الامامة والحكومة في الأسلام

الشيخ محمد حسين الأنصاري

الامامة والحكومة في الأسلام

المؤلف:

الشيخ محمد حسين الأنصاري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مطبوعات مكتبة النجاح
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٢

فلابد من تصريح وتوضيح وبيان له ولحجيته.

وإذا ألقينا السمع باصرين فلا يعدو الاجماع عن ان يكون بمنزلة (الخبر الواحد) ، أو بمنزلة حكم الخبر الواحد.

والخبر الواحد كما نعلم لا يفيد إلا ظنا.

والظن لا يغني من الحق شيئا.

فإذا قلنا أن الامامة من اصول الدين فالامر فيها واضح ، إذ لا يكون ـ الظن ـ فيها حجة اصلا ، لانها كما نعلم يجب أن تكون مستندة على امر وعلم قطعي ، وهو ليس كذلك.

وإذا قلنا أن الامامة فرع من فروع الدين فكذلك ، وذلك لانه لا يكون الظن فيها حجة ما لم يقم دليل معتبر يبين حجية ذلك الظن بالخصوص من الكتاب والسنة كما قلنا أولا ، أو بعد قبول حجية العقل أيضا عن طريقهما في هذه الامور ، والعقل لا يقول بحجية الظن أصلا وخاصة في مثلها ، إلا عند الانسداد والدليل موجود فلا إنسداد ، ولا دليل معتبر على حجيته لا من الكتاب ولا من السنه ، فالنتيجة تكون عدم حجية الاجماع باي حال من الاحوال.

ب ـ الشورى.

ج‍ ـ البيعة.

والكلام المتقدم كله أوجله يأتي فيهما فلا نعيد (١).

بقي شي :

لو تنزلنا وقلنا بحجيتها وإن كان ذلك أشبه بالمستحيل لما بين أيدينا من أدلة قدمها القوم ويقدمونها لا تقوى على النهوض ، وكأنهم بعملهم هذا يطرقون على حديد بارد ، يريدون بذلك بعث الحياة فيه ، وما هو بذي حياة ، ولا هم بباعثين.

__________________

(١) وسيأتي زيادة توضيح في مطاوي البحوث التاليه.

٤١

مصداقية الاجماع في حكومة الخلفأ : ـ

نقول مقدما أن الحكومة ثبتت في الدولة الاسلامية لكل من أبي بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب.

ولم يحظ واحد منهم بنصيب من الاجماع إلا الاخير.

بيان ذلك : ـ

إن أريد بالاجماع كثرة الناس في ذلك الوقت ، فهذا ليس بحجة جزما مع وجود المخالف.

وإن أريد بالاجماع ، الاجماع الحاصل من أهل الحل والعقد كما هو المدعى فالمناقشة فيه ظاهرة وثابتة على المسلكين المعروفين ، على المسلك الاول من المسلمين وهو الذي يقول بأنه لا حجة بالاجماع ما لم يحرز دخول المعصوم فيه ، وهذا الاجماع خال من المعصوم فلا يكون حجة.

وعلى المسلك الثاني أيضا ، وذلك لان قوة حجية الاجماع مأخوذة من اجتماع أهل الحل والعقد من امة محمد صلى الله عليه وآله ، وهذا ـ مع الاسف ـ لم يحصل لا للخليفة الاول لان اللبنة الاولى للخلافة أسست في سقيفة بني ساعدة ولم يكن حاضرا فيها إلا مجموعة من الانصار ومجموعة أخرى من المهاجرين قد لا يتعدون أصابع اليد عددا (١) ، أغلبهم لم يكن من أصحاب الحل والعقد ، إن لم يكن كلهم.

وأما أهل الحل والعقد من المسلمين فكانوا مشغولين بالنبي الكريم صلى الله

__________________

(١) وهم أبو بكر وعمر وابو عبيدة بن الجراح ، وسالم مولى ابى حذيفة.

راجع كتب التاريخ والسير ، ومنها شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد / ص ١٨٧.

٤٢

عليه وآله بالاتفاق ، كعلي بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب ، وعبد الله بن العباس والزبير بن العوام وطلحة ، والمقداد بن أبي الاسود الدؤلي ، وعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وفروة بن عمرو ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وأبي بن كعب ، والبراد بن عازب ، وقيس بن سعد بن عباده ، وخزيمة بن ثابت ، وبقية بني هاشم (١).

ومن الغريب أنهم قالوا للانصار على لسان عمر (من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ، ونحن أهله وعشيرته) (٢).

ومن العجيب أنهم في ذلك اليوم تركوا النص الجلي في إمامة أمير المؤمنين علي وتشبثوا بنص آخر في حسم النزاع بينهم وبين الانصار ، إذ بعد رد وبدل قال الانصار منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر : إن النبي صلى الله عليه وآله قال : الائمة من قريش.

