غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

بأن يحتجم الصائم إلا في رمضان ، فإنّي أكره أن يضرّ بنفسه ، إلا أن لا يخاف على نفسه ، وإنّا إذا أردنا الحجامة في رمضان احتجمنا ليلاً» (١) إلى غير ذلك من الأخبار (٢).

ويدلّ على عدم الحرمة والإفساد الأصل والإجماع ، كما في المنتهي والتذكرة (٣) ، وهذه الروايات وغيرها ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة (٤) في الاكتحال في جهة التعليل بأنه ليس بطعام ولا شراب.

ورواية عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء ، والاحتلام ، والحجامة ، وقد احتجم النبيّ وهو صائم» (٥).

وأمّا ما روى العامّة عن النبيّ ، وكذا الخاصة عن الصادق عليه‌السلام : «أفطر الحاجم والمحجوم» (٦) فقيل : إنّهُ قال ذلك لأجل اغتيابهما مسلماً.

وعن الصدوق في معاني الأخبار : احتمال أن يكون المراد أنّ من احتجم فقد عرّض بنفسه للاحتياج إلى الإفطار بسبب احتمال الضعف (٧) ، وهو بعيد في الحاجم ، إلا أن يقال : إنّ تعريضه المحجوم لذلك إفطار له ، ونقل عن بعض مشايخه أن المراد الدخول في فطرة النبي وسنته.

ومنها : دخول الحمام المضعف ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنّه سئل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم ، فقال : «لا بأس به ، ما لم يخش ضعفاً» (٨).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٠ ح ٧٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٩١ ح ٢٨٩ ، الوسائل ٧ : ٥٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٦ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٧ : ٥٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٦.

(٣) المنتهي ٢ : ٥٨٢ ، التذكرة ٦ : ٩٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٥٩ ح ٧٧١ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ ح ٢٨٤ ، الوسائل ٧ : ٥٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٦٠ ح ٧٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٠ ح ٢٨٨ ، الوسائل ٧ : ٥٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٦ ح ١١.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٤ ، معاني الأخبار : ٣١٩ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٥٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٦ ح ٩.

(٧) معاني الأخبار : ٣١٩.

(٨) الكافي ٤ : ١٠٩ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٧٠ ح ٢٩٦ ، التهذيب ٤ : ٢٦١ ح ٧٧٩ ، الوسائل ٧ : ٥٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٧ ح ١.

٢٢١

ومنها : السعوط بما لا يتعدّى إلى الحلق ، وهو بفتح السين وضم العين ما يصل إلى الدماغ من الأنف على الأشهر الأظهر.

وقال الصدوق في الفقيه : ولا يجوز للصائم أن يتسعّط (١).

وعن المفيد (٢) وسلار (٣) أنّهما أوجبا به القضاء والكفّارة. ونقل في المختلف (٤) عن السيّد رحمه‌الله نقل ذلك القول عن قوم من أصحابنا (٥).

وعن ابن إدريس أنّه لا يوجب شيئاً منهما (٦).

وعن أبي الصلاح (٧) وابن البرّاج (٨) أنّه يوجب القضاء فقط ، ونقل عن السيد أيضاً نقل هذا القول عن قوم من أصحابنا (٩).

والأظهر الأوّل ؛ للأصل ، ورواية ليث المرادي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يحتجم ويصبّ في اذنه الدهن ، قال : «لا بأس ، إلا السعوط فإنّه يكره» (١٠).

ورواية غياث بن إبراهيم ، عنه ، عن أبيه عليه‌السلام قال ، قال : «لا بأس بالكحل للصائم ، وكره السعوط للصائم» (١١).

ولا تنهضان حجّة لابن بابويه.

واحتجّ في المختلف للآخرين : بأنّه لو أوصل المفطر إلى الدماغ فكان عليه القضاء والكفّارة ، أو القضاء خاصّة ؛ لأنّ الدماغ جوف ، وأجاب عنه بالمنع ، بل الممنوع إنّما

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٦٩.

(٢) المقنعة : ٣٤٤.

(٣) المراسم : ٩٨.

(٤) المختلف ٣ : ٤١٧.

(٥) الجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٤.

(٦) السرائر ١ : ٣٧٨.

(٧) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٨) القاضي في المهذّب ١ : ١٩٢.

(٩) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٤.

(١٠) الكافي ٤ : ١١٠ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ ح ٥٩٢ ، الوسائل ٧ : ٥٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٤ ح ٣.

(١١) التهذيب ٤ : ٢١٤ ح ٦٢٢ ، الوسائل ٧ : ١٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٧ ح ٣.

٢٢٢

هو الإيصال إلى المعدة (١).

وأمّا في المتعدّي إلى الحلق فذهب جماعة ممن لم يمنعه في غير المتعدّي إلى المنع هنا ، وقالوا بوجوب القضاء والكفّارة (٢) ، وهو مختار العلامة في المختلف (٣).

واكتفى في التذكرة بالقضاء (٤) تبعاً للشيخ في المبسوط (٥) ، واحتجّ عليه : أنّه أوصل إلى حلقه المفطر متعمّداً ، فكان عليه القضاء والكفّارة كما لو أوصل إلى حلقه لقمة.

وفيه : منع كلية الكبرى وبطلان القياس ، فالأظهر إذن عدم الحرمة وعدم لزوم شي‌ء ؛ للأصل. ويؤيّده ما مرّ في الاكتحال.

ومنها : شم الرياحين ، قال في المدارك (٦) : وهو كلّ نبت طيّب الريح كما نصّ عليه أهل اللغة (٧) ، وليس عندي من كتب اللغة الان إلا الصحاح ، وفيه أنّه نبت معروف (٨).

وكراهته إجماع علمائنا كما في المنتهي والتذكرة (٩) ، مدلول عليه بالأخبار ، كرواية الحسن بن راشد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الصائم يشم الريحان؟ فقال : «لا ؛ لأنّه لذّة ، ويكره أن يتلذّذ» (١٠).

