الامامة والحكومة في الأسلام

الشيخ محمد حسين الأنصاري

الامامة والحكومة في الأسلام

المؤلف:

الشيخ محمد حسين الأنصاري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مطبوعات مكتبة النجاح
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٢

(وما ارسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) (١).

بل طاعته طاعته بعينها قال تعالى ن يطع الرسول فقد اطاع الله) (٢).

بل قال تعالى : ـ (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا) (٣).

__________________

(١) الاية «٥٦» سورة النساء ـ ٤ ـ

(٢) الاية «٨١» سورة نساء ـ ٤ ـ

(٣) الاية «٣٧» سورة الاحزاب ـ ٣٣ ـ

٢١
٢٢

الفصل الثاني : ـ الحاكم الثاني

٢٣
٢٤

الفصل الثاني : ـ

الحاكم الثاني

وهو الذي يسمى عند المسلمين بالامام.

والعبأ الذي يقوم به يسمى بالامامة.

ويؤمن بالامامة المسلمون قاطبة ، وعليها قام إجماعهم ، وهي تمثل الخلافة عندهم.

إلا أن الاختلاف وقع في نمطها وكيفيتها.

فهل هي مثل النبوة لا تكون إلا بالتعيين من المصدر الاول للسلطة والحاكمية أم لا؟!!

بل هي أمر متروك للرعية ، فهي التي تختار.

وعلى هذا تكون الامامة بنأا على الرأي الاول أصلا من أصول الدين.

وتكون على الرأي الثاني فرعا من فروعه.

فعلى الاول حينئذ لا يجوز فيها التقليد بتاتا ولا الاختيار ، بل هي أمر تعبدي ثابت من السمأ يجب إتباعه لا يمكن تغييره كالنبوة.

وعلى الثاني فيجوز التقليد فيها.

ومن هنا حدث أهم أفتراق بين المسلمين.

٢٥

الاطروحة الاولى : ـ

الامامة الراجعة إلى الامة

طريق ثبوتها إما أن يكون : ـ

ألف ـ بالاجماع.

ب ـ بالشورى.

ح‍ ـ بالبيعة.

وركيزة هذه الافرع الثلاثة أما أن يكون : ـ

١ ـ الكثرة.

٢ ـ أو اتفاق أهل الحل والعقد.

ولو أحببنا أن نسبر غور كلا منهما لرأينا.

١ ـ في جانب الكثرة لا يقف إلا زيادة العدد.

وازدياد العدد لم يكن يوما من الايام بحجة شرعا ولا عقلا.

ويشير إلى ذلك الفرآن الكريم في مواطن كثيرة ، فها هو يذم الكثرة ويمدح القلة.

قال تعالى : (وقليل من عبادي الشكور) (١).

وقال تعالى : (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (٢).

__________________

(١) الاية «١٣» سورة سبأ ـ ٣٤ ـ

(٢) الاية «١٨٧» سورة الاعراف ـ ٧ ـ.

٢٦

وقال تعالى : (وأكثرهم للحق كارهون) (١).

فلا نرى سببا عقلائيا واحدا يحدونا للتمسك بهذا أبدا.

إذ حتى في أشد الامور احتياجا للكثرة ، صرح القرآن بعدم نفعها مع وجود القلة المدركة إذ قال تعالى : (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) (٢).

٢ ـ اتفاق أهل الحل والعقد.

الامر فيه سيتضح بعد المداولة والمذاكرة لكل من الطرق الثلاثة.

الطريق الاول : الاجماع ومدرك حجيته إما الكثرة وتقدم ما فيها ـ بالاضافة إلى أنها تحتاج إلى من يثبت حجيتها فترجع بهذا إلى الشق الثاني ، أو غيرها.

فإما أن تكون الحجية مصدرها الكتاب أو السنة أو العقل ولا يمكن أن يكون الاجماع للزوم الدور كما هو واضح.

__________________

(١) الاية «٧٠» سورة الاعراف ـ ٧ ـ

(٢) الاية «٢٤٩» سورة البقرة ـ ٢ ـ.

٢٧

المصدر الاول :

ـ ١ ـ الكتاب

واستدلوا بآيات (لا تنهض دليلا على مقصودهم. وأولاها بالذكر آية سبيل المؤمنين ، وهي قوله تعالى :

(ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسأت مصيرا) (١).