فسقط ما في أيدي الانصار ، إذ قام عمرو أبو عبيدة وصفقا على يد أبي بكر وقالا : السلام عليك يا خليفة رسول الله.

ولم يلحظ مدى صحة ذلك القول ، المنسوب إليه صلى الله عليه وآله.

ولا مدى دلالة ما جأ عنه صلى الله عليه وآله على هؤلا ، أو أن المقصود بهذا غير أولئك ، وهم ما أتفق عليه القوم كل القوم بانهم إثنا عشر ، وأنهم من أهل

__________________

(١) انظر مروج الذهب / ج ٢ / ص ٣٠١ ، العقد الفريد / ج ٤ / ص ٢٥٩ ، تاريخ الطبري / ج ٣ / ص ٢٠٨ ، الكامل في التاريخ / ج ٢ / ص ٣٢٥ ، تاريخ اليعقوبي / ج ٢ / ص ١٠٣ ، تاريخ ابي الفداء / ج ٢ / ص ٦٣.

(٢) وهم قد منعوا ابنته ميراثها ، ومنعوا سلطان محمد صلى الله عليه واله ابن عمه وعميد عشيرته وقومه. راجع ما قالوه وما فعلوه كتب التاريخ مثل كتاب الطبري / ج ٧ / ص ١٩٨.

الامامه والسياسه / ابن قتيبه النظام السياسي في الاسلام / احمد حسين يعقوب ١٢٦ ـ ١٣٣.

٤٣

البيت ، وأن جلهم من نسل علي وفاطمة ، كل هذا ضاع في غمرة لحظات تلك الساعة القصيبة والحرجة ليس في تاريخ المسلمين فحسب بل في تاريخ الانسانية كلها ..

(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (١).

فتم الامر على حين غفلة من أولى الحل والعقد ، وعجلة من قوم آخرين.

ولذا خرج سعد بن عبادة مغضبا.

وإذا قيل أن من ذكرت بايعوا بعد ذلك.

فلقائل أن يقول : ان منهم من لم يبايع حتى قتلته (الجن) كسعد بن عباده سيد الخزرج بل الانصار يومها.

كما أن اتفاقهم بعد ذلك لا يمكن أن يكون حجة ، وذلك لاحتمال الاجبار والاكراه ، والمحافظة على بيضة الاسلام وكلمته.

وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال.

والاكراه وارد على كل حال ، وظاهر لمن تتبع تاريخيا أحداث تلك الايام.

ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في باب نبذ من أخبار عمر إن عمر هو الذي وطأ الامر لابي بكر ، وقام فيه حتى أنه دفع في صدر المقداد ، وكسر سيف الزبير ، قال : ـ

(وعمر هو الذي شيد بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها فكسر سيف الزبير لما جرده ، ودفع في صدر المقداد ، ووطي في السقيفة سعد بن عبادة ، وقال : اقتلوا سعدا ، قتل الله سعدا ، وحطم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، وتوعد من لجأ إلى دار فاطمة عليها السلام

__________________

(١) الاية «٢٥» سورة الانفال ـ ٨ ـ

٤٤

من الهاشميين ، وأخرجهم منها) (١).

وفي موضع ثان قال : أن الحباب بعد ما قال ما قال أخذ ووطئ في بطنه ودسوا في فيه التراب (٢).

وقال غيره : ـ أنه نادى على سعد بغضب (أقتلوا سعدا ، إنه منافق) (٣).

وقد قام إليه قائلا (لقد هممت أن أطأك حتى يندر عضوك ، أو تندر عيونك) (٤).

وأخذ قيس بن سعد بلحية عمر قائلا (والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة) (٥).

وعندما رفع الزبير يومها سيفه قائلا (لا أغمده حتى يبايع على).

قال عمر : (عليكم الكلب).

فؤخذ سيفه منه ، عندما عثر ، وضرب به الحجر ، وكسر (٦).

عندما بعث أبو بكر عمر وجماعة إلى من كان في بيت فاطمة الزهرأ بنت النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وقال له : (فإن أبوا فقاتلهم).

فأقبل الرجل بقبس من نار ، يريد إحراق بيت النبوة ، فصاحت عليه الزهرأ فاطمة عليها السلام : (أجئت لتحرق دارنا؟!).

قال : (نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الامة) (٧).

__________________

(١) نهج البلاغة / شرح ابن ابي الحديد / ج ١ / ص ٨٦ / نبذة من اخبار عمر.

(٢) النهج / ج ٢ / ص ١٢٩.

(٣) ابن عبد ربه / العقد الفريد / ج ٣ / ص ٦٢ ، شرح النهج / ج ٢ / ص ١٢٨.