ورواية الحسن بن الصيقل ، عنه عليه‌السلام،قال : سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟

__________________

(١) المختلف ٣ : ٤١٧.

(٢) كالشهيد في الدروس ١ : ٢٧٥.

(٣) المختلف ٣ : ٤١٧.

(٤) التذكرة ٦ : ٣٤.

(٥) المبسوط ١ : ٢٧٣.

(٦) المدارك ٦ : ١٢٩.

(٧) كالفيروزآبادي في القاموس المحيط ١ : ٢٣٢ ، وابن الأثير في النهاية ٢ : ٢٨٨ ، والفيومي في المصباح المنير : ٢٤٣ ، وابن منظور في لسان العرب ٢ : ٤٥٨.

(٨) الصحاح ١ : ٣٧١.

(٩) المنتهي ٢ : ٥٨٣ ، التذكرة ٦ : ٩٤.

(١٠) التهذيب ٤ : ٢٦٧ ح ٨٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ ح ٣٠١ ، الوسائل ٧ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ٧.

٢٢٣

قال : «لا ، ولا يشم الريحان» (١).

وتتأكّد الكراهة في النرجس ؛ لما رواه الكليني ، عن محمّد بن الفيض ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ينهى عن النرجس فقلت : جعلت فداك لم ذلك؟ قال : «لأنّه ريحان الأعاجم» (٢) وهذه الرواية تفيد كراهته مطلقاً ، ولكن الظاهر أنّ المراد في حال الصوم كما فهمه الأصحاب.

قال الكليني رحمه‌الله : وأخبرني بعض أصحابنا أنّ الأعاجم كانت تشمّه إذا صاموا وقالوا : إنّه يمسك الجوع (٣).

وقال المفيد : ولا بأس بشمّ الريحان كلّه ، ويُكره شمّ النرجس خاصّة للصائم ، وذلك أنّ ملوك الفرس كان لهم يوم في السنة يصومونه ، وكانوا في ذلك اليوم يعدّون النرجس ويُكثرون من شمّه ؛ ليَذهب عنهم العطش ، فصار كالسنّة لهم ، فنهى آل الرسول صلوات الله عليهم أجمعين عن شمّه ، خلافاً على القوم ، وإن كان شمّه لا يفسد الصيام (٤) و (٥).

ولعلّ وجه التأكيد هو كونه منصوصاً عليه ، مع احتمال إرادة النرجس من الريحان المذكور في الأخبار ، ولعلّه معلّل بأنّه ريحان الأعاجم ، ولأنه بالخاصيّة أعني رفع الجوع والعطش مخالف لوضع الصوم المطلوب منه ذلك.

وأما الأخبار الدالّة على جواز شمّ الرياحين فهي كثيرة لا حاجة إلى ذكرها (٦).

وعن الشيخين (٧) والأكثر (٨) إلحاق المسك بالنرجس ؛ لشدّة رائحته ، ولما رواه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٧ ح ٨٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ ح ٣٠٠ ، الوسائل ٧ : ٦٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ١٣.

(٢) الكافي ٤ : ١١٢ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ١١٣ ذ. ح ٢ ، الوسائل ٧ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ٥.

(٤) الوسائل ٧ : ٦٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢.

(٥) المقنعة : ٣٥٧.

(٦) الوسائل ٧ : ٦٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢.

(٧) المقنعة : ٣٥٦ ، النهاية : ١٥٦.

(٨) كابن إدريس في السرائر ١ : ٣٨٨ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ٥٨٣.

٢٢٤

الكليني ، عن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه عليه‌السلام : «أنّ علياً عليه‌السلام : كره المسك أن يتطيّب به الصائم» (١).

وأما سائر الطيب ؛ فلا يكره للصائم جزماً ، بل هو مستحب.

وعن الشيخ (٢) وابن حمزة (٣) وابن إدريس (٤) زيادة ما يجري مجراه على المسك ، وعن المفيد (٥) وابن زهرة (٦) زيادة الزعفران خاصّة ، وعلّله المفيد بأنّ المسك والزعفران يصلان إلى الحلق ويجد شامّهما طعمهما.

وكيف كان فلا ريب في عدم كراهة غير المذكورات ، ففي رواية الحسن بن راشد ، أنّه قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا صام تطيّب ، ويقول : «الطيب تحفة الصائم» (٧).

وفي الفقيه روى : «أنّ من تطيّب بطيب أوّل النهار وهو صائم لم يكد يفقد عقله» (٨).

وفيه أيضاً : وسئل الصادق عليه‌السلام عن المحرم يشمّ الريحان ، قال : «لا» قيل : والصائم؟ قال : «لا» قيل : يشم الصائم الغالية والدخنة؟ قال : «نعم» قيل : كيف حلّ له أن يشمّ الطيب ولا يشمّ الريحان؟! قال : «لأن الطيب سنّة ، والريحان بدعة للصائم» (٩) إلى غير ذلك من الأخبار ، هذا.

وأما العلّة المستفادة من رواية الحسن بن راشد بأنّه لذّة ، ويكره التلذّذ ، يفيد الكراهة مطلقاً.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٢ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٢٦٦ ح ٨٠١ ، الوسائل ٧ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ٣٢ ح ٦.

(٢) النهاية : ١٥٦.

(٣) الوسيلة : ١٤٤.

(٤) السرائر ١ : ٣٨٨.

(٥) المقنعة : ٣٥٦.

(٦) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١.

(٧) الكافي ٤ : ١١٣ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ٦٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ٣.

(٨) الفقيه ٢ : ٥٢ ح ٢٢٨ ، وص ٧١ ح ٣٠٤ ، وفيه : من تطيّب بطيب أوّل النهار.

(٩) الفقيه ٢ : ٧١ ح ٣٠٢ ، الوسائل ٧ : ٦٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ١٤.

