غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

الكشي : إنه ممن اجتمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنه (١).

مع أنّ الشيخ روى في الصحيح عن هشام بن سالم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان؟ فقال : «إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه ، يصوم يوماً بدل يوم ، وإن فعل بعد صلاة العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك» (٢).

وحملها الشيخ على قبل الزوال بناءً على أنّه إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين ، إلا أنّ الظهر قبل العصر (٣) ، ولا بأس به ، مع أنّ خروج بعض الحديث عن الحجية لا يوجب سقوطه رأساً ، وإذا ثبت الحكم ما بعد العصر فلا قائل بالفصل.

حجّة القول بأنّها كفارة شهر رمضان : موثقة زرارة المتقدّمة (٤).

ولا وجه للقدح فيها من حيث السند لمكان عليّ بن فضال ، فإنه موثّق ، والموثّق حجّة.

ولا بأنّه ليس فيها تقييد بما بعد الزوال ؛ لأنّ الأخبار الدالة على جواز الإفطار قبل الزوال بحيث يفهم منها أنّه ليس عليه شي‌ء بسبب الإفطار قبل الزوال يصير بمنزلة المقيّد ، فلا يرد ما استبعده في المسالك من حمل المطلق على المقيّد من جهة مخالفة الحكم ، فإنّ الحكم في المقيّد مثل رواية بريد مخالف لحكم هذا المطلق ؛ لتفاوت الكفارة فيهما. مع أنّ نفس الكفارة شي‌ء واحد ، والاختلاف في كيفيّتها.

بل ينبغي أن يقال : إنها لا تقاوم رواية المشهور من حيث الاعتقاد بعمل المشهور ، وأصالة البراءة عن زيادة التكليف وضعف الدليل الوارد فيها ، سيّما مع ملاحظة ما ورد من استبعادهم في الأخبار مساواة قضاء شهر رمضان لرمضان ، فقالوا : «وأنّى له بمثله» يعني مثل اليوم المقضي ، وخصوصاً مع ملاحظة الفرق بجواز الإفطار هنا قبل

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ١ : ٨٣١ ح ١٠٥٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ح ٨٤٥ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ ح ٣٩٢ ، الوسائل ٧ : ٢٥٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٢.

(٣) الاستبصار ٢ : ١٢١ ذ. ح ٣٩٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ح ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ح ٣٩٣ ، الوسائل ٧ : ٢٥٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

٤٦١

الزوال دونه.

وأما مرسلة حفص بن سوقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل ، فقال : «عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في رمضان» (١) ففيها مضافاً إلى ما أُورد على السابق من الإطلاق أنّها ضعيفة ولا جابر لها.

وقد تحمل على أنّ المراد من قضاء شهر رمضان أداؤه ، وهو بعيد ، كتأويل موثقة زرارة بأنّه كان يقضي في شهر رمضان وهو لا يعلم أنّه شهر رمضان ، مؤيداً بالتعليل بأنّ ذلك اليوم عند الله من أيام شهر رمضان.

وأمّا حجّة القول بكفّارة اليمين : فلعلّه البناء على أنّ في الرواية مسامحة في ذكر إحدى الخصال ، وإرادة التخيير بينها وبين غيرها ، كما اتفق نظيره في سائر الكفارات ، كما نقلنا نظيره من المختلف وغيره في عبارات الفقهاء ، ولكن الاعتماد على ذلك مشكل.

وأمّا حجّة التخيير ؛ فلم أقف على ما يدلّ عليه إلا الإجماع الذي نقله ابن زهرة ، ولا وجه للاعتماد عليه مع هذا الخلاف الواضح والأخبار الدالة على خلافه.

ويظهر من ذلك الكلام في مذهب ابن حمزة وأنّه لا دليل عليه.

وأمّا حجّة ابن أبي عقيل ، فهو الأصل ، وموثّقة عمّار المتقدّمة. والأصل لا يعارض الدليل ، وقد عرفت الكلام في الموثّقة.

وقد عرفت وجه حمل أخبار الكفارة على الاستحباب كما اختاره في المسالك في الكفارات ، وأيّده برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار ، قال : «لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال» (٢).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٣ ح ٧ ، الوسائل ٧ : ٢٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٢ ، وص ٩٣ ب ٥٦ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٢ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ح ٤٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ ح ٨٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ ح ٣٩٠ ، الوسائل ٧ : ٨ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٢.

