بما ، قالوا : ومن ورودها شرطا (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) (يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) وجوابها فى ذلك كله محذوف لدلالة ما قبلها ، وهذا يشكل على إطلاقهم أن جوابها يجب مماثلته لشرطها.

والثانى ، وهو الغالب فيها : أن تكون استفهاما ، إما حقيقيا نحو «كيف زيد» أو غيره نحو (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) الآية ؛ فإنه أخرج مخرج التعجب.

وتقع خبرا قبل ما لا يستغنى ، نحو «كيف أنت» و «كيف كنت» ومنه «كيف ظننت زيدا» و «كيف أعلمته فرسك» لأن ثانى مفعولى ظن وثالث مفعولات أعلم خبران فى الأصل ، وحالا قبل ما يستعنى ، نحو «كيف جاء زيد؟» أى على أى حالة جاء زيد ، وعندى أنها تأتى فى هذا النوع مفعولا مطلقا أيضا ، وأن منه (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) إذ المعنى أىّ فعل فعل ربك ، ولا يتجه فيه أن

__________________

(١) الأحمران : الخمر واللحم ، والأحامرة : هما والخلوق.

٢٠٥

يكون حالا من الفاعل ، ومثله (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) أى فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد يصنعون ، ثم حذف عاملها مؤخرا عنها وعن إذا ، كذا قيل ، والأظهر أن يقدر بين كيف وإذا ، وتقدر إذا خالية عن معنى الشرط ، وأما (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) فالمعنى كيف يكون لهم عهد وحالهم كذا وكذا ، فكيف : حال من عهد ، إما على أنّ يكون تامة أو ناقصة وقلنا بدلالتها على الحدث ، وجملة الشرط حال من ضمير الجمع.

وعن سيبويه أن كيف ظرف ، وعن السيرافى والأخفش أنها اسم غير ظرف ، وبنوا (١) على هذا الخلاف أمورا :

أحدها : أن موضعها عند سيبويه نصب دائما ، وعندهما رفع مع المبتدأ ، نصب مع غيره.

الثانى : أن تقديرها عند سيبويه : فى أى حال ، أو على أى حال ، وعندهما تقديرها فى نحو «كيف زيد» أصحيح زيد ، ونحوه ، وفى نحو «كيف جاء زيد» أراكبا جاء زيد ، ونحوه.

والثالث : أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال «على خير» ونحوه ، ولهذا قال رؤبة ـ وقد قيل له : كيف أصبحت ـ «خير عافاك الله» أى على خير ، فحذف الجار وأبقى عمله ، فإن أجيب على المعنى دون اللفظ قيل : صحيح ، أو سقيم. وعندهما على العكس ، وقال ابن مالك ما معناه : لم يقل أحد إن كيف ظرف ؛ إذ ليست زمانا ولا مكانا ، ولكنها لما كانت تفسّر بقولك على أى حال لكونها سؤالا عن الأحوال العامة سميت ظرفا ؛ لأنها فى تأويل الجار والمجرور ، واسم الظرف يطلق عليهما مجازا ، اه. وهو حسن ، ويؤيده الإجماع على أنه يقال فى البدل : كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم ، بالرفع ، ولا يبدل المرفوع من المنصوب.

__________________

(١) فى نسخة «ورتبوا على هذا الخلاف».

٢٠٦

تنبيه ـ قوله تعالى (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) لا تكون كيف بدلا من الإبل ؛ لأن دخول الجار على كيف شاذ ، على أنه لم يسمع فى إلى ، بل فى على ، ولأن إلى متعلقة بما قبلها ؛ فيلزم أن يعمل فى الاستفهام فعل متقدم عليه ، ولأن الجملة التى بعدها تصير حينئذ غير مرتبطة ، وإنما هى منصوبة بما بعدها على الحال ، وفعل النظر معلق ، وهى وما بعدها بدل من الإبل بدل اشتمال ، والمعنى إلى الإبل كيفيّة خلقها ، ومثله (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) ومثلهما فى إبدال جملة فيها كيف من اسم مفرد قوله :

٣٣٩ ـ إلى الله أشكو بالمدينة حاجة

وبالشّام أخرى كيف يلتقيان

[ص ٤٢٦]

أى أشكو هاتين الحاجتين تعذّر التقائهما.

