غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

على نفسه صدقة على من صام يوماً مثلاً.

ولكن الإشكال في حصول الثواب بمقدار الصوم التامّ ، ومقتضى العدل والاعتبار التفاوت مطلقاً كما دلّت عليه صحيحة عبد الله بن سنان ، فتحمل صحيحة هشام على أنّ المراد حسبان شطري اليوم له في الجملة وإن لم يحسب له يوماً تامّاً فيمن نوى قبل الزوال دون من نوى بعده ، أو تخرج صحيحة عبد الله بن سنان إلى نوع من الإطلاق لتشمل ما بعد الزوال ، فتكون المزيّة الواردة في صحيحة هشام من باب التفضّل.

تذنيبان :

الأوّل : قال الشيخ في الخلاف : وأجاز أصحابنا في نيّة القربة في شهر رمضان خاصة أن تتقدّم على الشهر بيوم وأيّام (١) وكذلك اختار جواز التقديم في النهاية والمبسوط (٢).

وقال في المبسوط : إنّ ذلك إذا لحقه سهو أو نوم أو إغماء عند دخول الشهر ومنعه عن تجديد النيّة ، وإن كان ذاكراً فلا بدّ من تجديدها. والظاهر أنّ مراده في الخلاف أيضاً ذلك.

ومنع المتأخّرون كفاية التقديم (٣) ، وادّعى في المختلف الإجماع على البطلان إذا لم يجدّد مع التذكر (٤) ، وكذلك يظهر الإجماع من الشهيد في البيان (٥).

أقول : ولم نقف في تفصيل الشيخ وتحديده باليوم والأيّام على مستند ، إلا أن يكون هناك إجماع اطّلع عليه كما يظهر من لفظه ، وهو مشكل.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٦٦ مسألة ٥.

(٢) النهاية : ١٥٢ ، المبسوط ١ : ٢٧٦.

(٣) السرائر ١ : ٣٧٢ ، المنتهي ٢ : ٥٦٠.

(٤) المختلف ٣ : ٣٧٥.

(٥) البيان : ٣٥٩.

٤١

ويمكن توجيهه : بأن يكون المراد من السهو ، السهو عن إخطار النيّة ، فإنّه لا ينافي استمرار الحكم الذي اعتبروه في صورة التبييت ، وكذلك النوم والإغماء لا ينافيان الداعي واستمرار الحكم ؛ لأنّ المنافي إنّما هو نيّة الخلاف كما أشرنا إليه سابقاً.

ولا ينافي ذلك قوله عليه‌السلام : «لا صيام لمن لم يبيت بالصيام» (١) ؛ لأنّه حصر إضافيّ بالنسبة إلى النهار ، فلا يجوز تركها عمداً حتّى يدخل النهار ، لا أنّه لا يجوز الاكتفاء بالداعي والاستمرار السابق على دخول الشهر مع عدم حصول نيّة الخلاف.

نعم إذا حصل السهو عن الشهر والصيام ، مثل أن يعتقد أنّ الشهر الاتي شهر شعبان مثلاً ، أو قصد الأكل والضيافة في أوّل الشهر مثلاً سهواً ، ويبقى على هذه الحالة حتّى يذهب شي‌ء من النهار ، فيرد على الشيخ أنّه لا دليل على كفاية ذلك ؛ لعدم بقاء استمرار الحكم حين الدخول في الشهر ، وسيجي‌ء الكلام فيما لو حصل ذلك بعد تبييت النيّة.

وأما قوله بلزوم التجديد لو كان ذاكراً فيبقى غير ظاهر الوجه إلا مع اشتراط الإخطار بالبال ، ولا دليل على أصله ، فضلاً عن هذا المورد الخاصّ.

ولعلّ دعوى الإجماع من العلامة أيضاً لم تكن مبنيّة على خصوصيّة أُخرى غير لزوم الإخطار ، بل ادّعاه في اعتقاده أنّ النيّة إنّما هي الإخطار ، ولما كان خلاف الشيخ إنّما هو في صورة السهو ، فتبقى صورة الذُّكر تحت قاعدة النيّة متفقاً عليها عند القائلين بالإخطار.

وعلى ما حقّقناه من كفاية الداعي ، فيكفيه الداعي عند التذكّر ، ولا يحتاج إلى التجديد ؛ إذ هو عين النيّة.

الثاني : المشهور بين الأصحاب سيّما المتقدّمين تجويز أن ينوي من أوّل شهر رمضان صومه أجمع ولا يحتاج إلى تجديدها في كلّ ليلة ، وادّعى عليه الإجماع

__________________

(١) عوالي اللآلي ٣ : ١٣٢ ح ٥ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٣.

٤٢

الشيخ بل الشيخان (١) كما يظهر من المختلف (٢) ، والسيّد في الانتصار والمسائل الرسيّة (٣) ، ونقل عن ابن زهرة أيضاً (٤). وأسنده في المنتهي إلى أصحابنا ، وكذلك في التذكرة (٥).

وذهب العلامة في المختلف والتذكرة إلى وجوبها في كلّ ليلة (٦) ، وكذلك الشهيد في الدروس والبيان (٧).

ويظهر من النافع اختيار الأوّل (٨).

وأمّا في سائر كتب المحقّق (٩) وبعض كتب العلامة كالتحرير والمنتهى ، فيظهر منهما نوع تردد وميل إلى الجواز مع أولويّة تجديدها كلّ يوم (١٠) ، كالشهيد في اللمعة (١١) ، وصريح ابن إدريس (١٢) أيضاً الجواز ، مع أفضليّة الثاني.

واحتجّ الأولون : بأنّه عبادة واحدة ، فيكفي فيه نيّة واحدة ، فتؤثر فيه النيّة الواحدة كما أثّرت في اليوم الواحد إذا وقعت في ابتدائه.

