خصائص الوحى المبين

شمس الدين يحيى بن الحسن الأسدي الربعي الحلّي [ الحافظ ابن البطريق ]

خصائص الوحى المبين

المؤلف:

شمس الدين يحيى بن الحسن الأسدي الربعي الحلّي [ الحافظ ابن البطريق ]


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٦

العقائد الحديث وعلومه

١٦٩ ـ ومن تفسير الثعلبي : في قوله تعالى : (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) (١) بالاسناد المقدم قال : حدثنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد الارغياني ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله العماني ، قال : حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي ، حدثني ابي ، حدثني علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، حدثني أبي موسى بن جعفر ، حدثني [أبي جعفر بن محمد حدثني أبي] محمد بن علي [حدثني ابي علي] بن الحسين ، حدثني أبي الحسين بن علي ، حدثني ابي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله عز وجل : (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) بإمام زمانهم ، وكتاب ربهم عز وجل وسنة نبيهم (٢).

قال يحيى بن الحسن : واعلم أن هذا الفصل قد جمع من فقد النظير لمولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه من وجوب ولاء الامة أشياء :

منها قوله تعالى : (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ ءامنون ومن جاب السيئة فكبت وجوههم في النار) (٣) وإذا كانت الحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة هي حبه صلى الله عليه ، والسيئة التي من جاء بها أكبه الله على وجهه في النار هي بغضه ، فقد وجب الامر [له] بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجب له ولاء الامة لان الغرض من اتباع الامة لامامهم أن يدخلوا باتباعه الجنة ، وأن ينجوا بإتباعه من النار ، وليس ذلك إلا لمن وجب له من ولاء الامة ما وجب لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدليل قوله تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا

__________________

١ ـ سورة الاسراء : ١٧ / ٧١.

٢ ـ غاية المرام / ٢٧٢ نقلا عن تفسير الثعلبي.

٣ ـ سورة النمل : ٢٧ / ٨٩.

٢٢١

الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) (١) وهي خا صة به صلى الله عليه آله وقد تقدم ذلك.

فقد ثبت لنا طريق معرفة دخول الجنة وهي حبه ، ومعرفة طريق دخول النار وهي بغضهه صلى الله عليه وآله ، كل ذلك بوحي الله (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (٢).

ومنها قوله تعالى : (وكفى الله المؤمنين القتال) وإذا كان الله تعالى قد كفى المؤمنين القتال بعلي صلوات الله عليه ، فقد قام قتاله صلى الله عليه مقام كل مؤمن لموضع كفايته عن جميع المؤمنين.

ومن قام بأمر الله تعالى كافيا بجميع المؤمنين القتال ، فقد وجب له القدمة على جميع الامة بدليل أنه قام مقامها في الكفاية بأمر الله تعالى بذلك ، وهذا مالا نظير له فيه من جميع خلق الله تعالى من الامة.

وفي هذا نهاية التنبيه على وجوب اتباعه والاقتداء به صلى الله عليه وفي هذا كفاية لمستنصر وهداية لمستبصر.

زهت المنابر والماثر باسمه

وبمدحه يزهوا الكتاب المنزل

عدم النظير له فساد لما روى

من فضله التنزيل والمتزمل

__________________

١ ـ سورة المائدة : ٥ / ٥٥.

٢ ـ سورة فصلت : ٤١ / ٤٢.

٢٢٢

الفصل الحادي والعشرون

في قوله تعالى : (يا أيها الناس علمنا منطق الطير) (١).

وفي قوله سبحانه وتعالى : (يوم لا يخزي الله النبي والذين ءامنوا معه) (٢).

وفي قوله : (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) (٣).

١٧٠ ـ من تفسير الثعلبي في قوله تعالى : (يا أيها الناس علمنا منطق الطير) بالاسناد المقدم قال الثعلبي باسناده : (يا ايها الناس علمنا منطق الطير) قال : يقول القنبرة في صياحه : اللهم العن باغضي آل محمد صلى الله عليهم (٤).