٢٢٥

وكذلك يستفاد من روايته الأُخرى قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا صام لا يشمّ الريحان ، فسألته عن ذلك ، فقال : «أكره أن أخلط صومي بلذّة» (١) فيمكن أن يجاب عنه بأنّ المرغوب تركه هو التطيّب بقصد التلذّذ ، وأما بقصد السنّة وملاحظة تحصيل موافقة الملائكة وموافقة المؤمنين كما يستفاد من المنع عن البصل والثوم لمن دخل المسجد فلا بأس به ، بل هو سنّة.

وأما الريحان سيّما النرجس فلعلّ العلّة فيه هي مخالفة طريقة الأعاجم والمجانبة عنها ، وإن لم يقصد بها التلذّذ ، حماية للحمى ، ولعلّه لذلك خصّ المفيد الكراهة بالنرجس (٢).

وحاصل المقام أنّ هنا أُموراً ثلاثة هي مظنّة الكراهة :

أحدها : الاجتناب عن وصول شي‌ء إلى الحلق.

والثاني : التلذّذ ورفع الجوع والعطش.

والثالث : موافقة الكفار ، إذ المراد بالأعاجم هم المجوس ، فيحسن الاجتناب عن موافقتهم ولو من باب حماية الحمى ، فيمكن القول بالكراهة فيما وجد فيه شي‌ء من ذلك ، وعدمها في غيره ، والله العالم.

ومنها : استنقاع المرأة في الماء على المشهور بين الأصحاب ؛ لرواية حنان بن سدير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يستنقع في الماء ، قال : «لا بأس ، ولكن لا ينغمس فيه ، والمرأة لا تستنقع في الماء ؛ لأنّها تحمل الماء بفرجها» (٣) المحمولة على الكراهة ؛ لعدم مقاومتها للأصل والأخبار الحاصرة للمفطرات ، وليس هذا من جملتها.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧١ ح ٣٠٣ ، علل الشرائع : ٣٨٣ ح ٢ ب ١١٤ ، الوسائل ٧ : ٦٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ١٥.

(٢) المقنعة : ٣٥٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦٤ ح ٧٨٩ ، الوسائل ٧ : ٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٦ بتفاوت.

٢٢٦

وتؤيّده صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في الاكتحال المعلّلة بأنه ليس بطعام ولا شراب (١).

وعن سلار (٢) وأبي الصلاح (٣) وابن زهرة (٤) وابن البراج (٥) التحريم ، وكذا عن ظاهر المقنع (٦) والمقنعة (٧) ، وعن الأوّلين النصّ على وجوب القضاء أيضاً ، وعن الثانيين لزوم الكفّارة أيضاً ، وعن ابن زهرة التمسّك بالإجماع والاحتياط (٨).

ولعل حجّة المحرّمِين رواية حنان (٩) ، وحجّة الموجِبين للقضاء العلّة الواردة فيها بأنّها تحمل الماء بقُبلها ، وظاهر تعليل صحيحة محمّد بن مسلم ، فإنّه داخل في الشراب (١٠).

وفيه : منع مقاومة الرواية لأدلّة المشهور ، سيّما مع هجرهم ظاهرها ، ومنع كون جذب الماء إلى الجوف موجباً للقضاء مطلقاً ، ومنع إطلاق الشرب عليه حقيقة وإن كان شراباً.

وأما الإجماع المدّعى على وجوب الكفّارة فهو غريب ، مع أنّ القول به لم يعهد ؛ إلا ممن يدّعيه وسلار (١١) ، والأصل عدم وجوبها وهو مدافع للاحتياط.

ثمّ إنّ العلامة في القواعد والشهيد في اللمعة ألحقا الخنثى بالمرأة ، ولعلّه من جهة العلّة (١٢).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١١ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٥١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ١.

(٢) المراسم : ٩٨.

(٣) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١.

(٥) المهذّب ١ : ١٩٢.

(٦) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦.

(٧) المقنعة : ٣٥٦.

(٨) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١.

(٩) التهذيب ٤ : ٢٦٤ ح ٧٨٩ ، الوسائل ٧ : ٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٦.

(١٠) الكافي ٤ : ١١١ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٥١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ١.

(١١) المراسم : ٩٨.

(١٢) قواعد الأحكام ١ : ٣٧٣ ، اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٣٣.

٢٢٧

والظاهر عدم الفرق بين المشكلة وغيرها إذا كان لها فرج يحمل الماء.

وزاد الشهيد الخصي الممسوح (١) ، والظاهر أن مجبوب الذكر خاصة أيضاً كذلك ، بل الظاهر أنّ مجبوب الخصيتين فقط لا يدخل فيه ؛ لعدم العلّة.

لا يقال : إنّ الجامع مفقود ؛ لوسعة منفذ المرأة ، لما يقال : بمنع ذلك مطلقاً حتّى في البكر.

ومنها : بلّ الثوب على الجسد ؛ لروايات ، منها رواية الحسن الصيقل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول ، فقال : «لا» (٢).

ورواية عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لا تلزق ثوبك وهو رطب وأنت صائم حتّى تعصره» (٣) ومنها ما سيجي‌ء.

ويدلّ على الجواز خصوص رواية محمّد بن مسلم ، عنه عليه‌السلام ، قال : «الصائم يستنقع في الماء ، ويصبّ على رأسه ، ويتبرّد بالثوب ، وينضح المروحة ، وينضح البوريا تحته ، ولا يغمس رأسه في الماء» (٤).

ولا يضرّ بلّ الجسد وجلوس الرجل في الماء وإن كان أقوى تبريداً كما في الروضة (٥) ؛ للأصل ، وصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، ورواية الحسن بن راشد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحائض تقضي الصلاة؟ قال : «لا» ، قلت : تقضي الصوم؟ قال : «نعم» قلت : من أين جاء هذا؟ قال : «أوّل من قاس إبليس».