والآخرون : بأنّها عبادات منفصلة ، ولهذا لا يبطل البعض بفساد الأخر.

أقول : والأظهر ما اختاره الأكثر ؛ للإجماعات المنقولة ، فإنّ مثل هذه الإجماعات مع العمل المعروف سيّما من القدماء يكفي في إثبات الحكم الشرعي.

__________________

(١) المقنعة : ٣٠٢ ، الخلاف ٢ : ١٦٤ مسألة ٣.

(٢) المختلف ٣ : ٣٧٣.

(٣) الانتصار : ٦١ ، المسائل الرسيّة (رسائل الشريف المرتضى) ٢ : ٣٥٥.

(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١

(٥) المنتهي ٢ : ٥٦٠ ، التذكرة ٦ : ١٦ مسألة ٧.

(٦) المختلف ٣ : ٣٧٣ ، التذكرة ٦ : ١٦.

(٧) الدروس ١ : ٢٦٦ ، البيان : ٢٢٧.

(٨) المختصر النافع ١ : ٦٥.

(٩) المعتبر ٢ : ٦٤٩ ، الشرائع ١ : ١٦٨.

(١٠) التحرير ١ : ٧٦ ، المنتهي ٢ : ٥٦٠.

(١١) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٠٦.

(١٢) السرائر ١ : ٣٨٤.

٤٣

ويكفي في النيّة استمرار حكمها كما يكفي ذلك في نيّة الليلة بالنسبة إلى تمام اليوم.

وذكر تأثير النيّة في الشهر تشبيهاً باليوم ليس من باب القياس ، بل هو تنظير لبيان عدم منافاة الغفلة عن نيّة كلّ يوم لحكم النيّة السابقة ، وأنّ استمرار حكم نيّة أوّل الشهر ينوب عن نيّة كلّ ليلة ، واستمرار حكمها لذلك اليوم ، فالمهم حينئذٍ بيان ما ينافي استمرار حكم النيّة وما لا ينافي.

والظاهر أنّه لا يتفاوت الحال بينه وبين نيّة الليلة ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

فالإجماع مخصص لأدلّة وجوب تبييت النيّة ، أو مبيّن لأنّ المراد من النيّة أعمّ من نفس النيّة واستمرار حكمها الحاصل منها في الليلة ، أو ما قبلها.

وأما الاستدلال بأنّها عبادة واحدة فهو مشكل ؛ لأنّ الظاهر أنّها عبادات متعدّدة ؛ لعدم بطلان بعضها ببطلان الأخر ، بخلاف الصلاة الواحدة وصوم اليوم الواحد.

وقد أورد الشهيد الثاني رحمه‌الله أيضاً عليه بأنّ من شأن العبادة الواحدة عدم جواز تفريق النيّة على أجزائها (١) ، وهؤلاء يقولون بجواز الاكتفاء بالنيّة لكلّ يوم ، بل يقولون بأفضليته وأولويته وكونه أحوط ، ومن فرّق بين العبادات ، وجعل بعضها مما يقبل التعدّد والاتّحاد كالوضوء والغسل بالنسبة إلى الأعضاء ، حيث جوّز بعضهم تفريق نيّة رفع الحدث على الأعضاء ، دون مثل الصلاة وصوم اليوم الواحد ، فإنّه وإن كان يتمّ فيه تفريق النيّة ، ولكن لا تتمّ الأولويّة والأحوطيّة ؛ لأنّه إنّما تتمّ إذا جمع بين نيّة الكلّ والتفريق ، فالاحتياط فيما نحن فيه هو الجمع لا الاكتفاء بنيّة كلّ واحد ، وكذلك الكلام في غسل الأموات.

أقول : الظاهر أنّ مراده من تفريق النيّة على أجزائها الاكتفاء بنيّة الأجزاء عن نيّة المجموع.

__________________

(١) البيان : ٢٢٧.

٤٤

فإن أراد من النيّة هو القصد إلى الفعل الخاصّ لله تعالى ، فلا دليل على عدم جواز تفريقها وتكريرها وبسطها في الأجزاء والاكتفاء بها ، بل هو مطلوب يقيناً ، إلا أنّه يكتفي فيما لو نوى أوّلاً للكلّ باستمرار الحكم ، ولا فرق في ذلك بين مثل الصلاة ، ومثل الوضوء وغيرهما ، فالاكتفاء بالنيّة لكلّ واحد واحد من أجزاء الصلاة تقرّباً إلى الله لا دليل على عدم جوازه ، وكذلك الكلام في غسل كلّ من الأعضاء في الوضوء والغسل وقصد الوقوف في عرفات والمشعر ونحو ذلك.

وإن أراد من النيّة هي ملاحظة الغاية أيضاً من مثل رفع الحدث واستباحة الصلاة وأمثال ذلك ، فلا ريب أنّ القصد إلى كلّ جزء من الأجزاء باعتقاد أنّ له مدخليّة في تلك الغاية أيضاً مما لا غائلة فيه.

نعم لم يقل أحد بوجوبه.

وأما قصد رفع الحدث والاستباحة رأساً لذلك الجزء فهو مما لا مسرح له ؛ لأنّ الشارع إنّما وضع المجموع لرفع مجموع الحدث والاستباحة ، ولا يستقلّ البعض في الجميع ولا في البعض المعيّن أعني : الحدث المتعلّق بذلك العضو مثلاً فقصد ذلك خلاف موضوع الشارع ، فلا وجه للتفريق بهذا المعنى أصلاً ، ولا تخفى سخافة قول من ذهب إليه ، والظاهر أنّ مراد القائل أيضاً هو في الجملة ، وهو ما أشرنا إليه.

وبالجملة نيّة العبادة إمّا تلاحظ بالنسبة إلى أصل العبادة ، أو إلى أجزائها من حيث إنّها أجزاؤها ، ولا ريب أنّ أصل العبادة لا بدّ فيه من النيّة ، وكون الباعث عليها هو القصد إليها مميّزاً عن غيرها من العبادات والعادات تقرّباً إلى الله تعالى.

