غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

أكثر من كونه ثلاثين ، وتكذيب الراوي من العامة لذلك ، وأنّ منها ما يدلّ على الإخبار عما اتفق في زمان الرسول من عدم النقص ، وهو لا يستلزم تمامه أبداً ، وأن كلمة «أبداً» في كثير منها يرجع إلى المنفي لا إلى النفي ، يعني نقصه ليس دائماً ، لا أنّه دائماً لا ينقص.

وقد توجّه أيضاً بأنّ المراد أنّ ثوابه ثواب ثلاثين يوماً ، ولا ينقص بنقص يوم منه ، وبأنّه لا يجوز أن يقال ناقص ؛ لأنّه صفة ذم.

ومنها : أنّ المراد الحثّ على صوم آخر شعبان.

أقول : وقد يختلج بالبال أن يقال : لما كان من المسلّمات أنّ الشهور قد تكمل وقد تنقص ، وأنّ الكمال بتمام الثلاثين والنقص بتسعة وعشرين فلا يوجد شهر يتمّ بثمانية وعشرين حتى يكون كماله بتسعة وعشرين ، وكثيراً ما يُعيّد العامة بعد ثمانية وعشرين كما رأيناه مكرراً في زماننا وإن كان بسبب وضع الشاهدين على الرؤية في أوّل الشهر ، فيكون هذا ردّاً عليهم ، يعني أصل رمضان ليس تسعة وعشرين حتى يكون الناقص منه ثمانية وعشرين ، بل لا ينقص الأصل من ثلاثين أبداً ، فيكون الناقص تسعة وعشرين.

وتؤيده بعض الأخبار ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان وفي طريقه حماد بن عيسى عن رجل نسي حمّاد بن عيسى اسمه ، قال : «صام عليّ عليه‌السلام بالكوفة ثمانية وعشرين يوماً شهر رمضان ، فرأوا الهلال ، فأمر منادياً ينادي : اقضوا يوماً ، فإنّ الشهر تسعة وعشرون يوماً» (١).

وكيف كان فهذه الأخبار مما لا يمكن التعويل عليها من وجوه شتّى ، وتلوح منها رائحة الوضع ؛ لاشتمالها على الإيمان المغلّظة التي هي شأن من يريد ترويج كلامه.

ومنها : مخالفتها للحسّ والاعتبار.

ومنها : اشتمالها على مضامين لا ترجع بظاهرها إلى محصّل ، وتعليلات غير

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٨ ح ٤٤٤ ، الوسائل ٧ : ٢١٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٤ ح ١.

٣٢١

منطبقة على معلولاتها ، فلاحظ رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع إلى آخرها تقف على ما ذكرنا.

والتوجّه إلى كلّ واحد من الأخبار وذكر ما فيها وتأويلها تطويل بلا طائل لا يفي الوقت بها ، مع عدم الاحتياج إليها ؛ إذ الظاهر أنّ هذا القول مسبوق بالإجماع على خلافه ، وملحوق به كما يظهر من الأصحاب.

ونقل عن ابن طاوس : أنّ جماعة من الذين انتصروا لهذا القول قد رجعوا عنه وألّفوا كتاباً في ردّه (١).

والإنصاف : أنّ التوجيهات التي ذكروها لهذه الأخبار أكثرها في غاية البعد منها ، ولا تتمّ في كثير منها ، وما ذكر في بعضها لا يجامع ما يدلّ عليه بعض آخر منها ، فالأولى طرح هذه الأخبار ، ووكول أمرها إلى الصادع بها إن كان هو الإمام ؛ لمخالفتها للحس والعقل والكتاب والسنة والإجماعات المنقولة.

وأما ما قد يستدلّ على هذا القول بقوله تعالى (أَيّاماً مَعْدُوداتٍ) و (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ).

فأمّا الآية الأُولى ففيها : أنّ كونها معدودة لا خلاف فيه ، وإنّما الاختلاف فيما يعرف به أوّل هذا العدد واخره ، وليس في الآية ما يدلّ عليه.

وقيل : إنّ المراد بالمعدودات الإشارة إلى القلّة تسهيلاً للأمر كما في دراهم معدودة ، مع أنّ أيّام الحيض أيضاً معدودة بمعنى أنّ لها حدّين لا تتجاوزها قلّة وكثرة وإن اختلفت بنفسها.

مع أنّه قيل : إنّها أيّام عاشوراء ، وقد نسخت بشهر رمضان (٢).

وأما الثانية ففيها : أنّ إكمال كلّ واحد من الأقلّ والأكثر إكمال له ، وأنّ المراد بإكمالها إكمال عملها ، فكما أنّ المعتدّة تكمل عدّتها بثلاثة أشهر ، وقد يكون بعضها

__________________

(١) الإقبال : ٦.

(٢) حكاه عن قتادة في مجمع البيان ٢ : ٢٧٣.

٣٢٢

ناقصاً ولا ينافي الإكمال ، فكذا ما نحن فيه ، وكذا إتمام حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة ، فإنه قد يتحقّق الإكمال مع كون أحدهما زائداً على الأخر ، كما لو كانت السنة كبيسة.

وقد يقال : إنّ المراد بالعدّة هو قضاء ما فاته في المرض أو في السفر كما يرشد إليه سياق الآية.

السابع: رؤية الهلال قبل الزوال

والمشهور المعروف أنّه لا عبرة بها ، وادّعى عليه الإجماع ابن زهرة (١) والعلامة في التذكرة (٢) ، بل لم يذكر الخلاف فيه إلا عن الثوريّ وأبي يوسف من العامّة (٣) ، ونقل عن الآخرين الموافقة لنا (٤) ، وعن أحمد القول بالتفصيل (٥).

وعن المنتهي : أنّه مذهب أكثر علمائنا إلا من شذّ منهم لا نعرفه (٦) ، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف أيضاً (٧).

