الامامة والحكومة في الأسلام

الشيخ محمد حسين الأنصاري

الامامة والحكومة في الأسلام

المؤلف:

الشيخ محمد حسين الأنصاري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مطبوعات مكتبة النجاح
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٢

ولو طرأت على العامي شبهة مثلا فعليه تحصيل معرفة ردها ، وإلا فإنه سيحاسب على ذلك.

وبهذا تتفاوت الاقدار.

وهذه كما هو معلوم تسمى باصول الدين.

واختلف في عددها : ـ وإن كان المتعارف جعلها ثلاثة هي التوحيد والنبوة والمعاد وهذه تسمى بأصول الاسلام ، لان كل المسلمين يؤمنون بها ويدينون ، وإن كان هناك اختلاف في الجملة في تفريعاتها.

ومنهم من جعلها خمسة وسماها باصول الايمان وهي المذكورة مع إضافة العدل ثانيا والامامة بعد النبوة رابعا.

وبما أن موضوعنا يدور حول الامامة نقول : ـ

١٠١

لماذا كانت الامامة أصلا من أصول الدين؟!

الاصل : هو الاساس ، وما يتبنى عليه غيره.

فعليه أصول الدين هي ما يبتني عليه الدين.

فإن {الحديث والفقه والتفسير مبنية على صدق الرسول ، وصدق الرسول متوقف على ثبوت المرسل وصفاته وعدله وامتناع القبح عليه} (١) وهي كذلك مبنية كما سنرى على صدق الامام لكونه حافظا للشرع ، ولكون اللطف الذي تبتني عليه الامامة بقاعدة قوية من ركائز العدل الالهي ، وإن للناس بعد ذلك معادا وحسابا وإلا لبطل التكليف ..

والمعاد يقتضيه إرسال المرسلين وإلا لكان عبثا.

وكلما نجدد النظر إلى الامامة نراها بهذا الميزان الثقيل ، ودليلنا من كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم : ـ

١ ـ كتاب الله : قال تعالى : (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ..) (٢).

لو تتبعنا الايام التي تلت انتقال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله إلى الفردوس الاعلى لرأينا بان هناك عدة حوادث ذكرت وشاعت ليس لها علاقة بهذا الامر ، وأراد بعضهم أن ينفخ فيها من روحه ليجعلها من قريب أو بعيد قريبة من هذه الفاجعة العظيمة فنجح في جانب وخاب آخر.

ذكرت الكتب وزمرت عن الردة وحروبها ..

لو تتبعنا من حورب بهذه الوقائع ، ومن هم الاشخاص الذين ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله لرأيناهم بين من ارتد في حياة الرسول محمد صلى الله عليه وآله امثال مسيلمة الكذاب فقد ارتد في سن ١٠ ه‍ وادعى النبوة (٣).

__________________

(١) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر / ص ٤ / ط سنة ١٢٧٠ ه‍

(٢) الاية «١٤٥» سورة آل عمران ـ ٣ ـ

(٣) و (٣) تاريخ الطبري / ج ٣ / ص ١٢٨ / ط المعارف / مصر.

١٠٢

وطليحة وقد ارتد بعد حجة الوداع وادعى النبوة (١).

ومالك بن نويرة لم يشرك بعد إيمانه قط ، ولكنه امتنع من أدأ الزكاة ، بل امتنع من جمعها من قومه بني يربوع وقال لهم : (تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبي صلى الله عليه وآله وننظر ما يكون من أمره) بل نهاهم عن منع الصدقة (٢).

حتى أن عمرا قد رأى هذا وأراد أن يقيم الحد على خالد بطل تلك الحروب يقول ابن جرير في تاريخه {ودخل المسجد ـ يعني خالدا ـ وعليه قبأ قد غرز في عمامته اسهما فقام إليه عمر فانتزعها فحطمها ، وقال له قتلت أمرا مسلما ثم نزوت على امرأته ، والله لارجمنك باحجارك ـ وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله ..} (٣).

فمتى أرتد هذا؟ وهو قد أدى صلاته أمامهم (٤).

وكيف علقت الاية المباركة أرتداد مثل هؤلا على وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله أو قتله.

إذا المقصود غيرهم جزما.

كيف انقلبوا على اعقابهم؟! ومتى؟!

أما السؤال الثاني فمعروف جوابه إذ أنه حدث بعد وفاته صلى الله عليه وآله.

وأما الاول فلا يمكن أن يكون إلا بتركهم الولاية ، لانه لم يكن هناك أمر جامع لانقلاب الغالبية إلا تخلفهم عن بيعة علي عليه السلام التي هي أس الامامة.

