الامامة والحكومة في الأسلام

الشيخ محمد حسين الأنصاري

الامامة والحكومة في الأسلام

المؤلف:

الشيخ محمد حسين الأنصاري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مطبوعات مكتبة النجاح
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٢

أعن هؤلا الفقهأ يتكلم؟!

وإذا كان القياس كذلك فعلى الاسلام السلام.

لان محمدا بشرعه كلينين بتشريعه.

فهذا أتبع وهذا اتبع.

وكيف يجرأ أن يقول هذا وهذا علي بن أبي طالب (١) يقول :

{لا يقاسن بال محمد صلى الله عليه وآله من هذه الامة أحد ، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفئ الغالي ، وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة.} (٢).

وقال تعالى (ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (٣) وهي الاية المباركة التي جأ بها الامام الرضا عليه السلام محتجا على العلمأ الذين جمعهم الخليفة المأمون العباسي ، مبينا لهم أن هذه الاية تقصد أئمة أهل البيت عليهم السلام وهم المصطفون ووارثوا الكتاب ، وقد اعترفوا بذلك كلهم (٤).

وبعد ذلك يسوق أدلة الشيعة على وجوب نصب الامام ، ثم بعدها يقول وقد أصاب بقوله {لا شك إن أدلة الشيعة جديرة بالاعتبار ، ولا شك أن انتقاداتهم المتتالية لمبدأ الاختيار لها ما يبررها} (٥).

إلا أنه يحاول أن يبرر فعل الاخرين بالمشابهة والتطبيق بين نظامهم والنظام الديمقراطي حيث يوجه مصب هذه الانتقادات على ذلك النظام حينما يبدأ

__________________

(١) نهج البلاغة شرح ابن ابي الحديد / ج ١ / ص ٤٥.

(٢) وفيما ذكرنا سابقا من احاديث تبين مقام اهل البيت عليهم السلام وفيما ذكره القوم المعين الصافي والكافي لمن طلب الحق وارادة.

(٣) الاية «٣٢» سورة فاطر.

(٤) ابن عبد ربه / العقد الفريد / ج ٣ / ص ٤٢ (٥) النظرية / ص ٩٨.

١٤١

بالدفاع بقوله {والواقع أن هذه الانتقادات موجهة إلى النظام الديمقراطي بوجه عام حيث قيامه على مبدأ سلطة الامة وأحقيتها في أختيار الامام ..} (١).

وكأننا في بحث سياسي ونريد أن نضع النقاط على الحروف بالنسبة لهذا النظام بالذات ، وفاته بإن إسلامنا كامل ، ولا يحتاج إلى اختبار واختبار وإلى إضافات رجال لكي يكون كاملا ، وحديثه تام بلا شك ولكن ضمن القوانين الوضعية ، وهذه من أساسيات انتقاداتها إلا أنه منحرف عن جادة الله وهي التي نتكلم بها والتي قال الله فيها (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) (٢).

فكيف يكون لهم العذر كما ذكر.

وتراه حين يسوق أدلة الشيعة بوجوب صدور استخلاف من النبي لانه يعلم بتفرق امته إلى ثلاث وسبعين فرقة فكيف شجعهم على هذا الاختلاف المأتي من عدم نصب الامام؟!

وإذا لم يكن نبيا قد جأ بشرعه لكل الامم ، فليكن سياسيا ومفكرا ، له بعد نظر ، لا يترك قومه والاخرين على شفا حفرة من الهلاك والضياع بين الاتجاه لهذا والاتجاه لذاك وليحدد مسيرتهم ..

تراه حين يعرض ذلك بالتفصيل يقول {وقد استندوا في ذلك إلى برهان الخلف حين افترضوا عكس النتيجة التي أرادوا الوصول إليها ثم دللوا على بطلانها فإذا كانت الفتن قد لزمت من عدم الاستخلاف ، وإذا كان النبي يعلم ذلك فلا بد أنه استخلف} (٣)

__________________

(١) المصدر السابق / ص ٩٩.

(٢) الاية «٤» المائدة ـ ٥ ـ

(٣) النظرية / ص ١٠٢.

١٤٢

ثم يعقب على ذلك ويقول (غير أن برهان الخلف ليس هو النهج الصحيح الواجب إتباعه في استقرأ وقائع التاريخ وإنما يستند المنهج التاريخي إلى الخبر والرواية) (١).

