غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه ثقتي

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله أجمعين

٢١
٢٢

كتاب الصوم

وفيه مقاصد :

٢٣
٢٤

المقصد الأوّل

في ذكر ما فيه من الفضائل

وفيه مباحث :

المبحث الأوّل : الصوم من أفضل الطاعات وأهمّها والأخبار الواردة في ذلك في غاية الكثرة.

منها : ما رواه في الكافي في الحسن لأجل إبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «بُني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية» وقال رسول اللهُ : «الصوم جنّة من النار» (١).

وعن إسماعيل بن أبي زياد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن آبائه «: أنّ النبيّ قال لأصحابه : «ألا أُخبركم بشي‌ء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب؟» قالوا : بلى ، قال : «الصوم يسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في الله والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه ، ولكلّ

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٢ ح ١ ، ورواه في الفقيه ٢ : ٤٤ ح ١٩٦ ، والوسائل ١ : ٧ أبواب مقدّمة العبادات ب ١ ح ٢ ، وج ٧ : ٢٨٩ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١.

٢٥

شي‌ء زكاة ، وزكاة الأبدان الصيام» (١).

وعن يونس بن ظبيان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من صام لله عزوجل يوماً في شدّة الحرّ فأصابه ظمأ ، وكّل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشّرونه ، حتّى إذا أفطر قال الله عزوجل : ما أطيب ريحك وروحك ؛ ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له» (٢).

وعن عبد الله بن طلحة قال ، قال رسول اللهُ : «الصائم في عبادة وإن كان على فراشه ، ما لم يغتَب مُسلماً» (٣).

وعن أبي الصباح عنه عليه‌السلام ، قال : «إنّ الله تبارك وتعالى يقول : الصوم لي وأنا أجزي عليه» (٤).

وقد ذكروا في وجه اختصاصه به تعالى وجوهاً لا يجتمع جميعها في غير الصوم : وهي أنّه موجب لترك الشهوات واللذات في الفرج والبطن ، الموجبة لارتقاء النفس عن حضيض البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانيّة.

ويوجب صفاء العقل والفكر بسبب ضعف القوى الشهويّة ، الموجب لحصول المعارف الحقّة التي هي أشرف أحوال النفس.

وأنّه أمر خفيّ يصعب الاطلاع عليه ، فيكمل فيه الإخلاص ، بخلاف سائر الأعمال البدنيّة.

الثاني : روى في الكافي عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من كتم صومه»

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٢ ح ٢ ، ورواه في الفقيه ٢ : ٤٥ ح ١٩٩ ، والتهذيب ٤ : ١٩١ ح ٥٤٢ ، والوسائل ٧ : ٢٨٩ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٦٥ ح ١٧ ، وص ٦٤ ح ٨ ، وفي ح ١٧ بكر بن صالح بتوسّط سهل بن زياد ومحمّد بن سنان ، وفي ح ٨ يروي سهل بن زياد عن محمّد بن سنان بدون توسّط أحد ، ورواه في الفقيه ٢ : ٤٥ ح ٢٠٥ ، والوسائل ٧ : ٢٩٩ أبواب الصوم المندوب ب ٣ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٦٤ ح ٩ ، ورواه في الفقيه ٢ : ٤٤ ح ١٩٧ ، والتهذيب ٤ : ١٩٠ ح ٥٣٨ ، والوسائل ٧ : ٢٩١ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١٢.

(٤) الكافي ٤ : ٦٣ ح ٦ ، الوسائل ٧ : ٢٩٠ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ٧.

٢٦

قال الله عزوجل لملائكته : عبدي استجار من عذابي فأجيروه ، ووكّل الله تعالى ملائكته بالدعاء للصائمين ، ولم يأمرهم بالدعاء لأحد إلا استجاب لهم فيه» (١).

الثالث : روى في الكافي أيضاً في الحسن ، عن ابن أبي عمير ، عن سليمان ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قول الله عزوجل (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) قال : «الصبر الصيام ، وقال : إذا نزلت بالرجل النازلة الشديدة فإنّ الله عزوجل يقول (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) يعني الصيام» (٢).

