غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

نعم روى في الكافي في الحسن ، عن يونس ، عن شعيب ، عن محمّد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما حدّ المريض إذا نقه في الصيام؟ قال : «ذلك إليه ، هو أعلم بنفسه ، إذا قوي فليصم» (١).

ثمّ الإشكال في صورة العلم بحصول الضرر ، والظاهر عدم الإشكال في حصول الظنّ به ، وفي الاكتفاء بالاحتمال وجه قويّ ، بل ظاهر كثير من إطلاقاتهم ذلك ، حيث عبّروا بخوف الضرر.

وربّما يستدلّ عليه بصحيحة حريز المتقدّمة ، وهو مشكل بملاحظة تتمّة الرواية.

نعم رواها في الكافي في الحسن بدون التتمة (٢) ، وللاستدلال به وجه. ويؤيّده ما اخترناه في التيمّم من الاجتزاء باحتمال الضرر.

وربما يستدلّ على وجوب الصوم بثبوته في الذمّة ، فيستصحب حتّى يظهر المسقط ، وليس إلا العلم أو الظنّ ، وهو ممنوع ؛ لأصالة البراءة ، لتجدد الخطاب كلّ يوم ، والأصل عدمه.

فالأولى الاستدلال بالعمومات والإطلاقات إن قاومت ما ذكرنا.

والمرجع في الظنّ إلى ما يحصل به من أمارة أو تجربة ، أو قول من يفيد قوله الظنّ ولو كان كافراً ، وقد يجد الإنسان من نفسه ذلك.

ويجوز اتباع كلّ ذلك كما يستفاد من الأخبار ، ففي صحيحة ابن أُذينة قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر صاحبه ، والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة من قيام؟ فقال : «(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ، وقال : ذاك إليه ، وهو أعلم بنفسه» (٣).

وفي معناها موثّقة ابن بكير (٤) وغيرها (٥) ، وفي آخرها : «هو أعلم بما يطيقه».

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٩ ح ٨ ، الوسائل ٧ : ١٥٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١١٨ ح ٤ ، قال : الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر.

(٣) الكافي ٤ : ١١٨ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ ح ٧٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١١٤ ح ٣٧١ ، الوسائل ٧ : ١٥٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٨٣ ح ٣٦٩ ، الوسائل ٧ : ١٥٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٥.

(٥) الوسائل ٧ : ١٥٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠.

٢٦١

وفي الصحيح ، عن بكر بن محمّد الأزدي ، عنه عليه‌السلام ، قال : سأله أبي وأنا أسمع عن حدّ المرض الذي يترك الإنسان فيه الصوم ، قال : «إذا لم يستطع أن يتسحّر» (١).

وروى الصدوق في الفقيه ، عن سليمان بن عمرو ، عنه عليه‌السلام ، قال : «اشتكت امّ سلمة عينها في شهر رمضان ، فأمرها رسول اللهُ أن تفطر ، وقال : عشاء الليل لعينك ردي» (٢).

ثمّ إنّ الصحيح إذا خاف حدوث المرض بالصوم ، هل يجوز له الإفطار أم لا؟ فيه إشكال ، من جهة العمومات والإطلاقات وعدم دخوله تحت قوله (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً) (٣) ، ومن جهة نفي الضرر والحرج ، وعموم قوله عليه‌السلام : «كلّما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب» (٤).

وقد يستدلّ عليه بصحيحة حريز المتقدّمة ، وفيه إشكال ؛ للزوم استعمال اللفظ في معنيين ، وحمله على القدر المشترك بعيد.

ولا يبعد ترجيح إلحاقه بالمرض ، ومال إليه في المدارك (٥).

ثمّ إنّ كلّما ثبت الضرر وجب الإفطار ، وإذا وجب الإفطار يبطل الصوم ويجب عليه القضاء وإن كان تكلّفه.

وأما رواية عقبة بن خالد ، عن الصادق عليه‌السلام : في رجل صام رمضان وهو مريض ، قال : «يتمّ صومه ولا يعيد ، يجزيه» (٦) فمع أنّها ضعيفة (٧) محمولة على المرض الّذي

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٨ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٨٣ ح ٣٧١ ، الوسائل ٧ : ١٥٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٢ ، ورواه في الكافي ٤ : ١١٩ ح ٧ ، والعلل : ٣٨٢ ح ٢ ، والوسائل ٧ : ١٥٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٩ ح ٢ ، والردي من الردى وهو الهلاك. المصباح المنير ١ : ٢٢٤.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٤ ، الوسائل ٧ : ١٥٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٢.

(٥) المدارك ٦ : ١٥٧.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٥٧ ح ٧٦٢ ، الوسائل ٧ : ١٦٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٢ ح ٢.

(٧) فإنّ راويها والراوي عنه وهو «محمّد بن عبد الله بن هلال» لم يوثقا (انظر معجم رجال الحديث رقم ٧٧٢٠ ، ١١١٢٦).

٢٦٢

لا يضرّ معه الصوم كما فعله الشّيخ (١) ، أو على الجاهل كما نقل عن بعض الأصحاب القول بإجزائه عنه (٢).

الخامس : قد عرفت أنّ الأقوى أنّ الصوم يصحّ من الصبيّ المميز وأنّ عباداته شرعية (٣).

وأمّا الحدّ الّذي يجب فيه الصوم وسائر العبادات فيعرف بأُمور :

منها : خروج المني من قُبله ، ذكراً كان أو أُنثى ، نائماً كان أو مستيقظاً ، خرج بشهوة أم لا ، يكون منه الولد أم لا.

وما ورد في بعض العبارات من تقييد المني بما كان منه الولد فهو مسامحة ، بل هذا التقييد إنّما يصحّ للماء كما وقع في آخر.

وربما فرّق بينهما : بالرسوب في الماء فيكون منه الولد ، بخلاف ما بقي عليه ، والإجماع والنصوص به من الكتاب والسنّة مستفيضة لا حاجة إلى ذكرها ، وسيجي‌ء بعضها.

