غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

فساد ظنّه ، أتم صومه ، ووجب عليه القضاء عند أكثر علمائنا (١) ، وهو قول العامة ، هكذا قال في التذكرة ، ثمّ قال : وللشيخ قول آخر أنّه يمسك ولا قضاء عليه (٢) و (٣).

أقول : ونقل هذا القول في المدارك عن الصدوق في الفقيه وجمع من الأصحاب ، واختاره هو رحمه‌الله (٤) وبعض من تأخّر عنه (٥).

وعن ابن إدريس أنّه قال : من ظنّ أنّ الشمس قد غابت لعارضٍ يعرض في السماء من ظُلمة أو قتام ولم يغلب على ظنّه ذلك ثم تبيّن الشمس بعد ذلك ؛ فالواجب عليه القضاء دون الكفّارة ، وإن كان مع ظنّه غلبة قويّة فلا شي‌ء عليه من قضاء ولا كفّارة ؛ لأن ذلك فرضه ؛ لأنّ الدليل قد فقد ، فصار تكليفه في عباداته غلبة ظنّه ، فإن أفطر لاعن أمارة وظنّ فيجب عليه القضاء والكفّارة (٦).

وفي المختلف مال إلى القول الأوّل بعد توقّفه أوّلاً (٧).

ويظهر من المسالك : أنّ هنا قولاً آخر حصل من الجمع بين الأخبار ، وهو وجوب القضاء على من تمكّن من المراعاة ولم يراع (٨).

وهو قول الشهيد في اللمعة ، فإنّه قال فيها بوجوب القضاء إذا حصل له الظنّ بدخول الليل مع ترك المراعاة مع إمكانها ، ولا قضاء عليه مع المراعاة في صورة الإمكان ، ولا مع عدمها في صورة عدم الإمكان ، ونَسب القول بعدم القضاء في صورة حصول الظنّ لظلمة موهمة مع عدم المراعاة إلى القيل مشعراً بتمريضه (٩).

__________________

(١) كالصدوق في الفقيه ٢ : ٧٥ ، والمفيد في المقنعة : ٣٥٨ ، والشيخ في النهاية : ١٥٥ ، والمبسوط ١ : ٢٧٢ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ٥٧٨ ، وأبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٠ ذ. ح ٨١٥ ، الإستبصار ٢ : ١١٦.

(٣) التذكرة ٦ : ٧٢.

(٤) المدارك ٦ : ٩٥ وانظر الفقيه ٢ : ٧٥.

(٥) كصاحب الذخيرة : ٥٠٢.

(٦) السرائر ١ : ٣٧٧.

(٧) المختلف ٣ : ٤٣٢.

(٨) المسالك ٢ : ٢٨.

(٩) اللمعة (الروضة البهية) ٢ : ٩٣.

١٦١

وجعل في المسالك أيضاً قول ابن إدريس أيضاً من مقتضى الجمع بينهما ، بحمل ما دلّ على لزوم القضاء على ما كان الظنّ ضعيفاً ، والآخر على ما كان قويّاً (١).

أقول : ولا يخفى بعد التأمّل في الأخبار ، والإنصاف أنّ كلّها من باب واحد ، وهو ما حصل الظنّ بسبب العارض ، وأن فرض التمكّن من المراعاة وتركه في صورة حصول الظنّ من غشيان السحاب وحصول الغيم الذي أظلم حتّى حصل الظنّ بالليل نادر لا تنصرف إليه الإطلاقات.

فيكون مورد الأخبار هو عدم التقصير في المراعاة ، أو ما يشمل صورة التقصير أيضاً.

ولا استبعاد في وجوب القضاء لو انكشف الفساد حينئذٍ إذا قام الدليل ، فالشأن في إقامة الدليل ، والكلام في ترجيح الأدلّة.

فما يدلّ من الأخبار على القول الأوّل هو ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح على الأظهر ، عن أبي بصير وسماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنّه الليل ، فأفطر بعضهم ، ثمّ إنّ السحاب قد انجلى ، فإذا الشمس ، فقال : «على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله عزوجل يقول (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٢) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ؛ لأنّه أكل متعمّداً» (٣).

وأما ما يدلّ على القول الثاني فكثير ، منها صحيحتا زرارة المتقدّمتان (٤).

ومنها رواية أبي الصباح الكناني وكثيراً ما يصف هذا السند بالصحة

__________________

(١) انظر المسالك ٢ : ٢٨ ، والسرائر ٢ : ٣٧٧.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٠ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ ح ٨١٥ ، الوسائل ٧ : ٨٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٠ ح ١.

(٤) الاولى في التهذيب ٤ : ٣١٨ ح ٩٦٨ ، والوسائل ٧ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٢ ، والثانية في الفقيه ٢ : ٧٥ ح ٣٢٧ ، والتهذيب ٤ : ٢٧١ ح ٨١٨ ، والاستبصار ٢ : ١١٥ ح ٣٧٦ ، والوسائل ٧ : ٨٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ١.

١٦٢

في المختلف قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ، ثم إنّ السحاب قد انجلى ، فإذا الشمس لم تغب ، فقال : «قد تمّ صومه ولا يقضيه» (١).

ورواية زيد الشحّام عنه عليه‌السلام : في رجل صائم ظنّ أنّ الليل قد كان ، وأنّ الشمس قد غابت ، وكان في السماء سحاب ، فأفطر ، ثمّ إنّ السحاب انجلى ، فإذا الشمس لم تغب ، فقال : «تم صومه ولا يقضيه» (٢).

والصدوق رحمه‌الله أخذ بهذه الأخبار ، وردّ رواية سماعة ؛ لأنّه واقفي (٣).

والشيخ في الاستبصار حمل الرواية الأُولى على صورة الشك (٤) ، وربّما قدح بعضهم في سندها ؛ لمكان العبيدي (٥).