وذهب المرتضى في المسائل الناصريّة إلى أنّه إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية ، وقال : دليلنا إجماع الفرقة المحقّة ، وأيضاً ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وأنس أنهم قالوا بذلك ولا مخالف لهم (٨).

__________________

(١) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٦٩.

(٢) التذكرة ٦ : ١٢٦ مسألة ٧٧.

(٣) انظر المغني ٣ : ١٠٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧ ، والمجموع ٦ : ٢٧٢ ، وحلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، وفتح العزيز ٦ : ٢٨٦ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، وشرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٤) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ٣٩ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٢ ، المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٥) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، وانظر التذكرة ٦ : ١٢٦ مسألة ٧٧.

(٦) المنتهي ٢ : ٥٩٢.

(٧) الخلاف ٢ : ١٧٢.

(٨) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ٢٠٦.

٣٢٣

وهو معارض بما ذكره الشيخ في الخلاف : أنّه روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وابن عمر وأنس أنهم قالوا كلّهم لليلة القابلة ، ولا مخالف لهم ، فدلّ على أنه إجماع الصحابة (١).

وربما نسب إلى الصدوق في المقنع حيث روى الرواية الدالّة عليه (٢) ، وربّما يظهر من المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله الميل إليه (٣).

ونُسب إلى العلامة في المختلف القول بالتفصيل ، فيعتبر في الصوم دون الفطر (٤).

وفي التذكرة بعد ما نسب إلى الثوري وأبي يوسف القول بالاعتبار مطلقاً ، نقل عن أحمد أنّه قال : إن كان في أوّل شهر رمضان فهو للماضية ، وإن كان في هلال شوال فروايتان ، إحداهما : أنّه كذلك ، والثانية : للمستقبلة ، ثمّ غلطهما (٥) ، والظاهر أنّه في المختلف أيضاً موافق للمشهور كما سنشير إليه.

لنا : الاستصحاب ، وعدم جواز نقض اليقين بالشك المدلول عليه بالأخبار المعتبرة (٦) ، خصوصاً ما ورد في شهر رمضان أنّه لا يعمل فيه بالتظنّي ولا بدّ من اليقين (٧) ، والإجماعات المنقولة ، والأخبار المتواترة القائلة «صم للرؤية وأفطر للرؤية» فإنّ الظاهر أنّها على نسق واحد في الجميع ، وهي ظاهرة في وجوب الصوم والفطر غداً ، لا بعدهما بلا فاصلة.

لا يقال : إنّ الغالب المتعارف في الرؤية إنّما هو في أوّل الليلة ، فلا تنصرف تلك الأخبار إلى الرؤية قبل الزوال ، فدلالة الأخبار على وجوب الصوم والفطر غداً إذا رؤي في الليل لا تنافي وجوب الصوم والفطر إذا رؤي قبل الزوال.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٧١.

(٢) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٣٠٠.

(٤) المختلف ٣ : ٤٩٣.

(٥) التذكرة ٦ : ١٢٧.

(٦) الوسائل ٧ : ١٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

(٧) الوسائل ٧ : ١٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

٣٢٤

لأنّا نقول : هذا يستلزم منع دخول الرؤية بعد الزوال في مصداق الأخبار أيضاً ، سيّما ما قرب من الغروب ، وهو بعيد.

سلّمنا عدم الدخول ، لكنّا نقول : ظاهر تلك الأخبار تعيين العلامة ، يعني أنّ الرؤية في الليل علامة لوجوب الفطر والصوم غداً ، وعدمها فيها علامة لعدمه ، فدلّت تلك الأخبار على عدم الوجوب وإن رؤي قبل الزوال.

وذلك أيضاً يكفي في الاستدلال ؛ لصدق عدم الرؤية في الليلة الماضية.

ورؤيته قبل الزوال لا تصير موجباً لصيرورته هلالاً في الليلة الماضية ، إذ اتصاف القمر بكونه هلالاً إنّما هو بإمكان الرؤية ، بل فعليّتها ، لا مجرد الخروج من تحت الشعاع ، وقد يخرج ولا تمكن رؤيته في تلك الليلة ، بل ومابعدها أيضاً.

وصحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة في دليل مذهب سلار (١).

وجه الدلالة : مفهوم قوله عليه‌السلام : «وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو أخره فأتمّوا الصيام» فإنّ وسط النهار شامل لما قبل الزوال ؛ إذ ليس المراد هو ركود الشمس في دائرة نصف النهار ؛ لاستحالته ، وعدم انصراف فهم العوام إليه الذي هو المعيار في فهم الأخبار ، سيّما والأظهر الأشهر أنّ النهار اسم لما بين طلوع الفجر إلى الغروب ، لا ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.

وعلى هذا فالمنتصف إنّما هو قبل الزوال ، مع أنّه هو المحتاج إليه في سؤال الرواة وجوابهم «، فكيف يطوي عن الاعتناء بحاله بالمرّة ، وعدم التعرّض لذكر أوّل النهار لندرته جدّاً.

وما رواه الشيخ في التهذيب ، عن عليّ بن حاتم ، عن محمّد بن جعفر ، عن محمّد ابن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى ، قال : كتبت إليه عليه‌السلام : جعلت فداك ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربّما رأيناه بعد الزوال ،

__________________

(١) ص ٣٠٧ ، وهي في الفقيه ٢ : ٧٧ ح ٣٣٧ ، والتهذيب ٤ : ١٥٨ ح ٤٤٠ ، والاستبصار ٢ : ٦٤ ح ٢٠٦ ، والوسائل ٧ : ٢٠١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ١.

٣٢٥

فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام : «تتمّ إلى الليل ، فإنّه إذا كان تاماً رؤي قبل الزوال» (١).

