غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

الثالث : إن قلنا بالتحريم فقط ؛ فالثمرة حصول العقاب ونقص الكمال.

وجَعَلَ في المسالك من ثمراتها بطلان الفعل الارتماسيّ حينئذٍ ؛ لأنّ النهي تعلّق بجزء العبادة (١).

وفيه إشكال من وجهين :

الأوّل : إنّ النسبة بين حُرمة الارتماس ودليل الغُسل عموم من وجه ، ولا دليل على استحالة اجتماعهما حينئذٍ كما حقّقناه في الأُصول (٢).

والثاني : منع كون رمس الرأس جزءاً ، بل إنّما هو إيصال الماء إلى كلّ جزء جزء من الرأس ، ورمسه في الماء مباح ، والحرام إنّما هو جمع الكلّ فيه ، وكونه جزء الغسل ممنوع ، كذا ذكره بعض الأفاضل (٣).

وقال في المدارك : يتمّ البطلان إذا وقع الغسل حال الارتماس وحال الاستقرار ، وأما لو وقع في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء ، فإنّه يجب الحكم بصحّته ؛ لأنّ ذلك واجب محض لم يتعلّق به نهي أصلاً ، فينتفي المقتضي للفساد (٤).

أقول : ويشكل إذا تعمّد الارتماس عالماً بحرمته ؛ لصيرورته بنفسه سبباً لذلك ، فلا يستحيل التكليف بما لا يطاق ، وإن قيل : إنّ هذا ليس بارتماس ، فيخرج عن المسألة.

وأما الناسي ؛ فلا إشكال في صحّة غسله ، كما لا إشكال في صحّة صومه على القول بالإفساد.

وأما الجاهل ؛ فإن كان غافلاً عن المسألة وعن وجوب تحصيلها إجمالاً وتفصيلاً فكذلك ، وإلا فالظاهر أنّه كالعامد ، كما حقّقناه في الأُصول ، مع إشكال في الكفارة على القول بها.

__________________

(١) المسالك ٢ : ١٧.

(٢) القوانين ١ : ١٥٣.

(٣) الحدائق ١٣ : ١٤٠.

(٤) المدارك ٦ : ٥١.

١٠١

الخامس : يجب الإمساك عن إيصال الغُبار إلى الحلق عمداً سواء كان بقصد ذلك بالذات ، أو بأن يقوم في مقام يوجب ذلك من دون اضطرار.

وقيّده الأكثر بالغليظ ، والمستند أعم.

وحدّ الحلق : مخرج الخاء المعجمة.

وهو مُفسد للصوم عند أكثر الأصحاب ، بل يظهر من التذكرة أنّه مذهب علمائنا ، حيث نسب الخلاف إلى الجمهور (١) ، وعن ابن زهرة أنّه ادّعى عليه الإجماع ، إلا أنّه عبّر بالشم الموجب لوصول شي‌ء إلى الجوف (٢) ، وكذلك عن ابن إدريس في القضاء (٣).

قال في المنتهي : وعلى قول السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه ينبغي عدم الإفساد بذلك (٤).

والظاهر أنّ مراده من قوله هو عدم الإفساد بأكل غير المعتاد كما اختاره في الجمل (٥)

والحقّ أنّه على قول المشهور من إفساد غير المعتاد لا يندرج ذلك فيه ، فإنّه أكل غير معتاد ؛ لأنّ المأكول غير معتاد ، فالتمسّك بأنّه نوع من المتناولات فيفطر ضعيف ، وإن كان يمكن التأييد به.

فحجّة المشهور : هي رواية سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان ، أو استنشق متعمّداً ، أو شمّ رائحة غليظة ، أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له مفطر كالأكل

__________________

(١) التذكرة ٦ : ٢٥ ، وانظر المجموع ٦ : ٣٢٧ ، والمبسوط للسرخسي ٣ : ٩٨ ، والمهذّب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، والمغني ٣ : ٤٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٨.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧١.

(٣) السرائر ١ : ٣٧٧.

(٤) المنتهي ٢ : ٥٦٥.

(٥) الجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٤.

١٠٢

والشرب والنكاح» (١).

ويظهر من المحقّق في المعتبر التوقّف ؛ لإضمار الرواية (٢).

والأقوى هو المشهور ؛ لانجبار ضعف الرواية بعملهم ، ولا يضرّ ضعف الرواية ولا إضمارها ، بل كلّما كانت الرواية أضعف يصير الاعتماد عليها مع العمل أقوى ، وكذلك لا يضرّ اشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب من حكاية المضمضة والاستنشاق.

وأما شمّ الرائحة الغليظة فهو مما ليس مهجوراً عندهم ، بل جعله الشيخ في النهاية (٣) وابن البرّاج (٤) مما يوجب القضاء والكفارة إذا وصلت إلى الجوف ، مع أنّ الشيخ في المبسوط جعل ذلك مقتضى الروايات (٥) ، وهو مشعر بكثرتها.

وأما ما يدلّ على المنع (٦) ؛ فهو الأصل ، وصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، فإنّ الغبار ليس بطعام ولا شراب.

وموثّقة عمرو بن سعيد ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه ، قال : «جائز لا بأس به» قال : وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ، قال : «لا بأس به» (٧).

وفيه : أنّ الأصل لا يقاوم الدليل ، والصحيحة ليست باقية على عمومها كما مرّ ، والموثّقة لم تدلّ على تعمّد الإيصال ، بل هي ظاهرة في دخوله من دون الاختيار.

