الامامة والحكومة في الأسلام

الشيخ محمد حسين الأنصاري

الامامة والحكومة في الأسلام

المؤلف:

الشيخ محمد حسين الأنصاري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مطبوعات مكتبة النجاح
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٢

وكذا قوله تعالى : (يا أيها الرسول بلغ ما أزل إليك من ربك ..) (١)

وقوله تعالى بعد ذلك بعد ادائه التبليغ في يوم الغدير العظيم (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا.) (٢).

ولو استقصينا الايات الواردة في آل البيت عليهم السلام ، وفي علي بالخصوص التي تدل على مرجعيتهم وإمامتهم للمسلمين والمؤمنين لرأيناها كثيرة ، ومن أراد الاستزادة فعليه بالمطولات (٣)

__________________

(١) ـ (٢) ومن اراد معرفة المصادر الكثيرة لذلك فليراجع كتاب نظريه عدالة الصحابة للاستاذ احمد حسين يعقوب / ص ١٩٠ وص ١٩١ ففيه ما يبغي. وقد اخترنا هذا الكتاب بالذات لانه اثبت للقلب واكثر اطمئنانا لان مؤلفه كان من مفكري ومثقفي اخواننا السنة والذين.

(٣) قد اقتصرنا هنا على الاكثر ظهورا ووضوحا في الحاكميه والامامة ..

٨١

الدليل الثاني : ـ

السنة

جأ عن رسول الله صلى الله عليه وآله حديث الثقلين ويعني بهما الكتاب الكريم وأهل بيت النبوة عليهم السلام في أكثر من طريق ، وبعدة صيغ ، من كلا الطرفين بحيث لا يشك المتتبع لما رواه الفريقان من أن هذا قد صدر منه صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن لم يكن تواترا لفظيا فهو متواتر تواترا معنويا عند كلا الطرفين بلا ريب ولا شك.

فقد جأ عنه صلى الله عليه وآله.

(يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي) (١).

وقد روي عنه صلى الله عليه وآله.

(إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السمأ إلى الارض ، وعترتي أهل بيتي. ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟!) (٢).

فهنا إخبار وتأييد بعدم الضلال بالاخذ بهما ، واخبار وتأييد بعدم افتراقهما ، فكما علمنا عصمة القرآن الكريم يقتضي بهذا عصمة عترته أهل بيته أيضا مطلقا ،

__________________

(١) صحيح الترمذي / باب مناقب اهل بيت النبي صلى الله عليه واله / ج ١٣ / ص ١٩٩.

(٢) المصدر السابق / ص ٢٠١ ، اسد الغابة في معرفة الصحابة / ابن الاثير في ترجمة الامام الحسن عليه السلام ، الدر المنثور / السيوطي / في تفسير اية المودة

٨٢

وإلا لافترقا في موارد عدم العصمة ، وما صدق حينئذ كلام الرسول صلى الله عليه وآله وهذا ما لا يقوله مسلم ، هذا أولا وثانيا يريد أن يبين أن الذي يأخذ بالقرآن بالصورة الصحيحة لابد أن يرجع لاهل البيت عليهم السلام ، وإلا لا يكون رجوعه الاول رجوعا للقرآن الكريم وذلك لعدم أفتراقهما واقرب مثال لذلك الصلاة ، فالله تعالى يقول (إن الصلاة تنهى عن الفحشأ والمنكر) فعندما يصلي الانسان ولا تنهاه صلاته عن الفحشأ والمنكر يعلم جزما بإن صلاته ليست بتامة ، بل وجودها كعدمها لان الله سبحانه وتعالى أكد في كتابه الكريم بأنها تنهى عن الفحشأ والمنكر والخارج ليس كذلك فيعلم من عدم وجود التالي عدم وجود المقدم.

ومثله ورد في مكان آخر : ـ

(إني تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الاخر ، كتاب الله وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟! فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (١).

وقد ورد الحديث بصيغة الامر كذلك.

(إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به .. وأهل بيتي) (٢).

كما جأ بألفاظ مقاربة لهذه (٣).

__________________

(١) مستدرك الصحيحين / ج ٣ / ص ١٠٩.

(٢) صحيح مسلم / باب فضائل علي بن ابى طالب.

مسند احمد / ج ٤ / ص ٣٦٦.

سنن البيهقي / ج ٢ / ص ١٤٨ ، ج ٧ / ص ٣٠.