ومحمّد بن جعفر وإن كان مشتركاً بين الثقة وغيره (٢) ، ولكن استاذنا طاب ثراه قال في بعض تحقيقاته : ما رواه الشيخ عن كتاب عليّ بن حاتم الثقة الجليل بسنده الصحيح عن محمّد بن عيسى ، ومع ذلك فالضعف منجبر بالشهرة التي كادت أن تكون إجماعاً.

وجه الدلالة : أنّ الظاهر أنّ المراد من هلال شهر رمضان هو هلال شوال كما يتسامح فيه في المتعارف ، بقرينة قول السائل : «فترى أن نفطر» إذ هو المناسب للصوم اللازم ، دون صوم آخر شعبان ، وقوله عليه‌السلام في الجواب : «تتم إلى الليل» دون أن يقول : اعدل بنيتك إلى صوم رمضان ، وبالعلّة المنصوصة يتمّ الحكم في أوّل شهر رمضان أيضاً ، بل القول بعدم الفصل لما سنذكر من موافقة المختلف للمشهور.

وفي شرح الروضة للفاضل الأصفهاني «غمّ علينا الهلال» معرّفاً باللام ، فلا إشكال.

وعن جرّاح المدائني قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من رأى هلال شوال بنهار في رمضان فليتم صيامه» (٣) ولا وجه لحملها على ما بعد الزوال ، سيّما والمحتاج إليه هو بيان ما قبل الزوال كما ظهر من مخالفة الثوري في زمانه عليه‌السلام وأبي يوسف (٤) ، ولم يعهد خلاف من أحدهما في بعد الزوال حتى يكون الحديث رفعاً له.

وموثّقة إسحاق بن عمار أو صحيحته ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧٧ ح ٤٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ ح ٢٢١ ، الوسائل ٧ : ٢٠١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٤. وغم الهلال على الناس : إذ أستره عنهم غيم أو غيره فلم ير ، الصحاح ٥ : ١٩٩٨.

(٢) انظر معجم رجال الحديث رقم ١٠٣٥٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٤ : ١٧٨ ح ٤٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ ح ٢٢٣ ، الوسائل ٧ : ٢٠١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٢.

(٤) انظر المغني ٣ : ١٠٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧ ، والمجموع ٦ : ٢٧٢ ، وحلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، وفتح العزيز ٦ : ٢٨٦ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، وشرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣ ، والتذكرة ٦ : ١٢٧.

٣٢٦

هلال رمضان يغمّ علينا في تسع وعشرين من شعبان ، فقال : «لا تصمه ، إلا أن تراه ، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه ، وإذا رأيته في وسط النهار فأتم صومه إلى الليل» (١).

يعني بقوله عليه‌السلام : «أتمّ صومه إلى الليل» على أنّه من شعبان ، دون أن ينوي أنّه من رمضان (٢).

فإن اعتبرنا تفسير الراوي فالأمر واضح.

وإن لم نعتبره فيمكن القول : بأنّ المراد من قوله عليه‌السلام : «وإذا رأيته في وسط النهار» إلى أخره أنّه حكم هلال شوال ؛ لأنّ بعد ما نهاه عن الصوم بدون رؤيته في الليل فلا صوم ههنا متحقّق الوقوع حتى يقال : أتمه.

وكذلك أمره بالقضاء لو رآه أهل بلد آخر يشهد بعدم كونه صائماً.

وروى الفاضل الأصفهاني ، عن بعض الكتب ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : «إذا رأيتم الهلال أو رآه ذوا عدل منكم نهاراً فلا تفطروا حتّى تغرب الشمس ، كان ذلك في أوّل النهار أو في أخره ، وقال : لا تفطروا إلا لتمام ثلاثين من رؤية الهلال أو بشهادة شاهدين عدلين أنّهما رأياه» (٣).

حجة القول الأخر : حسنة حمّاد بن عثمان لإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية ، وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة» (٤).

وموثقة عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير قالا ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا رؤي

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧٨ ح ٤٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ ح ٢٢٤ ، الوسائل ٧ : ٢٠١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٧٨ ح ٤٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ ح ٢٢٤ ، وفي الوسائل ٧ : ٢٠١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٣ ، جعل قوله يعني .. من توجيه الشيخ ، والظاهر أنّه من الراوي.

(٣) دعائم الإسلام ١ : ٢٨٠ ، وقطعة منه في المستدرك ٧ : ٤٠٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٧٨ ح ١٠ ، التهذيب ٤ : ١٧٦ ح ٤٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ ح ٢٢٥ ، الوسائل ٧ : ٢٠٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٦.

٣٢٧

الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال ، وإذا رؤي بعد الزوال فذلك من شهر رمضان» (١)

وردّهما الشيخ بالشذوذ ، وكونهما غير معلومين ، وبمخالفتهما للكتاب والأخبار المتواترة معنىً ؛ الدالة على وجوب الصوم للرؤية والفطر للرؤية (٢).

وتردّد بعض الأصحاب مثل المحقق في المعتبر والنافع (٣) ، وكذا يظهر من صاحب المدارك (٤) بسبب اعتبار سند الروايتين.

وليس في محلّه ؛ إذ كلّما كان السند أصحّ والدلالة أوضح والعدد أكثر والقائل أقلّ ، وكان الطرف المخالف أضعف سنداً ودلالة والقائل بها أكثر ، يقوى الظن باعتبار ما اشتهر العمل به ، ويضعف الشاذ.

واحتج العلامة في المختلف (٥) مضافاً إلى هاتين الروايتين ، وما نقل في المسائل الناصرية من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام والصحابة (٦) بأنّه أحوط للعبادة ، وبالأخبار الدالّة على وجوب الصوم للرؤية (٧) بناءً على أنّه إذا رؤي قبل الزوال كان وقت الصوم باقياً فيجب ابتداؤه حينئذٍ.

