مغنى اللبيب - ج ١

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب - ج ١

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٦
الجزء ١ الجزء ٢

والأفصح فيه حينئذ أن يقصر مع الكسر (١) نحو (مَكاناً سُوىً) وهو أحد الصفات التى جاءت على فعل كقولهم «ماء روى» و «قوم عدّى» وقد تمدّ مع الفتح نحو «مررت برجل سواء والعدم».

وبمعنى الوسط ، وبمعنى التام ؛ فتمدّ فيهما مع الفتح ، نحو قوله تعالى (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) ، وقولك «لهذا درهم سواء».

وبمعنى القصد ؛ فتقصر مع الكسر ، وهو أغرب معانيها ، كقوله :

٢٢١ ـ فلأصرفنّ سوى حذيفة مدحتى

لفتى العشىّ وفارس الأحزاب

ذكره ابن الشجرى.

وبمعنى مكان أو غير ، على خلاف فى ذلك ؛ فتمد مع الفتح وتقصر مع الضم ويجوز الوجهان مع الكسر ، وتقع هذه صفة واستثناء كما تقع غير ، وهو عند الزجاجى وابن مالك كغير فى المعنى والتصرف ؛ فتقول «جاءنى سواك» بالرفع على الفاعلية ، و «رأيت سواك» بالنصب على المفعولية ؛ و «ما جاءنى أحد سواك» بالنصب والرفع وهو الأرجح ، وعند سيبويه والجمهور أنها ظرف مكان ملازم للنصب ، لا يخرج عن ذلك إلا فى الضرورة ، وعند الكوفيين وجماعة أنها ترد بالوجهين ، وردّ على من نفى ظرفيتها بوقوعها صلة ، قالوا «جاء الذى سواك» وأجيب بأنه على تقدير سوى خبرا لهو محذوفا أو حالا لثبت مضمرا كما قالوا «لا أفعله ما أنّ حراء مكانه» ولا يمنع الخبرية قولهم «سواءك» بالمد والفتح ؛ لجواز أن يقال : إنها بنيت لإضافتها إلى المبنى كما فى غير.

(تنبيه) يخبر بسواء التى بمعنى مستوعن الواحد فما فوقه ، نحو (لَيْسُوا سَواءً) لأنها فى الأصل مصدر بمعنى الاستواء ، وقد أجيز فى قوله تعالى (سَواءٌ عَلَيْهِمْ

__________________

(١) فى نسخة «فتقصر مع الكسر»

١٤١

أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) كونها خبرا عما قبلها أو عما بعدها أو مبتدأ وما بعدها فاعل على الأول ومبتدأ على الثانى وخبر على الثالث ، وأبطل ابن عمرون الأول بأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، والثانى بأن المبتدأ المشتمل على الاستفهام واجب التقديم ؛ فيقال له : وكذا الخبر ، فإن أجاب بأنه مثل «زيد أين هو» منعناه وقلنا له : بل مثل «كيف زيد» لأن (أَأَنْذَرْتَهُمْ) إذا لم يقدّر بالمفرد لم يكن خبرا ؛ لعدم تحمله ضمير سواء ، وأما شبهته فجوابها أن الاستفهام هنا ليس على حقيقته ، فإن أجاب بأنه كذلك فى نحو «علمت أزيد قائم» وقد أبقى عليه استحقاق الصّدرية بدليل التعليق ، قلنا : بل الاستفهام مراد هنا ؛ إذ المعنى علمت ما يجاب به قول المستفهم أزيد قائم ، وأما فى الآية ونحوها فلا استفهام البتة ؛ لا من قبل المتكلم ولا غيره.

حرف العين المهملة

(عدا) مثل خلا ، فيما ذكرناه من القسمين (١) ، وفى حكمها مع «ما» والخلاف فى ذلك ، ولم يحفظ سيبويه فيها إلا الفعلية.

(على) على وجهين :

أحدهما : أن تكون حرفا ، وخالف فى ذلك جماعة ؛ فزعموا أنها لا تكون إلا اسما ، ونسبوه لسيبويه ، ولنا أمران :

أحدهما قوله :

٢٢٢ ـ تحنّ فتبدى ما نها من صبابة

وأخفى الذى لو لا الأسى لقضانى [ص ٥٧٧]

أى لقضى علىّ ، فحذفت «على» وجعل مجرورها مفعولا ، وقد حمل الأخفش على ذلك (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) أى على سر ، أى نكاح ، وكذلك (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) أى على صراطك.

__________________

(١) انظر قول المؤلف فى ذلك (ص ١٣٣)

١٤٢

والثانى : أنهم يقولون «نزلت على الذى نزلت» أى عليه كما جاء (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) أى منه.

