غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

شهر غير شعبان فإن كان إجماع فهو ، وإلا فهو مشكل.

وأمّا في غمّ الجميع ؛ فالأظهر فيه البناء على النقيصة ، بل بخصوص عدّ الخمسة.

والتحقيق أن يقال : إنّ ترك العمل على عدّ ثلاثين في الجميع كما اخترناه ليس لأجل ترجيح الظاهر على الأصل فقط كما يظهر من المسالك (١) ، بل لأنّه لا يمكن إجراء الاستصحاب أصلاً فيه ، بل ولا في صورة غمّ الكلّ ، ولا في البعض ، وإنّما قلنا بذلك في خصوص شعبان للدليل.

ووجهه : أنّا نعلم بالعيان أنّه ليس للشهور حدّ لا تتجاوزه ، فقد يكون الشهر ثلاثين ، وقد يكون تسعة وعشرين ، وتعيين خصوص الثلاثين بسبب الاستصحاب بناءً على أنّ الاستصحاب قد يثبت حكماً جديداً كما في حكاية استصحاب الطهارة في مادة عدم ناقضيّة المذي إنّما يتمّ لو صحّ إجراء الاستصحاب.

ولا يمكن فيما نحن فيه ؛ إذ معنى الاستصحاب إجراء ما ثبت في الزمان الأوّل في الزمان الثاني على مقتضى جري عادة الله على بقاء الحكم الأوّل ، فمرجعه إلى حصول الظنّ بسبب العادة ، فإذا كانت العادة مختلفة في أفراد كلّي ، فلا يمكن تسوية جميع أفراد الكلّي ، بل إنّما يقتصر على ما هو ثابت في الأقلّ استمراراً.

ولا ريب أنّ تفاوت الشهور في العدد يبنى على تفاوت أوضاع سير القمر ، والقمر في كلّ قطعة من الأيّام والأزمان يختلف بسبب اختلاف أوضاعه بالنسبة إلى الشمس ، فوضعه في هذا الزمان على خلاف وضعه في الزمان الأخر ، وعادة الله إنّما جرت في هذه على خلاف هذه.

فالتمسّك باستصحاب عدم تأخّر القمر عن الشمس ، وانسحاب مقتضى حالة اجتماعه معها في كلّ قطعة من تلك الأزمنة التي هي شهر على حدة ، تقتضي بقاءه على حاله إلى هذه الساعة التي خرجت من الظلمة إلى النور ، وهو قد يكون نهاية تسع

__________________

(١) المسالك ٢ : ٥٦.

٣٤١

وعشرين ، وقد يكون نهاية ثلاثين ، فكيف يحكم بأنه هو هذا دون ذاك تمسّكاً بمطلق استصحاب عدم التأخّر؟!

نعم الاستصحاب يتمّ في حصول مراتب التأخّر في كلّ منها على حدة ، فإذا علمنا أنّ لزيد مثلاً مسكناً في موضع ، ولكن لا نعلم أنّ بناءه من الأجر أو الحجر أو من القصب والسعف ، فلا يمكننا إجراء استصحاب بقائه بعد مائة سنة لأجل وجوده في الزمان الأوّل ، بل الاستصحاب إنّما يجري على أقلّهما مكثاً في الدنيا.

فبقاء القمر بلا نور قد تقصر مدّته وقد تطول ، ويختلف بالنسبة إلى الأهلّة ، فاستصحاب مطلق المكث الذي هو معيار الكلام هنا ليثبت الحكم في الجميع أو في كلّ واحد لا يتم إلا في القدر المتيقّن.

فالاستصحاب لا يقتضي إلا الحكم بعدم الخروج إلى مقدار زمان التسع والعشرين ، وأما انقطاعه حينئذٍ أو استمراره إلى الثلاثين فلا يفيده الاستصحاب ، فيبقى المقام مبهماً لا نحكم عليه بشي‌ء منهما.

وليس هنا مجال أن يتوهّم أنّ الاستصحاب إلى أقلّ الأزمان إن سلّم لتيقّنه ، لكن الخروج عن الاجتماع أمر وجودي والأصل عدمه ، وهو يقتضي تمام الثلاثين ؛ لأنّا لم نرد باعتبار استصحاب الأقلّ نفي الحكم عن الزائد والاستدلال به على الحكم بتسع وعشرين حتّى يعارض بأصالة عدم سرعة السير وعدم خروج القمر عن الاجتماع ، بل المراد أنّ الثابت بالاستصحاب إنّما هو هذا المقدار المشترك بينهما ، وهو لا يثبت شيئاً منها ، فما ذكره في المسالك من ترجيح العمل برواية الخمسة في صورة غمّ الجميع لترجيح الظاهر بحسب العادة والغلبة ، وترجيح العمل بعد ثلاثين في الشهرين والثلاثة للاستصحاب والتردد في أزيد من ثلاثة لا يرتبط بالدليل.

نعم يظهر من المدارك أنّ الحكم في الشهرين والثلاثة أيضاً إجماعيّ ، قال : وموضع الخلاف ما إذا غمّت شهور السنة أو أكثرها ، وأما الشهران والثلاثة فينبغي

٣٤٢

القطع بعدّها ثلاثين لما ذكرناه من امتناع الحكم بدخول الشهر بمجرّد الاحتمال (١) ، وهو مشكل.

ويظهر من الروضة والمسالك وقوع الخلاف فيه حيث جعله أقوى (٢) ، وقد ظهر مما ذكرنا خلافه.