ويكفينا في رد الاستدلال بها ما استظهره الشيخ الغزالي منها إذ قال : ـ

والظاهر أن المراد بها أن من يقاتل الرسول ويشاقه ، ويتبع غير سبيل المؤمنين في مشايعته ونصرته ودفع الاعدأ عنه نوله ما تولى.

فكأنه لم يكتف بترك المشاقة ، حتى تنضم إليه متابعة سبيل المؤمنين من نصرته والذب عنه ، والانقياد له فيما يأمر وينهى.

ثم قال : (وهذا هو الظاهر السابق إلى الفهم) ، وهو كذلك كما استظهره) (٢).

(فسبيل المؤمنين بما هم مجتمعون على الايمان هو الاجتماع على طاعة الله ورسوله وإن شئت فقل على طاعة رسوله ـ فإن ذلك هو الحافظ لوحدة سبيلهم).

وقال تعالى : (وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل

__________________

(١) الاية «١١٤» سورة نساء ـ ٤ ـ

(٢) محمد رضا المظفر / اصول الفقه / ج ٢ / ص ٩٠

٢٨

فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) (١) (٢).

(أما الايات الاخرى فقد اعترف الغزالي كغيره في عدم ظهورها في حجية الاجماع فلا نطيل بذكرها ، ومناقشة الاستدلال بها) (٣).

__________________

(١) الاية «١٥٣» سورة الانعام.

(٢) السيد محمد حسين طباطبائي / الميزان في تفسير القران / ج ٥ / ص ٨٢

(٣) المظفر / الاصول / ج ٢ / ص ٩٠.

٢٩

المصدر الثاني :

ـ ٢ ـ السنة

لقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (لا يجمع الله هذه الامة على الضلالة أبدا) وما يؤدي هذا المعنى في عدة من الروايات.

ويشكل أمر هذه الروايات من جهتين : ـ

الاولى : جهة السند.

الثانية : جهة المضمون ، والدلالة.

٣٠

الجهة الاولى : ـ

السند

وهو غير معتبر.

أما لدى الخاصة فواضح.

وأما عن طريق الجماعة فهي مروية بطرق مجهولة ، ولذا لو حوكمت بميزان أصول الحديث لسقطت عن الاعتبار.

فالصحاح الستة خالية منها.

نعم رواها الحاكم في مستدركه ، إلا أنه أشار إلى عدم نقأ سندها (١).

(وأما تعدد الرواية فلا ينفعنا في المقام بدعوى الاستفاضة ، فإننا نحتمل قويا اختلاقها بنكتة عامة لتصحيح الاجماع الذي تخيل أنه يصحح أساس مذهبهم ، ومع احتمال نكتة عامة في الاختلاف لا يتحقق شرط الاستفاضة أو التواتر.

ولعل من يلاحظ ظروف نقل هذه الروايات ، وحال رواتها يزداد ظنا باختلاقها بنكتة عامة في الجميع) (٢).

__________________

(١) من اراد تفصيل عدم نقاء السند فعليه بكتاب «مباحث الاصول» / ج ٢ / من القسم الثاني / السيد كاظم الحائري / ص ٢٨٩ / الهامش.

(٢) السيد كاظم الحائري / مباحث الاصول / تقريرا لابحاث السيد محمد باقر الصدر (قدس) / ج ٢ / ص ٢٩٢ ..

٣١

الجهة الثانية : ـ

دلالة المضمون

(لا تجتمع امتي على ضلالة.) أو ما يؤدي هذا المعنى معناه : ـ أنها معصومة.

فوصف العصمة هذا ، هل يترشح إلى جميع الافراد بنحو أفرادي؟ ولا أظن أن أحدا يقول به.

وإذا كان على البعض دون الاخر ، فهذا وصف البعض لا وصف الامة ، فإذا اجتمع هذا البعض كانت العصمة ، وفيه : ـ

أولا : إن القائل لا يدعي العصمة لاحد ، فكيف يصح منه هذا القول.

ثانيا : إن ذلك سيكون وصفا لذلك البعض لا للامة فيصبح الكلام المقدس في غير محله ، كما هو واضح.

ثالثا : من رجح هذا البعض على الاخرين ، ولم يبين رسوله الكريم ذلك؟! وحديثنا في قوة ذلك المرجح لو كان.

ورابعا : الاخبار كان عن جميع الامة ، وأنها لا تجتمع على خطأ ولا على ضلال.

والذي يراد أن يثبت هو اجتماع أهل الحل والعقد فاين هذا من ذاك.