(٤) نفس المصدرين السابقين.

(٥) تاريخ الطبري / ج ٣ / ص ٢١٠.

(٦) تاريخ الطبري / ج ٣ / ص ١٩٩.

(٧) العقد الفريد / ج ٣ / ص ٦٣ ، ابن قتيبة / الامامة السياسة / ج ١ / ص ١٩ ، ابن ابى الحديد

٤٥

وفي رواية الطبري أنه قال : (لتخرجن إلى البيعة ، أو لاحرقن على من فيها). فقيل له : (إن فيها فاطمة).

قال : (وإن).

فخرجت الزاهرأ عليها السلام بعدها وهي تنادي باعلى صوتها : ـ

(يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب ، وابن أبي قحافة؟!) (١).

وقد سيق الامام علي عليه السلام إلى المسجد ، وقيل له : (بايع).

فقال : (إن لم أفعل فمه؟!)

فقال : (إذن والله الذي لا إله إلا هو ، نضرب عنقك).

قال : (إذن تقتلون عبد الله واخارسو له) (٢).

ولهذا وغيره كثير قالت أم مسطح بن أثاثة (٣) وهي تخاطب الرسول صلى الله عليه وآله.

قد كان بعدك انبأ وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الارض وابلها

واختل قومك فاشهدهم ولا تغب (٤)

(وقال البرأ بن عازب : .. وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالازر الصنعانية ، لا يمرون بأحد

__________________

/ ج ٢ / ص ١٣٤. والشهرستانى في الملل والنحل بلفظ مقارب / ج ١ / ص ٥٦.

(١) الامامة والسياسة / ج ١ / ص ٢٠ ، اعلام النساء / عمر رضا كحاله / ج ٤ / ص ١١٤.

(٢) نفس المصدر الاول السابق.

(٣) وقد تنسب هذه الابيات بالاضافة الى غيرها الى الزهراء فاطمة عليها السلام كما في الاحتجاج / ١.

(٤) ابن ابي الحديد / شرح النهج / ج ٢ / ص ١٣٦ ، ابن سعد / الطبقات / ط دار الفكر / ج ٢ / ص ٣٣٢.

٤٦

إلا خبطوه ، وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شأ ذلك أو أبي ، فأنكرت عقلي ..

فمكثت أكابد ما في نفسي ، ورأيت في الليل المقداد ، وسلمان ، وأبا ذر ، وعبادة بن الصامت ، وأبا الهيثم بن التيهان ، وحذيفة ، وعمارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الامر شورى بين المهاجرين) (١).

__________________

(١) شرح النهج / ابن ابي الحديد / ج / ص ١٠٦.

وان كان في كلامه ونقله نحو تأمل ، وذلك لان اعادة الامر شورى لا محل لها هنا اصلا ، إذ لو رجعنا الى نص حديثه الذي يذكره هو بنفسه بعد ذلك في صفحة (١٨٤) فيقول فدعوني إليهم فاتيتهم ، فوجدت المقداد بن الاسود .. ويذكرهم واحدا بعد واحد ، وإذا بحذيقة يقول لهم «والله ليكونن ما اخبرتكم به ، والله ما كذبت ولا كذبت ،» فلو تأملت هذا القول ستري غرابة «وإذا القوم يريدون ان يعيدوا الامر شورى بين المهاجرين» ، ويحتمل في هذه الاضافة واحتمالين اما ان تكون قد جاءت من قبل الراوي ، واضيفت الى كلام البراء.

أو انها جاءت تبرعا من الناقل نفسه ، ولم يفهم حديثهم ، فظن هذا الظن.

والا فمقتضي سياق الكلام ان حذيقة وبما انه من الاشخاص العارفين بالمنافقين وباسمائهم واشخاصهم ، فلديه علم من المعصوم عليه السلام بما سيجري على هذه الامة بعد بيعة السقيفة ، فاخبرهم بذلك ، والقرينة على هذا قوله ما كذبت ولا كذبت فهذا يقتضى الاخبار لا الانشاء بحدوث امر معين هذا اولا ، وثانيا قوله ثم قال : ائتوا ابي بن كعب ، فقد علم ما علمت ، قال فانطلقنا الى ابي ، فضربنا عليه بابه ، حتى صار خلف الباب فقال : من انتم؟! فكلمه المقداد ، فقال ما حاجتكم؟! فقال له : افتح عليك بابك فان الامر اعظم من ان يجري من وراء حجاب قال : ما انا بفاتح بابى ، وقد عرفت ما جئتم له ، كانكم اردتم النظر في هذا العقد. فقلنا : نعم فقال افيكم حذيقة؟! فقلنا : نعم ، قال : فالقول ما قال ، وبالله ما افتح عنى بابي حتى يجرى على ما هي جارية ، ولما يكون بعدها شر منها ، والى الله المشتكي» شرح النهج / ج ١ / ص ١٨٤.