مسألة ـ زعم قوم أن كيف تأتى عاطفة ، وممن زعم ذلك عيسى بن موهب ، ذكره فى كتاب العلل ، وأنشد عليه :

٣٤٠ ـ إذا قلّ مال المرء لانت قناته

وهان على الأدنى فكيف الأباعد

وهذا خطأ ؛ لاقترانها بالفاء ، وإنما هى [هنا] اسم مرفوع المحل على الخبرية ، ثم يحتمل أن الأباعد مجرور بإضافة مبتدأ محذوف ، أى فكيف حال الأباعد ، فحذف المبتدأ على حد قراءة ابن جماز (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(١) أو بتقدير : فكيف الهوان على الأباعد ، فحذف المبتدأ والجار ، أو بالعطف بالفاء ثم أقحمت كيف بين العاطف والمعطوف لإفادة الأولوية بالحكم.

حرف اللام

(اللام المفردة) ثلاثة أقسام : عاملة للجر ، وعاملة للجزم ، وغير عاملة.

__________________

(١) تقدير الآية على هذه القراءة : والله يريد ثواب الآخرة ، فحذف المضاف وبقى المضاف إليه على جره.

٢٠٧

وليس فى القسمة أن تكون عاملة للنصب ، خلافا للكوفيين ، وسيأتى.

فالعاملة للجر مكسورة مع كل ظاهر ، نحو لزيد ، ولعمرو ، إلا مع المستغاث المباشر ليا فمفتوحة نحو «يا لله» وأما قراءة بعضهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بضمها فهو عارض للاتباع ، ومفتوحة مع كل مضمر نحو لنا ، ولكم ، ولهم ، إلا مع ياء المتكلم فمكسورة.

وإذا قيل «يالك ، ويالى» احتمل كل منهما أن يكون مستغاثا به وأن يكون مستغاثا من أجله ، وقد أجازهما ابن جنى فى قوله :

٣٤١ ـ فيا شوق ما أبقى ، ويا لى من النّوى

[ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى] [ص ٢١٩]

وأوجب ابن عصفور فى «يالى» أن يكون مستغاثا من أجله ؛ لأنه لو كان مستغاثا به لكان التقدير يا أدعو لى ، وذلك غير جائز فى غير باب ظننت وفقدت وعدمت ، وهذا لازم له ، لا لابن جنى ، لما سأذكره بعد.

ومن العرب من يفتح اللام الداخلة على الفعل ويقرأ (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ).

وللام الجارة اثنان وعشرون معنى :

أحدها : الاستحقاق ، وهى الواقعة بين معنى وذات ، نحو (الْحَمْدُ لِلَّهِ) والعزة لله ، والملك لله ، والأمر لله ، ونحو (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) و (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) ومنه «للكافرين النار» أى عذابها.

والثانى : الاختصاص (١) نحو «الجنة للمؤمنين ، وهذا الحصير للمسجد ، والمنبر للخطيب ، والسرج للدابة ، والقميص للعبد» ونحو (إِنَّ لَهُ أَباً) (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) وقولك : هذا الشعر لحبيب ، وقولك : أدوم لك ما تدوم لى.

والثالث : الملك ، نحو (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وبعضهم يستغنى بذكر الاختصاص عن ذكر المعنيين الآخرين ، ويمثل له بالأمثلة المذكورة ونحوها ،

__________________

(١) لام الاختصاص : هى الداخلة بين اسمين يدل كل منهما على الذات ، والداخلة عليه لا يملك الآخر ، وسواء أكان يملك غيره أم كان ممن لا يملك أصلا.