إلى أن يقول (فاستخلاف النبي أو عدم استخلافه إنما يرجع إلى ما روي عنه من أحاديث) (٢).

هذا الذي قاله أخيرا صحيح وتام ولذا نحن نرجع إلى ما روي عنه من أحاديث ونتمسك بمثل (أنت مني بمنزلة هرون من موسى ..) (قل تعالوا ندعوا أبنأنا وأبنائكم ونسأنا ونسأكم وأنفسنا وأنفسكم) مرورا بغيرها من الايات والروايات وانتهاءاً بيوم الغدير الخالد (٣).

والشيعة عندما جأوا ببرهان الخلف ما جأوا به ليثبتوا أنه قد حدث هذا الخطأ الجسيم في الامة والمفروض عدم وقوعه إذا يجب أن يكون قد استخلف لان هذا القول معناه منطقيا فإذا كان قد استخلف فلا خطأ والخطأ موجود إذا فهو لم يكن مستخلفا هذا من جهة ومن جهة أخرى لان الوقائع التاريخية لا يمكن الرجوع لها واسترجاعها.

إلا أنهم يقولون : ـ

بإن رسول الله صلى الله عليه وآله يعلم علم اليقين بأن الفتنة ستقع من جرأ عدم الاستخلاف ، وعلمه هذا من الله تعالى ، فحفاظا على أمته التي ضحى من أجلها كل غال ورخيص عليه أن يستخلف وينبههم على هذا الامر ويقيمه لهم واضحا لا أعوجاج فيه ، وحتى لو لم يعلمه الله تعالى بذلك ـ وفرض المستحيل ليس مستحيلا ـ فعليه كقائد محنك ورئيس إنساني أن ينصب لهم هاديا ومرشدا

__________________

(١) و (٢) النظرية / ص ١٠٢.

(٣) وقد تم تخريج اغلب الروايات حول هذا الامر المهم وتم الكلام فيه.

١٤٣

بعده ويلزمهم السير على نهجه ، لا أن يترك لهم قاعدة عريضة لحد نهاية هذا القرن وبعد مئات السنين من التطبيق والفشل والفشل والتطبيق لم تبن معالمها ولم تعرف أطرافها.

فيضيعوا. فعليه عليه أن يبين لهم هذا ، وإذا انحرفوا كما أنحرفوا لسؤ أعمالهم فهو غير مسؤول عن إنحرافهم ..

وبتعبير آخر نقول :

إن الشيعة لم يقولوا فإذا كانت الفتن قد لزمت من عدم الاستخلاف فلابد أنه قد استخلف.

بل يقولون إذا كانت الفتن لازمة لعدم الاستخلاف وهذا ما لا ينكره عاقل في مجتمع لم ينضج بعد فكريا لتشعب جذور الجاهلية في نفوسه ولقصر مدة الاسلام في ربوعه هذا أولا وثانيا أن أي مصلح وسياسي بسيط عندما يتبع لابد له من نصب خليفة له فكيف بمحمد صلى الله عليه وآله؟

فإذا كأن كل ذلك فعليه يجب أن يكون قد استخلف ..

ويضيفون بانه قد استخلف ومع استخلافه وتركيزه على هذا الاستخلاف أنكر ذلك حتى ضاع موقف شهده أكثر من مائه وعشرين ألف مسلم في رابعة النهار وتجرأ بعضهم فقال بإنه لم يستخلف ومشى قوله فحدث ما حدث وانكمش الحق باهله ..

فكيف به لو لم يستخلف أصلا لضاع الحق وانطمر ولكان الاسلام بخبر كان هذا بعينه الذي يقو لونه يا دكتورنا الاجل وهو الذي يقررونه فراجع.

(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا

١٤٤

الالباب) (١).

(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (٢).

__________________

(١) الاية «١٠» سورة الزمر ـ ٣٩ ـ

(٢) الاية «٣٦» سورة يونس ـ ١٠ ـ

١٤٥
١٤٦

يوم الغدير

١٤٧
١٤٨

يوم الغدير : ـ

ومن هنا نرى وضوح يوم الغدير وضوحا تاما.