الرابع : وروى الصدوق في الصحيح ، عن هشام بن الحكم : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن علّة الصيام ، فقال : «إنّما فرض الله عزوجل الصيام ليستوي به الغنيّ والفقير ؛ وذلك أنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير ؛ لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه ، فأراد الله عزوجل أن يسوّي بين خلقه ، وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم ، فيرقّ على الضعيف ، ويرحم الجائع» (٣).

قال الصدوق : وكتب أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله : «علّة الصوم لعرفان مسّ الجوع والعطش ، ليكون العبد ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً صابراً ، ويكون ذلك دليلاً له على شدائد الآخرة ، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات ، واعظاً له في العاجل ، دليلاً على الأجل ؛ ليعلم شدّة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة» (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٤ ح ١٠ ، وعنه في الوسائل ٧ : ٢٨٩ أبواب آداب الصائم ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٦٣ ح ٧ ، ورواه في الفقيه ٢ : ٤٥ ح ٢٠١ ، والوسائل ٧ : ٢٩٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢ ح ١ ، والآية في سورة البقرة : ٤٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٣ ح ١٩٢ ، الوسائل ٧ : ٢ أبواب وجوب الصوم ب ١ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ٤٣ ح ١٩٣ ، علل الشرائع : ٣٧٨ ح ١ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩١ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٣ أبواب وجوب الصوم ب ١ ح ٣.

٢٧

وروى في الفقيه أيضاً مرسلاً ، عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب» ، أنّه قال : «جاء نفر من اليهود إلى رسول اللهُ فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله أنّه قال له : لأيّ شي‌ء فرض الله عزوجل الصوم على أُمّتك بالنهار ثلاثين يوماً ، وفرض على الأُمم أكثر من ذلك؟

فقال النبيّ : أنّ آدم عليه‌السلام لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوماً ، ففرض الله على ذرّيته ثلاثين يوماً الجوع والعطش ، والذي يأكلونه بالليل تفضّل من الله عزوجل عليهم ، وكذلك كان على آدم عليه‌السلام ، ففرض الله ذلك على أُمّتي ، ثم تلا هذه الآية (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيّاماً مَعْدُوداتٍ). (١)

قال اليهودي : صدقت يا محمّد ، فما جزاء من صامها؟

فقال النبيّ : ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتساباً إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال : أوّلها يذوب الحرام في جسده ، والثانية يقرب من رحمة الله عزوجل ، والثالثة يكون قد كفّر خطيئة آدم أبيه ، والرابعة يهوّن الله عليه سكرات الموت ، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة ، والسادسة يعطيه الله براءة من النار ، والسابعة يطعمه الله من طيّبات الجنة.

قال : صدقت يا محمّد» (٢).

الخامس : في فضل شهر رمضان وأفضليّة صيامه والأخبار فيه في غاية الكثرة.

فروى في الكافي ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قال رسول اللهُ : «لما حضر شهر رمضان ، وذلك في ثلاث بقين من شعبان ، قال

__________________

(١) البقرة : ١٨٣ ـ ١٨٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٤٣ ح ١٩٥ ، علل الشرائع : ٣٧٨ ح ١ ، أمالي الصدوق : ١٦٢ ح ١ ، الخصال : ٥٣٠ ح ٦ ، الوسائل ٧ : ١٧٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١ ح ٤.

٢٨

لبلال : نادِ في الناس ، فجمع الناس ، ثمّ صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّ هذا الشهر قد خصّكم الله به ، وحضركم ، وهو سيّد الشهور ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، تغلق فيه أبواب النار ، وتفتح فيه أبواب الجنان ، فمن أدركه ولم يغفر له فأبعده الله ، ومن أدرك والديه ولم يغفر له فأبعده الله ، ومن ذُكرت عنده فلم يصلّ عليّ فلم يغفر الله له فأبعده الله» (١).

وعن أبي الورد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «خطب رسول اللهُ في آخر جمعة من شعبان ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّه قد أظلّكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، وهو شهر رمضان ، فرض الله صيامه ، وجعل قيام ليلة فيه بتطوّع صلاة كتطوّع صلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور ، وجعل لمن تطوّع فيه بخصلة من خصال الخير والبرّ كأجر من أدّى فريضة من فرائض الله عزوجل ، ومن أدّى فيه فريضة من فرائض الله ، كان كمن أدّى سبعين فريضة من فرائض الله فيما سواه من الشهور» (٢) الحديث.