إذ أن أهل الحل والعقد جز من الامة ، ولا يمكن أن يكونوا هم الامة هذا وأهل الحل والعقد لا يراد منهم في أغلب الاحيان إلا أنفسهم في زمن من الازمنة ، وفي عصر من العصور.

ولا يراد بهم في أحيان أخرى إلا فقهأا معروفين.

٣٢

وهؤلا أيضا يكونون من طائفة معينة من الامة.

وهذه كلها ليست أمة محمد (صلى الله عليه وآله) بألفها ولامها ولا يأها ، فكيف يصح لا تجتمع امتي ، أو هذه الامة ، على الضلالة إذا كان يراد منها ذلك؟!

ولذا صرح السيد الطبا طبائي في ميزانه بأن الرواية (أجنبية عن المورد فإنها إن صحت فإنما تنفي اجتماع الامة على خطأ ، ولا تنفي اجتماع أهل الحل والعقد منهم على خطأ ، وللامة معنى ولاهل الحل والعقد معنى آخر. ولا دليل على إرادة معنى الثاني من لفظ الاول).

ثم أضاف (قدس). (وكذا لا تنفي الخطأ عن اجتماع الامة ، بل تنفي الاجتماع على خطأ. وبينهما فرق) (١).

ثم من حقنا أن نتسأل : ـ

(ما هو العامل الموجب لعصمة أهل الحل والعقد من المسلمين فيما يرونه من الرأي!؟ هذه العصابة التي شأنها الحل والعقد في الامور غير مختصة بالامة المسلمة ، بل كل امة من الامم العظام ، بل الامم الصغيرة ، بل القبائل والعشائر ، لا تفقد عدة من أفرادها لهم مكانة في مجتمعهم ذات قوة وتأثير في الامور العامة ، وأنت إذا فحصت التاريخ في الحوادث الماضية وما في عصرنا من الامم والاجيال وجدت موارد كثيرة اجتمع أهل الحل والعقد منهم في مهام الامور وعزائمها على رأي استصوبوه ثم عقبوه بالعمل ، فربما أصابوا ، وربما أخطأوا ، فالخطأ وإن كان في الارأ الفردية أكثر منه في الارأ الاجتماعية ، لكن الارأ الاجتماعية ليست بحيث لا تقبل الخطأ أصلا.

فهذا التاريخ وهذه المشاهدة يشهدان منه على مصاديق وموارد كثيرة جدا :

__________________

(١) الاية «١٨٩» سورة البقرة ـ ٢ ـ

٣٣

فلو كان الرأي الاجتماعي من أهل الحل والعقد في الاسلام مصونا عن الخطأ فإنما هو بعامل ليس من سنخ العوامل العادية ، بل عامل من سنخ العوامل المعجزة الخارقة للعادة ، ويكون حينئذ كرامة باهرة تخص بها هذه الامة تقيم صلبهم ، وتحفظ حماهم ، وتقيهم من كل شر يدب في جماعتهم ووحدتهم ، وبالاخرة سببا معجزا إلهيا يتلو القرآن الكريم ، ويعيش ما عاش القرآن ، نسبته إلى حياة الامة العملية ، نسبة القرآن إلى حياتهم العلمية.

فكان من اللا زم : ـ

أن يبين القرآن حدوده ، وسعة دائرته ، ويمتن الله به كما امتن بالقرآن وبمحمد (صلى الله عليه وآله) ، ويبين لهذه العصابة وظيفتهم الاجتماعية كما يبين لنبيه ذلك ، وأن يوصي به النبي صلى الله عليه وآله امته ، ولا سيما أصحابه الكرام وهم الذين صاروا بعده اهلا للحل والعقد ، وتقلدوا ولاية الامة ، وأن يبين أن هذه العصابة المسماة بأولي الامر ما حقيقتها؟! وما حدها؟!

وما سعة دائرة عملها؟!

وهل يتشكل هيئة حاكمة واحدة على جميع المسلمين في الامور العامة لجميع الامة الاسلامية؟! أو تنعقد في كل جمعية اسلامية جمعية أولي الامر فيحكم في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم؟!

ولكان من اللا زم أن يهتم بها المسلمون ولا سيما الصحابة فيسألوا عنه ويبحثوا فيه وقد سألوا عن أشياء لا قدر لها بالنسبة إلى هذه المهمة كالاهلة ، وماذا ينفقون والانفال.