أمّا الخنثى المشكل فلا يعلم إلا بخروجه من قُبليه ؛ للشك في قبله ، لاحتمال كون ما خرج منه المني عضواً زائداً ، فيحصل الشّك في الخروج منه ، كما ذكره الشيخ (٤) والفاضلان (٥). وتوقف في التحرير (٦).

وعن المحقّق الثاني (٧) والشهيد الثاني (٨) بلوغه إذا أمنى من الذكر بعد مضيّ

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥٧.

(٢) الحدائق ١٣ : ٣٩٨.

(٣) تقدّم الكلام في المجلد الأوّل صفحة ٦٣.

(٤) المبسوط ٢ : ٢٨٢.

(٥) المحقّق في الشرائع ٢ : ٨٥ ، والعلامة في التذكرة (الطبعة الحجرية) ٢ : ٧٤.

(٦) التحرير ١ : ٢١٨.

(٧) جامع المقاصد ٥ : ١٨٣.

(٨) المسالك ٤ : ١٤٧.

٢٦٣

تسع سنين إن أمكن أمناء الذكر فيه ؛ لبلوغه إن كان ذكراً بالإمناء ، وبتسع سنين إن كان أُنثى.

وقد يقال : إنّ خروج المنيّ من مخرج الذكر موجب للحكم بكونه ذكراً كما إذا بال منه فقط ، فيتعيّن كونه رجلاً إذا أنزل منه ، وكذا الإنزال من مخرج الأُنثى. وهو قياس مع الفارق ، ولا يجدي مجرّد ذلك في الحكم بالبلوغ.

نعم لو اعتاد بأحدهما لكان للإلحاق وجه لو لم تعارضه علامة أقوى.

والمعتبر في الإمناء الموضع المعتاد ؛ لحمل إطلاق الشارع على المتعارف ، فلا عبرة بغيره.

ويؤيّده تحديده ببلوغ النكاح في بعض النصوص.

ويشكل بما لو اعتاد بغيره ، والظاهر الاكتفاء به.

وعن التذكرة : أنّ الحدّ الذي يمكن أن يكون الخارج منيّاً استكمال تسع سنين مطلقاً عند الشافعيّ ، وفي المرأة خاصّة عندنا ، ولم يذكر لحدّه في الذكر عندنا شيئاً (١).

وفي كتاب حجر المسالك : ما وقفت له على حدّ يعتدّ به (٢).

وفي التذكرة : فيه للشافعية وجهان آخران ، ذكرهما الجويني أحدهما : مضيّ ستة أشهر من العاشرة ، والثاني : تمامها (٣).

ثمّ قال في المسالك : ولا يبعد أنّه ما بعد العاشرة محتمل (٤) ، وأفتى به المحقّق في كتاب اللعان من الشّرائع (٥) ، وأسنده في المسالك إلى العلامة (٦) والشيخ أيضاً (٧).

ثمّ إنّ الاستعداد فقط لا يكفي ، بل لا بدّ من الفعلية.

__________________

(١) التذكرة (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٧٤.

(٢) المسالك ٤ : ١٤٣.

(٣) التذكرة (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٧٤.

(٤) المسالك ٤ : ١٤٣.

(٥) الشرائع ٣ : ٧٠.

(٦) التذكرة (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٧٤.

(٧) المبسوط ٢ : ٢٨٣.

٢٦٤

قال في المسالك : ولا يجب التعريض للجماع لو ظنّ أنّه يمني به ، نعم لو وجد على بدنه أو ثوبه المختص به منيّاً حكم ببلوغه ، ولو كان مشتركاً فلا (١) ، وهو كما ذكره.

ومنها : الإنبات ، يعني خروج الشعر الخشن على العانة ، وفي بعض العبارات حول الفرج ، وهو أشمل ، وهذا أيضاً إجماعيّ كما عن الخلاف والغنية والتذكرة (٢) ، ومصرّح به في الأخبار (٣).

ولا فرق بين الذكر والأُنثى والخنثى ، ولا بين المسلم والكافر عندنا إجماعاً ، كما عن الخلاف والتذكرة (٤).

وربّما نسب القول باختصاصه بالكافر إلى الشيخ (٥) ، كما ذهب إليه بعض العامة (٦) ؛ لعدم إمكان الاعتماد على قولهم في الاحتلام والسنّ ، ولأنّه مورد تهمة في المسلمين ؛ لأنّ به يحصل الاستقلال في التصرّفات ، فقد يستعجلون فيه بالعلاج دون الكفّار ، فإنّ فيه ثبوت قتلهم وجزيتهم ، فلا يستعجلون فيه.

ولا عبرة بالزغب ، وهو الشّعر الضعيف الذي ينبت قبل الخشن ثمّ يتساقط.

والمشهور أنّه (٧) علامة لسبق البلوغ ، لا أنّه نفس البلوغ ، وإلا لما كانت الغاية في قوله تعالى (حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) (٨) و (إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) (٩) غاية.

ولأنّ الإنبات قد يكتسب بالدّواء ، ولا يكتسب البلوغ.

ولأنّه تدريجي ، والبلوغ ليس كذلك.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٩.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٨١ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٩٤ ، التذكرة (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٧٣.

(٣) الوسائل ١ : ٣٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٤.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٨١ ، التذكرة (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٧٣.

(٥) كما في المسالك ٤ : ١٤٢.

(٦) المجموع ١٣ : ٣٦٤ ، الوجيز ١ : ١٧٦ ، مغني المحتاج ٢ : ١٦٧ ، المغني لابن قدامة ٤ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٧ ، عمدة القارئ ١٣ : ٢٣٩ ، فتح العزيز ١٠ : ٢٧٧.

(٧) يعني : الإنبات.

(٨) النساء : ٦.

(٩) النور : ٥٩.

٢٦٥

ويخدش في الأوّل : النقض بالسنّ ، فإنّه تيقّن البلوغ ، لا علامة سبقه.