قال ، قلت : فالصائم يستنقع في الماء؟ قال : «نعم» قلت : فيبلّ ثوباً على جسده؟ قال : «لا» قلت : من أين جاء هذا؟ قال : «من ذاك» (٦).

__________________

(١) اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٣٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٧ ح ٨٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ ح ٣٠٠ ، الوسائل ٧ : ٦٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ١٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٦ ح ٤ ، الوسائل ٧ : ٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٦٢ ح ٧٨٥ ، الاستبصار ٢ : ٩١ ح ٢٩١ ، الوسائل ٧ : ٢٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٢.

(٥) الروضة البهيّة ٢ : ١٣٣.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٦٧ ح ٨٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٩٣ ح ٣٠١ ، الوسائل ٧ : ٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٥.

٢٢٨

ومنها : الهذر واستماعه ، والمراد به الكلام الذي لا يُعبأ به لعدم فائدة دينيّة ، بل ينبغي أن تصوم جميع جوارحه عمّا لا ينبغي ، ولا يشتغل إلا بطاعة الله ، ففي حسنة محمّد بن مسلم قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك ، وعدّ أشياء غير هذا ، وقال : لا يكون يوم صومك كيوم فطرك» (١).

وعن سيّد العابدين عليه‌السلام : أنّه إذا كان شهر رمضان لم يتكلّم إلا بالدعاء والتسبيح والاستغفار والتكبير (٢).

وروى جرّاح المدائني ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، ثمّ قال : قالت مريم (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) (٣) أي صمتاً ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا أبصاركم ، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا».

قال ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح ، ودع المراء وأذى الخادم ، وليكن عليك وقار الصيام ، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك» (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٩٤ ح ٥٥٤ ، الفقيه ٢ : ٦٧ ح ٢٧٨ ، المقنعة : ٣١٠ ، الوسائل ٧ : ١١٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٨٨ ح ٨ ، الوسائل ٧ : ٢٢٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٨ ح ١٢.

(٣) مريم : ٢٦.

(٤) الكافي ٤ : ٨٧ ح ٣ ، مصباح المتهجّد : ٥٦٩ ، الوسائل ٧ : ١١٦ أبواب آداب الصائم ب ١١ ح ٣.

٢٢٩

المقصد الخامس

فيمن يصحّ منه الصوم

وفيه مباحث :

الأوّل : لا يصحّ الصوم إلا من العاقل ، المسلم ، بل المؤمن فلا يصحّ من المجنون ، ولا الكافر ، بل المخالف.

أمّا الأوّل ، فلا إشكال فيه ؛ لعدم التكليف المقتضي لتعلّق الأمر ، المقتضي لحصول الامتثال وموافقة الأمر الذي هو معنى الصحّة.

وفيما لو عرض في أثناء النهار مع سبق النيّة وزال ؛ إشكال ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

وأمّا الثاني ، فلا إشكال فيه أيضاً ؛ لاشتراط نيّة التقرّب وإطاعة اولي الأمر منّا ، وهي لا تحصل من الكافر ، منكراً للصانع كان ، أو مشركاً ، أو أهل ملّة ، وهو لا ينافي كونه مكلّفاً ؛ للتمكّن من الإيمان الذي هو مقدّمة الواجب ، لأنه مقدور له ، فبطلت شبهة المنكر ، وهو لزوم التكليف بما لا يطاق ، إذ التكليف إنّما هو في حال الكفر ، لا بشرط الكفر.

وأمّا الثالث ، فقد مرّ في كتاب الصلاة وغيره ؛ أنّ الأصحّ عدم صحّة عباداتهم ، وأنّ

٢٣٠

ما يلحقهم بعد الإستبصار إنّما هو تفضّل من الله سبحانه وتعالى.

وأمّا الصبي المميّز ؛ فالأظهر صحّة صومه ؛ لأنّ الأظهر كون عباداته شرعيّة لا كما توهّمه الشهيد الثاني من القول بها مع نفي شرعيتها أيضاً ؛ لأنّه من باب الوضع (١) ، وقد مرّ تحقيق ذلك أيضاً في مباحث النيّة.

وأما المغمى عليه ؛ فعن الأكثر أنّه يفسد بحصول الإغماء ولو في جزء من أجزاء النهار كالجنون (٢).

وقال المفيد في المقنعة : وإذا أُغمي على المكلّف للصيام قبل استهلال الشهر ومضى عليه أيّام ثمّ أفاق كان عليه قضاء ما فاته من الأيّام ، فإن استهلّ عليه الشهر وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثمّ أُغمي عليه وقد صام شيئاً منه أو لم يصم ثمّ أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه ؛ لأنّه في حكم الصائم بالنية والعزيمة على أداء الفرض (٣).

وفي المختلف (٤) عن الخلاف : إذا نوى ليلاً وأصبح مغمى عليه حتّى ذهب اليوم صحّ صومه ، وإذا نوى الصوم من الليل وأصبح مغمى عليه يوماً أو يومين وما زاد عليه كان صومه صحيحاً ، وكذلك إن بقي نائماً يوماً أو أيّاماً ، وكذلك إذا أصبح صائماً ثمّ جنّ في بعضه ، أو مجنوناً فأفاق في بعضه ونوى ، فلا قضاء عليه (٥).

ويظهر منهما أنّ المغمى عليه إذا سبقته النية فيصحّ صومه ، وإن أطبق الإغماء يومه بل وأكثر من يومه.

حجة الأكثر : أنّ التكليف يسقط بزوال العقل وجوباً وندباً ، فلا يصحّ ؛ لعدم الأمر الموجب للصحّة ، وأنّ كلّ ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في

__________________

(١) الروضة البهيّة ٢ : ١٠١.

(٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٦٦ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٦٩٦ ، والعلامة في التذكرة ٦ : ١٠٣ ، والمنتهى ٢ : ٥٨٥ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٢٩١.

(٣) المقنعة : ٣٥٢.

(٤) المختلف ٣ : ٤٥٦.

(٥) الخلاف ٢ : ١٩٨ مسألة ٥١.

٢٣١

بعضه كالجنون والحيض ، وأنّ القضاء ساقط عن المغمى عليه ، وهو مستلزم لسقوط الأداء.

والجواب عن الأوّل : النقض بالنوم.

وعن الثاني : بالمنع ، وقياسه بالحيض باطل ، وكذا الجنون ، مع أنّ الحكم فيه أيضاً ممنوع على إطلاقه.

وعن الثالث : أنّ القضاء فرض جديد ، ويجتمع مع سقوط الأداء كصوم الحائض وثبوته ، وكذلك سقوطه مع ثبوت الأداء كالجمعة وعدم ثبوته كصلاة الحائض.

قال في المدارك ونِعمَ ما قال : الحقّ أنّ الصوم إن كان عبارة عن مجرّد الإمساك عن الأُمور المخصوصة مع النية كما هو المستفاد من العمومات وجب الحكم بصحّة صوم المغمى عليه إذا سبقت منه النيّة كما اختاره الشيخان (١) ، وإن اعتبر مع ذلك وقوعه بجميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب بحيث يكون كلّ جزء من أجزائه موصوفاً بذلك ، اتّجه القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء ؛ لأنه لا يوصف بوجوب ولا ندب ، ويلزم من فساده فساد الكلّ ؛ لأنّ الصوم لا يتبعّض إلا أن ذلك ينتفي بالأصل ، ومنقوض بالنائم ، فإنه غير مكلّف قطعاً ، مع أنّ صومه لا يفسد بذلك إجماعاً (٢) ، انتهى.

والحاصل : أنّا لا ننكر سقوط التكليف بالاستمرار في حال الإغماء ، ولكن نمنع مدخليّة استمرار التوطين على الصيام في مهيّة الصوم ، فيكفي صدق الصوم عليه في عرف المتشرّعة ؛ إذ من المشاهد أنّ المتشرّعة يحتاطون عن صبّ الدواء في حلقه تمسّكاً بأنّه صائم ، والأصل عدم النقل ، فكذلك عند الشارع ، فتتمّ بذلك ماهيّة الصوم ، سيّما على القول بكون العبادات أسامي للأعمّ من الصحيحة كما هو الأظهر

__________________

(١) المقنعة : ٣٥٢ ، المبسوط ١ : ٢٨٥.

(٢) المدارك ٦ : ١٤٠.

٢٣٢

بقي هنا شي‌ء :

وهو أنّ المستفاد من كلام الشيخين أنّ ذلك يجري في المغمى عليه أزيد من يوم (١) ، ولعلّه مبني على اكتفائهم بنيّة واحدة لتمام الشهر كما هو الأشهر الأظهر.

ولكنّه مشكل فيما نحن فيه ؛ للشكّ في صدق الصائم عليه في اليوم الثاني فصاعداً ، سيّما ومعتمدنا في مسألة كفاية النيّة الواحدة للشهر هو استمرار الداعي ، وهو مفقود هنا بالنسبة إلى اليوم الثاني والثالث ، بل بالنسبة إلى الأوّل أيضاً ، بل بالنسبة إلى جزئه أيضاً ؛ إذ المفروض أنّه لم يتسبّب بشي‌ء عند الإغماء ، لا الكفّ ولا التوطين ، ولا استمرار العدم الأزلي ، بخلاف المفيق المكتفي بالداعي إلى أيّام ، والنوم إنّما خرج بالنصّ والإجماع والأصل ، مع صدق الصوم عليه في عرف المتشرّعة ، وهذا يشمل الإغماء في بعض اليوم بل في تمام اليوم الأوّل أيضاً.

ولو لم تكن هذه المذكورات يجري الكلام في النوم أيضاً ، ولكن النصّ والإجماع وصدق الاسم إنّما يثبت فيما لو سبقته النيّة بالنسبة إلى هذا اليوم الخاص.

بقي الكلام فيما ذكره في الخلاف من ذكر النوم والجنون وأنّهما أيضاً لا يضرّان (٢) ، فأمّا مسألة النوم ، فأمّا فيما استمرّ عليه النوم ما فوق يوم إذا سبقته النيّة فالإشكال المتقدّم في المغمى عليه آتٍ فيه ، وأما في يوم واحد أو جزء يوم فلا ريب في أنّه غير مضرّ ، وعليه اتّفاق العلماء ، وتدلّ عليه الضرورة والأخبار ، بل فيها ما يدلّ على رجحانه وأنّه بمنزلة العبادة ، وكذلك لا خلاف فيه ظاهراً إذا استوعب اليوم مع سبق النيّة.

والأولى الاكتفاء في الاستدلال بذلك ، لا بتحقّق الصوم الذي هو عبارة عن الإمساك المخصوص مع النيّة ، فإنّ إجزاءه في المستوعب أو فيمن نام قبل الفجر إلى ما بعد الزوال مشكل ، فإنّ قصارى ما يكتفى به في الصوم هو استمرار الترك ، وإلا فعلى القول باعتبار الكفّ أو التوطين فالأمر أصعب ، ولكن يشكل بذلك الأمر في

__________________

(١) المذكور في المقنعة : ٣٥٢ ، والمبسوط ١ : ٢٨٥.

(٢) الخلاف ٢ : ١٩٨.

٢٣٣

الإغماء المستوعب ؛ لعدم دعوى الاتفاق عليه ، بل المشهور خلافه.

ثمّ إنّ الشهيد الثاني رحمه‌الله قال : ونقل عن ابن إدريس أنّ النائم غير مكلّف بالصوم ، وليس صومه شرعياً (١).