سنن الدارمي / ج ٢ / ص ٤٣١.

(٣) مسند احمد في اكثر من مورد واحد ج ٤ / ص ٣٧١ ، ص ٤٦٧.

٨٣

وقد جأ عنه صلى الله عليه وآله أيضا (مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ..) (١).

وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله

(من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) (٢).

وقد ذكر الثعلبي في تفسيره باسناده في تفسير قوله تعالى (يوم ندعو كل

__________________

وكذلك ج ٥ / ص ١٨١.

حلية الاولياء / ج ١ / ص ٣٥٥ ، ج ٩ / ص ٦٤.

مشكل الاثار / الطحاوي / ج ٤ ص ٣٦٨.

اسد الغابة / ج ٣ / ص ١٤٧.

تاريخ بغداد / ج ٨ / ص ٤٤٢.

كنز العمال / ج ١ / ص ٤٨.

مجمع الزوائد / الهيثمي / ج ١ / ص ١٦٣ ـ ١٦٤.

(١) مستدرك الصحيحين / الحاكم النيسابوري / ج ٢ / ص ٣٤٣.

الصواعق المحرقة / ابن حجر / ص ١٨٦.

المعجم الكبير / الطبراني / ج ١٢ / ص ٢٧.

(٢) مسند احمد / ج ٤ / ص ٩٦.

صحيح مسلم شرح النووي / ج ١٢ / ص ٤٤٠.

صحيح البخاري / ج ٥ / ص ١٣ باب الفتن ، المعجم الكبير / الطبراني / ج ١٩ / ص ٣٨٨ الحديث (٩١٠).

كنز العمال / لابن حسام الدين الهندي / ج ١ / ص ١٠٣ الحديث (٤٦٤).

كنزل العمال / لابن حسام الدين الهندي / ج ٦ / ص ٦٥ الحديث (١٤٨٦٣).

وقد رواه كثير من الشيعة الامامية منهم الكليني في اصول الكافي في عدة موارد منها الحديث رقم ٥ / ص ١٠٣ / ج ١.

مجمع الزوائد / أبو بكر الهيثمي / ج ٥ / ص ٢١٨.

حلية الاولياء / ج ٣ / ص ٢٢٤.

سنن البيهقي / ج ٨ / ص ١٥٦.

٨٤

أناس بامامهم) (١) آلي النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : (كل قوم يدعون بإمام زمانهم).

وقد جأ عنه صلى الله عليه وآله.

(لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم أثنا عشر خليفة كلهم من قريش) (٢) ..(٣) أو ما يؤدي هذا المعنى.

__________________

(١) الاية (٧١) سورة الاسراء.

(٢) صحيح مسلم / ج ٦ / ص ٣ ـ ٤.

باب الناس تبع لقريش اخرجه من تسعه طرق (ج ٢ / ص ١١٩ كتاب الامارة).

صحيح البخاري / ج ٤ / ص ١٦٥ (كتاب الاحكام). باب الاختلاف.

صحيح الترمذي / في ابواب الفتن / باب ما جاء في الخلفاء / ج ٢ / ص ٥٤.

مسند احمد / في عدة موارد / ج ٥ / ص ٨٦ ، ص ٩٠ ، ص ٩٣ ، / ص ١٠١ ، ص ١٠٦ ص ١٠٨.

حلية الاولياء / لابي نعيم الاصبهاني / ج ٤ / ص ٣٣٣.

كنز العمال / ج ١٣ / ص ٢٧ ـ ٧٦.

مسند الطيالسي / الحديث رقم (٧٦٧) والحديث رقم (١٢٧٨).

تاريخ الخلفاء / السيوطي / ص ٤١.

تاريخ البغداد / الخطيب / ج ٢ / ص ١٢٦.

المعجم الكبير / الطبراني / ج ٢ / ص ٤١٢.

(٣) هذا ولو يراجع كتاب «المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي» من كتب سلسلة المعارف الاسلامية رقم (١) اصدار مركز الرسالة / ص ٧٤ ـ ٩٦ / ففيه تحليل لطيف لهذه الاحاديث وزيادة فائدة.

١) ـ بعض مصادر حديث الدار عند نزول اية «وانذر عشيرتك الاقربين»

١ ـ مسند احمد / ط مصر ١٣١٣ ه‍ / ج ١ ص ١١١ ، ص ١٥٩.