والقول بأنّه مخرج بالأخبار والإجماع يجري في الإنبات أيضاً ، فإنّ الأخبار فيه أيضاً موجودة ، سيّما ما ورد مع السن بسياق واحد.

وأيضاً لو فرض العلم بعدم بلوغه السن ، وحصل الإنبات ، ولم يحصل الحلم قبله ، سيّما إذا جرّب الجماع ، فكيف يقال : هذا المنبت قد بلغ قبل ذلك ، فإنّ المراد بالبلوغ حقيقة وإن كان هو المرتبة الّتي يستعد المكلّف بسببها لإفاضة التكليف عليه من جهة الفهم والإدراك والقابليّة ، ولكنّه لمّا كان مختلفاً بحسب الأشخاص والأحوال ، فجعل الشارع لذلك حدّا محدوداً لا يتجاوز عنه ، وإن كان قد تكون مرتبة فهم من هو دون هذه العلامة مساوية لمن هو فوقه ؛ لأنّ بناء الشارع على حماية الحمى وسدّ الطرق.

فالمعتبر في البلوغ هو فعلية الاحتلام ، لا الاستعداد ، وإلا لجرى القول بكونه علامة للسبق في الاحتلام أيضاً ، مع أنّه ليس كذلك جزماً ، بل المراد من النكاح والحلم هو ما كان يحصل منه الولد كما هو مقصود الشارع ، وإلا فمن المشاهد أنّ الصبيّ قبل البلوغ قادر على الجماع وإزالة البكارة بحيث لا مجال للشكّ في بلوغه النكاح والمراد منه الفعليّة ؛ لعدم الانضباط بدونه ، وهو خلاف الحكمة ، إلا أن يقال : المخبر الصادق لما أخبر بأنّ غاية اليتم والصغر هو الاحتلام ، وحكم بأنّ الأحكام تتعلّق به مع الإنبات فيحصل لنا الجزم بفعليّة الاحتلام قبل ذلك ، بأن يكون ذلك واقعاً في النوم من دون اطلاعه ، وهو بعيد ، وهذا الحمل والتوجيه ليس بأولى من تخصيص عام الكتاب ، سيّما مع أنّه مخصّص قبل ذلك بالسنّ جزماً.

وأمّا قولهم : إنّ الإنبات مكتسب ، ففيه : أنّه لا يخدش فيما ليس بمكتسب منه ، وتحمل الأخبار على المعتاد التابع للطبيعة.

وأما قولهم : إنّه تدريجي ، ففيه : أنّ نموّه وتكثّره تدريجي ، لأنفس خروجه ، والأصل أيضاً يقتضي كونه نفس البلوغ.

٢٦٦

نعم لما كان الاطلاع على أوّل ظهور الشعر من الجلد في غاية الندرة ونهاية الغرابة ، وأنّ الغالب أنّه لا يطلع عليه إلا بعد طوله ، سيّما إذا خرج حول المقعد وتحت الخصية ، فلم يعتنوا بالنادر ، ولا ريب أنّ الغالب أنّ الاطلاع بعد سبق البلوغ الذي هو أوّل الشروع في الخروج من الجلد ، فيكون النزاع لفظيّاً.

ثمّ إنّ المشهور عدم اعتبار غير شعر العانة وما حول الفرج ، مثل الإبط والفخذ وغيرهما ، بل ظاهرهم الإجماع في غير شعر اللحية.

قال في المسالك في كتاب الحجر : لا عبرة بغير شعر العانة عندنا ، وإن كان الأغلب تأخّرها عن البلوغ إذا لم يثبت كون ذلك دليلاً شرعياً ، خلافاً لبعض العامّة (١) و (٢)

وقال في الروضة : وفي إلحاق اخضرار الشارب ونبات اللحية بالعانة قول قوي (٣).

وعن المبسوط أنّه قال : ولا خلاف أنّ إنبات اللحية لا يحكم بمجرده بالبلوغ ، وكذا سائر الشعور ، وفي الناس من قال : إنه علم على البلوغ ، وهو الأولى ؛ لأنّه لم تجر العادة بخروج لحيته من غير بلوغ (٤).

وفي التحرير : والأقرب أنّ إنبات اللحية دليل على البلوغ ، أما باقي الشعور فلا (٥)

وعن التذكرة : ولا اعتبار بشعر الإبط عندنا ، وللشافعي وجهان هذا أصحهما ؛ إذ لو كان معتبراً في البلوغ لما كشفوا عن المؤتزر ؛ لحصول الغرض من دون كشف العورة ، والثاني أنّ نباته كنبات شعر العانة ؛ لأنّ إنبات العانة يقع في أوّل تحريك الطبيعة في أوّل الشهوة ، ونبات الإبط يتراخى عن البلوغ في الغالب ، فكان أولى بالدلالة على حصول

__________________

(١) المجموع ١٠ : ٢٨١.

(٢) المسالك ٤ : ١٤١.

(٣) الروضة البهيّة ٢ : ١٤٥.

(٤) المبسوط ٢ : ٢٨٣.

(٥) التحرير ١ : ٢١٨.

٢٦٧

البلوغ ، وأما نبات اللحية والشارب فإنّه أيضاً لا أثر لهما في البلوغ وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : أنّهما يلحقان بشعر العانة ، وبعض الشافعية ألحق شعر الإبط بشعر العانة ، ولم يلحق اللحية والشارب بالعانة ، وأمّا ثقل الصوت ونهود الثدي ونتوء طرف الحلقوم وانفراق الأرنبة فلا أثر له ، كما لا أثر لاخضرار الشارب ، وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني : أنّه يلحق بشعر العانة ، ولا بأس به عندي بناءً على العادة القاضية بتأخّر ذلك عن البلوغ (١) ، انتهى.