ثمّ إنّه رحمه‌الله وجه الاستصحاب هنا بطريقين :

الأوّل : أن يقال إنّ الشهر المعيّن مثل شعبان واقع ثابت ، والأصل استمراره ، إلى أن يتحقق الزوال ، وليس إلا بمضي ثلاثين ، وكذا في غيره.

والثاني أن يقال : إذا حصلت الخفية للهلال وهو المحاق فالأصل بقاؤها وعدم إمكان الرؤية ، إلى أن يتحقق خلافه بمضي ثلاثين (٣).

أقول : قد عرفت عدم إمكان التمسّك بالاستصحاب على الوجه الثاني.

وأما الوجه الأوّل ؛ فإن كان مراده من قوله «الشهر المعيّن ثابت واقع» ثبوته ووقوعه بما هو شهر فهو أيضاً يرجع إلى الثاني ؛ إذ لا تتم حقيقة الشهر إلا بانقضاء زمان خفاء الهلال في أخره ، وقد عرفت عدم جريان الاستصحاب فيه.

وإن أراد منه استصحاب الأحكام الواردة فيها مثل وجوب الصوم في رمضان وتأكّد استحبابه في شعبان ، وتأكد استحباب التعزية في المحرّم ونحو ذلك ، ففيه : أنّه إنّما يتمّ إذا كان الواجب في رمضان مثلاً هو الصوم ، والمستحب المؤكّد في شعبان هو الصوم لا صوم رمضان وشعبان ، وكذلك المحرّم في السفر هو صوم رمضان ، لا الصوم في رمضان ، وهو في محل المنع ، والفرق بينهما واضح.

ويتفرّع على هذا الأصل فروع :

منها : جواز الصوم المندوب في شهر رمضان في السفر على القول بجوازه ، وكذا

__________________

(١) المدارك ٦ : ١٨٧.

(٢) الروضة البهيّة ٢ : ١١٣ ، المسالك ٢ : ٥٦.

(٣) المسالك ٢ : ٥٦.

٣٤٣

الصوم المنذور تفريعاً على أنّ الحرام هو صوم رمضان في السفر ، لا الصوم في رمضان.

والأظهر بالنظر إلى تتبّع النظائر هو الثاني ، فإنه يفيد أنّ ظرف الزمان من مميزات المهيّة ، كما نشاهد في غسل الجمعة وغسل العيد وغير ذلك ، بل وكذلك ظرف المكان والأفعال ، كغسل الإحرام والتوبة ودخول مكّة والمدينة ونحو ذلك.

وعلى هذا فيدخل في مهيّة تلك الأحكام المستصحبة تعلّقها بالشهر بما هو شهر ويعود المحذور.

ثمّ إنّك قد عرفت دليل الرجوع إلى عدّ الخمسة بأنه روايتا عمران الزعفراني (١) وغيرهما (٢) ، وهي مع ضعفها (٣) لا دلالة فيها على صورة غمّة الشهور كلّها كما لا يخفى ، ولا غمّة أكثر من شهر ، ولا بدّ من تقييدها بغير السنة الكبيسية كما عرفت.

وأما القول بالنقيصة مطلقاً فقال في المسالك : فليس فيه بيان الناقص ، ولكن إحالته على العادة يقرّبه من رواية الخمسة (٤).

أقول : والظاهر أنّ مراد القائل : «إنّ العادة تقتضي البناء على النقيصة ونقصان ستة أيام» من كلّ السنة ، وإذ لا مرجّح في تعيّنها في بعض الشهور دون بعض ، فمقتضى الأصل وعدم جواز الترجيح بلا مرجّح وبقاء التكليف تخيير المكلّف في جعل النقيصة في أيّ شهر أراد ، لا بمعنى جعل الجميع في شهر مثلاً ، بل جعل كلّ يوم في شهر حتى يكمل العدد.

والأولى أن لا يجعل شهرين متواليين ناقصاً وإن كان قد يتّفق ذلك ، بل قد رأينا

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٠ ح ١ ، ٤ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ ح ٤٩٦ ، ٤٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ ح ٢٣٠ ، ٢٣١ ، الوسائل ٧ : ٢٠٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠ ح ٣ وذيله ، قال : انظر اليوم الذي صمت فيه من السنة الماضية ، وعدّ خمسة أيّام وصم اليوم الخامس.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٠٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠.

(٣) لأنّ عمران مجهول ، انظر معجم رجال الحديث رقم ٩٠٦٨.

(٤) المسالك ٢ : ٥٧.

٣٤٤

مرة اتفق نقصان ثلاثة أشهر متواليات بل يجعل شهر تاماً وشهر ناقصاً.

فلعلّ العمل برواية الخمسة في غير الكبيسية أحسن ؛ جمعاً بين العمل بالروايات المعمولة عند جماعة ، وبين مقتضى العمل بالنقيصة ، فهو أفضل الأفراد المخيّر فيها إذا لم نقل بتعيّنه.

المسألة الثانية : المحبوس الذي لا يعرف الأهلّة ، والأسير الذي لا يعرف الشهور وجب عليه الاجتهاد والظاهر عدم الخلاف فيه ؛ لأنّه مكلّف بصوم رمضان إجماعاً كما صرّح به في التذكرة (١).

ومع اعتقاده إمكان المعرفة به يجب الطلب من باب مقدّمة الواجب.

فإن اجتهد وغلب على ظنّه أنّ هذا الشهر هو شهر رمضان فيبني عليه.