٢٠٨

ويرجّحه أن فيه تقليلا للاشتراك ، وأنه إذا قيل «هذا المال لزيد والمسجد» لزم القول بأنها للاختصاص مع كون زيد قابلا للملك ، لئلا يلزم استعمال المشترك فى معنييه دفعة ، وأكثرهم يمنعه.

الرابع : التمليك ، نحو «وهبت لزيد دينارا».

الخامس : شبه التمليك ، نحو (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً).

السادس : التعليل ، كقوله :

٣٤٢ ـ ويوم عقرت للعذارى مطيّتى

[فيا عجبا من كورها المتحمّل]

وقوله تعالى (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) وتعلقها بفليعبدوا ، وقيل : بما قبله ، أى فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ، ورجّح بأنهما فى مصحف أبىّ سورة واحدة ، وضعف بأن (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ) إنما كان لكفرهم وجرأتهم على البيت ، وقيل : متعلقة بمحذوف تقديره اعجبوا ، وكقوله تعالى (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) أى وإنه من أجل حب المال لبخيل ، وقراءة حمزة (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) الآية ، أى لأجل إيتائى إياكم (١) بعض الكتاب والحكمة ثم لمجىء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مصدّقا لما معكم لتؤمنن به ، فما : مصدرية فيهما ، واللام تعليلية ، وتعلّقت بالجواب المؤخر على الاتساع فى الظرف ، كما قال الأعشى :

[رضيعى لبان ثدى أمّ تحالفا

بأسحم داج] عوض لا نتفرّق [٢٤٤]

ويجوز كون «ما» موصولا اسميا.

فإن قلت : فأين العائد فى (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ)؟

__________________

(١) فى نسخة «لأجل إيتائى إليكم».

٢٠٩

قلت : إن (ما معكم) هو نفس (لَما آتَيْتُكُمْ) فكأنه قيل : مصدق له ؛ وقد يضعف هذا لقلته نحو قوله :

٣٤٣ ـ [فيا ربّ أنت الله فى كلّ موطن]

وأنت الّذى فى رحمة الله أطمع

[ص ٥٠٤ و ٥٤٦]

وقد يرجح بأن الثوانى يتسامح فيها كثيرا ، وأما قراءة الباقين [بالفتح] فاللام لام التّوطئة ، وما شرطية ، أو اللام للابتداء ، وما : موصولة ، أى الذى آتيتكموه ، وهى مفعولة على الأول ، ومبتدأ على الثانى.

ومن ذلك قراءة حمزة والكسائى (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) بكسر اللام ، ومنها اللام الثانية فى نحو «يا لزيد لعمرو» وتعلقها بمحذوف ، وهو فعل من جملة مستقلة ، أى أدعوك لعمرو ، أو اسم هو حال من المنادى ، أى مدعوّا لعمرو ، قولان ، ولم يطّلع ابن عصفور على الثانى فنقل الإجماع على الأول.

ومنها اللام الداخلة لفظا على المضارع فى نحو (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) وانتصاب الفعل بعدها بأن مضمرة بعينها وفاقا للجمهور ، لا بأن مضمرة أو بكى المصدرية مضمرة خلافا للسيرافى وابن كيسان ، ولا باللام بطريق الأصالة خلافا لأكثر الكوفيين ، ولا بها لنيابتها عن أن خلافا لثعلب ، ولك إظهار أن ؛ فتقول «جئتك لأن تكرمنى» بل قد يجب ، وذلك إذا اقترن الفعل بلا نحو (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) ؛) لئلّا يحصل الثقل بالتقاء المثلين.