وقد اغنانا عنأ البحث صاحب كتاب الغدير الشيخ عبد الحسين الاميني (قدس) واطنب وافاض.

فمن أراد معرفة ذلك بالتفصيل فعليه بهذا الكتاب الممتع والحجة الدامغة ونحن سنحاول أن نلخص ما جأ منه (قدس) فيه مما له شأن بحديثنا :

ذكر الغدير خمسة وعشرون من المؤرخين من البلاذري المتوفي في حدود سنة ٢٧٩ ه‍ إلى نور الدين الحلبي في السيرة الحلبية المتوفى في سنة ١٠٤٤ ه‍.

ومن أئمة الحديث الشافعي ، وأحمد بن حنبل وقد ذكر منهم ٢٧ سبعا وعشرين واحدا (١).

وذكر واقعة الغدير (٢) من أئمة التفسير أحد عشر مفسرا.

ومن المتكلمين أحد عشر متكلما.

ومن اللغويين خمسة.

فضلا من أن رواة الحديث من الصحابة الذين وصلت روايتهم إلينا (١١٠) عشرة وازدادوا مائة ..

قد ذكرهم (قدس) على حروف الهجأ مبتدئين بابي هريرة الديوسي في حرف الالف ومنتهين بابي مرازم يعلي بن مرة بن وهب الثقفي ، ويقول (قدس) بعد ذكرهم (هؤلا مائة وعشرة من اعاظم الصحابة الذين وجدنا روايتهم لحديث

__________________

(١) الغدير / الشيخ عبد الحسين الاميني / ج ١ / ص ٧.

(٢) المصدر نفسه / ج ١ / ص ١١.

١٤٩

الغدير ولعل فيما ذهب علينا أكثر من ذلك بكثير ، وطبع الحال يستدعي أن تكون رواة الحديث أضعاف المذكورين لان السامعين الوعاة له كانوا مائة ألف أو يزيدون) (١).

ثم يذكر (قدس) (٨٤) من التابعين مع الكتب التي وردت روايتهم فيها.

ثم ينتقل إلى من روى تلك الواقعة قرنا فقرنا ....

ومجمل القول : إن حديث الغدير من الاحاديث المتواترة ولو لم يكن كذلك فلا خبر متواتر عند المسلمين أصلا.

والخبر المتواتر حجة كما ثبت ذلك في محله.

إذا واقعة الغدير حجة بلا شك ولا ريب.

هذا أولا وثانيا فإن لحديث الغدير تسلط على طريق الرواية من جميع وجوهها وذلك لان الخبر إما أن ينقله رواة ثقات فيكون حجة من هذه الجهة ، أو يكون متواترا فيكون حجة ، أو يقوم على مضمونه الاجماع فيكون حجة ، أو يكون الخبر ضعيفا فيجبر بعمل المشهور على رأي طائفة كبيرة من الفقهأ فيكون حجة .. أو يكون الطرق فيه كلها ضعيفة إلا أن مضمونها يشد بعضه بعضا فيكون حجة من كثرتها وأختلاف مصادرها.

وحديث الغدير لو سلمنا وفرضنا ـ وفرض المستحيل ليس مستحيلا ـ ضعف طرقه فبالطريقين الاخيرين يكون حجة فضلا عن أنه قد ملك التواتر وملك أيضا صحة بعض طرقه إلى المعصوم مع توفر الطرق الاخرى فيكون حديث الغدير الحديث الوحيد الذي ملك كل هذا صحة وتواترا واستفاضة واجماعا وعملا ..

وكيف السبيل وهذا هو الغدير حجة علينا مهما حاولنا التنصل والهروب ودفن الرؤوس في الرمال؟!!

__________________

(١) المصدر السابق / ج ١ / ص ٦٠

١٥٠

واقعة الغدير (١) :

إن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن جمع الناس وخطب بهم قال {فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين} ...

إلى أن قال صلى الله عليه وآله [فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا] ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤى بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون فقال : (أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟!).

قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : [إن الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه] يقولها ثلاث مرات وفي لفظ أحمد بن حنبل إمام الحنابلة أربع مرات.

ثم قال : [اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ..].

الولاية : بالفتح مأخوذة من ولى ، يلي ، كوقى يقي. وهي لغة كما عن القاموس والمجمع مصدر بمعنى الربوبية والنصرة.

