غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

في أوّل الرواية عام ، وضمير «وكان له مال» الراجع إلى الرجل يفيد أنّ المراد بالرجل الحرّ ؛ لأنّ العبد لا مال له ، وضمير «صام عنه وليّه» بعد ذلك أيضاً راجع إلى الرجل المذكور المخصص بالضمير السابق ، فمراده من تمام الخبر جملة الخبر لا آخره ، وتفريعه صحيح.

وحاصل مراده : أنّ عمومات الأخبار ، وإن كانت شاملة للعبد ولكن هذه الرواية مخصّصة لها بناءً على اختياره في الأُصول أنّ الضمير مخصص للعام ، فجعل هذه الرواية مخصصة بالحر من جهة تلك القاعدة ، ثمّ خصص بها العمومات والإطلاقات ، واختار عدم الوجوب.

والذي يترجّح في نفسي هو وجوب القضاء ؛ لإطلاقات الأخبار ، مثل رواية عبد الله بن سنان ، ومرسلة ابن أبي عمير اللتين نقلناهما عن الذكرى ، ومرسلة ابن بكير وغيرها (١).

والمناقشة فيها بأنّ المراد بالوليّ الأولى بالميراث ضعيف ، غاية الأمر أنّ الأولوية بالميراث أحد علامات الأولويّة ، ولا يلزم منه عدم تحقّق الأولويّة إذا لم يكن هناك ميراث.

ومنه يظهر ضعف ما يقال : أنّ الحبوة لا تتحقق في العبد ؛ لأنّه لا دليل على أنّ القضاء إنما هو في عوض الحبوة.

وما ذكره فخر المحقّقين رحمه‌الله فجوابه أنّ الضمير ليس بمخصص للمرجع كما حقّقناه في الأُصول.

سلّمنا ، لكنه ليس من فروع هذا الأصل ؛ إذ اللام في الرجل إن كانت للعهد الخارجي ، فلا معنى للعموم بالنظر إلى الحرية والرقية ، وإن كانت للعهد الذهني ، فيكون من باب الترديد والتفصيل في محتملاته ، بأنّه إن كان له مال بأن يكون حراً ذا مال

__________________

(١) انظر صفحة ٤٠٣ ، ٤٠٧.

٤٤١

فيتصدّق من ماله ، وإن لم يكن له مال بأن كان عبداً أو حراً بلا مال فيقضي عنه وليّه.

نعم لو قال عليه‌السلام : «وإن صحّ ثمّ مات تصدّق من ماله ، وإن لم يكن له مال صام عنه وليّه» لكان لما ذكره وجه.

سلّمنا ، لكن التنافي بين العام والخاص شرط في التخصيص ، وهو منتف هنا.

سلّمنا ، لكن التخصيص موقوف على مقاومة الخاص للعام ، وهو ممنوع.

واعلم أنّي لم أقف في كلماتهم على تصريح بحكم الأمة ، والظاهر أنّ حكمها حكم الحرة ، ووجهه يظهر مما ذكرنا في العبد.

والكلام في تعيين الوليّ في العبد والأمة هو الكلام في الحر من تقديم الولد الذكر الأكبر وغيره.

المبحث الخامس : المشهور كما في المختلف والدروس والروضة وجوب القضاء على الولي مع وجوده ، والتصدّق عنه من صلب ماله مع عدمه (١) ونقل الفاضل الأصفهاني هذا القول عن الشيخ (٢) وابن حمزة (٣) والعِمة (٤) وجماعة ، وقال : إنّ الشيخ وابن حمزة لم يصرّحا بصلب المال ، وفي المختلف نقل عن الشيخ أنه من أصل المال (٥).

وذكر في المختلف في مقابل قول المشهور قول السيد المرتضى رحمه‌الله في وجوب التصدّق من صلب المال ، وإن لم يكن مال فيصوم الوليّ (٦).

والقول بمنع التصدّق رأساً قول ابن إدريس ، وقال : لم يذهب إليه محقّق من

__________________

(١) المختلف ٣ : ٥٣٠ ، الدروس ١ : ٢٨٨ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٥.

(٢) المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٣) الوسيلة : ١٥٠.

(٤) المختلف ٣ : ٥٣٠ ، القواعد ١ : ٦٧.

(٥) المختلف ٣ : ٥٣٠.

(٦) المختلف ٣ : ٥٣٠ ، وانظر الانتصار : ٧٠.

٤٤٢

الأصحاب سوى السيد رحمه‌الله (١).

وطعن عليه المحقّق كما نقلنا عنه سابقاً (٢) ، ويظهر من المحقق التوقّف في المسألة.

والعمدة بيان الدليل ، والظاهر أنّ دليل المشهور هو رواية أبي مريم (٣) ، وقد عرفت أنّها على ما رواه في الفقيه والكافي إنما تناسب مذهب السيد ، ولا تناسب المشهور.

وأمّا على ما نقلناها عن الشيخ فليس فيها حكاية الصوم ، وهي وإن كانت يمكن تقييدها بصورة فقد الوليّ ، لكنه لا يلائم قوله عليه‌السلام في نفس الرواية : «تصدّق عنه وليّه» إلا أن يقال : إنّ المراد من الوليّ هنا من لا يجب عليه القضاء.

نعم ما نقل عن ابن أبي عقيل «أنّه قال : وقد روي أنّه من مات وعليه صوم رمضان تصدّق عنه عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، بهذا تواترت الأخبار عنهم «» (٤) لا يخلو عن المناسبة ؛ لعدم ذكر الوليّ فيه ، لكنه مخالف المشهور من تقديم القضاء على التصدّق.