وربما قدح بعضهم في دلالة صحيحة زرارة الثانية على عدم وجوب القضاء ؛ بأن قوله عليه‌السلام «مضى» بمعنى سقط وتلف ، يعني مضى من يده (٦).

والحقّ ؛ أنّ هذه الإشكالات كلّها ضعيفة ، ودلالة الأخبار على الطرفين واضحة ، ولا يخلو كلّ من الطرفين من إسناد معتبرة.

وكون سماعة واقفياً مع تسليمه غير مضرّ ؛ لحجية الموثّق ، مع أنّ في الكافي والتهذيب رواه عن أبي بصير أيضاً (٧) ، والأظهر فيه الصحة كما وصفه به في المختلف أيضاً (٨).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٥ ح ٣٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ ح ٨١٦ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ ح ٣٧٤ ، الوسائل ٧ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧١ ح ٨١٧ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ ح ٣٧٥ ، الوسائل ٧ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٥ ذ. ح ٣٢٨.

(٤) الاستبصار ٢ : ١١٦.

(٥) المدارك ٦ : ٩٦.

(٦) المدارك ٣ : ٩٩ ، وانظر الحدائق ١٣ : ١٠٦.

(٧) الكافي ٤ : ١٠٠ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ ح ٨١٥.

(٨) المختلف ٣ : ٤٣٢.

١٦٣

وقوله عليه‌السلام : «فرأوا أنّه الليل» ظاهر في الظنّ ، مع أنّ في بعض النسخ فظنّوا.

وكذا العبيدي أظهره الصحّة (١) ، فلا بدّ من الرجوع إلى الترجيح.

فما يرجّح القول الأوّل أكثريّة القائلين به ، وأشهريته ، وكون روايته معلّلة ، لكن التعليل بكونه أكل متعمّداً لا يخلو من شي‌ء ، سيّما ولو كان كذلك للزمت الكفّارة أيضاً ، وهم لا يقولون به ، بل ظاهرهما الاتفاق كما يظهر من المسالك (٢).

ويضعفه أيضاً كونه موافقاً للعامة كما نقله في التذكرة (٣) ، ونقل فيها روايتهم عن حنظلة قال : كنّا في شهر رمضان وفي السماء سحاب ، فظننا أنّ الشمس قد غابت ، فأفطر بعضنا ، فأمر من كان أفطر أن يصوم مكانه (٤).

ومما يرجّح القول الأخر كثرة الأخبار ، واعتبار أسنادها ، وموافقتها للأصل ، والاعتبار ، والموافقة لنفي الحرج والعسر والملّة السمحة السهلة ، ومخالفتها للعامة ، فلم يبقَ في الطرف الأوّل إلا أكثرية القائل ، وليس ذلك بحدّ يغلب على تلك المرجّحات القوية ، مع أنّ هذا القول ليس بشاذ ، بل القائل به أيضاً كثير ، فلا يبعد حمل رواية الأوّلين على التقيّة.

والأقوى عدم وجوب القضاء.

وأمّا الكفّارة فلا دليل عليها إلا إشعار قوله عليه‌السلام : «لأنّه أكل متعمّداً» (٥) وقد عرفت ضعفه.

بقي الكلام فيما ذهب إليه ابن إدريس من الفرق بين مراتب الظنون (٦) ، وهو غير ظاهر الوجه ؛ لعدم انضباط مراتب الظنّ حتّى يجعل بعضها غالباً وبعضها غير ذلك ،

__________________

(١) انظر معجم رجال الحديث رقم ١١٥٠٨ و ١٥٣٩٠.

(٢) المسالك ٢ : ٢٩.

(٣) التذكرة ٦ : ٧٢.

(٤) سنن البيهقي ٤ : ٢١٧ ، وانظر التذكرة ٦ : ٧٢.

(٥) الوارد في خبر أبي بصير وسماعة المتقدّم.

(٦) السرائر ١ : ٣٧٧.

١٦٤

بل الظنّ كلّه غالب كما أشار إليه في المسالك (١) ، مع أنّ المذكور في الأخبار هو مطلق الظنّ.

وقال في المختلف : ومنشأ خياله هذا ما وجده في كلام شيخنا أبي جعفر أنّه متى غلب على ظنّه لم يكن عليه شي‌ء ، فتوهّم أنّ غلبة الظنّ مرتبة اخرى راجحة على الظنّ ، ولم يقصد الشيخ ذلك ، فإنّ الظنّ هو رجحان أحد الاعتقادين ، وليس للرجحان مرتبة مخصوصة محدودة تكون ظنّاً وأُخرى تكون غلبة الظنّ.

ثمّ قوله : «إن أفطر لاعن أمارة ولا ظنّ وجب عليه القضاء والكفّارة» خطأ ؛ لأنّه لو أفطر مع الشكّ لوجب عليه القضاء خاصّة ، فهذا كلّه كلام من لا يحقّق شيئاً (٢) ، انتهى.

أقول : وهذه العبارة الموهمة موجودة في كلام غير ابن إدريس أيضاً ، مثل عبارة المحقّق في الشرائع ، فإنّه عدّ أُموراً يجب فيها القضاء فقط ، وقال في آخرها : والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل ، فإن غلب على ظنّه لم يفطر (٣).

وقد جعل في المسالك أحد معاني العبارة التفاوت بين مراتب الظنّ كما ذكره ابن إدريس بإرادة الظنّ من الوهم كما هو أحد معانيه لغة (٤).

والأظهر عندي أنّ مراده رحمه‌الله من الإفطار للظلمة الموهمة هو ما لم يحصل معه الظنّ ، فيكون الوهم في كلامه بمعنى الغلط كما هو أحد معانيه اللغوية أيضاً (٥).