فيكون رفضها كرفض الشهادتين فبرفض أحدهما يكون الارتداد ورفضها كان حاصلا خاصة إذا تدبرنا بالاية المباركة : ـ

ففي الاية الاستفهام كما هو واضح ليس حقيقيا.

لان حقيقة الاستفهام ليس إلا طلب الفهم ، وهذا يقتضي سبق الجهل ، وهو محال عليه سبحانه وتعالى.

__________________

(٢) المصدر نفسه / ج ٢ / ص ٢٧٦ / ط

(٣) و (٦) تاريخ الطبري / ج ٢ / ص ٢٧٦ ـ ٢٨٠.

١٠٣

ولذا حصر الدسوقي في شرحه لمغني اللبيب ما ورد في القرآن من الاستفهام بالتقرير أو التوبيخ أو الانكار (١).

وهنا الاستفهام ليس للتقرير لانه لا يريد منهم أن يقروا على شي كما هو واضح لكل لسان عربي. فلم يبق إلا الانكاري والتوبيخي وكلاهما يمكن إذ أنكر عليهم فعلهم ووبخهم عليه أشد توبيخ.

وقد قيل بإن هذه الاية نزلت في أحد ، فعليه كيف نقلت لما تقولون؟!

ولكنه ليس بشي كما ترى.

أولا : لان الاية لا يمكن أن تجمد على الواقعة التي نزلت فيها وإلا لبطل القرآن ، وبطل الاستدلال به ، ولما قام للتشريع من قائمة.

وثانيا : الذي يدل على ما نقول : إن الدعوى في ذلك اليوم المعين كانت قتل محمد وليس موته ، فإذا كانت الاية مختصة به لما جي بذكر الموت أصلا ، وقد جأ فيعلم بإن هذه الواقعة كان لها المجال الواسع للاشارة لما سيحدث بعد رحيله صلى الله عليه وآله وبالفعل أشار من خلالها فقال : (أفإن مات أو قتل انقلبتم ..) (٢).

وأما صيغة المضي فيها فلا تدل على مطلبهم بعدما بينا الذي بيناه ، بل تدل على الانقلاب الحقيقي بعد رحيله صلى الله عليه وآله ، ولذا أخبر به لانه مكشوف لديه وكأنه لوقوعه قد وقع فعلا وما شأ الله من الاستعمالات القرانية في ذلك ، وخاصة مع وجود الشرط والجزأ قال الشريف المرتضى (قدس). (لان الشارط لا يشرط إلا فيما يستقبل فيقول القائل إن زرتني زرتك يريد إن تزرني أزرك قال الله تعالى (إن شأ جعل لك خيرا من ذلك) يعني إن يشأ يجعل) (٣) وقال (قدس) (ومما يقوي مذهب من وضع لفظة الماضي في موضع الحال والاستقبال

__________________

(١) حاشية الشيخ مصطفى محمد عرفه الدسوقي على مغني اللبيب / ج ١ / ص ٩ / ط مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني ـ القاهرة.

(٢) الاية «١٤٥» سورة ال عمران ـ ٣ ـ

(٣) امالي السيد المرتضى / ج ٤ / ص ١٠٦ / ط ١٩٠٧ / مصر.

١٠٤

قوله تعالى (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم) وقوله تعالى (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) وقولهم في الدعأ غفر الله لك .. قال الشاعر :

فادركت من قد كان قبلي ولم أدع

لمن كان بعدي في الفضائل مقعدا

أراد لمن يكون بعدي) (١).

٢ ـ قوله تعالى : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ..) (٢).

بنأا على ما يحمله هذا التهديد الالهي من أمر جسيم لامر جسيم ، يقا بل تبليغ الشهادتين وما تفرع عليهما بحيث إنه إذا لم يفعله لم يكن قد بلغ الرسالة أصلا ، ومن هنا تظهر أهمية هذا الامر بقدر ما يحمله هذا التهديد من قوة لمثل من اتعب نفسه وجاهد في سبيل الله تعالى ذلك الجهاد المر.

وما كان ذلك التبليغ إلا تبليغ إمامة علي عليه السلام كما صرح بذلك أهل التفسير (٣) ، وقد روى السيوطي في الدر المنثور (٤) عن الحافظ بن مردويه باسناده عن أبي سعيد الخدري إنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب ، واخرج حديثا آخر عن ابن مسعود.

وقد ذكر تفسير الكشف والبيان لابي إسحاق الثعلبي النيسابوري مضمون ذلك عن ابن عباس وغيرهم كل في كتابه (٥). وبهذا يظهر أنه أصل وأي أصل ، ومنه تظهر اهمية الامامة وإنها بميزان كل ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله كميزان صاحبها عندما قال فيه صلى الله عليه وآله (برز الايمان كله إلى الشرك كله). يوم الخندق.