والظاهر أنّ مراده من الناقل العلامة في المختلف (٢) ، ونقله عنه صاحب المدارك أيضاً صريحاً (٣) ، ولم نقف على هذا الإطلاق في كتابه السرائر. وما وجدته فيه هو أنّه بعد ما نقل عبارة المبسوط المشتملة على أنّ من جملة من حصل له حكم النيّة ولم يفعل النيّة بالفعل النائم طول شهر رمضان والمغمى عليه ، فإنه لا نية لهما ، ومع ذلك يصحّ صومهما (٤) ، قال : والذي يلوح لي ويقوى في نفسي أنّ النائم الذي ذكره والمغمى عليه غير مكلّفين بالصيام ، ولاهما صائمان صياماً شرعياً ، فذكره لهما غير واضح (٥).

أقول : وظاهر العبارة تخصيص الكلام بالنائم الذي ذكره الشيخ ، لا مطلق النوم ، ولا حاجة إلى ما وجّه كلامه به في المدارك من أنّ مراده أنّ الإمساك في حال النوم لا يوصف بوجوب ولا ندب ، فلا يوصف بالصحّة ولكنه بحكم الصحيح في استحقاق الثواب عليه ؛ للإجماع القطعي على أنّ النوم لا يبطل الصوم (٦). بل ليس مراده ذلك جزماً ، بل مراده أنّ صوم النائم المذكور باطل كما يظهر من كلامه بعد ذلك في المغمى عليه والنائم طول الشهر.

والظاهر أنّ نظر ابن إدريس أيضاً إلى ما ذكرنا من عدم بقاء الداعي في المفروض ، وإلا فهو أيضاً ممن يكتفي بنية واحدة لتمام الشهر.

وقال في المختلف بعد نقله عنه : وهو غلط ؛ لأنّه بحكم الصائم ، ولا يسقط عنه

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٣ ، وانظر السرائر ١ : ٣٦٥.

(٢) المختلف ٣ : ٤٥٨.

(٣) المدارك ٦ : ١٤١.

(٤) المبسوط ١ : ٢٨٥.

(٥) السرائر ١ : ٣٦٥ ، وانظر المبسوط ١ : ٢٨٥.

(٦) المدارك ٦ : ١٤١.

٢٣٤

التكليف بنومه ؛ لزوال عذره سريعاً (١).

وتبعه الشهيد الثاني رحمه‌الله في المسالك (٢) ، وفصّله ، وفرّق بين النوم والإغماء والسكر والجنون ، بأنّ النوم من الجبلّة والعادة يزول سريعاً ولا يزيل العقل ، بل إنّما هو يغطّي الحواس ، ولا يخرج عن أهليّة التكليف ، ولذلك يتنبّه إذا نبّه ، بخلاف الجنون والسكر ، بل الإغماء على الأصحّ ، فلذلك لا تبطل العبادات التي ليست مشروطة بالطهارة الصغرى ، كالإحرام والاعتكاف وغيرها.

ثمّ قال : فإن قيل : النائم غير مكلّف ؛ لأنّه غافل ، ولقوله : «رفع القلم عن ثلاثة» (٣) وعدّ منهم النائم حتّى يستيقظ ، وقد أطبق المحقّقون في الاصول على استحالة تكليفه ، وذلك يقتضي عدم وقوع الجزء الحاصل وقت النوم شرعياً ؛ لأنّه غير مكلّف به ، ويلحقه باقي النهار ؛ لأنّ الصوم لا يقبل التجزئة في اليوم الواحد ، وأولى منه ما لو نوى ليلاً ثمّ نام مجموع النهار ، وهذا يؤيّد ما ذكره ابن إدريس ، بل يقتضي عدم جواز النوم اختياراً على الوجه المذكور.

قلنا : تكليف النائم والغافل وغيرهما ممن يفقد شروط التكليف ؛ فقد ينظر فيه من حيث الابتداء به ، بمعنى توجّه الخطاب إلى المكلّف بالفعل وأمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب ، وقد ينظر فيه من حيث الاستدامة ، بمعنى أنّه لو شرع في الفعل قبل النوم والغفلة وغيرهما ثمّ عرض له ذلك في الأثناء.

والقسم الأوّل لا إشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق ، من غير فرق فيه بين أنواع الغفلة ، وهذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأُصوليين وغيرهم امتناعه كما يرشد إلى ذلك دليلهم عليه ، وإن أطلقوا الكلام فيه ؛ لأنّهم احتجّوا عليه بأنّ الإتيان بالفعل المعيّن لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به ، المستلزم

__________________

(١) المختلف ٣ : ٤٥٨.

(٢) المسالك ٢ : ٤٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٦ ح ٢٠٧ ، ثواب الأعمال : ٧٥ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ٢٩٢ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١٧.

٢٣٥

للعلم بتوجّه الأمر نحوه ، فإن هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعاً ؛ إذ لا تتوقّف صحّتها على توجّه الذهن إليها ، فضلاً عن إيقاعها على الوجه المطلوب ، كما سنبيّنه.

وأما الثاني ، فالعارض قد يكون مخرجاً عن أهليّة الخطاب والتهيؤ له أصلاً ، كالجنون والإغماء ، على أصحّ القولين ، وهذا يمنع استدامة التكليف ، كما يمنع ابتداءه.

وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم والسهو والنسيان مع بقاء العقل ، وهذه المعاني وإن منعت من ابتداء التكليف بالفعل ، لكن لا تمنع من استدامته ، إذا وقع على وجهه وإن استلزمت إبطاله من حيثيّة أُخرى ، كالنوم المبطل للصلاة لأمن حيث هو غفلة ونقص عن فهم الخطاب ، بل من حيث نقضه للطهارة التي هي شرط للصلاة ، ومن ثمّ لو ابتدأ الصلاة على وجهها ثمّ عرض له في أثنائها ذهول عنها بحيث أكملها وهو لا يشعر بها ، أو نسي وفعل منها أشياء على غير وجهها ، أو ترك بعضها ممّا هو ليس بركن ونحو ذلك لم تبطل الصلاة إجماعاً ، مع أنّه يصدق عليه أنّه في حالة النسيان والغفلة غير مكلّف.