وفيه : مع بُعده بالنسبة إلى الرواية الثانية ؛ أنّه لا معنى للاحتياط إلا بنيّة شعبان ، لئلا يكون مفطراً يوماً من رمضان لو كان في نفس الأمر منه ، وهو ليس معنى صومه من رمضان ، مع أنّه لا يتم في آخر الشهر ؛ لتردّده بين الحرام والواجب.

ثمّ إنّه قال في آخر كلامه : إذا عرفت هذا فنقول : لو رؤي في أوّل الشهر قبل الزوال ولم يُر ليلة إحدى وثلاثين هلال شوال وجب صومه إن كان هذا الفرض ممكناً إذا

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧٦ ح ٤٨٩ ، الاستبصار ٢ : ٧٤ ح ٢٢٦ ، الوسائل ٧ : ٢٠٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ١٧٦ ، وانظر الوسائل ٧ : ١٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٨٩ ، المختصر النافع ١ : ٦٩.

(٤) المدارك ٦ : ١٨١.

(٥) المختلف ٣ : ٤٩٦.

(٦) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ٢٠٦.

(٧) الوسائل ٧ : ٢٠٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨.

٣٢٨

حصلت علّة ؛ لأن الاحتياط للصوم متعيّن ، فلا يجوز الإقدام على الإفطار بمثل هذه الروايات المفيدة للظن المعارضة بمثلها (١).

وأنت خبير بأنّ الاحتياط لا يصير دليلاً شرعياً ، ولا دليل على وجوبه ، ولا وجه للفرق بين الواجب والحرام.

وهذا الكلام منه يشعر بأنّ مراده الصيام في الأوّل من شعبان احتياطاً ، وكذا في الأخر لا بقصد أنّه من شوال ، فلا مخالفة له مع المشهور.

الثامن: عدّ خمسة أيّام من أوّل شهر رمضان في السنة الماضية ، وجعل الخامس أوّل السنة الاتية فإذا كان أوّل الأوّل جمعة يكون أول الثاني الثلاثاء.

ولا اعتبار به عند الأصحاب ، وإن وردت به روايات ، مثل ما رواه عمران الزعفراني ، قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليوم واليومين والثلاثة ، فأيّ يوم نصوم؟ قال : «انظر اليوم الذي صمته من السنة الماضية ، وصم يوم الخامس» (٢).

وروايته الأُخرى أيضاً قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّما نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمساً ولا نجماً ، فأيّ يوم نصوم؟ قال : «انظر اليوم الذي صمته من السنة الماضية ، وعدّ خمسة أيام ، وصم اليوم الخامس» (٣).

وما رواه الصدوق مرسلاً عنه عليه‌السلام قال : «إذا صمت شهر رمضان في العام الماضي في يوم معلوم ، فعدّ في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيّام ، وصم

__________________

(١) المختلف ٣ : ٤٩٦.

(٢) الكافي ٤ : ٨٠ ح ١ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ ح ٤٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ ح ٢٣٠ ، الوسائل ٧ : ٢٠٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٨١ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ ح ٤٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٧٦ ح ٢٣١ ، الوسائل ٧ : ٢٠٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠ هامش ٣.

٣٢٩

يوم الخامس» (١).

ورواية محمّد بن عثمان الخدري ، عن بعض مشايخه ، عنه عليه‌السلام ، قال : «صم في العام المستقبل يوم الخامس من يوم صمت عام أوّل» (٢).

ونزّلها الشيخ على أنّ السماء إذا كانت مغيّمة فعلى الإنسان أن يصوم اليوم الخامس احتياطاً لرمضان من قبيل يوم الشك ، لأعلى أنّه من رمضان (٣).

نعم عمل بتلك الروايات جماعة من الأصحاب إذا غمّت شهور السنة كلّها ، وأمّا لو غمّ شعبان فقط أو أزيد منه فيجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً ، ثمّ يصام وجوباً (٤) ، وظاهر التذكرة الإجماع على ذلك (٥).

وبالجملة هذه الروايات مع ضعفها وشذوذها وعدم العامل بها على الإطلاق لا تقاوم ما دلّ على اعتبار الرؤية وإتمام ثلاثين من شعبان (٦).

مع أنّها لا تتم في السنة الكبيسة ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب (٧) ، ففيها لا بدّ من جعله السادس أوّلاً للسنة الاتية.

ووردت بذلك أيضاً رواية ، وهي ما رواه السيّاري ، قال : كتب محمّد بن الفرج إلى العسكري عليه‌السلام يسأله عمّا روي عن الحساب في الصوم عن آبائك في عدّ خمسة أيّام بين أوّل السنة الماضية والسنة الثانية التي تأتي ، فكتب : «صحيح ، ولكن عدّ في كل أربع سنين خمساً ، وفي السنة الخامسة ستاً فيما بين الأوّل والحادث ، وما سوى ذلك ، فإنما هو خمسة خمسة».

قال السياري : وهذه من جهة الكبيسية ، قال : وقد حسبه أصحابنا فوجدوه

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٨ ح ٣٤٥ ، الوسائل ٧ : ٢٠٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٨١ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ٢٠٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٧٩ ذ. ح ٤٩٧.

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٢٦٨.

(٥) التذكرة ٦ : ١٤١.

(٦) الوسائل ٧ : ١٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

(٧) حكاه في المدارك ٦ : ١٨٣.

٣٣٠

صحيحاً.

قال : وكتب إليه محمّد بن الفرج في سنة ثمان وثلاثين ومائتين : هذا الحساب لا يتهيّأ لكلّ إنسان أن يعمل عليه ، إنّما هذا لمن يعرف السنين ، ومن يعلم متى كانت السنة الكبيسية ثمّ يصحّ له هلال شهر رمضان أوّل ليلة ، فإذا صحّ الهلال لليلته وعرف السنين ، صحّ له ذلك إن شاء الله (١).

