غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

إذا عرفت هذا فنرجع إلى أصل المسألة ونقول : الأقوى قول المشهور ؛ لصدق الوليّ والأولى عليهما ، ولا يجب على كلّ منهما بالتمام إجماعاً ، ولا يسقط عنهما بعموم النص ، وترجيح أحدهما بلا مرجّح قبيح ، فلا مناص إلا التوزيع ؛ لأنّ المتبادر من الأمر هو الوجوب العيني ، وإذا ضمّت إليه أصالة البراءة عن وجوب التمام على كل واحد عيناً وكفاية ، وقلنا بإطلاق الولي والأولى على كل واحد ، بل الأكبر أيضاً لو فسّرناه بمن لم يكن أكبر منه ، فلا يبقى إلا التوزيع على السواء فيما أمكن.

وتمسّك ابن إدريس بأنّ الإجماع إنّما ثبت في الولد الأكبر ، ولا يصدق عليه ، والأصل براءة الذمّة ، وعلّة استحقاق الحبوة أيضاً هنا غير موجودة (١).

وفيه : أنّ عدم الإجماع لا يوجب عدم الحكم ، والأصل لا يقاوم ظواهر النصوص ، وعدم استحقاق الحبوة أيضاً غير ممنوع كما حقّق في محلّه.

وأمّا دليل ابن البرّاج فلعلّه أنّ القضاء بتمامه لا يجب على كلّ منهما عيناً ، ويصدق على كلّ منهما أنّه ولي أو أولى ، فلا بدّ أن يكون الوجوب عليهما بعنوان الكفائي ، وبفعل أحدهما يسقط عن الأخر ، وما لم يتحقّق فذمتهما معاً مشغولة.

ولو تشاحّاً فلا مناص إلا القرعة ؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل.

وفيه : مع ما مرّ من أصالة البراءة عن الكفائي أيضاً أنّه على تقدير الوجوب الكفائي لا مجال للتشاح ، ولا يلزم من حصول العمل متعدداً إذا شرعا معاً وفرغا معاً أن يكون مطلوب الله تعالى متعدّداً حتّى يلزم خلاف الإجماع كما في صلاة الميّت إذا لم يكن هناك وليّ شرعي وتساوى المؤمنون فيه ، ولم يكن إمام يقيم الجماعة ، فصلاتهما معاً صحيحة ، وإن كان المطلوب صلاة واحدة ، وكذلك في الإمام والمأموم.

وأمّا القرعة فهي على تسليم جريانها في العبادات مطلقاً إنّما تتم إذا حصل الإشكال ، وإطلاق الأخبار دافع للإشكال.

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٩٩.

٤٢١

ثمّ إن كان هناك كسر ، كما لو كانت الصلاة ثلاثاً والولي اثنان ، فالظاهر وجوبه كفاية عليهما ، ويسقط بفعل أحدهما عن الأخر كما في المسالك وغيره (١) ، وتحتمل القرعة ، ولم أقف على مصرّح بها هنا.

ومن قبيل الكسر إذا كان عليه صوم يوم أو صلاة واحدة.

وبالجملة المراد بالوليّ الجنس ، وهو يشمل الواحد والمتعدّد ، فقولهم «: «يقضي الوليّ الصوم والصلاة» يعني يقضي جنس الوليّ جنس الصوم والصلاة ، ولازمه أنّه إن كان واحداً فالجميع على الواحد ، وإن كان متعدّداً فعلى المتعدد ، وتعلّقه بالمتعدّد على سبيل الكلّ المجموعي ، مثل قولك : «يجب على القوم رفع هذه الأحجار» فكلّ ما أمكن اجتماعهم (عليهنّ وانفراد كل بحجر ، فيتعيّن الاجتماع) (٢) فيما لا يمكن إلا بالاجتماع في الرفع ، والتوزيع في الممكن ، فلو بقي هناك حجر لا يمكن الاجتماع ولم يبق سواه من الأحجار ، فيجب عليهم جميعاً بعنوان الوجوب الكفائي ، ولا يلزم تجوّز في اللفظ ؛ إذ ذلك هو مقتضى تعلّق الحكم بالمجموع.

والحاصل أنّ قول ابن إدريس في غاية الضعف ، بل الظاهر أنّ الإجماع منعقد قبله على عدم السقوط بسبب التعدّد ، مع أنّا نقول : إنّ وجوبه على الوليّ الواحد إجماعيّ في الجملة كما مرّ ، ومن جملة نقلته هو ابن إدريس.

فإذا كان مراده تعالى ، إبراء الوليّ الواحد ذمّة مورثه ، فالمتعدد أولى بذلك كما لا يخفى ، فلا وجه لسقوطه بالتعدد.

فإذا لم يسقط فالأصل في الوجوب هو العينيّ ، مهما أمكن ، فلا بد من التوزيع.

وفي غير الممكن كصورة الانكسار عليهم فالوجوب الكفائي أيضاً أقرب إلى الحقيقة من القرعة ؛ إذ القرعة كاشفة عن تعيّن أحدهما ، وإجراؤها هنا يستلزم براءة أحدهما.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٦٤ ، وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٢٧٧ ، والحدائق ١٣ : ٣٢٧.

(٢) ما بين القوسين ليس في «ح».

٤٢٢

وهو أيضاً خلاف الأصل في الوجوب ؛ إذ الإطلاق أو الأولويّة اقتضى التعلّق بالجميع ، فكما أن كون الوجوب عيناً هو الأصل ، فتعلّقه بالجميع أيضاً هو الأصل ، فإذا لم يمكن تعلقه بالجميع أيضاً على العينيّة ، يكتفى به على الكفائية ؛ لأنّه أيضاً متعلّق بالجميع في الجملة ، بخلاف صورة القرعة.

ومن فروع المسألة : ما لو قضيا جميعاً صوم رمضان عنه وأفطرا معاً بعد الظهر ، فهل تجب الكفارة على كلّ منهما ، أو يشتركان فيه ، أو تجب عليهما بعنوان الوجوب الكفائي؟ ولا يحضرني الان دليل على وجوب الكفارة.