و ـ بالكسر ـ إسم بمعنى الامارة.

واصطلاحا : {هي سلطة على الغير عقلية أو شرعية ، نفسا كان أو مالا أو كليهما بالاصل أو بالعارض} (٢).

وبعد أن عد السيد بحر العلوم في بلغته أنواع الولايات قال (قدس) : ـ

__________________

(١) على ما نقله الشيخ الاميني (قدس) من واقعة الغدير على الاجمال من دون ان يدخل في تفاصيل اختلاف المتن ، وفيما لا يضر في المتن الرئيس / ج ١ / ص ١١.

(٢) بلغة الفقيه / السيد محمد آل بحر العلوم «قدس» / تحقيق السيد حسين بحر العلوم / ج ٣ / ص ٢١٠ / دار مكتبه العلمين العامة ـ النجف الاشرف / ط ٣ / ١٩٧٦.

١٥١

{ثم إن أكمل الولايات واقواها. هي ولاية الله سبحانه وتعالى على خلقه من الممكنات بعد أن كانت باسرها في جميع شؤونها وكافة أطوارها مفتقرة في وجودها إلى الواجب.

مقهورة تحت سلطانه متقلبة بقدرته ، إذ لا استقلالية للممكن في الوجود ، لكونه ممكنا بالذات موجودا بالغير ..

وعدم التعلق في الممتنع لنقص في المتعلق ، لا لقصور في التعلق وإلا فهو على كل شي قدير.} (١).

ثم بعد أن كانت له الولاية المطلقة والتصرف التام في خلقه ...

له أن يعطي من يشأ ما يشأ منها ضمن حسابات دقيقة لا نعلمها ، الله يعلمها ..

وربما نشاهد بعض آثارها بحسب تفاوت الدرجات والقرب منه سبحانه .. وهكذا كان ..

وبعد أن أعطاها لله تعالى محمدا رسوله الكريم كما ذكر المهم منها في كتابه حيث قال : (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (٢).

فجعل له الولاية المطلقة عليهم كما هو ظاهر الاية المباركة ...

وبعد أن عرفها المسلمون ووعوها أخذ إقرارهم بها في ذلك اليوم حيث قال صلى الله عليه وآله : (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أو ما يؤدي مؤداها قالوا بلى يا رسول الله (٣).

وبعد الاقرار له بالولاية عليهم أثبت تلك الولاية بعينها لعلي عليه السلام حيث قال : (من كنت مولاه فهذا علي مولاه).

__________________

(١) المصدر نقسه / ج ٣ / ص ٢١٣.

(٢) الاية «٧» سورة الاحزاب ـ ٣٤ ـ

(٣) وقد روى هذه المقدمة حوالي (٦٤) من حفاظ اهل السنة وائمتهم اشار إليهم الاميني «قدس» في غديره / ج ١ / ص ٢٧١.

١٥٢

(ويزيدك وضوحا وبيانا ما في (التذكرة) لسبط ابن الجوزي الحنفي ص ٢٠ فإنه بعد عد معان عشرة للمولى وجعل عاشرها الاولى قال : والمراد من الحديث : الطاعة المخصوصة ، ، فتعين الوجه العاشر وهو الاولى ومعناه : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به.

وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين فإنه روى هذا الحديث باسناده إلى مشايخه وقال فيه : فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيد علي فقال : من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه (١).

__________________

(١) الغدير / الشيخ الاميني / ج ١ / ص ٣٧١ ـ ٣٧٢

١٥٣

الولاية ..

إن الولاية على قسمين ..

١ ـ الولاية التكوينية ..

ولمن يملكها التصرف المطلق بالامور التكوينية أو ضمن حدود محددة .. وقد أشار إليها الكتاب العزيز بقوله تعالى : (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين) (١).

فهذا العفريت له هذا التصرف العجيب .... حيث أنه يستطيع أن ينقل عرش بلقيس من اليمن إلى القدس بهذا الزمن البسيط .. فما أعجب خلق الله ...

ولا نقول بإن هذا يحدث اعتباطا أو دون أسس ودراية .. بل يحدث ضمن قوانين وأسس معينة الله ورسوله أعلم بها ....

ويظهر ذلك أوضح عند قوله تعالى (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) (٢).