٢ ـ التاريخ الكبير / الطبري / ج ٢ / ص ٣١٦ ـ ٣١٧ / ط مصر ١٣٠٠ ه‍

٣ ـ الكامل في التاريخ / ابن الاثير / ج ٢ / ص ٤١ ـ ٤٢ / ط دار الكتاب العربي ـ بيروت / ١٣٨٧ ه‍

٤ ـ البداية والنهاية / ابن كثير / ط مصر ١٣٥١ ه‍ / ج ٣ / ص ٣٩.

٨٥

__________________

٥ ـ تاريخ ابي الفداء / ج ١ / ص ١١٩ / ط القسطنطينية ١٢٨٦ ه‍

٦ ـ السيرة الجليه / علي بن برهان الدين الحلبي / ج ١ / ص ٣١١ / ط مصر ١٣٣٠ ه‍

٧ ـ نقض كتاب العثمانية للجاحظ / أبو جعفر الاسكافي / ص ٢١ / ط مصر ١٣٥٢ هم

٨ ـ كنز العمال / المتقي / ج ٦ / ص ٣٩٢ ـ ٣٩٧.

٩ ـ كفاية الطالب / الكنجي / ص ٢٠٤ ـ ٢٠٧ / ط. الحيدرية ١٣٩٠ ه‍

١٠ ـ فرائد السمطين / الحمويين / ج ١ / باب ١٦.

١١ ـ تفسير الخازن / ط مصر ١٢١٧ / ج ٢ ص ٣٧١.

١٢ ـ الدر المنثور / السيوطي / ج ٥ / ص ١٩٧ / ط مصر ١٣١٤ ه‍

١٣ ـ خصائص النسائي / ط مصر ١٢٠٨ ه‍ / ص ١٢.

١٤ ـ مستدرك الصحيحين / الحاكم النيسابوري / ج ٢ / ص ١٣٣ / ط حيدر اباد ١٣٤٢ ه‍

١٥ ـ البغوي في تفسيره «معالم التنزيل» / ج ٤ / ص ٢٧٨.

٢) ـ مصادر لا سيف الا ذو الفقار لا فتى الا على

١ ـ الكامل لابن الاثير / غزوة احد.

٢ ـ تاريخ الطبري / ج ٣ / ص ١٧.

٣ ـ ذخائر العقبى / المحب الطبري / ص ٧٤.

٤ ـ كفاية الطالب / القريشي الكنجى الشافعي / ص ١٤٤ ـ ١٤٨ بتسعه طرق.

٥ ـ شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد / ج ١ / ص ٩ / ج ٢ / ص ٢٣٦ / ج ٣ / ص ٢٨١ / ط مصر. ١٣٢٩ ه‍

٦ ـ فرائد السمطي / باب ٤٩ / ج ١.

٣) ـ بعض مصادر سد الابواب الا بابه

١ ـ مسند احمد / ج ١ / ص ١٧٥ / ج ٢ / ص ١٢٦.

٢ ـ مستدرك الصحيحين / ج ٣ / ص ١٢٥.

٣ ـ جامع الترمذي / ج ٢ / ص ٤٦٢.

٤ ـ كنز العمال / ج ٦ / ص ٣٩٣ ـ ص ٤٠٨.

٥ ـ الدر المنثور / السيوطي / ج ٦ / ص ١٢٣.

٦ ـ ينابيع المودة / ص ٨٧.

٨٦

هذا ولو تتبعنا القرآن الكريم ، والسنة النبوية معا ، لرأيناهما قد وضحا منذ بداية الخيط الاول من فجر الاسلام ، وسلطا الضؤ على من يحمل الراية معه وبعده ، إلى آخر لحظات بقأه في هذه الحياة ، مرورا بكل موقف وواقعة ..

فعندما نزلت (وانذر عشيرتك الاقربين).

راجع التاريخ وسله عمن ارجع عشيرته إليه ليطاع؟!

ومن آزره على هذا الامر؟!

ولم قالوا لابي طالب وهو شيخهم مستهزئين أنه أمرك أن تطيع هذا الفتى

__________________

٧ ـ ذخائر العقبى / المحب الطبري / ص ٧٦.

٤) ـ بعض مصادر حديث المنزله.

١ ـ صحيح البخاري / في غزوة تبوك / ج ١٤ / ص ٣٨٦ / ج ١٧ / ص ٤٧٥.