ثمّ إنّ المشهور أنّه فيما لو غمّت شهور السنة العمل على عدّها ثلاثين ثلاثين ، وذهب جماعة من الأصحاب إلى اعتبار عدّ خمسة أيّام ؛ لموافقته للعادة (٢) ، حتّى أنّه نقل عن صاحب عجائب المخلوقات أنّه قال : قد امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحاً ، ولكن مع التقييد بغير السنة الكبيسية (٣).

ويظهر من المختلف أنّ اعتماده إنّما هو على العادة دون الروايات ؛ لضعفها (٤).

وتوجيهه : أنّ المتبادر مما دلّ على اعتبار إتمام الثلاثين إنّما هو فيما لم تغمّ جميع الشهور ، فإنّ العرف والعادة إنّما جريا على كون شطر الشهور ناقصة ، فلا بد من اعتبارها. وأما تعيينه على هذا الوجه يعني بعنوان عدّ خمسة أيّام فلغلبة وقوعه أيضاً في العادة.

ومرجع هذا الاستدلال العمل بالظنّ وتقديم الظاهر على الأصل ، وأنّ (٥) التكليف بالصوم باقٍ والعلم بأوّل الشهر متعذّر ؛ إذ المفروض انعدام جميع العلامات من الرؤية والبيّنة والاستفاضة ، ولم يبقَ إلا استصحاب عدم دخول الشهر ، واستصحاب عدم تمام الشهر السابق ، وهما لا يقاومان هذا الظهور ؛ إذ المناط في حجية الاستصحاب هو حصول الظن ، والمفروض فقده ، بل خلافه مظنون.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨١ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ٢٠٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ : ٢٦٨ ، التذكرة ٦ : ١٤١.

(٣) عجائب المخلوقات (حياة الحيوان للدميري) ٢ : ٥٤.

(٤) المختلف ٣ : ٤٩٩.

(٥). في «م» : فإنّ.

٣٣١

وما دلّ على عدم جواز العمل بالتظنّي خصوصاً في شهر رمضان (١) إنّما ينصرف إلى ما كان يقين ثابت حتى يستصحب حكمه ، وهو في كلّ شهر شهر مفقود ؛ لعدم معلوميّة أوّلها.

وأمّا بالنسبة إلى مجموع الستّة أشهر أو تمام السنة مثلاً فلا يعارض الظنّ الحاصل من الأخبار الدالّة على عدم جواز نقض اليقين بالشكّ ، الظنّ الحاصل من هذا الظاهر ، فإنّا قد حقّقنا في الأُصول أنّ الظاهر أيضاً من القواعد المعتبرة كقاعدة اليقين وقاعدة نفي الضرر والحرج وغير ذلك ، ولا بدّ فيما لو تعارضا من الرجوع إلى المرجّحات ، والرجحان هنا مع الظاهر ، سيّما مع اعتضاده بالروايات المستفيضة مع عمل جماعة بها فيما لو غمّت الشهور.

ثمّ إنّ ما ذكر يجري فيما لو غمّ أكثر من ثلاثة أشهر أيضاً ، وإن لم يغمّ تمام السنة ؛ لأنّ كون أزيد منها تماماً بعنوان التوالي أيضاً نادر ، بخلاف الشهرين والثلاثة ، فإنّ الأصل حينئذٍ أقوى من الظاهر.

لا يقال : إنّك قلت بأنّ العمل بأمثال هذه الظنون لا يتمّ إلا في نفس الأحكام ، وأمّا في إثبات الموضوعات فلا بدّ من الوقوف على ما ثبت من الشرع.

لأنّا نقول : المفروض انتفاء ما ثبت من الشرع هنا ، ولا سبيل إليه مع ثبوت التكليف الموقوف على معرفة أوّل الشهر إلا العمل بأحد هذين الأمرين ، ولما لم يتمّ الدليل على العمل بالاستصحاب وعدّ ثلاثين ثلاثين تاماً ، فانحصر الرجوع إلى هذا الظن.

التاسع : لا عبرة بغيبوبة الهلال بعد الشفق ، واعتبره الصدوق في المقنع ، قال : واعلم أنّ الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة ، وإن غاب بعد الشفق فهو لليلتين ، وإن رؤي فيه ظلّ الرأس فهو لثلاث ليال (٢) ، ونسب هذا القول في التذكرة إلى بعض من

__________________

(١) الوسائل ٧ : ١٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

(٢) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٧.

٣٣٢

لا يعتدّ به (١).

ولعلّ دليله رواية إسماعيل بن الحر وفي بعض النسخ إسماعيل بن الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» (٢) وهي مع ضعفها (٣) لا تقاوم ما دلّ على انحصار معرفة الشهر بالرؤية أو إتمام ثلاثين أو نحو ذلك.

ويعارضها صريح (٤) ما رواه الشيخ عن أبي عليّ بن راشد ، قال : كتبت إلى أبي الحسن العسكري عليه‌السلام كتاباً وأرّخته يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان ، وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومائتين ، وكان يوم الأربعاء يوم الشكّ ، وصام أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل ، قال : فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس ، وأنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء ، قال : فكتب إلى : «زادك الله توفيقاً ، فقد صمت بصيامنا» قال : ثم لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبت به إليه فقال لي : «أو لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس ، فلا تصم إلا للرؤية» (٥).

إمّا رؤية رأس الظل والمراد به ظلّ الرأس ، فإنّ رأس ظلّ الإنسان هو ظلّ رأسه فاعتباره هو الظاهر من الصدوقين حيث ذكراه في المقنع (٦) والرسالة (٧) ، خلافاً للأكثر.

وتدلّ عليه صحيحة مرازم ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا تطوّق

__________________

(١) التذكرة ٦ : ١٤٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٧٨ ح ٣٤٣ ، الوسائل ٧ : ٢٠٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ح ٣.

(٣) لعلّ وجه الضعف هو إهمال أو جهالة الراوي ، انظر معجم رجال الحديث رقم ١٣١٦ ، ١٣١٨.

(٤) في «م» : صريحاً.