ومن فروعها : جواز إفطار أحدهما مع بقاء الأخر على الصوم ، أو الظن ببقائه ، ورجّح في الدروس جوازه في صورة الظن بالبقاء ، بخلاف عدم الظنّ (١) ، وأصل ثبوت المعصية في الإفطار لا يخلو عن إشكال.

ثمّ على المختار من وجوب التقسيط ، فإن فعله أحدهما بالتمام فهل يسقط عن الأخر أم لا؟ فيه إشكال ، فعن ابن إدريس (٢) والعِمة في المنتهي (٣) عدم الإجزاء.

وظاهر المحقق في الشرائع الإجزاء (٤) ، قال في المسالك ، في وجهه : إنّه بفعل المتبرّع تبرأ ذمّة الميت ، فلا يبقى وجه لوجوبه على الغير (٥).

وردّه في المدارك : بأنّ التكليف متعلّق بالوليّ ، ولا دليل على كون فعل غيره مسقطاً عنه ، وقوّى المنع (٦).

وقال الفاضل الأصفهاني : وإن قام بالكلّ بعضهم سقط عن الباقين كما نصّوا عليه ، ثمّ فرّع المسألة على جواز تبرّع غير الوليّ ، فإن قلنا به فهاهنا أولى بالجواز ، وإلا

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٨٩.

(٢) السرائر ١ : ٣٩٩.

(٣) المنتهي ٢ : ٦٠٤.

(٤) الشرائع ١ : ٢٠٣.

(٥) المسالك ٢ : ٦٤.

(٦) المدارك ٦ : ٢٢٧.

٤٢٣

ففيه إشكال.

أقول : الأقوى السقوط سيّما مع إذن الأخر له ؛ لأنّ الأقوى في المتبرّع غير الوليّ السقوط أيضاً ، ولعموم الأخبار المستفيضة الدالّة بعمومها على أنّ من فعل للميت عملاً كان له ، الظاهرة في أنّ عمله يصير بمنزلة عمله ، لا محض أنّ ثوابه له ، وهي أكثر من عشرة ، نقلها الشهيد في الذكرى عن كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى لابن طاوس رحمه‌الله (١).

ولا فرق في هذه المسألة بين الصلاة والصوم والحج وغيرها.

الثالث : قد ظهر مما ذكرنا أخيراً التمكّن من تحقيق جواز استئجار الوليّ الغير لهذه العبادات ، واختلفوا فيه ، ذهب الشهيد في صوم الدروس إلى جوازه (٢).

وقال في الذكرى : الأقرب أنّه ليس له الاستئجار ؛ لمخاطبته بها ، والصلاة لا تقبل التحمّل عن الحيّ ، ويمكن الجواز ؛ لما يأتي إن شاء الله تعالى في الصوم ؛ لأنّ الغرض فعلها عن الميت ، فإن قلنا بجوازه وتبرع بها متبرّع أجزأت أيضاً (٣) ، انتهى.

وعلى كلّ حال فدليل المنع : أنّ الوليّ مكلّف ، وفعل الغير غير مسقط.

ودليل الجواز : منع تعلّق التكليف ببدنه ، بل المطلوب إنّما هو إبراؤه ذمّة الميت على أيّ نحو كان مثل الدين.

وهذا هو الأقوى عندي ؛ لذلك ، ولعموم الأخبار ، ولكلّ ما دل على مطلق الاستئجار للعبادات عن الميّت ، وعمدة ما اعتمد عليه في الاستئجار وإن كان هو الإجماعات المنقولة ، ولكن المدّعين أطلقوه ولم يخصّصوه بغير الوليّ ، بل الغالب أنّ الولي هو المحتاج إليه.

ويؤيده نفي العسر والحرج أيضاً ، ويؤيده أيضاً إطلاق الدَّين على الصلاة في كثير

__________________

(١) الذكرى : ١٣٨.

(٢) الدروس ١ : ٢٩٨.

(٣) الذكرى : ١٣٨.

٤٢٤

من الأخبار ، وأنّها دَين الله ، ولم يعتبر أحد في أداء الدين مباشرة شخص خاصّ.

ولا بأس أن نذكر هنا بعض الأخبار الدالة على جواز الصلاة للميت وغيرها من البرّ ، ففي رواية عبد الله بن أبي يعفور ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «يقضي عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن» ومثله رواية صفوان بن يحيى ، ورواية محمّد بن مسلم ، ورواية العلاء بن رزين ، ورواية البزنطي ، وكذلك إلى عشرة أخبار نقلها ابن طاوس رحمه‌الله (١).

ومن جملتها ما نقله صاحب الفاخر ، قال : مما أجمع عليه وصحّ من قول الأئمة «: «ويقضي عن الميت أعماله الحسنة كلّها».

والشهيد في الذكرى حكم بصحّة هذه الأخبار كلّها أيضاً (٢).

وعلى كلّ حال فما يدلّ على جواز مطلق الاستئجار عن الميت يدلّ هنا ، وهو أمران ، أحدهما : الإجماعات المنقولة ، نقلها الشهيد في الذكرى (٣) ، والمحقّق الثاني في كتاب الإجارة من شرح القواعد (٤) ، والمحقق الأردبيلي رحمه‌الله (٥).

والثاني : أنّه مبنيّ على مسألتين إجماعيتين ، إحداهما : جواز العمل عن الميت بالإجماع والأخبار الصحيحة ، والثانية : إذا جاز العمل عنه جاز الاستئجار ؛ لعموم ما دلّ على صحّة الاستئجار في الأعمال المباحة التي جاز للمؤجر أن يفعلها لنفسه.

ولي في هذا الاستدلال نظر ؛ لاستلزامه الدور كما أشرنا إليه في هذا الكتاب غير مرّة ، وأوضحناه سابقاً في كتاب المكاسب من كتاب مناهج الأحكام ، وإطلاق الإجماعات يكفي ؛ لأنه لا وجه لحملها على غير الوليّ مع غلبة احتياج الولي ، وكذلك لا وجه لحملها في الوليّ على الاستئجار من باب الاحتياط ، سيّما إذا كان

__________________

(١) نقلها ابن طاوس في كتابه : غياث سلطان الورى لسكان الثرى. وهذا الكتاب مخطوط إلى الآن ، وقد نقل صاحب الوسائل أحاديث كثيرة مما له علاقة بهذا الباب ، فانظر الوسائل ٥ : ٣٦٦ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٢ ـ ٢٦.