٢ ـ صحيح مسلم / في فضائل علي عليه السلام / ج ٢ / ص ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

٣ ـ مسند احمد / ج ١ ص ١٧٠ / بطرق كثيرة / ج ٣ / ص ٣٢ / ج ٦ / ص ٣٦٩.

٤ ـ مستدرك الحاكم / ج ٢ / ص ١٠٨.

٥ ـ جامع الترمذي / ج ٢ / ص ٤٦٠ ـ ٤٦١.

٦ ـ سنن ابن ماجة / ط مصر ١٣١٣ ه‍ / ج ١ / ص ٢٨.

٧ ـ خصائص النسائي / ط مصر ١٣٠٨ ه‍ / ص ٨ ، ص ٢٨.

٨ ـ تاريخ الخطيب البغدادي / ط مصر ١٣٤٩ ه‍ / ج ٣ / ص ٢٩٩.

٩ ـ البداية والنهاية / ج ٧ / ص ٢٣٩ ـ ٣٤٠.

١٠ ـ تاريخ ابن عساكر / ط مصر ١٣٣٢ ه‍ / في ترجمة علي (ع).

١١ ـ مصابيح السنة / البغوي / ط مصر ١٣١٨ ه‍ / ج ٢ / ص ٢٠١.

١٢ ـ الكامل في التاريخ / ابن الاثير / ط مصر ١٣٠٣ ه‍ / ج ٢ / ص ١٠٦.

١٣ كنز العمال / المتقي الحنفي / ج ٦ / ص ١٥٣.

١٤ ـ ذخائر العقبى / المحب الطبري / ص ٥٨ ـ ٦٢.

١٥ ـ وفيات الاعيان / ابن خلكان / ج ٢ / ص ١٠٤.

١٦ ـ كفاية الطالب / الكنجى الشافعي / ص ١٤٨ ، ص ١٥١ ، ص ١٥٤.

١٧ ـ العقد الفريد / ط بولاق ١٣٠٢ / ج ٢ / ص ١٩٤.

٨٧

ابنك؟! (١).

ولم فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك؟!

ومن شهد له من السمأ فالارض ب‍ (لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار) (٢).

ومن الذي بقي بابه كباب رسول الله صلى الله عليه وآله عندما سد الابواب كلها إلا بابه؟! (٣).

ومن قال له رسول الله صلى الله عليه وآله (أنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (٤).

ومن ...؟!

ومن ..؟! ...

ومن كان أخيرا صاحب بيعة الغدير؟!!

إذا استعرضت هذا كله وغيره وتفكرت به علمت أن الرسول صلى الله عليه وآله أعين الخليفة من بعده أم لا؟!!

وإذا روي لغيره ذلك أيضا ، فقارن بين كل هذه الاحاديث وتلك والايات والروايات لترى ما هو الحديث الموضوع ولم وضع؟!!!

وعندها تعرف أن الرسول صلى الله عليه وآله إنه ، إذا عين فمن الذي قد عين؟!!!

يقرب الامام علي عليه السلام ذلك لنا بقوله :

(إن أولى الناس بالانبيأ اعلمهم بما جأوا به ، ثم تلى : ـ

(إن أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا) (٥).

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) مصادر هذه الاحاديث في الورقة الملحقة.

(٥) الاية «٦٨» سورة ال عمران ـ ٣ ـ

٨٨

وهذا يمثل مساحة واسعة ، يمكن للكل أن ينسبوا بعضها أو كلها لهم دون غيرهم أيضا.

ولوقارنا ما جأت به السير وما نطق به الرسول صلى الله عليه وآله من مدح فلان وفلان لعلمنا من مدح واقعا ممن لم يمدحه إلا أن الوضاع قد وضعوه لاجل السلطة والمال والحقد والحسد.

ولنبتعد قليلا عن الاستدلالات العميقة ، والتي ربما يتشعب منها شعب بعد شعب.

ونكمل الاستدلال بطريقة بسيطة يفهمها حتى البسيط من الناس.

فنقول : إن أهل البيت عليهم السلام لهم منزلة خاصة وواضحة عند كل مسلم لا يشك فيها أحد ـ ولنترك تفصيل أن المقصود ، منهم ما يعم الازواج أم لا ـ حتى أن الباري خاطب نبيه صلى الله عليه وآله قائلا له.

(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (١).

فإذا مودة القربى واضح وجوبها.

ولو نوقش في ذلك ، فإننا نتوجه بآية اخرى.

(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (٢).