فاتباع الظلمة المغلطة موجب للإفطار الموجب للقضاء ، وما حصل منه الظنّ مستثنى من أقسامه بسبب النصوص ، ولذلك قال : فإن غلب على ظنّه لم يفطر ، يعني لم يحكم بكونه مفطراً ، وإن استبان خطأه ، فيكون مختاره رحمه‌الله في

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٨.

(٢) المختلف ٣ : ٤٣٤ ، وانظر الاستبصار ٢ : ١١٦.

(٣) الشرائع ١ : ١٧٣.

(٤) المسالك ٢ : ٢٨ ، وانظر الصحاح ٥ : ٢٠٥٤ ، والمصباح المنير : ٦٧٤.

(٥) المصباح المنير : ٦٧٤.

١٦٥

المسألة عدم وجوب القضاء ، بخلاف مختاره في المعتبر (١).

وعلى ذلك تنزّل عبارة التذكرة (٢) وغيرها.

وأصرح العبارات في ذلك عبارة اللمعة ، حيث قال : وقيل لو أفطر لظلمة موهمة ظانّاً فلا قضاء (٣).

والكلام في العبارات سهل ، وإنّما المهم تحقيق أصل المسألة ، فأمّا الكلام في صورة حصول الظنّ فقد عرفته.

وأما في صورة الوهم والشكّ المصطلحين ؛ فلم نقف في الأخبار على ما يدلّ عليه ، ومقتضى العمومات لزوم القضاء عليه ؛ لأنّه غير مأذون فيه.

بل وهو كذلك لو لم ينكشف كونه في النهار ، كما ذكره في المسالك (٤) ، واختاره في التذكرة (٥).

بل لزوم الكفّارة أيضاً كما أشار إليه أيضاً في المسالك (٦).

وإن كان لجهل بالحرمة ، فقد مرّ حكم الجاهل.

وأما لو انكشف كونه في الليل ففيه إشكال ، والظاهر عدم وجوب القضاء كما صرّح به في التذكرة ؛ لصحته في الأصل وعدم طروء المفسد (٧).

وأما الكفّارة ؛ ففي سقوطها حينئذٍ إشكال ، من جهة هتك الحرمة ، وعدم صدق الإفطار ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الكلام فيمن ظنّ الدخول في الليل ، وله طريق إلى العلم كذلك ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٧٨.

(٢) التذكرة ٦ : ٧٢.

(٣) اللمعة الدمشقيّة (الروضة البهيّة) ٢ : ٩٣ والقائل هو الشيخ في التهذيب ٤ : ٢٧٠ ، والاستبصار ٢ : ١١٦ ، والنهاية : ١٥٥ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ١٧٣ ، والعلامة في الإرشاد ١ : ٢٩٧.

(٤) المسالك ٢ : ٣٠.

(٥) التذكرة ٦ : ٧٣.

(٦) المسالك ٢ : ٣٠.

(٧) التذكرة ٦ : ٧٣.

١٦٦

كما ذكره في المسالك أيضاً ، قال : ويظهر من المتأخّرين أنّه لا كفّارة في هذه الصورة ، وقد عرفت ما فيه ، والوجهان إتيان فيمن أفطر في يوم يعتقده من شهر رمضان ، ثمّ تبيّن أنّه العيد ، أو أفطر المسافر قبل تحقّق بلوغ الترخّص ، ثمّ ظهر له أنّه في محلّه ، أو ظنّ أنّ سفره بعد الزوال فأفطر ثمّ تبين أنّها لم تزل ، وعدم الكفّارة في الجميع متوجّه وإن حصل له الإثم (١) ، انتهى ، وتمام الكلام فيه سيجي‌ء بعد ذلك.

الثاني عشر : كفّارة شهر رمضان : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكيناً.

واختلفوا في أنّه مخيّر فيها ، أو مرتّبة على الترتيب المذكور ، فتتعين الاولى مع القدرة ، ثمّ الثانية مع العجز عن الاولى ، ثمّ الثالثة هكذا.

والأشهر الأظهر المدّعى عليه الإجماع من السيّد في الانتصار (٢) وابن زهرة (٣) هو الأوّل ؛ للأصل ؛ والأخبار المستفيضة ، منها موثّقة أبي بصير المتقدّمة في مسألة من أصبح جنباً متعمّداً (٤).

ومنها : روايته الأُخرى المتقدّمة في مسألة الاستمناء (٥).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : «يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكيناً ، فإن لم يقدر على ذلك تصدّق بما يطيق» (٦).

وموثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن معتكف واقع أهله ، قال :

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٠.

(٢) الانتصار : ٦٩.

(٣) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ ح ٦١٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ح ٢٧٢ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٢٠ ح ٩٨١ ، الوسائل ٧ : ٢٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٠٥ ح ٥٩٤ ، الوسائل ٧ : ٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.

١٦٧

«عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبة ، أو صوم شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً» (١).

وهناك روايات كثيرة اكتفي فيها بإحدى الخصال ، وهي لا تلائم الترتيب ، بل هي أوفق بالتخيير ، فلاحظها (٢).

وذهب ابن أبي عقيل إلى الترتيب (٣).

وعن الشيخ في الخلاف أنّه حكاهما روايتين ، إلا أنّه قال : وخبر الأعرابي يقوي الترتيب (٤) ، والظاهر أنّه أراد بخبر الأعرابي رواية عبد المؤمن الاتية.

وذكروا في دليله الاحتياط ، ورواية عبد المؤمن بن الهيثم الأنصاري ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : «إنّ رجلاً أتى النبيّ فقال : هلكت وأهلكت ، فقال : ما أهلكك؟ فقال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم ، فقال له النبيّ : أعتق رقبة ، قال : لا أجد ، قال : فصم في شهرين متتابعين ، فقال : لا أُطيق ، قال : تصدّق على ستّين مسكيناً ، قال : لا أجد ، فأتى النبيّ بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعاً ، من تمر ، فقال له النبيّ : خذها وتصدّق بها ، فقال : والذي بعثك بالحقّ ، ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منّا ، فقال : خذه وكله أنت وأهلك ، فإنّه كفّارة لك» (٥).