وفي صلاة كتاب التهذيب : البلوغ يعتبر في أشياء ، منها : الاحتلام ، فمن تأخّر احتلامه اعتبر بما سواه من الإشعار والإنبات وما جرى مجراهما ، أو كمال العقل وإن خلا عن جميع ذلك (٢).

أقول : ونفي الخلاف الّذي نقلناه عن المبسوط إنّما هو في عدم كونه نفس البلوغ ، بحيث إذا فرض حصوله قبل السنة العاشرة مثلاً فلا يحكم بالبلوغ ، وأما لو فرض حصوله لمن يحتمل وصوله في السنّ إلى حدّ البلوغ ، أو في استعداد الإنزال والإنبات ، فالظاهر أنّه علامة السبق بملاحظة الغلبة.

وكذلك عبارة المسالك ، سيّما بملاحظة فتاويهم المذكورة في شعر الإبط واللحية وكمال العقل وغيرها مما نقلنا ، فلم يعلم الإجماع على عدم كونها علامة لسبق البلوغ.

وكيف كان فالأصل دليل قوي لا يجوز الخروج منه إلا فيما دلّ الدّليل ، ولم يدلّ في أكثر المذكورات.

نعم لا يبعد إلحاق شعر اللحية والشارب من جهة رواية الكناسي وحمران الآتيتين إذا لم يكن مخالفاً للمعتاد.

ثمّ هل يجب على الصبيّ التفحّص عن الإنبات مع احتماله أم لا؟ لم أقف على من تعرّض للمسألة ، ومقتضى اشتراط التكليف بالبلوغ عدمه ؛ إذ وجوب الفحص حكم

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٧٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠.

٢٦٨

شرعي يتوقّف تعلّقه بالإنسان على البلوغ مثل سائر الواجبات ، فهو يشتمل على نوع من الدور ، فلا بدّ أن يقال : إنّما يتعلّق التكليف على من ظهر عليه الإنبات ، لأعلى من أنبت في نفس الأمر مطلقاً.

ويمكن أن يقال : هذا التكليف مستثنى من مطلق التكليف ، وإنّما هو مشروط بالفهم لا بالبلوغ ، فكما أنّ البلّغ مكلّفون في الواجبات المشروطة بالتفحّص عن الشرط كما حقّقناه في غير موضع من تأليفاتنا ، ولا يتوقّف وجوبها على العلم بالشرط ، بل منشأ الوجوب إنّما هو وجوب الشرط ، وقد أشرنا إليه في كتاب الزكاة من هذا الكتاب أيضاً في معرفة النصاب ومقدار ما تعلّقت به الزكاة في الدراهم المغشوشة ، وفروعه في الفقه في غاية الكثرة ، فكذلك الفاهمون أيضاً في بعض التكاليف.

ومنه معرفة أنّه هل بلغ أم لا ، وتعلّق به التكليف أم لا؟ ولعلّ الفقهاء كان ذلك مفروغاً عنه عندهم ، ولذلك لم يتوجّهوا إليه. وكذلك الكلام في الفحص عن السنّ.

وأمّا التفاتهم إلى مسألة لزوم التعرّض للإجماع أم لا ، فلعلّه لأجل الإشكال في أنّه هل المعيار في استعداد الحلم وزمانه كما يظهر من الراغب في مفرداته (١) ، حيث فسّر الحلم كما في الآية بذلك ، أو فعليته.

فالحقّ أنّ المعتبر فيه الفعلية كما بيّنا.

ومنها : السنّ ، وهو بلوغ خمس عشرة سنة في الذكر وتسع في الأُنثى على المشهور ، بل قال في المسالك في الأوّل : كاد أن يكون إجماعاً (٢) وعن صريح الغنية دعوى الإجماع (٣) ، وكذا عن ظاهر الخلاف والتذكرة (٤).

وقال في كنز العرفان : في قوله تعالى (حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) (٥) إنّه أشار إلى

__________________

(١) مفردات غريب القرآن : ١٢٩.

(٢) المسالك ٤ : ١٤٤.

(٣) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٩٤.

(٤) الخلاف : ٢٨٣ ، التذكرة (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٧٤.

(٥) النساء : ٦.

٢٦٩

غاية الحجر بقوله تعالى (حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) وهو حال البلوغ ، أي أوان يصلح له أن ينكح ، بأن يحتلم ، أو يبلغ خمس عشرة سنة عندنا وعند الشافعية (١) ؛ لقوله : «إذا بلغ المولود خمس عشرة سنة ، كتب ماله وما عليه ، وأُقيمت عليه الحدود» (٢).

ثمّ قال : وأمّا الأُنثى فعندنا تسع سنين.

ثمّ قال : ورواية ابن عمر عن النبيّ أنّه ردّه عن الجهاد عام بدر وله ثلاث عشرة سنة ، ثمّ ردّه في أُحد وله أربع عشرة سنة ، وعرض عليه في الخندق وله خمس عشرة سنة (٣) ، يدلّ على قولنا (٤) ، انتهى.

وقيل : ببلوغ أربع عشرة سنة (٥).

وقيل : بكمال ثلاث عشرة سنة ، والدخول في الرابعة عشرة (٦).

والأقوى الأوّل ؛ للأصل ، ولظاهر الإجماعات ، ولخصوص الرواية السابقة المنجبرة بالعمل.

وصحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ فقال : «ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، فإن هو صام قبل ذلك فدعه ، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته» (٧).

وجه الدلالة : أنّ الظاهر من الرواية أنّه يؤخذ الصبي الذي هو بهذا السنّ وهذا السنّ ، ولا معنى للتخيير في الزائد والناقص في مثل هذا المقام في الحتم ، فلا بدّ من حمل الأربع عشرة على التمرين كما يقتضيه السياق أيضاً ، ولا معنى لحمل الخمس

__________________

(١) الامّ ٣ : ٢١٥ ، مختصر المزني : ١٠٥ ، المجموع ١٣ : ٣٦١ ، فتح العزيز ١ : ٢٧٧.

(٢) نيل الأوطار ٥ : ٢٦٣.