(٢) الذكرى : ١٣٨.

(٣) الذكرى : ١٣٨.

(٤) جامع المقاصد ٧ : ١٥٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ١٥٣ ، وج ٨ : ٩١.

٤٢٥

الوليّ ضعيفاً ، أو كان ممن ليس صلاته صحيحة ، ولا يبالي بتصحيح صلاته ، سيّما على قول المشهور من وجوب قضاء جميع العبادات لا ما فات منه لعذر.

فإن قيل : إشكال الشهيد في الذكرى مع دعواه الإجماع سابقاً على صحّة الاستئجار للعبادات كاشف عن أنّ مراده ثمّة من دعوى الإجماع في غير صورة ما وجب على الوليّ.

قلت : الظاهر أنّه غفل هنا ، ولعلّ الداعي على الغفلة هو أنّ للمسألة هنا حيثيتين (١) مندرجتين تحت قاعدتين ، الاولى : أنّ من وجب عليه عمل من المكلّفين الأحياء فالأصل عدم إسقاط فعل الغير إيّاه ، غاية الأمر أنّ ذلك الغير يجوز أن يفعل فعلاً عن الميت ، وفعل الغير هنا إنّما هو عن الوليّ ، ولا يجوز العبادة عن الأحياء إلا فيما خرج بالدليل كالحج والزيارة.

والثانية : أنّ من جاز له أن يعمل عملاً لنفسه ، ويجوز أن يفعله لغيره ، يجوز أن يؤجر نفسه لفعل ذلك العمل إجماعاً ، منضمّاً إلى ما ثبت أنّ من فعل عملاً للميت ينفعه ويصل إليه ويجوز له أن يفعله ، ويلزمه جواز إيجار نفسه لفعل ذلك إذا وجب ذلك الفعل على الوليّ ، وهذا يستلزم بالتبع جواز استئجار الوليّ إيّاه لذلك العمل.

فلعل نظر الشهيد رحمه‌الله هنا إلى القاعدة الأُولى ، وغفل عن مقتضى القاعدة الثانية ، ونظره ثمّة إلى القاعدة الثانية ، ومسألتنا هذه مورد القاعدتين ، والنسبة بينهما عموم من وجه.

ولما استشكلنا سابقاً في القاعدة الثانية من جهة منع عموم أنّ من فعل فعلاً للميت فهو صحيح وينفعه حتّى إذا كان بإزاء الأُجرة أيضاً ؛ لأنّ غاية ما ثبت من الأخبار هو أنّ ما فعله المتبرع عن الميت ينفعه لا مطلقاً ، ولا يتمّ الاستدلال إلا بذلك.

فلم تثبت إباحة الفعل لنفسه مطلقاً حتّى يتم بضميمة عمومات الإجارة المستلزمة

__________________

(١) في «م» : جنبتين.

٤٢٦

للوجوب عليه ، فيشكل علينا دفع هذا الإشكال بالتزام الإجماع على هذا الوجه ؛ لعدم ثبوته عندنا بهذا الوجه ، بل المعتمد إنّما هو الإجماع على أصل الاستئجار ، وإطلاقه على ما نقلوه.

وكلام الذكرى في الإجماع وإن كان معلّلاً بالقاعدة ولكنّه لا ينافي صحّة أصل الإجماع ، فلعل الغفلة إنّما هي في بيان وجه الإجماع.

وكيف كان بل نقول : إنّه رحمه‌الله بعد ما نقل الإجماع في طيّ المسألتين اللتين ادّعى إجماع الإمامية عليهما ، إحداهما : جواز الصلاة عن الميت ، والثانية : أن كلّما جاز الصلاة عن الميت جاز الاستئجار عنه ، ادعى الإجماع على أصل جواز الاستئجار عن الميت من دون ملاحظة القاعدتين ، بل نقول : إنه ادّعى الإجماع على العموم بحيث يشمل استئجار الوليّ أيضاً.

ويظهر ذلك في مواضع من كلامه ، منها ما ذكره بعد ما نقل الإجماع على جواز الاستئجار عن الميت مع قطع النظر عن القاعدتين بعد ما ادّعى الإجماع في ضمن القاعدتين.

فقال : فإن قلت : فهلا اشتهر الاستئجار على ذلك والعمل به عن النبي والأئمة «كما اشتهر الاستئجار على الحج حتّى علم من المذهب ضرورة.

قلت : ليس كلّ واقع يجب اشتهاره ، ولا كلّ مشهور يجب الجزم بصحّته ، وربّ متأصّل لم يشتهر إما لعدم الحاجة إليه ، ثمّ ذكر بيان عدم الحاجة في الصلاة لاهتمام أصحاب الأئمة «بالصلاة وقضائها كما نقلنا عنه سابقاً.

إلى أن قال : فخلف من بعدهم قوم تطرّق إليهم التقصير ، إلى أن قال : فاحتاجوا إلى استدراك ذلك بعد الموت لظنهم عجز الوليّ عن القيام به ، فوجب ردّ ذلك إلى الأُصول المقررة والقواعد الممهدة وفيما ذكرناه كفاية (١).

__________________

(١) الذكرى : ٧٥.

٤٢٧

أقول : وأراد بالأُصول المقررة القاعدتين اللتين أشار إليهما ، فعلم من ذلك أنّ استئجار الوليّ الغير لما وجب عليه داخل في ضمن القاعدتين ، فظهر من ذلك أنّه رحمه‌الله ادّعى الإجماع عليه عموماً وخصوصاً ، بل ويظهر الإجماع من ابن زهرة أيضاً (١) ، حيث نقل في الذكرى قبل ذلك عنه ما يؤذن به ، قال : واستدل ابن زهرة على وجوب قضاء الولي الصلاة بالإجماع أنّها تجري مجرى الصوم والحج ، وقد سبقه ابن الجنيد بهذا الكلام حيث قال : والعليل إذا وجبت عليه الصلاة وأخرها عن وقتها إلى أن فاتت قضاها عنه وليّه كما يقضي حجّة الإسلام والصيام ، قال : وكذلك روى ابن يحيى بن إبراهيم بن سام عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقد سويّا بين الصلاة وبين الحج ، ولا ريب في جواز الاستئجار على الحج (٢) ، انتهى.

