غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

كما يظهر من الفاضلين في المعتبر والتذكرة (١).

وتدل عليه الأخبار ، مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن العيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس ، قال : «تفطر حين تطمث» (٢).

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج : أنّه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال : «تفطر ثمّ تقضي ذلك اليوم» (٣).

وعن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في امرأة أصبحت صائمة ، فلمّا ارتفع النّهار أو كان العشاء حاضت ، أتفطر؟ قال : «نعم ، وإن كان قبل المغرب فلتفطر» ، وعن امرأة ترى الطّهر في أول النّهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم ، كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال : «إنّما فطرها من الدم» (٤).

وأمّا المستحاضة فيصحّ منها الصوم إذا أتت بما يجب عليها من الأعمال بلا خلاف ، وأما بدونه فلا يصحّ بل يجب عليها قضاؤه ، وهو مذهب الأصحاب كما في المدارك (٥) ، بل ادّعى في المسالك الإجماع عليه (٦).

ولكن الإشكال في أنّ العمل الذي يوجب تركه القضاء أيّ شي‌ء هو؟ فعن ظاهر الشيخ في النهاية (٧) وابن إدريس (٨) وصريح المبسوط (٩) اعتبار الجميع حتّى الوضوء وتجديد القطنة والخرقة ، فبترك شي‌ء منها يجب القضاء.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٨٣ ، التذكرة ٦ : ١٠٢.

(٢) التهذيب ١ : ٣٩٣ ح ١٢١٥ ، الاستبصار ١ : ١٤٥ ح ٤٩٨ ، الوسائل ٧ : ١٦٣ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٢٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٥ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ٩٤ ح ٤٢١ ، الوسائل ٧ : ١٦٤ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٢٦ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ٩٤ ح ٤١٨ ، الوسائل ٧ : ١٦٢ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٢٥ ح ١.

(٥) المدارك ٢ : ٣٨.

(٦) المسالك ٢ : ٤٦.

(٧) النهاية : ٢٩.

(٨) السرائر ١ : ٤٠٧.

(٩) المبسوط ١ : ٢٨٨.

٢٤١

وعن ظاهر المبسوط في كتاب الحيض التوقّف في الحكم (١) كما أشار إليه في الذكرى (٢) ، وكذلك عن العلامة في المنتهي (٣).

ومقتضى ذلك : أنّه لا يجب القضاء بترك شي‌ء منها.

وقيل باشتراطه بالغسل النهاري خاصّة ، وهو مختار جماعة ، منهم العلامة في التذكرة في كتاب الصوم (٤) ، والشهيدان في المسالك والدروس والبيان (٥) ، ولا مدخليّة لغسل العشاءين في الصوم الحاضر ، بل الظاهر أنّه المشهور بين المتأخرين.

قال في التذكرة : إذ غسل الليل لا يؤثر في صوم النهار ، ولم يذكره علماؤنا (٦).

ويظهر من هذه العبارة : أنّه حمل عبارة النهاية وما في معناها على لزوم الأغسال النهارية من الأُمور المذكورة ، لا مطلق الأعمال مطلقاً ، فهذه أقوال ثلاثة.

وهناك قول رابع : وهو اشتراطه بما قارنه أو تقدّم عليه من الأغسال ، لا بما تأخّر عنه ، وهو مختار الشّهيد الثاني في روض الجنان والروضة والمسالك حيث نفى مدخليّة غسل العشاءين في الصوم الحاضر وقال : إنّ له مدخليّة في المقبل ، فإن لم تفعله في محلّه فلا بدّ من الغسل قبل الفجر للحدث السابق إن لم يجب عليها غسل آخر للمقبل ، وإلا تداخلا (٧).

وهناك احتمال خامس : وهو اشتراطه بالغسل الفجري خاصّة ، مع وجوب تقديمه على الصوم ، بناءً على أنّه لا يكون مشروطاً إلا بما تقدّمه ، وهو احتمال نقله بعض الأصحاب عن العلامة في النهاية ، فإنّه قال فيها : وهل يشترط في الصوم غسل

__________________

(١) المبسوط ١ : ٦٨.

(٢) الذكرى : ٣١.

(٣) المنتهي ١ : ٥٨٦.

(٤) التذكرة ٦ : ٢٠٥.

(٥) المسالك ٢ : ٤٥ ، الدروس ١ : ٩٩ ، البيان : ٦٦.

(٦) التذكرة ٦ : ٢٠٦.

(٧) روض الجنان : ٨٧ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٠٣ ، وج ١ : ٣٩١ ، المسالك ١ : ٧٥.

٢٤٢

العشاءين أو الظهرين أو تقديم غسل الغداة على الفجر إشكال (١).

قيل : يعني أنّ التوقّف على غسل الفجر معلوم ، وفي توقّفه على غسل العشاءين وكذا غسل الظهرين إشكال ، ويحتمل التوقف على الجميع وعلى الثاني دون الأوّل ، وعدم التوقّف على شي‌ء منهما ، وفي التوقّف على تقديم غسل الفجر عليه أيضاً إشكال.

واحتمال سادس : وهو اشتراطه بالغسل الفجري ، وعدم اشتراطه بالغسل للظهرين إن تجدّدت الكثرة في اليوم ، وهو الذي احتمله في التذكرة ، قال فيها : لو كان الدم قليلاً وأخلّت بالوضوء ، أو فعلته وصامت ، ثم كثر في أثناء النّهار ، فإن كان قبل الزوال وجب الغسل عنده للصلاة والصوم ، وإن أخلّت به احتمل بطلان الصوم إذ لم تفعل ما هو شرطه ، والصحّة لانعقاده فلا يؤثر فيه عدم الطهارة كالجنابة المتجددة ، وإن كان بعد أن صلّت لم يجب للصلاة ، إذ قد فعلتها ، وفي وجوبه للصوم إشكال (٢).