وعن مجالس الصدوق ، عن العلاء بن يزيد القرشي قال ، قال الصادق عليه‌السلام : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن رسول اللهُ في حديث ، قال : «من صام شهر رمضان ، وحفظ فرجه ولسانه ، وكفّ أذاه عن الناس ، غفر الله له ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر ، وأعتقه من النار ، وأحلّه دار القرار ، وقبل شفاعته بعدد رمل عالج من مذنبي أهل التوحيد» (٣) إلى غير ذلك مما هو من الكثرة بمكان.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٧ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٦٦ ح ٤ ، ورواه في الفقيه ٢ : ٥٨ ح ٢٥٤ ، والتهذيب ٣ : ٥٧ ح ١٩٨ ، وج ٤ : ١٥٢ ح ٤٢٣ ، الوسائل ٧ : ١٧١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١ ح ٢.

(٣) أمالي الصدوق : ٢٦ ح ١ ، وعالج : جبال متواصلة يتصل أعلاها بالدهناء بقرب اليمامة ، وأسفلها بنجد ، وتتسع اتّساعاً كثيراً ، المصباح المنير ١ : ٤٢٥.

٢٩

المقصد الثاني

في مهيّته

وفيه مباحث :

المبحث الأوّل : الصوم في اللغة : مُطلق الإمساك ، سواء كان عن الحركة أو الأكل أو السير أو غير ذلك وقد استعمله الشارع في معنى أخصّ من ذلك.

والكلام في صيرورته حقيقة في الشرع فيه أو لا هو الكلام المعروف في الحقيقة الشرعيّة. والأظهر ثبوتها فيه.

وأما صيرورته حقيقة فيه عند الفقهاء والمتشرّعة فلا كلام فيه.

ولهم في تعريفه عبارات :

فقيل : إنّه الكفّ عن المفطرات مع النيّة (١).

وقيل : إنّه توطين النفس لله تعالى على ترك الثمانية الأكل والشرب إلى آخرها من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ، من المكلّف أو المميّز المسلم الخالي عن

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٦٨.

٣٠

السفر والمرض وغيره من الموانع الّتي عدّها (١).

وقيل : إنّه إمساك مخصوص يأتي بيانه (٢).

وقيل : إنّه إمساك مخصوص عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص (٣).

والحقّ ؛ أنّ حقيقة الصوم تختلف باختلاف آراء المجتهدين ، فعند كلّ مجتهد هو الإمساك الخاصّ في الوقت الخاصّ على الوجه الذي يبيّنه في كتاب الصوم.

وهم مجمعون على أنّ الإمساك في مجموع النهار عن كلّ ما اتّفق عليه أو اختلف فيه صوم.

والإشكال فيما يحصل فيه بعض المناقض ؛ كالمسافر الناوي له قبل الزوال إذا عنّ له (٤) التوطّن أو دخول داره بعد الصبح أنّه من قبيل البدل الاضطراري أو أنّ مهيّة الصوم هي ما تشمل مثل ذلك أيضاً.

وكيف كان فتحديد الصوم بتعريفٍ يكون جامعاً ومانعاً في غاية الصعوبة ، إلا بجعل ما يُذكر في كتاب الصوم حدّا للصوم عند كلّ من يكتب كتاباً ، ولذلك اكتفى العلامة في المنتهي بأنّه إمساك مخصوص يأتي بيانه.

فالتوجّه إلى تصحيح الحدود وطردها وعكسها لا طائل فيه ، ويشغلنا عنه الأهم.

والتزام بعضهم «اعتبار أمر وجودي كالتوطين في الإمساك ، حتّى لم يكتفِ بالكفّ مع أنّه لا ينفك عن التوطين ، مع أنّهم جعلوه في الكتب الأُصوليّة من الأُمور الوجوديّة ، ومناصاً عن ارتكاب كون مُطلق الترك متعلّقاً للتكليف بالنهي» لا داعي إليه ؛ لأنّ التحقيق أنّ الأعدام تصير متعلّقة للقدرة باعتبار الإبقاء ، واستمرار الحكم كافٍ ،

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٦٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٤٣ ، المنتهي ٢ : ٥٥٦.