٤٦٢

والجواب : منع ضعف المستند ، ولا يضرّ اختلاف الأخبار مع حصول المرجّح.

واعلم أنّ المراد بثلاثة أيّام : المتتابعات كما قطع به الجماعة ، وقيل : لعله إجماع ، ومقتضى حسنة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «كلّ صوم يفرق إلا ثلاثة أيّام في كفارة اليمين» (١) عدم اللزوم ، ولا يحضرني مصرّح به.

وكذلك رواية سليمان بن جعفر الجعفري ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : «إنّما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار ، وكفارة الدم ، وكفارة اليمين» (٢).

تنبيهات :

الأوّل : الظاهر كفاية مدّ في الإطعام ، أو إشباع مسكين وسيجي‌ء تحقيق المقام وذكر الخلاف في الكفارات إن شاء الله تعالى.

الثاني : قال في المسالك والروضة : يجب إمساك تتمّة اليوم مع الإفطار بعد الزوال (٣) وهو مقتضى كلام الشهيد في الدروس (٤).

وربّما يستدلّ له بقوله عليه‌السلام في صحيحة هشام المتقدّمة : «صام ذلك اليوم».

ويشكل بأنّ الظاهر منه الصوم الشرعي بدل ذلك اليوم ، لا مجرد الإمساك ، مع أنّه مستلزم لعدم التعرّض للقضاء.

وبما في موثّقة زرارة «أنّ ذلك اليوم عند الله من أيّام رمضان» بتقريب أنّه يجب الإمساك في رمضان.

ويخدشه مع كونه نادراً كما مرّ منع لزوم المساواة في جميع الأحكام.

وربما يتمسّك باستصحاب وجوب الإمساك.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٠ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٢٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٠ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٩٥ ح ٤٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ ح ٨٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ ح ٣٨٢ ، الوسائل ٧ : ٢٥٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٨.

(٣) المسالك ٢ : ٦٧ ، الروضة البهيّة ٢ : ١١٩.

(٤) الدروس ١ : ٢٩٠.

٤٦٣

وفيه : أنّ الإمساك المأمور به إنما هو في ضمن الصوم الشرعيّ ، ولا معنى لاستصحابه.

فالأقوى عدم الوجوب ، كما نقل ابن فهد في محرره ؛ للأصل وعدم الدليل كما عرفت.

الثالث : الأخبار الواردة في لزوم الكفارة وإن كانت مختصّة بالوقاع لا سائر المفطرات ، ولكن الظاهر عدم القول بالفرق كما صرّح به بعض الأصحاب.

الرابع : قال في المسالك والروضة تتكرّر الكفارة بتكرّر السبب كشهر رمضان ، يعني إما مطلقاً ، أو مع تخلّل التكفير ، أو اختلاف الجنس ، أو في الجماع خاصة على التفصيل الذي تقدم (١).

ولعلّه استند إلى موثقة زرارة المتقدّمة ، وقد عرفت الجواب عنها ، والأصل عدم التكرر ، سيّما في غير الجماع الذي هو مورد روايات الباب ، وظهور الروايات في المرة الأُولى.

فالأقوى العدم ، سيّما مع ما يستفاد من الأخبار من تفاوت رمضان مع غيره ، وأنّ احترام اليوم فيه منظور مع قطع النظر عن الصوم ، كما يظهر من حكم المسافر والحائض وغيرهما ، بخلاف غيره.

التاسع : من نسي غسل الجنابة في شهر رمضان ومضى عليه أيّام ، أو كلّ الشهر ، فيجب عليه قضاء الصلاة إجماعاً ؛ للإجماع على اشتراطها بالطهارة عن الجنابة.

وأمّا الصوم ؛ فالأشهر كما في اللمعة والمسالك وجوب قضاؤه أيضاً (٢) ، ونسبه في غاية المراد إلى الأكثر (٣) ، ومنهم المحقق في المعتبر بظاهره (٤).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٦٧ ، الروضة البهيّة ٢ : ١١٩.