وكذا القول في الصوم كما لو ذهل عن كونه صائماً في مجموع النهار مع نيّة الصوم ، بل لو أكل وشرب وجامع ذاهلاً عن الصوم وغير ذلك من المنافيات لم يبطل الصوم إجماعاً ، وهي مع مشاركتها للنوم في عدم التكليف حالتها أعظم منافاة للصوم منه (١) ، إلى آخر ما ذكره ، ومن هذا النمط لا نطيل بذكره.

أقول : ولا يخفى ما في هذا الكلام من التكلّف الظاهر ، وفيه مواضع تأمّل ونظر ، أما أوّلاً فقوله : «إنّه لا يزيل العقل» إن أراد أنّ القوة العاقلة القائمة بالنفس لا تزول ، فهو مسلّم ، ولكنه لا ينفع في شي‌ء مما يتعلّق بفعليّة التكليف ، مع أنّه أيضاً قابل للمنع ، وتؤيّده صحيحة عبد الله بن المغيرة ، عن الرضا عليه‌السلام : «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد

__________________

(١) انتهى المنقول من المسالك ٢ : ٤٣.

٢٣٦

الوضوء» (١) وفي معناها حسنة زرارة (٢) وغيرها (٣).

وإن أُريد أنّ الإدراك الذي هو مناط التكليف لا يزول فهو غريب ، وكون النوم جبلّة وعادة وسريع الزوال وغير ذلك مما ذكره لا ينفع في صحّة الخطاب والتكليف في هذا الحين.

قوله : «فإنّ هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة» إلى أخره ، فيه : أنّ حاصل دليلهم أنّ العبادة مشروطة بالنية ، أي القصد إلى الفعل المعيّن امتثالاً لأمر الله ، فإنّ طاعة المولى لا تحصل إلا بقصد طاعته عرفاً ، وهذا هو معنى النية ، والإتيان بالفعل لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم بتوجّه الأمر إليه ، وهو لا يتصوّر من الغافل الذاهل ، فلا يصح تكليفه ، بل يقبح ؛ لأنه بمنزلة خطاب الجماد ، فما ذكره من أنّ هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد بمنزلة التصريح منه رحمه‌الله بعدم اشتراط جميع أجزاء العبادة بالنيّة ، والظاهر أنّه خلاف إجماعهم ، بل هم متفقون على اشتراطها ، ولكن لمّا لم يمكن إخطار النيّة في الأثناء دائماً ولم يتيسر أقاموا الاستدامة الحكميّة مقامها ، بل هي عين النيّة ، فإنّ التحقيق أنّ النيّة هي الداعي إلى الفعل ، لا المخطر بالبال ، وهو الذي يحرّكه إلى جانب الحركات والسكنات المخصوصة التي هي أجزاء العبادات مع ذهوله وغفلته عن إخطارها بالبال ، فكلّ من يفعل الفعل على حسب الداعي فهو ما لم يتوجّه الأمر إليه إجمالاً وعلى وجه من وجوه الالتفات ، وهذا القدر كافٍ في الخروج عن الغفلة والذهول.

وأما لو تحرّى عن ذلك أيضاً ، بأن نوى شيئاً مخالفاً للطاعة ومنافياً لها ، فلا ريب أنّه فاقد للداعي ، وليست عبادته صحيحة ، واشتباهه رحمه‌الله إنّما نشأ من الغفلة عن

__________________

(١) التهذيب ١ : ٦ ح ٤ ، الاستبصار ١ : ٧٩ ح ٢٤٥ ، الوسائل ١ : ١٨٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٨ ح ١٢ ، الوسائل ١ : ١٧٧ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢. قال : والنوم حتّى يذهب بالعقل.

(٣) الوسائل ١ : ١٨٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٣.

٢٣٧

تحقيق النية وكفاية الاستدامة الحكميّة فيها.

فالتحقيق : أنّ الغفلة والذهول في الأثناء أيضاً مضرّ ، ولا وجه لما ذكره من التفصيل ، وإنّما خرج مثل النوم والإغماء أيضاً إن جعلناه مثل النوم كما هو الأظهر في مثل الصوم بالدليل ، بمعنى أنّ الله تعالى يقبل مثل ذلك عن صوم اليوم ، بل هو صوم ، كما فيمن عنّ له الصيام وقت ارتفاع النهار ، لا أنّه في هذا الان مكلّف ومخاطب باستمرار الصوم واستدامته ، ولا أنّه يمكن أنّ تتحقق بعض العبادات بلا نيّة وبدون قصد الامتثال.

قوله رحمه‌الله : «وهذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتداءه» فيه : أنّا وإن سلّمنا ذلك في استدامته ، لكن الحكم ببطلان صوم من جنّ لحظة في أثناء اليوم ثم أفاق مع سبق النية ممنوع ، وقد عرفت ذهاب الشيخ إلى صحّته في الخلاف (١) ، وكذلك الإغماء كما مرّ.

قوله : «وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم» فيه : أنّه أوّل الكلام ، وهل ذلك إلا محل النزاع ؛ إذ المعتبر هو قابلية التكليف بالفعل ، وهو ممنوع في النائم ، ولا فرق في الغفلة حال النوم بينه وبين المغمى عليه ، والقول بأنّه غير مضرّ من جهة النصّ والإجماع معنى آخر ، وليس مراده رحمه‌الله جزماً ، فهذا عدول منه عن أوّل كلامه ، والتحقيق ما مرّ من الاعتماد على النصّ والإجماع وصدق الصائم عليه مضافاً إلى الأصل.