١٧١ ـ ومن طريق الحافظ أبي نعيم بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم : حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الكندي وأحمد بن جعفر النسائي ، قالا : حدثنا محمد بن جرير ، قال : حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني ، قال : حدثنا محمد بن حسان ، قال : حدثني أبو الاحوص ، عن زبيد اليامي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اول من يكسى

__________________

١ ـ سورة النمل : ٢٧ / ١٦.

٢ ـ سورة التحريم : ٦٦ / ٨.

٣ ـ سورة البينة : ٩٨ / ٦.

٤ ـ روي نظيره ابن المغازلي في مناقبه / ١٤٣.

٢٢٣

يوم القيامة إبراهيم لخلته ، ثم أنا لصفوتي ، ثم يزف (١) علي بن أبي طالب عليه‌السلام بيني وبين ابراهيم عليه‌السلام زفا إلى الجنة (٢).

١٧٢ ـ وبالاسناد [المقدم] قال أبو نعيم : وفيما أخبرني به ابراهيم بن محمد ـ إجازة ـ قال : حدثنا يعقوب بن اسحاق بن دينار ، قال : حدثنا حي بن خالد الهاشمي قال : حدثنا سلام الطويل ، عن زبيد اليامي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : إن أول من يكسي من حلل الجنة إبراهيم عليه‌السلام لخلته من الله ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانه صفوة الله ، ثم علي عليه‌السلام يزف بينهما إلى الجنان ، ثم قرأ ابن عباس : (٣) (يوم لا يخزي الله النبي والذين ءامنوا معه) (٤) قال : علي واصحابه.

١٧٣ ـ [و] من طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى : (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) (٥) بالاسناد المقدم قال أبو نعيم : حدثنا أبو محمد بن حيان ، قال : حدثنا إسحاق بن أحمد الفارسي ، قال : حدثنا حفص بن عمر المهرقاني ، قال : حدثنا حيويه ـ يعني إسحاق بن إسماعيل ـ عن عمر بن هارون ، عن عمرو ، عن جابر ، عن محمد بن علي وتميم بن حذلم ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : لما نزلت هذه الاية : (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : هم أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين ومرضيين ، ويأتي عدوك غضابا

__________________

١ ـ يزف : يسرع

٢ ـ ٤ ـ ينظر نظيره في كنز العمال ١١ / ٦١٥ و ٦١٦ ، الرياض النضرة ٢ / ١٧١ و ١٨٥.

٣ ـ سورة التحريم : ٦٦ / ٨.

٥ ـ سورة البينة : ٩٨ / ٧.

٢٢٤

مقحمين (١).

١٧٤ ـ وبالاسناد المقدم قال أبو نعيم : وفيما أخبرني أبو إسحاق ابراهيم بن المروزي قال : حدثنا عبد الحكيم بن ميسرة ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي اسحاق ، عن الحارث قال : قال لي علي عليه‌السلام : نحن أهل بيت لا نقاس.

فقام رجل فأتى عبد الله بن عباس [فذكر له ما سمعه من علي] فقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : صدق علي ، أو ليس كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقاس بالناس؟ ثم قال ابن عباس : نزلت هذه الاية في علي : (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) (٢).

قال يحيى بن الحسن : اعلم ان هذا الفصل قد جمع أشياء كلها توجب لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله ولاء الامة.

منها ان المنزلة التي افتخر بها سليمان عليه‌السلام وقال : (يا أيها الناس علمنا منطق الطير) (٣) قد حصلت لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وإذا كان القنبر [وهو] طير لا يتعلق به التكليف ، قد كلف باللعنة لاعداء امير المؤمنين ، ومن أنطق الله الطير بلعنة أعدائه وجب تفرده بعلو المنزلة وفقد النظارة.

ومنها كونه أول من يكسى يوم القيامة ويزف إلى الجنة بين خليل الله تعالى وحبيبه ، ومن أدرك ذلك بوحي الله تعالى ، فقد عدم نظيره ووجب تفرده.