وحسنة جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سئل عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً ، فقال : «إنّ رجلاً أتى النبيّ فقال : هلكت يا رسول الله ، فقال : مالك؟ فقال : النار يا رسول اللهُ ، فقال : ومالك؟ قال : وقعت على أهلي ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٢ ح ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ ح ٤٢٥ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨.

(٣) نقله عنه في المختلف ٣ : ٤٣٨ ، والتذكرة ٦ : ٥٢.

(٤) الخلاف ٢ : ١٨٦ مسألة ٣٢.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٢ ح ٣٠٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٥.

المكتل : الزنبيل الكبير ، مجمع البحرين ٥ : ٤٦٠ مادة كتل. لابتيها يعني المدينة المنوّرة ، ولابتاها : الحرتان اللتان تحيطان بها. مجمع البحرين ٢ : ١٦٨ مادة لوب.

١٦٨

قال : تصدّق واستغفر ربّك ، فقال الرجل : فوالذي عظم حقّك ما تركت في البيت شيئاً لا قليلاً ولا كثيراً ، قال : فدخل رجل من الناس بمكتل تمر فيه عشرون صاعاً يكون عشرة أصوع بصاعنا ، فقال له رسول الله : خذ هذا التمر فتصدّق به ، فقال يا رسول الله : على من أتصدّق به وقد أخبرتك أنّه ليس في بيتي قليل ولا كثير ، قال : فخذه وأطعمه عيالك واستغفر الله عزوجل» قال : فلما رجعنا قال أصحابنا : إنّه بدأ بالعتق ، قال : «أعتق ، أو صم ، أو تصدّق» (١).

ورواية المشرقي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً ، ما عليه من الكفّارة؟ فكتب : «من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم» (٢) فإنّها تدلّ على تعيّنه عليه.

والجواب عن الرواية الأُولى : بعد ضعفها ، أنّها ليست بنصّ في الترتيب في التكليف ، بل إنّما هو ترتيب في إلقاء الحكم ، ولعلّه عليه‌السلام ابتدأ بما ابتدأ لأجل الأفضليّة.

سلّمنا الدلالة ، لكنها لا يعارض بها ما قدّمناه من الأخبار المعتبرة الصريحة في التخيير (٣) ؛ لموافقتها لجمهور الأصحاب ، ومخالفتها لأكثر العامة (٤) ، ووافقنا في التخيير ؛ مالك (٥) ، ورووا رواية دالّة عليه عن أبي هريرة (٦) ، وأما أبو حنيفة والشافعي وغيرهما فذهبوا إلى الترتيب ، واستدلّوا بحكاية الأعرابي المتقدّمة ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٢ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ ح ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ ح ٢٤٥ ، الوسائل ٧ : ٢٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ ح ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ ح ٣١١ ، الوسائل ٧ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١١.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨.

(٤) كأبي حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي ، انظر بدائع الصنائع ٥ : ٩٦ ، والمبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، والمغني ٣ : ٦٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، والمجموع ٦ : ٣٣٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، وبداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، والتذكرة ٦ : ٥٢.

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٢ ح ٨٣ ، ٨٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥.

١٦٩

ولموافقتها للأصل ونفي العسر والحرج ، وأكثريتها وأصحيّتها وأوضحيّتها ، فنحملها على الاستحباب.

وأما الرواية الثانية : فالأمر بالتصدّق يدلّ على وجوب الابتداء بالعتق ، وحملها على أنّهُ كان يعلم عجزه عن الآخرين تأويل ، وليس بأولى من إرادة ذكر أحد أفراد الواجب المخيّر.

وأما آخر الرواية ؛ فنقل حكاية جميل قول أصحابه في معنى حديث مرسل ، ولا حجية فيه ، وكأنه أراد أنّي لم أسمع إلا حكاية التصدّق ، ولكن أصحابنا قالوا : إنّه بدأ بالعتق إلى أخره.

مع أنّه لا دلالة في الابتداء بالعتق على تعيّنه ، فلعله للفضيلة ، مضافاً إلى أنّ كلمة «أو» ظاهرة في التخيير.

وأما الثالثة : فمع تسليم سندها ، فهو أعمّ من التعيين ، فلعلّه في الأفضليّة.

سلّمنا ؛ لكنها معارضة بالأخبار الكثيرة التي عيّن فيها غيره (١) ، مع أنّ بعضها لا يقبل التأويل بأنّه من جهة أنّ الإمام كان يعلم عجزه عن غيره ، مثل أنّ الراوي سأل عن رجل فعل كذا ؛ فقال : يكفّر كذا ؛ لأنّ ذلك سؤال عن صورة فرضه.

هذا كلّه مع ما عرفت من أنّ التوجيه والتأويل في هذه الأخبار ألصق وأنسب وأولى من جهة قربه هنا دون أخبارنا ، ومن جهة أنّ إرجاع الأضعف إلى الأقوى متعيّن ، ولا يجوز العكس.

ثمّ إنّهم اختلفوا في ثبوت الفرق بين الإفطار بالمحرّم والمحلّل ، وعدمه ، فظاهر إطلاق الأكثر عدم الفرق ، ونسبه العلامة إلى المشهور في المختلف (٢).

وذهب جماعة من الأصحاب إلى الفرق ، وهو مذهب الصدوق (٣) والشيخ

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨.

(٢) المختلف ٣ : ٤٤٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٣ ح ٣١٧.