والاعتماد على الإجماع الذي نقلناه سابقاً عن الانتصار أيضاً مشكل ؛ لما بيّنا سابقاً أنّ مراده من دعوى الإجماع إنما هو في القضاء ردّاً على المخالفين ، لا التصدّق ، مع أنّ فتواه تقديم التصدّق على القضاء ، فلا ينفع المشهور.

لكن لا يبعد أن يقال : ملاحظة مجموع هذه الروايات بضميمة الشهرة بين الأصحاب وملاحظة الجمع بين الأخبار يفيد البناء على لزوم الصدقة عند فقد الوليّ ؛ لأنّه ليس في مقابل دعوى تواتر ابن أبي عقيل ، وخصوص روايات أبي مريم وملاحظة كلام السيّد وكلام المحقق في ردّ قول ابن إدريس في مقابل إثبات مطلق التصدّق شي‌ء إلا إنكار ابن إدريس ، فالظاهر أنّ ثبوت التصدّق إجمالاً مما لا إشكال فيه.

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٠٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٠٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٣ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٨ ح ٤٣٩ ، التهذيب ٤ : ٢٤٨ ح ٧٣٥ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٧ بتفاوت بين المصادر.

(٤) حكاه عنه العلامة في المختلف ٣ : ٥٢٨ ، والعاملي في المدارك ٦ : ٢٢٤.

٤٤٣

ثم وفور الأخبار وعمل المشهور على تقديم القضاء عليه يجعل هذا المجمل في معرض المبيّن ، وطريق الجمع إنما هو بجعل التصدّق عقيب القضاء.

ومن ذلك يظهر وجه آخر للجمع ، وهو التخيير بين التقديم والتأخير ، ولكن لم نقف على مصرّح به ؛ إذ التخيير الذي نقلناه سابقاً عن الشيخ إنما هو ما بين أصل الصوم والصدقة ، لا التقديم والتأخير.

وعلى كلّ حال فالأقوى قول المشهور من وجوب تقديم القضاء على الصدقة.

بقي هنا إشكال آخر : وهو أنّه هل يجب تقديم الاستئجار من ماله مع الإمكان ويتصدّق مع عدمه ، أو يجب التصدّق أوّلاً؟ فعن المشهور عدم الوجوب ، وعن أبي الصلاح الوجوب (١) ، وقد مرّ الكلام ، وأنّ الأقوى العدم.

وقياسه بالحج باطل ، سيّما مع وجود الفارق ؛ لوجوب الصوم على الوليّ دون الحج.

وأمّا كون الصدقة من أصل المال فالظاهر عدم الإشكال فيه كما هو ظاهر رواية أبي مريم.

وأمّا مقدار التصدّق ، فهو «مد» على المشهور ، كما يظهر من الروضة (٢) ، وهو أقوى ؛ لرواية أبي مريم ، وما رواه ابن أبي عقيل ، وكلام السيد في الانتصار.

ونقل في المختلف عن الشيخ القول بمدّين عن كلّ يوم ، فإن عجز فمد (٣) ، وهو المنقول عن ابن حمزة (٤) ، ودليله غير واضح.

ثمّ إنّ هذا الكلام إذا لم يوصِ بالقضاء من ماله وصيةً نافذة ، وإن أوصى فيسقط التصدّق ، كما صرّح به في الروضة (٥).

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٨٩.

(٢) الروضة البهيّة ٢ : ١٢٥.

(٣) المختلف ٣ : ٥٤١ ، وانظر المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٤) الوسيلة : ١٥٠.

(٥) الروضة البهيّة ٢ : ١٢٥.

٤٤٤

المبحث السادس : لو كان عليه صوم شهرين متتابعين ، يصوم الوليّ عن شهر ، ويتصدّق من تركته عن شهر آخر على المشهور كما في الروضة (١) ، وعلى ظاهر المذهب كما في الدروس (٢).

وخالفهم ابن إدريس وقال بوجوب القضاء ، إلا أن تكون كفّارة مخيّرة ، فيتخيّر بين القضاء والصدقة (٣) ، وقوّاه في المسالك والروضة (٤) ، وكذا العلامة في المختلف (٥). وربّما نقل ذلك عن ظاهر المفيد (٦) ، ونقله صاحب المدارك عن جماعة وارتضاه أيضاً (٧).

ومستند المشهور : رواية الوشاء ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علّة ، فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأوّل ، ويقضي الثاني» (٨).

ومستند القول الأخر : عموم ما دلّ على وجوب قضاء الوليّ عن الميت ، والعلّة المستفادة من مثل صحيحة أبي بصير (٩) ومرسلة ابن بكير (١٠) وغيرهما المتقدّمات ، فإنّ المستفاد منها أنّ علّة وجوب القضاء هو وجوبها على الميت.

وقدحوا في رواية الوشاء بسهل ، والأمر فيه سهل (١١) ؛ خصوصاً مع عمل

__________________

(١) الروضة البهيّة ٢ : ١٢٥.

(٢) الدروس ١ : ٢٩٠.

(٣) السرائر ١ : ٣٩٨.

(٤) المسالك ٢ : ٦٦ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٥.

(٥) المختلف ٣ : ٥٣٩.

(٦) المقنعة : ٣٥٣.

(٧) المدارك ٦ : ٢٣٠.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ح ٧٤٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٤ ح ١.

(٩) التهذيب ٤ : ٢٤٨ ح ٧٣٧ ، الوسائل ٧ : ٢٤٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.

(١٠) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ح ٧٣٩ ، الوسائل ٧ : ٢٤٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٣.

(١١) ضعفه النجاشي في رجاله : ١٨٥ الرقم ٤٩٠ ، والشيخ الطوسي في الفهرست : ٨٠ ، وابن الغضائري على ما حكى عنه في مجمع الرجال ٣ : ١٧٩ ، ووثقه الطوسي في رجاله : ٤١٦.