ثمّ ادّعى بعد ذلك الإجماع في طيّ القاعدتين ، ثمّ مطلقاً ، إلى آخر ما نقلنا عنه ، ويمكن أن يكون نقل قول ابن زهرة وابن الجنيد من ابن طاوس رحمه‌الله وعلى أيّ حال ، فظاهر دعوى ابن زهرة أنّ الصلاة كالحج اتحادهما في جميع الأحكام حتّى في استئجار الوليّ.

وكيف كان فالأظهر ترجيح جواز الاستئجار ، أما أوّلاً فلظاهر إجماع الذكرى عموماً وخصوصاً ، وظاهر دعوى ابن زهرة الإجماع على التسوية.

وأمّا ثانياً : فلعموم بعض الأخبار المتقدّمة كما قال ابن طاوس رحمه‌الله بعد ما نقل رواية عمر بن محمد بن يزيد الاتية قوله عليه‌السلام : «أخوه في الدين» إيضاح لكل ما يدخل تحت عمومه ، من الابتداء بالصلاة عن الميت أو بالإجارات.

وأمّا ثالثاً : فلمنع دخوله تحت ما يجب على المكلّف نفسه ؛ لأنّ المسلّم من الأخبار هو وجوب إبراء الذمة على الوليّ ، وأما بخصوص أن يفعل ببدنه فلا.

ويؤيده جواز وصيّة الميت بعباداته الواجبة كما سيجي‌ء ، سواء وصّى بالاستئجار

__________________

(١) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٣.

(٢) الذكرى : ٧٥.

٤٢٨

من ماله ، أو عيّن أحد الأولياء أو متبرعاً وقبلا.

فحينئذٍ يرتفع وجوب استئجار الوليّ من ماله أيضاً ، فضلاً عن إتيانه ببدنه ، فيتّضح اندراج المسألة تحت عموم استئجار العبادات غاية الوضوح.

والحاصل أنّ مباشرة الوليّ ببدنه وتعيّنه عليه خصوصاً على القول بدخول النساء في الوليّ ، وخصوصاً إذا فاتت العبادة من غير عذر ، وخصوصاً إذا كان الفائت ستّين سنة فصاعداً ، إذا فعلهما على الوجه الغير الصحيح تهاوناً ، وخصوصاً إذا قلنا بالوجوب عن الامّ أيضاً وماتا جميعاً ، وخصوصاً مع ضعف الوليّ يوجب العسر الشديد ، والحرج الأكيد ، ولم أقف على من فرّق بين هذه الصور.

ثمّ إنّ الظاهر أنّه يجوز استئجار أحد الوليين الأخر بقدر حصّته كما يجوز استئجارهما ثالثاً.

وأمّا استئجار أحدهما الأخر في المجموع فلا ؛ لعدم جواز أخذ الأُجرة على العبادة الواجبة على المكلّف ، وكفاية تبرّع أحدهما عن الأخر لا يستلزم جواز استئجاره إيّاه كما لا يخفى.

الرابع : قد أشرنا سابقاً إلى الخلاف في كفاية فعل المتبرّع عن الوليّ ، ونقول هنا : الإشكال في مسألة المتبرّع أكثر منه في مسألة الاستئجار ، ولذلك منعه العلامة في المنتهي (١) وابن إدريس (٢) وإن كان بإذن الوليّ ، وقوّاه في المدارك ؛ تمسكاً بأنّ الأصل عدم سقوط ما على المكلّف بفعل الغير (٣) ، وتوقّف في التحرير في صورة الإذن بعد ما منع عنه في صورة عدمه (٤).

والأقوى عندي هنا أيضاً السقوط مطلقاً ؛ للأخبار الكثيرة الدالة على أنّ ما فعله

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٦٠٤.

(٢) السرائر ١ : ٣٩٩.

(٣) المدارك ٦ : ٢٢٨.

(٤) التحرير ١ : ٨٣ ، فقد قال العلامة : لو صام أجنبي عن الميت بغير قول الوليّ فالأقرب عدم الإجزاء ، ولو أمره أو استأجره ففي الإجزاء نظر.

٤٢٩

أحد للميت كان له وبمنزلة عمله (١) ، لأعلى محض ثبوت ثوابه له ، فإنها ظاهرة في سقوط نفس العمل الواجب عليه عنه ، وبعد سقوط الفعل وبراءة ذمة الميت عنه لا يبقى معنى ظاهر لوجوبه على الوليّ.

ومن جملة الأخبار : رواية عبد الله بن أبي يعفور المتقدّمة وما في معناها ، وقد مرّت.

ومنها : الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ فعل الأجنبي عنه أيضاً يقوم مقام فعله ، نقلها الشهيد في الذكرى عن عليّ بن طاوس الحسيني رحمه‌الله في رسالته (٢) ، مثل رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : حدثني أخي موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «سألت أبي جعفر بن محمّد عليه‌السلام عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ فقال : نعم ، فيصلّي ما أحبّ ، ويجعل تلك للميت ، فهو للميت إذا جعل ذلك له».

ورواية عمّار بن موسى عن الصادق عليه‌السلام : وعن الرجل يكون عليه صلاة ، أو يكون عليه صوم ، هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال : «لا يقضيه إلا مسلم عارف».

ورواية عمر بن يزيد التي نقلها عن الفقيه عن الصادق عليه‌السلام : سأله أيصلّى عن الميت؟ فقال : «نعم ، حتّى أنّه ليكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق ، ثمّ يؤتى فيقال له : خفّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك».

ورواية حمّاد بن عثمان في كتابه قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت ، حتّى أنّ الميت يكون في ضيق فيوسع عليه ، ويقال : هذا بعمل ابنك فلان ، وبعمل أخيك فلان ، إخوة في الدين» وبمضمونها رواية عمر بن محمد بن يزيد.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٦٥ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢.