ومع التسليم فهجر الأصحاب هذه مع كونها أوضح سنداً وأسلم من كثيرٍ ممّا في

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٤ ح ٦٢١ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ ح ٣٠٥ ، الوسائل ٧ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٥٤.

(٣) النهاية : ١٥٤.

(٤) المهذّب ١ : ١٩٢.

(٥) المبسوط ١ : ٢٧١.

(٦) يعني : منع الإفساد للصوم.

(٧) التهذيب ٤ : ٣٢٤ ح ١٠٠٣ ، الوسائل ٧ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ح ٢.

١٠٣

مستندهم أدلّ دليل على عدم اعتبارها.

وأما الكفارة ؛ فظاهر الأكثر وجوبها (١) ، وبعضهم اكتفى بذكر القضاء (٢) ، وبعضهم صرّح بعدمها كابن إدريس ، قال : وأما غبار النفض ، فالذي يقوى في نفسي أنّه يوجب القضاء دون الكفارة إذا تعمّد الكون في تلك البقعة من غير ضرورة ، فأمّا إذا كان مضطراً إلى الكون في تلك البقعة وتحفّظ واحتاط في التحفّظ ؛ فلا شي‌ء عليه من قضاء وغيره (٣) ، انتهى.

ولما كان المستند هو رواية سليمان فالأظهر الوقوف مع الأكثر.

ثم إنّ ظاهرهم عدم الفرق بين ما لو كان الغبار من حلال كالدقيق ، أو غيره كالتراب.

وتقييدهم بالغليظ إن كان غرضهم الاحتراز عما لا يحسّ حصوله في الحلق فلا بأس به ، وأما مع حصوله في الحلق سيّما بحيث يخرج شي‌ء محسوس منه بالتنحنح فلا فرق بين الغليظ وغيره.

ثمّ إنّه يشكل الأمر في مثل الحصاد المستلزم لذلك غالباً ، فإن تركه مستلزم للضرر العظيم ، وارتكابه في الليل موجب لذلك والعسر الشديد ، والظاهر أنّه مع التحفّظ مهما أمكن غير مضرّ وإن وصل إلى حلقه شي‌ء.

وألحق جماعة من المتأخّرين الدخان الغليظ الذي فيه أجزاء تتعدّى إلى الحلق (٤) ، وهو أحوط.

السادس : يجب الإمساك عن البقاء على الجنابة عمداً إلى الصباح سواء نوى

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧١ ، الاقتصاد : ٢٨٧ ، الخلاف ٢ : ١٧٧ مسألة ١٧ ، المختلف ٣ : ٤٠٤.

(٢) المقنعة : ٣٥٩ ، الكافي في الفقه : ١٨٣ ، المدارك ٦ : ٧٨.

(٣) السرائر ١ : ٣٧٧.

(٤) نسبه إلى المتأخّرين في المدارك ٦ : ٥٢ ، وانظر المعتبر ٢ : ٦٥٤ ، والذخيرة : ٤٩٩.

١٠٤

أن يغتسل بعد الفجر أو نوى أن يشرع في الغسل في وقت لا يقع تمامه قبل الفجر أو لا ؛ فإنّ كلّ ذلك في معنى تعمّد البقاء على الجنابة ، ومفسد للصوم ، وموجب للكفارة ، وهو المشهور المعروف من مذهب الأصحاب ، وفي الانتصار والوسيلة والسرائر أنّه إجماعي (١) ، ونقل ذلك عن الخلاف والغنية وكشف الرموز أيضاً (٢) ، وهو الظاهر من العلامة في التذكرة والمنتهى في الإفساد (٣).

وعن الصدوق في المقنع : القول بعدم الوجوب ، حيث قال : سأل حمّاد بن عثمان أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل ، وأخّر الغسل إلى أن يطلع الفجر ، فقال له : «قد كان رسول اللهُ يجامع نساءه من أوّل الليل ، ويؤخّر الغسل حتّى يطلع الفجر ، لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب : يقضي يوماً مكانه» (٤).

ونقل عنه رحمه‌الله أنّ عادته في هذا الكتاب نقل متون الأخبار والإفتاء بها. ومال إليه المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله (٥).

وذهب ابن أبي عقيل إلى وجوب القضاء فقط (٦) ، والأقوى الأوّل.

لنا : الإجماعات المنقولة ، والأخبار المعتبرة المستفيضة جدّاً ، مثل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال في رجل احتلم أوّل الليلة أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمّداً في شهر رمضان حتّى أصبح قال : «يتمّ صومه ذلك ثمّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربّه» (٧).

__________________

(١) الانتصار : ٦٣ ، الوسيلة : ١٤٢ ، السرائر ١ : ٣٧٧.

(٢) الخلاف ٢ : ١٧٤ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٠ ، كشف الرموز ١ : ٢٨٤.

(٣) التذكرة ٦ : ٤٩ ، المنتهي ٢ : ٥٦٥.

(٤) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦ ، الوسائل ٧ : ٣٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٣ ، أقشاب جمع قشب ، وهو من لا خير فيه من الرجال (مجمع البحرين ٢ : ١٤٣).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٣٥.

(٦) نقله عنه في المختلف ٣ : ٤٠٧.

(٧) الكافي ٤ : ١٠٥ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ١.

١٠٥

وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح ، قال : «يتمّ يومه ويقضي يوماً ، وإن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه وجاز له» (١).