١٧٠

في كتابي الأخبار (١) وابن حمزة (٢) والعِمة في الإرشاد والقواعد (٣) ، وولده في شرحه (٤) ، وفي جواب مسائل المهنّا بن سنان ، ويحيى بن سعيد في الجامع (٥) ، والشهيد في الدروس واللمعة (٦) ، والشهيد الثاني في المسالك والروضة (٧) ، ونسبه الفاضل المتقي في شرحه على الفقيه إلى المشهور بين المتأخّرين ، واختاره (٨) ، وهذا أقوى.

لنا : ما رواه الصدوق ، عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري ، عن عليّ بن محمّد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال ، قلت له : يا ابن رسول الله عليه‌السلام قد روي عن آبائك «فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات ، وروى عنهم أيضاً كفّارة واحدة ، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال : «بهما جميعاً ، متى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالاً فعليه كفّارة واحدة» رواه في باب الكفارات من الفقيه وفي العيون ومعاني الأخبار (٩).

وقال في كتاب الصوم من الفقيه : وأما الخبر الذي روي فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً أنّ عليه ثلاث كفارات فإنّي أفتي به فيمن أفطر بجماع محرّم عليه ؛ أو بطعام محرّم عليه ، لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي رضي‌الله‌عنه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٨ ذ. ح ٦٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ ذ. ح ٣١٥.

(٢) الوسيلة : ١٤٦.

(٣) الإرشاد ١ : ٢٩٨ ، القواعد ١ : ٣٧٨.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٢٣٣.

(٥) الجامع للشرائع : ١٥٦.

(٦) الدروس ١ : ٢٧٣ ، اللمعة (الروضة البهيّة) ٢ : ١٢٠.

(٧) المسالك ٢ : ٢٣ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٠.

(٨) روضة المتّقين ٣ : ٣٢٦.

(٩) الفقيه ٣ : ٢٣٨ ح ١١٢٨ ، عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ٣١٤ ح ٨٨ ، معاني الأخبار : ٣٨٩ ح ٢٧.

١٧١

فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمَّد بن عثمان العمري قدس الله روحه (١).

وهذا يشهد بأنّ هنا رواية أُخرى عن صاحب الزمان ظاهرة الصحّة ، والرواية الأُولى أيضاً ظاهرة الصحّة كما وصفها بها العلامة في كفارات التحرير (٢) ، والشهيد الثاني في المسالك والروضة (٣).

والتأمّل في عبد الواحد كما قال في المختلف أنّه لا يحضره الان حاله ، ولو كان ثقة لكانت الرواية صحيحة يتعيّن العمل بها (٤) ، لا وجه له ، مع ملاحظة كونه معتمد الصدوق وشيخه ، وروى عنه بلا واسطة ، وقال بعد ذكره «رضوان الله تعالى عليه» (٥) إذ لا يحصل الظنّ بالتوثيق من عدل أزيد مما يحصل من ذلك.

وأما عليّ بن محمّد بن قتيبة ، فيظهر من العلامة في هذه العبارة من المختلف توثيقه (٦) ، وكذلك من الشهيد الثاني (٧) وغيره (٨) ، مع أنّه ممن اعتمد عليه الكشي كما صرّح به النجاشي (٩).

وأمّا عبد السلام فهو أبو الصلت الهروي ، ولا ريب في توثيقه (١٠).

وما يظهر من العلامة في باب الكنى من أنّه عاميّ ينافي ذكره في باب المعتمدين بلا إشكال (١١).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٣ ح ٣١٧.

(٢) تحرير الأحكام ٢ : ١١٠.

(٣) المسالك ٢ : ٢٣ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٢٠.

(٤) المختلف ٣ : ٤٤٨.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٣٨ ح ١١٢٨ ، التوحيد : ٢٤٢ ح ٤ ، وص ٢٦٩ ح ٤ ، وص ٤١٦ ح ١٦ ، عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٢١ ح ١.

(٦) المختلف ٣ : ٤٤٨.

(٧) المسالك ٢ : ٢٣ ، وانظر «الطبعة الحجرية» ج ٢ : ٧٨.

(٨) نقل العلامة الرواية في التحرير ٢ : ١١٠ وعبّر عنها بالصحيحة ، ويظهر منه التوثيق.

(٩) رجال النجاشي : ٢٥٩.

(١٠) انظر معجم رجال الحديث رقم ٦٥٠٤ و ٦٤٩٦.

(١١) رجال العلامة الحلّي : ٢٦٧.

١٧٢

مع أنّه يظهر من الروايات التي نقلها الكشي أنّ العامّة وثّقوه ولم يعيبوا عليه بشي‌ء إلا التشيّع ومحبّة آل الرسول اللهُ (١).

فلعلّ غفلة من غفل مثل ابن داود في أواخر كتابه مع تصحيحه قبل ذلك في موضعين (٢) إنّما كان لأجل كونه متقياً ، وهذا الجمع أولى من الجمع بكونه عاميا ثقة حتى يكون موثّقاً ، مع أنّ الموثّق أيضاً حجّة.

ولعلّ مراد الصدوق رحمه‌الله بالخبر الذي ذكره هو موثقة سماعة ، قال : سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمّداً فقال : «عليه عتق رقبة ، وإطعام ستّين مسكيناً ، وصيام شهرين متتابعين ، وقضاء ذلك اليوم ، وأنّى له مثل ذلك اليوم» (٣).

ورواه الشيخ في التهذيب وأوّله بتأويلين ، أحدهما : كون «الواو» بمعنى «أو» كما في (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ).

والثاني : بإتيان أهله في حال تحريم الوطء كحال الحيض ، وحال الظهار قبل الكفّارة ، واستشهد عليه برواية الهروي (٤).

فطرح هذه الروايات الثلاث المفصّلة أو إخراجها من الظاهر وحملها على الاستحباب مع اعتبارها وموافقتها للاعتبار وعمل كثير من الأصحاب ، مع أنّه ليس في طرف الخلاف إلا الأصل والإطلاقات وترك الاستفصال في غاية الإشكال ، فالأظهر العمل على التفصيل.