(٥) التهذيب ٤ : ١٦٧ ح ٤٧٥ ، الوسائل ٧ : ٢٠٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ح ١ ، وفيهما : قال كتب إليّ أبو الحسن كتاباً وأرّخه ..

(٦) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦.

(٧) نقله عنه في المختلف ٣ : ٤٩٦.

٣٣٣

الهلال فهو لليلتين ، وإذا رأيت ظلّ رأسك فيه فهو لثلاث ليال» (١).

وهي وإن كانت صحيحة لكنها لا تقاوم العمومات والإطلاقات المعتضدة بالأصل والعمل القريب من الإجماع.

ويظهر من الصدوق أيضاً اعتبار التطوّق لهذه الرواية (٢) وجمهور الأصحاب على خلافه (٣).

وقد حكم في التذكرة بضعف الرواية (٤) ، ولعلّه أراد الشذوذ.

وحكم المحقّق في المعتبر بعد ذكر الأخبار الواردة في هذه الأُمور المهجورة عند الأصحاب أنّ هذه الروايات شاذّة ، والعامل بها نادر (٥) ، وكذلك غيره (٦).

العاشر : نقل عن ابن أبي عقيل أنّه قال : قد جاءت الآثار عنهم «: أن صوموا رمضان للرؤية ، وأفطروا للرؤية ، فإن غمّ عليكم ، فأكملوا العدة من رجب تسعة وخمسين يوماً ، ثمّ الصيام من الغد (٧).

ويدلّ عليه ما رواه المفيد في المقنعة ، عن أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : «إذا أهلّ هلال رجب ، فعدّ تسعة وخمسين يوماً ثم صم» (٨).

وما رواه في الكافي ، عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد يرفعه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا صحّ هلال شهر رجب ، فعدّ تسعة وخمسين يوماً وصم يوم الستين» (٩).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧٨ ح ٤٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٧٥ ح ٢٢٩ ، الوسائل ٧ : ٢٠٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ح ٢.

(٢) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦.

(٣) المبسوط ١ : ٢٦٧ ، القواعد ١ : ٦٩ ، اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١١٠ ، المدارك ٦ : ١٨٢.

(٤) التذكرة ٦ : ١٤١.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٨٩

(٦) كصاحب المسالك ٢ : ٥٤.

(٧) نقله عنه في المختلف ٣ : ٤٩٩.

(٨) المقنعة : ٢٩٨ ، الوسائل ٧ : ٢١٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ٥.

(٩) الكافي ٤ : ٧٧ ح ٨ ، التهذيب ٤ : ١٨٠ ح ٥٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٧ ح ٢٣٢ ، الوسائل ٧ : ٢١٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ٣.

٣٣٤

وما رواه الصدوق أيضاً مرسلاً (١).

وهذه الرواية أيضاً ضعيفة شاذّة لا يعارض بها ما تقدّم من الأخبار ، والأدلّة الحاصرة لعلامة الشهر.

ثمّ إنّ ههنا مسألتين :

الأُولى : المشهور بين الأصحاب استحباب صوم يوم الشكّ (٢) وعن جماعة من الأصحاب الإجماع عليه ، مثل السيد في الانتصار والمسائل الناصرية (٣) ، وابن زهرة في الغنية (٤) ، والشيخ في الخلاف (٥) ، وهو ظاهر الروضة (٦).

ويدلّ عليه مضافاً إلى العمومات عموم ما ورد في صوم شعبان ، وخصوصاً في الثلاثة الأخيرة ، وخصوصاً ما ورد في يوم الشك ، وهو كثير جدّاً ، مثل صحيحة سعيد الأعرج قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي صمت اليوم الذي يشكّ فيه ، وكان من شهر رمضان ، أفأقضيه؟ قال : «لا ، هو يوم وفّقت له» (٧).

وما رواه سهل بن سعد ، عن الرضا عليه‌السلام ، وفي جملتها قال ، قلت له : يا ابن رسول اللهُ ، فما ترى في صوم يوم الشك؟ فقال : «حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن آبائي «قال ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لأن أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليّ من أفطر يوماً من شهر رمضان» (٨).

ورواية بشير النبال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن صوم يوم الشك ، فقال :

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٨ ح ٣٤٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٥١ ، المنتهي ٢ : ٥٦١ ، التذكرة ٦ : ١٧ ، المسالك ٢ : ٥٥ ، المدارك ٦ : ٣٦.

(٣) الانتصار : ٦٢ ، المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ٢٠٦.

(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٠.

(٥) الخلاف ٢ : ١٧٩.

(٦) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٩.

(٧) التهذيب ٤ : ١٨٢ ح ٥٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ ح ٢٣٨ ، الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٢.

(٨) الفقيه ٢ : ٨٠ ح ٣٥٥ ، الوسائل ٧ : ١٧ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٦ ح ٩.

٣٣٥

«صمه ، فإن يك من شعبان كان تطوّعاً ، وإن يك من رمضان فيوم وفّقت له» (١).

ورواية أبي الصلت عبد السلام بن صالح رواها في المقنعة عن الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه «قال ، قال رسول اللهُ : «من صام يوم الشكّ فراراً بدينه فكأنما صام ألف يوم من أيّام الآخرة غراء زهراء ، لا تشاكلن أيّام الدنيا» (٢).

وعن أبي خالد ، عن زيد بن عليّ بن الحسين ، عن آبائه ، عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال ، قال رسول اللهُ : «صوموا سرّ الله» قالوا : يا رسول الله ، وما سرّ الله؟ قال : «يوم الشكّ» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (٤) التي لا حاجة إلى ذكرها ، وقد مرّ بعضها في مسائل النية.

وعن ابن الجنيد أنّه قال : لا أستحب الابتداء بصيام يوم الشكّ إلا إذا كان في السماء علّة تمنع من الرؤية استظهاراً (٥).