__________________

(١) المصدر نفسه / ج ٤ / ص ١٠٧.

(٢) الاية «٦٨» سورة المائدة ـ ٥ ـ

(٣) وقد روى ذلك جمع غفير من علماء المسلمين وقد احصاهم الشيخ الاميني «قدس» في غديره فبلغوا ثلاثين نفسا من اجلائهم.

(٤) الدر المنثور / السيوطي / ج ٢ / ص ٢٩٨.

(٥) للاطلاع والاستزادة ومعرفة اسماء العلماء والكتب عليك بكتاب الغدير للشيخ الاميني (قدس) / ج ١ ص ٢١٤ ـ ٢٢٩.

١٠٥

٢ ـ سنة رسوله صلى الله عليه وآله : ـ

نستطيع أن نقسم الروايات الواردة الصالحة لمقامنا هذا إلى ثلاث طوائف : ـ

الطائفة الاولى : الروايات الواردة بانقلاب الامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كروايات الحوض.

{بينما أنا قائم فإذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج من بيني وبينهم فقال : هلم فقلت اين؟! قال إلى النار والله. قلت وما شأنهم؟ قال أنهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقرى ، فلا اراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم} (١).

وفي صحيح البخاري كذلك وصحيح مسلم عن أنس : {إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني ، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني ، فلا قولن أي رب أصحابي ، فيقال لي أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك}.

وأخرجا كذلك عن سهل بن سعد (سمعت النبي صلى الله عليه وآله أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا. وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال : هكذا سمعت سهلا يقول؟! فقلت نعم. قال : وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول انهم مني فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك فاقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي).

وهكذا وردت روايات كثيرة مبثوثة في الصحاح وفي كتب الاحاديث حتى أن مسألة الحوض هذه تكاد تكون من المسلمات بل عدها الزبيدي صاحب تاج

__________________

(١) صحيح البخاري / كتاب الحوض

١٠٦

العروس من الاحاديث المتواترة (١).

فكيف أرتدوا على أدبارهم؟! وماذا أحدثوا بعده صلى الله عليه وآله؟! ولم يكن ثمة أمر ذا أهمية قد تركوه ورأ ظهورهم باغلبيتهم إلا مسألة بيعة علي عليه السلام ولذا جأت أخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وأحاديث كثيرة تبين أنقلاب الامة وتوضح أنهم سيحذون سنن بني أسرائيل حذو النعل بالنعل وبأنهم يرتدون على أدبارهم القهقرى ويصيرون إلى النار ولا يخلص منهم إلا مثل همل النعم وبان الامة ستغدر بامير المؤمنين (٢).

الطائفة الثانية :

لسانها : (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) أو نحو ذلك من الالفاظ ذات المعنى المذكور (٣).

فهذه لسانها عام ليس مخصصا بوقت دون وقت ..

فمن هو إمام الزمان الذي يقصد به في هذه الاحاديث المباركة؟!

إن كان الخلفأ الراشدون هم الائمة فقد انتهوا وانتهى زمانهم معهم وأهل زمانهم بهم لحقوا فما بال القرون التالية؟!

وإن كان العلمأ هم المقصودين فلا أحد يجر أن يدعي هذه الدعوى وأن الفرد المسلم إذا مات ولم يعرف عالم وقته يموت ميتة جاهلية.

فضلا عن أنه قد يكون هناك عدد كثير من العلمأ في أقاصي الدنيا فهل يجب

__________________

(١) اللالي المتناثرة في الاحاديث المتواتره / أبو الفيض محمد بن مرتضى الحسيني الزبيدي صاحب تاج العروس / تحقيق محمد عبد القادر عطا / ص ٢٥١ / الحديث السبعون / توزيع دار البار ـ مكة المكرمة.

(٢) الحاكم في المستدرك / ج ٣ / ص ١٤٠.

(٣) وقد مرت تخريجاته.

١٠٧

استقصاؤهم على المكلف المسكين؟!

أم يجب عليه أن يعرف بعضهم دون البعض الاخر؟

وهذا يخالف المقام في أمور : ـ

الاول : ترجيح لهذا البعض بلا مرجح أصلا.

الثاني : تعبير الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله من مات ولم يعرف إمام زمانه الظاهر منه وحدة ذلك الامام وانه إمام لذلك الزمان.