(٢) الذكرى : ٧٣ ، وانظر البحار ٨٨ : ٣٠٩ ، والوسائل ٥ : ٣٦٦ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٢.

٤٣٠

وبملاحظة الجمع بين الابن والأخ في الدين الشامل لعمل الوليّ ولعمل سائر المؤمنين يظهر أنّ المراد في الحديث أعمّ من الصلاة الواجبة والمندوبة ، وأنّ نفع صلاة الابن وصلاة الأخ في الدين من باب واحد ، فكما أنّ عمل الابن مسقط ، فكذلك الأخ في الدين. وهناك أخبار كثيرة أُخر لا حاجة إلى ذكرها.

تنبيهات :

الأوّل : إن مات الوليّ قبل الإتيان بما يجب عليه ، فهل يتعلّق بذمة وليه أم لا؟ استشكله في المختلف (١) ، وجعل الشهيدان الأقرب العدم (٢) ؛ للأصل ، واقتصاراً فيما خالفه على المتيقّن ، وهو نفس الولي ، وهو أظهر.

الثاني : لو أوصى بقضاء صلاته وبالاستئجار من ماله ، أو أوصى بأن يفعله أحد أوليائه بشخصه أو أجنبيّ وقبلاه ، فالأقرب السقوط عن الوليّ بسبب عموم وجوب العمل بالوصيّة ، هكذا ذكره الشهيد رحمه‌الله في الذكرى (٣).

ولا ينافي قوله السابق من عدم جواز استئجار الولي من جهة تعلّق التكليف ببدنه ؛ لأنّ غاية الأمر أنّ ما بقي في ذمة الميت بدون وصية حتّى يموت يكون واجباً على الوليّ ، ولا نعلم لزومه في هذه الصورة.

فإن قلت : النسبة بين أدلة الوصيّة ودليل اللزوم على الوليّ ، عموم من وجه ، وترجيح الأوّل يقف على الدليل.

قلنا : دليل الأولّ مقدّم بحسب المقتضي على الثاني ، فهو أحقّ بالتقديم.

وقال الشهيد الثاني رحمه‌الله أيضاً : لو أوصى على وجه يكون نافذاً يسقط عن الولي (٤)

__________________

(١) المختلف ٣ : ٥٣٥.

(٢) الذكرى : ١٣٩.

(٣) الذكرى : ١٣٩.

(٤) الروضة البهيّة ٢ : ١٢٥.

٤٣١

أقول : الأظهر السقوط ؛ لتقديم مقتضى الوصيّة ، ولكن الإشكال فيما لو لم يعمل الوصيّ بمقتضى الوصيّة ، فهل يجب حينئذٍ على الوليّ أم لا؟ ظاهر كلام الشهيدين حيث حكما بالسقوط عدم عود التكليف إليه ، وهو مقتضى الدليل ، والأحوط أن يأتي به الوليّ حينئذٍ. والظاهر عدم الفرق في المسألة بين الصلاة والصوم ؛ لوحدة الدليل.

الثالث : إن لم يكن للميت وليّ ، أو قلنا بعدم وجوب ما فات عن الميّت بلا عذر كما رجّحناه ، فإن أوصى بشي‌ء مما يجب عليه من العبادات فيجب العمل بمقتضى وصيّته على حسبها من الأصل أو الثلث.

وإن لم يوص ، فقال في الذكرى : ظاهر المتأخّرين من الأصحاب عدم وجوب الإخراج من ماله ؛ لأنّ الفرض لم يتعلّق بغير بدنه ، خرجنا في صورة الوصيّة عن مقتضاه بالإجماع ، وبقي غير صورة الوصيّة تحت الدليل (١).

ثمّ قال : وبعض الأصحاب أوجب إخراجها كالحجّ ، وصبّ الأخبار التي لا وليّ فيها عليه ، واحتجّ أيضاً بخبر زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ أباك قال لي : «من فرّ بها فعليه أن يؤدّيها». قال : «صدق أبي ، إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه» ثمّ قال : «أرأيت لو أنّ رجلاً أُغمي عليه يوماً ثمّ مات فذهبت صلاته ، أكان عليه وقد مات أن يؤدّيها؟» فقلت : لا ، قال : «إلا أن يكون قد أفاق من يومه» (٢) فظاهره أنّه يؤدّيها بعد موته ، وهو إنما يكون بوليّه أو ماله ، فحيث لا وليّ يحمل على المال ، وهو شامل لحالة الإيصاء وعدمه (٣) ، انتهى كلام الذكرى.

ولعلّ مراده من الأخبار التي استدلّ بها بعض الأصحاب عليه رواية عبد الله بن أبي يعفور المتقدّمة وما في معناها ، وفي دلالتها خفاء حيث إنّ ظاهرها بيان الرخصة والجواز ، لا وجوب القضاء مطلقاً.

__________________

(١) الذكرى : ١٣٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٦ ح ٤ ، الوسائل ٦ : ١١١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٢ ح ٢.

(٣) الذكرى : ١٣٩.

٤٣٢

وأمّا رواية زرارة فلا وضوح في دلالتها ، بل بعض ألفاظها متشابهة مع قطع النظر عن سندها ، ولم أفهم المراد من لفظ «قربها» (١) ومرجع الغير المنصوب فيها ، فإن كان المرجع فيها الميت بتأويل الجنازة ، والمراد من القريب الوليّ ، فلا دلالة فيها على ما نحن فيه.

وفي بعض النسخ مكان قربها «كان تركها» ثمّ جعل بالحك والإصلاح قربها ، وعلى نسخة «تركها» لها مناسبة في الجملة بالمطلوب.

ولعلّه نظر إلى ترك استفصال الإمام عن القريب فيشمل غير الوليّ ، ولما لم يجب على غير الوليّ فعلها بالإجماع ، فلا بد أن ينزّل على تحصيلها من مال الميت.

ويحتمل أن يكون أصل النسخة «فوّتها» من التفويت ، يعني فوت العبادات والصلاة ، فصحّفت ، وهو أنسب بمقصود المستدلّ.