فالإشكال إنّما هو في أنّه هل تجب النيّة أوّلاً للمجموع ثم يكفي في الأجزاء استمرار النيّة الحكميّة ، بمعنى عدم قصد المنافي ، أو يجوز أن ينوي في كلّ واحد واحد ذلك الواحد بالخصوص ثمّ يكتفي بمجموع النيّات عن نيّة المجموع؟ وقد عرفت أنّه لا دليل على تعيّن الأوّل.

وأمّا العبادات المتغايرة المتمايزة بهيئاتها وتراكيبها فلا ريب في لزوم النيّة في كلّ

٤٥

منها ، فارتباط الأُمور التي من قبيل العبادات بعضها ببعض يتصوّر على وجوه ، ويختلف إطلاق الاتّحاد والتعدّد عليها وحكمهما بحسب اختلاف الموارد.

فقد يكون من باب ارتباط الجزء بالكلّ كالركوع بالنسبة إلى الصلاة ، والوقوف بالنسبة ، إلى الحج.

وقد يكون من باب ارتباط الشرط والمشروط ، كالوضوء مع الصلاة ، والحج مع العمرة ، وصلاة الميت مع غسله.

وقد يكون من باب ارتباط جزئيات الماهيّة بعضها مع بعض ، والغالب في ذلك في الأفراد المجتمعة تحت صنف كالصلوات الخمس ، وصوم أيّام شهر رمضان ، ولا حكم لارتباط أجزاء هذا القسم في التصحيح والتركيب.

فالقاعدة تقتضي في القسمين الأخيرين استقلال كلّ منها بالنيّة.

وأما مثل غسل الأموات فيحتمل كون الأغسال الثلاثة فيه من باب أعضاء الغسل ، ويحتمل أن يكون من باب الشرط والمشروط ، فتأثير كلّ منها موقوف على وجود الأخر وإن استقلّ كلّ برأسه.

فحينئذٍ نقول : صوم أيّام رمضان إن كان عند هؤلاء من باب تركّب الأجزاء ، بأن يقال : وضَعَ الشارع عبادة مركّبة ، وهو وجوب إمساك الأيّام وإفطار الليالي في هذا الشهر بأجمعه ، فالمجموع المركب مثل الصلاة ، فلا ريب أنّ النيّة الّتي جعلوها لكلّ يوم أفضل وأولى إنّما هو مثل نيّة كلّ واحد من أجزاء الصلاة ، ومثل وقوف عرفات ، فينوي أنّه يمسك هذا اليوم قربة إلى الله ، وهكذا سائر الأيّام.

ولا دليل على منافاة جواز ذلك للوحدة ، وليس هذا معنى تفريق النيّة التي لا يجوز جزماً ، وكذلك إن كان من باب الشرط ولم يقل به أحد.

وأما الوجه الثالث فلم يقل أحد بأنّ الاتحاد بهذا المعنى يوجب عدم صحّة تفريق النيّة وتعديدها.

نعم لو قيل لا يجوز في كلّ من الأيّام نيّة صوم جميع رمضان فله وجه ، ولكنه

٤٦

خلاف الفرض.

وحينئذٍ فلو فرضنا كون صوم رمضان من باب الصلاة عند هؤلاء فلا مانع من جواز تعديد النيّة بهذا المعنى بلا إشكال.

وأمّا حديث الأولويّة والأفضليّة ، فأمّا عند القدماء فيحتمل أن يكون مرادهم أفضليّة النيّة في كلّ يوم بعد الإتيان بالنيّة الواحدة للمجموع كما هو ظاهر المقنعة (١) ، ولا ينافي قولهم في هذا المقام : يجوز الاكتفاء بنيّة واحدة ، أو تكفي نيّة واحدة ، فإنّ معناه أنّه لا يجب تجديد النيّة بعده وإن كان أفضل ، لا أنّه يجوز الاكتفاء ويجوز تركه والاكتفاء بنيّة كلّ فرد فرد ، والثاني أفضل.

ويمكن أن يكون مبنى كلامهم على منع لزوم نيّة واحدة في الأوّل للعبادة الواحدة مطلقاً ، بل يقولون : مقتضى العبادة الواحدة جواز النيّة الواحدة لها وإمكانها بالإمكان العام المشتمل على الوجوب والإمكان الخاص.

ففي مثل الصلاة يجب استقلالها بالنيّة في أوّلها بالنسبة إلى مجموع المركب ، وفي مثل الحج والغسل والوضوء يجوز الاكتفاء بنيّة جزء ثمّ جزء إلى أن يتمّ ، فمجموع النيّات فيه هي نيّة المجموع.

فيجعلون صوم شهر رمضان من قبيل الحج وأمثاله ، فلا مانع من جواز الاكتفاء بنيّة واحدة في الأوّل للمجموع ، كما أنّه يجوز الاكتفاء بنيّة كلّ واحد واحد إلى آخر الشهر ، فيكون مجموع النيّات نيّة المجموع.

ومع هذا فيكون ذلك أفضل من النيّة الواحدة لدليل آخر ، وقد لا تكون هناك أفضليّة كالوضوء والغسل.

هذا للمستدلّين في الاكتفاء بأنّها عبادة واحدة ، وأمّا لو بنى الأمر على الإجماع فلا إشكال ؛ إذ لا مانع من ثبوت الإجماع على جواز الكفاية وجواز التجديد مع أفضليّة

__________________

(١) المقنعة : ٣٠٢.

٤٧

التكرير والتجديد ، بل الإجماع عليه كما يظهر من المنتهي ، حيث قال بعد الإشكال في المسألة ، واختيار أولويّة التعدّد : إن قلنا بالاكتفاء بالواحدة فإنّ الأولى تجديدها بلا خلاف فتأمّل (١).