والظاهر أنّ وجوب البناء عليه أيضاً إجماعيّ ، وادّعاه بعض الأصحاب صريحاً (٢) ، ولأنّه إذا تعذّر عليه العلم يرجع إلى الظن ؛ لأنّ ترجيح المرجوح قبيح.

ولا ينوي الأداء والقضاء كما ذكره الفاضلان في المعتبر والمنتهى (٣).

ثمّ إن استمرّ الاشتباه أجزأ إجماعاً إلا عن الحسن بن صالح بن حي كما في التذكرة (٤)

وحكي عن المنتهي أيضاً (٥) ، ولأنّ الأمر يقتضي الإجزاء.

ولو ظهرت الموافقة أو تأخّره عن شهر رمضان بأجمعه أو ببعضه فيجزي أيضاً إجماعاً كما في التذكرة ، إلا عن الحسن بن صالح (٦).

__________________

(١) التذكرة ٦ : ١٤٢.

(٢) التذكرة ٦ : ١٤٢ ، المنتهي ٢ : ٥٩٣ ، المدارك ٦ : ١٨٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٩٠ ، المنتهي ٢ : ٥٩٣.

(٤) التذكرة ٦ : ١٤٢ ، وانظر المغني ٣ : ١٠١ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٥) المنتهي ٢ : ٥٩٣.

(٦) التذكرة ٦ : ١٤٢ ، وانظر المغني ٣ : ١٠١ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢.

٣٤٥

وإن اتفق كونه قبل رمضان فلا يجزيه بإجماع علمائنا كما في التذكرة ، بل إنّما نقل الخلاف عن أحد قولي الشافعي قياساً على إجزاء وقوف عرفات قبل عرفة بيوم في حال الاشتباه (١) ، والقياس مع أصله باطلان.

والظاهر أنّ بطلان البعض في صورة تقدّمه خاصة أيضاً إجماعيّ ، وهو ظاهر التذكرة (٢) والمحكي عن المنتهي (٣).

ويدلّ على أكثر ما تقدّم ما رواه الكليني والشيخ رحمه‌الله عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل أسرته الروم ولم يصم شهر رمضان ، ولم يدرِ أيّ شهر هو ، قال : «يصوم شهراً يتوخّاه ويحتسب ، فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزئه ، وإن كان بعد شهر رمضان أجزأه» (٤).

ولا وجه للقدح في سنده بسبب عبيس بن هشام كما وقع في المدارك لجهالته (٥) ، فإنّ الظاهر أنّه هو عباس بن هشام الثقة ، كما يظهر من النجاشي والخلاصة (٦).

مع أنّ الراوي عنه عبد الله بن المغيرة في سند الشيخ.

مع أنّ الصدوق رواه بسنده عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، وفي بعض النسخ عبد الرحمن بن أبي العلاء ، ولعلّه مصحّف.

وكيف كان فالسند معتبر جدّاً ، بل صحيح على الأظهر.

وفي الفقيه موضع لم يصم «لم يصح» ، وموضع يحسب «يحتبس» ، وموضع يتوخّاه «يتوخى» (٧).

__________________

(١) التذكرة ٦ : ١٤٢ ، وانظر المهذّب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، والمجموع ٦ : ٢٨٦ ، وحلية العلماء ٣ : ١٨٣ ، وفتح العزيز ٦ : ٣٣٨ ، والمغني ٣ : ١٠٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٢) التذكرة ٦ : ١٤٢.

(٣) المنتهي ٢ : ٥٩٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٨٠ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ ح ٩٣٥ ، الوسائل ٧ : ٢٠٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٧ ح ١.

(٥) المدارك ٦ : ١٨٨.

(٦) رجال النجاشي : ٢٨٠ ، الخلاصة : ١١٨.

(٧) الفقيه ٢ : ٧٨ ح ٣٤٦.

٣٤٦

ورواه المفيد في المقنعة أيضاً وسننقل عبارته.

ثمّ إنّ الشهيد الثاني وغيره ذكروا أنّه يلحقه حكم الشهر في وجوب المتابعة ، وإكمال ثلاثين لو لم ير الهلال في الطرفين ، فلو رآه فيهما فليس عليه إلا شهر هلالي.

نعم لو ظهرت المخالفة وكان رمضان تاماً وهذا ناقصاً فعليه قضاء يوم إن لم يكن شوّالاً ولا ذا الحجة ، وإلا فيومين أو أكثر ، لمكان العيدين وأيّام التشريق ، فلو توافقا في النقصان وكان شوالاً قضى يوماً ، وإن كان ذا الحجة قضى يوماً أو أكثر ، وإن كان رمضان ناقصاً وشوّال تامّاً فلا قضاء ، ويلحقه أحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة وحرمة الصوم.

وكذا لزوم الكفارة بإفساد يوم منه إن لم يتبيّن تقدّمه على رمضان ، وإلا ففيه الوجهان المتقدّمان في مثل الحائض إذا أفطرت أوّل النهار وحاضت في وسطه ، وكذا المسافر.

وكذا لو تبيّن التأخّر عن رمضان ؛ ففي لزوم كفّارة رمضان بالإفساد ، أو كفّارة قضاء رمضان وجهان.

وناقش صاحب المدارك في الإلحاق في تلك الأحكام ؛ لأصالة البراءة عن جميع ذلك ، واختصاص النص بالصوم.