الثالث : نسبة الرسول صلى الله عليه وآله الامام إلى الزمان ألا يشعر بنكتة دفينة يخرجها التأمل .. لانه لو كان المقصود الذي يقولونه لما أضافه إلى الزمان بل لاضافه إلى المحلة أو المنطقة أو الولاية أو غير ذلك حسب المقام.

وما خطر ذلك الامام الذي بسبب الجهل به يموت المسلم متية جاهلية؟!

فلا يحصل المطلوب على جميع الاقوال إلا على ما ذهبنا إليه من ثبوت الامامة على مالا يخفى على المتأمل.

الطائفة الثالثة :

الاخبار الكثيرة التي جعلت الايمان منوطا بحب آل محمد صلى الله عليه وآله والكفر ببغضهم.

(لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي ولا يبغضنا إلا منافق شقي)

(لو أن رجلا صف بين الركن والمقام فصلى وصام ، ثم لقى الله مبغضا لاهل بيت محمد دخل النار) (١).

والملازمة لمن تدبر واضحة.

__________________

(١) ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى / ص ٢٨ / ط دار القادسية ـ بغداد

١٠٨

فالايمان والكفر ماهيتان خاليتان من حب آل محمد وجودا وعدما ـ فلا بد أن يكون هذا كناية عن ذاك.

(إلا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا ، إلا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، إلا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا) (١).

بل عن كنز العمال ما هو كالصريح في أنه أصل أن لم يكن صريحا بالفعل فعن النبي صلى الله عليه وآله : (أساس الاسلام حبي وحب أهل بيتي) (٢).

كما ورد أنهم الفلك الجارية وأنهم كسفينة نوح (٣). إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة كما أننا سنستدل أخيرا إن شأ الله تعالى أن الامامة ثابتة كما ثبتت النبوة عين القذة بالقذة عقلا وهي أصل فهي أصل.

وبعد أن تم استعراض الدليل الشرعي نستعرض الدليل في الحكمة.

__________________

(١) تفسير الكشاف / في تفسير قوله تعالى «قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى». تفسير الثقلين / في تفسيرها كذلك.

(٢) كنز العمال / المتقى الحنفي / ج ٧ / ص ١٠٢.

(٣) الحاكم في المستدرك / ج ٢ / ص ٢٤٢ ـ ج ٢ / ص ١٥١ ـ كنز العمال ج ٦ / ص ٢١٦ ـ الصواعق المحرقة / ابن حجر الاية السابقة الواردة في اهل البيت وقد ذكر ان التشبيه هذا (جاء من طرق عديدة يقوي بفصل بعضا).

١٠٩

الدليل على وجوب الامامة في الحكمة :

المقدمة الاولى : الانسان اجتماعي بالطبع.

المقدمة الثانية : كل إنسان يريد أن تتقدم مصالحه وما ترجع به فائدته إليه لحب البقأ المرتكز في نفسه.

المقدمة الثالثة : نعلم يقينا بإن الله تعالى عندما أوجد الخلق أوجدهم لترجع المصلحة إليهم أنفسهم.

ولوجود المقدمة الثانية كان هناك الوازع والدافع الاساس في سحق مصالح الغير ، بل سحقه سحقا.

فيحدث التزاحم والتعارض والتشاحن ، وربما يؤدي ذلك إلى نهاية الخلق وهو خلاف المقتضى لانشائه.

فاقتضى ذلك وجود شرع ملزم لهم غير مكره لهم تكوينا ، لمكان العقل فيهم ، وإلا لاصبح الانسان كالبهائم والجمادات.

وبما أن الله منزة عن الجسمية ، كان وجود فرد إنساني يبين ويوضح لهم ذلك لابد منه ، ومن هنا عبر الامام الصادق عليه السلام على ما جأ في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق (قدس). (إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا .. وكان ذلك الصانع حكيما .. فثبت أن له سفرأ في خلقه ..) (١).

والانسان كما نعلم تارة يعلم الامر بواسطة عقله ، وحتى هذا يحتاج في أغلب الاحيان إلى توضيح وبيان. وأخرى لا يعلم أصلا من الامر شيئا ، إلا أن يعلمه الله به ، فطريقه منحصر به دون سواه.

__________________

(١) كتاب التوحيد / الشيخ الصدوق / ص ٢٤٩.

١١٠

كما أن الامور كلها بقسميها لابد لها من مذكر ومؤيد وحافظ كي لا يحدث للانسان السهو والنسيان والابتعاد عن حقيقة امرهما ، ولو حدث هذا كله لسبب من الاسباب فذاك المذكر والمؤيد والحافظ يرجع الامر إلى نصابه.