وأمّا المتأخّرون المستشكلون ، سيّما الجماعة الذين وقع الخلاف في المسألة قبل زمانهم ، فمرادهم أنّ ذلك أقرب ، فيكون من باب (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) كما هو ظاهر اللمعة (٢).

ويحتمل أن يكونوا متوقّفين في المسألة ويرون التخيير ، لكن يجعلون التعديد أرجح وأفضل.

أو مرادهم أنّ مقتضى فتوى القدماء جواز الوحدة لا تعيّنها ، ومقتضى قول من خالفهم في وجوب التعدّد عدم جواز الاكتفاء ، فالأحوط الأخذ بمجمع القولين وبناء العمل عليه وهو التجديد.

تنبيهات :

الأوّل : إن قلنا بعدم جواز النيّة الواحدة ، فلو فعل كذلك فيكفي عن اليوم الأوّل لتضمّنها ذلك كما صرّح به في المسالك (٣).

الثاني : قال في المنتهي : لو نذر شهراً معيّناً أو أيّاماً معيّنة متتابعة لم يكتفِ فيها بالنيّة الواحدة أما عندنا فلعدم النصّ ، وأما عندهم فللفرق بين صوم لا يقع فيه غيره وبين صوم يجوز أن يقع فيه سواه (٤).

أقول : ولعلّ مراده من النصّ الإجماع ، ولو كان المعيار في الجواز ثمّة كونها عبادة

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٥٦٠.

(٢) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٠٧.

(٣) المسالك ٢ : ١٠.

(٤) المنتهي ٢ : ٥٦٠.

٤٨

واحدة لقوي القول بالجواز هنا ؛ لأنّ الظاهر هنا أيضاً الوحدة ، ولو كان المعيار هو الإجماع فلا يتعدّى ؛ لعدمه ، بل الظاهر أنّ عدمه إجماعيّ كما يظهر من الدروس (١).

الثالث : الأظهر إلحاق ما لو فاته بعض الشهر في جواز الاكتفاء بنيّة واحدة للباقي بل قيل بأولويته ، وقيل بعدم الاكتفاء ؛ لأنّ شهر رمضان إما عبادة واحدة أو ثلاثون عبادة فلا وجه لإخراجه إلى ثالث.

وردّ : بأنّ العبادة الواحدة لا تسقط بفوات بعضها لعذر ، وهو كذلك.

الرابع : لا ينعقد صوم في شهر رمضان غير ما فرض الله فيه لا فرض ولا ندب ؛ لعدم التوظيف ، فيكون بدعة ، أمّا في الحضر فواضح.

وأمّا في السفر فلعين ما ذكر أيضاً ، ومنع انصراف عمومات النافلة إليه ، وكذلك ما دلّ على جواز المنذور لو قيّد النذر بالسفر والحضر ، سيّما بعد ملاحظة الأخبار الواردة بوجوب الإفطار في السفر (٢) ؛ وحملها على الإفطار عن الصوم المعهود بعيد ، وكذلك الأخبار الكثيرة الدالّة على المنع عن الصوم في السفر وخصوصاً على القول بعدم جواز النافلة مطلقاً في السفر كما هو الأشهر الأظهر ، وسيجي‌ء ، وسيّما بعد ملاحظة مرسلتي إسماعيل بن سهل (٣) والحسن بن بسام الجمال (٤).

وقول الشيخ في المبسوط بجواز النافلة فيه في السفر بناءً على جواز مطلقها في السفر (٥) ضعيف ، وسيجي‌ء تمام الكلام.

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٦٧.

(٢) الوسائل ٧ : ١٢٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٠ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٢٣٦ ح ٦٩٢ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ ح ٣٣٤ ، الوسائل ٧ : ١٤٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٤. قال أبو عبد الله (ع) في صوم السفر : شعبان إليّ إن صمت وإن شئت لا ، وشهر رمضان عزم من الله على الإفطار.

(٤) الكافي ٤ : ١٣١ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٦ ح ٦٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٠٣ ح ٣٣٥ ، الوسائل ٧ : ١٤٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٥. كان الصادق (ع) قد صام شعبان في سفره وأفطر حين رأى هلال رمضان ، فقال : إنّ ذاك تطوّع ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلّا ما أُمرنا.

(٥) المبسوط ١ : ٢٧٧.

٤٩

وهل يقع عن رمضان ما نواه عن غيره في الحضر؟

الأقرب التفصيل بالعمد وغيره ، والبطلان في صورة العمد دون الجهل والنسيان ، وفاقاً لجماعة من المتأخّرين ، منهم ابن إدريس (١) والعِمة في المختلف (٢) ، ومقتضى إطلاق كلام الشيخ في المبسوط (٣) والسيد (٤) وابن زهرة (٥) وابن حمزة (٦) والمحقّق في الشرائع (٧) وقوعه عنه ، وصرّح في المعتبر بوقوعه عنه ولو كان عمداً (٨) ، وتوقّف في المنتهي (٩) والقواعد (١٠) وأطلق نفي الإجزاء في الإرشاد (١١) ، وحمله الشهيد في الشرح على العمد (١٢).

لنا على البطلان في صورة العمد : أنّه لأعمل إلا بنيّة ، وهو لم ينوِ صوم رمضان ؛ للمنافاة بين قصده وقصد غيره ، ولأنّ قصد الغير حرام فمفسد.

وأمّا في صورة الجهل والنسيان ؛ فظاهرهم الاتّفاق على وقوعه كما صرّح به في المدارك (١٣) ، وقال في المسالك : لا قائل بفساد الصوم مطلقاً ، فكان التفصيل أوجه (١٤).

ويدلّ عليه : ما ورد في صوم يوم الشكّ وسيجي‌ء الكلام وظاهرهم عدم الفرق ؛

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٧٢.