فهذه تبين معان في الانتقأ والتطهير لم تذكر لغيرهم.

فهم أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله.

وهم الذين أوجب الله مودتهم.

وهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وهم الذين باهل بهم نصارى نجران ونزلت.

__________________

(١) الاية «٤٢» سورة الشورى ـ ٤٢ ـ

(٢) الاية «٣٣» الاحزاب ـ ٣٣ ـ

٨٩

(فقل تعالوا ندعوا أبنأنا وابنأكم ونسأنا ونسأكم وأنفسنا وانفسكم) (١).

وهم الذين .. وهم الذين ..

فلا يمكن أن يتقدم عليهم أحد.

ولعل لرسوخ ذلك في أذهان المسلمين كان الترجيح للمهاجرين على الانصار يوم السقيفة لكونهم من قريش فهم أولى بالنبي صلى الله عليه وآله.

وفات الكل بإن بني هاشم أقرب من قريش له صلى الله عليه وآله.

وإن أهل البيت أقرب من بني هاشم.

وعلي عميدهم.

وبهذا رسخ عند الكل ولا أهل البيت عليهم السلام ، وتعظيمهم ، ووجوب حبهم (بل حبهم فرض من ضروريات الدين الاسلامي التي لا تقبل الجدل والشك ، وقد اتفق عليه جميع المسلمين على اختلاف نحلهم وآرائهم).

(ولا يمكن أن نتصور أنه تعالى يفرض حب من يرتكب المعاصي ، أو لا يطيعه حق طاعته فإنه ليس له قرابة مع أحد أو صداقه ، وليس عنده الناس بالنسبة إليه إلا عبيدا مخلوقين على حد سوأ ، وإنما أكرمهم عند الله اتقاهم.

فمن أوجب حبه على الناس كلهم لابد أن يكون إتقاهم وافضلهم جميعا ، وإلا كان غيره أولى بذلك الحب ، أو كان الله يفضل بعضا على بعض في وجوب الحب والولاية عبثا أو لهوا ، بلا جهة استحقاق وكرامة؟!) (٢) ، حاشا لله تعالى ذلك.

ثم نضيف بعد ذلك بمالا يمكن إنكاره أيضا : ـ

هذه الصلاة المكتوبة التي هي واجبة على كل مسلم ، يؤديها كل يوم خمس

__________________

(١) الاية «٦١» سورة ال عمران ـ ٣ ـ

(٢) الشيخ محمد رضا المظفر / عقائد الامامية / ص ٣٢٤ / ط.

٩٠

مرات على الاقل بملاحظة أنه يصلى الصلاة اليومية الواجبة فقط وإلا لو كان يؤدي المستحبة كذلك فالعدد يكبر والامر يتسع ـ وجوب الصلاة على محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله مما لا يمكن إنكاره من أغلب المسلمين ان لم يكن كلهم ، ولا تتم الصلاة بالاخلال بها.

ويقول الفخر الرازي في مفاتيح غيبه في تفسير آية (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) الدعأ للال منصب عظيم ، ولذلك جعل خاتم التشهد ، وهذا التعظيم لم يوجد في غير الال ، وكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب.

نقول : من تجب الصلاة عليه على كل مسلم في كل يوم تسع مرات على الاقل هل ميزانه عند الله تعالى ـ وهو اللطيف الخبير ـ مساو لمن قد لا تجب الصلاة عليه طول العمر ولو مرة واحدة؟!

كل هذه تساؤلات مشروعة ، على كل مسلم أن يطرحها على نفسه ليعرف من الذي يكون حينذاك أحق بالاتباع؟!!

فإن الاخرة اتية والله يبعث من في القبور فعلينا تهيئة الجواب والحجة وقد قال تعالى :

(وقفوهم إنهم مسؤولون).

فمن هنا ومن غيره الكثير الكثير نعلم ويخترم بإن المقدم يجب أن يكون من الال انفسهم ، ومنزلته عظيمة عند الله تعالى جدا ، بحيث أوجب علينا ذلك كله له.

ولو تتبعنا السيرة النبوية بعين الانصاف والعدل ، لا بعين الاهوأ ورؤية الابأ لرأينا كل ذلك واضحا ، فهي تبين التفصيل بعد الاجمال ، والتوضيح بعد الابهام.

وحتى القرآن الكريم لو ألقينا لباس التعصب لرأيناه يشخص ويعين لو تدبرنا آياته وأردنا اتباعه.