فالذي يقوم بالمهمة الاولى النبي والمرسل.

والذي يقوم بالمهمة الاخرى أخيرا الامام.

أو للبيان نقول بتعبير آخر :

هناك هدايتان :

هداية داخلية وهي العقل.

وهداية خارجية وهي الشرع.

والهداية الخارجية وظيفتها أما :

١ ـ أن تؤيد العقول فيما وصلت إليه وتوضح لها.

٢ ـ أو تبين ما لم تصل إليه

وبكلا الطريقين للهداية الخارجية حفظ ذلك كله من التلف والتغيير بالمتابعة.

ثم بعد هذه المقدمة نقول :

إن الاخبار قد كثرت عن صاحب الشرع نفسه صلى الله عليه وآله بحيث أختلط حتى التبيين والتوضيح ، فلابد من وجود من يقوم مقامه للمهمة التي جأ من أجلها يوضح ويهدي الناس سبل الرشاد وإلا ضاعت فائدة البعثة أصلا.

والذي يقوم بهذه المهمة الامام.

ونوضح أكثر فنقول : بما أن نبينا خاتم الانبياء وشريعته خاتمة الشرائع ، فلا نبي بعده كما هو ضروري.

إذا تشريعه مستمر ما استمر الكون وبقى.

١١١

وبما أن من يأتي بعده لابد له من الاستمرار على نهجه وطريقه ، فيجب أن يكون ذلك النهج والطريق محفوظا بكامله ولو اختفى لاي سبب شي منه فلابد من ظهوره يوما ما ناصعا واضحا لتستفيد البشرية منه ، أي يكون النهج محفوظا ولا يمكن أن يكون محفوظا إلا بالامام.

بيان ذلك : ـ

لحدوث ما حدث ، وحدوث ما سيحدث تغير ما تغير وسيتغير الشي الكثير كذلك فما أدرانا ما هو الصحيح من الفاسد؟!

فهل سينتهي التشريع؟ وهل ضاع؟!

ولا يجاب بإن الصحيح هو قول المجتهدين والعلمأ.

لانهم قد اختلفوا فيما بينهم وسيختلفون ..

فما هو الحق؟!

ولطول الفترة قد يبتعد النهج عن النهج المرسوم لضياع كثير من الاحاديث وعدم معرفة المكذوب فيه من الصحيح.

إذا لابد من حافظ لهذا الشرع وراع له.

ومقتضى الحكمة والادلة العقلية لها وجوب وجود نبي من قبل الله تعالى ولا يمكن أن تتخلف الحكمة ..

ولكن لدينا مقدمة أخرى ثابتة وهي من ضروريات دينينا بأنه لا نبي بعد نبينا وأن المنكر لذلك خارج عن ربقة المسلمين. فينحصر ذلك الوجود بالامام لانه يمثل النبي فالنبي يؤدي عن الله بلا واسطة من البشر وأما هو فيؤدي عنه بواسطة النبي.

١١٢

وبصيغة أخرى نقول : إن حافظ الشريعة إما أن يكون : ـ

ألف ـ التواتر : ـ (ولا يجوز أن تكون محفوظة بالتواتر لانه ليس جميع الشريعة متواترا بها ، بل التواتر موجود في مسائل قليلة نزرة. فكيف يعمل بها في باقي الشريعة؟! على أن ما هو متواتر يجوز أن يصير غير متواتر بأن يترك في كل وقت جماعة من الناقلين نقله ، إلى أن يصير احادا ، إما لشبهة تدخل عليهم ، أو اشتغال بمعاش وغير ذلك من القواطع) (١).

أو ب ـ الاجماع : ـ (ولا يجوز أن تكون محفوظة بالاجماع لان الاجماع ليس بحاصل في أكثر الاحكام بل هو حاصل في مسائل قليلة) (٢).

فضلا أنه قد يكون ثمة إجماعان متعارضين بحالات أخر.

فأي منهما أحق بالاتباع وهو الحافظ؟!

أو ج‍ ـ يكون الحافظ أخبار الاحاد : ـ وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن ، وإن ثبت فهو حجة للمجتهد بينه وبين الله تعالى ، أما أنه هو حقيقة الشرع وهو الحكم الواقعي لله تعالى فلا.

والشارع قد جعله حجة لئلا تتعطل أحكامه ، وأما الاحكام الواقعية فإن لم تختف لحد الان ، فإنها لا سامح الله ستختفي فيتبدل شرع الله كما هو ظاهر لعين الحق. وحتى على القول بإن أحكام الله الواقعية تابعة لاحكام المجتهدين ـ أي بنأا على ما يقوله المصوبة.