فرع ـ أجاز أبو الحسن أن يتلقّى القسم بلام كى ، وجعل منه (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) فقال : المعنى ليرضنّكم ، قال أبو على : وهذا عندى أولى من أن يكون متعلقا بيحلفون والمقسم عليه محذوف ، وأنشد أبو الحسن :

٣٤٤ ـ إذا قلت قدنى قال بالله حلفة

لتغنى عنّى ذا إنائك أجمعا [ص ٤٠٩]

٢١٠

والجماعة يأبون هذا ؛ لأن القسم إنما يجاب بالجملة ، ويروون البيت لتغننّ بفتح اللام ونون التوكيد ، وذلك على لغة فزارة فى حذف آخر الفعل لأجل النون إن كان ياء تلى كسرة كقوله :

٣٤٥ ـ وابكنّ عيشا تقضّى بعد جدّته

[طابت أصائله فى ذلك البلد]

وقدروا الجواب محذوفا واللام متعلقة به ، أى ليكونن كذا ليرضوكم ، ولتشربنّ لتغنى عنى.

السابع : توكيد النفى ، وهى الداخلة فى اللفظ على الفعل مسبوقة بما كان أو بلم يكن ناقصين مسندتين لما أسند إليه الفعل المقرون باللام ، نحو (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ويسميها أكثرهم لام الجحود لملازمتها للجحد أى النفى ، قال النحاس : والصواب تسميتها لام النفى ؛ لأن الجحد فى اللغة إنكار ما تعرفه ، لا مطلق الإنكار ، اه.

ووجه التوكيد فيها عند الكوفيين أن أصل «ما كان ليفعل» ما كان يفعل ثم أدخلت اللام زيادة لتقوية النفى ، كما أدخلت الباء فى «ما زيد بقائم» لذلك ، فعندهم أنها حرف زائد مؤكد ، غير جار ، ولكنه ناصب ، ولو كان جارا لم يتعلق عندهم بشىء لزيادته ، فكيف به وهو غير جار؟ ووجهه عند البصريين أن الأصل ما كان قاصدا للفعل ، ونفى القصد أبلغ من نفيه ، ولهذا كان قوله :

٣٤٦ ـ يا عاذلاتى لا تردن ملامتى

إنّ العواذل لسن لى بأمير

أبلغ من «لا تلمننى» لأنه نهى عن السبب ، وعلى هذا فهى عندهم حرف جر معدّ متعلق بخبر كان المحذوف ، والنصب بأن مضمرة وجوبا.

وزعم كثير من الناس فى قوله تعالى (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ)

٢١١

فى قراءة غير الكسائى بكسر اللام الأولى وفتح الثانية أنها لام الجحود (١).

وفيه نظر ؛ لأن النافى على هذا غير ماولم ، ولاختلاف فاعلى كان وتزول ، والذى يظهر لى أنها لام كى ، وأنّ إن شرطية ، أى وعند الله جزاء مكرهم وهو مكر أعظم منه وإن كان مكرهم لشدته معدا لأجل زوال الأمور العظام المشبهة فى عظمها بالجبال ، كما تقول : أنا أشجع من فلان وإن كان معدّا للنوازل.

وقد تحذف كان قبل لام الجحود كقوله :

٣٤٧ ـ فما جمع ليغلب جمع قومى

مقاومة ، ولا فرد لفرد

أى فما كان جمع ، وقول أبى الدرداء رضى الله عنه فى الركعتين بعد العصر. «ما أنا لأدعهما».

والثامن : موافقة إلى ، نحو قوله تعالى (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ).

والتاسع : موافقة «على» فى الاستعلاء الحقيقى نحو (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) (دَعانا لِجَنْبِهِ) (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) وقوله :

٣٤٨ ـ [ضممت إليه بالسّنان قميصه]

فخرّ صريعا لليدين وللفم

والمجازى نحو (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) ونحو قوله عليه الصلاة والسّلام لعائشة رضى الله تعالى عنها «اشترطى لهم الولاء» وقال النحاس : المعنى من أجلهم ، قال : ولا نعرف فى العربية لهم بمعنى عليهم.