ولها تسعة معان :

أحدها : الاستعلاء ، إما على المجرور وهو الغالب نحو (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) أو على ما يقرب منه نحو (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) وقوله :

*وبات على النّار النّدى والمحلّق* [١٤١]

وقد يكون الاستعلاء معنويا نحو (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) ونحو (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ).

الثانى : المصاحبة كمع نحو (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ).

الثالث : المجاوزة كعن كقوله :

٢٢٣ ـ إذا رضيت علىّ بنو قشير

لعمر الله أعجبنى رضاها [ص ٦٧٧]

أى عنّى ، ويحتمل أن «رضى» ضمّن معنى عطف ، وقال الكسائى : حمل على نقيضه وهو سخط ، وقال :

٢٢٤ ـ فى ليلة لا نرى بها أحدا

يحكى علينا إلّا كواكبها

[ص ٥٦٣ و ٦٧٨]

أى عنّا ، وقد يقال : ضمن يحكى معنى ينمّ.

الرابع : التعليل كاللام ، نحو (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) أى لهدايته إياكم ، وقوله :

٢٢٥ ـ علام تقول الرّمح يثقل عاتقى

إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرّت (١)

__________________

(١) «تقول» فى هذا البيت بمعنى تظن ، فينتصب بها المبتدأ والخبر.

١٤٣

الخامس : الظرفية كفى نحو (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) ونحو (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) أى : [فى] زمن ملكه ، ويحتمل أنّ (تَتْلُوا) مضمن معنى تتقول ؛ فيكون بمنزلة (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ).

السادس : موافقة من نحو (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ).

السابع : موافقة الباء نحو (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) وقد قرأ أبىّ بالباء.

وقالوا : اركب على اسم الله.

الثامن : أن تكون زائدة : للتعويض ، أو غيره.

فالأول كقوله :

٢٢٦ ـ إنّ الكريم وأبيك يعتمل

إن لم يجد يوما على من يتّكل

أى : من يتكل عليه ، فحذف «عليه» وزاد على قبل الموصول تعويضا له ، قاله ابن جنى ، وقيل : المراد إن لم يجد يوما شيئا ، ثم ابتدأ مستفهما فقال : على من يتكل؟ وكذا قيل فى قوله :

٢٢٧ ـ ولا يؤاتيك فيما ناب من حدث

إلّا أخو ثقة ، فانظر بمن تثق [ص ١٧٠]

إن الأصل فانظر لنفسك ، ثم استأنف الاستفهام ، وابن جنى يقول فى ذلك أيضا : إن الأصل فانظر من تثق به ، فحذف الباء ومجرورها ، وزاد الباء عوضا ، وقيل : بل تم الكلام عند قوله فانظر ، ثم ابتدأ مستفهما ، فقال : بمن تثق؟

والثانى قول حميد بن ثور :

٢٢٨ ـ أبى الله إلّا أنّ سرحة مالك

على كلّ أفنان العضاه تروق

قاله ابن مالك ، وفيه نظر ؛ لأن «راقه الشىء» بمعنى أعجبه ، ولا معنى له هنا ، وإنما المراد تعلو وترتفع.

١٤٤

التاسع : أن تكون للاستدراك والإضراب ، كقولك : فلان لا يدخل الجنة لسوء صنيعه على أنه لا ييأس من رحمة الله تعالى ، وقوله :

٢٢٩ ـ فو الله لا أنسى قتيلا رزئته

بجانب قوسى ما بقيت على الأرض

على أنّها تعفو الكلوم ، وإنّما

نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضى

أى على أن العادة نسيان المصائب البعيدة العهد ، وقوله :

٢٣٠ ـ بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا

على أنّ قرب الدّار خير من البعد

ثم قال :

على أنّ قرب الدّار ليس بنافع

إذا كان من تهواه ليس بذى ودّ

أبطل بعلى الأولى عموم قوله «لم يشف ما بنا» فقال : بلى إن فيه شفاء مّا ، ثم أبطل بالثانية قوله «على أن قرب الدار خير من البعد».

وتعلّق على هذه بما قبلها [عند من قال به] كتعلق حاشا بما قبلها عند من قال به ؛ لأنها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج ، أو هى خبر لمبتدأ محذوف ، أى والتحقيق على كذا ، وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب ، قال : ودل على ذلك أن الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق ، ثم جىء بما هو التحقيق فيها.

والثانى : من وجهى على : أن تكون اسما بمعنى فوق ، وذلك إذا دخلت عليها من ، كقوله :

١٤٥

٢٣١ ـ غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

[تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل]

[ص ٥٣٢]

وزاد الأخفش موضعا آخر ، وهو أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد ، نحو قوله تعالى (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وقول الشاعر :

٢٣٢ ـ هوّن عليك ، فإنّ الأمور

بكفّ الإله مقاديرها

[ص ٤٨٧ و ٥٣٢]

لأنه لا يتعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل فى غير باب ظن وفقد وعدم ، لا يقال «ضربتنى» ولا «فرحت بى».