٩١

وإذا قارنت بعين الانصاف ما جأ عن الرسول صلى الله عليه وآله.

تفصيلا ، مع ما جأ به القرآن تلميحا وتأصيلا ، مع ما حكم به العقل صريحا ، لعلمت بان هذا الامر لا يخرج عن العرب دون الناس.

وعن قريش دون العرب.

وعن قريش دون العرب.

وعن بني هاشم دون قريش.

وعن أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم دون بني هاشم.

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام بالخصوص ، وعن أولاده المعروفين المذكورين دون غيرهم قطعا.

فإذا ورد هذا كله عن رسول الله صلى الله عليه وآله بعدم الضلالة باتباع القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام وهم الحبل الممدود بين السمأ والارض ، وإنهما لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض.

وأخبر صلى الله عليه وآله بأن الدين قائم مادام هناك إثنا عشر خليفة كلهم من قريش فيقتضي أنهم من قريش ومن أهل البيت عليهم السلام بالخصوص.

وإذا تتبعنا واستقصينا لرأينا أنه يعينهم بما لا مزيد عليه ، ويرفع بذلك اللبس عنهم (١).

وإذا دققنا كتب القوم ، ولم يكن كلهم قد ذكر أو اشير إليه ، فعلى أقل تقدير أن علي ابن أبي طالب عليه السلام قد ذكر فيها ، والزهرأ البتول عليها السلام قد ذكرت والحسن والحسين عليهما السلام ، وإذا ذكر واحد من ولد الحسين عليه

__________________

(١) من احب الاطلاع على عدد لا باس به من المصادر التى تذكر عددهم واسماءهم فعليه بكتاب السيد طالب الخرسان اللؤلوة البيضاء / في الفضيلة (٢٧) / ص ١٨٥ ـ ١٨٦ ـ ١٨٧ / ط قم المقدسة :

٩٢

السلام فهو ، ولا يعنينا عدم الذكر ، لان هذه الكتب أيضا روت أن الحجة والامام الذي سميلاها عدلا بعدما ملئت ظلما وجورا هو من نسل علي وفاطمة ، إن لم تصرح بعض المصادر بكونه إبنا للحسن العسكري ، فقد ذكر الكنجي الشافعي في كتاب (المناقب) أن العسكري عليه السلام خلف ابنه وهو الامام المنتظر ، وقال ابو المظفر ابن الجوزي في (الخصائص) : وقد ذكرنا وفاة الحسن بن علي عليهما السلام وأنها سنة ستين ومائتين وذكرا ولادة منهم محمد الامام ، ومثله رواه محمد بن طلحة الشافعي خطيب دمشق) (١) ..(٢).

وقد اتعب القوم أنفسهم في توجيه هذه (الاثني عشر) فلم يأتوا العقلاء بامر

__________________

(١) اللؤلؤة البيضاء في فضائل فاطمة الزهراء السيد طالب الخرسان / ص ١٦٠ / ط قم المقدسة.

(٢) وقد «ذكر منهم مؤلف (كشف الاستار) العلامة النوري اربعين عالما من مشاهير اعلامهم واستدرك عليه مؤلف والشيعة والرجعه» العلامة الطبسي ما يزيد على عشرين عالما وللباحث مجال واسع وطريق رحب للعثور على اضعاف ذلك العدد من علمائهم الذين قالوا بمقالة الشيعة في الامام عليه السلام والى القارى الكريم جملة منهم تأكيدا للباحث وتتميما للفصل وهم.

١ ـ محمد بن طلحه الشافعي في كتابه (مطالب المسؤل).

٢ ـ محمد بن يوسف الكنجى في كتاب (البيان في اخبار صاحب الزمان).

٣ ـ ابن الصباغ المالكي في كتابه (الفصول المهمة).

٤ ـ سبط ابن الجوزى في كتابه (تذكرة خواص الامة).

٥ ـ محي الدين بن عربي في كتابه (الفتوحات).

٦ ـ عبد الوهاب الشعرانى في كتابه (اليواقيت).

٧ ـ ابن محمود البخاري في (فصل الخطاب).

٨ ـ محمد بن ابي الغوارس في (الاربعين).

٩ ـ البلخي في (ينابيع المودة).

١٠ ـ محمد بن الصبان في (اسعاف الراغبين).

١١ ـ أبو المعالى سراج الدين الرفاعي في (صحاح الاخبار).