(٣) المبسوط ١ : ٢٦٥ ، التذكرة ٦ : ٥.

(٤) عنّ له : عرض له. لسان العرب ١٣ : ٢٩٠.

٣١

فلا يضرّ الذهول عن الإمساك والغفلة عنه.

المبحث الثاني :

قد عرفت حقيقة النيّة في كتاب الطهارة وغيرها وأنّها القصد إلى الفعل المعيّن تقرّباً إلى الله ، وأنّه لا يعتبر قصد شي‌ء من مشخّصات الفعل ووجهه وصفاته إلا ما احتاج تعيّن الفعل إليه في نظر المكلّف وتميّزه ، فلا حاجة إلى إعادة الكلام فيها وفي معنى التقرّب وغيره.

وكذلك لا فائدة مهمّة في اختلافهم في كون النيّة جزءاً للعبادة أو شرطاً بعد اتفاقهم على توقّف صحّة العبادة عليها.

والأظهر كونها شرطاً ؛ لما يظهر من الأخبار ، مثل قولهم : «لأعمل إلا بالنيّة» و «نيّة المؤمن خير من عمله» ومثل قولهم «: «افتتاح الصلاة التكبير» ، و «تحريمها التكبير» ونحو ذلك مما يدلّ على المغايرة ، سيّما في الصوم ؛ لتقدّمها على طلوع الفجر ، سيّما على اعتبار الإخطار.

وأمّا إطلاق الركن عليها بمعنى أنّه يبطل بتركها عمداً وسهواً فلا نمنعه ، وهذا ليس بمعنى الجزئيّة.

ويتفرّع على ما حقّقناه من أمر النيّة : أنّه يكفي في رمضان أن يصوم تقرّباً إلى الله ، ولا حاجة إلى تعيين أنّه صوم رمضان ، بل ولا إلى وجوبه كما هو المشهور ، ويظهر من المنتهي أنّ المخالف فيه إنّما هو بعض العامّة ، وكذلك من التذكرة (١).

ووجهه : أنّ الفعل متميّز بالفرض ، والذي ثبت من الدليل في أمر النيّة هو قصد الامتثال بالفعل المتميّز عمّا سواه.

ولكن هذا إنّما يتمّ مع التفطّن والعلم بالشهر ووجوب صومه عليه وعدم

__________________

(١) كالشافعي ومالك كما في المهذّب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، والمجموع للنووي ٦ : ٢٩٤ و ٣٠٢ ، وبداية المجتهد لابن رشد ١ : ٢٩٢ ، وانظر المنتهي ٢ : ٥٥٧ ، والتذكرة ٦ : ٨.

٣٢

قصده لغيره.

وعلى هذا لا بدّ أن ينزّل استدلال الجماعة بأنّه لا يقع في رمضان غير صوم رمضان ، وإلا فيمكن المناقشة بأنّ ذلك لا يستلزم الصحّة مطلقاً ، كما لو قصد صوم غير رمضان عمداً ، أو قصد صوم رمضان آخر ، فإنّ الظاهر أنّه باطل ، وإن اشتمل على نيّة الصوم قربة إلى الله ؛ لأنّه قصد غير المأمور به ، وهذا ليس محض تصوّر الغير حتّى يقال : إنّه لا ينافي تصديقه بأنّه هو نفس المأمور به.

والحاصل أنّ القصد إلى نفس المأمور به ممّا لا بدّ منه في الامتثال.

ومن ذلك يظهر الكلام في النذر المعيّن ، والمشهور فيه وجوب التعيين ، خلافاً للسيّد (١) وجماعة (٢).

فالتحقيق : أنّه مع التفطّن والاستحضار لا يحتاج إلى التعيين ، وبدونه يحتاج كما ذكرنا.

وتمسّك الأوّلين في الفرق بينه وبين رمضان «بأنّ رمضان لا يقع فيه غيره فلا يحتاج ، بخلافه» ضعيف ؛ لأنّه مع أنّه لا يتمّ لما مرّ ، لا يصلح فارقاً ؛ لأنّ المفروض عدم وقوع الغير أيضاً في النذر المعيّن.