وعلى أيّ حال فالاعتماد على مثل هذه الأدلّة في حكمٍ مخالف للأصل لا وجه له ، سيّما مع فتوى الأكثرين على خلافه ، بل ليس في النظر قول إلا ما ذكره الشهيد هنا ، وما (٢) نسبه في المسالك إلى أبي الصلاح أنّه جعله كالحج (٣).

نعم في كلام بعض أصحابنا إشارة إليه في كتاب الوصايا ، مثل المحقق رحمه‌الله في النافع حيث قال : ولو أوصى بواجب وغيره أُخرج الواجب من الأصل والباقي من الثلث (٤) ، وكذا عبارة الشرائع (٥).

ومقتضاه وجوب إخراج الواجب من الأصل مطلقاً ، ماليّاً كان مثل الزكاة ، أو مشوباً بالمال كالحج ، أو بدنيّاً محضاً كالصلاة والصوم ، وهذا الإطلاق مشعر بأنّه لو لم يوصِ يُخرج من الأصل كالزكاة والحج.

__________________

(١) الصحيح كما في المصادر المطبوعة «فرّ بها» يعني الزكاة ، ولعلّ نسخه كانت كذلك.

(٢) «ما» ليست في «م».

(٣) المسالك ٢ : ٦٥.

(٤) المختصر النافع ١ : ١٦٦.

(٥) شرائع الإسلام ٢ : ١٩٣.

٤٣٣

إلا أن يقال : المراد من قوله «بواجب» الواجب الإخراج لا ما هو واجب على المكلّف.

ولذلك قال في الذكرى في هذا المقام : لو أوصى بفعلها من ماله فإن قلنا بوجوبه لولا الإيصاء كان من الأصل كسائر الواجبات ، وإن قلنا بعدمه فهو تبرّع يخرج من الثلث إلا أن يجيزه الوارث (١).

وعلى كلّ حال فالمشهور أنّ الوصايا الواجبة البدنيّة تخرج من الثلث ، وما حسبه بعضهم أنّه لا خلاف فيه غفلة كما عرفت.

نعم قول المشهور أقوى ، فيجب الإخراج من الثلث الله مع إجازة الوارث.

نعم تقدّم الواجبات على المتبرّع بها وإن كانت مؤخّره في الذكر كما ذكره جماعة من الأصحاب ، ولم أقف على مصرّح بخلافه إلا صاحب الكفاية ، حيث أسند الفتوى إلى بعض الأصحاب ، وقال : إن حجّته غير واضحة (٢).

ويمكن أن يكون نظر الجماعة إلى العلّة المستفادة من حسنة معاوية بن عمّار لإبراهيم بن هاشم ، رواها في التهذيب قال : أوصت إليّ امرأة من أهلي بثلث مالها ، وأمَرَت أن يعتق ويحجّ ويتصدّق ، فلم يبلغ ذلك ، فسألت أبا حنيفة عنها ، فقال : يجعل أثلاثاً ، ثلث في العتق ، وثلث في الحج ، وثلث في الصدقة ، فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقلت : إنّ امرأة من أهلي ماتت وأوصت إليّ بثلث مالها ، وأمرت أن يعتق عنها ويتصدّق ويحج عنها ، فنظرت فيه فلم يبلغ ، فقال : «ابدأ بالحج ، فإنه فريضة من فرائض الله عزوجل ، ويجعل ما بقي طائفة في العتق وطائفة في التصدّق» فأخبرت أبا حنيفة بقول أبي عبد الله عليه‌السلام فرجع عن قوله وقال بقول أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

__________________

(١) الذكرى : ١٣٩.

(٢) الكفاية : ١٤٦.

(٣) الكافي ٧ : ١٩ ح ١٤ ، الفقيه ٤ : ١٥٦ ح ٥٤٣ ، التهذيب ٩ : ٢٢١ ح ٨٦٩ ، الاستبصار ٤ : ١٣٥ ح ٥٠٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٥ كتاب الوصايا ب ٦٥ ح ١.

٤٣٤

وتؤدّي مؤدّاها حسنته الأُخرى ، رواها أيضاً قبيل ذلك (١).

وأيضاً لا يخفى أنّ الواجب أولى بالإتيان به.

ولعلّ تقديم الموصي غيره بالذكر يكون منهياً عنه ؛ إذ لعلّه يصير موجباً لتفويت الواجب ، فلا يكون معتبراً في نظر الشارع ، ولا ينافي ذلك بقاء لزوم أصل العمل لو وفى الثلث به بحاله ، فليتأمل (٢).

الرابع : لو كانت ذمّة الوليّ مشغولة بصلاة القضاء لنفسه أو باستئجار آخر أو غير ذلك لا يصير منشأً للسقوط عنه ويجب عليه إتيانهما جميعاً.

وقال في الذكرى : والأقرب الترتيب بينهما ، عملاً بظاهر الأخبار وفحاويها ، نعم لو فاتته صلاة بعد التحمّل أمكن القول بوجوب تقديمها ؛ لأنّ زمان قضائها مستثنى كزمان أدائها ، وأمكن تقديم المتحمّل لسبق سببه (٣).

أقول : مراعاة الترتيب كما ذكره وإن كان أحوط ، ولكن لم يظهر عندي إلى الان دليل على وجوبه في أمثال ذلك.

نعم الذي يظهر من الأخبار والأدلّة هو وجوب الترتيب (فيما جعله الله مرتّباً ، كالترتيب) ؛ (٤) بين الظهرين ليوم واحد ، والعشاءين لليلة واحدة ، لا مطلق الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، فضلاً عن غيرهما.

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٨ ح ٨ ، الفقيه ٤ : ١٥٩ ح ٥٥٢ ، التهذيب ٩ : ٢١٩ ح ٨٥٨ ، الاستبصار ٤ : ١٣٥ ح ٥٠٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٦ كتاب الوصايا ب ٦٥ ح ٢.