والعاشر : موافقة «فى» نحو (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (لا يُجَلِّيها

__________________

(١) «أنها لام الجحود» فى تأويل مصدر مفعول زعم.

٢١٢

لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) وقولهم «مضى لسبيله» قيل : ومنه (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) أى فى حياتى ، وقيل : للتعليل ، أى لأجل حياتى فى الآخرة.

والحادى عشر : أن تكون بمعنى «عند» كقولهم «كتبته لخمس خلون» وجعل منه ابن جنى قراءة الجحدرى (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) بكسر اللام وتخفيف الميم.

والثانى عشر : موافقة «بعد» نحو (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) وفى الحديث «صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته» وقال :

٣٤٩ ـ فلمّا تفرّقنا كانّى ومالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

والثالث عشر : موافقة «مع» ، قاله بعضهم ، وأنشد عليه هذا البيت (١).

والرابع عشر : موافقة «من» نحو «سمعت له صراخا» وقول جرير :

٣٥٠ ـ لنا الفضل فى الدّنيا وأنفك راغم

ونحن لكم يوم القيامة أفضل

والخامس عشر : التبليغ ، وهى الجارة لاسم السامع لقول أو ما فى معناه ، نحو «قلت له ، وأذنت له ، وفسّرت له».

والسادس عشر : موافقة عن ، نحو قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) قاله ابن الحاجب ، وقال ابن مالك وغيره : هى لام التعليل ، وقيل : لام التبليغ والتفت عن الخطاب إلى الغيبة ، أو يكون اسم المقول لهم محذوفا ، أى قالوا لطائفة من المؤمنين لما سمعوا بإسلام طائفة أخرى ، وحيث دخلت اللام على غير المقول له فالتأويل على بعض ما ذكرناه ، نحو (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) وقوله :

__________________

(١) يريد بيت متمم بن نويرة الذى هو الشاهد رقم ٣٤٩.

٢١٣

٣٥١ ـ كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسدا وبغضا : إنّه لذميم (١)

السابع عشر : الصيرورة ، وتسمى لام العاقبة ولام المآل ، نحو (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) وقوله :

٣٥٢ ـ فللموت تغذو الوالدات سخالها

كما لخراب الدّور تبنى المساكن

وقوله :

٣٥٣ ـ فإن يكن الموت أفناهم

فللموت ما تلد الوالده

ويحتمله (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) ويحتمل أنها لام الدعاء ؛ فيكون الفعل مجزوما لا منصوبا ، ومثله فى الدعاء (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) ويؤيده أن فى آخر الآية (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا)

وأنكر البصريون ومن تابعهم لام العاقبة ، قال الزمخشرى : والتحقيق أنها لام العلة ، وأن التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة ، وبيانه أنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا ، بل المحبة والتبنى ، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبّه بالداعى الذى يفعل الفعل لأجله ؛ فاللام مستعارة لما يشبه التعليل كما استعير الأسد لمن يشبه الأسد.

الثامن عشر : القسم والتعجب معا ، وتختص باسم الله تعالى كقوله :

٣٥٤ ـ لله يبقى على الأيّام ذو حيد

[بمشمخرّ به الظّيّان والآس]

التاسع عشر : التعجب المجرد عن القسم ، وتستعمل فى النداء كقولهم «يا للماء» ، و «يا للعشب» إذا تعجبوا من كثرتهما ، وقوله :

__________________

(١) الأفضل فى الرواية «لدميم» أن تكون بالدال المهملة ، أى مطلى بالدمام.