ومنها قوله تعالى : (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير

__________________

١ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٣٥٧ وفيه : غضبانا مقحمين ، الصواعق المحرقة ، فصل الايات الاية الحادية عشرة وفيه : قال : ومن عدوي؟ قال : من تبرأ منك ولعنك

٢ ـ نظيره في شواهد التنزيل ٢ / ١٩٧.

٣ ـ سورة النمل : ٢٧ / ١٦.

٢٢٥

البرية) وقد جعلت خاصة له وفي شيعته بقول من «لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى» (١) فوجب تفرده ووجب له ولاء الامة من حيث ان وليه يكون من خير البرية ، فقد علا قدره ، وتميز عن سائر الخليقة.

وفي هذا من الحث والتنبيه على وجوب اتباعه ما لا مزيد عليه «ان في ذلك لايات للمتوسمين» (٢).

يا من به للمحب ملتزم

ومن به للولي معتصم

ومن به للنبي منتصر

ومن به للاله منتقم

__________________

١ ـ اقتباس من آيات ٣ و ٤ من سوره النجم.

٢ ـ سورة الحجر : ١٥ / ٧٥.

٢٢٦

الفصل الثاني والشعرون

في قوله سبحانه وتعالى : (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (١).

وفي قوله تعالى : (هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) (٢).

وفي قوله تعالى : (وتواصوا بالصبر) (٣).

وفي قوله تعالى : (طوبى لهم وحسن مآب) (٤).

وفي قوله : (ءاشفقتم أن تقدموا بين يدي نجويكم صدقات) (٥).

١٧٥ ـ من تفسير الثعلبي في قوله تعالى : (فسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) بالاسناد المقدم قال الثعلبي بإسناده ، قال جابر الجعفي : لما نزلت هذه الاية ، قال علي عليه‌السلام : نحن أهل الذكر (٦).

١٧٦ ـ ومن تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى : (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) بالاسناد المقدم قال :

__________________

١ ـ سورة النحل : ١٦ / ٤٣.

٢ ـ سورة الفرقان : ٢٥ / ٥٤.

٣ ـ سورة العصر : ١٠٣ / ٣.

٤ ـ سورة الرعد : ١٣ / ٢٩.

٥ ـ سورة المجادلة ٥٨ / ١٤.

٦ ـ شواهد التنزيل ١ / ٣٣٦ ، تفسير الطبري ١٤ / ١٠٨.

٢٢٧

أخبرني أبو عبد الله القائني ، أخبرنا أبو الحسن النصيبي القاضي ، أخبرنا أبو بكر السبيعي الحلبي ، حدثنا علي بن العباس المقانعي ، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثنا حسين الاشقر ، حدثنا أبو قتيبة التميمي قال : سمعت ابن سيرين في قوله تعالى : (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) قال : نزلت في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، زوج فاطمة عليا ، (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) (١).

١٧٧ ـ ومن طريق الحافظ أبي نعيم : في قوله تعالى : (وتواصوا بالصبر) (٢) بالاسناد المقدم قال الحافظ أبو نعيم : حدثنا أحمد بن محمد بن الصبيح ، قال : حدثنا حجاج بن يوسف ، قال : حدثنا بشر بن الحسين ، عن الزبير بن عدي ، عن الضحاك في قوله تعالى : (والعصر إن الانسان لفي خسر) (٣) يعني ابا جهل ـ لعنه الله ـ (الا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) قال : علي عليه‌السلام (٤).

١٧٨ ـ ومن تفسير الثعلبي : في قوله تعالى : (الذين ءامنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) (٥) من سورة «الرعد» بالاسناد المقدم قال : روي معاوية بن قرة عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «طوبى» شجرة غرسها الله

__________________

١ ـ شواهد التنزيل ١ / ٤١٤.

٢ ـ سورة العصر : ١٠٣ / ٣.

٣ ـ سورة العصر : ١٠٣ / ١.

٤ ـ شواهد التنزيل : ٢ / ٣٧٣.

٥ ـ سورة الرعد : ٣ / ٢٩.