فالاحكام بعد فترة تطول أو تقصر ستتغير وتتبدل ، فيكون شرع محمد صلى الله عليه وآله غير شرعه ، فلا يكون حلال محد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

__________________

(١) الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتماد / الشيخ الطوسي / ص ٣٠٢ / منشورات جمعية منتدى النشر ـ النجف الاشرف.

(٢) المصدر نفسه / ص ٣٠٢.

١١٣

أو د ـ القياس : ـ ولا يمكن الاحاطة بعليته وبه ، لان دين الله لا يصاب بالعقول ، ولعل ما نراه علة ليس بعلة ، وما لا نراه كذلك هو علة. وقد بين بطلانه في كتب الاصول والمنطق ولم يترك هناك شك لكل ذي شك. كما أن الذي يقول به لا يقول به في جميع أحكام الشريعة فلا يمكن أن يكون حافظا.

أو ه‍ ـ يكون الحافظ شخصا يقوم مقام النبي لحفظ الشريعة عن الانحراف عن الجادة الصحيحة ، ولو انحرف لطول الفترة فسيظهر ليظهر الحق ويعيد الامر إلى نصابه.

ولذا قال تعالى : (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) (١).

على أن تكون هذه الواو أستئنافية لا عاطفة ، أو باب عطف جملة على جملة أخرى.

وأخيرا نقول :

لو لم تكن الامامة واجبة ، والامام موجودا ، فالرسالة الاسلامية ليست بخاتمة الرسالات الاسلامية ، لان الحكمة التي اقتضت الرسالات لم ترتفع أو تتبدل.

وبما أنه من الضروري الثابت والذي لا ريب فيه أن الرسالة الاسلامية خاتمة الرسالات السماوية.

إذا يجب أن تكون الامامة واجبة ، والامام موجودا ، كما هو واضح وبين بحمد الله تعالى وتوفيقه.

__________________

(١) الاية «٨» سورة الرعد ـ ١٣ ـ

١١٤

ما هو طريق تعيين الامام؟!

قالوا باختيار الناس.

وقلنا من الله.

والحق قولنا لامور :

١ ـ {لا يجوز اسناد أمر الامامة إلى المكلفين لانها أهم أركان الدين ، فالذي شرع الاحكام وجب عليه النص على من لا تتم الاحكام إلا بنصبه} (١).

٢ ـ {وإذا كان الله تعالى ورسوله لم يتركا صغيرا ولا كبيرا من الامور إلا وبينا الحكم فيها ـ فيه ـ ، وقطع الله بذلك عذر العباد بجعل تلك النواميس النظامية والعبادية ، فكيف لا يجعل لهم المصلح الحافظ وهو القدير على إقامته ، فيخل الله بالواجب أو يعجز عن إيجاد الحجة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا} (٢).

٣ ـ قد يكون الاختيار مفسدا للامة أكثر من عدم نصب الامام نفسه خاصة مع القول باكتفأ اختيار الواحد من الامة.

كما حدث.

٤ ـ قد يقع الاختلاف بين الامة في الاختيار إذ تختار كل طائفة واحدا ، فتحدث الخصومة والنزاع فيقع ما استدعى دفعه النصب.

وإذا قيل بثبوت المتقدم للامامة فهو كما ترى :

ألف ـ لوقوع الاختلاف فيه مثلا.

ب ـ والانتظار لهم إلى أن يختاروا من بينهم ربما كان مدعاة للفساد لطول الفترة مثلا أو لغير ذلك.

__________________

(١) الالفين الفارق بين الصدق والمين / العلامة / ص ٢٥.

(٢) المصدر نفسه / ص ٢٥ كذلك.

١١٥

ج‍ ـ مع احتمال أن يكون الثاني أصلح.

د ـ وهذا يوجب الضغينة بينهم ، وربما يمد عنقه من ليس أهلا وقد حدثت الامور الثلاثة الاخيرة.

٥ ـ ان تكليف الاختيار لا يخلو إما أن يكون : ـ

١ ـ بالجميع ٢ ـ بالبعض ٣ ـ بالواحد فقط.

أما بالواحد فباطل للحيف الظاهر.

وأما بالبعض فحيف كذلك وبلا سلطان من قبل الله تعالى جعله لهؤلا على كافة الناس.

كما أنهم قد يجهلون ، بل هم يجهلون عدالته الواقعية إذ عليهم الظاهر.

وإذا كان قبول قولهم مشروط باطلاعهم على عدالته الواقعة وجمعه لشرائط الامامة فهو مستحيل ، لعدم الاطلاع على دخائل النفس.

فضلا عن معارضتها بشهادة أخرى كما يحدث كثيرا.