(٣) السنن الكبرى ٦ : ٥٥ ، تلخيص التحبير ٣ : ٤١ ح ١٢٤٠.

(٤) كنز العرفان ٢ : ١٠٢.

(٥) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف ٥ : ٤٣١.

(٦) الفقيه ٤ : ١٦٤ ح ٥٧١.

(٧) الكافي ٤ : ١٢٥ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ١٦٧ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٢٩ ح ١.

٢٧٠

عشرة على الاستحباب وغيره ، هذا على ما في الكافي والفقيه (١).

وأمّا التهذيب فقال : «ما بين خمس عشرة أو أربع عشرة» (٢) فدلالتها ضعيفة ، ولكن الإسقاط أظهر من الزيادة ، والكليني أضبط من الشيخ.

وما رواه الشيخ بسند صحيح إلى أبي أيوب الخزاز ، عن يزيد الكناسي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل قال : «نعم ، إذا أُدخلت على زوجها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ، وأُقيمت الحدود التامّة عليها ولها» قلت : فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟ فقال : «يا أبا خالد ، إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة ، أو يشعر في وجهه ، أو ينبت في عانته قبل ذلك» (٣).

وليس في السند من يتأمل فيه إلا يزيد الكناسي ، وقد قال الصدوق : إنّ كتابه موضوع ، وغلّطه ابن الغضائري مع أنّه لا يسلم عن قدحه كثير من الأكابر وقال : إنّي أعلم أنّ كتابه مسموع من ابن أبي عمير ، مع أنّ الكليني والشيخ كثيراً ما يرويان عنه ، وقال الشيخ أيضاً : يروي عنه ابن أبي عمير ، وقال الشيخ في شأنه : لا يروي إلا عن ثقة (٤).

وما رواه أيضاً عنه ، عن عبد العزيز العبدي ، عن حمزة بن حمران ، عن حمران وعبد العزيز له كتاب يرويه عنه جماعة ، منهم الحسن بن محبوب كما ذكره النجاشي ، وكذلك ذكر في حمزة أنّ له كتاباً يرويه عنه صفوان بن يحيى (٥) ، فالسند لا يخلو من اعتبار قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام قلت له : متى يجب على الغلام أن يؤخذ

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٥ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٦ ح ٣٣٦ ، الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٨١ ح ١٥٩٠ ، وج ٤ : ٣٢٦ ح ١٠١٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٨٢ ح ١٥٤٤ ، وص ٣٨٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٧ ح ٨٥٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٩ أبواب عقد النكاح ب ٦ ح ٩.

(٤) عدّة الأُصول ١ : ٣٨٦.

(٥) رجال النجاشي : ٢٤٤ رقم ٦٤١.

٢٧١

بالحدود التامّة وتقام عليه ويؤخذ بها؟ فقال : «إذا خرج عنه اليتم وأدرك» قلت : فلذلك حدّ يعرف؟ فقال : «إذا احتلم ، أو بلغ خمس عشرة سنة ، أو أشعر ، أو أنبت قبل ذلك ، أُقيمت عليه الحدود التامّة ، وأُخذ بها ، وأُخذت له» قلت : فالجارية متى تجب عليها الحدود وأُخذت بها وأُخذت لها؟ قال : «إنّ الجارية ليست مثل الغلام ، إنّ الجارية إذا تزوّجت ودُخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع ، وأُقيمت عليها الحدود التامّة» (١) الحديث.

وبهذا الإسناد رواه في الكافي أيضاً (٢).

وما رواه الكليني والشيخ بالإسناد المتقدّم ، عن أبي أيّوب ، عن يزيد الكناسي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم ، وزوّجت ، وأُقيمت عليها الحدود التامّة ، إلى أن قال : أمّا الحدود الكاملة الّتي يؤخذ بها الرّجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه ، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة» (٣).

وروى الصدوق في الخصال عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «يؤدّب الصبي على الصوم ما بين خمس عشرة إلى ستّ عشرة» (٤).

وأمّا ما يدلّ على اعتبار بلوغ أربع عشرة سنة ، فلعلّه ما رواه الشيخ ، عن عيسى بن زيد ، عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «يثغر الصبي لسبع ، ويؤمر بالصلاة لتسع ، ويفرّق بينهم في المضاجع لعشر ، ويحتلم لأربع عشرة ، وينتهي طوله لإحدى وعشرين ، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا التجارب» (٥) وهي مع ضعفها سنداً ودلالة لأنّ حصول الاحتلام فيه لا يثبت البلوغ لمن لم يحتلم بعد لا تقاوم

__________________

(١) التهذيب ١٠ : ٣٨ ح ١٣٢.

(٢) الكافي ٧ : ١٩٧ ح ١ ، وانظر الوسائل ١٨ : ٣١٤ أبواب مقدمات الحدود ب ٦ ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ١٩٨ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٣١ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ٣.

(٤) الخصال : ٥٠١ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ١٧٠ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٢٩ ح ١٣.

(٥) الكافي ٧ : ٦٩ ح ٨ ، التهذيب ٩ : ١٨٣ ح ٧٣٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ١٠.

٢٧٢

أدلّة المشهور.

وأما ما دلّ على بلوغ ثلاث عشرة سنة صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم ، وكتبت عليه السيئات ، وكتبت له الحسنات ، وجاز له كلّ شي‌ء ، إلا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً» (١).

وعنه في الموثّق ، عنه عليه‌السلام ، قال : سأله أبي وأنا حاضر عن قول الله عزوجل (إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) (٢) قال : «الاحتلام» فقال : يحتلم في ستّ عشرة سنة سبع عشرة سنة ونحوهما؟ فقال : «لا ، إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة ، كتبت له الحسنات ، وكتبت عليه السيئات ، وجاز أمره ، إلا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً» (٣).

ولا يبعد حملهما على إرادة أنّه يمكن أن يحتلم في هذا السنّ.