٢٢٨

تعالى بيده ونفخ فيها من روحه ، وتنبت الحلي والحلل ، وإن أغصانها لترى من وراء ستور الجنة.

قال غندر بن عمير : هي شجرة في جنة عدن ، أصلها في دار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

١٧٩ ـ وبالاسناد المقدم قال : أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن عثمان بن الحسن ، حدثنا محمد بن الحسين بن صالح ، حدثنا علي بن محمد الدهان والحسين بن إبراهيم الجصاص قالا : حدثنا الحسين بن الحكم ، حدثنا حسن بن حسين ، حدثنا حبان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنه [في قوله تعالى] : (طوبى لهم) قال رضي الله عنه : [هي] شجرة اصلها في دار علي عليه‌السلام في الجنة ، وفي دار كل مؤمن منها غصن يقال له طوبى (وحسن مآب) : حسن المرجع.

قال : وقيل : يا رسول الله سألناك عنها فقلت شجرة في الجنة اصلها في داري وفرعها على أهل الجنة.

ثم سألناك عنها؟ فقلت : شجرة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة؟ فقال : إن داري ودار علي غدا واحدة في مكان واحد (٢).

١٨٠ ـ ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى : (ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجويكم صدقة) (٣) بالاسناد المقدم قال : حدثنا سليمان بن احمد ، قال : حدثنا بكر بن سهل ، قال : حدثنا عبد الغني بن سعيد ، قال : حدثنا موسى بن عبد الرحمان ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس.

__________________

١ ـ غاية المرام / ٣٩١ و ٣٩٢ نقلا عن تفسير الثعلبي.

٢ ـ شواهد التنزيل ١ / ٣٠٥.

٣ ـ سورة المجادلة : ٥٨ / ١٤.

٢٢٩

وعن مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ [في] قوله عز وجل : (يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم صدقة) قال : فلم يكن أحد يقدر أن يناجي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يتصدق قبل ذلك ، فكان أول من تصدق علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، صرف دينارا بعشرة دراهم وتصدق بها وناجى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعشر كلمات ثم نسخ ذلك (١).

قال يحيى بن الحسن : اعلم ان هذا الفصل قد جمع من الوحي العزيز أشياء كلها توجب لمولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله السيادة وفقد النظير ووجوب ولاء الامة.

منها قوله تعالى : (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (٢) وهذا لفظ عام لسائر من شملته الاسلام.

ويزيد قوله صلى الله عليه وآله : نحن أهل الذكر ، إيضاحا قول الله سبحانه وتعالى : (وانه لذكر لك ولقومك) (٣) ولم يقل تعالى غير قومه.

والذكر : هو القرآن العزيز بدليل قوله تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) (٤).

وبدليل قوله تعالى : (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم يلعبون) (٥).

__________________

١ ـ ينظر شواهد التنزيل ٢ / ٢٣٠.

٢ ـ سورة النحل : ١٦ / ٤٣.

٣ ـ سورة الزخرف : ٤٣ / ٤٤.

٤ ـ سورة الحجر : ١٥ / ٩.

٥ ـ سورة الانبياء : ٢١ / ٢.

٢٣٠

ومن وجه آخر [مما يدل على] انهم عليهم‌السلام هم أهل الذكر قوله سبحانه وتعالى : (فاتقوا الله يا اولي الالباب الذين ءامنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلوا عليكم ءايات الله مبينات ليخرج الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) (١).

وإذا كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذكر في هذه الاية فهى أهله بلا خلاف.

ومما يوضح ما قلناه من أنهم عليهم‌السلام أهل الذكر وأنهم الاهل المراد به في لفظ العزيز دون غيرهم قوله سبحانه وتعالى : (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (٢) وأن اهل البيت في هذا الوحي العزيز هم دون من عداهم ما تقدم من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [في جواب من سأله :] من أهل بيتك الذين ذكرهم الله تعالى في هذه الاية قال : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

ومن يأمر الله تعالى الامة كافة بسؤاله عما لا يعلمون ، فقد أمر الله تعالى الكافة بالاقتداء به في السؤال عما جهلوه.