وصحيحة معاوية بن عمّار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتّى يصبح في شهر رمضان ، قال : «ليس عليه شي‌ء» قلت : فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح ، قال : «يقضي ذلك اليوم عقوبة» (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما» ، قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثمّ ينام قبل أن يغتسل ، قال : «يتمّ صومه ويقضي ذلك اليوم ، إلا أن يستيقظ قبل الفجر ، فإن انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضي يومه» (٣).

وصحيحة أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان ، أو أصابته جنابة ، ثمّ ينام حتّى يصبح متعمّداً ، قال : «يتمّ ذلك اليوم وعليه قضاؤه» (٤).

وموثّقة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمّداً حتّى أصبح ، قال : «يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً» قال ، وقال : «إنّه حقيق أن لا أراه يدركه أبداً» (٥)

__________________

(١) في الفقيه ٢ : ٧٥ ح ٣٢٣ ، والتهذيب ٤ : ٢١١ ح ٦١٢ صومه بدل يومه ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ح ٢٦٩ ، وفي الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ٢ ، ثمّ يستيقظ ثمّ ينام ثمّ يستيقظ ثمّ ينام.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٢ ح ٦١٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ح ٢٧١ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١ ، وفيها : فليقض.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٥ ح ٢ وفيه : يصيب الجارية ، التهذيب ٤ : ٢١١ ح ٦١٣ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ح ٢٧٠ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١١ ح ٦١٤ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ح ٢٦٨ ، الوسائل ٧ : ٤٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٢١٢ ح ٦١٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ح ٢٧٢ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٢. وفي بعضها : لخليق ، بدل حقيق.

١٠٦

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان ، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتّى أدرك الفجر ، قال : «عليه أن يتمّ صومه ، ويقضي يوماً آخر» فقلت : إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان؟ قال : «فليأكل يومه ذلك وليقض ، فإنّه لا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور» (١).

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد ، عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم قال ، فقال : «إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان فلا يتمّ (٢) حتّى يغتسل ، وإن أجنب ليلاً في شهر رمضان ، فليس له أن ينام إلا ساعة حتّى يغتسل ، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكيناً وقضاء ذلك اليوم ويتمّ صيامه ، ولن يدركه أبداً» (٣).

ورواية سليمان بن جعفر (٤) المروزي ، عن الفقيه عليه‌السلام ، قال : «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولم يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم» (٥) إلى غير ذلك من الأخبار.

حجّة القول الأخر : الأصل ، وقوله تعالى (حَتّى يَتَبَيَّنَ) (٦) فإنّه غاية للأُمور الثلاثة ، والأخبار المعتبرة ، مثل صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل وأخّر الغسل حتّى يطلع الفجر ، قال : «يتمّ صومه ولا قضاء عليه» (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١١ ح ٦١١ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ح ٢٦٧ ، الوسائل ٧ : ٤٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) في التهذيب والوسائل : فلا ينم ، وفي الاستبصار : فليس له أن ينام.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٢ ح ٦١٨ ، وص ٣٢٠ ح ٩٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ح ٢٧٤ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٤.

(٤) في التهذيب وبعض نسخ الاستبصار حفص ، وهو الأصوب ، انظر معجم رجال الحديث رقم ٥٤١٨.

(٥) التهذيب ٤ : ٢١٢ ح ٦١٧ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ح ٢٧٣ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٣.

(٦) البقرة : ١٨٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٢١٠ ح ٦٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٨٥ ح ٢٦٤ ، الوسائل ٧ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٤.

١٠٧

وصحيحته الأُخرى ، عنه عليه‌السلام : عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ، ثمّ ينام قبل أن يغتسل ، قال : «لا بأس» (١).

وصحيحة حبيب الخثعمي ، عنه عليه‌السلام ، قال : «كان رسول اللهُ يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب ثمّ يؤخّر الغسل متعمّداً حتّى يطلع الفجر» (٢).

ورواية إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل أصابته جنابة فنام عمداً حتّى يصبح ، أيّ شي‌ء عليه؟ قال : «لا يضرّه ولا يبالي ، فإنّ أبي عليه‌السلام قال ، قالت عائشة : إنّ رسول اللهُ أصبح جنباً من جماع من غير احتلام قال : لا يفطر ولا يبالي» (٣) الحديث ، إلى غير ذلك من الأخبار.

والجواب عن الأصل ؛ أنّه مخرَج عنه بالدليل.

وعن الآية ، أنّه لا دليل على لزوم إرجاع المخصّص المتعقّب للجمل إلى الجميع ، وإنّما يضمّ الأكل إلى الشرب للإجماع ، ولا إطلاق في الآية بحيث يعتمد عليه ، مع أنّه رفع للسلب الكلّي السابق ، وهو حرمة الجماع في تمام الليل ، ويحصل بالإيجاب الجزئي وإرجاع الإطلاق إلى العموم للخروج عن اللغوية ، وهو يتمّ بحمله على مقدار يمكن بعده الغسل ، فلا ضرورة إلى الأزيد.

سلّمنا ، لكنها مخرج عنها بالأخبار المستفيضة المعتبرة الموافقة لجمهور الأصحاب والإجماعات المنقولة.

وأمّا الأخبار فهي محمولة على التقيّة ؛ لموافقتها للعامّة ، كما ينادي به سياق بعضها ، حيث نسب ذلك إلى عائشة ، وإلى فعل رسول اللهُ على سبيل الاستمرار ، مع كونه مرجوحاً اتفاقاً.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٥ ح ٣٢٥ ، الوسائل ٧ : ٣٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٣ ح ٦٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٨٨ ح ٢٧٦ ، الوسائل ٧ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٠ ح ٦١٠ ، الاستبصار ٢ : ٨٥ ح ٢٦٦ ، وص ٨٨ ح ٢٧٥ ، الوسائل ٧ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٦ ، بتفاوت بين المصادر.