وقال في التحرير بعد ذكر وجوب الأغسال المتوسّطة والكثيرة : إذا فعلت هذه الأغسال صارت طاهراً ، إلى أن قال : ولو لم تفعل الأغسال كان حدثها باقياً ولا يصحّ صومها (٣).

وظاهره اشتراط الغسل مطلقاً في الصوم مطلقاً ، ولكن ظاهر قوله «كان حدثها باقياً» إنّما هو تأثير غسل العشاءين في الصوم المقبل.

والأصل في المسألة هو صحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أوّل شهر رمضان ثمّ استحاضت وصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ قال : «تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ؛ لأنّ رسول اللهُ ،

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ١٢٧.

(٢) التذكرة ١ : ٢٩٢.

(٣) التحرير ١ : ١٦.

٢٤٣

كان يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك» (١).

وقد نوقش فيها بالإضمار (٢).

وفيه : أنّه لا يضرّ من مثل هذا الثقة الجليل الوكيل ، وأن ذلك إنّما صار من جهة تقطيع الأخبار من الأُصول ، وكان المرجع مذكوراً في الأصل ، مع كونه مذكوراً في كتب المشايخ الثلاثة. ومع ذلك ففي الكافي : كتبت إليه عليه‌السلام ، وفي الفقيه : فكتب عليه‌السلام.

وبأنّه مشتمل على ما لا يقول به الأصحاب ، من عدم وجوب القضاء للصلاة.

وفيه : أنّ ذلك لا يخرج الخبر عن الحجيّة ، وقلّما وجد خبر لا يخلو عن توجيه أو خروج عن الظاهر في بعض أجزائه.

وقد يوجّه : بأنّ كلمة «لا» توهّم أو تصحيف كلمة «ولاء» الممدودة ، ردّاً على من توهّم لزوم التفريق في قضاء الصوم فرقاً بينه وبين الأداء ، فلعلّه كتب تحت قول السّائل صومها «تقضي صومها ولاء» وتحت قوله صلاتها «تقضي صلاتها» ، وتؤيّده مكاتبة الصفّار ، فإنّ في جملتها «تقضي عشرة أيّام ولاء» وهي وردت في قضاء صوم الولي.

نعم يخدش فيها ما أفاده بعض المحقّقين من أنّ الجواب غير مربوط بالسؤال (٣) ، ولعلّه من جهة عدم إمعان نظر الناقل ، فإنّ المكاتبة من شأنها جمع الأسئلة والأجوبة المتعدّدة ، فبأدنى غفلة تلتبس أوضاع السؤال والجواب ، وذلك لأنّ هذه العبارة يعني قوله عليه‌السلام «كان يأمر» إلى أخره تستعمل فيما يكثر وقوعه ويتكرر ، وهذا ليس منه ، ولأنّ هذه العبارة بعينها أُريد بها في خبر من أحاديث الحيض قضاء الحائض الصوم دون الصّلاة.

ولا يخفى على الذوق السليم مناسبتها لحكم الحيض ؛ لتكرره وكثرة السؤال عنه.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٦ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٤ ح ٤١٩ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ ح ٩٣٧ ، الوسائل ٢ : ٥٩٠ أبواب الحيض ب ٤١ ح ٧.

(٢) كصاحب المدارك ٢ : ٣٩.

(٣) المنتقى ٢ : ٥٠٢.

٢٤٤

وعلى هذا فيشكل الاعتماد على هذه الرواية ، فإن ثبت الإجماع فهو ، وإلا لكان للتوقّف في هذا الحكم مجال ، كما فعله الشيخ في المبسوط ، حيث أسنده إلى رواية الأصحاب (١).

ثمّ إن أراد الشيخ من رواية الأصحاب هذه فقد عرفت الحال ، وإلا فيمكن التعويل عليها بمعونة عملهم واشتهاره بينهم ، بل وإجماعهم عليه كما ادّعاه في المسالك (٢).

بقي الكلام في تطبيق الرواية على الأقوال المتقدّمة ، فيمكن أن يكون المراد بطلان الصوم بترك جميع الأغسال ، ويكون ذكر الغسل لكلّ صلاتين بعنوان المثال.

وأما سائر الأعمال فلعلّها من لوازم الغسل أو المراد فيهما تشريك صلاة الليل مع الغداة.

وحينئذٍ فعدم استنباط حكم المتوسّطة غير مضرّ ؛ لعدم القول بالفصل ، مع أنّ القيد وارد مورد الغالب ؛ لندرة المتوسّطة. وإن جعلنا الغسل لكلّ صلاتين من باب المثال الأعمّ حتّى يشمل ما يجب فيه غسل واحد أيضاً ؛ فيجزي فيه ترك الاستفصال أيضاً ويشمل المتوسّطة.

ويمكن أن يكون المراد بطلانه بترك بعض عمل المستحاضة.

ووجهه : أنّ غاية ما يستفاد من سؤال الراوي هو السلب الجزئي ؛ إذ هو الأصل في رفع الإيجاب الكلّي ، فترك الغسل لكلّ صلاتين لا يستلزم عدم الغسل رأساً.

أو نقول : إنّ عمل المستحاضة هو المجموع ، وهو ينتفي بانتفاء البعض ، أو هو الغسل لكلّ صلاتين ، ومجموع الغسل الثّابت لكلّ صلاتين ينتفي بانتفاء جزئه.

وكيف كان فالمتبادر من الرّواية منضمّاً إلى كمال بُعد تأثير الشّرط المتأخّر في الصّوم المتقدّم هو عدم تأثير غسل العشاءين في الصوم المتقدّم ، وظهور تأثيره في المتأخّر ، وظهور الرّواية فيه أيضاً ، كما هو المشهور.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٦٨.