فكان ما وعد به ...

وكذلك تظهر هذه الولاية ظهورا واضحا عند نبي الله داود حيث قال تعالى : (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير والناله الحديد) (٣)

(ولسليمن الريح غدوها شهر ورواحها شهر واسلنا له عين

__________________

(١) الاية «٤٠» سورة النمل ـ ٢٧ ـ

(٢) الاية «٤١» سورة النمل ـ ٢٧ ـ

(٣) الاية «١١» سورة سبأ ـ ٣٤ ـ

١٥٤

القطر ..) (١).

وقال تعالى على لسان عيسى على نبينا وآله وعليه السلام (وابرئ الاكمه والابرص واحيي الموتى بإذن الله) (٢).

فكان لكل من ذكر الولاية التكوينية على من شأ وما شأ كما هو ظاهر الايات المباركة المذكورة آنفا ...

فكيف بحبيب الله وخليله وخاتم رسله صلى الله عليه وآله ...

وكان ذلك لا بخصوصه لوليه ، إذ كان من عنده علم من الكتاب يستطيع هذا فكيف بمن عنده علم الكتاب ...

استنادا إلى تفسير آية (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) (٣).

بأن المراد بمن عنده علم الكتاب هو علي بن أبي طالب عليهما السلام بضؤ الروايات الواردة في تفسيرها وهي متظافرة ...

منها ما جأ في أصول الكافي للكليني (قدس) .. بتفسير هذه الاية المباركة عن السدير عن الامام أبي عبد الله عليه السلام (٤).

ومنها ما جأ عن محمد بن علي عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان الاحمر عن الصادق عليه السلام لا بتفسير هذه الاية ، بل باعتباره افضل من وصي سليمان عليه السلام (٥) ..

وبهذا المضمون ما رواه أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن محمد بن

__________________

(١) الاية «١٣» سورة سبأ ـ ٣٤ ـ

(٢) الاية «٤٩» سورة آل عمران ـ ٣ ـ

(٣) الاية «٤٤» سورة الرعد ـ ١٢ ـ

(٤) أصول الكافي / الكليني / ج ١ / ص ٢٥٧.

(٥) بحار الانوار / ج ١٤ / ص ١١٥.

١٥٥

الفضيل عن سعد أبي عمرو والجلاب عن أبي عبد الله عليه السلام (١) .. (٢).

فضلا عن كونه نفس محمد صلى الله عليه وآله ..

وقد عبر عنها السيد بحر العلوم في بلغته بالولاية الباطنية إذ قال بعد أن ذكر (قدس). ولاية الله تعالى {ومن رشحات هذه الولاية ـ ولاية النبي صلى الله عليه وآله وخلفائه المعصومين عليهم السلام بالولاية الباطنية فإن لهم التصرف في الممكنات من الذرة إلى الذروة بإذنه تعالى} (٣).

وقد قال الله تعالى : (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (٤).

قال صاحب شواهد التنزيل إنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكذلك ذكر مثله البحراني في غاية مرامه (٥).

فإذا كان علي عليه السلام ممن ورث الكتاب ، وممن اصطفاه الله من عباده ، وإذا كان الكتاب الكريم يقول :

(ولو أن قرانا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى) (٦).

ويقول في موضع آخر :

(وما من غائبة في السمأ والارض إلا في كتاب مبين) (٧).

__________________

(١) المصدر السابق / ص ١١٤ كل ذلك عن كتاب دراساتنا / الشيخ علي المروجي / ص ٣٩.

(٢) راجع كتاب ينابيع المودة لسليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي / الباب «٣٠» / في تفسير قوله تعالى «ومن عنده علم الكتاب» / ص ١٠٣ / ط دار الكتب العراقية.

(٣) بلغة الفقيه / السيد بحر العلوم / ج ٣ / ص ٢١٣.

(٤) الاية «٣٢» سورة فاطر ـ ٣٥ ـ

(٥) الحسكاني الحنفي / شواهد التنزيل / ج ٢ / ص ١٥٥ ـ ١٥٧ الحديث ٧٨٢ ـ ٧٨٣ البحراني / غاية المرام / ص ٣٥١.

(٦) الاية «٣١» سورة الرعد ـ ١٣ ـ (٧) الاية «٧٥» سورة النمل ـ ٢٧ ـ

١٥٦

وقال تعالى :

(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي) (١).