ومن وجب امتثال قوله بالوحي العزيز في الحلال والحرام والشرائع والاحكام وجب الاقتداء به في الامامة لموضع قوله تعالى : (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر اولو الالباب) (٣).

ولقوله تعالى : (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي الا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (٤) فوجب ـ على ما ترى ـ له ولاء الامة بالوحي

__________________

١ ـ سورة الطلاق : ٦٥ / ١٠ ـ ١١.

٢ ـ سورة الاحزاب : ٣٣ / ٣٣.

٣ ـ سورة الزمر : ٣٩ / ٩.

٤ ـ سورة يونس : ١٠ / ٣٥.

٢٣١

العزيز.

ومنها قوله سبحانه وتعالى : (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) (١) فقد ميزه الوحي على ساير الخلق وإن كان قد حصل لغيره من النسب بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن المصاهرة مثل ما حصل له ، فتنويه الوحي العزيز بذكره لموضع ميزته على ساير الناس ، وذلك علامة الحث على وجوب اتباعه.

وإذا كان صلى الله عليه وآله ممن وصفه الله تعالى ممن تواصا بالايمان والصبر فقد ظهرت ميزته ووجب تفرده.

وإذا انفرد بكون «طوبى» في منزله صلى الله عليه وآله وبكونه صدق بصدقة لم يعمل بها أحد قبله ولا معه ، وورد النسخ عند فراغه منها ، ففي ذلك أدل دليل على ان الوحي العزيز إنما جعلها منقبة له دون غيره.

فضل التراب الماء حتى إذا غدا

سببا لحياة عيسى وآدم من تراب (٢)

أنت من ماء فرات عذب

اردت بذكره التفضيل لاماء الفرات

__________________

١ ـ سورة الفرقان : ٢٥ / ٥٤.

٢ ـ هكذا قد ورد الشعر وهو مضطرب جدا.

٢٣٢

الفصل الثالث والعشرون

في قوله سبحانه وتعالى : (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (١). وفي قوله : (واركعوا مع الراكعين) (٢).

١٨١ ـ من طريق أبي نعيم : في قوله تعالى : (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) بالاسناد المقدم قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مخلد ، قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ [في قوله تعالى] : (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) قال : هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

١٨٢ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنا سليمان بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عثمان ، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون ، قال حدثنا محمد بن الزبرقان ، عن السدي ، عن محمد السائب ، عن الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن

__________________

١ ـ سورة التوبة : ٩ / ١١٩.

٢ ـ سورة البقرة : ٢ / ٤٣.

٣ ـ ينظر شواهد التنزيل ١ / ٢٥٩ ، مناقب الخوارزمي / ٢٨٠ ، تفسير الدر المنثور ٣ / ٢٩٠.

٢٣٣

عباس مثله (١).

١٨٣ ـ وبالاسناد المقدم قال [أبو نعيم] : حدثنا محمد بن عمر بن سالم قال : حدثنا محمد بن الحارث ، قال : حدثنا أحمد بن الحجاج قال : حدثنا عمي محمد بن الصلت قال حدثنا أبي ، عن جعفر بن محمد في قوله الله عز وجل : (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) قال : محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما (٢).

١٨٤ ـ ومن طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى : (واركعوا مع الراكعين) بالاسناد المقدم قال : حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن مخلد قال حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا منجاب بن الحارث قال : حدثنا [حدثنا حسين بن أبي هاشم] عن حبان بن علي عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه [في قوله تعالى] : (واركعوا مع الراكعين) انها نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى عليه‌السلام خاصة ، وهما أول من صلى وركع (٣).

قال يحيى بن الحسن : اعلم ان هذا الفصل قد جمع من وجوب الحث على اتباعه والاقتداء به بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لا مزيد عليه في الامر بوجوب الاقتداء وهو امره تعالى بالكون معه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك بعد قوله تعالى : (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) فقد أثبت تعالى لمن دخل في هذا الامر الايمان وأمره بالتقوى.