(٢) المسالك ٢ : ٤٦.

٢٤٥

ولو تركته في محلّه فلا بدّ أن تغتسل قبل الفجر غسلاً لرفع ذلك الحدث ، وإن لم يجب عليها غسل للمُقبل ، وإلا تداخلا كما ذهب إليه الشّهيد الثّاني رحمه‌الله (١).

وانقدح من هذا وجوب غسل الاستحاضة للصّوم المقبل إذا حصل موجبه ولم تفعله في محلّه قبل الفجر ، كالحائض والنّفساء إذا طهرتا قبل الفجر ، كما تقدّم في كتاب الطّهارة مع دليله ، وأنّه يجب التّيمّم بدلاً عنه مع العجز كالجنب العاجز عنه (٢).

وأمّا الكفّارة ؛ فالأظهر عدم وجوبها ، لا في ترك الغسل ، ولا في ترك التّيمّم ، مع الأولوية في ترك التّيمّم في بدل غسل الجنابة ، ولكن احتمال وجوبها هنا أقوى ؛ لثبوته في ترك غسله ، واحتمال مساواة البدل للمبدل منه.

تنبيهان :

الأوّل : أنّه هل يجب عليها غسل للبرء أم لا؟ وهل تتوقّف عليه صحّة الصوم أم لا؟ قال العلامة في التحرير : قال الشيخ : إذا انقطع دمها أينقض وضوءها؟ والوجه ذلك إن كان للبرء ، وإلا فلا ، والمراد بالبرء هو الشفاء (٣).

قال في المدارك : وهو حسن ، لكن لا يخفى أنّ الموجب له في الحقيقة هو الدم السابق على الانقطاع ، لأنفس الانقطاع ، فإنّ دم الاستحاضة يوجب الوضوء تارة والغسل اخرى ، وإسناد الإيجاب إلى الانقطاع والاقتصار على إيجاب الوضوء خاصة لا يستقيم.

وقال في الذكرى : وهذه المسألة لم نظفر فيها بنص من قِبل أهل البيت «، ولكن ما أفتى به الشيخ هو قول العامّة بناءً منهم على أنّ حدث الاستحاضة يوجب الوضوء

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٦.

(٢) الغنائم ١ : ٢١٣.

(٣) التحرير ١ : ١ : ١٦ ، وانظر المبسوط ١ : ٦٨.

٢٤٦

لا غير ، فإذا انقطع بقي على ما كان عليه ، ولمّا كان الأصحاب يوجبون به الغسل فليكن مستمرّاً (١) ، هذا كلامه رحمه‌الله.

ومحصّله : أنّ الحدث هو دم الاستحاضة ، فينبغي أن يترتّب عليه مسبّبه ، وضوءاً كان أو غسلاً ، ولو قلنا : إنّ المعتبر فيه وقوعه في أوقات الصلاة وجب اعتباره هنا ، انتهت عبارة المدارك (٢).

أقول : وفي هذا الكلام يحصل التنبيه لمسألتين :

الاولى : أنّ الاستحاضة يجب فيها غسل للبرء ، مضافاً إلى الأغسال الواجبة فيها للصلاة والصوم ، وإن كان وجوبه أيضاً للغير من صلاة أو صوم لا لنفسه.

وتظهر الثمرة فيما لو رأت كثيراً واغتسلت غسل الصلاة ، إمّا لصلاة الفجر أو لصلاتين وصلّت ، ولم ترَ بعد الصلاة دماً كثيراً أو لم ينقطع الدم بالمرّة ، ثمّ انقطع وحصل البرء قبل الصلاة الاتية ، فهل يجب عليها غسل البرء أو لا؟ وكذلك الكلام في الوضوء في القليلة ، وإن لم نقل بوجوب الغسل عند البرء ، وكذا الوضوء ، فيجوز لها الدخول في كلّ مشروط بالطهارة إن لم يحصل حدث آخر لها ، وإلا فيجب الغسل أو الوضوء.

ويظهر من التذكرة عدم الوجوب ، قال فيها : فروع ، الأوّل : لو كان الدم كثيراً فاغتسلت أوّل النهار وصامت ثمّ انقطع قبل الزوال لم يجب غسل آخر عند الزوال ، لا للصوم ، ولا للصلاة إن كان للبرء ، ولو كان لا له وجب ، ولو كانت تعلم عوده ليلاً أو قبل الفجر وجبت الأغسال الثلاثة (٣).

ويظهر من هذا الكلام أنّ التّلطّخ كافٍ في استمرار حكم كثيرة الدم ما لم تبرأ بالمرّة ، فإذا كان الدم قبل صلاة الفجر كثيراً واغتسلت لها وصلّت ولم تر بعد الصلاة إلا قليلاً

__________________

(١) الذكرى : ٣١.

(٢) المدارك ٢ : ٤٠.

(٣) التذكرة ١ : ٢٩٢.

٢٤٧

فاستمرّ حتّى دخل الظهر ، فيجب عليها الغسل لكلّ صلاتين ، وهكذا.

وعلى هذا فلعلّ قوله رحمه‌الله : «لو كانت تعلم» إلى أخره لبيان حكم ما لو انقطع بالمرّة بحيث لم يبقَ التلطّخ أيضاً ، ولكن تعلم بحسب عادتها عوده ليلاً فهو أيضاً في حكم المستمرّ.

ويظهر من الفاضل الأصبهاني في شرح الروضة ثبوته في شرح قول الشارح : «نعم هو شرطه في اليوم الاتي ويدخل في غسل الصبح لو اجتمعا» حيث قال : بمعنى أنّها لو تركته كفاها للصوم غسل الصبح ، وكذا يدخل في غسل البرء لو تركته وبرأت في الليل ، انتهى.