أقول : إشكاله وجيه ، إلا في اعتبار التتابع وإكمال ثلاثين إن لم يرَ الهلال.

ولو لم يغلب على ظنّه شي‌ء فقالوا : إنّه يتخيّر في كلّ سنة شهر ، أياً منها أراد ؛ لأنّه مكلّف بالصوم ، ولا سبيل له إلى العلم بالشهر ولا الظنّ به ، فيثبت التخيير.

قال في المدارك : قد قطع به الأصحاب (١).

ويظهر من التذكرة أنّ المخالف فيه إنّما هو بعض الشافعية (٢) ؛ لأنّه لم يعلم دخول الشهر ولا ظنّه فلا يلزمه ، كما لو شكّ في دخول وقت الصلاة (٣) ، واحتمله

__________________

(١) المدارك ٦ : ١٨٩.

(٢) المجموع ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٤.

(٣) التذكرة ٦ : ١٤٤.

٣٤٧

في المدارك (١).

وهو ضعيف ؛ لشمول الرواية له ، بل الظاهر منها ذلك ، فإنّ التوخّي مطلق القصد إلى الشي‌ء.

قال في الصحاح : وخيت وخيك ؛ أي قصدت قصدك ، ثمّ قال : توخّيت مرضاتك ؛ أي تحرّيت وقصدت (٢).

ولكن قال في التحرّي : أنّه طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن كالتقمّن ، قال : وفلان يتحرّى الأمر ؛ أي يتوخّاه ويقصده ، وتحرّى فلان بالمكان أي تمكّث (٣).

وعلى هذا فشمول الرواية لهذه مشكل ، إلا أن يقال : إنّ المعيار هو قوله عليه‌السلام : «يصوم شهراً» والتوخّي أمر آخر غير الأمر بصوم شهر ، وهو دائر مدار الإمكان وحصول الفائدة ، فإن انتفى إمكانه أو لم تحصل منه فائدة فيبقى الأمر بصيام شهر مخيّراً فيه بدليل العقل ، وبالجملة فالرواية مع فتواهم تكفي في ذلك.

ثمّ إنّه يظهر من المحقّق الأردبيلي عدم وجوب التفتيش في صورة استمرار الاشتباه (٤) ، ولكن ظاهر الرواية لزومه سيّما على ما في الفقيه من لفظ «يحسب» على زنة يضرب.

وقال المفيد في المقنعة في باب الزيادات : وسئل يعني الصادق عليه‌السلام عن رجل أسرته الروم فحبس ولم يرَ أحداً يسأله ، فاشتبهت عليه أُمور الشهور ، كيف يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال : «يتحرّى شهراً فيصومه يعني : يصوم ثلاثين يوماً ثم يحفظ ذلك ، فمتى خرج أو تمكن من السؤال من أحد ؛ نظر فإن كان الذي صامه كان قبل شهر

__________________

(١) المدارك ٦ : ١٨٩.

(٢) الصحاح ٦ : ٢٥٢٠.

(٣) الصحاح ٦ : ٢٣١١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ١٥٤ ، ١٦٢.

٣٤٨

رمضان لم يجز عنه ، وإن كان هو هو فقد وفّق له ، وإن كان بعده أجزأه» (١).

ولا بدّ من مراعاة المطابقة بين الشهرين في سنتين ، بأن يكون بينهما أحد عشر شهراً ، وإلا كان أحد الشهرين غير رمضان على اليقين.

قيل : وتجري فيه الأحكام المتقدّمة في الشهر المظنون ، إلا أنّه يجوز له ترك ما اختاره أوّلاً واختيار شهر آخر في أثنائه ، ولا كفارة في الإفطار حينئذٍ ؛ لعدم الدليل على التعيّن عليه بسبب اختياره ذلك (٢).

ويظهر من التذكرة عدم وجوب التتابع هنا ، بل جعله أولى (٣) ، وهو مشكل ، بل الظاهر الوجوب.

قال في المسالك : ولو اتفق للأسير صيام شهر رمضان تطوعاً فالأقرب الإجزاء عنه (٤). وقد صرّح به في التذكرة أيضاً (٥) ، وهو منقول عن المنتهي (٦) تمسّكاً بظاهر قوله عليه‌السلام في صيام يوم الشك بنية الندب : «هو يوم وفّقت له» (٧).

أقول : وقد نقلنا عن المفيد في صوم المقنعة في صوم يوم الشك ما يدل صريحاً على ذلك (٨).

وأما وقت وجوب الإمساك

فهو طلوع الفجر الثاني بإجماع العلماء والآية ؛ (٩) والأخبار ، إلا في الجماع ، فيجب

__________________

(١) المقنعة : ٣٧٩ ، الوسائل ٧ : ٢٠٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٧ ح ٢.

(٢) المسالك ٢ : ٥٧.

(٣) التذكرة ٦ : ١٤٤.

(٤) المسالك ٢ : ٥٨.

(٥) التذكرة ٦ : ١٤٥.

(٦) المنتهي ٢ : ٥٩٤.

(٧) الكافي ٤ : ٨٢ ح ٤ ، الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٢.

(٨) المقنعة : ٢٩٨.

(٩) البقرة : ١٨٧.

٣٤٩

قبله بقدر الغسل ؛ لحرمة تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر على الأشهر الأقوى كما مرّ.

وقد مرّ بيان حقيقة الفجر في كتاب الصلاة (١).