٤٤٥

المشهور ، ولكن في دلالتها إشكالات :

أحدها : احتمال إرادة رمضانين متعاقبين لم يرتفع المرض بينهما ، كما تشعر به كلمة «من علّة» وجعل الصدقة للشهر الأوّل ولم يذكر الوليّ في الرواية ، فلعلّ الضمير المجرور راجع إلى الميت ، يعني : يجب على الميت أن يتصدّق ويقضي ، ولما لم يكن ذلك ، فيكون المراد التصدّق من ماله عن شهر والاستئجار من ماله عن شهر آخر مجازاً.

والثاني : أنّ القائلين بهذا القول منهم من جعله من باب الرخصة ، كالعلامة في المنتهي والتحرير (١) ، وهو ظاهر اللمعة (٢) ، واحتمل في المسالك العزيمة كما هو ظاهر الرواية (٣).

والثالث : أنّ من يحضرني كلامه من القائلين بالرواية أطلقوا الحكم ولم يعيّنوا قضاء الشهر الثاني إلا الشهيد في الدروس ، فطابقت فتواه الرواية (٤).

إلا أن يقال : إنّ المطلقين سامحوا في التأدية ، ومرادهم أيضاً مضمون الرواية وإن بعد.

والرابع : أنّه ليس فيها أنّ التصدّق من مال الميت أو من مال الوليّ ، واختلفت فتاويهم فيه ، فالفاضلان (٥) والشهيدان في الدروس والروضة (٦) صرّحوا بأنّه من مال الميّت.

والمسألة لا تخلو عن إشكال ، ولكن في ظاهر رواية أبي مريم المتقدّمة إشعار بأنّه من مال الميت (٧) ، وهو قضية أصالة براءة ذمّة الوليّ.

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٦٠٥ ، التحرير ١ : ٨٣.

(٢) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٢٥.

(٣) المسالك ٢ : ٦٦.

(٤) الدروس ١ : ٢٩٠.

(٥) المحقّق في الشرائع ١ : ١٥٨ ، والعلامة في التحرير ١ : ٨٣.

(٦) الدروس ١ : ٢٩٠ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٤٨ ح ٧٣٥ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٧.

٤٤٦

ويؤيّده أنّه دين في ذمّة الميت ، وأنّ هذا عوض صوم وجب عليه.

ويؤيّد القول الأخر : أنّ الصوم إنما يجب على الوليّ ، وإذا أرجعنا الضمير المجرور إليه فيتبادر منه أنّه من مال الوليّ ، ولعلّ الأوّل أقوى ، وسيجي‌ء إشكال آخر.

وعلى كلّ حال فقول ابن إدريس لا يخلو من قوّة ، ولا يبعد ترجيحه.

واعلم أنّه لا فرق على المشهور بين كون وجوب صوم الشهرين عينيّاً ، كالمنذور وكفّارة الظهار إذا تعيّن عليه في حياته لعجزه عن العتق ، أو تخييرياً ، ككفارة شهر رمضان على الأقوى ؛ إذ التخيير ينتقل إلى الوليّ بعد فوته كما في المسالك (١) ؛ لإطلاق النص والفتوى ، فيجوز إذا اختار الوليّ من بين كفارات شهر رمضان صيام شهرين أن يتصدّق عوض شهر منهما.

نعم هو مخيّر في أوّل الأمر بين صيام الشهرين وعتق الرقبة من أصل مال الميت وإطعام ستّين مسكيناً كذلك ، كما صرّح به في التحرير وغيره (٢).

ولكن يشكل المقام من جهة ظهور كلمة «عليه» في الواجب العيني ، وإرادة المعنيين معاً غير جائز على التحقيق ، والقدر المشترك مجاز لا يصار إليه إلا بدليل ، فهذا هو الإشكال الذي وعدنا به.

واعلم أنّ مقدار الصدقة هو الذي كان على نفس المكلّف من مدّ أو مدّين على الخلاف ، كما صرّح به العلامة في التحرير (٣).

ثمّ لو كان على الميت أزيد من شهرين متتابعين ، فهل يجري فيه هذا الحكم؟ فيه إشكال ، قال في الروضة : ولا يتعدّى إلى غير الشهرين ؛ وقوفاً مع النصّ لو عمل به ، وكذلك في المسالك (٤) ، وهو جيد.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٦٦.

(٢) التحرير ١ : ٨٤.

(٣) التحرير ١ : ٨٣.

(٤) الروضة البهيّة ٢ : ١٢٦ ، المسالك ٢ : ٦٦.

٤٤٧

تنبيه :

قد يتوهّم مما نقلنا عن ابن إدريس والمسالك أنّ المكلّف بالصوم في الكفارة المخيّرة إنما هو الولي ، لكن على سبيل الواجب التخييري ، فلو اختار الصوم فيأتي بالشهرين معاً على قول ابن إدريس ، ويصوم أحدهما ويتصدّق عن الأخر على المشهور ، ولا دليل على ذلك ؛ إذ ما ثبت من الأدلّة تعلّقه بالوليّ هو الصوم والصلاة الواجبان عيناً ، وأما أداء سائر ما عليه فالكلّ فيه سواء كالدين.

ولا دلالة في الأدلّة على حكم الصيام المخيّر بينه وبين غيره ، فينبغي أن يكون المراد من تخيير الوليّ هنا أنّ له أن يأبى عن الصيام لأجل قيام غيره مقامه ، وحينئذٍ فكلّ الورثة سواء في ذلك ، ومقتضاه : إما العتق من ماله ، أو الإطعام من ماله ، أو الاستئجار.