وأيضاً في الموثّق ، عن آدم بياع اللؤلؤ ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة ، كتبت له الحسنة ، وكتبت عليه السيئة ، وعوقب ، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك» (٤).

وتدلّ عليه رواية أبي حمزة ، عن الباقر عليه‌السلام (٥) ، وموثقة عمّار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام أيضاً (٦).

وهذه الأخبار وإن كانت كثيرة معتبرة الإسناد ، لكنها لا تقاوم أدلّة المشهور ؛ لمخالفتها للأُصول وعمل الأصحاب ، وموافقة أدلة المشهور مع اعتبار سند بعضها وانجبار ضعف

__________________

(١) الكافي ٧ : ٦٩ ح ٧ ، الفقيه ٤ : ١٦٤ ح ٥٧١ ، التهذيب ٩ : ١٨٣ ح ٧٣٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٠ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ١١.

(٢) الأحقاف : ١٥.

(٣) التهذيب ٩ : ١٨٢ ح ٧٣١ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٠ أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ٨.

(٤) الكافي ٧ : ٦٨ ح ٦ ، التهذيب ٩ : ١٨٤ ح ٧٤١ ، الوسائل ١٣ : ٤٣١ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٤ ح ١٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٣١٠ ح ٨٥٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٢ أبواب أحكام الوصايا ب ٤٥ ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٨٠ ح ١٥٨٨ ، الوسائل ١ : ٣٢ أبواب مقدّمة العبادة ب ٤ ح ١٢.

٢٧٣

الباقي بالشهرة للعمل ، والأُصول ، ونفي العسر والحرج ، وظاهر الإجماعات المنقولة.

وأمّا بلوغ التسع للمرأة ، فقد نقل الخلاف فيه عن كتاب صوم المبسوط (١) وابن حمزة (٢) حيث جعلاه بلوغ العشر ، وعن كتاب حجر المبسوط موافقة المشهور ، وجعل العشر رواية (٣). وقد يؤول بأنّ مراده بلوغ رأس العاشرة.

والأقوى المشهور ، وادّعى عليه ابن إدريس الإجماع (٤) ، وكلام المقداد أيضاً ظاهر فيه كما مرّ (٥).

ويدلّ عليه ما مرّ من الأخبار.

ولعلّ حجّة القول الأخر : رواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : «لا توطأ جارية لأقل من عشر سنين ، فإن فعلتَ فغيبت فقد ضمنت» (٦) ولا دلالة فيها على المطلوب.

وروى زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «لا يدخل بالجارية حتّى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين» (٧).

وروى محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الجارية يتمتّع بها الرّجل ، قال : «نعم ، إلا أن تكون صبيّة تخدع» قال : قلت : أصلحك الله ، فكم الحد الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال : «بنت عشر سنين» (٨).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٦٦.

(٢) الوسيلة : ٥٧.

(٣) المبسوط ٢ : ٢٨٦.

(٤) السرائر ١ : ٣٦٧.

(٥) التنقيح الرائع ٢ : ١٧٩.

(٦) التهذيب ٧ : ٤١٠ ح ١٦٤٠ ، الوسائل ١٤ : ٧١ أبواب مقدمات النكاح ب ٤٥ ح ٧ ، وفيهما : فإن فعل فعيبت فقد ضمن.

(٧) الكافي ٥ : ٣٩٨ ح ٣ ، الفقيه ٣ : ٢٦١ ح ١٢٤٠ ، التهذيب ٧ : ٤٥١ ح ١٨٠٦ ، الخصال : ٤٢٠ ح ١٥ ، الوسائل ١٤ : ٧٠ أبواب مقدّمات النكاح ب ٤٥ ح ٢.

(٨) الفقيه ٣ : ٢٩٣ ح ١٣٩٢ ، التهذيب ٧ : ٢٥٥ ح ١١٠٠ ، الاستبصار ٣ : ١٤٥ ح ٥٢٨ ، الوسائل ١٤ : ٤٦١ أبواب المتعة ب ١٢ ح ٤.

٢٧٤

ولا دلالة في هذه الأخبار على المطلوب ، ولعلّها لبيان الحدّ الذي يجوز الدخول ؛ لاختلافهنّ في صغر الجثة وكبرها ، وهذا ليس معنى البلوغ ، على أنّ الظاهر من رواية محمّد بن مسلم بيان الرشد لا البلوغ.

وكيف كان ، فهذه الروايات مع ضعفها سنداً ودلالة لا تقاوم أدلّة المشهور ، فلتطرح ، أو تؤوّل بما ذكرنا.

وأمّا الأخبار الدالّة على اعتبار سبع سنين وثلاث عشرة سنة فهي مهجورة لا يلتفت إليها.

ثمّ اعلم أنّ مرادهم من بلوغ الخمس عشرة سنة في الرجل والتسع في الأُنثى إكمالها ، لا الدخول فيها كما هو ظاهر الروايات ؛ لأنّ الخمس عشرة مثلاً اسم لمجموع العدد.

نعم لو قيل : بلوغ الخامسة عشرة ، لكان الإشكال متجهاً كما لا يخفى ، بل الظاهر أنّه لا خلاف في ذلك ، كما يظهر من كلمات جماعة ، منهم الشهيد الثاني ، حيث نسبه إلى فتوى الأصحاب (١) وهو منقول عن الخلاف والغنية والوسيلة والتذكرة (٢) والظاهر كونه إجماعياً ، وهو موافق للأصل أيضاً.

والمعتبر الهلالية كما في سائر النظائر ، وهو المعهود في شرعنا كما نصّ عليه في المسالك (٣) وغيره (٤).

وأما بلوغ الخنثى المشكل بحسب السن ، فهو أيضاً بلوغ خمس عشرة ؛ للأصل ، ولم نقف على مخالف فيه.

ومنها : الحيض والحمل ، ولم نقف في كونهما علامة للبلوغ على خلاف ، ولكن

__________________

(١) المسالك ٤ : ١٤٤.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٨٣ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٩٤ ، الوسيلة : ١٣٧ ، التذكرة ٢ : ٧٤.