٢١٤

٣٥٥ ـ فيالك من ليل كأنّ نجومه

بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل

وقولهم «يا لك رجلا عالما» وفى غيره كقولهم «لله درّه فارسا ، ولله أنت» وقوله :

٣٥٦ ـ شباب وشيب وافتقار وثروة

فلله هذا الدّهر كيف تردّدا

المتمم عشرين : التعدية ، ذكره ابن مالك فى الكافية ، ومثّل له فى شرحها بقوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) وفى الخلاصة ، ومثّل له ابنه بالآية وبقولك «قلت له افعل كذا» ولم يذكره فى التسهيل ولا فى شرحه ، بل فى شرحه أن اللام فى الآية لشبه التمليك ، وأنها فى المثال للتبليغ ، والأولى عندى أن يمثل للتعدية بنحو «ما أضرب زيدا لعمرو ، وما أحبّه لبكر».

الحادى والعشرون : التوكيد ، وهى اللام الزائدة ، وهى أنواع :

منها اللام المعترضة بين الفعل المتعدّى ومفعوله كقوله :

٣٥٧ ـ ومن يك ذا عظم صليب رجابه

ليكسر عود الدّهر فالدهر كاسره

وقوله :

٣٥٨ ـ وملكت ما بين العراق ويثرب

ملكا أجار لمسلم ومعاهد

وليس منه (رَدِفَ لَكُمْ) خلافا للمبرد ومن وافقه ، بل ضمن ردف معنى اقترب فهو مثل (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ).

٢١٥

واختلف فى اللام من نحو (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) وقول الشاعر :

٣٥٩ ـ أريد لأنسى ذكرها ؛ فكأنّما

تمثّل لى ليلى بكلّ سبيل

فقيل : زائدة ، وقيل : للتعليل ، ثم اختلف هؤلاء ؛ فقيل : المفعول محذوف ، أى يريد الله التبيين ليبيّن لكم ويهديكم : أى ليجمع لكم بين الأمرين ، وأمرنا بما أمرنا به لنسلم ، وأريد السلو لأنسى ، وقال الخليل وسيبويه ومن تابعهما : الفعل فى ذلك كله مقدر بمصدر مرفوع بالابتداء ، واللام وما بعدها خبر ، أى إرادة الله للتبيين ، وأمرنا للاسلام ، وعلى هذا فلا مفعول للفعل.

ومنها اللام المسماة بالمقحمة ، وهى المعترضة بين المتضايفين ، وذلك فى قولهم «بابؤس للحرب» والأصل يا بؤس الحرب ، فأقحمت تقوية للاختصاص ، قال :

٣٦٠ ـ يا بؤس للحرب الّتى

وضعت أراهط فاستراحوا

وهل انجرار ما بعدها بها أو بالمضاف؟ قولان ، أرجحهما الأول ؛ لأن اللام أقرب ، ولأن الجار لا يعلّق.

ومن ذلك قولهم «لا أبا لزيد ، ولا أخاله ، ولا غلامى له» على قول سيبويه إن اسم لا مضاف لما بعد اللام ، وأما على قول من جعل اللام وما بعدها صفة وجعل الاسم شبيها بالمضاف لأن الصفة من تمام الموصوف ، وعلى قول من جعلهما خبرا وجعل أبا وأخا على لغة من قال :

إنّ أباها وأبا أباها

[قد بلغا فى المجد غايتاها] [٥٠]

وقولهم «مكره أخاك لا بطل» وجعل حذف النون على وجه الشذوذ كقوله :

٢١٦

٣٦ ـ *بيضك ثنتا وبيضى مائتا (١)*

فاللام للاختصاص ، وهى متعلقة باستقرار محذوف.

ومنها اللام المسماة لام التقوية ، وهى المزيدة لتقوية عامل ضعف : إما بتأخّره نحو «هدى ورحمة للذين هم لربّهم يرهبون» ونحو («إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) أو بكونه فرعا فى العمل نحو (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) ونحو : ضربى لزيد حسن ، وأنا ضارب لعمرو ، قيل : ومنه (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) وقوله :

٣٦٢ ـ إذا ما صنعت الزّاد فالتمسى له

أكيلا ، فإنّى لست آكله وحدى

وفيه نظر ؛ لأن عدوا وأكيلا ـ وإن كانا بمعنى معاد ومؤاكل ـ لا ينضبان المفعول ، لأنهما موضوعان للثبوت ، وليسا مجاريين للفعل فى التحرك والسكون ، ولا محوّلان عما هو مجار له ، لأن التحويل إنما هو ثابت فى الصيغ التى يراد بها المبالغة ، وإنما اللام فى البيت للتعليل ، وهى متعلقة بالتمسى ، وفى الآية متعلقة بمستقر محذوف صفة لعدو ، وهى للاختصاص.