ومراد ابن إدريس : أنّه لو بنى على الصوم فليس لهم أن يبدلوا أحد الشهرين بالصدقة ، لا أنه لو بنى على الصيام يجب ذلك على الوليّ ، أعني الذكَر الأكبر.

وقال في السرائر : إنّ هذين الشهرين إن كانا نذراً وقدر على الإتيان بهما فلم يفعل فالواجب على وليّه وهو أكبر أولاده الذكور الصيام للشهرين ، ويكون تكليفه ذلك لا يجزيه غيره ، وإن كان عليه كفارة مخيّر فيها ، فإنه مخيّر في أن يصوم شهرين أو يكفّر من ماله قبل قسمة تركته أعني الوليّ ولا يتعين عليه الصيام ، ولا يجزيه إلا أن يفعل من الكفارة جنساً واحداً أو صياماً أو إطعاماً ، هذا إذا كانت الكفارة مخيّراً فيها ، فليتأمل ما قلنا في فقه المسألة (١) ، انتهى.

وليس مراده من فقه المسألة هنا إلا الردّ على الشيخ وأتباعه حيث جوّزوا الصدقة عن شهر.

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٩٨.

٤٤٨

وحاصل مراده : عدم تشريك الصدقة بالصيام ، سواء كان الصيام متعيّناً على الوليّ ، أو كان الورّاث مخيرين في إبراء ذمة متوفيهم بالصيام والعتق والإطعام ، سواء باشر الصيام الولد الذكر أو غيره ، ، وإنما نسب التخيير إليه خاصة دفعاً لما قد يتوهّم من وجوب ذلك الصوم أيضاً عليه كالمتعيّن ، فالمراد من تخييره أنّ له الإباء عنه.

ويوضّحه ما ذكره بعد ذلك بورقات حيث قال : ومن مات وعليه شي‌ء من ضروب الصيام لم يؤدّه مع تعيّن فرضه عليه وتفريطه فعلى وليّه القضاء عنه ، وإن لم يتعيّن ذلك عليه لم يتعيّن الصوم على وليّه ، ولا يجب على الولي الصيام ، وقدّمنا طرفاً من ذلك فيما تقدّم ، وكذلك صيام الشهرين المتتابعين (١).

فعلى ذلك فلا وجه لما ذكره الجماعة في جريان الحكم المذكور في الواجب المخيّر ؛ لعدم الدليل ، وقد ذكرنا أنّ الرواية ظاهرة في المتعيّن ؛ لمكان كلمة عليه.

فحاصل المختار في المسألة وجوب الشهرين على الوليّ مع التعيّن ، وعدم بدلية الصدقة عن أحدهما.

وأمّا في المخيّرة فلا يتعيّن على الوليّ بخصوصه شي‌ء ، ولكن يلزم إخراج إحدى الخصال من ماله ، ولو اختير الصيام فلا يبدل عن أحد الشهرين بالصدقة أيضاً ، سواء باشره الوليّ ، أو استؤجر عنه ، أو تبرّع به.

ثمّ مع ذلك كلّه فالمسألة لا تصفو عن شوب الإشكال ؛ لعدم ظهور الواجب التخييري من الأدلّة الدالّة على وجوب العبادات على الوليّ ، وكذا ما دلّ على وجوب أداء ما عليه من الحقوق من ماله أيضاً لا ينصرف إلا إلى المالئ المحض ، لا المخيّر بينه وبين العبادة.

ولكن يظهر منهم الإجماع على أنّ كل واحد من الخصال من مبرءات ذمّة الميت من التكليف ، وأنّه لم يسقط التكليف بجميعها بسبب الموت ؛ لاتفاق كلمة الكلّ على ذلك.

__________________

(١) السرائر ١ : ٤١٧.

٤٤٩

فحينئذٍ نقول : أما الوارث منحصر في الولي ، فهو مخيّر بين كلّ واحد منها مع التمكّن من كلّ منها ، وفي صورة اختياره الصوم يجي‌ء الخلاف المذكور ، فالمشهور يجوّزون تبديل أحد الشهرين بالصدقة ، وابن إدريس لا يجوّز.

وكذا لو كان معه وارث آخر ولم يزاحمه في اختياره وإن كان بسبب صغره ، بل لا معنى للمزاحمة ؛ إذ غاية الأمر كونه متبرّعاً.

نعم يمكن جريان المزاحمة على القول المشهور بفرض أن يكون تبديل أحد الشهرين بالصدقة من مال الميت أشقّ عليهم من عتق عبد موجود عندهم لا يسوى ثمنه الصدقة المذكورة.

فلا بدّ من فرض المسألة على المشهور في صورة عدم المزاحمة ، وكلامهم لا يأبى عن ذلك ، وكذلك كلام ابن إدريس.

هذا كله على فرض وجود الوليّ ، سواء كان منفرداً أو معه غيره.

وأمّا لو فرض عدم الولي ، وانحصر الوارث في غيره ، فيمكن المناقشة في دعوى الإجماع السابق ؛ لأن كلماتهم متطابقة في ذكر الوليّ ، فلا بد من الرجوع إلى القواعد.

فمقتضى استصحاب اشتغال ذمة الميت بإحدى الخصال ، وتعلّق الحق المالي بذمّته في الجملة لزوم الإتيان بأحدها ؛ إذ الأصل عدم انتقال المال إلى الوارث إلا فيما ثبت ، وثبوت قضاء العبادة عند فقد الوليّ وعدم لزوم الاستئجار كما مرّ لم يقم دليل عليه إلا في صورة تعيّن العبادة عليه ، وهو خلاف المفروض ؛ إذ هنا الأمر مردد بين العبادة وصرف المال ، فالمتولّي لأداء ديون الميّت كالوصيّ أو الحاكم أو من يقوم مقامه يلزمه الأخذ بإحدى الثلاثة ، وفي صورة التزامه الصيام يجي‌ء فيه الخلاف المذكور أيضاً.