وهناك قرينة خارجية توضح هذا الامر بصورة جلية إذ بعد قتل عثمان ، ومبايعة علي عليه السلام ، خطب حذيقة هذا في الكوفة مع شدة مرضه ومن جملة ما قال «فعليكم بتقوى الله وانصروا عليا وازروه ، فوالله انه لعلى الحق اخرا واولا وانه لخير من مضى بعد نبيكم وخير من بقى الى يوم القيامة. ثم اطبق بيمينه على يساره ثم قال : اللهم اشهد اني قد بايعت

٤٧

وأما ما روي من طرق الخاصة فهو كثير.

وقد كان بنو هاشم منشغلين بالنبي الكريم صلى الله عليه وآله ، إذ مكث ثلاثة أيام لم يدفن.

والقوم قد تلاقفوها تلاقف الكرة بيد الصبيان على حد وصية أبي سفيان لبني أمية أيام أن أتت إلى عثمان.

وبهذا لم يثبت الاجماع المدعى على حكومة الخليفة الاول (١).

وأما الثاني : فواضح فيه ذلك أكثر وذلك لانه قد تعين من قبله ، فلا يكون ثمة إجماع.

وأما الثالث : فالامر فيه كما في أخويه من قبل ، لان الاجماع ما حصل ، بل الذي حصل هو اجتماع ستة من المهاجرين قدتم تعيينهم مسبقا من قبل الحاكم الثاني ، ودخلت الاهوأ في البين فضيعت على الامة فرصة النهوض تارة أخرى مع الاسف.

وأما الرابع : فقد تم الامر له من قبل المهاجرين والانصار جميعا وسلموا له تسليما لولا هن وهن ، فحدث ما حدث من سؤ تصرفات سابقة ، وأمور لاحقة.

نعم لا نقاش لنا مع من قال بانعقاد الخلافة لشخص بشخصين (٢) إذ هذا لا يتعقل بدين كالاسلام ، فضلا على أن ينظر فيه ويناقش.

هذا هو حال الطريق الاول.

__________________

ـ عليا». والتفت الى ابنيه صفوان وسعد قائلا لهما «احملاني وكونا معه فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس ، فاجتهدا ان تستشهدا معه فانه والله على الحق ومن خالفه على الباطل». راجع مروج الذهب / المسعودي / ج ٣ / ص ٦٥ ـ ٦٦.

(١) راجع «الاحتجاج» للطبرسي مثلا لتجد ذلك واضحا ج ١ / ص ٧٥ ـ ٨٠.

(٢) الاحكام السلطانيه / المارودى / ص ٤.

٤٨

مصداقية الطريق الثاني : ـ

الشورى

ما قام الاول ، ولا الثاني بالشورى كما هو واضح وأما الثالث فحدث ما حدث من أمرها ، ولم يكن بقية أهل الحل والعقد من حضارها.

ولا هم من عينوهم.

فلا تكون شوراهم حجة حينئذ على مسلك من يقول بحجيتها.

بل هذه الشورى صوريه ، لا شكل لها ولا مضمون ..

إذ كيف يجتمع قول من جعلها : ـ

(إن رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة من قريش ، على وعثمان وطلحة والزبير وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لانفسهم) (١).

وقوله بعد ذلك لطلحة : (أما إني أعرفك منذ أصيبت اصبعك يوم أحد ، والبأو (أي الكبريأ) الذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب) (٢).

وقد علق ابن أبي الحديد في شرحه على ذلك قائلا : (قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ لو قال لعمر قائل : انت قلت : أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وهو راض عن الستة ، فكيف تقول الان لطلحة أنه مات ساخطا عليك للكلمة التي

__________________

(١) ابن ابي الحديد / شرح النهج / ج ١ / ص ٩١.

(٢) نفس المصدر السابق ..

٤٩

قلتها؟! لكان قد رماه بمشاقصه) (١).

وكذلك بين قوله الاول وبين أمره بقتلهم؟!

إذ أنه دعا أبا طلحة الانصاري ، وقال له : (انظر يا أبا طلحة ، إذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلا من الانصار حاملي سيوفكم فخذ هؤلا النفر بامضأ الامر وتعجيله ، واجمعهم في بيت ، وقف باصحابك على باب البيت ، ليتشاوروا ويختاروا واحدا منهم ، فإن أتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه ، وأن اتفق أربعه وأبى إثنان فاضرب أعناقهما ، وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة ، فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن فارجع إلى ما قد اتفقت عليه ، فأن أصرت الثلاثة الاخرى على خلافها فاضرب أعناقها.

وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر ، فاضرب أعناق الستة ، ودع المسلمين يختاروا لانفسهم) (٢).

وما هذا التقسيم؟!!

وما وجه ترجيح عبد الرحمن وهو قد خاطبه قبل ذلك (ولكن ليس يصلح هذا الامر لمن فيه ضعف كضعفك ، وما زهرة وهذا الامر؟!!) (٣).

وكيف سيختار المسلمون لانفسهم؟!

إلى غيرها من الاستفسارات التي لا تجد جوابا أصلا لا في مسألة الشورى ونظريتها ، ولا في أطروحة عدم التعيين.

وانظر إلى قوله أولا (وقد رأيت أن اجعلها شورى بينهم ليختاروا لانفسهم). تجد العجب.

هل جأ بذلك ملك كريم؟! أم أنه أخذه عن رسول الله صلى الله عليه واله؟!!

__________________

(١) نفس المصدر السابق / ص ٩٢.

(٢) ـ (٣) نفس المصدر السابق ..

٥٠

أم ماذا؟!

ولا بأس بنقل خلاصة كلام الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر (قدس). في أبطال مبدأ الشورى ، حيث يذكر تلميذه السيد كاظم الحائري تلك الخلاصة بقوله : ـ (إننا لا نحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وآله قد اعتمد على مبدأ الشورى في تعيين الخليفة من بعده ، وذلك لانه لو كان صلى الله عليه وآله اعتمد عليه ، لكان على الرسول صلى الله عليه وآله أن يوضح هذا المبدأ ، ولا يمكن أن يكتفي بهذه الاية ـ ويقصد بها (وأمرهم شورى بينهم) (١) إذ لابد من إيضاح حدود الشورى وشرائطها.

وما هو الحل فيما لو اختلف المتشاورون ، فهل يؤخذ برأي الاكثرية؟!

أو برأي الثلة الواعية ولو كانوا أقلية؟!

وما هي شرائط المشتركين في عملية الادلاء بالارأ؟! .. وما إلى ذلك ..

فهذه الامور وغيرها لم توضح للامة ، بل إننا نرى أن فكرة الشورى لم تكن موجودة حتى عند أعمدة الخط السني وقتئذ (أبي بكر ، وعمر) أنفسهم ، فحينما حضرت الوفاة أبا بكر نراه أوصى بالخلافة ـ من بعده ـ إلى عمر بن الخطاب.

فلو كان الرسول صلى الله عليه وآله قد أوضح للامة مبدأ الشورى ، فمن عمل به ، هل السنة أم الشيعة؟!

فالشيعة طريقهم واضح ، والمسألة عندهم مسألة نص.

وأما السنة ، فهذا أبو بكر لم يعمل بشي من هذا القبيل ، فقد عين عمر بن الخطاب.

وكذا عمر بن الخطاب الذي كان قد ناقش في بيعة أبي بكر نفسه ، حيث

__________________

(١) الاية «٣٨» سورة الشورى ـ ٤٢ ـ

٥١

وصفها بأنها فلتة ، ولم يعمل بهذا المبدأ عند ما حضرته الوفاة ـ أيضا ـ حيث حصر الامر في ستة أشخاص ، وجعلها شورى بينهم فقط ، ولم يجعلها شورى ضمن الامة كلها.

إذن فمن الذي فهم فكرة الشورى وقتذاك؟

فالشيعة لم يقولوا بها ، والسنة لم يفهموها ولم يطبقوها حتى من قبل أئمتهم) (١).

فلذا نرى لما تقدم مجانبة من عرف الدولة الاسلامية ببنود كان الخامس منها (إن الامة هي صاحبة الحق في السلطة ، وتختار ولاة الامور عن طريق الشورى ، واختيار الكفئ والاصلح قال تعالى : (وأمرهم شورى بينهم) (٢) (٣).

ونضيف لما تقدم أن الخليفة نفسه لا يلتزم بمبدأ الشورى بعد قوله (لو ادركت ابا عبيدة باقيا استخلفته ووليته ، ولو ادركت معاذ بن جبل استخلفته. ولو ادركت خالد بن الوليد لوليته ، ولو ادركت سالما مولى أبي حذيفة وليته.) (٤).

بل لا يلتزم بما أخذ السلطة به من الانصار يوم السقيفة هو وصاحبه إذ في ذلك اليوم رفعا شعار (الائمة من قريش ، نحن عشيرة رسول الله صلى الله عليه

__________________

(١) السيد كاظم الحائري / امامة وقيادة المجتمع / ص ٥٧.

(٢) الاية «٣٨» الشورى ـ ٤٢ ـ

(٣) كتاب سيرة الرسول صلى الله عليه واله واهل بيته عليهم السلام / لجنة من مؤسسة البلاغ / ج ٢ / ص ٧٠٧.