ووقت الإفطار

غروب الشمس ، والمشهور تحديده بذهاب الحمرة المشرقيّة (٢) ، وذهب جماعة إلى أنّ حدّه استتار القرص (٣) ، ولا يخلو من قوّة وإن كان الأوّل أحوط ، وقد مرّ الكلام في ذلك أيضاً.

قالوا : ويستحبّ تقديم الصلاة على الإفطار إلا أن يكون هناك من ينتظره للإفطار فتقديمه أفضل ؛ لما رواه الصدوق في الصحيح ، والكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سئل عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ فقال : «إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ ثمّ ليفطر» (٤).

وما رواه الكليني ، والشيخ في الموثّق ، عن زرارة وفضيل ، عن الباقر عليه‌السلام : «في رمضان تصلّي ثمّ تفطر ، إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الإفطار ، فإن كنت معهم ، فلا تخالف عليهم وأفطر ثمّ صلّ ، وإلا فابدأ بالصلاة».

قلت : ولم ذاك؟ قال : «لأنّه قد حضرك فرضان : الإفطار والصلاة ، فابدأ بأفضلهما ، وأفضلهما الصلاة». ثمّ قال : «تصلّي وأنت صائم فتكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحبّ إليّ» (٥).

__________________

(١) الغنائم ٢ : ١٤٦.

(٢) الشرائع ١ : ٥١.

(٣) علل الشرائع : ٣٥٠ ح ٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٨١ ح ٣٦٠ ، الكافي ٤ : ١٠١ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ١٠٧ أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ١٩٨ ح ٥٧٠ ، مصباح المتهجّد : ٥٦٩ ، الوسائل ٧ : ١٠٨ أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ٢.

٣٥٠

ويدلّ عليه الإجماع والأخبار الدالّة على أنّ الصلاة في أوّل الوقت أفضل ، خصوصاً المغرب ؛ لقلة وقت فضيلته ، ولما ورد في استجابة دعاء الصائم (١) ، والصلاة مشتملة عليه.

ويظهر من ذلك استحباب تأخيره عن العشاء ، ولكن العلامة في التذكرة قال : ويستحبّ تعجيل الإفطار بعد صلاة المغرب إن لم يكن من ينتظره للإفطار ، ولو كان استحب تقديمه على الصلاة ، روى العامة عن رسول اللهُ ، قال : «يقول الله تعالى : أحبّ عبادي إليّ أسرعهم فطراً» (٢) و (٣).

وعن المنتهي : أنّهم رووه عن أبي هريرة عنه عليه‌السلام (٤) ، وعن نهاية ابن الأثير : ومنه الحديث : «إذا حضر العشاء فابدؤا بالعشاء» العشاء بالفتح الطعام الذي يؤكل عند العَشاء ، وأراد بالعشاء صلاة المغرب (٥) ، انتهى.

وأنت خبير بأنّه لا حجّة فيما ذكر علينا ، فالاستباق إلى العبادة والدعاء أفضل.

وما تُشعر به رواية زرارة والفضيل من أنّه أحد الفرضين على فرض تسليمه لا يوجب أفضليته ؛ إذ لا ريب أنّ الإفطار إن سلّم وجوبه فليس بفوريّ ، وإلا فالمراد بكونه فرضاً النهي عن الوصال وعدم نقض الصيام في الليل.

ويدلّ على أفضليّة تقديم الصلاة أيضاً : أنّ صفاء الخواطر في حال الجوع أكثر ، وتوجّه النفس إلى الله أسهل إن لم يكن بحدّ لا يحفظ نفسه ولا يقوى على ضبطها ، وأيضاً فيه مخالفة النفس التي جزاؤها كون الجنة هي المأوى.

ويدلّ على استحباب التأخير لرفع انتظار المنتظر مضافاً إلى الروايات عمومات ما دلّ على فضيلة إجابة دعوة المؤمن ، وإدخال السرور في قلبه ، ودفع الأذى عنه ، فإنّه

__________________

(١) الوسائل ٧ : ١٠٥ أبواب آداب الصائم ب ٦.

(٢) التذكرة ٦ : ٢٣٢.

(٣) المغني ٣ : ١١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٨١ ، سنن الترمذي ٣ : ٨٣ ح ٧٠٠ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٧.

(٤) المنتهي ٢ : ٦٢٤.

(٥) نهاية ابن الأثير ٣ : ٢٤٢.

٣٥١

قلّما يوازنه شي‌ء من الأعمال في الثواب.

ثمّ إنّ الإفطار قد يطلق على مجرّد ما يبطل الصوم ولو بحبّ من التمر أو الزبيب ، وقد يطلق على أكل ما يعتاد أكله من الغذاء.

والأدلّة المذكورة منها ما يدلّ على الأوّل مثل استجابة دعاء الصائم ، ومنها ما يدلّ على الثاني كالروايات المتقدّمة.

فالأولى تقديم الصلاة عليهما جميعاً.

ثمّ إنّ المحقق (١) وغيره (٢) ذكروا استحباب تأخير الصلاة إذا نازعته نفسه في تقديم الصلاة.

قال في المدارك : ولم أقف على رواية تدلّ عليه ، وربّما كان وجهه استلزام تقديم الصلاة على هذا الوجه فوات الخشوع والإقبال المطلوب في العبادة (٣).