والأظهر عدم وجوب غسل للبرء ولا وضوء ؛ إذ الّذي يستفاد من الأخبار هو الأغسال المعهودة في أوقات الصلوات ، والوضوءات والمعهودة.

نعم يمكن التمسّك بالاستصحاب فيما فرضه الفاضل ، فإنّ المفروض ثبوت الحدث الموجب للغسل ، والمفروض عدم تحقّقه ، ولكن هذا ليس بغسل على حدة من جهة البرء ، والظاهر من الذكرى القول بثبوته (١) كظاهر التحرير (٢) ، بل المدارك أيضاً (٣).

المسألة الثانية : هي أنّ مطلق حصول هذا الدم كافٍ ، أو يعتبر حصوله في أوقات الصلاة ، وهو أيضاً خلافيّ كما ظهر من عبارة المدارك السابقة (٤).

وقال في المسالك : فيجب الغسل للصوم متى حصل الغمس قبل صلاة الفجر ، وتتوقّف عليه صحّة الصوم ، ولو كان بعد الصلاة لم يجب إلا مع الكثرة ، فيتوقّف صوم اليوم على غسل مثل الظهرين وإن لم تستمرّ الكثرة إلى وقتها (٥) ، وقيل : يعتبر حصولها وقت الصلاة (٦).

__________________

(١) الذكرى : ٣١.

(٢) التحرير ١ : ١٦.

(٣) المدارك ٢ : ٤٠.

(٤) المدارك ٢ : ٤٠.

(٥) المسالك ١ : ٧٤.

(٦) الحدائق ٣ : ٣٠١.

٢٤٨

أقول : والظاهر من أخبار المستحاضة أنّ حصول الحالة موجبة لمسبباتها وإن لم تقترن بأوقات الصلاة.

الثاني : إنّ الأصل في غسل الاستحاضة أنّه للصلاة والرواية الّتي هي دليل الصوم إنّما دلّت على اعتبار تلك الأغسال الثلاثة الثابتة للمستحاضة في صحّة الصوم ، وكما لا يشترط تقديم غسل الغداة على الفجر في الصلاة ، فلا يعتبر في الصوم أيضاً.

نعم ذكر الشهيد الثاني في روض الجنان بعد ما استقرب توقّف الصوم المقبل على غسل الليلة الماضية أنّ الحقّ أنّها إن قدّمت غسل الفجر ليلاً أجزأها عن غسل العشاءين إذا تركته بالنسبة إلى الصوم ، وإن أخّرته إلى الفجر بطل الصوم هنا ، وإن كان تقديم الغسل على الفجر غير واجب لولا ذلك (١) ، وهو مختاره في المسالك والروضة كما نقلنا عنه سابقاً (٢). وليس ببعيد بناءً على ما ذكرنا أنّ ظاهر الرواية أنّ ترك مجموع الأغسال الحاصل بترك بعضها مبطل ، وإنّما نقول بصحّة ذلك بدليل التداخل ، وإلا لكان في الصحة إشكال.

وممّا ذكرنا من أنّ الأصل مراعاة أغسال الصلاة ظهر أنّه لا يجب الغسل للصوم إذا طرأت الكثرة بعد صلاة الغداة إلى أن يدخل الزوال ، وكذا بعد صلاة العصر إلى أن يدخل المغرب.

الثالث : إنّ الصوم لا يصحّ من مسافر يجب عليه التقصير بأن لا يكون مقيماً عشرة أيّام أو متردّداً ثلاثين يوماً ، أو عاصياً بسفره ، أو كثير السفر أو نحو ذلك إلا في مواضع.

__________________

(١) روض الجنان : ٨٧.

(٢) المسالك ١ : ٧٥ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٠٣ ، ، وانظر ج ١ : ٣٩١.

٢٤٩

أمّا عدم صحّة الصوم من المسافر في الجملة فهو إجماع أصحابنا ، مدلول عليه بالآيات (١) والأخبار المعتبرة المستفيضة جدّاً (٢) لا حاجة إلى ذكرها ، وقد مرّ بعضها في كتاب الصلاة.

ومن جملتها صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه‌السلام : أنّه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم ، فقال «ليس من البرّ الصيام في السفر» (٣) والسؤال ليس بمخصص للجواب فيعمّ.

ومن جملتها ما دلّ على تلازم القصر والإفطار (٤).

ومن جملتها رواية محمّد بن حكيم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : «لو أنّ رجلاً مات صائماً في السفر ما صلّيت عليه» (٥) وسيجي‌ء بعضها.

وأمّا استثناء بعض المواضع ؛ فالأكثر على استثناء ثلاثة أيّام في بدل الهدي ، والثمانية عشر بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً ، والنذر المشترط سفراً وحضراً (٦).

أمّا الأوّل ؛ فيدلّ عليه مضافاً إلى قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ) (٧) أخبار كثيرة ، منها : ما رواه الكليني في الصحيح ، عن رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن المتمتّع لا يجد الهدي ، قال : «يصوم ثلاثة : قبل التروية بيوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة» قلت : فإنّه قدم يوم التروية؟ قال : «يصوم

__________________

(١) البقرة : ١٨٥ «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ».

(٢) الوسائل ٧ : ١٢٤ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٧ ح ٦٣٢ ، الوسائل ٧ : ١٢٥ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١ ح ١٠.

(٤) مثل صحيحة عمّار بن مروان وهي في الكافي ٤ : ١٢٩ ح ٣ ، والتهذيب ٤ : ٢١٩ ح ٦٤٠ ، والوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣. ورواية أبان بن تغلب وفيها : خيار أُمّتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصّروا. الكافي ٤ : ١٢٧ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ٩١ ح ٤٠٨ ، الوسائل ٧ : ١٢٤ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١ ح ٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٨ ح ٧ ، الفقيه ٢ : ٩١ ح ٤٠٥ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ ح ٦٢٩ ، الوسائل ٧ : ١٢٥ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١ ح ٩.