على أنّا نقول : يمكن دعوى الإجماع على تعلّق الحق المذكور بماله بعد الموت في الجملة أيضاً.

٤٥٠

وذكرهم الوليّ هنا مبنيّ على الغالب ، أو المراد هنا من الوليّ المباشر للأمر ، فمحلّ النزاع في هذه المسألة حكم جواز تبديل أحد الشهرين بالصدقة لو بنى على الصيام على أي وجه يكون ، والمختار قول ابن إدريس.

ثمّ إنّ هذا الكلام إذا بقي الواجب التخييري متمكّناً من أفراده إلى زمان الموت ، وإذا تعيّن أحدها قبل الموت ، فإن كان هو العبادة فهو على الوليّ إن كان وليّ ، وإلا فيسقط إن لم يتبرّع بها متبرّع.

وإن كان مالاً فيؤدى من ماله ، وليس على الوليّ العبادة ، ولا على غيره إلا أن يتبرّع بها.

وإن بقي المخيّر فيها متمكّناً منها على حاله إلى زمان الموت ، وانحصر الأمر بعد الموت ، مثل أن يتلف المال قبل وصوله إلى يد الوارث ، فلا تلزم العبادة على الوليّ ولا على غيره.

ولو مات الوليّ قبل التمكّن من العبادة أو فعلها فتتعين إحدى الماليتين ، ولم أقف في كلماتهم على تفصيل هذه المسائل ، والاحتياط في الكلّ طريق النجاة.

الثامن : يجوز لقاضي شهر رمضان الإفطار قبل الزوال بلا عذر ، إن لم يتضيّق برمضان الاتي ، أو بظنّ الموت قبل أن يفعله بعد ذلك.

ويحرم بعد الزوال بلا عذر ، وتجب عليه الكفارة لو أفطر.

وأما غيره فيجوز الإفطار في غير المعيّن مطلقاً ، وكذا في قضاء غير المعيّن مطلقاً.

فهاهنا مسائل :

الأُولى : جواز الإفطار قبل الزوال لقاضي شهر رمضان هو المشهور بين علمائنا ، وحكي عن العلامة في المدنيّات الأُولى الإجماع عليه.

ويدلّ عليه بعد الأصل والإجماع المنقول الأخبار المستفيضة ، كصحيحة عبد الله بن سنان رواها الشيخ في باب نيّة الصائم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «من أصبح وهو

٤٥١

يريد الصيام ثمّ بدا له أن يفطر ، فله أن يفطر ما بينه وبين نصف النهار ، ثمّ يقضي ذلك اليوم» (١) الحديث.

ويظهر من ملاحظة سائر أخبار الباب أنّه من قضاء شهر رمضان ، مع أنّ الإطلاق يكفي.

وروى في باب قضاء شهر رمضان عنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» (٢) ووصفه الفاضل الأصفهاني بعد العلامة في المختلف بالصحة (٣) ، وقال في المدارك : وليس ببعيد (٤).

ولعلّ وجه التأمّل هو وقوع عبيد بن الحسين في السند ، وهو مجهول ، والظاهر أنّه عبيد بن الحسن ، وليس عندي إلا نسخة واحدة من التهذيب ، ولعلّ في نسختهم كان الحسن ، وهو ثقة كما صرّح به النجاشي (٥) والعلامة (٦).

وأمّا التأمّل من جهة البرقي فلا وجه له ؛ لكونه ثقة ، وكذلك ابنه أحمد.

وصحيحة جميل بن درّاج على أنّ يكون الراوي عنه النضر بن سويد كما في نسختي من التهذيب ، وفي بعض النسخ النضر بن شعيب ، وهو مجهول ، وصحّحها في المدارك (٧) ، ولعلّ نسخته أيضاً كانت كنسختي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «في الذي يقضي شهر رمضان بالخيار إلى زوال الشمس وإن كان تطوّعاً فإنه إلى الليل بالخيار» (٨) إلى غير ذلك من الأخبار ، وسيجي‌ء بعضها.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٧ ح ٥٢٤ ، الوسائل ٧ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٨ ح ٨٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ ح ٣٨٩ ، الوسائل ٧ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٩.

(٣) المختلف ٣ : ٥٦٠.

(٤) المدارك ٦ : ٢٣١ ، وانظر هامش ٣.

(٥) رجال النجاشي : ٢٣٤ الرقم ٦١٩.

(٦) رجال العلامة : ١٢٧.

(٧) المدارك ٦ : ٢٣١.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ح ٨٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢ ح ٣٩٦ ، الوسائل ٧ : ٩ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٤.

٤٥٢

وعن أبي الصلاح (١) وابن زهرة (٢) مدّعياً عليه الإجماع حرمة الإفطار قبل الزوال ، وهو المحكي عن ظاهر ابن أبي عقيل (٣).

وربّما يستدلّ لهم بما رواه الشيخ في باب نية الصائم في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألته عن الرجل يقضي رمضان ، إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال : «إذا كان نوى ذلك من الليل ، وكان من قضاء رمضان ، فلا يفطر ويتم صومه» (٤).

وبما رواه في الموثّق في باب قضاء شهر رمضان ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء ، قال : «عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان ، ذلك اليوم عند الله من أيّام رمضان» (٥).

ويرد على الأوّل : مضافاً إلى الإضمار وإن كان الأظهر جواز العمل ؛ أنّها لا تقاوم ما ذكرنا من الأدلّة ، فتحمل على الكراهة.

مع أنّه يمكن منع دلالتها ؛ إذ لعلّ المراد أن تجدّد العزم على الإفطار وحصول البداء لا يصير منشأً للبطلان ، فيجوز له أن يتمّ ، كما أن تجدّد العزم على الصيام قبل الزوال يكفي في صحّة الصوم إذا لم يسبقه مفطر.