أقول : قال المفيد في المقنعة بعد ما نقل رواية الفضيل وزرارة : وروى أيضاً في ذلك : «أنك إذا كنت تتمكّن من الصلاة وتعقلها وتأتي بها على جميع حدودها قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلّي قبل الإفطار ، وإن كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار فتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ؛ ليذهب عنك وسواس النفس اللوّامة ، غير أنّ ذلك مشروط بأنّه لا يشتغل بالإفطار قبل الصلاة إلى أن يخرج وقت الصلاة» (٤).

وروى الشيخ في الموثّق ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «يستحب للصائم إن قوي على ذلك أن يصلي قبل أن يفطر» (٥).

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٨٢.

(٢) السرائر ١ : ٣٨٥ ، القواعد ١ : ٣٨٨.

(٣) المدارك ٦ : ١٩١.

(٤) المقنعة : ٣١٨ ، الوسائل ٧ : ١٠٨ أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ٥.

(٥) التهذيب ٤ : ١٩٩ ح ٥٧٥ ، الوسائل ٧ : ١٠٨ أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ٣.

٣٥٢

وعن كتاب الإقبال أيضاً مثله (١) ، هذا.

ولكن ينبغي للإنسان أن لا يجعل هذا مخيلة للشيطان ومضماراً للنفس الأمّارة ، فإنهما معتادان لما عوّدا ، فليجاهد نفسه ليذهب عنه هذا الخاطر ، وقد أشرنا إلى نظيره في تأخير الصلاة عن وقت الفضيلة لأجل الحر ونحوه.

مع أنّه كما يمنع الجوع عن الحضور والتوجّه ، فالشبع أيضاً قد يمنعه وإن لم يكن بحدّ الامتلاء ، سيّما في شدّة الحر والبرد ، فإنّا نشاهد الكسل والرغبة عن الصلاة بعد الإفطار كثيراً.

وأمّا الجمع بينهما : بأن يأكل قليلاً ثمّ يصلي ثمّ يتم الشبع ، فإنا قد جرّبنا مراراً أنّه يحرّك الشهوة ولا يسكن الهمة ، ويصعد البخار إلى الدماغ ، وبسببه يختل الحال ويشوّش النفس ، وربّما يضرّ من جهة التداخل.

فالأولى اعتياد النفس بتقديم الصلاة ؛ ليصير عادة لها ، إلا أن يكون بحيث لا يتحمل الصبر ويتضرر به ، فقد يجب حينئذٍ تقديم الإفطار.

والظاهر أنّ السنة تتأدّى بتقديم المغرب على الإفطار وإن وقع الإفطار أيضاً في وقت فضيلة المغرب.

ولكن الأولى تأخيره عن التعقيب ، بل وصلاة العشاء ، بل الظاهر من الروايات وبعض الأدلة المتقدّمة رجحان التقديم ، وإن خرج وقت الفضيلة أيضاً.

__________________

(١) الإقبال : ١١٢.

٣٥٣

المبحث الثاني

في شرائطه

والكلام فيها إمّا في شرط الوجوب أو القضاء ، وأمّا الصحّة فقد تقدّم الكلام فيها.

فهناك مطلبان :

المطلب الأول : في شرائط الوجوب

وهي أُمور :

منها : البلوغ والعقل فلا يجب على الصبي والمجنون إجماعاً ، إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر ، فيكونان مثل سائر المكلّفين.

ولو كملا بعد الفجر ، فعن الأكثر عدم الوجوب مطلقاً (١) ، والظاهر من ابن إدريس بل صريحه دعوى الإجماع (٢).

وعن الشيخ في كتاب صوم الخلاف : أنّ الصبي إذا نوى الصوم أوّل النهار ولم يفطر ، فبلغَ ، وجب عليه الإتمام (٣).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧١١ ، ونقله عن الأكثر في المدارك ٦ : ١٩٢ ، ١٦٠.

(٢) السرائر ١ : ٤٠٣.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٠٣.

٣٥٤

وعن المبسوط في كتاب الصوم : إذا بلغ حال الصوم جدّد النية وكان صوماً صحيحاً (١) ، وعن ابن إدريس : أنّه خلاف إجماع أصحابنا ، وأنّه من فروع المخالفين لا يلتفت إليه ؛ لمخالفته لأُصول مذهبنا (٢).

وعن ابن حمزة : الصبي أن لم يفطر وبلغ صام واجباً ، ولم يقيّد بالنية (٣) ، وقوّاه المحقّق في المعتبر (٤) ، وارتضاه صاحب المدارك (٥).

لنا : أنّ الأصل عدم الصحّة ، وأنّ الصوم لا يتبعّض إلا فيما قام عليه الدليل ، والقياس بالمسافر باطل.

احتجّ في المعتبر في باب شرائط القضاء : بأن الصوم ممكن في حقّه ، ووقت النية باق.

لا يقال : لم يكن الصبي مخاطباً لأنّا نقول : لكنه الان صار مخاطباً.

ولو قيل : لا يجب صوم بعض اليوم.

قلنا : متى ، إذا يتمكّن من نيّة تسري حكمها إلى أوّل النهار أو إذا لم يتمكّن؟ وهو ههنا متمكن من نية تسري حكمها إلى أوّله ، قال : وكذا البحث في المغمى عليه (٦).

وفيه : أوّلاً أنّا نمنع سراية مثل هذه النية إلى أوّل النهار ؛ لعدم الدليل عليها بالخصوص.

وثانياً : أنّا نمنع وجوبه عليه ، والقياس باطل. مع أنّه رحمه‌الله قال قبل ذلك بوريقات في مبحث شرائط الوجوب : فلو بلغ الغلام قبل الفجر وجب عليه الصوم

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٢) السرائر ١ : ٤٠٣.