وفيه نظر ؛ لأنها لو كانت اسما فى هذه المواضع لصحّ حلول فوق محلّها ، ولأنها لو لزمت اسميتها لما ذكر لزم الحكم باسمية إلى فى نحو (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ) (وَهُزِّي إِلَيْكِ) وهذا كله يتخرج إما على التعلق بمحذوف كما قيل فى اللام فى «سقيا لك» وإما على حذف مضاف ، أى : هوّن على نفسك ، واضمم إلى نفسك ، وقد خرّج ابن مالك على هذا قوله :

٢٣٣ ـ وما أصاحب من قوم فأذكرهم

إلّا يزيدهم حبّا إلىّ هم

فادّعى أن الأصل : يزيدون أنفسهم ، ثم صار يزيدونهم ، ثم فصل ضمير الفاعل للضرورة وأخّر عن ضمير المفعول ، وحامله على ذلك ظنه أن الضميرين لمسمى واحد ، وليس كذلك ، فإن مراده أنه ما يصاحب قوما فيذكر قومه لهم إلا ويزيد هؤلاء القوم قومه حبا إليه ؛ لما يسمعه من ثنائهم عليهم ، والقصيدة فى حماسة أبى تمام ، ولا يحسن تخريج ذلك على ظاهره ، كما قيل فى قوله :

٢٣٤ ـ قد بتّ أحرسنى وحدى ، ويمنعنى

صوت السّباع به يضبحن والهام

لأن ذلك شعر ؛ فقد يستسهل فيه مثل هذا ، ولا على قول ابن الأنبارى إن إلى قد

١٤٦

ترد اسما ؛ فيقال «انصرفت من إليك» كما يقال «غدوت من عليك» لأنه إن كان ثابتا ففى غاية الشذوذ ، ولا على قول ابن عصفور إن إليك فى (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ) إغراء ، والمعنى خذ جناحك ، أى عصاك ؛ لأن إلى لا تكون بمعنى خذ عند البصريين ، ولأن الجناح ليس بمعنى العصا إلا عند الفراء وشذوذ من المفسرين.

(عن) على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون حرف جر (١) ، وجميع ما ذكر لها عشرة معان :

أحدها : المجاوزة ، ولم يذكر البصريون سواه ، نحو «سافرت عن البلد» و «رغبت عن كذا» و «رميت السهم عن القوس» وذكر لها فى هذا المثال معنى غير (٢) هذا ، وسيأتى.

الثانى : البدل ، نحو (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) وفى الحديث «صومى عن أمّك».

الثالث : الاستعلاء ، نحو (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) وقول ذى الأصبع :

٢٣٥ ـ لاه ابن عمّك ، لا أفضلت فى حسب

عنّى ، ولا أنت ديّانى فتخزونى

أى لله در ابن عمك لا أفضلت فى حسب على ولا أنت مالكى فتسوسنى ، وذلك لأن المعروف أن يقال «أفضلت عليه» قيل : ومنه قوله تعالى (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) أى قدّمته عليه ، وقيل : هى على بابها ، وتعلقها بحال محذوفة ، أى منصرفا عن ذكر ربى ، وحكى الرّمانى عن أبى عبيدة أنّ أحببت من «أحبّ البعير إحبابا» إذا برك فلم يثر ؛ فعن متعلقة به باعتبار معناه التضمنى ، وهى على حقيقتها ، أى إنى تثبطت عن ذكر ربى ، وعلى هذا فحبّ الخير مفعول لأجله.

__________________

(١) فى نسخة «حرفا جارا».

(٢) فى نسخة «معنى آخر.»

١٤٧

الرابع : التعليل ، نحو (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ) ونحو (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) ويجوز أن يكون حالا من ضمير (بِتارِكِي) أى ما نتركها صادرين عن قولك ، وهو رأى الزمخشرى ، وقال فى (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) : إن كان الضمير للشجرة فالمعنى حملهما على الزلة بسببها ، وحقيقته أصدر الزلة عنها ، ومثله (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) وإن كان للجنة فالمعنى نحّاهما عنها.

الخامس : مرادفة بعد ، نحو (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) بدليل أنّ فى مكان آخر (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) ونحو (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أى حالة بعد حالة ، وقال :

٢٣٦ ـ *ومنهل وردته عن منهل*

السادس : الظرفية كقوله :

٢٣٧ ـ وآس سراة الحىّ حيث لقيتهم

ولا تك عن حمل الرباعة وانيا

الرباعة : نجوم الحمالة ، قيل : لأن ونى لا يتعدّى إلا بفى ، بدليل (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) والظاهر أن معنى «ونى عن كذا» جاوزه ولم يدخل فيه ، وونى فيه دخل فيه وفتر.