ألا يعني هذا بنأا على ترتب النتائج على المقدمات أنه يملك ذلك كله بواسطة هذه القوة الربانية.

ولماذا نستبعد ذلك؟! ... ونضرب مثلا ....

نحن لا نستبعد مثلا رفع الثقل الهائل ممن يرفعه بواسطة عتلات متحركه ، مع أن الجسم البشري يعجز عن ذلك؟!

ولماذا نستبعد ذلك مع أن من يملك أي آلة من المخترعات الحديثة يستطيع أن يفعل بها ما كان يعجز عنه حتى عشرات البشر بل ملايينهم؟!

فهذا قد تصرف بهذا بهذا ، وذاك يستطيع أن يتصرف بما أعطاه الله تعالى بذلك.

وهناك ما شأ الله تعالى من الاحاديث والاخبار المستفيضة في أن عليا مع القرآن والقرآن مع علي.

ويكفينا حديث الثقلين.

فمن ذلك نعلم أنه أقرب الناس إلى القرآن ، وبما أن الباري عزوجل قد خص قوما بوراثته فهو أرجح من غيره بهذه الوراثة ، هذا إذا لم يرد خبر عن الرسول صلى الله عليه وآله بإنه هو الوارث ، وإلا فالمعنى أثبت وأدق وأجلي.

وهذا يظهر جلينا كذلك عند تمعنك في قوله تعالى :

(إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) (٢).

ومن هم هؤلا؟!

لعل قوله تعالى :

__________________

(١) الاية «٨٩» سورة النحل ـ ١٦ ـ

(٢) الاية «٧٧» و «٧٨» و «٧٩» سورة الواقعة ـ ٥٦ ـ.

١٥٧

(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (١) يكشف لنا ذلك بصورة واضحة.

فأهل البيت عليهم السلام هم المطهرون فهم المعنيون بتوضيح من القرآن الكريم نفسه.

__________________

(١) الاية «٣٣» سورة الاحزاب ـ ٣٣ ـ

١٥٨

٢ ـ الولاية التشريعية

وتظهر كذلك في آيات كثيرة من كتاب الله ...

قال تعالى (اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) (١).

وما هذه الاطاعة إلا للولاية التشريعية إذ لا يكون قولهم إلا تشريعا ولذا أمرنا الله تعالى باطاعة من ذكر ...

وقال تعالى : (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (٢).

فله الولاية عليهم وقد اثبتها لوصيه كما قدمنا ...

وقال تعالى : (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة ..) (٣).

وقال تعالى : (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (٤).

فحذر بعد أن بين لهم ..

ثم ذكر من له الولاية.

بصريح قوله (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (٥).

وهل بعد هذا البيان من بيان ..؟!

وهل قصر رسول الله صلى الله عليه وآله في دعوته وفي توضيحه لرسالته؟!

__________________

(١) الاية «٦٠» سورة النساء ـ ٤ ـ

(٢) الاية «٧» سورة الاحزاب ـ ٣٣ ـ

(٣) الاية «٣٧» سورة الاحزاب ـ ٣٣ ـ

(٤) الاية «٦٤» سورة النور ـ ٢٤ ـ

(٥) الاية «٥٦» سورة المائدة ـ ٥ ـ

١٥٩

وهل ترك امته سدى بعد هذا كله؟!

وهل للامة الاختيار؟!

وما أنحراف المجتمعات إلا من ذلك الانحراف لقوله تعالى : (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ...) (١).

فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقد عبر السيد بحر العلوم (قدس) في بلغته عن هذه الولاية بالولاية الظاهرية إذ قال (قدس) {ولهم كما ستعرف الولاية الظاهرية أيضا على كافة الرعية ..} (٢).

وبهذا نرى سر أن يأخذ الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله إقرارهم بولايته ابتدأا ثم بعد ذلك يثبتها لعلي عليه السلام. لكي لا يبقى مجال لمغمز أو شبهة لمشتبه بل توضيح ما بعده توضيح.

__________________

(١) الاية «٢٦» سورة الانفال ـ ٨ ـ

(٢) بلغة الفقيه / السيد بحر العلوم / ج ٣ / ص ٢١٣.

١٦٠