١٢ ـ البيهقى الشافعي في (شعب الايمان).

٩٣

مفيد أصلا (١).

فإذا كان العقل يرجح التعيين.

والانبيأ السابقون لهم أوصياؤهم.

والظروف تستدعي التعيين.

والخلفأ الاثنا عشر من قريش لا هوية لهم في توجيهات القوم أصلا (٢).

والقرآن الكريم والعقل يميلان لعصمة من يملا فراغ النبي صلى الله عليه وآله.

إن لم يكن ظاهرا منهما ذلك.

ويوجد قوم يدعون أنهم إتباع إثني عشر إماما ، ويذكرون أسمأهم ، فإذا بأولهم قد ذكره الرسول صلى الله عليه وآله في أكثر من مواطن بما ظاهره التقديم أن لم يكن نص منه.

ويذكر إمامة إثنين منهما تصريحا (إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا) (٣).

ويصرف الكل بهذا.

ويذكر آخرهم أيضا وينعته بالامامة.

وواحدهم ولد الثاني إلا الحسن والحسين عليهما السلام.

فهم من قريش.

__________________

(١) لقد تعرض لهذا التوجيه عدة كتب منها تفسير ابن كثير ج ٢ / ص ٣٤ عند تفسير اية «ولقد اخذ الله ميثاق بنى اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ..» من سورة المائدة ، السلوك لمعرفة دول الملوك المقريزى ج ١ / ص ١٣ ـ ١٥ من القسم الاول.

(٢) راجع بهذا الصدد ينابيع المودة للقندوزى الحنفي الباب (٧٧) عند تحقيق هذا الحديث ص ١٠٥ / ج ٣ لترى انه لا يمكن حمله لما حملوه كما وضح ذلك هناك بلا زيادة توضيح.

(٣) اجمع عليه اهل القبلة ، كما قال ابن شهر اشوب في مناقبه ذلك / ص ٢٢.

محمد رضا شمس الدين العاملي / المصلح المنتظر في الاسلام / اصدار مكتبه نينوي / ص ٦٢.

٩٤

وهم من أهل البيت.

وهم إثنا عشر كنقبأ بني إسرائيل (١).

وهم يدعون العصمة ، ويدعيها اتباعهم لهم.

وهم علمأ ، ابرار ، أتقيأ ، ليس فيهم مغمز ولا مهمز وحاشاهم من ذلك.

وهم بهذه الكيفية والمواصفات والشروط التي يحكم بها القرآن ، ويرشدنا إليها القرآن الكريم ، ويشير إليها أن لم يصرح بها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وينطق بها العقل ..

إلا يجعل ذلك كله الاطمئنان في نفوسنا بانهم هم المقصودون ، وعلينا أن نأخذ معالم ديننا منهم؟!!!

فضلا عن ورود نصوص كثيرة عن طرق متبعيهم في نص الواحد على الاخر ، وتروي بعضها المعاجز والكرامات الدالة على قربهم من الله سبحانه ، وتدل بذلك على إمامتهم وربما نقل التاريخ بعضها.

فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!!

فأين يريد الذاهب أن يذهب.

واين يريد السالك أن يسلك.

وأين يريد القاصد أن يقصد.

لابد أن ينتهي إلى الله ...

والله أراد ذلك

(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير)

فلذا والله العظيم يعتريني العجب عندما أقرأ القرآن الكريم واتدبر ، وأقرأ

__________________

(١) بل ان لكل نبى اثنى عشر وصيا وقد استقصاهم المسعودي في كتابه (اثبات الوصية) وذكرهم مع بعض تراجمهم ، وقد ذكر كذلك الائمة الاثنى عشر وذكر تراجمهم ، فراجع.

٩٥

السنة الشريفة واتمعن بها ، واستقرأ التاريخ متفحصا .. يأخذني العجب من أن هناك قوما من العلمأ يذهبون لغير هذا وهم من حملة العلم ، ويفهمون الكلام العربي جيدا ..

وها هو القرآن قد لمح ووضح ، واستطيع أن أقول بكل جرأة أنه نوه باسم علي عدة مرات بأبلغ من التصريح واثبت ..

ولكي لا يكون القرآن العظيم بمعرض خطر من تغيير الاسم ، كما فعلوا في ماروي عن الرسول صلى الله عليه وآله ،.