السابع : مرادفة من ، نحو (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) الشاهد فى الاولى (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) بدليل (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا).

الثامن : مرادفة الباء ، نحو (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) والظاهر أنها على حقيقتها ، وأن المعنى وما يصدر قوله عن هوى.

١٤٨

التاسع : الاستعانة ، قاله ابن مالك ، ومثّله برميت عن القوس ؛ لأنهم يقولون أيضا : رميت بالقوس ، حكاهما الفراء ، وفيه رد على الحريرى فى إنكاره أن يقال ذلك ، إلا إذا كانت القوس هى المرمية ، وحكى أيضا «رميت على القوس».

العاشر : أن تكون زائدة للتعويض من أخرى محذوفة ، كقوله :

٢٣٨ ـ أتجزع إن نفس أتاها حمامها

فهلّا الّتى عن بين جنبيك تدفع

قال ابن جنى : أراد فهلا تدفع عن التى بين جنبيك ، فحذفت عن من أول الموصول ، وزيدت بعده.

الوجه الثانى : أن تكون حرفا مصدريا ، وذلك أن بنى تميم يقولون فى نحو أعجبنى أن تفعل : عن تفعل ، قال ذو الرمة :

٢٣٩ ـ أعن ترسّمت من خرقاء منزلة

ماء الصّبابة من عينيك مسجوم (١)

يقال «ترسّمت الدار (٢)» أى تأملتها ، وسجم الدمع : سال ، وسجمته العين : أسالته ، وكذا يفعلون فى أنّ المشددة ؛ فيقولون : أشهد عنّ محمدا رسول الله ، وتسمى عنعنة تميم.

الثالث : أن تكون اسما بمعنى جانب ، وذلك يتعين فى ثلاثة مواضع :

أحدها : أن يدخل عليها من ، وهو كثير كقوله :

٢٤٠ ـ فلقد أرانى للرّماح دريئة

من عن يمينى تارة وأمامى (٣)

[ص ٥٣٢]

ويحتمله عندى (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) فتقدر معطوفة على مجرور من ، لا على من ومجرورها ، ومن الداخلة على عن زائدة عند ابن مالك ، ولابتداء الغاية عند غيره ، قالوا : فإذا قيل «قعدت عن

__________________

(١) فى نسخة «توسمت من خرقاء» بالواو.

(٢) فى نسخة «مرة وأمامى»

١٤٩

يمينه» فالمعنى فى جانب يمينه ، وذلك محتمل للملاصقة ولخلافها ، فإن جئت بمن تعين كون القعود ملاصقا لأول الناحية.

والثانى : أن يدخل عليها على ، وذلك نادر ، والمحفوظ منه بيت واحد ، وهو قوله :

٢٤١ ـ على عن يمينى مرّت الطّير سنّحا

[وكيف سنوح واليمين قطيع؟]

الثالث : أن يكون مجرورها وفاعل متعلّقها ضميرين لمسمّى واحد ، قاله الأخفش ، وذلك كقول امرئ القيس :

٢٤٢ ـ ودع عنك نهبا صيح فى حجراته

[ولكن حديث ما حديث الرّواحل (١)]

[ص ٥٣٢]

وقول أبى نواس :

٢٤٣ ـ دع عنك لومى فإنّ اللّوم إغراء

[وداونى بالّتى كانت هى الدّاء]

وذلك لئلا يؤدى إلى تعدى فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل ، وقد تقدم الجواب عن هذا ، ومما يدل على أنها ليست هنا اسما أنه لا يصحّ حلول الجانب محلّها

(عوض) ظرف لاستغراق المستقبل مثل «أبدا» ، إلا أنه مختص بالنفى ، وهو معرب إن أضيف ، كقولهم «لا أفعله عوض العائضين» مبنى إن لم يضف ، وبناؤه إما على الضم كقبل ، أو على الكسر كأمس ، أو على الفتح كأين ، وسمى الزمان عوضا لأنه كلما مضى جزء منه عوضه جزء آخر ، وقيل : بل لأن الدهر فى زعمهم يسلب ويعوض ، واختلف فى قول الأعشىء :

٢٤٤ ـ رضيعى لبان ثدى أمّ ، تحالفا

بأسحم داج عوض لا نتفرّق

[ص ٢٠٩ و ٥٩١]

__________________

(١) ويروى «ولكن حديثا».

١٥٠

فقيل : ظرف لنتفرق ، وقال ابن الكلبى : قسم ، وهو اسم صنم كان لبكر بن وائل ، بدليل قوله :

٢٤٥ ـ حلفت بمائرات حول عوض

وأنصاب تركن لدى السّعير

والسعير : اسم لصنم كان لعنزة ، انتهى. ولو كان كما زعم لم يتجه بناؤه فى البيت.