(٢) الروضة البهيّة ٢ : ١١٦ ، المسالك ٢ : ٦٨.

(٣) غاية المراد ١ : ٣١٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٠٥.

٤٦٤

وذهب ابن إدريس إلى عدم وجوبه (١) وتبعه المحقّق في المختصرين (٢).

والأظهر الوجوب ؛ لصحيحة الحلبي قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان ، قال : «عليه أن يقضي الصلاة والصيام» رواها في الزيادات (٣).

وروى الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن مسكان ، عن إبراهيم بن ميمون بأدنى تفاوت (٤).

وما رواه الكليني والصدوق في الفقيه ، عن عليّ بن رئاب ، عن إبراهيم بن ميمون وهو وإن كان مجهولاً إلا أنه قد يروي عنه ابن مسكان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثمّ ينسى أن يغتسل حتى يمضي لذلك جمعة ، أو يخرج شهر رمضان ، قال : «عليه قضاء الصلاة والصوم» ثمّ قال : وقد روي في خبر آخر أنّ من جامع في أوّل شهر رمضان ثمّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان أنّ عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه ، إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة ، فإنه يقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم ، ولا يقضي ما بعد ذلك (٥).

ويؤيّده ما ذكره المحقّق في المعتبر من أنّ فتوى الأصحاب على أنّ المجنب إذا نام مع القدرة على الغسل ، ثمّ انتبه ، ثمّ نام ، وجب عليه القضاء ، سواء ذكر الاحتلام بعد ذكره الأوّل أو نسيه.

وإذا كان التفريط السابق مؤثراً في إيجاب القضاء ، فقد حصل ههنا تكرار النوم مع ذكر الجنابة أوّل مرّة ، فيكون القضاء لازماً كما كان هناك لازماً ، خصوصاً وقد وردت الرواية الصحيحة الصريحة المشهورة بذلك.

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٠٧.

(٢) المختصر النافع : ٧٠ ، والشرائع ١ : ١٨٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢٢ ح ٩٩٠ ، الوسائل ٧ : ١٧١ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣٠ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٣٢ ح ١٠٤٣ ، الوسائل ٧ : ٤٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٧ ذ. ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٦ ح ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٤ ح ٣٢٠ ، الوسائل ٧ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٧ ح ١.

٤٦٥

فإن قيل : إنّما وجب عليه القضاء في تكرار النوم مع نيّة الغسل ، فيكون ذاكراً للغسل ومفرّطاً فيه في كلّ نومة.

قلنا : الذي ذكر نية الغسل بعض المصنّفين ، ولا عبرة بقوله مع وجود النصوص مطلقة ، روى ذلك جماعة ، منهم ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتى يصبح ، قال : «يتمّ صومه ، ويقضي يوماً آخر» (١) ومثله روى محمّد بن مسلم (٢) وسماعة بن مهران (٣) وغيرهما.

ولو قيل : إنّما يلزم ذلك إذا تكرّر النوم في الليلة الواحدة.

قلنا : كما عمل بتلك الأخبار في الليلة الواحدة وإن كان لم يتعمّد البقاء على الجنابة ، جاز أن يعمل بهذا الخبر في تكرار النوم في الليالي المتعدّدة ، ولا استبعاد في هذا ، إلا أن يستبعد في ذلك.

ولا يقال : فتلزم الكفارة.

لأنّا نقول : قد بيّنا أنّ إيجاب الكفارة مع تكرّر النوم لم يثبت ، واقتصرنا على القضاء لا غير في الموضعين (٤) ، انتهى كلامه رحمه‌الله.

وإنّما جعلناه مؤيّداً لما يرد عليه المنع ؛ لوجود الفارق بين المقامين كما ستعرف ، فلا اعتماد على العلّة التي فهمها ، والعبرة إنّما هي بالنصّ. مع أنه عدل في الاعتراض الأخير وجوابه عن سوق الاستدلال الأوّل إلى الاعتماد على النصّ ، فيا ليته فعل كذلك في الأوّل أيضاً.