مع أنهم لم يبينوا لنا (كيف يتم تكوينهم؟! ما حدود سلطانهم؟! هل يحق لهم عزل الامام؟! ما الضمانات المكفولة لهم لتتم الانتخابات في حرية؟!) (١).

كما تنبه لذلك الدكتور أحمد محمود صبحي في مناقشته لنظرية الامامة وواصل كلامه بقوله (فلم يعرف عن أهل الحل والعقد شي من الناحية النظرية وربما الواقعية كذلك مع أنهم أعلى السلطات ، بل أن فيلسوفا مدققا كابن خلدون قد جعل حاشية الخليفة وبطانته واقاربه ، بصرف النظر عن مدى علمهم واجتهادهم وتقواهم هم أهل الحل والعقد الذين عارضوا الخليفة المأمون أن ينقل الخلافة إلى علي الرضا من بعده) (٢). وذلك باعتقادي لان الحجج العقلية الدامغة

__________________

(١) نظريه الامامة لدى الشيعة الاثنى عشريه / د. احمد محمود صبحي / ص ١٦ / ط دار المعارف ـ مصر.

(٢) المصدر السابق / ص ٢٦.

١١٦

وربما الشرعية الناطقة تجبرهم على القول بالامامة ، إلا أنهم لا يجدون لها سبيلا فيما ارتكب الاولون ولا تصحيحا غير هذا ، فيخلطون الحابل بالنابل تخلصا من وصمات واضحة .. ربما ستلحق بهؤلا وهؤلا .. منها عدم المبالاة بالدين .. ولذا أخذوا يتكلمون ويخططون لامر هم صنعوه ، ولا وجود له في الواقع كما تخيلوه كما هو ظاهر للمتأمل المنصف.

٦ ـ لابد من عصمة الامام كما سنستدل على ذلك إن شأ الله تعالى ، وهذا الامر لا يعلمه إلا الله سبحانه ، فكيف لهؤلا من الوصول إليه؟!

٧ ـ إن تعيين الامام واجب على الله سبحانه ، فسقط بذلك الوجوب عن الامة.

وطريق ذلك كتاب الله حيث يقول :

(إن علينا للهدى ..) (١).

ومن ركائز الهدى الامامة كما كانت النبوة كذلك ، وبالخصوص في شريعتنا لما تقدم.

وحيث يقول : (كتب ربكم على نفسه الرحمة ..) (٢).

وكما كانت النبوة رحمة للعباد فكذا امتدادها.

ويقول تعالى : ـ (إن الحكم إلا الله ..) (٣).

وأساس الحكم وقوامه الامام.

وقال تعالى : (ألا له الحكم ..) (٤) وأساس الحكم الامام.

__________________

(١) الاية «١٣» سورة الليل ـ ٩٢ ـ

(٢) الاية «٥٥» سورة الانعام ـ ٦ ـ

(٣) الاية «٥٨» سورة الانعام ـ ٦ ـ

(٤) الاية «٦٢» سورة الانعام ـ ٦ ـ.

١١٧

وللعقل طريق آخر لبيان هذا الوجوب :

وقد اشار القران وربط ما جأ به ودل عليه العقل :

أولا : (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) (١).

وتمام دفع حجة الناس بعد الرسل ، استمرار رسالة الرسل بحافظها والقائم بها وإلا فما فائدة الرسول بلا رسالة من هذه الزاوية التي جأ نور هذه الاية المباركة منها؟!

فعليه يجب وجود الحافظ والمبلغ الذي هو الامام وإلا لتمت الحجة للناس على الله تعالى.

وثانيا : بقاعدة اللطف.

٨ ـ قالوا أن خلو الوقت من خليفة موجب للفساد ، فنصبه دفع ضرر مظنون ، ودفعه واجب إجماعا.

وعندما يقولون ذلك نقول لهم إذا كان الامر كذلك فكيف للعاقل أن يدعي بإن محمدا قد ترك أمته كذلك؟!

هل لم يكن يعقل ذلك وحاشاه؟! أم .. ماذا؟!

٩ ـ إن خلو الوقت من خليفة ممتنع ، وقد تواتر إجماع المسلمين في الصدر الاول على ذلك ، ونقل على هذا قول أبي بكر على ما روي {إلا إن محمدا قد مات ولابد لهذا الدين ممن يقوم به}.

فهل عرف شيئا قد جهله رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل ذلك جهله الله إذ لم يأمر رسوله بنصبه وهو يعلم بأنه سيفارق الامة عن قريب؟!

__________________

(١) الاية «١٦٦» سورة النساء ـ ٥ ـ.