والفرق بالأصالة والعرضيّة غير مجدٍ ، مع إمكان المناقشة في الأصالة بالنسبة إلى رمضان أيضاً ؛ إذ المتعيّن فيه إنّما هو للحاضر الصحيح الجامع للشرائط ، لا مطلقاً ، قال الله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٣).

ومن ذلك يظهر الكلام فيما لو نذر تعيين النذر المطلق أيضاً ، وأنّه لا يجدي في إسقاط قصد التعيين مع عدم التميز إلا به تعيّنه في نفس الأمر ، ولا يضرّ في عدم

__________________

(١) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٣.

(٢) كابن إدريس في السرائر ١ : ٣٧٠ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ٥٥٧ ، والقواعد ١ : ٦٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٠٨ ، وصاحب المدارك ٦ : ١٨.

(٣) البقرة : ١٨٥.

٣٣

الاحتياج إلى التعيين مع التفطّن له كون غيره من الأزمنة صالحاً لوقوعه فيه ، وأنّه إنّما أفاد فوريّته خاصّة ، وأنّ وجوبه باقٍ بعده و (١) إن لم يأتِ به ، وكذلك الكلام لو تضيّق القضاء بتضيّق شهر رمضان ونحو ذلك.

وأمّا النذر المطلق والكفّارات والقضاء وصوم النفل فلا بدّ فيها من نيّة التعيين ؛ لما مرّ من لزوم تعيين المأمور به في تحقّق الامتثال عرفاً.

فما يتردّد بين أُمور لا يتميّز إلا بالقصد ، فلا بدّ من تمييزه به ، والظاهر أنّه إجماعيّ ، قال في المنتهي : وهو قول علمائنا وكافّة الجمهور إلا النافلة (٢) ، ومثله في التذكرة (٣) ، وقال في المعتبر : وعلى ذلك فتوى الأصحاب (٤).

نعم قال الشهيد في البيان : وكذا تكفي القربة في الندب إذا تعيّن كأيّام البيض (٥).

بل ونقل عنه في الروضة إلحاق مطلق المندوب لتعيّنه شرعاً في جميع الأيّام إلا ما استثني ، وحسّنه (٦).

أقول : والوجه في الكلّ يظهر مما مرّ.

والتحقيق : ما ذكرنا من أنّ المعيار لزوم القصد إلى الفعل المتعيّن المتميّز تقرّباً إلى الله ، ويكفي فيه الداعي ، ولا حاجة إلى الإخطار كما مرّ مراراً ، فإن تميّز في نظر المكلّف فلا حاجة إلى قصد تعيينه ، وإن لم يكن متميّزاً أو كان متردّداً بين أُمور فيلزم القصد إلى المعيّن.

والحقّ أنّ نيّة التعيين لا تكفي عن التقرّب ؛ تمسّكاً بعدم الانفكاك عنه كما نقل عن المبسوط ؛ لتغايرهما بالذات كما لا يخفى.

__________________

(١) الواو ليست في «م».

(٢) المنتهي ٢ : ٥٥٧.

(٣) التذكرة ٦ : ٩.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٤٤.

(٥) البيان : ٣٥٧.

(٦) الروضة البهيّة ٢ : ١٠٨.

٣٤

المبحث الثالث :

وقت النيّة على التحقيق هو حال الدخول في الفجر بمعنى وجوب استصحابه للداعي على الإمساك المخصوص في الوقت المخصوص لله تعالى في وقت دخول الفجر.

وأمّا على ما ذهب إليه المتأخّرون من اعتبار الإخطار بالبال ، فيلزمهم تحرّي الوقت المقارن لدخول الفجر بحسب المقدور ؛ لتحقيق النيّة المقارنة. وهو قريب من المحال ، ولا ريب في تعسّره جدّاً لو لم يتعذّر.

ولكنّهم ذكروا هنا أنّه لا بدّ من حضورها عند أوّل جزء من الصوم ، أو تبييتها بمعنى إيقاعها في جزء من الليل مع استمرار حكمها.