وتشهد بذلك تتمّة الرواية ، قال : وسألته عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار ، أيصوم ذلك اليوم ويقضيه من رمضان وإن لم يكن نوى ذلك من الليل؟ قال : «نعم يصومه ويعتدّ به إذا لم يحدث شيئاً».

وعلى الثانية : مضافاً إلى عدم المقاومة لأدلّة المختار ؛ أنّها تحمل على ما بعد الزوال ، كما هو مقتضى رواية العجلي الاتية ، قال الشيخ : هذا الخبر ورد نادراً ، وحمله على

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٨٤.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١.

(٣) حكاه عنه العلامة في المختلف ٣ : ٥٥٦.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥٢٢ ، الوسائل ٧ : ٩ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٦.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ح ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ح ٣٩٣ ، الوسائل ٧ : ٢٥٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

٤٥٣

ما بعد الزوال مع الاستخفاف والتهاون ، ويظهر منه جوازه بدون ذلك.

واستدل لهم في المختلف (١) بقوله : تعالى (لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٢) وبأنّه بدل عن رمضان ، فيجب إتمامه كالمبدل ؛ إذ لولاه لكان إتمامه مستحبّاً ، فلم يجزِ عن الواجب.

يرد على الأوّل : منع الدلالة ، لا لما ذكره في المختلف «من أنّ النهي يتناول إبطال جميع الأعمال ؛ إذ الجمع المضاف للعموم ، وذلك إنما يكون بالكفر» (٣) لأنّ الظاهر منه العموم الأفرادي لا المجموعي ، يعني : لا تبطلوا شيئاً من أعمالكم ، بل لأنّ المتبادر منه : لا تبطلوا أعمالكم معتقدين كفايتها ؛ لا ولو بقصد إتيان بدلها.

أو لا تبطلوها بمثل المنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس.

أو لا تؤتوا عملاً باطلاً من باب ضيّق فم الركيّة ، ولا تحيطوها بالمعاصي ، كما يظهر مما ورد في تفسير الآية.

فروى الصدوق في ثواب الأعمال عن الباقر عليه‌السلام قال ، قال رسول اللهُ : «من قال : سبحان الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنة ، ومن قال : الحمد لله ، غرس الله له بها شجرة في الجنة ، ومن قال : لا إله إلا الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنة ، ومن قال : الله أكبر ، غرس الله له بها شجرة في الجنة ، فقال رجل من قريش : يا رسول الله ، إنّ أشجارنا في الجنة لكثيرة! قال : نعم ، ولكن إيّاكم أن ترسلوا إليها نيراناً فتحرقوها ، وذلك أنّ الله عزوجل يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٤)» (٥).

وعلى الثاني : المنع من لزوم موافقة البدل للمبدل في كلّ شي‌ء ، ومنع استلزام جواز إبطاله استحبابه.

__________________

(١) المختلف ٣ : ٥٥٩.

(٢) محمّد : ٣٣.

(٣) المختلف ٣ : ٥٥٩.

(٤) محمّد : ٣٣.

(٥) ثواب الأعمال (طبعة مكتبة الصدوق) : ٢٦ ح ٢.

٤٥٤

الثانية : أنّ ذلك إذا لم يتضيّق وقت القضاء بسبب الرمضان الاتي لما حقّقناه سابقاً من وجوب المبادرة بالقضاء بين الرمضانين ، بل ربّما قيل بانحصار الوقت فيه ، وتأخير الموقت عن وقته أو ترك المبادرة بما يجب البدار حرام ، ولكّنه لا يستلزم الكفارة ؛ للأصل ، وعدم الدليل.

وكذلك الكلام مع ظنّ الموت قبل أن يفعله بعد ذلك ؛ لأنّه في معنى الموقّت أو الفوريّ.

الثالثة : أنّ كل واجب معيّن بالذات لا يجوز إفطاره مطلقاً وهو ظاهر ، وتجب الكفارة كالنذر المعيّن وصيام رمضان.

الرابعة : كلّ واجب متعيّن بالذات كالنذر المطلق وصوم الكفارة يجوز إفطاره مطلقاً غير قضاء رمضان بعد الزوال ، وإن لم يتضيّق ، وفاقاً للعلامة (١) والشهيدين (٢) رحمهما‌الله ، بل يظهر من المسالك أنّه المشهور (٣) ؛ للأصل ، ولأنّه كان مخيّراً في اختيار الأيّام ، وهو مستصحب.

وعن ظاهر أبي الصلاح (٤) وابن زهرة (٥) الحرمة ؛ لعموم قوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) وقد عرفت ضعف الاستدلال.

وعن عليّ بن بابويه : أنّ حكم قضاء النذر كقضاء رمضان في الحرمة ووجوب الكفارة إن أفطر بعد الزوال ، وربّما استدل له بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة ، فإنّ قضاء الفريضة يعمّه (٦).

__________________

(١) المختلف ٣ : ٥٦٦.

(٢) الشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٢٩٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٦٧.

(٣) المسالك ٢ : ٦٧ ؛ فقد قال الشهيد الثاني : والنذر المطلق وشبهه والكفارة فإنّه يجوز له الخروج اختياراً إلا في قضاء رمضان بعد الزوال.

(٤) الكافي في الفقه : ١٨٤.

(٥) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٢.

(٦) نقله في السرائر ١ : ٤١٠ ، والمختلف ٣ : ٥٦٠.

٤٥٥

وموثّقة سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : الصائم بالخيار إلى زوال الشمس ، قال : «إنّ ذلك في الفريضة ، وأما النافلة فله أن يفطر في أيّ ساعة شاء إلى غروب الشمس» (١).