(عسى) فعل مطلقا ، لا حرف مطلقا خلافا لابن السراج وثعلب ، ولا حين يتصل بالضمير المنصوب كقوله :

٢٤٦ ـ *يا أبتا علّك أو عساكا* [ص ٦٩٩]

خلافا لسيبويه ، حكاه عنه السيرافى ، ومعناه التّرجّى فى المحبوب والإشفاق فى المكروه ، وقد اجتمعا فى قوله تعالى (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ).

وتستعمل على أوجه :

أحدها ـ أن يقال «عسى زيد أن يقوم» واختلف فى إعرابه على أقوال :

أحدها ـ وهو قول الجمهور ـ أنه مثل كان زيد يقوم ، واستشكل بأن الخبر فى تأويل المصدر ، والمخبر عنه ذات ، ولا يكون الحدث عين الذات ، وأجيب بأمور ؛ أحدها : أنه على تقدير مضاف : إما قبل الاسم ، أى عسى أمر زيد القيام ، أو قبل الخبر ، أى عسى زيد صاحب القيام ، ومثله (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أى ولكن صاحب البر من آمن بالله ، أو ولكن البرّ برّ من آمن بالله ، والثانى أنه من باب «زيد عدل ، وصوم» ومثله (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) والثالث أنّ أن زائدة لا مصدرية ، وليس بشىء ؛ لأنها قد نصبت ، ولأنها لا تسقط إلا قليلا.

والقول الثانى : أنها فعل متعد بمنزلة قارب معنى وعملا ، أو قاصر بمنزلة قرب

١٥١

من أن يفعل ، وحذف الجارّ توسعا ، وهذا مذهب سيبويه والمبرد

والثالث : أنها فعل قاصر بمنزلة قرب ، وأن يفعل (١) : بدل اشتمال من فاعلها ، وهو مذهب الكوفيين ، ويردّه أنه حينئذ يكون بدلا لازما تتوقّف عليه فائدة الكلام ، وليس هذا شأن البدل.

والرابع : أنها فعل ناقص كما يقول الجمهور ، وأن والفعل بدل اشتمال كما يقول الكوفيون ، وأن هذا البدل سدّ مسدّ الجزأين كما سد مسد المفعولين فى قراءة حمزة رحمه‌الله (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير) بالخطاب ، واختاره ابن مالك

الاستعمال الثانى : أن تسند إلى أن والفعل ؛ فتكون فعلا تاما ، هذا هو المفهوم من كلامهم ، وقال ابن مالك : عندى أنها ناقصة أبدا ، ولكن سدّت أن وصلتها فى هذه الحالة مسدّ الجزأين كما فى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) إذ لم يقل أحد إن حسب خرجت فى ذلك عن أصلها.

الثالث والرابع والخامس : أن يأتى بعدها المضارع المجرد ، أو المقرون بالسين ، أو الاسم المفرد نحو «عسى زيد يقوم ، وعسى زيد سيقوم ، وعسى زيد قائما» والأول قليل كقوله :

٢٤٧ ـ عسى الكرب الذى أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

[ص ٥٧٩]

والثالث أقلّ كقوله :

٢٤٨ ـ أكثرت فى اللّوم ملحّا دائما

لا تكثرن إنّى عسيت صائما

وقولهم فى المثل «عسى الغوير أبؤسا» كذا قالوا ، والصواب أنهما مما حذف فيه الخبر : أى يكون أبؤسا ، وأكون صائما ، لأن فى ذلك إبقاء لها على الاستعمال الأصلى ، ولأن المرجو كونه صائما ، لانفس الصائم.

__________________

(١) فى نسخة «وأن والفعل ـ إلخ».

١٥٢

والثانى نادر جدا كقوله :

٢٤٩ ـ عسى طيّىء من طيىء بعد هذه

ستطفئ غلّات الكلى والجوانح

وعسى فيهنّ فعل ناقص بلا إشكال.

والسادس : أن يقال «عساى ، وعساك ، وعساه» وهو قليل ، وفيه ثلاثة مذاهب : أحدها : أنها أجريت مجرى لعل فى نصب الاسم ورفع الخبر ، كما أجريت لعل مجراها فى اقتران خبرها بأن ، قاله سيبويه ، والثانى : أنها باقية على عملها عمل كان ولكن استعير ضمير النصب مكان ضمير الرفع ، قاله الأخفش ، ويرده أمران ؛ أحدهما : أن إنابة ضمير عن ضمير إنما ثبت فى المنفصل ، نحو «ما أنا كأنت ، ولا أنت كأنا» وأما قوله :

٢٥٠ ـ يا ابن الزّبير طالما عصيكا

[وطالما عنّيتغا إليكا]

فالكاف بدل من التاء بدلا تصريفيا ، لا من إنابة ضمير عن ضمير كما ظن ابن مالك ، والثانى : أن الخبر قد ظهر مرفوعا فى قوله :

٢٥١ ـ فقلت عاها نار كأس وعلّها

تشكّى فآتى نحوها فاعودها

والثالث : أنها باقية على إعمالها عمل كان ، ولكن قلب الكلام ، فجعل المخبر عنه خبرا وبالعكس ، قاله المبرد والفارسى ، وردّ باستلزامه فى نحو قوله :

*يا أبتا علّك أو عساك* [٢٤٦]

الاقتصار على فعل ومنصوبه ، ولهما أن يجيبا بأن المنصوب هنا مرفوع فى المعنى ؛ إذ مدّعاهما أن الإعراب قلب والمعنى بحاله.