(٢) وجه التأمّل : أمّا في الاستدلال بالسنّة ، فلأنّه لعلّ وجه تقديم الحجّ كون الإتيان بعد الموت فريضة كما هو الثابت المحقّق ، بخلاف العتق والصدقة ، لا مجرّد وجوبه في حال حياته ، وهذا المعنى في الصوم والصلاة غير ثابت ، فكيف يتعدّى إليهما بالعلّة المنصوصة؟! وأمّا في الثاني ، فلأنّ وجه تقديم الواجب وهو تخليص الذمة عن المأمور به الذي يعاقب على تركه ، وكون الصلاة والصوم مأموراً بهما بعد الموت أوّل الكلام ، وأمّا تحصيل ما يوجب رفع العقاب من أجل أنّ (الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) فهو موجود في التبرّع بها أيضاً ، وإنّما المسلّم ترجيحه على المتبرّع به إنّما هو فعل المكلّف حال حياته ، لا ما يفعل بعد مماته (منه قدس‌سره).

(٣) الذكرى : ١٣٩.

(٤) ما بين القوسين ليس في «م».

٤٣٥

وأما تقدّم الفجر مثلاً على الظهرين والظهرين على العشاءين واليوم الماضي على المستقبل ، فإنما هو من باب الاتفاق بتبعيّة الأوقات ، لا بجعل الشارع.

المبحث الثالث : فيمن يجب له القضاء.

هل يختصّ ذلك بالرجل ، أو يجب للمرأة أيضاً؟ فيه خلاف ، ظاهر إطلاق الأصحاب كما ذكره بعضهم العموم ، وإن كان يظهر من الذكرى أنّ ظاهر الأصحاب الاختصاص بالرجل (١) ، كما يظهر من مسألة الحبوة.

وصريح الشيخ في النهاية والمبسوط (٢) وابن البراج (٣) والعلامة في المختلف (٤) وأسنده فيه إلى جماعة ، والشهيد في الدروس واللمعة (٥) لزوم القضاء عنها.

ومال إليه في الذكرى ، قال : وكلام المحقق يؤذن بالقضاء عن المرأة ، ولا بأس به (٦).

ولعلّه أراد قوله في المعتبر ، حيث قال بعد نقله عن الشيخ : إنّ كلّ صوم كان واجباً على المريض بأحد الأسباب الموجبة ، فمات وكان متمكّناً من قضائه ، فإنه يتصدق عنه أو يصام عنه : وما ذكره رحمه‌الله صواب ، وعليه دلّ ظاهر الروايات.

وقال أيضاً : وحكم المرأة في ذلك حكم الرجل ، وما يفوتها من أيام حيضها وجب القضاء عليها ، فإن لم تقض وماتت وجب على وليّها القضاء عنها إذا فرّطت فيه ، أو يتصدق عنها على ما بيّناه (٧) ، انتهى.

__________________

(١) الذكرى : ١٣٩.

(٢) النهاية : ١٥٨ ، المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٣) المهذّب ١ : ١٩٧.

(٤) المختلف ٣ : ٥٣٧.

(٥) الدروس ١ : ٢٨٩ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٤.

(٦) الذكرى : ١٣٩.

(٧) المعتبر ٢ : ٧٠٢.

٤٣٦

وهو مؤذن بموافقته له ولكنه في الشرائع والنافع متردّد (١) كظاهر العلامة في التحرير (٢) ، واستشكل في القواعد (٣).

وأما القول بالعدم فهو مختار ابن إدريس (٤) وفخر المحققين (٥).

والأوّل أظهر ؛ لأنّ الغالب اشتراك الرجال والنساء في الحكم ، وذكر الرجل في الأخبار من باب المثال لا التخصيص كما أشار إليه في الذكرى ، ويدلّ عليه خصوص الأخبار ، مثل صحيحة أبي حمزة (٦) وموثّقة محمّد بن مسلم (٧) المتقدّمتين.

فإن قلت : غاية ما ثبت منها المشروعيّة والجواز لا الوجوب.

قلت : يمكن أن يقال : قرائن المقام ومعهوديّة القضاء في الواجب وفهم الأصحاب واستدلالهم يرجّح إرادة الوجوب.

فإن قلت : إنّ هذا ينافي ما ذكرته سابقاً من حمل تلك الأخبار في المسافر على الاستحباب في صورة عدم التمكن إلى أن مات.

قلت : صورة الدلالتين مختلفة ، فإنّها تدلّ من باب التنبيه على وجوب القضاء على الولي مع التمكّن خصوصاً في السفر بانضمام القرائن السابقة ، وتدلّ على استحباب قضاء صلاة المسافر مع عدم التمكّن بظاهرها ، فلا منافاة.

سلّمنا ، لكن عمومات الأخبار كافية في ذلك.

وقال بعض المتأخّرين : إني لم أقف على عموم وإطلاق في الأخبار يشملها ، بل

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٨٥ ، المختصر النافع ١ : ٧٠.

(٢) التحرير ١ : ٨٤ قال : قال الشيخ حكم المرأة في ذلك حكم الرجل ، فما يفوتها من زمن الحيض أو السفر أو المرض يجب قضاؤه ، ولا الصدقة عنه ، إلّا مع تمكنها من القضاء والإهمال ، فيجب على الولي القضاء أو الصدقة كما قلنا في الرجل ، خلافاً لابن إدريس.

(٣) القواعد ١ : ٦٧.

(٤) السرائر ١ : ٣٩٩.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٢٤٠.

(٦) الكافي ٤ : ١٣٧ ح ٩ ، الفقيه ٢ : ٩٤ ح ٤٢٣ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٤.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ح ٧٤١ ، الوسائل ٧ : ٢٤٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٦.

٤٣٧

بعضها صريح في حكم المرأة كصحيحة أبي حمزة ، لكن دلالتها غير واضحة ، وبعضها صريحة في الرجل (١).

ويظهر الجواب عنه مما مرّ.

وأمّا العمومات التي ذكرناها فهي كثيرة ، منها ما رواه في المعتبر ، عن عروة ، عن عائشة عن النبي أنّه قال : «من مات وعليه صيام صام عنه وليّه» (٢).

ومن طريق الخاصة الأخبار التي قدّمناها سابقاً ، ومن جملتها رواية عبد الله بن سنان التي نقلها في الذكرى عن ابن طاوس رحمه‌الله وحكم بصحتها ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «الصلاة التي حصل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به» (٣).

ورواية زرارة المتقدمة أنفاً.