(٢) المختلف ٣ : ٣٧٦.

(٣) المبسوط ١ : ٢٧٦.

(٤) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٣.

(٥) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١.

(٦) الوسيلة : ١٣٩.

(٧) شرائع الإسلام ١ : ١٦٩.

(٨) المعتبر ٢ : ٦٤٥.

(٩) المنتهي ٢ : ٥٥٨.

(١٠) القواعد ١ : ٦٣.

(١١) إرشاد الأذهان ١ : ٣٠٠.

(١٢) غاية المراد ١ : ٣٢٢.

(١٣) المدارك ٦ : ٣١.

(١٤) المسالك ٢ : ١٢.

٥٠

مع إشعار بعض الأخبار الواردة فيه بما يفيد الاطراد

ويؤيّده ما ورد في رفع الخطأ والجهل والنسيان ومعذوريّتها.

وإنّما جعلناه مؤيّداً مع أنّ بعضهم استدلّ به لأنّ غايته سقوط الإثم ، وهو لا يستلزم الصحّة ، فالاعتماد على الإجماع وإشارات الأخبار ، وإلا فيرد عليه حديث عدم النيّة الواقعيّة.

وقال المفيد في المقنعة : ثبت عن الصادقين» أنّه لو أنّ رجلاً تطوّع شهراً وهو لا يعلم أنّه شهر رمضان ثمّ تبيّن له بعد صيامه أنّه كان شهر رمضان ، لأجزأه ذلك عن فرض الصيام (١).

أقول : وستجي‌ء رواية الزهري أيضاً ، وفيها إشارة إليه.

احتجّوا : بأنّ نيّة رمضان يكفي فيها قصد الصوم قربة إلى الله كما مرّ ، وهو حاصل فيما نحن فيه ، وما زاد لغو.

وفيه : أنّ المقيّد لا ينوب عن المطلق ، وكفاية المطلق إنّما هي لانصرافه إليه والقيد مانع عنه ، فما نواه لم يقع ، وما وقع لم ينوِ.

ويمكن أن يوجّه كلامهم : بأنّ مرادهم أنّ العالم العامد مع علمه بأنّه لا يقع غيره عنه فقد لغى في القصد إلى التعيين ، فكأنّه لم ينوِ غيره ؛ إذ النيّة تصديق لفعل المنوي لا تصوّره ، والمفروض فيما نحن فيه هو تصوّر الغير ؛ لعدم إمكان التصديق به.

ويدفعه : أنّ ذلك لا ينفع في تصحيح نيّة رمضان ؛ إذ انتفاء الغير لا يوجب حصولها ، فيكون خالياً عن نيّة رمضان ، فالمفيد فيها إنّما هو قصده بعينه.

بل التحقيق أنّ كفاية الإطلاق إنّما هي لأجل عدم اعتبار الإخطار في النيّة ، وإلا فلا بدّ من أن يكون الداعي إليه هو قصد صوم رمضان ، وإنّما خرجت صورة الجهل والنسيان بالدليل ، وإلا لقلنا فيها بالبطلان أيضاً ؛ لعدم النيّة المعتبرة.

__________________

(١) المقنعة : ٣٠٢ ، الوسائل ٧ : ١٥ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ١٣.

٥١

الخامس : يستحب صوم يوم الشك ، وهو الثلاثون من شعبان إذا تحدّث الناس بالرؤية ولم يشهد بها أحد ، أو شهد من لا يثبت بقوله ، أو دلّ عليه اعتبار رصديّ مع الصحو والاجتهاد ، بل ومطلق الثلاثين على المشهور الأقوى ؛ للإجماعات المنقولة عن الخلاف والانتصار والناصريّة والغنية (١) ، وهو ظاهر الروضة (٢).

وعن المفيد في العزية : يكره صوم يوم الشك إذا لم يكن هناك عارض ، وتيقّن أوّل الشهر ، وكان الجو سليماً عن العوارض ، وتُفقّد الهلال ولم يرَ مع اجتهادهم في الطلب ، ولا يكون هناك شكّ ؛ يكره صومه حينئذٍ ، إلا لمن كان صائماً قبله شعبان أو أيّاماً تقدّمته من شعبان ، بذلك جاءت الآثار عن آل محمّد صلوات الله عليهم (٣).

وقال ابن الجنيد : لا أستحب الابتداء بصيام يوم الشكّ إلا إذا كان في السماء علّة تمنع من الرؤية استظهاراً (٤).

ولهما شواهد من الأخبار (٥).

ولكن الأقوى المشهور ؛ للأخبار المستفيضة (٦) المعتبرة المعتضدة بالعمل والإجماعات.

وكيف كان ؛ فإذا نوى يوم الشكّ ندباً أجزأ عن رمضان إذا انكشف أنّه منه بإجماعنا ، بل إجماع المسلمين كما يظهر من الفاضلين (٧) ، والأخبار المعتبرة به مستفيضة لا حاجة إلى ذكرها ، وسيجي‌ء بعضها.

وألحق جماعة بذلك كلّ واجب معيّن فُعل بنيّة الندب مع عدم العلم ، مثل ما لو نذر

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٧١ ، الانتصار : ٦٢ ، المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ٢٠٦ مسألة ١٢٨ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٠.

(٢) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٩.

(٣) نقله في المعتبر ٢ : ٦٥٠ ، والمختلف ٣ : ٥٠٣.

(٤) نقله عنه في المختلف ٣ : ٥٠٣.

(٥) الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥.

(٦) الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥.

(٧) المعتبر ٢ : ٦٥١ ، المنتهي ٢ : ٥٩٣.

٥٢

صوم أوّل يوم من رجب واشتبه عليه ، أو نسي ونواه ندباً ، ولا يخلو من إشكال ؛ لعدم الاكتفاء بنيّة القربة مطلقاً كما مرّ ، ولعدم ثبوت الأولويّة.