١٠٨

ويمكن حمل بعضها على صورة العزم على الغسل ، كصحيحة العيص وما في معناها.

وبالجملة المسألة واضحة.

وينبغي التنبيه لأُمور :

الأوّل : إنّ ظاهر كلام الأصحاب في بيان ماهيّة الصوم «أنّه هو الإمساك عن الأُمور المحصورة الّتي منها البقاء على الجنابة متعمّداً» يقتضي التعميم في كلّ صوم ولكن الأخبار كما ترى واردة في شهر رمضان ، ولذلك تردّد العلامة في المنتهي (١).

وقال في المعتبر : ولقائل أن يخصّ هذا الحكم برمضان ؛ (٢).

أقول : والأظهر إلحاق قضاء شهر رمضان به في الإفساد ؛ لصحيحة عبد الله بن سنان : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب في أوّل الليل ، ولا يغتسل حتّى يجي‌ء آخر الليل ، وهو يرى أنّ الفجر قد طلع ، قال : «لا يصوم ذلك اليوم ، ويصوم غيره» (٣).

وصحيحته الأُخرى ، قال : كتب أبي إلى أبي عبد الله عليه‌السلام وكان يقضي شهر رمضان ، وقال : إنّي أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتّى طلع الفجر ، فأجابه : «لا تصم ، هذا اليوم ، وصم غداً» (٤) وقد مرّت موثّقة سماعة أيضاً.

ويظهر من هذه الأخبار : أنّ المجنب لا يصحّ منه القضاء وإن كان أصبح جنباً سهواً ، أو من غير علم كما لو احتلم ولم يعلم حتّى أصبح.

واحتمل الشهيد الجواز مع التضيّق إن لم يعلم الجنابة حتّى أصبح (٥) ، وكذلك

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٥٦٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٥٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧٧ ح ٨٣٧ ، الوسائل ٧ : ٤٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٥ ح ٤ ، الوسائل ٧ : ٤٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ٢.

(٥) الدروس ١ : ٢٧١.

١٠٩

احتمله في المسالك (١).

أقول : ويؤيّده أنّ ظاهر الأخبار أيضاً صورة التوسعة.

وأما الصوم المندوب ، فجوّزه بعضهم (٢) ، ومنعه بعضهم (٣) ، وتردّد بعضهم (٤) ، والأقرب الجواز ؛ لصحيحة حبيب الخثعمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن التطوّع وعن صوم هذه الثلاثة الأيّام ، إذا أجنبت من أوّل الليل فأعلم أنّي قد أجنبت فأنام متعمّداً حتّى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال : «صم» (٥).

وموثّقة ابن بكير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتّى يصبح ، أيصوم ذلك اليوم تطوّعاً؟ فقال : «أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار» (٦) وله رواية أُخرى تدلّ عليه أيضاً (٧).

وأما سائر أفراد الصيام ؛ فالأصل يقتضي عدم اشتراطها بذلك. وإطلاق الأصحاب سيّما مع إشكالهم في قضاء رمضان وصيام الندب لا يبقى معه اعتماد عليه ، وخصوصاً مع ملاحظة موثّقة سماعة المتقدّمة المنبّهة على أنّ شهر رمضان مخالف لغيره ، وكذلك مفهوم قوله عليه‌السلام : «إذا أفطر من شهر رمضان» في صحيحة الحلبي المتقدّمة ، وسبيل الاحتياط واضح.

وقال في المسالك : وفي حكم القضاء النذر المطلق ، والكفارة قبل التلبّس بها ، ولو كان في الأثناء حيث يشترط التتابع أو في أثناء صوم يشترط تتابعه وجهان ، أجودهما

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٧.

(٢) كالشهيد في الدروس ١ : ٢٧١ ، وصاحب المدارك ٦ : ٥٦.

(٣) كالمفيد في المقنعة : ٣٦٠ ، والعلامة في المختلف ٣ : ٥٧٥.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٨.

(٥) الفقيه ٢ : ٤٩ ح ٢١٢ ، الوسائل ٧ : ٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ١ وكلمة «صوم» ليست في نسخة «م» وكذا بعض نسخ الوسائل والكافي.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٥ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ٢.

(٧) التهذيب ٤ : ٣٢٢ ح ٩٨٩ ، الوسائل ٧ : ٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ٣.

١١٠

عدم صحّة الصوم ، ولا يقطع التتابع ؛ لعدم التقصير ؛ (١).

وناقشه في المدارك : بمنع الدليل على الإلحاق ، وبمنع عدم انقطاع التتابع ، وعدم لزوم الإثم لا يستلزم حصول الامتثال (٢) ، وهو كما ذكره.

الثاني : قال في المنتهي : لم أجد لأصحابنا نصّاً صريحاً في حكم الحيض في ذلك يعني أنّها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال ويبطل الصوم لو أخلّت به حتّى يطلع الفجر؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّ حدث الحيض يمنع الصوم ، فكان أقوى من الجنابة (٣) ، وهو مختار جماعة من الأصحاب ، منهم ابن أبي عقيل (٤).

وعن النهاية الجزم بالعدم (٥) ، وهو قضيّة كلام من ذكر المفطرات ولم يذكر ذلك كالشيخ في الجمل والمبسوط (٦) وابن حمزة (٧) كما نقل عنهما ، ومال إليه في المدارك (٨).