وكذلك رواية عبد الله بن أبي يعفور المتقدّمة وما في معناها ، وإن كان يمكن فيها القدح من جهة أنّها لبيان الجواز لا الوجوب.

وعلى أيّ حال فلما لم يكن في جانب المنع شي‌ء إلا الأصل ، وهو لا يقاوم إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان فقط ، فضلاً عما إذا ضمّ إليها غيرها ، فيترجّح القول بالوجوب.

واستدلّ عليه في المختلف أيضاً بصحيحة أبي بصير المتقدّمة في مسألة من فاته شهر رمضان لمرض من وجوه :

الأوّل : سؤاله عليه‌السلام : «هل برأت من مرضها؟» قال : لا ، فأجابه بسقوط القضاء ، ولو لا أنّ البرء يوجب القضاء لما صحّ هذا السؤال.

__________________

(١) الرياض ٥ : ٤٤٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٠١.

(٣) الذكرى : ٧٤ نقلها عن كتاب غياث سلطان الورى لابن طاوس (مخطوط) ، وأُنظر الوسائل ٥ : ٣٦٦ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١٨.

٤٣٨

والثاني : تعليله عليه‌السلام عدم القضاء عنها بعدم إيجابه عليها ، وعند انتفاء العلّة ينتفي المعلول ، فيجب القضاء عنها عند الإيجاب.

الثالث : تعليل تعجّبه عليه‌السلام في قوله : «كيف يقضي شيئاً لم يجعله الله عليها؟!» بانتفاء الإيجاب ، فيجب أن يكون مع الإيجاب يجب القضاء (١) ، هذا كلامه رحمه‌الله وفيه نظر يظهر للمتأمل.

ويؤيّد ما اخترناه ، بل يدلّ عليه : الأمر الشديد والاهتمام الوكيد في برّ الوالدين ، حتّى الكافر والمخالف منهما ، حتّى أنّه تعالى رخّص في ترك الجهاد لإيناسهما ، وفي خصوص الام ، سيّما ما ورد في تقديمها على الأب.

فمنها ما رواه الكليني في الحسن لإبراهيم بن هاشم عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «جاء رجل إلى النبيّ وقال : يا رسول اللهُ ، من أبرّ؟ قال : أُمّك ، قال : ثمّ من؟ قال : أُمّك ، قال : ثمّ من؟ قال : أُمّك ، قال : ثمّ من؟ قال : أباك» (٢).

فهذا الحديث يدلّ على تقديم الوالدة على الوالد في البرّ ، فإذا وجب البرّ للوالد بقضاء ما وجب عليه ، فالوالدة أولى.

وروى فيه أيضاً ، عن معلّى بن خنيس ، عنه ، قال : «جاء رجل وسأل النبي عن برّ الوالدين ، فقال : ابرر أُمّك ، ابرر أُمّك ، ابرر أُمّك ، ابرر أباك ، ابرر أباك ، وبدأ بالأُم قبل الأب» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على تقديم الام ، سيّما مع ملاحظة شفقتها عليه ، وكثرة عنائها في تربيته حال الحمل والوضع والرضاع والفطام مما لا يخفى على ذي بصيرة.

وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إنّ العبد ليكون بارّاً بوالديه في

__________________

(١) المختلف ٣ : ٥٢٤.

(٢) الكافي ١ : ١٥٩ ح ٩.

(٣) الكافي ١ : ١٦٢ ح ١٧.

٤٣٩

حياتهما ثمّ يموتان ، فلا يقضي عنهما دينهما ، ولا يستغفر لهما ، فيكتبه الله عزوجل عاقّاً ، وإنّه ليكون عاقا لهما في حياتهما غير بارّ بهما ، فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما ، فيكتبه الله عزوجل بارّاً» (١) وقد مرّ أنّ في أخبار كثيرة إطلاق الدين على الصلاة ، فالدلالة فيها من وجهين ، وبالجملة ظنّي أنّ المسألة واضحة والحمد لله.

المبحث الرابع : اختلفوا في وجوب القضاء عن العبد استشكله في القواعد ، وتردّد فيه في البيان ، وقرّبه في الدروس ، وجعله أقرب في الذكرى ، وصرّح باللزوم في اللمعة ، وجعله الشهيد الثاني رحمه‌الله في شرحها أقوى (٢) ، وكذا الفاضل الأصفهاني في شرحه ، وتشمله عبارة كلّ من أطلق الوجوب عن الميت بإطلاقها.

وذهب فخر المحقّقين إلى العدم ، قال في الإيضاح : ومنشأ الإشكال عموم قولهم عليه‌السلام : «فعلى وليّه أن يقضي عنه» واعترض بقولهم «في تمام الخبر : «فإن لم يكن له وليّ تصدّق عنه من تركته» دلّ بالمفهوم على الحرية ، فهذه المسألة ترجع إلى أنّ الضمير إذا رجع إلى البعض هل يقتضي التخصيص أم لا؟ فقد حقّق ذلك في الأُصول ، والحقّ عندي عدم القضاء لما تقدّم (٣).

قال الفاضل الأصفهاني بعد نقل كلامه : ونحن لم نظفر بخبر فيه ذلك ، وإنما الخبر الذي تعرّض للتصدق خبر أبي مريم ، وليس فيه ذكر الصوم إلا بعد التصدّق في إحدى طريقيه كما عرفت ، ولفظه كما سمعت : «وإن صحّ ثمّ مرض حتّى يموت وكان له مال تصدّق عنه» ولا نفهم من هذه العبارة ما ذكره.

أقول : وظنّي أنّ نظر فخر المحقّقين رحمه‌الله إلى رواية أبي مريم على ما نقلناها عن الصدوق ، وتأخّر ذكر الصوم عن التصدّق لا يضرّ بمقصده ؛ إذ مراده أنّ لفظ الرجل

__________________

(١) الكافي ١ : ١٦٣ ح ٢١.

(٢) قواعد الأحكام ١ : ٦٧ ، البيان : ١٥٤ ، الدروس ١ : ٢٨٩ ، الذكرى : ١٣٩ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٤.

(٣) الإيضاح ١ : ٢٤١.

٤٤٠