١١٨

بل قال عمر (بيعة أبي بكر فلته ..) (١).

ولا يمكن أن يراد بالفلتة هنا المباغته ، للقرينة المقالية في القول .. إذ قال بعد ذلك (وقى الله المسلمين شرها) فهي إذا تحمل شرا ، ولا يمكن أن يكون دفع ضرر المسلمين مما أوجبه الله عليهم يحمل شرا وقد ورد أنه (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام) فكيف يكون اشغال مثل هذا المنصب الخطير شرا؟ وأي شر هذا الذي يهدد به الخليفة الثاني ويجعله يقول {فمن عاد لمثلها فاقتلوه}؟!

فإذا كانت حقا كان القتل باطلا ، وإذا كانت باطلا كان القتل حقا.

فعن ايهما يمنع؟! وبايهما يأمر؟!

١٠ ـ قالوا بإن الشارع قد أمر باقامة الحدود وتجهيز الجيوش وسد الثغور ، وهذه كلها واجبة شرعا ، وهي لا تتم إلا بنصب إمام .. إذا نصب الامام واجب ، لان ما لايتم الواجب إلا به واجب.

وهذا مردود بما تقدم كا هو ظاهر ، إذ بعد التعيين من قبل الله سبحانه وتعالى لا حاجة لتعيينه من قبلنا إلى غير ذلك من الامور المذكورة سابقا ولاحقا.

فضلا عن أنه يناقش في محله من كتب الاصول هل ان ما لا يتم الواجب إلا به واجب مطلقا أم لا؟! فليراجع.

١١ ـ إن منصب الامامة كمنصب النبوة لها السلطة العامة على المكلفين جميعا ، في الامور الدينية والدنيوية.

والناس غير قادرين على هذا الاختيار الخطير لانهم لا يحيطون بالمصلحة الالهية. بل إن هذا الشخص نادر الوجود ولو وجد في وقت فما بال الوقت الذي لا

__________________

(١) تاريخ الطبري / ج ٣ / ص ٢٠٠ ـ السيرة الحلبيه / ج ٣ / ص ٣٨٨ ـ الكامل لابن الاثير / / ج ٢ ص ١٣٥ شرح النهج لابن ابي الحديد / ج ٢ / ص ٢٦ / ط دار احياء الكتب العربيه كنز العمال / ج ٣ / ص ١٣٩. وغيرها.

١١٩

يوجد فيه من يحمل هذه الصفات؟!

ولا يقال بإن ما تقولونه في حال الغيبة الكبرى نقوله هنا ، لانا نقول بإنه في حال الغيبة الامام موجود إلا أنه لا يمكن الاطلاع عليه ، أما في دعواكم وافتراضنا فلا وجود له ولا يمكن أن يخلو الزمان من إمام كما هو المفروض فقولكم على هذا باطل بالضرورة.

ولو أمكن للناس اختيار مثل هذا الشخص فهذا يعني أنهم متمكنون من اختيار النبي ولترك لهم هذا الاختيار وهو باطل ضرورة.

١٢ ـ (ومن نختاره اليوم قد ننقم عليه غدا ، ويتبين لنا باننا قد اخطأنا ، ولم نحسن الاختيار ، كما وقع ذلك لعبد الرحمن بن عوف نفسه عندما اختار للخلافة عثمان بن عفان ، وندم بعد ذلك ، ولكن ندمه لم يفد الامة شيئا بعد توريطها.

وإذا كان صحابي جليل من الرعيل الاول وهو عثمان لا يفي بالعهد الذي اعطاه لعبد الرحمن بن عوف ، وإذا كان صحابي جليل من الرعيل الاول وهو عبد الرحمن بن عوف لا يحسن الاختيار ، فلا يمكن لعاقل أن يرتاح لهذه النظرية العقيمة ، والتي ما تولد منها إلا الاضطراب ، وعدم الاستقرار واراقة الدمأ.

فإذا كانت بيعة أبي بكر فلتة كما وصفها عمر بن الخطاب وقد وقى الله المسلمين شرها.

وقد خالف وتخلف جمع غفير من الصحابة.

وإذا كانت بيعة علي بن أبي طالب بعد ذلك على رؤوس الملا ـ وهي أصح بيعة قامت على هذه المقاييس واتمها ـ ولكن بعض الصحابة نكث البيعة ، وانجر ذلك إلى حرب الجمل ، وحرب صفين ، وحرب النهروان ، وزهقت فيها أرواح بريئة.

فكيف يرتاح العقلا بعد لهذه القاعدة التي جربت وفشلت فشلا ذريعا من

١٢٠