وأما رواية الفتح بن يزيد الجرجاني المرويّة في العيون والخصال (٥) ، وستأتي في مسألة وجوب تكرّر الكفّارة بتكرّر المفطر ، فهي لا تنافي ما ذكرنا كما يظهر بالتأمّل.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨٧٢ ح ١١٤٨ و ١١٤٩.

(٢) رجال ابن داود : ١٢٩ / ٩٥٧ ، وص ٢٥٧ / ٣٠٦ / وص ٢١٩ / ٥٥ ، وص ٣١٣ / ١٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٨ ح ٦٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ ح ٣١٥ ، الوسائل ٧ : ٣٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠٨ ح ٦٠٤ ، وقوله «مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ» إشارة إلى الآية ٤ من سورة النساء.

(٥) عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ٢٥٤ ح ٣ ، الخصال : ٤٥٠ ح ٥٤ ، الوسائل ٧ : ٣٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١١ ح ١.

١٧٣

ثمّ إنّه لا فرق في المحرّم بين الأصلي كأكل الميتة ، ولحم الخنزير ، والزنا ، والاستمناء المحرّم ، وغبار ما لا يجوز تناوله كالتراب ، أو العارضي كوطء الزوجة في حال الحيض أو حال الظهار قبل الكفّارة ونحوها.

ويشكل الكلام في الغبار ؛ لأن المذكور في الرواية أنّ كفّارته صيام شهرين ، والتمسّك بعدم القول بالفصل مشكل.

وقد يعدّ من تناول المحرّم ابتلاع نخامة الرأس إذا صارت في فضاء الفم ، وهو ضعيف ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

الثالث عشر : قد عرفت أنّه لا خلاف في وجوب الكفّارة في النذر المعيّن واختلفوا في قدرها.

ولما كانت الأقوال متواردة على مطلق النذر ، فلنتكلّم على مطلقه ، ففيه أقوال عديدة :

فالمشهور أنّ كفّارة خُلف النذر والعهد كفّارة شهر رمضان مخيّرة ، سواء كان المنذور صوماً أو غيره ، وادّعى السيد في الانتصار الإجماع على وجوب القضاء وما يجب على من أفطر يوماً من شهر رمضان من الكفّارة على من أفطر صوم النذر المعيّن (١).

وذهب الصدوق إلى أنّها كفّارة يمين (٢).

ونقل ابن إدريس عن السيد في المسائل الموصليات التفصيل بأنّه إن كان المنذور صوماً معيّناً فأفطره فكفّارة رمضان ، وإلا فكفّارة يمين (٣) ، وارتضاه جماعة من الأصحاب (٤).

__________________

(١) الانتصار : ٦٩.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٣٢ ذ. ح ١٠٩٥.

(٣) السرائر ٣ : ٧٤.

(٤) كالعلّامة في التحرير ٢ : ١٠٩.

١٧٤

وقال في الإرشاد : الأقرب أنّ خلف نذر الصوم كرمضان ، وخلف نذر غيره كاليمين ، وكذا العهد (١).

والفرق بين التفصيلين ظاهر.

وعن الكرخي وسلار أنّ كفّارة خلف النذر هي كفّارة ظهار (٢) ، وهو يقتضي الترتيب.

وقال السيد في الانتصار : ومما انفردت به الإماميّة أنّ من خالف النذر حتّى فات فعليه كفّارة ، وهي عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكيناً ، وهو مخيّر في ذلك ، فإن تعذّر عليه الجميع كان عليه كفّارة يمين (٣).

والأقوى قول المشهور ؛ لما رواه الشيخ ، عن عبد الملك بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «من جعل لله عليه أن لا يركب محرّماً سمّاه فركبه ، قال : ولا أعلم إلا قال : فليعتق رقبة ، أو ليصم شهرين متتابعين ، أو ليطعم ستّين مسكيناً» (٤).

والظاهر أنّ الرواية صحيحة ؛ لأنّه ليس فيها من يتأمّل فيه الله عبد الملك بن عمرو (٥) ، والظاهر عدم الإشكال فيه لوجوه :

منها : أنّ الكشي روى في الصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن عبد الملك بن عمرو قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّي لأدعو لك حتّى اسمّي دابتك ، أو قال : أدعو لدابتك» (٦).

والقدح في ذلك بأن ذلك شهادة لنفسه فلا تسمع ، يدفعه أنّ رواية ابن أبي عمير عنه

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٩٧.

(٢) المراسم : ١٨٧ ونقله عنهما في المسالك ١٠ : ٢٢.

(٣) الانتصار : ٦٤.

(٤) التهذيب ٨ : ٣١٤ ح ١١٦٥ ، الاستبصار ٤ : ٥٤ ح ١٨٨ ، الوسائل ١٥ : ٥٧٥ أبواب الكفّارات ب ٢٣ ح ٧ بتفاوت.

(٥) انظر معجم رجال الحديث رقم ٧٣٠٥ و ٧٣٠٦.

(٦) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٦٨٧ رقم ٧٣٠.

١٧٥

تشهد بصدق الحديث فيكون الحديث معتبراً ، وهذا المدح مع صحّته لا يقصر عن التوثيق ، بل أكبر منه.

ومنها : أنّ جماعة من الفضلاء المحقّقين وصفوا هذه الرواية بالصحّة ، مثل العلامة رحمه‌الله في المختلف (١) ، وولده (٢) ، والشهيد الأوّل في غاية المراد والدروس (٣) وغيرهما ، والمحقّق ابن فهد في المهذّب (٤) ، وبعض من تأخّر عنهم (٥) ، فهذا في معنى التوثيق من هؤلاء ، فلا وجه للتأمل.