(٦) كالمفيد في المقنعة : ٣٥٠ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٢٨٤ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٤٨.

(٧) البقرة : ١٩٦.

٢٥٠

ثلاثة أيام بعد التشريق» قلت : لم يقم عليه جمّاله ، قال : «يصوم يوم الحصبة وبعده يومين» قال ، قلت : وما الحصبة؟ قال : «يوم نفره».

قلت : يصوم وهو مسافر؟! قال : «نعم ، أليس هو يوم عرفة مسافراً ، إنّا أهل بيت نقول ذلك ؛ لقول الله عزوجل (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ) (١) يقول في ذي الحجّة» (٢).

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما» ، قال : «الصوم الثلاثة الأيّام إن صامها فأخرها يوم عرفة ، وإن لم يقدر على ذلك فليؤخّرها حتّى يصومها في أهله ولا يصومها في السّفر» (٣) فقد حملها الشيخ على أنّه لا يجوز صومها معتقداً لأنّه لا يسوغ له غير ذلك ، بل يعتقد أنّه مخيّر بين أن يصومها في السفر وبين أن يصومها إذا رجع إلى أهله (٤).

ويؤيّده ما رواه المفيد في المقنعة مرسلاً ، عن الصادق عليه‌السلام في آخر باب الزيادات قال : وسئل عمّن لم يجد هدياً وجهل أن يصوم الثلاثة الأيّام ، كيف يصنع؟ فقال عليه‌السلام : «أما إنني لا آمره بالرجوع إلى مكّة ، ولا أشقّ عليه ، ولا امره بالصّيام في السفر ، ولكن يصوم إذا رجع إلى أهله» (٥) فإن قوله عليه‌السلام : «لا آمره» مشعر بالتخيير كما يستفاد من صحيحة معاوية بن عمّار (٦).

وأمّا الثاني ؛ فهو فتوى كثير من الأصحاب ، ويظهر من كثير منهم عدمه ؛ لأنّهم حصروا الصوم المرخّص فيه في غيره ولم يذكروه ، كسِر (٧) ، والسيّد في

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الكافي ٤ : ٥٠٦ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ ح ١١٤ ، الوسائل ١٠ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٤ ح ٧٩١ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٣ ح ١٠٠٣ ، الوسائل ١٠ : ١٥٧ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٤ ذ. ح ٧٩١.

(٥) المقنعة : ٤٥٠.

(٦) الكافي ٤ : ٥٠٧ ح ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩ ح ١١٥ ، الوسائل ١٠ : ١٥٤ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٤. متمتّع لم يجد هدياً ، قال : يصوم ثلاثة أيّام في الحجّ ، فإن لم يقم عليه جمّاله أيصومها في الطريق؟ قال : إن شاء صامها في الطريق ، وإن شاء إذا رجع إلى أهله.

(٧) انظر المراسم : ٩٧.

٢٥١

الجمل (١) ، والراوندي في فقه القرآن (٢) ، والشيخ في الاقتصاد (٣) ، وابن حمزة (٤) ، وابن زهرة (٥).

وكيف كان فالمذهب هو الأوّل ؛ لما رواه الكليني صحيحاً ، عن ضريس الكناسي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ، قال : «عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة ، أو في الطريق ، أو في أهله» (٦).

وأمّا الثالث ؛ فهو المشهور بين الأصحاب ، بل وعن المنتهي أنّه لا يعلم فيه مخالفاً (٧) ، وتدلّ عليه صحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : كتب بندار مولى إدريس : يا سيّدي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب عليه‌السلام وقرأته : «لا تتركه إلا من علّة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض ، إلا أن تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بقدر كلّ يوم على سبعة مساكين ، نسأل الله التوفيق لما يحبّ ويرضى» (٨).

قال في المسالك : إنّه خبر مقطوع ضعيف ، لكن العمل به متعيّن ؛ لعدم القائل بخلافه ، قال العلامة في المنتهي بعد حكايته عن الشيخين (٩) : لا نعلم لهما مخالفاً في ذلك (١٠).

__________________

(١) انظر الجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٦.

(٢) فقه القرآن ١ : ٢٠٠.

(٣) انظر الاقتصاد : ٢٩٤.

(٤) انظر الوسيلة : ١٤٨.

(٥) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٠.

(٦) الكافي ٤ : ٤٦٧ ح ٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٠ أبواب إحرام الحجّ ب ٢٣ ح ٣.

(٧) المنتهي ٢ : ٥٨٦.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ح ٦٨٩ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ ح ٣٣١ ، الوسائل ٧ : ١٣٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ١.

(٩) المفيد في المقنعة : ٣٥٠ ، والشيخ في النهاية : ١٦٣.

(١٠) المسالك ٢ : ٤٦ ، وانظر المنتهي ٢ : ٥٨٦.

٢٥٢

أقول : لا وجه لتضعيف السند ؛ لأنّه ليس فيه من يتأمّل فيه إلا بندار ، فإنّه مجهول (١) ، ولكنه غير مضرّ ؛ لأنّ الاعتماد على قراءة عليّ بن مهزيار كتابه.

والظاهر أنّ مراده من القطع هو الإضمار وجهالة المكتوب إليه ، وهو أيضاً غير مضرّ ؛ لأنّ مثل هذا الثقة الجليل الوكيل لا يروي ما لم يكن المكتوب إليه إماماً.

وكذلك المحقّق في المعتبر قال : ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولاً مشهوراً (٢).

قيل : ولعلّ وجه تضعيفها الإضمار ، واشتمالها على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا قيّد الناذر به ، واشتمالها على التصدّق على سبعة مساكين لكفّارة خلف النذر (٣).