وقد اجتمع التأخر والفرعية فى (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) وأما قوله تعالى (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) فإن كان النذير بمعنى المنذر فهو مثل (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) وإن كان بمعنى الإنذار فاللام مثلها فى «سقيا لزيد» وسيأتى.

قال ابن مالك : ولا تزاد لام التقوية مع عامل يتعدّى لاثنين ، لأنها إن زيدت فى مفعوليه فلا يتعدّى فعل إلى اثنين بحرف واحد ، وإن زيدت فى أحدهما لزم ترجيح من غير مرجح ، وهذا الأخير ممنوع ، لأنه إذا تقدم أحدهما دون الآخر وزيدت اللام فى المقدم لم يلزم ذلك ، وقد قال الفارسى فى قراءة من قرأ (وَلِكُلٍ

__________________

(١) كذا فى جميع الأصول ، ولا يتم وزن الرجز إلا أن يكون *بيضك ثنتان وبيضى مائتا* بثبوت النون فى (ثنتان) وحذفها فى (مائتا)

٢١٧

وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) بإضافة كل : إنه من هذا ، وإن المعنى الله مولّ كلّ ذى وجهة وجهته ، والضمير على هذا للتولية ، وإنما لم يجعل كلا والضمير مفعولين ويستغنى عن حذف ذى ووجهته لئلا يتعدّى العامل إلى الضمير وظاهره معا ؛ ولهذا قالوا فى الهاء من قوله :

٣٦٣ ـ هذا سراقة للقرآن يدرسه

يقطّع اللّيل تسبيحا وقرآنا

إن الهاء مفعول مطلق لا ضمير القرآن ، وقد دخلت اللام على أحد المفعولين مع تأخرهما فى قول ليلى :

٣٦٤ ـ أحجّاج لا تعطى العصاة مناهم.

ولا الله يعطى للعصاة مناها

وهو شاذ ، لقوة العامل.

ومنها لام المستغاث عند المبرد ، واختاره ابن خروف ، بدليل صحة إسقاطها ، وقال جماعة : غير زائدة ، ثم اختلفوا ؛ فقال ابن جنى : متعلقة بحرف النداء لما فيه من معنى الفعل ، وردّ بأن معنى الحرف لا يعمل فى المجرور ، وفيه نظر ؛ لأنه قد عمل فى الحال نحو قوله :

٣٦٥ ـ كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا

لدى وكرها العنّاب والحشف البالى

[ص ٣٩٢ و ٤٣٩]

وقال الأكثرون : متعلقة بفعل النداء المحذوف ، واختاره ابن الضائع وابن عصفور ، ونسباه لسيبويه ، واعترض بأنه متعدّ بنفسه ، فأجاب ابن أبى الربيع بأنه ضمن معنى الالتجاء فى نحو «يا لزيد» والتعجب فى نحو «يا للدواهى» وأجاب ابن عصفور وجماعة بأنه ضعف بالتزام الحذف فقوى تعديه باللام ، واقتصر على إيراد هذا الجواب أبو حيان ، وفيه نظر ؛ لأن اللام المقوية زائدة كما تقدم ، وهؤلاء لا يقولون بالزيادة.

٢١٨

فإن قلت : وأيضا فإن اللام لا تدخل فى نحو «زيدا ضربته» مع أن الناصب ملتزم الحذف.