ومنها : أنّ الراوي عنه في هذا السند ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، وهما ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، وقد قالوا في شأن ابن أبي عمير ما قالوا (٦).

فهذه الرواية مع عمل جمهور الأصحاب ، بل ادّعاء الإجماع عليه من السيّد في أوّل الأمر يعيّن العمل عليها.

وحجّة الصدوق : روايات ، منها صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يجعل عليه نذراً ولا يسمّيه ، قال : «إن سمّيت فهو ما سميت ، وإن لم تسمّ شيئاً فليس بشي‌ء ، فإن قلت : لله عليّ ، فكفّارة يمين» (٧).

ورواية حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن كفّارة النذر ، قال : «كفّارة النذر كفّارة اليمين» (٨).

وأما دليل التفصيل : فهو الجمع بين الأخبار ، بحمل صحيحة ابن عمرو على

__________________

(١) المختلف (طبعة مركز الإعلام الإسلامي) ٨ : ٢٣٥.

(٢) إيضاح الفوائد ٤ : ٧٨.

(٣) غاية المراد (الطبعة الحجرية) : ٢٦١ ، الدروس ٢ : ٢ : ١٧٧.

(٤) المهذّب البارع ٣ : ٥٥٥.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ١٠ : ١٧.

(٦) انظر معجم رجال الحديث رقم : ١٤٩٩٦ و ١٠٠١٦.

(٧) الفقيه ٣ : ٢٣٠ ح ١٠٨٧ ، الوسائل ١٦ : ١٨٥ أبواب النذر والعهد ب ٢ ح ٥.

(٨) الكافي ٧ : ٤٥٧ ح ١٣ ، الوسائل ١٥ : ٥٧٥ أبواب الكفّارات ب ٢٣ ح ٤.

١٧٦

الصوم ، وحمل صحيحة الحلبي على غيره ، مؤيّداً بمناسبة الصوم للصوم ، وبروايات وردت في خصوص الصوم ، مثل رواية القاسم بن الفضيل ، أنّه كتب إليه : يا سيّدي رجل نذر أنّ يصوم يوماً لله تعالى ، فوقع في ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفّارة؟ فأجابه : «يصوم يوماً بدل يوم ، وتحرير رقبة مؤمنة» (١) ومثل رواية عليّ بن مهزيار (٢) ، ورواية الحسين بن عبيدة (٣).

وفيه : مع أنّ تلك الأخبار ضعيفة لا دليل فيها على ذلك ؛ إذ تحرير الرقبة موجود في كلتي الكفّارتين.

مع أنه تضعفه صحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي إنّي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب وقرأته : «لا تتركه إلا من علّة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض ، إلا أن تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كلّ يوم على سبعة مساكين ، نسأل الله التوفيق لما يحبّ ويرضى» (٤).

فإنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ كفّارة الصوم ليست كفّارة رمضان ، بل الظاهر أنّها كفّارة يمين ، والظاهر أنّ السبعة تصحيف عشرة ، ويشهد له أنّ الصدوق في المقنع ذكر لفظ عشرة بدل سبعة (٥) ، ومن دأبه ذكر متون الأخبار والإفتاء بمضمونها.

والحاصل : أنّ التفصيل ضعيف ؛ لأنّ مطلق الجمع بين الأخبار لا دليل عليه ، وليس في الأخبار ما يدلّ عليه.

فبقي الكلام في الترجيح بين قول الصدوق والمشهور ، ولا ريب أنّ الترجيح مع

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٦ ح ٨٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٢٥ ح ٤٠٦ ، الوسائل ٧ : ٢٧٧ أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ٧ ح ٣ عن القاسم الصيقل بدل عن القاسم بن الفضيل.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥٦ ح ١٢ ، التهذيب ٤ : ٢٨٦ ح ٨٦٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢٥ ح ٤٠٧ ، الوسائل ٧ : ٢٧٧ أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٣٠ ح ١٠٢٩ ، الوسائل ٧ : ٢٧٧ أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٦ ح ٨٦٧ ، الاستبصار ٢ : ١٢٥ ح ٤٠٨ ، الوسائل ٧ : ٢٧٧ أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ٧ ح ٤.

(٥) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦.

١٧٧

المشهور ، فإنّ كثرة الأخبار الدالّة على كفّارة اليمين ، مع انفراد الصدوق ، وهجر أكثر الأصحاب العمل عليها مما يضعفها ، ويظهر من الانتصار أنّ ذلك مذهب الإماميّة (١) ، ولا يبعد أنّ يكون مخالفه مما ورد من باب التقيّة.

ومن الغريب أنّ الشهيد الثاني رحمه‌الله قوّي رواية الحلبي بتأيّدها برواية حفص بن غياث ، وقال : وهو وإن كان عاميّاً إلا أنّ الشيخ قال : إنّ كتابه معتمد ، وباتفاق روايات العامة الّتي صححوها عن النبيّ ، قال : وهي وإن لم تكن حجّة إلا أنّها لا تقصر عن أن تكون مرجحة (٢) ، انتهى.

وأنت تعلم أنّ هذا مؤيّد لما ذكرنا ، وهو من المضعفات لقول الصدوق ، وبالجملة الكلام في الخلف في الصوم الذي هو مما نحن فيه ، سيّما في إفطار اليوم المعيّن نذره ظاهر.

ولا ينبغي التأمل في أنّ الأقوى قول المشهور ، سيّما مع ملاحظة الإجماعين المذكورين في الانتصار ، وكذلك في غير الصوم ، وفي الصوم مع التخلّف عنه بغير الإفطار الأقوى قول المشهور ؛ لأنّه لا يقاوم صحيحة الحلبي ، ورواية غياث لصحيحة ابن عمرو مع اشتهار العمل بها ، ولا يضرّها إشعار لفظها بالتردّد مع ملاحظة فهم الأصحاب.