وتوقّف المحقّق في المعتبر (٩).

والأوّل أقوى ؛ لموثّقة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن طهرت بليل من حيضها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتّى أصبحت كان عليها قضاء ذلك اليوم» (١٠).

والظاهر عدم وجوب الكفّارة كما صرّح به جماعة (١١) ؛ للأصل ، وجعلها العلامة في المختلف كالجنب (١٢) ، وهو ضعيف.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٧.

(٢) المدارك ٦ : ١٥٤.

(٣) المنتهي ٢ : ٥٦٦.

(٤) حكاه في المنتهي ٢ : ٥٦٦.

(٥) نهاية الإحكام ١ : ١١٩.

(٦) الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢١٢ ، المبسوط ١ : ٢٦٩.

(٧) الوسيلة : ١٤٢.

(٨) المدارك ٦ : ٥٧.

(٩) المعتبر ١ : ٢٢٦.

(١٠) التهذيب ١ : ٣٩٣ ح ١٢١٣ ، الوسائل ٧ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢١ ح ١.

(١١) حكاه عن ابن أبي عقيل في المنتهي ٢ : ٥٦٦ ، وصرّح به في الحدائق ١٣ : ١٢٣ ، والرياض ٥ : ٣١٩.

(١٢) المختلف ٣ : ٤١٠.

١١١

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الحكم مختصّ برمضان ؛ للأصل ، وعدم الدليل في غيره.

وأمّا دم النفاس ؛ فالأظهر أنّه كالحيض كما اختاره جماعة من الأصحاب ؛ (١) ، ويدلّ عليه ما يفهم من الأخبار من مساواة النفساء مع الحائض وإجماعهم على أنّه يحرم عليها ما يحرم عليها ، بل قال في المعتبر : إنّه مذهب أهل العلم كافة (٢).

وأمّا غسل مسّ الميّت ؛ فالأصل يقتضي عدم وجوبه له ، ولم أقف فيه على قول بالوجوب ، وصرح المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله بعدمه (٣).

وأمّا غسل الاستحاضة ، فالمشهور بين الأصحاب بطلان الصوم بالإخلال بالأغسال الّتي تجب عليها (٤) ، بل قال في المدارك : هذا مذهب الأصحاب (٥) ، وربما يدّعى اتفاقهم عليه.

والأصل في المسألة صحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ، ثمّ استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ قال : «تقضي صومها ، ولا تقضي صلاتها ؛ لأنّ رسول اللهُ كان يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك» (٦).

والمناقشة فيها بالإضمار مع كون المكاتب هو الثقة الجليل لا يضرّ ، مع أنّ في الكافي : كتبت إليه عليه‌السلام ، وفي الفقيه : فكتب عليه‌السلام.

وكذلك الطعن فيها باشتمالها على خلاف ما عليه الأصحاب من عدم وجوب

__________________

(١) منهم ابن إدريس في السرائر ١ : ١٥٤ ، والشهيد في روض الجنان : ٩٠ ، والمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٧٠.

(٢) المعتبر ١ : ٢٥٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٤٧.

(٤) كما في الحدائق ١٣ : ١٣٥.

(٥) المدارك ٢ : ٣٨.

(٦) الكافي ٤ : ٣٦ ح ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٤ ح ٤١٩ ، التهذيب ٤ : ٣١٠ ح ٩٣٧ ، الوسائل ٧ : ٤٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٨ ح ١.

١١٢

القضاء كما مرّ مراراً.

وقد توجّه بتوجيهات ، أوجهها : أنّ كلمة «لا» من توهّم الراوي ، أو تصحيف كلمة «ولاء» بالمدّ ردّاً على توهّم أنّها تفرّق في قضاء الصوم ، للفرق بين القضاء والأداء ، فلعلّه عليه‌السلام كتب تحت قوله : «صومها» تقضي صومها ولاءً ، وتحت قوله : «صلاتها» تقضي صلاتها.

وربّما يؤيّد ذلك بمكاتبة الصفّار التي وردت في قضاء صوم الولي ، ففي جملتها : أنّه يقضي عشرة أيّام ، ولكن يقدح فيها ما ذكره بعض المحقّقين (١) من عدم ارتباط السؤال بالجواب ، فإنّ مورد السؤال من الأُمور النادرة ، والجواب يشعر بكثرة الوقوع من جهة قوله عليه‌السلام «كان يأمر» فلعلّ ذلك كان جواب السؤال عن الحيض ، فإنّ هذه العبارة وردت في بعض أخبار الحيض بعينها.

ولعلّ ذلك حصل من جهة غفلة الناقل ، فإنّ من شأن المكاتبة الجمع بين السؤالات المختلفة ، وبأدنى غفلة تلتبس أوضاع السؤال والجواب ، ولذلك يظهر من بعضهم التوقّف كالشيخ في المبسوط حيث أسندها إلى رواية الأصحاب (٢).

وكيف كان ؛ فهذه الرواية مع عمل الأصحاب يكفي في إثبات هذا الحكم.

ولكن الإشكال في تحقيق الشرط أنّه أيّ شي‌ء هو ، فهل هو جميع الأغسال أو بعضها ، أو هي مع ضمائمها كالوضوء لكلّ صلاة ، أو ذلك مع تغيير القطنة والخرقة أيضاً؟ فقد اختلف كلام الأصحاب فيه ، وقد حصرها بعض الأفاضل في وجوه ستة (٣) :

الأوّل : اشتراط صومها بكلّ ما عليها كما هو ظاهر الشيخ في النهاية (٤) وابن إدريس (٥).