قوله رحمه‌الله : «وإن استلزمت إبطاله من حيثيّة أُخرى» فيه : أنّ قولك بأنّ النائم قابل للتكليف في الصلاة واتّصاف صلاته بالصحّة ، ولكن النصّ دلّ على أنّ النوم من نواقض الطهارة ، والصلاة مشروطة بها ، فبطلت من هذه الجهة ، ليس بأحرى من قولنا الصائم النائم غير مكلّف في حال النوم ، وغير قابل لمخاطبته باستمرار الصوم ، ولكن

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٩٨ مسألة ٥١.

٢٣٨

النصّ دلّ على أنّ مثل هذا الانقطاع في الأثناء غير مضرّ.

قوله رحمه‌الله : «ثمّ عرض له في أثنائها ذهول عنها». فيه : أنّ هذا قياس مع الفارق ؛ إذ ذلك إنّما هو لأجل الداعي ومصاحبته له إجمالاً ، وإن لم يخطره بالبال تفصيلاً ، ولذلك يجي‌ء بالأفعال على وجهها ، وليس ذلك موجوداً في حال النوم جزماً ، وهذا واضح.

قوله : «وترك بعضها مما هو ليس بركن» هذا من أجل النصّ والدليل والخارج ، وإلا فمن البيّن الواضح أنّ من لم يأتِ بجزءٍ من المركّب لم يأت بنفس المركب.

قوله : «إنّه في حالة النسيان والغفلة غير مكلّف» لا يخفى أنّ الغفلة عن إخطار النيّة بالبال ليست غفلة عن الصلاة ، وكذلك الغفلة عن جزء منها ليست غفلة عنها ، مع أنّ عدم البطلان حينئذٍ إنّما هو بالنصّ والدليل الخارجي.

قوله : «بل لو أكل أو شرب» إلى أخره ، كلّ ذلك إنّما هو بالنصّ والدليل الخارجي ، فهو بمنزلة التخصيص ، ولا كلام فيه.

إذا عرفت هذا : فظهر أنّ النوم في بعض اليوم مع سبق النيّة غير مضرّ إجماعاً ، وكذلك إذا نام تمام اليوم كما صرّح في المدارك بأنّه اتّفاقيّ (١) ، والأصل وصدق الصوم والإطلاق يعضده ، وأنّه إذا نام أياماً مع سبق النيّة لا يصحّ في غير اليوم الأوّل على الأظهر ؛ لأنّ الّذي نعتبره من نيّة تمام الشّهر في أوّله هو ما إذا استمرّ الدّاعي ولا يتمّ ذلك إلا مع الإفاقة ، ومنه يظهر حال الإغماء المطبق عليه أياماً.

وأمّا الإغماء في بعض اليوم ؛ فالأظهر أنّه غير مضرّ ، وكذا ما إذا أحاط اليوم على إشكال فيه.

وأما الجنون إذا سبقته النيّة وأفاق في ذلك اليوم سواء أصبح مجنوناً أو طرأه في الأثناء ، فلا يبعد القول بصحّته أيضاً كما ذهب إليه في الخلاف (٢) ، واستقربه في المدارك

__________________

(١) المدارك ٦ : ١٤١.

(٢) الخلاف ٢ : ١٩٨ مسألة ٥١.

٢٣٩

أيضاً (١) ، هذا كلّه مع سبق النّية.

وأمّا لو لم تسبقه النّية وأصبح نائماً حتّى زالت الشّمس فلا يصحّ ، ويجب عليه القضاء ، وفي وجوب الكفّارة إذا تعمّد تركها قولان ، أظهرهما العدم ؛ للأصل ، والقول بالوجوب كما نقله الشّهيد في البيان عن بعض مشايخه ، نظراً إلى أنّ ترك الشّرط أقوى من فعل المفطر كالأكل والشّرب (٢) ضعيف ، ويظهر منه الكلام في الإغماء ، وسيجي‌ء الكلام في لزوم القضاء وعدمه ، وأمّا المجنون فلا ريب في بطلانه إذا لم يفق قبل الزّوال ويجدّد النّيّة.

وأمّا فعل ما يوجب السكر والإغماء إن أمكن بدون إفطار فلعلّه أيضاً لا يوجب البطلان إن سبقته النيّة.

وأما السكران في الليل فلا يسقط عنه التكليف ؛ لأنّه أوجبه بنفسه. ولا يبعد وصفه بالصحّة مع سبق النيّة على إشكال تقدّم في المغمى عليه.

وأما بدون سبق النية فلا يصح منه جزماً ، ولكن الظاهر أنّه مكلّف ، ولا قبح في مثله ؛ لكونه هو الباعث على فقد الشرط ، ويؤيّده ما روي عن عليّ عليه‌السلام : «أنّ الرّجل إذا شرب الخمر سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فاجلدوه حدّ المفتري» (٣).

وكذا الأخبار الواردة في أنّ حرمته لتأديته إلى المعاصي والآثام (٤) ، ولعلّ ذلك يكون كافياً في إيجاب القضاء عليه بل الكفّارة أيضاً على إشكال ؛ للأصل ، ولأنّه كالعامد في ترك الصيام.

الثاني : لا يصحّ الصوم من الحائض والنفساء وإن حصل العذر قُبيل غروب الشّمس أو زال بُعَيد طلوع الفجر بلا خلاف فيه ، بل الظاهر أنّه إجماع العلماء كافّة ،

__________________

(١) المدارك ٦ : ١٤١.

(٢) البيان : ٣٦٠.

(٣) الكافي ٧ : ٢١٥ ح ٧ ، التهذيب ١٠ : ٩٠ ح ٣٤٦ ، الوسائل ١٨ : ٤٦٧ أبواب حدّ المسكر ب ٣ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٧ : ٢٣٧ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٩.

٢٤٠