(٣) الوسيلة : ١٤٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٧١١.

(٥) المدارك ٦ : ١٩٣.

(٦) المعتبر ٢ : ٧١١.

٣٥٥

إجماعاً ، وإن كان بعد الفجر لم يجب ، واستحب له الإمساك سواء كان مفطراً أو صائماً.

ثم نقل عن أبي حنيفة الوجوب قياساً على من قام عليه بنية الهلال في أثناء النهار ، وعن الشافعي التفصيل فقال : إن أفطر استحب الإمساك ، وفي القضاء قولان ، وإن كان صائماً فوجهان ، أحدهما يتمّه استحباباً ويقضيه وجوباً ، والثاني بالعكس.

ثمّ قال : لنا أنّ الصبي ليس من أهل الخطاب.

ثمّ قال : وإذا لم يصحّ خطابه في بعض النهار ، لم يصّح في باقيه ؛ لأن صوم البعض لا يصح (١).

وحجّة الشيخ : أنّه إذا نوى الصوم انعقد صحيحاً شرعياً فوجب إتمامه ؛ لعدم عروض مسقط له بل مؤكد.

وفيه : إنّا وإن صحّحناه كما مرّ ، لكنا نمنع وجوب الإتمام.

وشمول قوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) له أوّل الكلام ؛ لظهوره في المكلّفين بالصوم في اللّيل ، كما لا يخفى على من لاحظ ما قبله وما بعده (٢).

مع أنّ كون الصوم المبعّض ولو بحسب النية صوماً أو لكل أحد أوّل الكلام.

ومما ذكرنا يظهر الكلام في المجنون ، وأنّ الأصحّ عدم الوجوب عليه ، كما هو المشهور ، وقد مرّ الكلام في الصحة والبطلان.

وكذا المغمى عليه ؛ لعدم كونه مكلّفاً حال الإغماء. ولو أفاق قبل الفجر فلا إشكال في الوجوب.

وأما بعد الفجر ، فظاهر المتأخّرين عدم الوجوب ، والدليل عليه ما مرّ من الأصل ، وعدم تعلّق الخطاب أوّلاً ، وعدم تبعّض الصوم.

ويظهر من المحقّق في مبحث شرائط الوجوب عدم الوجوب بل عدم

__________________

(١) انتهت عبارة المعتبر ٢ : ٦٩٣.

(٢) في «م» : لا ما.

٣٥٦

الصحّة (١) ، ومن كلامه الذي نقلناه عنه في باب شرائط القضاء صحّته (٢) ، وهو ضعيف.

وعن ابن الجنيد : إن أفاق في بعض اليوم ولم يكن فعل ما بمثله يفطر الصائم صام ذلك اليوم وأجزأه (٣).

وقد مرّ الكلام في المغمى عليه مع سبق النية.

ومنها : الصحة من المرض فلا يجب على المريض المتضرّر بالصوم بالإجماع والكتاب (٤) والسنة (٥).

ولا يصحّ منه كما مرّ.

وأمّا لو برأ قبل الفجر فلا إشكال في صحّته أيضاً ، بل هو ليس بمريض حينئذٍ.

ولو برأ بعد الفجر ؛ فإن أفطر قبل البرء فلا يجب عليه الصوم ولا يصحّ منه بإجماعنا ، بل يستحب له الإمساك.

وإن لم يفطر ؛ فيظهر من المعتبر والتذكرة (٦) وغيرهما (٧) عدم الخلاف في وجوب الصوم وسقوط القضاء به ، بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا مؤذناً بدعوى الإجماع.

وربّما يستدلّ عليه بفحوى ما يدلّ على حكم المسافر ، ؛ لأن المريض أعذر.

وفيه تأمّل.

واستدلّ في التذكرة والمعتبر بمثل ما نقلناه سابقاً من المعتبر في الصبي ، وقد عرفت ضعفه.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٨٢.

(٢) الشرائع ١ : ١٨٣.

(٣) نقله في المختلف ٣ : ٤٥٥.

(٤) البقرة : ١٨٤.

(٥) الوسائل ٧ : ٢١٧ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٨.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٩٣ ، التذكرة ٦ : ١٦٤.

(٧) المدارك ٦ : ١٩٥.

٣٥٧

فالعمدة هي فتوى الجماعة وظهور عدم الخلاف ، إلا أنّه ربما يظهر من بعض الأصحاب أنّ المسألة خلافية ، فقال : إنّ ابن حمزة عدّ من الصوم المندوب صوم المريض إذا برأ وأطلق (١).

أقول : والذي رأيته في الوسيلة أنّه عدّ صوم المريض من باب صوم الأدب ، لا مطلق المندوب ، وإن جعل صوم الأدب من أفراد الصوم المندوب توسّعاً ، فلعله أراد منه إذا أفطر لا مطلقاً.

وقال أيضاً : وقال ابن زهرة : ويستحبّ للكافر إذا أسلم في يوم من شهر رمضان وللمريض إذا برأ ، وللمسافر إذا قدم ، وللغلام إذا بلغ ، وللمرأة إذا طهرت من الحيض والنفاس أن يمسكوا بقيّة ذلك اليوم ، وهذا هو صوم التأديب ، وأطلق (٢). وإطلاق كلامه يشمل ما لو صح المريض ولم يفطر.