والاكتفاء بمطلق التبييت إنّما يناسب القول بكفاية الداعي ، لا وجوب الإخطار ، مع أنّ حصول الداعي لا بدّ من مقارنته ، وهو نفس استمرار الحكم ، فلا معنى لجعل النيّة شيئاً ؛ واستمرارها شيئاً آخر.

وعلى القول باعتبار الإخطار في النيّة فالاستمرار الحكميّ إنّما ينوب عن النيّة في أثناء العبادة كالصلاة ؛ لامتناع الإخطار دائماً ، فلا وجه لنيابته في مثل ما نحن فيه.

فجمع الأصحاب بين القول بالإخطار والاكتفاء بمطلق التبييت مع استمرار الحكم مُشكل ، إلا أن يجعل ذلك أصلاً آخر وتخصّص به قاعدتهم لأجل العُسر ، بل وتكليف ما لا يطاق ؛ ولمثل قوله عليه‌السلام : «لا صيام لمن لم يُبيّت الصيام من الليل» (١) ونحوه (٢).

ثمّ إنّ اعتبار الاستمرار على حكم النيّة على قول المتأخّرين إلى الفجر وحصول

__________________

(١) عوالي اللآلي ٣ : ١٣٢ ح ٥ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ١.

(٢) انظر مستدرك الوسائل ٧ : ٣١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ، وسنن الدارقطني ٢ : ١٧٢ ح ١ ، وسنن الدارمي ٢ : ٧ ، وسنن النسائي ٤ : ١٩٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

٣٥

الداعي عند الدخول في الفجر على ما حقّقنا لا يبطل بالنوم والغفلة.

فلو نام بعد حصول ذلك ولم ينتبه حتّى طلعت الشمس ، فالظاهر كفاية ذلك في النيّة الإخطاريّة ؛ إذ المراد بالداعي واستمرار الحكم هو عدم نيّة الخلاف ، وهو متحقّق هنا.

وكذلك لو نسي بعد النيّة كونها ليلة الصيام أو شهر رمضان ، واعتقد أنّه غيره حتّى أصبح ، أما لو عدل عن النيّة عمداً حتى أصبح فصومه باطل ، وسيجي‌ء التفصيل.

وعن ظاهر ابن أبي عقيل : تحتّم التبييت ، بمعنى أن يعيّن لها وقتاً يعلم أنّه لا يفاجئه الفجر (١) ، ولعلّه لأنّ العلم بالفجر لا يحصل إلا بعد الطلوع ، فتتعذّر المقارنة ، فلا بدّ من ترك اعتبارها.

وكيف كان ، فلو لم تحصل النيّة حتّى دخل الفجر عمداً فلا يصحّ الصوم ؛ للزوم إخلاء جزء من الصوم من النيّة ، ولقوله عليه‌السلام : «من لم يُبيّت نيّة الصيام من الليل فلا صيام له» (٢).

ويجب عليه القضاء.

وفي وجوب الكفارة قولان ، ولعلّ الأقوى العدم ؛ للأصل.

وهناك قولان آخران ، أحدهما : جواز النيّة بعد الزوال فرضاً كان أو نفلاً ، لابن الجنيد (٣).

وثانيهما : أنّ وقتها قبل الفجر إلى قبل زوال الشمس ، للسيد رحمه‌الله (٤).

وكلاهما ضعيفان.

ولا تبطل النيّة بفعل ما ينافي الصوم قبل الفجر ؛ للأصل ، والإطلاقات.

وتردّد الشهيد في البيان في الجماع وما يبطل الغسل ؛ نظراً إلى أنّه يصير غير قابل

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٣ : ٣٦٥.

(٢) عوالي اللآلي ٣ : ١٣٣ ح ٦ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ذ. ح ١.

(٣) حكاه عنه العلّامة في المختلف ٣ : ٣٦٥.

(٤) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٣.

٣٦

للصوم فيزول حكم النيّة (١) ، ضعيف ، فلا تجب إعادة النيّة ، كما لا تجب لو حصل المنافي في النهار أيضاً. هذا الكلام في حالة الاختيار وفي الصوم المعيّن الواجب كرمضان والنذر المعيّن.