__________________

(١) منتقى الجمان ٢ : ٥٠٢.

(٢) المبسوط ١ : ٦٨ ، وانظر المدارك ٦ : ٣٩.

(٣) انظر الذخيرة : ٧٦ ، ومشارق الشموس : ٣٨٥.

(٤) النهاية : ١٦٥.

(٥) السرائر ١ : ١٥٣.

١١٣

والثاني : عدم اشتراطه بشي‌ء منها كما يظهر من المبسوط والمنتهى ، حيث أشعر كلامهما بالتوقّف في القضاء إن أخلّت بالأغسال (١).

والثالث : اشتراطه بالغسل النهاري خاصّة ، وهو اختيار الشهيد في الدروس والبيان (٢).

والرابع : اشتراطه بالغسل الفجري ، وعدم اشتراطه بالغسل للظهرين إن تجدّدت الكثرة في اليوم ، وهو الذي احتمله العلامة في التذكرة (٣).

والخامس : اشتراطه بالغسل الفجري خاصّة ، وهو الذي احتمله العلامة في النهاية (٤) مع وجوب تقديمه على الصوم ، بناءً على أنّه لا يكون مشروطاً إلا بما تقدّمه.

والسادس : اشتراطه بما قارنه أو تقدّم عليه ، لا بما تأخّر عنه ، وهو الذي اختاره الشهيد الثاني في الروضة ، قال : وربّما يحتمل وجوب القضاء عليها مع صحّة صومها ؛ لأنّ القضاء بأمر جديد ، ورد به النص وأفتى به الأصحاب ، ولم يقم على الفساد دليل ، وإيجاب القضاء لا يدلّ عليه (٥).

أقول : ولا ينبغي التأمّل بناءً على العمل بالرواية كما هو الوجه في بطلان الصوم ووجوب القضاء لمن تركت جميع ما عليها بناءً على حمل سؤال الراوي على السالبة الكلّيّة بالنسبة إلى جميع ما يجب عليها ، وأما على حمله على السلب الجزئي كما هو الظاهر في رفع الإيجاب الكلّي فالظاهر اختصاص اشتراطه بالأغسال النهاريّة ، وتخصيص الغسل لكلّ صلاتين إما من باب المثال ، أو أُريد جمع صلاة الليل مع الغداة أيضاً ، والقيد بقوله «لكلّ صلاتين» وارد مورد الغالب ، لكون المتوسّطة من الأفراد النادرة ، ولا حجّة في القيد إذا ورد مورد الغالب ، مع أنّ الظاهر

__________________

(١) المبسوط ١ : ٦٨ ، المنتهي ١ : ١٢١.

(٢) الدروس ١ : ٢٧١ ، البيان : ٦٦.

(٣) التذكرة ١ : ٢٩٢.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١٢٧.

(٥) الروضة البهيّة ٢ : ١٠٣.

١١٤

عدم القول بالفصل.

وأمّا الوضوء وتغيير القطنة والخرقة فليست من متمّمات الغسل كما حقّقناه في محلّه ، بل الظاهر أنّها لتصحيح الصلاة ، مع أنّه إنّما سئل عن الغسل.

وكذلك الظاهر عدم اشتراط تقديم الغسل الفجري على الفجر ؛ لعدم اشتراطه في غسل المستحاضة ، ولا استبعاد في تأثير ذلك في تصحيح ما تقدّمه من الزمان ، بخلاف الغسل الليلي الاتي.

وأمّا اشتراط الغسل الليلي للصوم الاتي فلا يبعد اشتراطه ، إلا أن يداخله في الفجري الاتي ، أو برئت في الليل واغتسلت للبرء.

تنبيهات :

الأول : لو استحاضت بعد صلاة الغداة أو صلاة الظهر والعصر ، فالظاهر عدم وجوب الغسل ، حتّى يأتي وقت الصلاة الأُخرى لأنّ المستفاد من الرواية إنّما هو اشتراطه بالغسل الواجب للصلاة ، والمفروض عدمه.

الثاني : هذا الحكم مختص بشهر رمضان لا غير اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص.

الثالث : لو لم يتمكّن الجنب وأخواته من الغسل ، ففي وجوب التيمّم عليهم قولان أصحّهما الوجوب لما مرّ في مبحث التيمّم ؛ من أنّه يجب لكلّ ما تجب له المائيّة (١) ، ويلزمه القول بوجوب القضاء والكفارة مع تعمّد الترك.

وحينئذٍ فهل يجب البقاء عليه إلى الفجر؟ فيه أيضاً قولان ، وما ذكروه في وجه القولين لا يخلو عن ضعف ، والأولى أن يبنى ذلك على أنّ التيمّم هل هو رافع لوصف الحالة المانعة إلى زمان التمكّن من الغسل ، أو إلى أحد الأمرين من ذلك ، أو

__________________

(١) الجزء الأوّل : ٢١٣.

١١٥

حصول ناقضٍ له.

ويتفرّع على ذلك : أنّ الجنب إذا تيمّم ثمّ أحدث بحدث أصغر ، هل يجب عليه الوضوء أو التيمّم بدلاً عن الغسل إلى أن يتمكّن من الغسل؟ وقد ذكرنا في مبحث التيمّم أنّ المشهور الثاني (١) ؛ لاستصحاب الحالة المانعة ، فإن لم يعلم ارتفاعه ، إلا إلى أحد الأمرين ، فلا يمكن استصحاب حالة ارتفاع المانع إلى زمان التمكّن من الغسل ، فإنّه إنّما يصحّ إذا ثبت الارتفاع على الإطلاق ، وهو ممنوع ، واستصحاب المحدود في نفس الأمر مع جهالة الحدّ غير معقول.