أقول : والتمسّك بهذا الإطلاق أيضاً ضعيف ، إذ لعلّ مراد ابن زهرة في هذا المقام عدّ ما يمكن أن يتحقّق فيه صوم الأدب ، لا أنّ كلّ ما ذكر صومهم صوم الأدب كما لا يخفى.

ومنها : كونه حاضراً ، أو بحكمه ، كالمقيم عشرة أيام في السفر ، والكثير السفر ، والعاصي بسفره وغير ذلك مما مرّ في الصلاة ؛ فلا يجب على المسافر ، بل ولا يجوز له ، ولا يصحّ منه بإجماعنا ، والآية (٣) والأخبار (٤).

ووجه دلالة الآية التفصيل الموجب للتعيّن.

ومن كان فرضه القضاء يسقط عنه الأداء ، ولو فعل كان بدعة ، وفي الأخبار تهديد شديد ووعيد أكيد ، ففي بعضها أنّ الإمام عليه‌السلام قال : «لو مات من صام في السفر

__________________

(١) الوسيلة : ١٤٧.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٣.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) الوسائل ٧ : ١٢٣ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١.

٣٥٨

ما صلّيت عليه» (١) ، وفي بعضها : «أنّ رسول اللهُ سمّى أُناساً صاموا في السفر عصاة» (٢) هذا إذا كان عالماً عامداً.

وأمّا الجاهل فهو معذور عندهم ويصحّ صومه.

ولعلّ استثناؤهم هذا مع ما أطلقوا القول بعدم معذوريّة الجاهل لكونه عالماً بالإجمال أنّ في الشريعة أحكاماً كثيرة فهو مقصّر ، مبنيّ على أنّ هذا التقصير في مثل ذلك معذور ؛ لما ورد في الأخبار ، وهي كثيرة لا حاجة إلى ذكرها ، نكتفي بما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر ، فقال : «إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللهُ نهى عن ذلك فليس عليه القضاء وقد أجزأ عنه الصوم» (٣).

والعيص بن القاسم في الصحيح ، عنه عليه‌السلام ، قال : «من صام في السفر بجهالة لم يقضه» (٤).

وابن أبي شعبة ، يعني عبيد الله بن عليّ الحلبي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صام في السفر فقال : «إن كان بلغه أنّ رسول اللهُ نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه» (٥) هذا إذا لم يعلم بالحرمة حتى خرج الوقت.

ولو علم في أثناء النهار فيفطر ويقضي جزماً.

وأما الناسي ، فإذا تذكّر في الأثناء فكذلك أيضاً ، وأما لو خرج الوقت فيجب عليه القضاء أيضاً على الأصحّ ، فإن الجاهل إنّما خرج بالدليل ، ولا دليل هنا.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٨ ح ٧ ، الفقيه ٢ : ٩١ ح ٤٠٥ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ ح ٦٢٩ ، الوسائل ٧ : ١٢٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ ح ٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٠ ح ٦٧٧ ، الوسائل ٧ : ١٢٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ ح ٣

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢١ ح ٦٤٦ ، الوسائل ٧ : ١٢٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٨ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ١٢٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٨ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ ح ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢١ ح ٦٤٤ ، الوسائل ٧ : ١٢٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٣.

٣٥٩

وقيل بإلحاقه بالجاهل ؛ لاشتراكهما في العذر (١) ، وهو ضعيف ، وقياسه على الصلاة مع عدم إمكانه باطل.

والظاهر أنّ المراد بمعذوريّة الجاهل إنّما هو في أصل مسألة القصر ، وأما في فروعها فلا ، فلو علم أنّه يجب عليه الإفطار في السفر ولم يعلم بأنّ في الأربعة فراسخ التي يرجع فيها ليومه أو قبل العشرة حكمه كذا وصامه فيشكل فيه اطراد الحكم ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن ، والأخبار المخصصة أيضاً ظاهرة في ذلك.

ولا يقاس على المسافر المريض ولا غيره ، فلو صام جاهلاً بوجوب الإفطار يجب عليه القضاء.

ثمّ إنّ المسافر إذا علم أنّه يصل إلى منزله أو بلد يريد الإقامة فيه قبل الزوال جاز له الإفطار ، ولكن الإمساك أفضل.

أمّا أفضليّة الإمساك ؛ فلاحترام اليوم والمسارعة إلى الخير.

وأمّا ثبوت الخيرة له في السفر ؛ فلوجود مبيح الإفطار وعدم المانع ، ولخصوص الروايات الكثيرة ، مثل ما رواه الصدوق في الصحيح ، عن رفاعة بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنّه سيدخل أهله ضحوةً أو ارتفاع النهار ، قال : «إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار ، إن شاء صام ، وإن شاء أفطر» (٢) ورواه الكليني (٣) والشيخ (٤) أيضاً بعدّة طرق منها الصحيح ومنها الحسن.

وما روياه في الصحيح ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقدم من السفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار ، قال :

__________________

(١) المسالك ٢ : ٥٨.

(٢) الفقيه ٢ : ٩٣ ح ٤١٤ ، الوسائل ٧ : ١٣٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٢ ح ٥ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن رفاعة.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٥٥ ح ٧٥٦ رواه الشيخ عن محمّد بن يعقوب ، وفي ص ٢٢٨ ح ٦٦٨ ، والاستبصار ٢ : ٩٨ ح ٣١٨ أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن علي عن رفاعة.

٣٦٠