وأمّا في حال الاضطرار ، كالجاهل بكونه اليوم الذي يجب فيه الصوم والناسي له ، فالمشهور المدّعى عليه الإجماع من الفاضلين في المعتبر والمنتهى والتذكرة امتداد وقتها إلى الزوال (٢) ؛ لما روي أنّ ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابيّ إلى النبيّ فشهد برؤية الهلال ، فأمر النبيّ منادياً ينادي : من لم يأكل فليصم ، ومن أكل فليمسك (٣). ولفحوى ما دلّ على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال.

ومخالفة ابن أبي عقيل في ذلك حيث عمّ البطلان بالنسبة إلى الناسي (٤).

ولعلّه نظر إلى عموم الشرطيّة ، والرواية لا يلتفت غيره إليها ؛ لشذوذها.

واعلم أنّه تجب المبادرة بعد الذكر والعلم بحيث لا يخلو جزء من الصوم عنها وإلا لبطل.

وأمّا غير الصوم المعيّن الواجب ، كالنذر المطلق ، وقضاء شهر رمضان والنافلة ، فأمّا الواجب فالمشهور المقطوع به في كلماتهم أنّه يستمرّ وقتها إلى الزوال إذا لم يفعل المنافي ؛ للأخبار الكثيرة الصحيحة وغيرها الدالّة بالإطلاق على الكلّ ، وبالخصوص في قضاء شهر رمضان وفي النذر المطلق أيضاً.

وقول ابن الجنيد بجواز تجديدها بعد الزوال (٥) ضعيف ، فإنّ دلّ عليه إطلاق صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قال عليّ عليه‌السلام : «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياماً ثمّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً أو يشرب شراباً ولم يفطر ، فهو

__________________

(١) البيان : ٣٦٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٤٦ ، المنتهي ٢ : ٥٥٨ ، التذكرة ٦ : ١٠.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٧٤ ح ٦٩١ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٥ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١١.

(٤) نقله عنه في المختلف ٣ : ٣٦٧.

(٥) نقله عنه في المختلف ٣ : ٣٦٨.

٣٧

بالخيار إن شاء صام ، وإن شاء أفطر» (١).

والظاهر أنّ المراد من قوله عليه‌السلام «إذا لم يفرض» إلى أخره هو النذر المعيّن.

وصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : الرجل يصبح ولا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم ، فقال : «إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى فيه» (٢).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينوِ صوماً وكان عليه يوم من شهر رمضان ، إله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامّة النهار؟ قال : «نعم ، له أن يصومه ويعتدّ به من شهر رمضان» (٣).

ومرسلة البزنطي ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ويصبح فلا يأكل إلى العصر ، أيجوز له أن يجعله قضاءً من شهر رمضان؟ قال : «نعم» (٤).

فإنّ صحيحة محمّد بن قيس محمولة على ما قبل الزوال ، كما تدلّ عليه موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : الرجل تكون عليه أيّام من شهر رمضان ويُريد أن يقضيها ، متى ينوي الصيام؟ قال : «هو بالخيار إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فإن كان قد نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر» فسئل : فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال : «لا» سئل : فإن نوى ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال : «قد أساء وليس عليه شي‌ء إلا قضاء ذلك اليوم

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٧ ح ٥٢٥ ، الوسائل ٧ : ٥ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٨ ح ٥٢٨ ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ٨.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٧ ح ٥٢٦ ، وص ١٨٨ ح ٥٣٠ ، الوسائل ٧ : ٥ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ٦.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٨ ح ٥٢٩ ، وص ٣١٥ ح ٩٥٦ ، الاستبصار ٢ : ١١٨ ح ٣٨٥ ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ٩.

٣٨

الذي أراد أن يقضيه» (١). فإنّ هذه الموثّقة مع اشتهار العمل بها ، بل ظاهر السيّد الإجماع ، وكونها أوفق بالأصل والعمومات ، أقوى من إطلاق الصحيحة.

وأمّا صحيحة هشام فهي ظاهرة في المندوب.

وأمّا صحيحة عبد الرحمن فمحمولة على ما قبل الزوال ، فإنّه بملاحظة طلوع الفجر قد يكون أكثر اليوم.

وأمّا المرسلة فهي لا تقاوم الموثّقة المعمول بها المعتضدة بما مرّ.