وكذلك لا يمكن استصحاب حالة التيمّم ؛ لأنّها أيضاً غايتها محدودة في نفس الأمر ، وجهالة الحد يورث الإجمال في زمان تأثيره ، فيسقط عن درجة الاعتماد.

ومقتضى ذلك لزوم البقاء على التيمّم ، ولزوم الإعادة لو حصل حدث ، وعدم جواز النوم إلا مع إمكان الانتباه أو الاعتياد عليه ليعيد التيمّم بدلاً.

ولكن يمكن منع عموم ما دلّ على كون التعمّد على الجنابة إلى الفجر مبطلاً (٢) لمثل هذه الجنابة التي عاد أثرها بعد التيمّم ، فيشكل الحكم بوجوب القضاء ، وأبعد منه الحكم بوجوب الكفارة.

الرابع : إذا نام غير ناوٍ للغسل حتّى أصبح يجب عليه القضاء والكفارة هكذا ذكره المحقّق (٣) والعِمة (٤) ، مستدلّين بأنّه مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم ويعود كالمتعمّد للبقاء على الجنابة.

وجعل صاحب المدارك مراد المحقّق من النوم غير ناوٍ للغسل ؛ هو عدم العزم على الغسل ، لا العزم على عدمه ، فرقاً بينه وبين المسألة المذكورة قبله ، وهي تعمّد البقاء

__________________

(١) الجزء الأوّل : ٣٧٥.

(٢) الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٧٢.

(٤) المنتهي ٢ : ٥٧٣.

١١٦

على الجنابة ، حتّى يطلع الفجر (١) ؛ تبعاً لجده في المسالك (٢) ، وأورد على استدلاله في المعتبر بما نقلنا أنّ عدم نيّة الغسل أعمّ من العزم على ترك الاغتسال.

وأنت خبير بما فيه ، إذ مراد الفاضلين من هذا الكلام هو النوم بعد العزم على عدم الغسل ، وبيان أنّه لا فرق بين ما لو بقي متعمّداً الجنابة مستيقظاً متذكراً لوجوب الغسل من دون نيّة ، أو نام على هذه الحالة ، فلاحظ المنتهي والمعتبر والشرائع في غير موضع (٣).

ومما يوضّح ذلك استدلالهما في المعتبر والمنتهى بالدليل المتقدّم ، وذلك واضح.

والحاصل : أنّ للتعمّد على الجنابة صوراً ، منها : العزم على البقاء مستيقظاً متذكّراً إلى الصبح.

ومنها : النوم على تلك الحالة سواء اعتاد الانتباه ولم يعد إلى القصد أو لا.

ومنها : التردّد في الغسل وعدمه إلى الصباح ، فإنّ الظاهر أنّه أيضاً يصدق عليه أنّه بقي على الجنابة متعمّداً سواء بقي مستيقظاً أو نام على هذا الحال.

وأما لو غفل وذهل عن الجنابة ، أو عن الغسل قبل الصبح ، أو عن كون الليل ليلة الصيام فالحكم بوجوب القضاء مشكل ، فضلاً عن الكفارة.

وإدراجها في مسألة نسيان الغسل الاتية في محلّها بعيد ؛ لعدم انصرافه من الأخبار.

ويشكل الكلام فيما لو طرأ النسيان بعد العزم على عدم الغسل أو التردّد ، والحكم بعدم الفرق بين النوم والنسيان مشكل.

الخامس : إذا نوى الاغتسال ونام ولم يستيقظ حتّى طلع الفجر فقال في موضع

__________________

(١) المدارك ٦ : ٥٩.

(٢) المسالك ٢ : ١٨.

(٣) المنتهي ٢ : ٦٦٥ ، ٥٧٣ ، المعتبر ٢ : ٦٧٢ ، الشرائع ١ : ١٧١.

١١٧

من المعتبر : إنّه يفسد صومه ذلك اليوم ، وعليه قضاؤه ، وهذا قول أكثر علمائنا (١).

وقال في موضع آخر منه : إنّه لا شي‌ء عليه (٢) ، وكذلك في الشرائع (٣).

والحقّ أنّ هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل هو مذهب الأصحاب كما في المدارك (٤) ، وعليه عمل الأصحاب كما في المنتهي (٥) ، بل لا فرق بين النوم واليقظة في صورة العزم على الغسل ، فلا يجب عليه شي‌ء.

وتدلّ عليه صحيحة العيص بن القاسم المتقدّمة (٦) ، فإنّ تأخير الغسل ظاهر في إرادة الفعل ، مع أنّ الإطلاق يكفي.

وصحيحته الأُخرى : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام شهر رمضان قبل أن يغتسل ، قال : «لا بأس» (٧).

وقويّة سليمان بن أبي زينبة ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل فأخّر الغسل حتّى طلع الفجر ، فكتب إليّ بخطّه أعرفه مع مصادف : «يغتسل من جنابته ، ويتمّ صومه ، ولا شي‌ء عليه» (٨).

وصحيحة معاوية بن عمار المتقدّمة (٩).

وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور الاتية (١٠).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٧٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٧١.

(٣) الشرائع ١ : ١٧١ ، وص ١٧٣.