ومع ذلك كلّه يرد عليه أنّه إنّما يتمّ في غير اليوم الأوّل ؛ إذ لم يحصل التكرار فيه بعد ، واستثناؤه قول حادث لم يعلم القول به من أحد ، كما أشار إليه في

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١١ ح ٦١٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ح ٢٦٩ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٥ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١١ ح ٦١٣ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ح ٢٧٠ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١١ ح ٦١١ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ح ٢٦٧ ، الوسائل ٧ : ٤٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٠٥.

٤٦٦

غاية المراد (١) ، ولعلّه لذلك تبع المحقّق ابن إدريس (٢).

وربّما يمكن دفعه بمنع تحقّق الإجماع المركّب ؛ لأن غرضهم هنا مجرّد بيان أنّ السهو في الغسل يوجب القضاء في الجملة ، وليس مدخلية الجنابة في إفساد الصوم منحصرةً في صورة العمد ، لا أنّه مؤثّر في جميع الأفراد حتّى في اليوم الأوّل ، ولذلك رجع عنه في المعتبر إلى قول المشهور (٣) ، مع أنّا نقول الاعتماد على النصّ يرفع عنّا مئونة هذه الإيرادات.

حجّة ابن إدريس : الأصل ، وعموم رفع الخطأ والنسيان الوارد في الرواية المتلقاة بالقبول كما في غاية المراد ، والقضاء مؤاخذة ، وما رفع إنّما هو المؤاخذة لا حقيقتها كما هو واضح ، مع أنّها أقرب مجازات نفي الحقيقة هنا ، ومنع اشتراط الصوم بالطهارة الكبرى إلا مع العلم.

ومن ثمّ لو نام جنباً في المرّة الأُولى فأصبح نائماً ، صحّ صومه وإن تركها تمام النهار عمداً ، فهنا أولى.

وفيه : أنّ الأصل لا يقاوم الدليل ، والحديث مع سلامته ظاهر في نفي الإثم والعقوبة ، فلا ينافي وجوب القضاء كالصلاة ، وقد أقمنا الدليل على الاشتراط ، فلا مجال للمنع ؛ لما حقّقناه في الأُصول من حجيّة أخبار الآحاد ، سيّما مثل هذه الأخبار المعتبرة المشهورة.

وأمّا قياسه بمسألة النوم فستعرف حاله.

ثمّ إنّ بعض الأصحاب كالشهيد في اللمعة عنون المسألة بقوله : من نسي غسل الجنابة قضى الصلاة والصوم في الأشهر (٤) ، وكذا أطلق في الدروس (٥) ، والعلامة

__________________

(١) غاية المراد ١ : ٣١٢.

(٢) السرائر ١ : ٤٠٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٠٥.

(٤) الروضة البهيّة ٢ : ١١٦.

(٥) الدروس ١ : ٢٧١.

٤٦٧

في القواعد (١) ، وهذا الإطلاق يشمل اليوم الواحد والأكثر منه ، إلى انقضاء الشهر.

ويشكل أوّلاً : بأن صحيحة الحلبي وما في معناها ظاهرة في غير صورة الانفراد.

وثانياً : بأنه لا يظهر فرق حينئذٍ بين ما نحن فيه وبين ما لو نام جنباً أوّل مرّة فأصبح ولم يغتسل ، وإنهم حكموا فيه بصحة الصوم وإن ترك الغسل طول النهار عمداً ، وحكموا ههنا بوجوب القضاء ، فما وجه اختلاف حكمها حتى أنّ حكمهم في النائم يشمل ما لو نام النومة الأُولى وأصبح ناسياً للجنابة حتى الليل.

ومقتضى حكمهم هنا وجوب القضاء لدخوله في الناسي ، ومقتضى ما ذكروه في النائم عدم الوجوب ؛ لدخوله تحت مسألة النائم.

فاندفاع الإشكال أما ببيان الفارق بين النوم والنسيان ، إن جعلنا الإشكال في عدم الفرق بينهما من جهة عدم التكليف حالهما ، وإما ببيان اندراج ما اجتمع فيه النوم والنسيان في أيّهما.