وفيه : أنّ خروج بعض أجزاء الرواية عن الحجيّة لا يوجب سقوطها رأساً ، مع أنّ الصدوق ذكر متن الرواية كما هي في الفقيه (٤) ، وظاهره أنّه فتواه ، فالرواية مع عمل الأصحاب كافية في تمام المطلب.

واعلم أنّ تعلّق النذر بالسفر يتصوّر على وجوه :

أحدها : ما ذكرنا ، والظاهر أنّه لا فرق فيه بين أن ينذر فعله في السفر خاصة ، أو ينذر فعله سفراً وحضراً ؛ لشمول الصحيحة لهما.

والثاني : أن ينذر صوم يوم بعينه فاتّفق كونه مسافراً في ذلك اليوم ، مثل أن ينذر صوم كلّ خميس ، فاتّفق الخميس في السفر ، فالأشهر الأظهر عدم جواز الصوم.

وعن المرتضى (٥) والمفيد (٦) وسلار (٧) لزوم صومه ؛ لعموم (أَوْفُوا بِالْعَهْدِ) (٨)

__________________

(١) انظر معجم رجال الحديث رقم ١٨٩٢ ، ١٨٩٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٨٤.

(٣) المدارك ٦ : ١٤٩.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٣٢ ذ. ح ١٠٩٥.

(٥) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٤.

(٦) المقنعة : ٣٥٠.

(٧) المراسم : ٩٧.

(٨) الإسراء : ٣٤.

٢٥٣

و (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (١) وخصوص رواية إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمّى ، قال : «يصومه أبداً في الحضر والسفر» (٢).

والجواب عن الأوّلين : أنّ المراد النذر والعهد الشرعيّان ، وهو فيما نحن فيه أوّل الكلام ؛ إذ النسبة بين ما دلّ على المنع من الصوم سفراً وما دلّ على رجحان الوفاء بالنذر عموم من وجه ، والرجحان في متعلق النذر معتبر ، والشك في الشرط يستلزم الشكّ في المشروط.

وإنّما قلنا بالصحّة في الصورة الأُولى لأجل الصحيحة المتقدّمة ، فالرجحان لمتعلّق النذر إنّما ثبت بها ، فالرجحان والصحّة حصلا بجعلٍ واحد ، فلا يرد أنّ صحّة النذر هناك أيضاً موقوفة على ثبوت الرجحان ، وعمومات المنع عن الصوم في السفر تنفيه.

وعن الثاني : أنّها مع ضعفها مؤوّلة بما دلّت عليه صحيحة عليّ بن مهزيار (٣) معارضة بروايات كثيرة ، منها حسنة كرام لإبراهيم بن هاشم ، والظاهر أنّ كراماً هذا هو عبد الكريم بن عمر ووثّقه النجاشي مرّتين (٤) ، لكنّه واقفي ، فالحديث موثّق ، مع أنّ الراوي عنه ابن أبي عمير ، وقد يروي عنه البزنطي أيضاً قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم عليه‌السلام ، فقال : «صم ، ولا تصم في السّفر» (٥) الحديث.

وموثّقة زرارة ، قال : «إنّ أُمّي كانت جعلت على نفسها لله عليها نذراً ؛ إن الله ردّ

__________________

(١) الإنسان : ٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ح ٦٨٨ ، الوسائل ٧ : ١٤١ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٠ ح ٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ح ٦٨٩ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ ح ٣٣١ ، الوسائل ٧ : ١٣٩ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٠ ح ١. قال : نذرت أن أصوم كلّ سبت ، فكتب (ع) : ليس عليك صومه في سفر ولا مرض ، إلّا أن تكون نويت ذلك.

(٤) رجال النجاشي : ٢٤٥ رقم ٦٤٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٤١ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٢٣٣ ح ٦٨٣ ، الاستبصار ٢ : ١٠٠ ح ٣٢٥ الوسائل ٧ : ١٤١ ، أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٠ ح ٩.

٢٥٤

عليها بعض ولدها من شي‌ء كانت تخاف عليه فيه أن تصوم ذلك اليوم الّذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرة إلى مكّة ، فأشكل علينا (لمكان النذر) (١) أتصوم أم تفطر؟ فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، وأخبرته بما جعلت على نفسها ، فقال : «لا تصوم في السفر ، قد وضع الله عنها حقّه ، وتصوم هي ما جعلت على نفسها» قلت : ما ترى إذا هي قدمت وتركت ذلك؟ قال : «إنّي أخاف أن ترى في الّذي نذرت فيه ما تكره» (٢)

وحسنته أيضاً عن أبي جعفر عليه‌السلام بهذا المضمون (٣) ، ورواية القاسم ابن أبي القاسم الصيقل (٤).

والثالث : أن ينذر صوم أيّام معدودة ، مثل شهر مثلاً ، فلا يصومه في السفر. ومقتضى بعض الأخبار المتقدّمة عدم جوازه في السفر ، وكذا موثّقة عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل يقول : لله عليّ أن أصوم شهراً ، أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فعرض له أمر لا بدّ له من أن يسافر ، أيصوم وهو مسافر؟ قال : «إذا سافر فليفطر ؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر ، فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية» (٥).

وعبارة السيّد (٦) وسلار (٧) لا تشمل هذه الصورة.

وكيف كان فالمذهب عدم الجواز.

__________________

(١) في «ح» : لمكان النذر أن ، وفي نسخة فيه والكافي : لم ندر.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٤ ح ٦٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠١ ح ٣٢٩ ، الوسائل ٧ : ١٣٩ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٠ ح ٣ ، بتفاوت بين المصادر.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٣ ح ١٠ ، الوسائل ٧ : ١٣٩ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٠ ذ. ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٣٤ ح ٦٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠١ ح ٣٢٨ ، الوسائل ٧ : ١٣٩ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٠ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٢٨ ح ١٠٢٢ ، الوسائل ٧ : ١٤١ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٠ ح ٨ بتفاوت.