(٤) المدارك ٦ : ٦٠.

(٥) المنتهي ٢ : ٥٦٦.

(٦) التهذيب ٤ : ٢١٠ ح ٦٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٨٥ ح ٢٦٤ ، الوسائل ٧ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٤.

(٧) الفقيه ٢ : ٧٥ ح ٣٢٥ ، الوسائل ٧ : ٣٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٢.

(٨) التهذيب ٤ : ٢١٠ ح ٦٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٨٥ ح ٢٦٥ ، الوسائل ٧ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٥.

(٩) التهذيب ٤ : ٢١٢ ح ٦١٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ح ٢٧١ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١.

(١٠) الفقيه ٢ : ٧٥ ح ٣٢٣ ، التهذيب ٤ : ٢١١ ح ٦١٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ح ٢٦٩ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٢.

١١٨

وصحيحة ابن أبي نصر عن أبي سعيد القمّاط : أنّه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتّى أصبح ، قال : «لا شي‌ء عليه ؛ وذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال» (١) وذلك إذا لم يكن مقصراً.

وأما مع التقصير بأن يؤخّر ويتراخى إلى زمان لا يسع الغسل بدون عذر ، فلا يبعد وجوب القضاء عليه ، وإن كان عازماً كما نبّهت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة (٢) ، وغيرها ، فلا بدّ من ملاحظة عدم تفويت الوقت من باب المقدّمة ، ولكن استفادة لزوم القضاء من الأدلّة مشكل ، فإنّ القضاء بفرض جديد ، ولا يصدق على هذا تعمّد البقاء على الجنابة ، وهذا أظهر ، وإن كان القضاء أحوط.

ثمّ إنّ المستفاد من الأصل وظواهر الأخبار (٣) جواز النوم ، ولكن لا بد أن يقيّد بما لو احتمل الانتباه ، وإلا لدخل في المتعمّد على البقاء على الجنابة ، بل ربّما اعتبر بعض الأصحاب اعتياد الانتباه ، وليس ببعيد.

والحاصل : أنّ البقاء على الجنابة ، إمّا يحصل بنفسه وبالذات ، أو بفعل ما يستلزمه وإن لم يرد البقاء عليها ، وذلك نظير ما ذكروه في كفاية قصد ما يستلزم إقامة العشرة في السفر ، وما يستلزم المسافة.

والاستشكال في عدم جواز النوم حينئذٍ سيّما على القول بكون وجوب الغسل لغيره وكون التكليف ساقطاً مع النوم ضعيف ؛ لوجوب التهيّؤ للغير مع ظنّ السلامة وإدراك الغير كالحجّ ، وكون مقدّمات النوم اختياريّة ، ولو فرض غلبة النوم بحيث أخرجه عن الاختيار فهو خارج عن المفروض.

ثمّ إذا انتبه ونام ثانياً بنيّة الغسل ولم يستيقظ حتّى الصباح فالمشهور بل الظاهر عدم

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٤ ح ٣٢٢ ، الوسائل ٧ : ٣٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٥ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١١ ح ٦١٣ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ح ٢٧٠ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٣.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣.

١١٩

الخلاف أنّه يجب عليه القضاء ولا كفارة عليه ، أما الثاني فللأصل.

وأما الأوّل فلصحيحة معاوية بن عمار (١) ، وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ ينام ، ثمّ يستيقظ ، ثمّ ينام حتّى يصبح ، قال : «يتمّ يومه ويقضي يوماً آخر ، وإن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه وجاز له» (٢).

والظاهر أنّ النومة الثانية مباحة مع نيّة الاغتسال ؛ للأصل.

وقال في المسالك بحرمتها وإن عزم على الغسل واعتاد الانتباه (٣) ، وهو مشكل ؛ لعدم الدليل.

ولا يدلّ عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : «ويقضي ذلك اليوم عقوبة» (٤) فإنّ ذلك لا يدلّ على الإثم ، ولعله من باب لزوم الإعادة لناسي إزالة النجاسة وإن كان عازماً عليها ؛ لأجل أن يهتمّ فلا ينساه.

وكذلك قوله عليه‌السلام في رواية إبراهيم بن عبد الحميد : «ليس له أن ينام» (٥) فإنّها مع ضعفها (٦) ممنوعة الدلالة على الحرمة ، سيّما مع ورود النهي عنه في اليوم فيها مع عدم الدليل على حرمته ، بل كون الحرمة فيه خلاف الإجماع ، مع أنّه رحمه‌الله غير قائل بالتفصيل المذكور فيها.

ثمّ إذا انتبه ونام ثالثاً مع العزم على الغسل مع احتمال الانتباه واعتياده ولم ينتبه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٢ ح ٦١٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ح ٢٧١ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٧٥ ح ٣٢٣ ، التهذيب ٤ : ٢١١ ح ٦١٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ح ٢٦٩ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٢ ، وفيه : يتمّ يومه ، وفي هامشه : يتمّ صومه.

(٣) المسالك ٢ : ١٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ ح ٦١٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ح ٢٧١ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢١٢ ح ٦١٨ ، وص ٣٢٠ ح ٩٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ح ٢٧٤ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٤.

(٦) لعلّ ضعفها من ناحيتين الأُولى : كونها مرسلة ، والثانية : لوقوع عبد الرحمن بن حمّاد في طريقها وقد قال النجاشي فيه : رمي بالضعف والغلوّ ، وقال ابن الغضائري : ضعيف وفي مذهبه غلوّ ، انظر معجم رجال الحديث رقم ٦٣٦١.

١٢٠