نعم يمكن أن يقال : إنّ القضاء إنّما هو بفرض جديد ، ولم يثبت ، فيسقط التكليف بذلك وهل يتأدّى رمضان بواجب آخر حينئذٍ أم لا؟ الأظهر نعم ، بل يظهر من الشهيد في الدروس الأولويّة وطرد الحكم في كلّ معيّن ، قال في الدروس : ويتأدّى رمضان وكلّ معيّن بنيّة فرض غيره بطريق الأولى (١).

والاعتماد على الأولويّة مشكل ، ولكنه مقتضى إطلاقات الأخبار الواردة في إجزاء صوم يوم الشكّ عن رمضان.

ولا مانع من صومه بنيّة الوجوب.

وما ورد من الأخبار الدالّة على أنّا مأمورون بصومه عن شعبان ومنهيّون عن صومه عن رمضان فلا ينافي ذلك ؛ إذ المراد من صومه عن شعبان أن لا نصومه عن رمضان ، لا وجوب صومه بنيّة الندب إن صمناه ؛ إذ صوم شعبان يشمل صومه وجوباً وندباً وقضاءً وأداءً.

وهل يجزئ ذلك عن الواجب أيضاً لو انكشف كونه عن رمضان؟ الأظهر لا ؛ لأصالة عدم التداخل إلا ما ثبت بالدليل.

واحتمل في المدارك إجزاءه عمّا نواه ؛ لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء (٢).

وهو مشكل ؛ لما ذكرنا ، ولدلالة الأخبار على ذلك ظاهراً ، مثل ما رواه الكليني ، عن الزهري ، عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، في حديث طويل ، قال : «وصوم يوم الشكّ أُمرنا به ونُهينا عنه ، أُمرنا أن نصومه مع صيام شعبان ، ونُهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس».

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٦٨.

(٢) المدارك ٦ : ٣٦.

٥٣

فقلت له : جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئاً ، كيف يصنع؟ قال : «ينوي ليلة الشك أنّه صائم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه ، وإن كان من شعبان لم يضرّه».

فقلت : وكيف يجزئ صوم تطوّع عن فريضة؟! فقال : «لو أنّ رجلاً صام يوماً من شهر رمضان تطوّعاً وهو لا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمّ علم بذلك لأجزأ عنه ؛ لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه» (١) الحديث.

ورواه الشيخ أيضاً والصدوق أيضاً عنه (٢).

وروى أيضاً عن محمّد بن حكيم ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن اليوم الذي يشكّ فيه ، فإنّ الناس يزعمون أنّ من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان ، فقال : «كذبوا ، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفّق له ، وإن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام» (٣).

وعن بشير النبّال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن صوم يوم الشك ، فقال : «صمه ، فإن يك من شعبان كان تطوّعاً ، وإن يك من شهر رمضان فيوم وفّقت له» (٤) فإنّها تدلّ على أنّه لا يحسب عن غير رمضان إذا انكشف كونه منه.

وأمّا لو نواه عن رمضان فالمشهور أنّه لا يجزي (٥) ، وعن الشيخ في الخلاف (٦)

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٥ ح ١ ، الوسائل ٧ : ١٤ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٦ ح ٨٩٥ ، الفقيه ٢ : ٧٩ ح ٣٤٨.

(٣) الكافي ٤ : ٨٣ ح ٨ ، التهذيب ٤ : ١٨١ ح ٥٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٧٧ ح ٢٣٤ ، الوسائل ٧ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٧.

(٤) الكافي ٤ : ٨٢ ح ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٩ ح ٣٥٠ ، التهذيب ٤ : ١٨١ ح ٥٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ ح ٢٣٦ ، الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٩ ، الانتصار : ٦٢ ، جوابات المسائل الرسية الاولى (رسائل الشريف المرتضى) ٢ : ٣٥٤ ، الجمل والعقود : ١٢٠ ، النهاية : ١٥١ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ ، المهذّب ١ : ١٨٩ ، المراسم : ٩٦ ، السرائر ١ : ٣٨٤ ، الوسيلة : ١٤٨.

(٦) الخلاف ٢ : ١٨٠ مسألة ٢٣.

٥٤

وابن الجنيد (١) وابن أبي عقيل الإجزاء (٢).

لنا : أنّه تشريع ، فيكون باطلاً ، والأخبار المستفيضة ، منها رواية الزهري المتقدّمة.

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان ، فقال عليه‌السلام : «عليه قضاؤه وإن كان كذلك» (٣).

وعن قتيبة الأعشى قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نهى رسول اللهُ عن صوم ستّة أيّام : العيدين ، وأيّام التشريق ، واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان» (٤).

ومنها قوية سماعة الاتية ، ومنها غير ذلك (٥).

واحتجّ الشيخ بإجماع الفرقة وأخبارهم على أنّ من صام يوم الشكّ أجزأه عن رمضان ولم يفرّقوا (٦).

وأُجيب بالمنع عن عدم الفرق ؛ لوجوده في كلام الأصحاب ، وأخبارهم.

وقد يستدلّ له بموثّقة سماعة ، قال : سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدري أهو من شعبان أو من رمضان ، فصامه من شهر رمضان ، قال : «هو يوم وفّق له ، ولا قضاء عليه» (٧).

وفيه : أنّه معارض بروايته الاتية المعتضدة بالأخبار الكثيرة المعتبرة ، منها ما تقدّم.

مع أنّه في الكافي «فصامه فكان من شهر رمضان». والظاهر أنّ السقط وقع من قلم الشيخ ، مع أنّه يحتمل أن يكون الظرف حالاً من الضمير المنصوب كما احتمله

__________________

(١) المختلف ٣ : ٣٨٠.