فأمّا الأوّل ؛ فيمكن الفرق كما يستفاد من غاية المراد (٢) بأنّ النسيان مظنة التذكر ، بخلاف النوم ، فلما أُبيح له النوم إرفاقاً به ، أُبيح له ما يترتّب عليه ، فلا تفريط فيه ؛ بخلاف الناسي ، فإنه من جهة تفطّنه في مظنّة التذكّر ، وعدم تذكّره مع طول الزمان لا يكون إلا لتفريطه ، ولذلك يقال بوجوب القضاء في النائم ثانياً ، فإنه قد يتخلّل التذكّر بينهما ، فنومه ثانياً أيضاً تفريط.

وتوضيح ذلك : أنّ مقدّمات النسيان قد تكون اختياريّة ، ولذلك مدح الله المؤمنين بقولهم (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا) (٣).

ويوضحه : ما ورد من لزوم إعادة الصلاة على من نسي إزالة النجاسة ؛ معلّلا بأن ذلك لأجل أن يهتمّ بأمره حتّى لا ينسى ، ويشير إليه قوله عليه‌السلام : «رفع عن أُمتي

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٣٧٥.

(٢) غاية المراد ١ : ٢١٣.

(٣) البقرة : ٢٨٦.

٤٦٨

الخطأ والنسيان» (١).

وأما الثاني ، فنقول : أما فيما لو نام أوّلاً ثم انتبه ليلاً ونسي الجنابة واستمرّ إلى الليلة الاتية فصاعداً فالأظهر اندراجه في مسألة النسيان ، وعليه القضاء ؛ لأنّ النوم كان مرخصاً فيه ، وترك الغسل مستند إلى النسيان ، وهو السبب في الترك.

ومثله ما لو نسي قبل النوم واستمر ثمّ نام إلى فوات وقت الغسل.

وأولى منه بالاندراج ما لو تذكّر بعد الانتباه ، ثمّ نسي ، سيّما إذا طال زمان التذكر.

ولا بد أن ينزّل إطلاق كلامهم في مسألة النوم بعدم القضاء على غير ذلك.

وإن لم ينتبه ليلاً حتى انقضى وقت الغسل ثمّ استمر نسيانه إلى الليل ، فالظاهر اندراجه في مسألة النوم ؛ لاستناد ترك الغسل إليه.

نعم مع استمرار النسيان إلى ما بعد اليوم من الأيّام يندرج ما بعد اليوم الأوّل في مسألة النسيان.

ثمّ إنّ المتبادر من مسألة النوم والغالب الوقوع هو النوم عقيب العلم بالجنابة ، وأمّا لو تمادت مدّة التذكّر بعد العلم بالجنابة ، ثمّ نام حتى فات وقت الغسل ، فيشكل اندراجه في مسألة النوم ، كما يشكل الحكم بلزوم القضاء ؛ للأصل ، وعدم حصول النسيان بالفرض.

وقد ذكر في الروضة هذا الإشكال ، أعني المنافاة بين إطلاق لزوم القضاء بحيث يشمل اليوم الواحد هنا ، مع حكمهم بعدم القضاء فيما لو نام الجنب حتى فات وقت الغسل.

وذَكَرَ في دفعه وجهين :

الأوّل : إنّ مرادهم هنا حكم الناسي ، وفيما تقدّم حكم النائم عالماً عازماً على الغسل ، لا ناسياً ، فيضعف حكم الجنابة بالعزم على الغسل.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٦٣ ح ٢ ، الخصال ٢ : ٤١٧ ح ٩ ، توحيد الصدوق : ٣٥٣ ح ٢٤ ، الوسائل ٨ : ٢٤٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٠ ح ٢.

٤٦٩

والثاني : بحمل ما هنا على ما عدا اليوم الأوّل (١).

وأنت بعد التأمّل فيما ذكرنا تعرف وجه الأوّل وتنزيله على ما ذكرنا ، بأن مراده هو (٢) بيان الحكمة في الفرق مع قطع النظر عن وحدة النوم وكثرته ، ويصحّ توجيهاً لإطلاقهم الفتوى في المقامين.

وأمّا الثاني ؛ فلا يصح دفعاً لإشكال الإطلاق كما أشار إليه أيضاً ، بل إنّما المراد منه أنّا نقول بالقضاء في النسيان في غير اليوم الأوّل إذا تكثّرت الأيّام ، وبعدم القضاء في النوم ، وهو نفي للإطلاق ، لا بيان لوجهه ودفع الإشكال.