ثم أبان تعالى أن الايمان والتقوى لا ينفعان إلا بعد الكون معه ، فدل ذلك على أن ولاءه هو المزكي للاعمال وإن كانت صالحة وأنها مع صلاحها لا تقبل إلا

__________________

١ ـ ينظر شواهد التنزيل ١ / ٢٥٩ وما بعده ، مناقب الخوارزمي / ٢٨٠ ، تفسير الدر المنثور ٣ / ٢٩٠.

٢ ـ شواهد التنزيل ١ / ٢٥٩.

٣ ـ شواهد التنزيل ١ / ٨٥ ، مناقب الخوارزمي / ٢٨٠.

٢٣٤

بولاءه والكون معه.

ثم أبان تعالى بأن ولاءه والاقتداء به والكون معه على حد وجوب ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يفرق الله تعالى بينهما في وجوب الامر بالاقتداء.

وذلك مضافا لقوله تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) (١).

وفي ذلك أدل دليل على وجوب اتباعه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث وجب له من فرض الطاعة ما وجب لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ان في هذا لبلاغا لقوم يعقلون».

ومن ذلك ايضا قوله تعالى : (واركعوا مع الراكعين) وانها خاصة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعلي عليه‌السلام ، وانه لم يصل معه احد قبله.

فدل ذلك على وجوب الامر باتباعهما على السواء ، وفي ذلك من وجوب الاقتداء به والاتباع له بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قضية واحدة ، مضافا لما تقدم من القول في الاية التي قبلها.

وفي هذا كفاية لمن أراد النجاة من النار.

علوت عن المدايح حيث كانت

اذا كان القديم عليك يثني

وإن عنت الخلايق مدح شخص

فخالقك الذي يعني ويكني

__________________

١ ـ سورة المائدة : ٥ / ٥٥.

٢٣٥
٢٣٦

الفصل الرابع والعشرون

في قوله سبحانه وتعالى : (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) (١).

وفي قوله : (فاستغلظ فاستوى على سوقه) (٢).

وفي قوله تعالى : (واجعل لي وزيرا من أهلي) (٣).

وفي قوله : (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد) (٤).

وفي قوله تعالى : (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) (٥).

١٨٥ ـ من طريق الحافظ أبي نعيم في قوله تعالى : (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) بالاسناد المقدم قال : حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، قال : حدثنا عبد الرحمان بن عمر ، قال : حدثنا عمي وأبو مالك الجنبي ، عن الاجلح الكندي ، عن قيس الاشعري ، عن ربعي

__________________

١ ـ سورة الحجرات : ٤٩ / ٣.

٢ ـ سورة الفتح : ٤٨ / ٢٩.

٣ ـ سورة طه : ٢٠ / ٢٩.

٤ ـ سورة الرعد : ١٣ / ٤.

٥ ـ سورة الحجر : ١٥ / ٤٧.

٢٣٧

بن حراش ، قال : خطبنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالمدائن ، قال : فجاء سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : اردد علينا أبناءنا وأرقاءنا ، فإنما خرجوا تعوذا بالاسلام.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه للايمان. الحديث بتمامه (١).

١٨٦ ـ ومن مسند احمد بن حنبل بالاسناد المتقدم قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا يحيى ابن آدم ، قال : حدثنا يونس ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن يثيع [عن أبي ذر] قال : قال رسول الله : لينتهين بنوا وليعة (٢) أو لا بعثن إليهم رجلا ، يمضي فيهم أمري ، يقتل المقاتلة ويسبي الذرية.

قال : فقال أبو ذر : فما راعني الا برد كف عمر في حجزتي من خلفي.

قال : من تراه يعني؟ قلت : ما يعنيك ولكنه يعني خاصف النعل يعني عليا عليه‌السلام (٤).