وفات اولئك بان تفسيرها لا يمكن ان يكون ذلك لاختلاف المصطلحات ـ بل مؤداه ـ بلسان العرب ـ هو مشاورة العقل ، لا راى الاغلبيه كما هو المصطلح الان ، هذا اولا وثانيا لو تنزلنا وقلنا بانه يؤدى الى راى الا غلبيه جدلا لبطل ما يذهبون إليه انفسهم من ترجيح «النخبة» ولا تقوم لهم بذلك قائمة ابدا.

(٤) راجع في ذلك كله الامامة والسياسة / ص ٦ ـ ٨ وموارد اخر منها تاريخ الطبري / ج ٢ / ص ٥٨٠ ، الانساب للبلاذرى / ج ٥ / ص ١٦ بتفاوت بسيط.

٥٢

وآله ، العرب لا ينبغي أن تولى هذا الامر إلا من كانت النبوة فيهم ، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ، نحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لاثم ، أو متورط في هلكة) (١).

إذ شتان بين هذه الاقوال وبين قوله الاخير هذا ـ وحبل الكذب قصير ـ فسالم من الموالي ، ولا يعرف له نسب في العرب.

ومعاذ من الانصار. (فابتسم ألما وحسرة بينك وبين نفسك إذ ترى حجم المؤامرة).

وخالد من بني مخزوم ، وقد اسلم بعد اللتيا والتي فلعله يعد من الطبقة العاشرة من طبقات الصحابة وليست له سابقة في الاسلام.

فأين بقية المهاجرين والانصار؟!! واين الشورى وغيرها؟!

__________________

(١) راجع في ذلك كله الامامة والسياسة / ص ٦ ـ ٨ وموارد اخر منها تاريخ الطبري / ج ٢ / ص ٥٨٠ ، الانساب للبلاذري / ج ٥ / ص ١٦ بتفاوت بسيط

٥٣

مصداقية الطريق الثالث : ـ

البيعة

ولما تقدم نرى أن البيعة لم تكن حاصلة إلا بالاكراه والاجبار أو المباغتة وعدم الروية ، أو بعد ذلك حفاظا على بيضة الاسلام وكلمته فلا تكون تامة بأي حال من الاحوال.

والبيعة كما تقدم لا يمكن أن تكون لازمة إلا إذا كان لها رصيدها الالهي وحجيتها ، فإين حجية بيعة القوم؟!! من الكتاب أو السنة ، أو العقل المويد بهما.

وكل ما جمعوه استحسانات وتقولات.

وبعد الرجوع لاحداث تلك الساعات والايام والسنين والتي نقلنا جزا يسيرا منها ، لاختفأ اغلبه ، لانه ضد السلطة ، والتاريخ يكتبه المنتصر ، ومع هذا ظهر هذا وغيره فنرى أن ما اسسوه وما سماه اللاحق بعد السابق يصح أن يخاطبوا بان هذه الامور كلها ماهي إلا اسمأ سميتموها أنتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان.

فالبيعة بما هي لا تكون حجة إلا إذا قامت على أسس شرعية صحيحة ، وإلا لو تمت كما تمت لمروان بن الحكم بعد اتفاقه مع روح بن زنباع الذي كان معه أربعمائة رجل من حزام جعلهم يؤيدون ولده عبد العزيز بن مروان في تنصيبه لابيه (١) ، هل تكون صحيحة مسلمة (٢)؟!!

__________________

(١) راجع الامامة والسياسة / ابن قتيبة / ج ٢ / ص ١٦.

(٢) وقال الشاعر :

٥٤

وأخيرا لنا وقفة مع : ـ

من قال : ـ أقل ما تنعقد به الامامة من أهل الحل والعقد خمسة يجتمعون على عقدها ، أو يرضى أربعة منهم بما عقده الخامس منهم مستدلين على ذلك بأن بيعة أبي بكر تمت كذلك فقد بايعوه أولا خمسة ، ثم تابع الناس ذلك (١).

أولا : نقول له من حدد هذا العدد ألله ورسوله؟! فجعل به سلطة لفرد من الامة على آلاف الناس من الامة بل ملايينها.

وثانيا : الحكم حتى على مبنى من قال أن المصدر للتشريع هو الكتاب ثم السنة.

لا يوجد هذا لا في كتاب الله ولا في سنته كما ذكرنا أولا ،؟؟؟؟ سنة الخلفأ أو غير الخلفأ لا يمكن أن تكون سنة مشرعة لنا ، بأي حال من الاحوال ، مع ما يلتزم القائل بهذا بأن رسول الله صلى الله عليه وآله ليس معصوما إلا في تبليغ الاحكام ، كيف يقول بعصمة غيره؟! وليس له أن يقول بأني لا أدعيها ، فالالتزام بجعل تصرفه حجة ملزمة استنبط منها الحكم يجعله معصوما وهذا من موارد اختلاف النظرية عن التطبيق عند العامة كما أشرنا إلى ذلك في كتابنا (المعايير العلمية لنقد الحديث).