(٢) المختلف ٣ : ٣٨٠.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٢ ح ٥٠٧ ، الوسائل ٧ : ١٥ أبواب وجوب الصوم ب ٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٣ ح ٥٠٩ ، الوسائل ٧ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٦ ح ٢.

(٥) الوسائل ٧ : ١٥ أبواب وجوب الصوم ب ٦.

(٦) الخلاف ٢ : ١٨٠ مسألة ٢٣.

(٧) الكافي ٤ : ٨١ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ١٨١ ح ٥٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ ح ٢٣٥ ، الوسائل ٧ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٦.

٥٥

في المختلف (١).

وكيف كان ؛ فالمذهب هو المشهور.

ثمّ إنّ هذه المسألة في الجاهل بالحكم الغافل الذي يحسب وجوبه عليه لشبهة مبتنية على كون المنع من باب التنبيه وتعليم الجاهل وتنبيه الغافل ، فلزوم القضاء إنّما هو بفرض جديد دلّت عليه الروايات ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.

وأمّا العالم بالمسألة الذي يعلم بالانتفاء شرعاً ، فقال في المدارك : ولا يخفى أنّ نيّة الوجوب مع الشكّ إنّما تتصور من الجاهل الذي يعتقد الوجوب لشبهة ، أمّا العالم بانتفائه شرعاً فلا يتصوّر منه ملاحظة الوجوب إلا على سبيل التصوّر ، وهو غير النيّة ، فإنّها إنّما تتحقّق مع الاعتقاد (٢).

فإن أراد أنّه لا يضرّ ذلك لأنّه لا ينفكّ حينئذٍ عن نيّة الندب أو الصوم المطلق فيكون صحيحاً فهو ممنوع ، فإنّ غاية ذلك عدم نيّة الوجوب ، وهو لا يستلزم نيّة الندب أو المطلق بدون القيد.

وإن أراد بيان نفس الأمر في نيّة الوجوب فهو كما ذكره.

ويرد عليه أيضاً : أنّه استدلّ أوّلاً على البطلان بأنّه تشريع فيكون حراماً ، وذلك لا يجامع انحصار النيّة في الجاهل ، فإنّ التحريم لا يتعلّق بالجاهل ، ويمكن أن يكون مراده الجاهل بالتفصيل وإن كان عالماً بوجوب تحصيل المسائل إجمالاً وكان مقصراً في التحصيل.

فحاصل الكلام في البطلان يؤول إمّا إلى عدم الإتيان بالمأمور به وثبوت القضاء بالفرض الجديد فقط ، أو إلى كون تلك العبادة حراماً منهياً عنها أيضاً ، فتكون باطلة ؛ لدلالة النهي على الفساد.

وأمّا لو ردّد نيّته بأن ينوي «أنّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً ، وإلا كان ندباً»

__________________

(١) المختلف ٣ : ٣٨٣.

(٢) المدارك ٦ : ٣٤.

٥٦

أو (١) ينوي «إنّي أصوم غداً لوجوبه أو لندبه ، أو أصوم إما واجباً وإما ندباً» ، فعن الشيخ في الخلاف والمبسوط (٢) وابن حمزة (٣) والعِمة في المختلف (٤) وابن أبي عقيل الإجزاء (٥).

وعن الشيخ في سائر كتبه (٦) وابن إدريس (٧) والمحقّق (٨) والعِمة في سائر كتبه (٩) وأكثر المتأخّرين (١٠) العدم. وهو أقرب ؛ لأنّه عبادة ، ولم يوظّف كذلك ، فيكون تشريعاً ؛ لأنّ العبادة إما واجبة ، وإما مندوبة ، ولا ثالث لهما ، وقد أثبتنا استحبابه بالإجماعات والأخبار الكثيرة (سيّما المفصّلة) (١١) بأنّا أُمرنا أن نصومه من شعبان ، ونهينا أنّ نصومه من رمضان ، منها ما مرّ.

ومنها : موثّقة سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ، ولا نصومه من شهر رمضان ؛ لأنّه قد نُهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ ، وإنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل الله سبحانه» (١٢).

ومنها : الأخبار الناهية عن صوم يوم الشكّ على الإطلاق (١٣) ، خرج صومه بنيّة

__________________

(١) في «ح» : أي.

(٢) الخلاف ٢ : ١٧٩ مسألة ٢١ ، المبسوط ١ : ٢٧٧.

(٣) الوسيلة : ١٤٠.

(٤) المختلف ٣ : ٣٨٣.

(٥) نقله عنه في المختلف ٣ : ٣٨٣.

(٦) النهاية : ١٥١ ، التهذيب ٤ : ١٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٨٠.

(٧) السرائر ١ : ٣٨٤.

(٨) المعتبر ٢ : ٦٥١ ، الشرائع ١ : ١٨٧ ، النافع ١ : ٦٥ ، النهاية ونكتها ١ : ٣٩١.

(٩) القواعد ١ : ٦٣ ، الإرشاد ١ : ٣٠٠.

(١٠) المسالك ٢ : ١٣ ، المدارك ٦ : ٣٧ ، الرياض ٥ : ٣٠٧.

(١١) ما بين القوسين ليس في «م».

(١٢) الكافي ٤ : ٨٢ ح ٦ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ ح ٥٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٧٩ ح ٢٤٠ ، الوسائل ٧ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٤.

(١٣) الوسائل ٧ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٦.

٥٧

الندب بالدليل ، وبقي الباقي.

ومنها : صحيحة هشام بن سالم ، وفي آخرها : «إنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان ، ومن خالفها كان عليه القضاء» (١).

ومنها : ما دلّ على حرمة الانفراد بصيام يوم الشكّ ، مثل رواية الزهري المتقدّمة وغيرها (٢) ، فإنّ الظاهر من الانفراد إخراجه عن صوم شعبان ، وهذا كذلك.