إلا أن العالم لو تفكر لرأى زيفها بما أتاه الله تعالى من العلم الذي هو حجة عليه يوم القيامة إن لم يتبع ما أنزل الله سبحانه ..

وقال : حسبنا كتاب الله ...

وأخذ يؤل برأيه ويبين على هواه مخالفا لامر مولاه ..

قد باع الاخرة بالاولى ..

فتربت يداه ..

ولعن بما قال ..

وبئس ما اشتروا به أنفسهم ..

والله المستعان.

٩٦

ولنتكلم بشكل آخر :

القسم الثاني : ـ الامامة

٩٧
٩٨

الامامة : ـ

لا يمكن الولوج إلى عالم الامامة بصورة تامة إلا بالمرور بالقرآن والسنة والعقل ولو بصورة سريعة.

ومن خلال تطابق ما يأمر به العقل وما جأ به الشرع ، بحيث تكون الاطراف كلها متساوية ، لا تبقى ثمة فجوة بدون أن تملا ، لتكون الصورة حينئذ كاملة ناطقة ، والمصداق ناصعا ومبينا.

نقول توطئة بإن الجامع لشرائط التكليف عليه أن يعرف أمورا كثيرة : ـ

منها : ما يجب عله معرفتها عن طريق الشرع والشرع فقط ، ولا دخل لغيره فيها ، وهذه هي التي ورد فيها : (فدعوا الرأي والقياس فإن دين الله لم يوضع على القياس (١).

ومن هنا أبطل القياس والاستحسان من أبطله.

وليس الحديث عن هذه من ابتلائنا الان.

ومنها : ما يجب عليه أن يحصلها بما أنه عاقل ، ولا دخل للشارع المقدس بها ابتدأا أصلا ، لان الايمان بها عن طريقه لازم للدور المضمر أو الظاهر ، وتنتفي بذلك فائدة بعثة الرسل :

إذ يلزم {إفحام الانبياء واندحاض حجتهم ، لان النبي عليه السلام إذا جأ إلى المكلف ، وأمره بتصديقه واتباعه لم يجب عليه ذلك ، إلا بعد العلم بصدقه ، إذ

__________________

(١) عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ... روى في كتاب الاحتجاح / ج ٢ / ص ١١٥ / ط النجف.

٩٩

بمجرد الدعوى لا يثبت صدقه ، بل ولا بمجرد ظهور المعجزة على يده ، ما لم ينظم إليه مقدمات :

منها : إن هذا المعجز من عند الله تعالى فعله لغرض التصديق.

ومنها : إن كل من صدق الله تعالى فهو صادق.

لكن العلم بصدقه حيث توقف على هذه المقدمات النظرية لم يكن ضروريا ، بل يكون نظريا ، فللمكلف أن يقول لا أعرف صدقك إلا بالنظر ، والنظر لا أفعله إلا إذا وجب علي وعرفت وجوبه ، ووجوبه لا أعرفه إلا بقولك وقولك ليس بحجة قبل العلم بصدقك فتنقطع حجة النبي عليه السلام ولا يبقى له جواب يخلص به.

فتنتفي فائدة بعثة الرسل حيث لا يحصل الانقياد إلى قولهم ، ويكون المخالف معذورا} (١).

أو إذا لم نقل بذلك وأوجبنا أن يكون قوله حجة للعلم بصدقه عن طريق إخباره هو يلزم الدور كما هو ظاهر.

ولا يمكن على هذا إثبات شريعة ولا منهاج أصلا.

وليس للشارع المقدس في هذه الامور إلا الارشاد والتوضيح والتصحيح وبيان الحدود لها ، بعد الايمان به بواسطتها.

فعليه يجب على المكلف أن يعرفها بلا تقليد ولا أتباع (٢).

ولا فرق بين العامي والفقيه في ذلك أصلا ، إلا أن الاختلاف في الايجاز والاطناب ورد الشبهه ، وتوضيح الصورة بعد تشوشها عند العالم ، وما يأتي من هنا وهناك عليها ، إلا أن الايمان بها في الجملة حاصل منها بلا فرق.

__________________

(١) كشف الحق ونهج الصدق / العلامة الحلى (قدس) / ص ١٢ / ط بغداد سنة ١٢٤٤ ه‍ (٢) يراجع للتوسعة في ذلك الكتب العقائدية المطولة ككتاب الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد الشيخ محمد حسن الطوسي / الفصل (٢) منه. ص ٢٥) ط. الاداب ـ النجف الاشرف.

١٠٠