(٦) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٤.

(٧) المراسم : ٩٧.

٢٥٥

ثمّ إنّا قد ذكرنا أنّ الأكثر على الاقتصار في الاستثناء على الثلاثة المذكورة (١) ، وهنا قولان آخران :

أحدهما : للمفيد قد نسبه إليه الفاضلان في المعتبر والمختلف والشهيد الثاني رحمه‌الله في الروضة (٢) ، وهو جواز الصوم الواجب مطلقاً عدا شهر رمضان (٣).

وربما استدلّ له بالأصل ، وبما يستفاد من الأخبار أنّ الإفطار في السفر إنّما هو رخصة من الله وهدية منه لعباده فيما أوجبه عليهم (٤) ، ولا يُعجِب (٥) أحد أن تُردّ هديته ، وأمّا الصوم الذي يوجبه العبد من نفسه على نفسه فلا يجري فيه ذلك.

وفيه : أنّ ما ذكر لا يعارض به ما تقدّم من الأدلّة عموماً وخصوصاً.

والثاني : للصدوقين ، وهو جواز صوم جزاء الصيد للمحرم (٦) ، ولم نقف على مستنده. والتمسّك بأنّه «بدل عن جبران وجب في الحرم فجاز صومه في السفر كصوم دم المتعة الثلاثة الأيام» قياس منقوض بالسبعة.

هذا الكلام في الصوم الواجب.

وأمّا المندوب ؛ فاختلف فيه كلام الأصحاب ، فالصدوق في الفقيه والمقنع ذهب إلى الحرمة (٧) ، وهو المنقول عن ابن البرّاج (٨) وابن إدريس (٩) ، وذهب ابن حمزة إلى الجواز (١٠)

__________________

(١) منهم المفيد في المقنعة : ٣٥٠ ، والشيخ في النهاية : ١٦٣ ، وابن البراج في المهذّب ١ : ١٩٤ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٦ ، والسيّد في المدارك ٦ : ١٤٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٨٤ ، المختلف ٣ : ٤٦٢. ، الروضة البهيّة ٢ : ١٠٤.

(٣) المقنعة : ٣٦٢.

(٤) الوسائل ٧ : ١٢٤ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١.

(٥) في «م» : ولا يحب.

(٦) نقله عن ابن بابويه في السرائر ١ : ٤١٥.

(٧) الفقيه ٢ : ٩٢ ح ٤١١ ، المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦.

(٨) المهذّب ١ : ١٩٤.

(٩) السرائر ١ : ٣٩٣.

(١٠) الوسيلة : ١٤٩.

٢٥٦

والأكثر على الكراهة (١).

ولعلّ الأقوى الحرمة ، كما ذهب إليه صاحب المدارك (٢) وبعض من تأخّر عنه أيضاً (٣) ؛ للأخبار الكثيرة المعتبرة عموماً وخصوصاً ، وقد مرّ كثير منها (٤).

ومن جملتها صحيحة البزنطي ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن في سفر ، قال : «فريضة؟» فقلت : لا ، ولكن تطوّع كما يتطوّع بالصلاة ، فقال : «تقول : اليوم وغداً؟» قلت : نعم ، فقال : «لا تصم» (٥) وسيأتي بعضها أيضاً.

ولعلّ دليل ابن حمزة هو رواية إسماعيل بن سهل ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المدينة في أيّام بقين من شعبان ، فكان يصوم ، ثمّ دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر ، فقيل له : أتصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟! فقال : «نعم ، شعبان إليّ إن شئت صمته وإن شئت لا ، وشهر رمضان عزم من الله عزوجل على الإفطار» (٦).

ورواية الحسن بن بسام الجمّال ، عن رجل ، قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكّة والمدينة في شعبان وهو صائم ، ثمّ رأينا هلال شهر رمضان فأفطر ، فقلت له : جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم ، واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟! فقال : «إنّ ذلك تطوّع ، ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا» (٧).

وأنت خبير بأنّه لا يجوز تخصيص الأخبار المعتبرة بمثل هذين الخبرين الضعيفين

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ١٦٣ ، والتهذيب ٤ : ٢٣٦ ، والاستبصار ٢ : ١٠٣ ، المحقّق في الشرائع ١ : ١٧٨ والشهيد في الدروس ١ : ٢٧٠.

(٢) المدارك ٦ : ١٥٠.

(٣) كصاحب الذخيرة : ٥٢٤.

(٤) الوسائل ٧ : ١٤٤ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ح ٦٩٠ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ ح ٣٣٢ ، الوسائل ٧ : ١٤٣ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٢ ح ٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٣٦ ح ٦٩٢ ، الوسائل ٧ : ١٤٤ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٢ ح ٤.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٣٦ ح ٦٩٣ ، الوسائل ٧ : ١٤٥ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٢ ح ٥.

٢٥٧

القابلين للتأويل ، مثل أن يكون عليه‌السلام أوجبه على نفسه بالنذر المقيّد بالسفر ، فيكون مراده عليه‌السلام : لنا أن نفعل ما شئنا من جعله منذوراً مقيّداً بالسفر. وأمّا دليل الأكثر فهو الجمع بين الأخبار بحمل المنع على الكراهة في خصوص المندوب (١) ، وهو أيضاً غير جيّد ؛ إذ لا دليل على مطلق الجمع ، مع أنّه يستلزم استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي ، وإن أردنا من المنع فيها المرجوحيّة على سبيل عموم المجاز فمع أنّه مجاز لا دليل عليه يسقط الاحتجاج بها في جانب الصوم الواجب ، مع أنّهم استدلّوا بها عليه.