(٣) المسالك ٤ : ١٤٤.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٨٣ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٩٤ ، التذكرة ٢ : ٧٤.

٢٧٥

الإشكال في أنّهما نفس البلوغ أو علامة لسبقه ، فالظاهر أنّ المشهور هو الثاني ، بل ادّعى في المسالك عليه الإجماع (١).

وظاهر التحرير أيضاً عدم الخلاف ، حيث قال في كتاب الحجر : السنّ يتحصل منه البلوغ ، إلى أن قال : الحيض دلالة على البلوغ بلا خلاف ، وكذا الحمل (٢) ، وكذا يظهر ذلك من ابن إدريس (٣).

وعن ظاهر المبسوط : أنّ الحيض نفس البلوغ (٤).

وأمّا الحمل فلم يذكروا فيه خلافاً.

والذي ذكروه في وجهه : أنّ الحيض لا يكون إلا مع كمال التسع إجماعاً ، فلا يتحقّق الحيض إلا بعد كماله ، فظهر أنّها بالغة قبل الحيض.

وفي الحمل أنّه مسبوق بإنزال الماء ؛ لقوله تعالى (أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) (٥) و (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) (٦) وهو نفس البلوغ.

وربّما يورد على الأوّل بالدور ؛ لأنّ معرفة كون الدم حيضاً موقوف على معرفة كمال التسع الذي هو نفس البلوغ ، فإذا عُرف البلوغ به لزم الدور.

ويندفع : بأنّ ذلك في مجهوله السن التي يمكن أن يكون دمها حيضاً فبالإمكان يحكم بكونه حيضاً ، وبعد ذلك يحكم بكونها بالغة بالتسع كمالاً.

ويرد على الأوّل : إمكان المقارنة دفعة ، فلا يثبت السبق ، والسبق الذاتي من جهة العليّة كسبق حركة اليد على المفتاح لو سلّم فلا يثمر في الفروع الفقهية ، والذي ذكروه من الفروع هو صحّة العقد الذي وقع مقارناً لمبدإ الحيض أو انعقاد النطفة ،

__________________

(١) المسالك ٤ : ١٤٥.

(٢) التحرير ١ : ٢١٨.

(٣) السرائر ١ : ٣٦٧.

(٤) المبسوط ٢ : ٢٨٢.

(٥) الإنسان : ٢.

(٦) الطارق : ٧.

٢٧٦

وهو مع ندرته وندرة الاطلاع عليه خصوصاً في انعقاد النطفة يشكل باحتمال وقوع أوّل الصيغة قبل البلوغ ، إلا أن يكون نظرهم إلى تقديم الظاهر على الأصل ، وله وجه.

وأمّا الكلام في الحمل ؛ فقد ذكر فيه أنّه مسبوق بالإنزال من المرأة ، وأنّ عادة الله جرت على أنّ المرأة لا تحبل حتى يتقدّم منها حيض.

وفيه : مع ما تقدّم من إمكان المقارنة أنّ المعتبر من الحيض والمني ما يخرج من المخرج ، لا ما ينزل في الرحم وتخلّق فيه. وكيف كان فالنزاع في المسألة قليل الفائدة.

وأما الخنثى المشكل فتحيّضها بمجرّده لا يدلّ على البلوغ ، إلا إذا أمنى من مخرج الذكر كما عن الأكثر (١) ، وهو كما ذكروه.

وقد يقال هنا بطريق نظير ما تقدّم في الإنزال من أنّ خروج الحيض من مخرج الأُنثى دليل على كونها أُنثى ، كما إذا بالت منه ، وأن خروج الحيض من الرجل محال ، فكان دليلاً على التعيين ، ومتى ثبت التعيين ، كان دليلاً على البلوغ ، كما أنّ خروج المني من مخرج الذكر من الأُنثى محال ، فيكون دليلاً على رجولية الخنثى.

أقول : أما الأوّل فهو قياس.

وأما الثاني فهو استبعاد يدفعه وقوع أعجب منه ، وهو الإيلاد لآخر مع إيلاد الأخر منها كما في قصة شريح ، وهذا القول منسوب إلى بعض العامة (٢) ، وارتضاه في المسالك (٣) ، وهو غير جيد ، نعم لو اعتاد بذلك فيمكن الاعتماد.

وأما ما قيل من أنّ خروج الحيض والمني من المخرجين يوجب التعارض والتساقط ففاسد ؛ إذ لا يخرج الشخص في نفس الأمر عن الرجل والمرأة عند الشارع ، فما لا يلتبس من أجله الحكم ، فلا وجه لعدم اعتباره من أجله.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢٨٣ ، التذكرة (الطبعة الحجرية) ٢ : ٧٤.

(٢) فتح العزيز ١٠ : ٢٨٢.

(٣) المسالك ٤ : ١٤٧.

٢٧٧

تذنيبان

الأوّل : طريق معرفة البلوغ بالسن لمن لم يضبطه البينة أو الشياع.

وأما ادّعاء الصبي ذلك أو إقراره فقال في القواعد : ولو ادّعى أنّه بلغ بالاحتلام في وقت إمكانه صدّق من غير يمين ، وإلا دار ، ولو ادّعاه بالسن طولب بالبينة (١) ، ومثله قال في التحرير (٢).

وقال في الشرائع : ولا يقبل إقرار الصبيّ بالبلوغ حتى يبلغ الحدّ الذي يحتمل البلوغ (٣)

وظاهر إطلاقه يشمل إقراره بالسن.

وفي التذكرة : ولو ادّعى البلوغ بالسن طولب بالبينة لإمكانها ، ولو كان غريباً أو خامل الذكر الحق بدعوى الاحتلام ، يعني يسمع ؛ لعُسر إقامته البينة عليه كالمني (٤). ونقله في الدروس ساكتاً عليه مشعراً بالتوقّف (٥).