قال الشيخ في التهذيب : المراد بالفريضة هو قضاء الفريضة ؛ لأنّ نفس الفريضة ليس فيها خيار على حال.

قيل : ويمكن الجواب بأنّ الفريضة في عرف الحديث إنما تطلق غالباً على الواجب أصالة ، فلا تشمل المنذور ، على أنّ سوق الكلام في خبر سماعة إنّما هو لإخراج النافلة ، وإن اختص الحكم ببعض الفرائض.

أقول : وما ذكره جيّد ، ويؤيده كلام الشيخ ؛ إذ ما ذكره من قوله «إن نفس الفريضة ليس فيها خيار على حال» إن أُريد منه مطلق الواجب لصار موافقاً لمذهب أبي الصلاح ، ولم يعهد القول به من الشيخ ، فالظاهر أنّ مراد الشيخ من قضاء الفريضة قضاء رمضان ، وعلى هذا فقضاء رمضان أيضاً ليس فريضة بنفسه ، بل هو واجب بالتبع ، وهو قضاء فريضة.

وأمّا صحيحة ابن سنان الأُخرى ، فقد قلنا إنّ الظاهر منها أيضاً قضاء رمضان.

وبالجملة الأصل دليل قويّ ، ولا يجوز الخروج منه بمثل هذه الأدلّة ، نعم هو أحوط.

وأما الكفّارة ؛ فلم نقف فيها على شي‌ء يعتمد عليه ، وقياسه على المبدل منه وهو أصل النذر المعيّن ضعيف ، مع أنّه لا اختصاص فيه بما بعد الزوال.

وعن أبي الصلاح : إن كان القضاء لإفطار تجب له الكفارة ، ففرضها متعيّن مع القضاء ، وهو شامل لما قبل الزوال أيضاً (٢) ، ولكن لا دليل عليه.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٢ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ح ٤٣٣ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ ح ٨٤٣ ، وج ٤ : ١٨٧ ح ٥٢٧ ، الوسائل ٧ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٨.

(٢) الكافي في الفقه : ١٨٤.

٤٥٦

الخامسة : يحرم إفطار قضاء شهر رمضان بلا عذر بعد الزوال ، وتجب به الكفارة أمّا الحرمة ؛ فهي المشهورة بين الأصحاب بلا خلاف كما في المسالك (١) ، وقال في المدارك : هو مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً (٢) ، وعن الانتصار والخلاف والغنية دعوى الاتفاق عليه (٣) ، وتدلّ عليه الأخبار الكثيرة المتقدّم بعضها والآتي بعضها.

ويظهر من الشيخ في كتابي الأخبار عدم الحرمة ، فإنه قال بعد نقل موثّقة زرارة المتقدّمة أنفاً : ويمكن أن يكون المراد به من أفطر هذا اليوم بعد الزوال على سبيل الاستخفاف والتهاون بما يجب عليه من فرض الله تعالى ، فيجب عليه حينئذ من الكفارة ما على من أفطر يوماً من رمضان ؛ عقوبة له وتغليظاً عليه ، وأما من أفطر وهو معتقد أنّ الأفضل إتمام صومه ، فليس عليه إلا ما قدّمناه من إطعام عشرة مساكين ، أو صيام ثلاثة أيّام (٤) ، وسننقل عنه عبارة أُخرى.

ويمكن أن يكون مراده من الأفضل مثل ما يقال : أنّ الطاعة أحسن من المعصية ، والإسلام أحسن من الكفر.

وأمّا وجوب الكفارة ؛ فهو المشهور بين الأصحاب أيضاً ، وعن الخلاف والانتصار والغنية دعوى الاتفاق عليه (٥).

وعن ابن أبي عقيل : نفي الكفارة بإطلاقها (٦) ، وتدلّ عليه موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان يريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال : «هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس ، فإن كان نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر» سئل : فإن كان نوى الإفطار يستقيم

__________________

(١) المسالك ٢ : ٦٧.

(٢) المدارك ٦ : ٢٣٠.

(٣) الانتصار : ٦٩ ، الخلاف ٢ : ٢٢٢ مسألة ٨٦ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١ ، وفيه : قبل الزوال.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢١.

(٥) انظر هامش ٣.

(٦) الكافي في الفقه : ١٨٤.

٤٥٧

أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال : «لا».

سئل : فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس ، قال : «قد أساء ، وليس عليه شي‌ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» (١).

قال الشيخ : إنّه محمول على أنّه ليس عليه شي‌ء من العقاب ؛ لأنّ من أفطر في هذا اليوم لا يستحق العقاب ، فإن أفطر بعد الزوال تلزمه الكفارة حسب ما قدّمناه ، وليس كذلك من أفطر في رمضان ؛ لأنّه يستحق العقاب والقضاء والكفارة (٢).

أقول : والأولى أن تحمل الرواية على أن يكون قوله عليه‌السلام : «بعد ما زالت الشمس» ظرفاً لمجموع النية والإفطار ، ويكون المراد من قوله عليه‌السلام : «قد أساء» أنه أساء في نيته بعد الزوال ، فإن اعتقاد صحّة الصوم بالنية بعد الزوال ، وأنّ الأكل بعده إفطار للصوم تشريع ، وهذا حمل وجيه للرواية ، بل لا يبعد ادّعاء ظهوره بملاحظة تمام الرواية.

وكيف كان فلا تعارض بمثلها الروايات المعتبرة المستفيضة جدّاً (٣) ، المعتضدة بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة.

ثمّ إني بعد ما أُلهمت هذا التوجيه للرواية ، وحسبته من خواصّي ، راجعت المعتبر فوجدت ما ذكره هنا راجعاً إلى ما فهمته ، فحمدت الله عليه.