وهذا كلّه مع أنّه يمكن توجيه الكراهة بأن يقال : إنّ المتبادر من كثير من الأخبار هو شهر رمضان والاعتماد في غير الواجبات من مثل النذر وغيره على الأخبار الخاصّة بها ، ويحمل ما ورد في خصوص التطوّع كصحيحة البزنطي السابقة على الكراهة ، ويؤيّده استفصاله عليه‌السلام فيها أوّلاً ، فهاتان الروايتان مع المسامحة في أدلّة السنن والشهرة بين الأصحاب وفهمهم للأخبار يقرّب هذا القول.

وكيف كان فالأحوط الترك ؛ لدوران الأمر بين الحرمة والاستحباب.

ثمّ على القول بالحرمة فيستثنى منه الصوم ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة ؛ للأخبار المستفيضة ، منها صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال : «إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أوّل يوم الأربعاء ، وتصلّي ليلة الأربعاء عند أُسطوانة أبي لبابة ، وهي أُسطوانة التوبة الّتي كان ربط إليها نفسه حتّى نزل عذره من السّماء ، ، تقعد عندها يوم الأربعاء.

ثمّ تأتي ليلة الخميس التي تليها ممّا يلي مقام النّبيّ ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس.

ثمّ تأتي الأُسطوانة الّتي تلي مقام النّبيّ ومصلاه ليلة الجمعة فتصلّي عندها

__________________

(١) من القائلين بالكراهة الشيخ في النهاية : ١٦٢ ، والتهذيب ٤ : ٢٣٦ ، والاستبصار ٢ : ١٠٣ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ١٧٨ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٧٠.

٢٥٨

ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة.

وإن استطعت أن لا تتكلّم بشي‌ء منه في هذا الأيّام إلا ما لا بدّ لك منه ، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ، ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل ، فإن ذلك ممّا يعد فيه الفضل.

ثمّ احمد الله في يوم الجمعة واثن عليه ، وصلّ على النّبيّ ، وسل حاجتك ، وليكن فيما تقول : اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإنّي أتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها ، فإنّك حريّ أن تقضى حاجتك إن شاء الله تعالى» (١).

وألحق المفيد رحمه‌الله مشاهد الأئمة عليهم السلام (٢). ولم أعرف دليله.

وعن الصدوقين : إلحاق صوم الاعتكاف في المسجد الحرام أو في مسجد الرسولُ ، أو مسجد الكوفة ، أو مسجد المدائن (٣). وكذلك ابن إدريس (٤).

الرابع : يصحّ الصوم من المريض ، إن لم يتضرّر به.

أمّا الأوّل : فللعمومات (٥) وإطلاق الآية الدالّة على لزوم الإفطار للمريض (٦) مقيّداً بالأخبار والإجماع ظاهراً.

بل المتبادر من الآية إنّما هو المرض المضرّ ، فنفس المرض من حيث هو مرض لا يوجب الإفطار وإن كان شديداً ، بل قد ينفعه الصوم.

وعلى ذلك تحمل موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل يجد في رأسه وجعاً من صداع شديد ، هل يجوز له الإفطار؟ قال : «إذا صدع صداعاً شديداً ، وإذا

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٢ ح ٦٨٢ ، الوسائل ٧ : ١٤٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ١.

(٢) المقنعة : ٣٥٠.

(٣) المقنع (الجوامع الفقهية) : ١٦ ، ونقله عنهما في المختلف ٣ : ٤٦٥.

(٤) السرائر ١ : ٣٩٤.

(٥) الوسائل ٧ : ١٥٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٨.

(٦) البقرة : ١٨٥.

٢٥٩

حمّ حمّى شديدة ، وإذا رمدت عيناه رمداً شديداً ، فقد حلّ له الإفطار» (١) فلا عبرة بمجرّد الشدّة.

وأمّا الثاني : فلعموم نفي الضرر والعسر والحرج ، ولما رواه الصدوق في الصحيح ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر» (٢).

وقال عليه‌السلام : «كلّ ما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب» (٣).

وفي الصحيح عن الوليد بن صبيح ، قال : حممت بالمدينة يوماً في شهر رمضان ، فبعث إليّ أبو عبد الله عليه‌السلام ، بقصعة فيها خلّ وزيت ، قال لي : «أفطر وصلّ وأنت قاعد» (٤).

ويتحقّق الضرر بخوف زيادة المرض كيفاً ، بأن يشتدّ الألم ، وكما لو يبطؤ البرء أو يتجدّد مرض آخر ، أو بحصول نفس المشقّة ، كزيادة العطش والتضجّر الشديد من الحرارة ، وفي كثير من العبارات تحديده بما لا يتحمّل عادة ، والأولى التعبير بما يشقّ تحمّله عادة.

ومن جملة ذلك : حصول الضعف كما دلّت عليه موثّقة سماعة ، قال : سألته ما حدّ المرض الّذي يجب على صاحبه فيه الإفطار ، كما يجب عليه في السفر (مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ)؟ قال : «هو مؤتمن عليه ، مفوّض إليه ، فإن وجد ضعفاً فليفطر ، وإن وجد قوّة فليصمه ، كان المرض ما كان» (٥).

ويمكن القدح فيه : بأنّ المراد بالضعف العجز عنه بسبب المرض ، لا مطلق الضعف.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٨ ح ٥ ، الوسائل ٧ : ١٥٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٣ ، الوسائل ٧ : ١٥٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٩ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٤ ، الوسائل ٧ : ١٥٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ١١٨ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٨٣ ح ٣٧٠ ، الوسائل ٧ : ١٥٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٨ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ١١٨ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ ح ٧٥٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٤ ح ٣٧٢ ، الوسائل ٧ : ١٥٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٤ ، البقرة : ١٨٥.

٢٦٠