قال تعالى : (يسألونك عن الاهلة) (١).

__________________

(١) الاية «١٨٩» سورة البقرة ـ ٢ ـ.

٣٤

(يسألونك ماذا ينفقون) (١).

(يسألونك عن الانفال) (٢).

فما بالهم لم يسألوا؟!!

أو أنهم سألوا ثم لعبت به الايدي فخفي علينا؟! فليس الامر مما يخالف هوى أكثرية الامة الجارية على هذه الطريقة حتى يقضوا عليه بالاعراض ، فالترك حتى ينسى.

(ولكان من الواجب أن يحتج به في الاختلافات والفتن الواقعة بعد ارتحال النبي صلى الله عليه وآله حينا بعد حين).

فما لهذه الحقيقة لا توجد لها عين ولا أثر في احتجاجاتهم ومناظراتهم ، وقد ضبطها النقلة بكلماتها وحروفها ، ولا توجد في خطاب ولا كتاب؟!!

ولم تظهر بين قدمأ المفسرين من الصحابة والتابعين حتى ذهب إليه شرذمة من المتأخرين : الرازي وبعض من بعده) (٣) ، وقد أشار بهذا لما فسر عند من ذكر بأن أولي الامر الوارد في آية.

(وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) (٤).

بأنهم أهل الحل والعقد.

وأني لهم أن يثبتوا ذلك ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؟!

__________________

(١) الاية «٢١٥» سورة البقرة ـ ٢ ـ

(٢) الاية «١» سورة الانفال ـ ٨ ـ

(٣) السيد الطبا طبائي / الميزان / ج ٤ / ص ٣٩٤ ـ ٣٩٦.

(٤) الاية «٥٩» سورة النساء ـ ٤ ـ.

٣٥

ولنستعرض الروايات : ـ

(لا يجمع الله هذه الامة على الضلالة أبدا).

(لا يجمع الله هذه الامة (أو أمتي) على الضلالة).

(لا يجمع الله أمتي (أو هذه الامة) على الضلالة أبدا ، ويدالله مع الجماعة).

أو كما نقل (لا تجتمع أمتي على خطأ) (١).

نحاور هذه المرويات بطريق آخر : ـ

نقول إن الرواية الاخيرة يمكن أن تكون اللام فيها للنهي لا للنفي ، فتكون وصية للامة.

ونقول بعدها : ـ أ ـ ورد عن طرق الفريقين بما لا مجال للشك فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم هالك إلا واحدة.

وأي كانت هذه الفرقة.

هل يشك شاك بعد هذا أن اجتماع فرقة من الامة ، أو طائفة من الامة ، لا يعني بأي حال من الاحوال اجتماع الامة؟!!

نعم لو إلتزمنا بما يقولون جدلا فستكون النتيجة أن اجتماع تلك الفرق كلها على أمر ، كاشف عن أن هذا الامر ليس فيه ضلالة كاجتماعهم على وجوب الصلاة مثلا ، أو بقية الضروريات.

وهذا اجنبي عن الاجماع المدعى.

ب‍ ـ ورد عنه صلى الله عليه وآله عن طرق الفريقين أيضا (اختلاف أمتي رحمة)

__________________

(١) انظر مستدرك الصحيحين / الجلد الاول / ص ١١٥ ـ ١١٧.

٣٦

فعلى توجيههم لهذا الحديث ، وأخذهم بظاهره كيف سيجتمع مع قوله صلى الله عليه وآله (لا يجمع الله هذه الامة على الضلالة أبدا) فإذا كان الاختلاف رحمة ، فالاجتماع الذي ليس فيه ضلالة لا تكون فيه الرحمة ، أو أنه يريد أن يبين أن امته لا تجتمع على أمر أبدا فتكون النتيجة منافية لغرضهم فمن يلتزم بهذا؟!

نعم يمكن أن توجه الاحاديث تلك بطريقين اثنين لا ثلاث لهما : ـ

الطريق الاول : ـ

ما وجه به صاحب الميزان قد. مضمون تلك الروايات بمؤدى لا تجتمع أمتي على خطأ (إلى أن الخطأ في مسألة من المسائل لا يستوعب الامة ، بل يكون دائما فيهم من هو على الحق : أما كلهم أو بعضهم ولو معصوم واحد.

فيوافق مادل من الايات والروايات على أن دين الاسلام ، لا يرتفع من الارض بل هو باق إلى يوم القيامة.