وثالثا : لو قال بأنكم نسيتم المصدرين الاخرين وهما الاجماع والعقل فالاجماع مر ما فيه فراجع ، وأما العقل فأي عقل يقصدون؟!!

لا يمكن أن يساعد على ما ذكر بأي حال من الاحوال ، لما تقدم.

__________________

لي الله قوما امروا «خيط باطل»

على الناس يعطي من يشاء ويمنع

لان مروان هذا كان يمسي ب‍ «خيط باطل» / راجع مروج الذهب للمسعودي.

(١) راجع / الاحكام السلطانية / المارودي / ص ٤.

٥٥

وقال علمأ من الكوفة : إنها تنعقد بثلاثة.

ومع من قال من علمأ الكوفة : بإنها تنعقد بثلاثة يتولا ها أحدهم برضا الاثنين ليكون ثمة حاكمان وشاهدان ، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين ، وأنت ترى ما في هذا كله.

فعقد الولاية ليست كعقد النكاح.

وحتى لو تنزلنا وقلنا هما واحد ، فالنكاح متقوم ليس بالشاهدين ولا بالحاكم ، بل هما يؤيدان رضى الطرفين وتلفظهما بهذا الرضا ، واثبات ذلك.

فالولاية لو جعلناها كذلك ، فليست هي متقومه ، بالشاهدين ولا بمن يحكم بإن هذا أصبح متوليا وواليا ، بل تقول ان هؤلا يؤيدون رضى الطرفين وتلفظهما بالولاية ، وإثبات ذلك وهما هنا الامة والحاكم المنصوب.

والامة لا يمكن أن تمثل بأي حال من الاحوال بعد دمعين لا باثنين ولا بثلاثة ولا بخمسة ، كما هو واضح لكل من تدبر وتفكر ، وخاصة لو عقدوا بلا مشاورة ولا مراجعة.

إذ من جعل السلطة لاي عدد من الناس في جعل زمام أمور امة كاملة بيد فرد واحد؟!

ما هذا إلا افترأ.

من هذا نرى ما في قول من قال ، من أنها تنعقد وإن لم تجتمع الامة ، فلا يشترط في عقد الامامة الاجماع.

والعجيب أنه أيضا يستدل بامامة أبي بكر وإنها لما عقدت ابتدر بإمضأ أحكام المسلمين ، ولم يتأن لانتشار الاخبار إلى من نأى من الصحابة في الاقطار.

أو حتى من قال إنها لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد من كل بلد ليكون الرضا عاما ، والتسليم لامامته إجماعا.

٥٦

لان هذا لم يحدث ، ولن يحدث ، لانه ما حدث عندما كان المجتمع قليلا فكيف يحدث والمجتمع بهذه السعة وبهذا العدد!؟

وكيف الامر سيكون لو بايعوه ، ثم لم يرض به عدد منهم ، أولم يرض به جلهم ، أو لم يرض به كلهم؟!

ما هذا إلا أثارة فتن وعداوات وما هو إلا اختلاف كبير ولو كان من عند ألله لما وجدوا فيه اختلافا كبيرا.

والعجيب أنهم يستدلون ببيعة أبي بكر وفيها : ـ

أولا : إنها بحد ذاتها ليست حجة بأي حال من الاحوال.

ثانيا : أنها (فلتة) على حد تعبير الخليفة الثاني وعلى حد تعبير الاول كذلك ، فعلى أي معنى حملنا (الفلتة) فلا يمكن أن تكون مقياسا للحكم.

وذلك لانه إن كانت فلتة بمعنى إنها ليست ذات أسس صحيحة وليس لها رصيد إلهي فهي ساقطة من الجذور جزما.

وإن كانت على رأي من دافع عن الحاكمية الاولى بمعنى المباغتة فكذلك لان ما كان حاله كذلك كيف يجعل مقياسا لاستنباط الاحكام الالهية.

وثالثا : إنها لم تثبت للخليفة الثاني كذلك.

ورابعا : إنها لم تكن باعتراف الخليفة الثاني أيضا لا من الله ولا من رسوله إذ قام وقال بصريح العبارة وواضحها : ـ

(ايها الناس إني كنت قلت لكم بالامس مقالة ما كانت مما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله) (١).

فالبيعة نعود ونكرر ونقول بإنها لا يمكن أن تكون حجة علينا أو على أي

__________________

(١) راجع سيرة ابن هشام / ح ٤ / ص ٣١١.

٥٧

مسلم ما لم تملك رصيدا إلهيا.