السابع : «عسى زيد قائم» حكاه ثعلب ، ويتخرج هذا على أنها ناقصة ، وأن اسمها ضمير الشأن ، والجملة الاسمية الخبر.

١٥٣

تنبيه ـ إذا قيل «زيد عسى أن يقوم» احتمل نقصان عسى على تقدير تحملها الضمير ، وتمامها على تقدير خلوها منه ، وإذا قلت «عسى أن يقوم زيد» احتمل الوجهين أيضا ، ولكن يكون الإضمار فى يقوم لا فى عسى ، اللهم إلا أن تقدر العاملين تنازعا زيدا ؛ فيحتمل الإضمار فى عسى على إعمال الثانى ؛ فإذا قلت «عسى أن يضرب زيد عمرا» فلا يجوز كون زيد اسم عسى ؛ لئلا يلزم الفصل بين صلة أن ومعمولها وهو عمرا بالأجنبى وهو زيد ، ونظير هذا المثال قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).

(عل) بلام خفيفة ـ اسم بمعنى فوق ، التزموا فيه أمرين ؛ أحدهما ، استعماله مجرورا بمن ، والثانى : استعماله غير مضاف ، فلا يقال «أخذته من عل السطح» كما يقال «من علوه ، ومن فوقه» وقد وهم فى هذا جماعة منهم الجوهرى وابن مالك ، وأما قوله :

٢٥٢ ـ يا ربّ يوم لى لا أظلّله

أرمض من تحت وأضحى من عله

فالهاء للسكت ، بدليل أنه مبنى ، ولا وجه لبنائه لو كان مضافا.

ومتى أريد به المعرفة كان مبنيا على الضم تشبيها له بالغايات كما فى هذا البيت ؛ إذ المراد فوقية نفسه ، لا فوقية مطلقة ، والمعنى أنه تصيبه الرّمضاء من تحته وحرّ الشمس من فوقه.

ومثله قول الآخر يصف فرسا :

٢٥٣ ـ *أقبّ من تحت عريض من عل*

ومتى أريد به النكرة كان معربا كقوله :

٢٥٤ ـ [مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا]

كجلود صخر حله السّيل من عل

إذ المراد تشبيه الفرس فى سرعته بجلمود انحط من مكان ما عال ، لا من علو مخصوص.

١٥٤

(عل) بلام مشددة مفتوحة أو مكسورة : لغة فى لعلّ ، وهى أصلها عند من زعم زيادة اللام ، قال :

٢٥٥ ـ لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه

[ص ٦٤٢]

وهما بمنزلة عسى فى المعنى ، وبمنزلة أنّ المشددة فى العمل ، وعقيل تخفض بهما ، وتجيز فى لامهما الفتح تخفيفا والكسر على أصل التقاء الساكنين ، ويصح النصب فى جوابهما عند الكوفيين تمسكا بقراءة حفص (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) بالنصب ، وقوله :

٢٥٦ ـ علّ صروف الدّهر أو دولاتها

تدلننا اللّمّة من لمّاتها

*فتستريح النّفس من زفراتها*

وسيأتى البحث فى ذلك.

وذكر ابن مالك فى شرح العمدة أن الفعل قد يجزم بلعلّ (١) عند سقوط الفاء ، وأنشد :

٢٥٧ ـ لعلّ التفاتا منك نحوى مقدّر

يمل بك من بعد القساوة للرّحم

وهو غريب.

(عند) : اسم للحضور الحّسىّ ، نحو (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) والمعنوى نحو (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) وللقرب كذلك نحو (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) ونحو (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ)

__________________

(١) فى نسخة «قد يجزم بعد لعل» وهى خير مما أثبتناه فى الأصل.

١٥٥

وكسر فائها أكثر من ضمها وفتحها ، ولا تقع إلا ظرفا أو مجرورة بمن ، وقول العامة «ذهبت إلى عنده» لحن وقول بعض المولدين :

٢٥٨ ـ كلّ عند لك عندى

لا يساوى نصف عند

قال الحريرى : لحن ، وليس كذلك ، بل كلّ كلمة ذكرت مرادا بها لفظها فسائغ أن تتصرف تصرف الأسماء وأن تعرب ويحكى أصلها.