وأما دليل التفصيل الأخير ، فهو الإجماع الذي نقله المرتضى ، وهو مقتضى حسنة جميل بن صالح ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : «كلّ من عجز عن نذر نذره فكفّارته كفّارة يمين» (٣) ، وحمل في المختلف صحيحة الحلبي وما في معناها على ذلك (٤) ، وكذلك غيره (٥) ، ولا بأس به.

__________________

(١) الانتصار : ٦٤.

(٢) المسالك (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٧٨.

(٣) الإستبصار ٤ : ٥٥ ب ٣٥ ح ٧.

(٤) المختلف (طبعة مركز الإعلام الإسلامي) ٨ : ٢٣٦.

(٥) كالشيخ في التهذيب ٨ : ٣٠٦ ذ. ح ١١٣٦ ، والاستبصار ٤ : ٤٥٥ ذ. ح ١٩٤.

١٧٨

وأما كفّارة العهد ، فهو أيضاً مثل النذر عند المشهور ؛ لرواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل عاهد الله في غير معصية ، ما عليه إن لم يفِ بعهده؟ قال : «يعتق رقبة ، أو يتصدق بصدقة ، أو يصوم شهرين متتابعين» (١).

ورواية أبي بصير ، عن أحدهما عليه‌السلام ، أنّه قال : «من جعل عليه عهد الله وميثاقه فيأمر لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً» (٢).

الرابع عشر : تتكرّر الكفّارة إذا تكرّر الموجب في يومين أو أكثر ، سواء كفّر عن الأوّل أم لا بإجماع علمائنا ، كما نقله في التذكرة والمنتهى (٣) ، ونفى عنه الخلاف في المبسوط (٤) كما نقله في المختلف (٥).

واختلفوا في تكرّرها بتكرّره في يومٍ واحد ، فعن الشيخ في المبسوط أنّه قال : ليس لأصحابنا فيه نصّ ، والذي يقتضيه مذهبنا أنّه لا تتكرّر الكفّارة (٦) ، وهو المنقول عن ابن حمزة (٧) وجماعة من الأصحاب (٨) ، واختاره المحقّق (٩) ، وهو المنقول عن أبي حنيفة والشافعي ومالك (١٠).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣٠٩ ح ١١٤٨ ، الاستبصار ٤ : ٥٥ ح ١٨٩ ، الوسائل ١٥ : ٥٧٦ أبواب الكفّارات ب ٢٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٨ : ٣١٥ ح ١١٧٠ ، الاستبصار ٤ : ٥٤ ح ١٨٧ ، الوسائل ١٥ : ٥٧٦ أبواب الكفّارات ب ٢٤ ح ٢

(٣) التذكرة ٦ : ٨٤ مسألة ٤٨ ، المنتهي ٢ : ٥٨٠.

(٤) المبسوط ١ : ٢٧٤.

(٥) المختلف ٣ : ٤٤٩.

(٦) المبسوط ١ : ٢٧٤.

(٧) الوسيلة : ١٤٦.

(٨) التذكرة ٦ : ٨٤.

(٩) المعتبر ٢ : ٦٨٠.

(١٠) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢١٨ ، المجموع ٦ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٥.

١٧٩

وعن السيد رحمه‌الله أنّها تتكرّر بتكرّر الوطء (١).

وعن ابن الجنيد : أنّه إن كفّر عن الأوّل كفّر ثانياً ، وإلا فتكفيه كفّارة (٢) ، ونقله في التذكرة عن أحمد بن حنبل ، وقال : لا بأس به ، وتوقّف فيما لو اختلف جنس المفطر كالوطء والأكل (٣).

وقال في المختلف : قال ابن أبي عقيل : ذكر أبو الحسن زكريا بن يحيى صاحب كتاب شمس المذهب عنهم عليه‌السلام : أنّ الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامداً فعليه القضاء والكفّارة ، فإن عاود إلى المجامعة في يوم ذلك مرّة أُخرى فعليه في كلّ مرّة كفّارة.

ثمّ قال فيه : والأقرب عندي أنّه إن تغاير جنس المفطر تعدّدت الكفّارة سواء اتحد الزمان أو لا ، كفّر عن الأوّل أو لا ، وإن اتحد جنس المفطر في يوم واحد ؛ فإن كفّر عن الأوّل تعدّدت الكفّارة ، وإلا فلا (٤).

وقال في المسالك : لا ريب في تكرّرها مع اختلاف الأيّام مطلقاً ، وأما في اليوم الواحد فالأصحّ تكررها بتكرّر الجماع ، ومع تخلل التكفير ، ومع اختلاف نوع الموجب ، وأما مع اتفاقه فقال في الدروس : لا يتكرّر قطعاً (٥) ، وفي المهذّب إجماعاً (٦) ، واختار المحقّق الشيخ عليّ تكرّرها مطلقاً (٧) ، وهو الأصحّ إن لم يكن قد سبق الإجماع على خلافه ، والأكل والشرب مختلفان ويتعدّدان بالازدراد ، والجماع بالعود بعد النزع (٨) ، انتهى كلامه رحمه‌الله.

ولم نقف في هذا الباب على نصّ سوى ما نقله في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه نقله

__________________

(١) حكاه عنه الطوسي في الخلاف ٢ : ١٨٩ مسألة ٣٨ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٦٨٠.

(٢) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٦٨٠ ، والتذكرة ٦ : ٨٦.

(٣) التذكرة ٦ : ٨٦ ، وانظر المغني ٣ : ٧٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٦٤ ، والمجموع ٦ : ٣٣٧ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٤) المختلف ٣ : ٤٥٠.

(٥) الدروس ١ : ٢٧٥.

(٦) المهذّب البارع ٢ : ٤٦.

(٧) جامع المقاصد ٣ : ٧٠.

(٨) المسالك ٢ : ٣٦.

١٨٠