وعن المفيد في العزّية أنّه قال : يكره صوم يوم الشك إذا لم يكن هناك عارض وتيقّن أوّل الشهر وكان الجوّ سليماً عن العوارض وتفقّد الهلال ولم يُر مع اجتهادهم في الطلب ، ولا يكون هناك شك حينئذٍ ، ويكره صومه حينئذٍ إلا لمن كان صائماً قبله شعبان أو أياماً تقدّمته من شعبان ، بذلك جاءت الآثار عن آل محمّد عليهم السلام (٦).

وتحقيق المقام يقتضي ذكر أُمور :

الأوّل : في موضوع المسألة ، أعني يوم الشك فقال الشهيد الثاني في الروضة : وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدّث الناس برؤية الهلال ، أو شهد به من لا يثبت بقوله (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨١ ح ٥٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٧٨ ح ٢٣٦ ، الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٥ ح ٣.

(٢) المقنعة : ٢٩٨ ، الوسائل ٧ : ٢١٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ٦.

(٣) المقنعة : ٢٩٩ ، الوسائل ٧ : ٢١٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ٧.

(٤) الوسائل ٧ : ٢١٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ، وص ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥.

(٥) نقله عنه في المختلف ٣ : ٥٠٣.

(٦) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٦٥٠ ، والمختلف ٣ : ٥٠٣.

(٧) الروضة ٢ : ١٣٩.

٣٣٦

وتقرب منه عبارته في المسالك ، قال : واعلم أنّ موضع الخلاف إنّما هو مع تحقّق كونه شكاً ، لا مطلق يوم الثلاثين ، ولا يتحقق كونه شكاً إلا مع تحدّث الناس برؤيته على وجه لا يثبت ، أو بشهادة الواحد ونحوه ، وبدون ذلك لا يكون شكّاً ، فلا يتعلّق به حكمه من كراهة صومه ولا استحبابه على الوجه الوارد (١).

وأنت خبير بأنّ عبارة المفيد السابقة صريحة في أنّ الكراهة إنّما هي في صورة عدم الشكّ (٢) ، والمشهور عدمها ، وهو موضع الخلاف.

وأيضاً ظاهر التذكرة والمنتهى والدروس والشرائع أنّ محل النزاع مطلق الثلاثين وأنّه يسمّى يوم الشك مطلقاً (٣).

قال في التذكرة : يستحب صيام يوم الشكّ من شعبان إذا لم ير الهلال ، ولا يكره صومه ، سواء كان هناك مانع من الرؤية كالغيم وشبهه أو لم يكن ، وبه قال أبو حنيفة ومالك (٤).

إلى أن قال : وقال شيخنا المفيد رحمه‌الله : إنّما يستحب مع الشكّ في الهلال لا مع الصحو وارتفاع الموانع ، ويكره مع الصحو وارتفاع الموانع إلا لمن كان صائماً قبله ، وبه قال الشافعيّ والأوزاعيّ (٥) و (٦).

أقول : والتحقيق أن يقال : المراد بيوم الشكّ يوم من شأنه الشك بعنوان القاعدة الكلية كما هو الغالب في التسميات ، ولمّا كان الشهر دائماً مردّداً بين أمرين ثلاثين يوماً وتسعة وعشرين يوماً ، فيوم الثلاثين محلّ الشكّ ، ولا ضرورة إلى فعليّة الشكّ في التسمية.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٥٥.

(٢) نقله عنه المحقّق في المعتبر ٢ : ٦٥٠ ، ولكنّه في المقنعة : ٢٩٨ صرّح باستحبابه ، وأورد في ذلك عدّة روايات فلعلّه حكم بالكراهة المذكورة في غيرها.

(٣) التذكرة ٦ : ١٧ ، المنتهي ٢ : ٥٦١ ، الدروس ١ : ٢٨٤ ، الشرائع ١ : ١٨١.

(٤) الهداية للمرغيناني ١ : ١١٩ ، المجموع ٦ : ٤٠٤ ، ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٣.

(٥) المجموع ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٣.

(٦) انتهت عبارة التذكرة ٦ : ١٧.

٣٣٧

مع أنّه قلّما يوجد ارتفاع الشكّ ؛ إذ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود ، سيّما بعد ملاحظة هجر القواعد الرصدية في الشرع ، وهذا هو الظاهر من كلمات الأصحاب.

الثاني : الظاهر من الأخبار الواردة في استحباب صوم الشكّ أنّ العلّة فيها إدراك صوم رمضان والتوفيق له في نفس الأمر فيستحب الصوم لأجل أن لا يفوت هذا اليوم منه في نفس الأمر ، فلاحظ الأخبار ، فإنها منادية بذلك.

فمراد أكثر الأصحاب من استحبابه بعد ما أجمعوا على استحباب صوم شعبان ، وذكروا استحباب صوم الثلاثة الأيام في آخره ، ووصل شعبان برمضان ، ونقلوا الأخبار الدالة على ذلك ، ثم عنونوا الكلام في صوم يوم الشك ، ينبغي أن تكون الحكمة في استحبابه بالخصوص هو استحبابه لأجل إدراك صوم رمضان والتوفيق له ، ولا مانع في العقل والشرع أن يكون لشي‌ء واحد فضيلتان من جهتين.

فنظر المشهور إلى أنّ احتمال كونه من رمضان لا ينتفي بسبب الصحو وعدم الرؤية وعدم الأمارات الرصديّة ، ونظر المفيد إلى عدم الاعتداد بالاحتمال الضعيف ، ولذلك قال : «حينئذٍ ليس هناك شك».