تنبيهان ـ الأول : قولنا «عند اسم للحضور» موافق لعبارة ابن مالك ، والصواب اسم لمكان الحضور ؛ فإنها ظرف لا مصدر ، وتأتى أيضا لزمانه نحو «الصّبر عند الصّدمة الأولى» وجئتك عند طلوع الشّمس.

الثانى : تعاقب عند كلمتان : لدى مطلقا ، نحو (لَدَى الْحَناجِرِ) (لَدَى الْبابِ) (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ولدن إذا كان المحل محل ابتداء غاية نحو «جئت من لدنه» وقد اجتمعتا فى قوله تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) ولو جىء بعند فيهما أو بلدن لصح ، ولكن ترك دفعا للتكرار ، وإنما حسن تكرار لدى فى (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) لتباعد ما بينهما ، ولا تصلح لدن هنا ؛ لأنه ليس محلّ ابتداء.

ويفترقن من وجه ثان ، وهو أن لدن لا تكون إلا فضلة ، بخلافهما ، بدليل (ولدينا كتاب ينطق بالحق وعندنا كتاب حفيظ).

وثالث ، وهو أن جرّها بمن أكثر من نصبها ، حتى إنها لم تجىء فى التنزيل منصوبة ، وجرّ عند كثير ، وجرّ لدى ممتنع.

ورابع ، وهو أنهما معربان ، وهى مبنية فى لغة الأكثرين.

وخامس ، وهو أنها قد تضاف للجملة كقوله :

١٥٦

٢٥٩ ـ [صريع غوان راقهنّ ورقنه]

لدن شبّ حتّى شاب سود الذّوائب

وسادس ، وهو أنها قد لا تضاف ، وذلك أنهم حكوا فى غدوة الواقعة بعدها الجرّ بالإضافة ، والنصب على التمييز ، والرفع بإضمار «كان» تامة.

ثم أعلم أن «عند» أمكن من لدى من وجهين :

أحدهما : أنها تكون ظرفا للأعيان والمعانى ، تقول «هذا القول عندى صواب ، وعند فلان علم به» ويمتنع ذلك فى لدى ، ذكره ابن الشجرى فى أماليه ومبرمان فى حواشيه.

والثانى : أنك تقول «عندى مال» وإن كان غائبا ، ولا تقول «لدىّ مال» إلا إذا كان حاضرا ، قاله الحريرى وأبو هلال العسكرى وابن الشجرى ، وزعم المعرى أنه لا فرق بين لدى وعند ، وقول غيره أولى.

وقد أغنانى هذا البحث عن عقد فصل للدن وللدى فى باب اللّام.

حرف الغين المعجمة

(غير) : اسم ملازم للإضافة فى المعنى ، ويجوز أن يقطع عنها لفظا إن فهم المعنى وتقدّمت عليها كلمة ليس ، وقولهم «لا غير» لحن ، ويقال «قبضت عشرة ليس غيرها» برفع غير على حذف الخبر ، أى مقبوضا ، وبنصبها على إضمار الاسم ، أى ليس المقبوض غيرها ، و «ليس غير» بالفتح من غير تنوين على إضمار الاسم أيضا وحذف المضاف إليه لفظا ونية ثبوته كقراءة بعضهم (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) بالكسر من غير تنوين ، أى من قبل الغلب ومن بعده ، و «ليس غير» بالضم من غير تنوين ، فقال المبرد والمتأخرون : إنها ضمة بناء ، لا إعراب ، وإن غير شبهت بالغايات كقبل وبعد ؛ فعلى هذا يحتمل أن يكون

١٥٧

اسما وأن يكون خبرا ، وقال الأخفش : ضمة إعراب لا بناء ؛ لأنه ليس باسم زمان كقبل وبعد ولا مكان كفوق وتحت ، وإنما هو بمنزلة كل وبعض ؛ وعلى هذا فهو الاسم ، وحذف الخبر ، وقال ابن خروف : يحتمل الوجهين ، و «ليس غيرا» بالفتح والتنوين ، و «ليس غير» بالضم والتنوين : وعليهما فالحركة إعرابية ؛ لأن التنوين إما للتسكين فلا يلحق إلا المعربات ، وإما للتعويض فكأنّ المضاف إليه مذكور.

ولا تتعرف «غير» بالإضافة ؛ لشدة إبهامها ، وتستعمل غير المضافة لفظا على وجهين :

أحدهما ـ وهو الأصل ـ : أن تكون صفة للنكرة نحو (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) أو لمعرفة قريبة منها نحو (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) الآية ؛ لأن المعرّف الجنسىّ قريب من النكرة ، ولأن غيرا إذا وقعت بين ضدين ضعف إبهامها ، حتى زعم ابن السراج أنها حينئذ تتعرف ، ويردّه الآية الأولى.