١٨٧ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدثنا أحمد بن منصور ، قال : حدثنا الاحوص بن جواب ، قال : حدثنا عمار بن زريق ، عن الاعمش ، عن

__________________

١ ـ كفاية الطالب / ٩٦ ، صحيح الترمذي ٥ / ٢٩٧ ، خصائص النسائي / ٥٥ و ٨٩ مستدرك الحاكم ٤ / ٢٩٨.

٢ ـ بنو وليعة هم ملوك حضرموت حمده ومخوس ومشرح وابضعة ـ ينظر طبقات ابن سعد (١ / ٣٤٩).

٣ ـ الحجزة : موضع شده الازار.

٤ ـ فضائل الصحابة ٢ / ٥٧١ ح / ٩٦٦.

٢٣٨

إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال :

كنا جلوسا في المسجد فخرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي في بيت فاطمة عليهم‌السلام فانقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها عليا يصلحها ، ثم جاء فقام علينا فقال : ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

قال أبو بكر : انا هو يا رسول الله؟ قال : لا ، قال عمر : أنا هو يا رسول الله فقال قال : لا ولكنه خاصف النعل (١).

١٨٨ ـ وبالاسناد المقدم قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا يحيى الحماني ، قال : حدثنا شريك ، قال : حدثنا منصور ـ ولو أن غير منصور حدثني ما قبلته منه ولقد سألته أن يحدثني فأبى أن يحدثني فلما جربت بيني وبينه المعرفة كان هو الذي دعاني إليه وما سألته ولكن هو الذي ابتدأني به ـ.

فقال : حدثني ربعي بن حراش قال : حدثنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالرحبة قال : اجتمعت قريش إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيهم سهيل بن عمرو فقالوا : يا محمد إن قومنا لحقو بك ، فارددهم علينا فغضب حتى رئي الغضب في وجهه ، ثم قال لتنتهن يا معشر قريش ، اوليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للايمان ، يضرب رقابكم على الدين.

قيل : يا رسول الله [هو] أبو بكر؟ قال : لا ، قيل : فعمر؟ قال لا ، ولكنه خاصف النعل في الحجرة (٢).

__________________

١ ـ فضائل الصحابة ٢ / ٦٣٧ ح / ١٠٨٣.

٢ ـ فضائل الصحابة ٢ / ٦٤٩ ح / ١١٠٥.

٢٣٩

١٨٩ ـ ومن طريق الحافظ أبي نعيم : في قوله تعالى : (فاستغلظ فاستوى على سوقه) بالاسناد المقدم قال : حدث احمد بن منصور ، حدثنا سلمة بن سليمان عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن في قوله تعالى ب‍ (فاستوى على سوقه) قال : استوى الاسلام بسيف علي بن أبي طالب (١).

١٩٠ ـ ومن طريق الحافظ : أبي نعيم في قوله تعالى : (واجعل لي وزيرا من أهلي) (٢).

بالاسناد المقدم قال : حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا الهيثم بن خلف ، قال : حدثنا أحمد بن موسى ، قال : حدثنا الحسن بن ثابت بن عمرو المدني ، قال : حدثني أبي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي بن أبي طالب عليه‌السلام ـ ونحن بمكة ـ وبيدي وصلى أربع ركعات ثم رفع يده إلى السماء فقال : اللهم إن موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري ، وتحلل عقدة من لساني ، يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي علي بن أبي طالب أخي اشدد به أزري واشركه في أمري.

قال ابن عباس : سمعت مناديا ينادي : يا أحمد ققدق أوتيت ما سألت (٣).

١٩١ ـ ومن تفسير الثعلبي مما رواه عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ وقد ذكرنا الخبر بتمامه في أول هذا الكتاب في باب : (إنما وليكم الله ورسوله) (٤).

ونذكرها هنا لفظ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «واجعل لي وزيرا من أهلي» إذ هو موضع

__________________

١ ـ شواهد التنزيل ٢ / ١٨٤.

٢ ـ سورة طه : ٢٠ / ٢٩.

٣ ـ يراجع تفسير الدر المنثور ٤ / ٢٩٥.

٤ ـ سورة المائدة : ٥ / ٥٥.

٢٤٠