فينبغي أن لا يمنع المفيد استحبابه من جهة أنّه آخر شعبان شرعاً ، بل إنّما يقول بالكراهة لأجل أنّ الاعتداد بالاحتمال الضعيف في إدراك التوفيق لصوم رمضان ليس مما يستند إليه في الحكم الشرعي ؛ لأنّه حينئذٍ متشبّه بمن يعتد بغير أمارة شرعية ، ولذلك اشترط عدم تقدّم الصيام ، فإنّ من كان يصوم قبل ذلك ويستمرّ فيه إلى الأخر لا يتوهّم فيه أنّه صام لأجل الاعتماد على ما لا يجوز الاعتماد عليه ، ويضمحلّ هذا الاحتمال في جنب داعية الاستمرار على العمل ، وعلى هذا فيشبه أن يكون النزاع لفظياً.

وكيف كان فالمذهب هو المشهور ، فالأحسن على ما ذكرنا الاستدلال بخصوص ما ورد في يوم الشكّ ، وأنّه لأجل التوفيق لصوم رمضان ، ولأنّه فرار بدينه ونحو ذلك

٣٣٨

مما ذكر في الأخبار ، لا بإطلاق ما دلّ على استحباب صوم شعبان أو الثلاثة الأيام من أخره ونحو ذلك.

الثالث : في ذكر الآثار التي ذكرها المفيد ولعلّه أراد بها مثل رواية معمّر بن خلاد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : كنت جالساً عنده آخر يوم من شعبان ، فلم أرَه صائماً ، فأتوه بمائدة ، فقال : «ادن» وكان ذلك بعد العصر ، قلت له : جعلت فداك صمت اليوم ، فقال لي : «ولِمَ؟» قلت : جاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام في اليوم الذي يشكّ فيه أنّه قال : «يوم وفّق له» قال : «أليس تدرون إنّما ذلك إذا كان لا يعلم أهو من شعبان أم من شهر رمضان فصامه الرجل وكان من شهر رمضان كان يوماً وفّق له ، فأما وليس علة ولا شبهة فلا» فقلت : أفطر الان؟ فقال : «لا» فقلت : وكذلك في النوافل ليس لي أن أفطر بعد الظهر؟ قال : «نعم» (١).

ورواية هارون بن خارجة قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «عدّ شعبان تسعة وعشرين يوماً ، فإن كانت مغيمة فأصبح صائماً ، وإن كان مصحية وتبصّرت فلم ترَ شيئاً فأصبح مفطراً» (٢).

ورواية الربيع بن ولاد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا رأيت هلال شعبان فعدّ تسعة وعشرين ليلة ، فإن صحّت فلم تره فلا تصم ، وإن تغيّمت فصم» (٣).

وأنت خبير بأنّ هذه الأخبار مع سلامتها لا تعارض بها الأخبار المتواترة المعتبرة ، فلعلّ المراد بها المنع عن صيامها لقصد احتياط إدراك رمضان لكمال بُعده ، ولكن يلزمه بقاء الاستحباب لأجل أنّه من شعبان أو آخر شعبان ، ولا أقلّ من أجل أنّه صوم ؛ لعدم المنافاة ، فلا وجه للإفطار والأمر بالإفطار كما يستفاد من تلك الأخبار.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٦ ح ٤٧٣ ، الوسائل ٧ : ١٨ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ١٢.

(٢) الكافي ٤ : ٧٧ ح ٩ ، الوسائل ٧ : ٢١٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٥ ح ٤٦٩ ، الوسائل ٧ : ٢١٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ٢.

٣٣٩

الرابع : لو صامه ندباً وظهر كونه من رمضان أجزأ عنه اتفاقاً ، وهو مدلول الأخبار الكثيرة جدّاً (١).

بل قال المفيد في المقنعة : ثبت عن الصادقين» لو أنّ رجلاً تطوّع شهراً وهو لا يعلم أنّه شهر رمضان ثمّ تبيّن له بعد صيامه أنّه كان شهر رمضان لأجزأ ذلك عن فرض الصيام (٢). وقد تقدّم الكلام في ذلك وسائر ما يتعلّق به في مباحث النية.

الخامس : لو أفطره وأهلّ شوال في ليلة التاسع والعشرين من رمضان قضاه وكذا لو قامت بيّنة برؤيته ليلة الثلاثين من شعبان بلا خلاف أعرفه ، وتدلّ عليهما الأخبار ، ومرّ بعضها مثل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في مسألة العدد (٣) ، وصحيحة هشام بن الحكم المتقدمة في مسألة رؤية الهلال (٤).

قال المحقق : وكلّ شهر تشتبه رؤيته يعدّ ما قبله ثلاثين (٥).

ولم يذكر في المدارك ولا في المسالك خلافاً فيه (٦) ، وإنّما ذكر المحقّق (٧) وغيره (٨) الخلاف فيما لو غمّت شهور السنة ، فذهب الأكثر إلى أنّه يعدّ الكلّ ثلاثين (٩).

وقيل : ينقص منها ؛ لقضاء العادة بالنقيصة (١٠).

وقيل : يعمل بعد الخمسة من السنة الماضية (١١).

أقول : أمّا في خصوص شعبان فلا إشكال فيه ؛ للإجماع والأخبار ، وأمّا في كلّ

__________________

(١) الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥.

(٢) المقنعة : ٣٠٢ ، الوسائل ٧ : ١٥ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ١٣.

(٣) التهذيب ٤ : ١٥٨ ح ٤٤٤ ، الوسائل ٧ : ٢١٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٥٨ ح ٤٤٣ ، الوسائل ٧ : ١٩٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ١٣.

(٥) الشرائع ١ : ١٨١.

(٦) انظر المدارك ٦ : ١٨٦ ، والمسالك ٢ : ٥٦.

(٧) الشرائع ١ : ١٨١.

(٨) المختلف ٣ : ٤٩٧.

(٩) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٢٦٨ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ١٨١.

(١٠) منهم العلامة في المختلف ٣ : ٤٩٨.

(١١) المبسوط ١ : ٢٦٨ ، التذكرة ٦ : ، المنتهي ٢ : ٥٩٣ ، التحرير ١ : ٨٢.

٣٤٠