كأن يكون وعلى أقل تقدير مثلا بيعة أهل الحل والعقد من المسلمين ، وقد رأيت فيما تقدم ما كان فيها من خدش.

(قل الله أذن لكم ..) (١).

بل نفس أهل الحل والعقد من جعل لهم السلطة على هذا الامر؟!!

وكما قلنا أولا بإن السلطة الحقيقية والاولى له سبحانه وتعالى ولا يمكن أن تترشح على أحد ، ويدعيها أحد إلا منه وحده ، فالذي يعطيها إياه فهو صاحب السلطة ، وإلا فلا.

وإذا جعل له سلطنة وسلطه في جعل السلطة والسلطنة لاي أحد كان الامر كما أفاد بحدودها التي يجعلها ويبينها هو ، وإلا لتغيرت أحكام الله وقوانينه في البر والبحر.

فلذا نقول بأنه لا يمكن أن يكون إجتماع أهل الحل والعقد حجة بأي حال من الاحوال ما لم يقم دليل واضح على حجيته.

فتكون حينئذ سلطنتهم وسلطنته ثابتة ونافذة.

__________________

(١) الاية «٥٩» سورة يونس ـ ١٠ ـ

٥٨

الاطروحة الثانية : ـ

الامامة لا تثبت إلا بالتعيين

نقول مقدما : ـ

أضرار عدم التعيين وإشكالاته : ـ

أولا : لا يمكن للرسول صلى الله عليه وآله وهو العظيم في خلقه وخلقه أن يترك الانصار بعد وفاته عرضة لقريش واحقادها ، ولقمة سهلة لمن وتربهم حينما أقاموا صرح الاسلام وشيدوه ، إذا قام الموتورون أنفسهم بالامر من بعده ، ووصلوا إليه ، إن لم يعين فيكون بذلك خاذلا لمن نصره وأيده أول الامر ـ وحاشاه أن يكون كذلك ـ.

(روى أبو بكر (أحمد بن عبد العزيز الجوهري) قال : أخبرنا أحمد بن إسحق بن صالح : قال حدثنا عبد الله بن عمر ، عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد ، قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وآله اجتمعت الانصار إلى سعد بن عباده ، فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيده ، فقال الحباب بن المنذر : منا أمير ومنكم أمير.

إنا والله ما ننفس (أي نحسد) هذا الامر عليكم أيها الرهط ، ولكنا نخاف أن يليه بعدكم من قتلنا أبنأهم وآبأهم ، وإخوانهم).

فقال عمر بن الخطاب : (إذا كان ذلك قمت إن استطعت ..).

قلت : قرأت هذا الخبر على أبي جعفر بن محمد العلوي الحسيني المعروف

٥٩

بابن أبي زيد نقيب البصرة في سنة عشر وستمائة من كتاب السقيفة لاحمد بن عبد العزيز الجوهري ، قال : ـ

(لقد صدقت فراسة الحباب ، فإن الذي وقع يوم الحرة ، وأخذ من الانصار ثأر المشركين يوم بدر) (١).

ثانيا : لا يمكن له صلى الله عليه وآله ولا ينبغي له أن يترك آله وذريته ، عرضة لاطماع الطامعين والموتورين كذلك.

ولذا أتم ابن أبي الحديد المعتزلي نقله بقوله : ـ

(ثم قال لي : ـ ومن هذا خاف رسول الله صلى الله عليه وآله على ذريته وأهله ، فإنه كان عليه السلام ـ وآله ـ قد وتر الناس وعلم إن مات وترك ابنته وولدها سوقة ورعية تحت أيدي الولاة ، كانوا بعرض خطر عظيم ، فمازال يعزز لابن عمه قاعدة الامر من بعده ، حفظا لدمه ودمأ أهل بيته ، فإنهم إذا كانوا ولاة الامر كانت دماؤهم اقرب إلى الصيانة والعصمة مما إذا كانوا سوقة تحت يد وال من غيرهم ، فلم يساعده القضأ والقدر (٢).

وكان من الامر ما كان.

ثم أفضى أمر ذريته فيما بعد إلى ما قد علمت.) (٣).

ثالثا : لا يمكن له صلى الله عليه وآله أن يترك ابن عمه ، وناصره في المواطن كلها لهذا الخطر العظيم.

(قرأت في كتاب صنفه أبو حيان التوحيدي في تقريظ الجاحظ.

__________________

(١) ابن ابي الحديد / شرح النهج / ج ١ / ص ١٨٤ ـ ١٨٥

(٢) تمعن في عبارته ، لتجد الحق واهله .. لم لم يساعده القضاء والقدر؟! هذا من عجائب الامر وغرائبه.

(٣) ابن ابي الحديد / شرح النهج / ج ١ / ص ١٨٥ ..

٦٠