وفي الروضة : أنّه تُقبل دعواه ، وأطلق (٦).

وفي المسالك بعد نقل كلام التذكرة : والأظهر أنّه لا يقبل بدون البينة ؛ لإمكان إقامتها عليه في جنس المدّعى ، ولا ينظر إلى حال المدعي وعجزه مع كون الجنس في ذاته مقدوراً.

قال : ويمكن حمل كلام المصنف على دعوى البلوغ ، ووجه قبوله أنّ طريقه مما يرجع إليه في الجملة ، وهذا متجه.

__________________

(١) القواعد (الطبعة الحجرية) ١ : ٢٧٧.

(٢) التحرير ٢ : ١١٤.

(٣) الشرائع ٣ : ١١٩.

(٤) التذكرة ٢ : ١٢٤.

(٥) الدروس ٣ : ١٢٧.

(٦) الروضة البهيّة ٦ : ٣٨٥.

٢٧٨

ثمّ قال وفاقاً للتذكرة : وفي الحقيقة دعوى الصبي البلوغ بالاحتلام وغيره أو مطلقاً ليس إقراراً ؛ لأن الإقرار إخبار عن ثبوت حقّ عليه للغير ، ونفس البلوغ ليس كذلك ، ولهذا يطالب مدّعي البلوغ في السن بالبيّنة ، واختلفوا في تحليف مدّعيه بالاحتلام ، والمقرّ لا يكلّف البيّنة ولا اليمين. نعم قد يتضمّن الإقرار من حيث إنّه يستلزم الاعتراف بالحقوق المنوطة بالبلوغ ، وذلك لا يقتضي كونه بنفسه إقراراً.

ثمّ قال أيضاً موافقاً للتذكرة : وأيضاً فإنه على تقدير قبول قوله يحكم ببلوغه سابقاً على قوله ، فلا يكون إقراره إقرار الصبي إلا من حيث الظاهر ، ولكن الأمر هنا سهل ؛ لجواز وصفه بالصبي من هذا الوجه ، فإنّه حال الإقرار كان محكوماً بصباه ، وإنّما كشف تمام إقراره عن عدم صباه ، وذلك حكم متأخّر عن حالة الإقرار (١).

أقول : الصبيّ المذكور حين الإقرار صبيّ ، وثبوت كون إقراره في حال البلوغ بقول نفسه موقوف على كون قوله مقبولاً حين الإقرار ، وهو أوّل الكلام.

والظاهر عدم الفرق بين كون إخباره من باب الدعوى أو الإقرار أو مطلق الإخبار ، وكلّها مشروطة بالكمال.

والقول «بأنّ الصبي إذا كان عاقلاً يشمله عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، فإن العقل قد ينفك عن البلوغ» مما لا أجد له مسرحاً في النظر السليم ؛ إذ هو مستلزم للتخصيص الذي لا يرضى به المحقّقون بالنسبة إلى هذا النوع من أنواع العام ؛ إذ لا ريب في عدم سماع إقرار الصبي إلا في مثل الوصيّة بالمعروف عند من جوّزها له.

فالأظهر عدم قبول قوله ، إلا بالبيّنة أو الشياع ؛ لأنّ الأصل عدم ثبوت حقّ على غيره في صورة كون إخباره من باب الدعوى ، وكون غرضه إثبات حقّ على الغير.

وتقديم قول أحد المتداعيين إذا كان قوله مما لا يطّلع عليه أحد غيره ، إنما يعتبر فيما

__________________

(١) المسالك ١١ : ١٠٠.

٢٧٩

كان جنسه كذلك ، لتكون القاعدة مطّردة ، فلا عبرة بكونه غريباً أو خامل الذكر.

ولا يحسن القول بأنّ هذا أيضاً كلّي مطرد ، وليس بجزئي حتى لا يعتبر ؛ لأنّ لكلّ جزئي من جزئيات الدعوى يمكن اعتبار أمر كلي ، مثل أن يقال : من لم يكن غريباً ولا خامل الذكر ولكن مات شهوده أو خاف شهوده يجري فيه ذلك ، فيقال : كلّ من مات شهوده أو خاف فلا يمكن الاطلاع على قوله إلا من جهته ، وهكذا.

وأمّا إن تضمّن إخباره إقراراً على نفسه ؛ فلما ذكرنا أنّ إقرار الصبي لا يسمع على نفسه ، وإنّما اختلفوا فيه مع إذن الولي ، والمفروض أنّه حال الإقرار محكوم بكونه صبيّاً.

وأمّا الإخبار المطلق فهو أيضاً مشروط بالبلوغ.

وأمّا بالنسبة إلى معرفة حال نفسه بالنسبة إلى التكاليف فهو أمر بينه وبين الله ، وعليه اتباعه ، فتجب عليه العبادات مثلاً بإقراره بينه وبين الله.

ولكن لا يثبت وجوب الأمر والنهي للأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بمجرد ذلك.

وكذلك لا يجب على وليّه لو مات قبل ثبوت بلوغه بالبينة قضاء صلاته الفائتة على القول بعدم اختصاص الولاية بابنه الأكبر أو مطلقاً إذا فرض اطلاع ابنه الأكبر على إقراره كذلك ؛ إذ هو بالنسبة إليه إقرار على الغير فلا يسمع.

ثمّ إنّ الشهيد الثاني رحمه‌الله قال في الروضة : وفي قبول قول الأبوين أو الأب في السن وجه (١) ، ولعلّ وجهه أنه لا يعرف إلا من قبلهما كما قيل كالاحتلام منه.

وفيه نظر ، ولو قُبِلَ فالام أولى بالقبول ، فالصواب جعلهما من باب الشاهد لو اتصفا أو اتصف أحدهما بصفته.

وأمّا الاحتلام فيثبت بالبيّنة والشياع أيضاً ؛ لإمكان حصول العلم للغير به ، وبقوله

__________________

(١) الروضة البهيّة ٢ : ١٤٥.

٢٨٠