قال تعالى : (فإن يكفر بها هؤلا فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) (١).

فعلى هذا تجتمع مع الروايات الواردة على افتراق الامة إلى ثلاثة وسبعين فرقة.

__________________

(١) الاية «٨٩» سورة الانعام ـ ٦ ـ

٣٧

الطريق الثاني : ـ

بيان أن الامة المقصود منها قوم بالخصوص ، لا كل المسلمين إذ ورد عن أبي عبد الله عليه السلام فيما رواه أبو بصير : ـ

(قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : من آل محمد صلى الله عليه وآله؟! قال ذريته.

فقلت : أهل بيته؟!

قال : الائمة الاوصيأ.

فقلت : من عترته؟!

قال : أصحاب العبأ.

فقلت : من أمته؟!

قال : المؤمنون الذين صدقوا بما جأ به من عند الله عزوجل ، والمتمسكون بالثقلين اللذين أمروا بالتمسك بهما : كتاب الله عزوجل ، وعترته أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وهما الخليفتان على الامة بعده) (١).

وعلى هذين تخرج هذه المرويات عما استدلوا عليه أصلا.

__________________

(١) الشيخ الصدوق / معاني الاخبار / ص ٩٤.

٣٨

المصدر الثالث :

ـ ٣ ـ العقل

وغاية ما يمكن تصويره به أن الصحابة إذا بينوا أمرا وقطعوا به ، فلابد أن يكون قطعهم راجعا إلى حجة شرعية ، وكلما أزداد عددهم أزداد احتمال الاشتباه والخطأ عليهم بعدا.

والتابعون بما أنهم أخذوا عنهم ، فكلما اجتمعوا عليه فكذلك.

وتابعوا التابعين كذلك.

وهكذا.

فيقرب من المستحيل ، بل يستحيل عادة إلا يكونوا قد أدركوا الحكم الشرعي بهذا.

وهذا كما ترى.

فيه : أولا : المفروض أن الصحابة كلهم قد أجمعوا على أمر ، وكذا الباقين فكيف إذا لم يكن ذلك ، بل شذ عنهم من شذ.

ثانيا : إذا اجتمعوا اجتماعا نستكشف به رأي المعصوم ، الواجب الاتباع فبها ونعمت ، وسيكون حينئذ رأي المعصوم هو المتبع ، ولا يكون الاجماع حينئذ دليلا قائما بذاته مقابل كل من الكتاب والسنة الشريفة.

ثالثا : إذا اجتمعوا وفرضنا بإننا لم نكتشف رأي المعصوم بهذا الاجتماع فسيكون قطعهم مهما كان قابلا للغفلة ، أو الاشتباه ، أو الغلط أو بعضها أو كلها مجتمعة ، فكيف نقطع بحكمهم أنه هو الحكم الشرعي.

٣٩

رابعا : ربما يكون هذا الاجماع قد أتى من مجرد عادة كانت عندهم ، أو عقيدة طمست على أعينهم.

بالاضافة إلى أن هذا كما ذكرنا سابقا يكون موردا للشك إذ ربما ميل إليه لاجل تصحيح ما حدث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما كان حاله كذلك لا يصلح أن يكون حجة.

ولذا اشترط المنطقيون في قبول الخبر المتواتر إلا يتطرق إليه احتمال اشتباه المخبرين ، أو غلطهم في فهم الحادثة ، أو تعمد الركون إلى أمر لتصحيح آخر دبر بليل.

فلا تنفع حينئذ الاستفاضة ولا التواتر.

ولذا لا يؤخذ بهما فيما استفاض أو تواتر عند الملل المنحرفة عندنا بأي حال من الاحوال.

ونقول أخيرا : ـ

إن الحقائق الدينية لاي دين سماوي يكون طريقها الوحي الالهي.

ولا يخرج الاسلام عن هذه الدائرة.

والوحي فيه متمثل بالقرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

والقرآن كما لاحظنا ، ونلاحظ أكد على حجية سنة رسول الله صلى الله عليه وآله بمعناها الشامل ، واشار أن لم يصرح بصورة واضحة إلى حجية سنة اهل البيت عليهم السلام كما بين ووضح واشار إلى ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كذلك ، فكانت عندنا حجية السنة بمعناها الاعم واضحة وضوحا لا مجال للشك فيه.

ولا يعدو الاجماع عن ذلك.

٤٠