وأُورد عليه : بأنه قول بالتفصيل ، ولا قائل به هنا ، وقد ذكرنا أنّ ذلك لا يضر.

نعم هذا يمكن أن يصير وجهاً لدفع الإشكال في مخالفة مسألة النوم مع مسألة النسيان في اليوم الأوّل من الأيّام المتعدّدة.

ووجه الدفع : أنّا لا نقول بوجوب القضاء إلا فيما بعد اليوم الأوّل حتى يرد علينا أنه لا فرق بين المسألتين ، فلِمَ تفرقون؟

ثمّ قال في الروضة : ويمكن الجمع يعني بين ما دلّ على حكم النوم وما دلّ على حكم النسيان بأنّ روايات الثاني إنما دلّت على حكم الأيّام الكثيرة ، وروايات الأوّل على حكم الليلة الواحدة ، فيفرّق بين اليوم الواحد والأكثر من يوم عملاً بمنطوق روايات الطرفين (٣).

ثمّ استشكله بأنّ قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض إن لم يكن أولى ، فيعود المحذور من منافاة حكم هذا البعض الذي هو اليوم الأوّل لذلك اليوم الواحد في مسألة النوم.

أقول : إن أراد أنّ قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض في ضمن الجميع فهو مسلّم ،

__________________

(١) الروضة البهيّة ٢ : ١١٧.

(٢) في «ح» : وتنزيله على ما ذكرنا بأنّ مراده هنا.

(٣) الروضة البهيّة ٢ : ١١٧.

٤٧٠

ولكن لا يضر هذا بما ذكر في الجمع ؛ إذ لعلّ في الاجتماع تأثيراً ، فيمكن مخالفة حكم الشي‌ء مجتمعاً مع آخر لحكمه منفرداً.

وإن أراد أنّ قضاء الجميع مستلزم لوجوب قضاء كلّ واحد ولو فرض منفرداً ، فهو أوّل الكلام ، بل لو فرضنا أنّ الشارع لو قال : «إذا نام في ليلة واحدة حتّى الصباح لا يجب عليه الغسل ، ولو نام كذلك ليالي متعدّدة يجب عليه الغسل» لا يستلزم ذلك محذوراً.

ثمّ إنه رحمه‌الله قال في المسالك والروضة : وفي حكم الجنابة الحيض والنفاس لو نسيت غسلهما بعد الانقطاع ، وفي حكم صوم رمضان حكم المنذور المعيّن (١).

أقول : وربّما يستدلّ عليه بأنهما حدثان منافيان للصوم ، ولا يرتفعان إلا بالغسل ، وبرواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : «إن طهرت بليل عن حيضها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت كان عليها قضاء ذلك اليوم» (٢).

ويرد على الأوّل : منع المنافاة إلا مع سيلانها ، ومنع اشتراط صحّته بالغسل ، بل يكفي الانقطاع.

وعلى الثاني : بأنّها ظاهرة في العمد.

وأمّا القدح ، في السند فلا وجه له ؛ لكونها موثّقة.

ويظهر منه الكلام في النفاس ؛ إذ لا دليل عليه ظاهراً إلا ما دلّ على اتّحاد حكمها مع الحائض ، وقد عرفت حكم الحائض.

وأمّا إلحاق النذر المعيّن فلا دليل عليه أيضاً ؛ لما سبق في محلّه من الإشكال في اشتراط غير رمضان وقضائه بعدم البقاء على الجنابة عمداً ، فضلاً عن قضائه ، وما ورد في الحيض أيضاً مختص برمضان والنذر المعيّن.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٦٨ ، الروضة البهيّة ٢ : ١١٧.

(٢) التهذيب ١ : ٣٩٣ ح ١٢١٣ ، الوسائل ٧ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢١ ح ١.

٤٧١

وإن ثبت وجوب قضائه بالإجماعات المنقولة والرواية الصحيحة كما سبق منّا الكلام فيه ، ولكنه ؛ إنّما هو فيما ثبت بطلانه به ، ومورد الرواية الوقاع في اليوم ، ولم يثبت كون تعمّد البقاء على الجنابة إلى الصباح مبطلاً له ، فضلاً عن صورة النسيان ، وفضلاً عن غير الجنابة.

٤٧٢