قلت : لما ذكر فى اللفظ ما هو عوض منه كان بمنزلة ما لم يحذف.

فإن قلت : وكذلك حرف النداء عوض من فعل النداء.

قلت : إنما هو كالعوض ، ولو كان عوضا البتة لم يجز حذفه (١) ، ثم إنه ليس بلفظ المحذوف ؛ فلم ينزّل منزلته من كل وجه.

وزعم الكوفيون أن اللام فى المستغاث بقية اسم وهو آل ، والأصل يا آل زيد ، ثم حذفت همزة آل للتخفيف ، وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين ، واستدلّوا بقوله :

٣٦٦ ـ فخير نحن عند النّاس منكم

اذا الدّاعى المثوّب قال يالا [ص ٤٤٥]

فإن الجار لا يقتصر عليه ، وأجيب بأن الأصل : يا قوم لا فرار ، أو لا نفرّ ، فحذف ما بعد لا النافية ، أو الأصل يا لفلان ثم حذف ما بعد الحرف كما يقال «ألاتا» فيقال «ألافا» يريدون : ألا تفعلون ، وألا فافعلوا.

تنبيه ـ إذا قيل «يا لزيد» بفتح اللام فهو مستغاث ، فإن كسرت فهو مستغاث لأجله ، والمستغاث محذوف ، فإن قيل «يا لك» احتمل الوجهين ، فإن قيل «يالى» فكذلك عند ابن جنى ، أجازهما فى قوله :

فيا شوق ما أبقى ، ويالى من النّوى

ويا دمع ما أجرى ، ويا قلب ما أصبى [٣٤١]

وقال بن عصفور : الصواب أنه مستغاث لأجله ؛ لأن لام المستغاث متعلقة بدعو ؛

__________________

(١) يريد لو كان حرف النداء عوضا من الفعل قطعا لم يكن ليجوز حذف حرف النداء ؛ لأن الفعل محذوف ، فيكون حذفه أيضا من باب حذف العوض والمعوض منه.

٢١٩

فيلزم تعدّى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل ، وهذا لا يلزم ابن جنى ؛ لأنه يرى تعلق اللام بيا كما تقدم ، ويا لا تتحمل ضميرا كما لا تتحمله ها إذا عملت فى الحال فى نحو (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) نعم هو لازم لابن عصفور ؛ لقوله فى «يا لزيد لعمرو» إن لام لعمرو متعلقة بفعل محذوف تقديره أدعوك لعمرو ، وينبغى له هنا أن يرجع إلى قول ابن الباذش إن تعلّقها باسم محذوف تقدير مدعو لعمرو ، وإنما ادّعيا وجوب التقدير لأن العامل الواحد لا يصل بحرف واحد مرتين ، وأجاب ابن الضائع بأنهما مختلفان معنى نحو «وهبت لك دينارا لترضى».

تنبيه ـ زادوا اللام فى بعض المفاعيل المستغنية عنها كما تقدم ، وعكسوا ذلك فحذفوها من بعض المفاعيل المفتقرة إليها كقوله تعالى (تَبْغُونَها عِوَجاً) (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) وقالوا «وهبتك دينارا ، وصدتك ظبيا ، وجنيتك ثمرة» قال :

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا

[ولقد نهيتك عن بنات الأوبر] [٧١]

وقال :

٣٦٧ ـ فتولّى غلامهم ثم نادى :

أظليما أصيدكم أم حمارا

وقال :

٣٦٨ ـ إذا قالت حذام فانصتوها

[فإنّ القول ما قالت حذام]

فى رواية جماعة ، والمشهور «فصدّقوها».

الثانى والعشرون : التبيين ، ولم يوفّوها حقها من الشرح ، وأقول : هى ثلاثة أقسام :

أحدها : ما تبيّن المفعول من الفاعل ، وهذه تتعلق بمذكور ، وضابطها : أن تقع

٢٢٠