والثانى : أن تكون استثناء ؛ فتعرب بإعراب الاسم التالى «إلا» فى ذلك الكلام ؛ فتقول «جاء القوم غير زيد» بالنصب ، و «ما جاءنى أحد غير زيد» بالنصب والرفع ، وقال تعالى (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) يقرأ برفع غير : إما على أنه صفة للقاعدون لأنهم جنس ، وإما على أنه استثناء وأبدل على حد (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) ويؤيده قراءة النصب وأن حسن الوصف فى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) إنما كان لاجتماع أمرين الجنسية والوقوع بين الضدين ، والثانى مفقود هنا ، ولهذا لم يقرأ بالخفض صفة للمؤمنين إلا خارج السبع ، لأنه لا وجه لها إلا الوصف ، وقرىء (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) بالجر صفة على اللفظ ، وبالرفع على الموضع ، وبالنصب على الاستثناء ، وهى شاذة ، وتحتمل (١) قراءة الرفع الاستثناء على أنه إيدال على المحل مثل «لا إله إلّا الله».

__________________

(١) فى نسخة «ويحتمل على قراءة الرفع الاستثناء ـ إلخ».

١٥٨

وانتصاب «غير» فى الاستثناء عن تمام الكلام عند المغاربة كانتصاب الاسم بعد إلّا عندهم ، واختاره ابن عصفور ، وعلى الحالية عند الفارسىّ ، واختاره ابن مالك ، وعلى التشبيه بظرف المكان عند جماعة ، واختاره ابن الباذش.

ويجوز بناؤها على الفتح إذا أضيفت إلى مبنى كقوله :

٢٦٠ ـ لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

حمامة فى غصون ذات أوقال

[ص ٥٧]

وقوله :

٢٦١ ـ لذ بقيس حين يأبى غيره

تلفه بحرا مفيضا خيره

وذلك فى البيت الأول أقوى ؛ لأنه انضمّ فيه إلى الإبهام والإضافة لمبنى تضمن غير معنى إلا.

تنبيهان ـ الأول : من مشكل التراكيب التى وقعت فيها كلمة غير قول الحكمىّ (١) :

٢٦٢ ـ غير مأسوف على زمن

ينقضى بالهمّ والحزن

[ص ٦٧٦]

وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن غير مبتدأ لا خبر له ، بل لما أضيف إليه مرفوع يغنى عن الخبر ، وذلك لأنه فى معنى النفى ، والوصف بعده مخفوض لفظا وهو فى قوة المرفوع بالابتداء ، فكأنه قيل : ما مأسوف على زمن ينقضى مصاحبا للهم والحزن ؛ فهو نظير «ما مضروب الزيدان» ، والنائب عن الفاعل الظرف ، قاله ابن الشجرى وتبعه ابن مالك.

والثانى : أن غير خبر مقدم ، والأصل زمن ينقضى بالهم والحزن غير مأسوف

__________________

(١) هو أبو نواس.

١٥٩

عليه ، ثم قدّمت غير وما بعدها ، ثم حذف «زمن» دون صفته ، فعاد الضمير المجرور بعلى على غير مذكور ، فأتى بالاسم الظاهر مكانه ، قاله ابن جنى ، وتبعه ابن الحاجب.

فإن قيل : فيه حذف الموصوف مع أن الصفة غير مفردة وهو فى مثل هذا ممتنع.

قلنا : فى النثر ، وهذا شعر فيجوز فيه ، كقوله :

٢٦٣ ـ أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا

[متى أضع العمامة تعرفونى]

[ص ٣٣٤ و ٦٢٦]

أى أنا ابن رجلا جلا الأمور ، وقوله :

٢٦٤ ـ مالك عندى غير سوط وحجر

وغير كبداء شديدة الوتر]

*ترمى بكفّى كان من أرمى البشر*

أى بكفّى رجل كان

والثالث : أنه خبر لمحذوف ، ومأسوف : مصدر جاء على مفعول كالمعسور والميسور ، والمراد به اسم الفاعل ، والمعنى أنا غير آسف على زمن هذه صفته قاله ابن الخشاب ، وهو ظاهر التعسّف.

التنبيه الثانى : من مشكل أبيات المعانى قول حسان :

٢٦٥ ـ أتانا فلم نعدل سواه بغيره

نبىّ بدا فى ظلمة اللّيل هاديا

فيقال : سواه هو غيره؟ فكأنه قال لم نعدل غيره بغيره.

والجواب أن الهاء فى «بغيره» للسّوى ، فكأنه قال : لم نعدل سواه بغير السوى ، وغير السوى (١) هو نفسه عليه الصلاة والسّلام ، فالمعنى فلم نعدل سواه به.

__________________

(١) فى نسخة «وغير سواه هو نفسه ـ إلخ».

١٦٠