احتجوا بوجوه ضعيفة ، أقواها أمران :

الأوّل : كفاية نيّة القُربة وقد حصلت ، والتردّد إنّما هو في أمر خارج فيكون لغواً.

والثاني : أنّه نوى الواقع ، ونوى العبادة على وجهها ؛ لأنّه إن كان من شهر رمضان كان واجباً ، وإن كان من شعبان كان نفلاً ؛ فيجزئ.

ويرد على الأوّل : أنّ المسلّم في كفاية قصد القربة وعدم اشتراط التعيين في شهر رمضان هو إذا تفطّن له وعلم بأنّه شهر رمضان كما مرّ ، وأنّه يكفي قصد مطلق الصوم حينئذٍ ؛ لانصرافه إليه ، والمفروض عدم العلم ، وعدم قصد المطلق ، بل هو مقيّد بهذا الترديد ، والحصّة الموجودة بشرط فرد ليست نفس الماهيّة المطلقة ، سيّما إذا كانت منهياً عنها.

وعلى الثاني : أنّ الوجوب في نفس الأمر لا معنى له ، والمفروض أنّ تعلّقه بالمكلّف إنّما هو إذا علم دخول الشهر ، ومع عدم العلم فليس إلا مندوباً ، فالمطابق للواقع إنّما هو قصد الندب ، هذا.

ولا تنافي ما اخترناه نيّة الاحتياط لرمضان ، بمعنى أن يقصد في الإتيان بذلك المستحبّ عدم الإفطار في شهر رمضان في الواقع أيضاً كما صرّح به في المعتبر (٣).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٢ ح ٤٥٧ ، الوسائل ٧ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ٧ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٥٠.

٥٨

وهو المستفاد من الأخبار الكثيرة (١) ، مثل رواية بشير النبّال المتقدّمة (٢) وما في معناها ، فيصحّ أن ينوي : «إنّي أصوم غداً ندباً ، فإن كان من رمضان مجزياً عنّي ومسقطاً عنه ، وكنت غير مفطر له في نفس الأمر ، وإلا فكان لي أجر المندوب».

ومن هذا القبيل ما لو احتمل زكاة كانت واجبة عليه في ذمّته فيتصدّق بشي‌ء ، وينوي أنّه إن كانت زكاة في ذمّته فكان مسقطاً عنها ، وإلا كانت مستحبّة ، هذا فيما يمكن أن يكون من هذا القبيل.

وأمّا فيما لا يمكن مثل المردّد بين الزكاة والخمس في غير الصورة التي كان الأخذ والمُعطي كلاهما هاشميين ، فالحكم فيه مشكل.

ويحتمل التخيير والقرعة وكونه من باب المجهول المالك ، ويحتمل التنصيف ؛ لعدم المرجح.

ثمّ إنّ ما ذكر في يوم الشكّ يجري في سائر أيّام الشهر ، بل وفي غير شهر رمضان أيضاً.

والأظهر في الكلّ عدم جواز الترديد ، بل يُراعى في الكلّ استصحاب الحال السابق ، سواء كان واجباً معيّناً عليه أو ندباً ، كما لو كان نذر صوم آخر يوم من شعبان ، ففي النذر المعين يجب قصده ويجزي عن رمضان لو انكشف كونه منه.

واعلم أنّ الكلام السابق في حكم الجاهل والعالم يجري هنا أيضاً.

تنبيه :

لو أصبح يوم الشكّ بنيّة الإفطار ، وظهر كونه من الشهر قبل الزوال ولما يأتِ بما يفسد الصوم ؛ جدّد النيّة ، وأجزأه. والظاهر عدم الخلاف فيه ، وتظهر دعوى

__________________

(١) الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٨٢ ح ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٩ ح ٣٥٠ ، التهذيب ٤ : ١٨١ ح ٥٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ ح ٢٣٦ ، الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٣.

٥٩

الإجماع من الفاضلين (١) ، وتدلّ عليه رواية الأعرابي المتقدّمة (٢).

وأمّا لو ظهر بعد الزوال فيجب عليه الإمساك والقضاء ، ولا يجزي تجديد النيّة حينئذٍ على الأشهر الأظهر ، وقد عرفت قول ابن الجنيد وضعفه (٣).

قال في المسالك : ولو أفطره وجبت عليه الكفارة ؛ إذ لا منافاة بين وجوبها وعدم صحّة الصوم بمعنى إسقاط القضاء (٤).

أقول : سيظهر الكلام فيه فيما بعد.

وأمّا لو نوى ندباً وظهر كونه من الشهر فيجدّد النيّة ويجزيه مطلقاً.

السادس : لو عقد نيّة الصوم وغفل عنه في النهار أو نام أو نسي فلا شي‌ء عليه بلا خلاف.

وأمّا لو نوى فعل المفطر في أثناء النهار ولم يفطر ففيه خلاف ، المشهور أنّه أيضاً كذلك.

وقيّده المحقّق بما إذا جدّد نيّة الصوم بعد ذلك (٥) ، وكذلك العلامة في بعض كتبه (٦)

وعن أبي الصلاح (٧) وفخر المحقّقين في شرح الإرشاد (٨) : أنّه يفسد ويجب عليه القضاء والكفارة.

وقال في المختلف بالفساد دون الكفارة (٩).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٥٢ ، المنتهي ٢ : ٥٦١.

(٢) في ص ٣٧.

(٣) نقل عنه في المختلف ٣ : ٣٦٨ القول بجواز تجديد النيّة بعد الزوال ، وقد تقدّم في ص ٤١.

(٤) المسالك ٢ : ١٤.

(٥) الشرائع ١ : ١٦٩.

(٦) المنتهي ٢ : ٥٦٩.

(٧) الكافي في الفقه : ١٨٢.

(٨) الكتاب مخطوط.

(٩) المختلف ٣ : ٣٨٥.

٦٠