ثمّ رأيت الفاضل الأصفهاني في شرح الروضة أكثر البحث عليه ، وزيّف كلامه ، حيث لم يستجود تأويل الشيخ وذكر ما يؤول إلى ما ذكرنا ، وفهم رواية عمار كما فهمنا ، ونقلها بالمعنى اختصاراً ، وحسب الفاضل أنّه أُسقط من الرواية شيئاً ، فلم يطابق تأويله للرواية ، وزاد بذلك البحث عليه بما لا حاجة إلى نقله.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ح ٨٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ح ٣٩٤ ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ١٠ ، وص ٢٥٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٠.

(٣) انظر الوسائل ٧ : ٨ أبواب وجوب الصوم ب ٤.

٤٥٨

وإنّما نبّهنا على ذلك أداءً لبعض حقوق هذا الخبر العظيم الشأن ، والفريد المرصوص البنيان ، ووفاءً لوصيته التي ذكرها في أوّل الكتاب ، وتأكيده البليغ في عدم البدار إلى ردّ شي‌ء من مقاصده في شي‌ء من الأبواب ، وإن كان هذا الفاضل الرفيع المكان أيضاً ممن لا يسع لمثلي مكافحته ومناقضته ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

السادسة : اختلفوا في قدر الكفارة فعن المشهورة كما في المسالك هنا وفي الكفارات أنّها إطعام عشرة مساكين ، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام (١).

وعن أبي الصلاح : التخيير بينهما (٢) ، وكذا عن ابن زهرة ناقلاً عليه الإجماع (٣).

وعن ابن البراج في موضع من المختلف (٤) ، وعن الصدوقين : أنّها كفارة شهر رمضان (٥) ، إلا في الفقيه ، فجعله رواية (٦).

وقد عرفت أنّ ظاهر الشيخ في التهذيب أيضاً ذلك إذا كان استخفافاً وتهاوناً ، وإلا فالأوّل (٧).

وعن ابن حمزة : موافقة التهذيب في صورة الاستخفاف ، وموافقة أبي الصلاح في صورة العجز (٨).

وعن سلار : أنّه كفارة اليمين (٩) ، وهو المنقول عن الكراجكي ، وكذا عن

__________________

(١) المسالك ٢ : ٦٧ ، وج ١٠ : ١٠.

(٢) الكافي في الفقه : ١٨٤.

(٣) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٢.

(٤) المختلف (طبعة مركز الإعلام الإسلامي) ٨ : ٢٣٩ ، وانظر المهذب ٢ : ٤٢٢.

(٥) المقنع : ٦٣ ، وحكاه عن والد الصدوق الحلّي في السرائر ١ : ٤١٠ ، والعلامة في المختلف (طبعة مركز الإعلام الإسلامي) ٨ : ٢٣٨.

(٦) الفقيه ٢ : ٩٦ ح ٤٣١.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ، وظاهره في الاستبصار ٢ : ١٢١ أيضاً.

(٨) فقد قال ابن حمزة في الوسيلة : ١٤٧ إن أفطر بعد الزوال استخفافاً به فعليه كفارة مثل كفارة من أفطر يوماً من شهر رمضان ، وإن أفطر لغير ذلك فكفارته صيام ثلاثة أيّام أو إطعام عشرة مساكين.

(٩) المراسم : ١٨٧.

٤٥٩

ابن البراج في موضع من المختلف (١).

وعن ابن إدريس : أنّه كفارة اليمين (٢) ، وتبع ابن إدريس المشهور في موضع آخر (٣) ، ولعلّ المراد فيهما واحد مسامحة ، كما وقع إطلاق كفارة اليمين على مذهب المشهور في المختلف في باب الكفارات (٤) ، وكذا الشيخ في النهاية في باب الكفارات قال : كفارة يمين وإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام (٥).

وعن ابن أبي عقيل : عدم وجوب الكفارة (٦) ، وهو ظاهر المسالك في الكفارات (٧) ، فإنه استجود حمل الكفارة على الاستحباب ؛ لاختلاف تقديرها في الروايات ، واختلاف تحديد وقت ثبوتها ، يعني بالزوال والعصر والإطلاق ، وقصور سند الأخبار ، وقوّاه في الكفاية (٨) ، والأقوى قول المشهور.

لنا : ما رواه في الكافي والتهذيب عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : «إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي‌ء عليه إلا يوم مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين ، فإن لم يقدر صام يوماً مكان يوم ، وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع» وفي الكافي والتهذيب لم يذكر قوله عليه‌السلام : «فإن لم يقدر» (٩) إلى آخر الحديث.

وربما يقدح في سنده بالحارث بن محمد ؛ لأنّه مجهول.

وفيه : أنّه منجبر بعمل الأصحاب ، مع أنّ الراوي عنه الحسن بن محبوب ، وقال

__________________

(١) المختلف ٣ : ٥٥٥.

(٢) السرائر ١ : ٤١٠.

(٣) السرائر ١ : ٤٠٦.

(٤) المختلف (طبعة مركز الإعلام الإسلامي) ٨ : ٢٣٨.

(٥) النهاية : ٥٧٢.

(٦) حكاه عنه العلامة في المختلف ٣ : ٥٥٦.

(٧) المسالك ١٠ : ١٣.

(٨) الكفاية : ٤٨.

(٩) الكافي ٤ : ١٢٢ ح ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ح ٤٣٠ ، التهذيب ٨ : ٣٢١ ح ١١٩٢ ، الاستبصار ٤ : ٥٨ ح ١٩٨ ، الوسائل ٧ : ٨ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ١ ، وص ٢٥٣ أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ١.

٤٦٠