وأمّا الصوم المندوب فلا إشكال في تجديد نيّته قبل الزوال ، كما هو المشهور المدلول عليه بالأخبار المتقدّمة وغيرها.

وأمّا بعد الزوال فعن الشيخ في المبسوط (٢) وأكثر القدماء (٣) امتداد وقتها إلى الغروب ، وادّعى عليه المرتضى (٤) وابن زهرة (٥) وابن إدريس (٦) الإجماع.

وقال الشيخ رحمه‌الله : وتحقيق ذلك أن يبقى بعد النيّة من الزمان ما يمكن صومه ، لا بأن تنتهي النيّة مع انتهاء النهار (٧).

ويدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدّم من الأخبار موثّقة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة ، قال : «هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتّى العصر ثمّ بدا له أن يصوم ولم يكن نوى ذلك فله إن يصوم ذلك اليوم إن شاء» (٨).

وذهب جماعة إلى خلافه ، منهم الشيخ في الخلاف ؛ تمسّكاً بأنّه لم يعرف فيه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ح ٨٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ح ٣٩٤ ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ١٠.

(٢) المبسوط ١ : ٢٧٨.

(٣) نقله عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد في المختلف ٣ : ٣٧٠.

(٤) الانتصار : ٦٠.

(٥) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٨.

(٦) السرائر ١ : ٣٧٣.

(٧) المبسوط ١ : ٢٧٨.

(٨) الكافي ٤ : ١٢٢ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٥٥ ح ٢٤٢ ، الوسائل ٧ : ٧ أبواب وجوب الصوم ب ٣ ح ١.

٣٩

نصّاً (١) ، وهو ضعيف ؛ لوجود النصوص كما عرفت والإجماعات المنقولة.

وقدح العلامة في المختلف في رواية أبي بصير بالضعف (٢) ، ولا وجه له ؛ لأنّه ليس فيها من يتأمّل فيه إلا الحسين بن عثمان وسماعة وأبا بصير ، والظاهر أنّ كلّهم ثقات.

وكذلك القدح في دلالتها بأنّ المفروض أنّه في الصائم لا مَن لم ينوِ الصوم ؛ لعموم اللفظ ، وصريح قوله عليه‌السلام «ولم يكن نوى».

ويظهر من المحقّق في النافع (٣) والشهيد الثاني في المسالك (٤) أنّ في الروايات ما يدلّ على أنّ النافلة كالفريضة لا يتعدّى وقت نيّتها عن الزوال.

ولم نقف على شي‌ء من ذلك إلا رواية عمّار المتقدّمة ، وصحيحة هشام بن سالم إن قلنا إنّ معناها أنّه ليس بصوم ، بل إنّما يؤجر على إمساك ما أمسكه من بعد الزوال ، ولكن عبد الله بن سنان روى في الصحيح عنه عليه‌السلام في جملة حديث : «إن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم ، فإنّه يحسب له من الساعة الّتي نوى فيها» (٥) وهو منافٍ لما ذكر ، فلا بدّ أن يقال : المراد أنّ الصوم صوم صحيح ولكن ثوابه أقلّ.

ويظهر من ذلك إشكال فيما ذكره في المدارك ، حيث قال : لو جدّد النيّة في أثناء النهار فهل يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النيّة أو من ابتداء النهار ، أو يفرق بين ما إذا وقعت النيّة بعد الزوال أو قبله؟ أوجه ، أجودها الأخير ؛ لقوله عليه‌السلام في صحيحة هشام بن سالم المتقدّمة «إن هو نوى» (٦) الحديث.

أقول : والتحقيق أن يقال : إنّ مقتضى الأدلّة في الواجب والمندوب أنّه يحكم بكونه صوماً صحيحاً تامّاً كلّما رخّص فيه بتجديد النيّة ، فيتفرّع عليه برّ يمين من أوجب

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٦٧ مسألة ٦.

(٢) المختلف ٣ : ٣٧٣.

(٣) المختصر النافع : ٦٥.

(٤) المسالك ٢ : ٩.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٧ ح ٥٢٤ ، الوسائل ٧ : ٥ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ٣.

(٦) المدارك ٦ : ٢٦.

٤٠