غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ٥

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-590-3
الصفحات: ٤٧٢

الفقه كتاب الصوم

وتدلّ عليه روايتان أُخريان دالّتان على أنّ الرطوبة لا تضرّ ؛ لأنّ المضمضة بالماء أرطب (١) ، والخبر المعلّل مع اعتضاده بالشهرة والأخبار المطلقة في مطلق السواك وفي خصوص الصائم المستفيضة جدّاً أقوى.

الرابع : تجوز المضمضة للصائم مطلقاً على الأصح الأشهر المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك (٢) ، وفي التذكرة والمنتهى الإجماع على عدم كونها مفطرةً مع التحفّظ (٣).

ويدلّ عليه بعد الأصل : ظاهر الإجماع ، وصحيحة حمّاد الاتية في المضمضة للصلاة.

وصحيحته الأُخرى ، عمّن ذكره ، عن الصادق عليه‌السلام : في الصائم يتمضمض ويستنشق؟ قال : «نعم ، ولكن لا يبالغ» (٤).

ونفي المبالغة محمول على الكراهة.

وتؤيّده رواية يونس ، قال : «الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء ، وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شي‌ء عليه وقد تمّ صومه ، وإن تمضمض في غير وقت فريضة ودخل الماء حلقه فعليه الإعادة ، والأفضل للصائم أن لا يتمضمض» (٥)

__________________

(١) إحداهما في التهذيب ٤ : ٢٦٣ ح ٧٨٨ ، والاستبصار ٢ : ٩٢ ح ٢٩٥ ، والوسائل ٧ : ٥٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٨ ح ٤ ، والأُخرى في الكافي ٤ : ١١٢ ح ٣ ، والتهذيب ٤ : ٢٦٣ ح ٧٨٧ ، والاستبصار ٢ : ٩٢ ح ٢٩٤ ، والوسائل ٧ : ٥٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٨ ح ١١.

(٢) المدارك ٦ : ١٠١.

(٣) التذكرة ٦ : ٦٧ ، ٧٩ ، المنتهي ٢ : ٥٧٩.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٧ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٧ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ ح ٥٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ ح ٣٠٤ ، الوسائل ٧ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٣.

٨١

ويظهر من عبارة المنتهي الاتية التحريم لغير الوضوء (١) ، ومن الاستبصار التحريم للتبرّد (٢) ، ولا دليل لهما يُعتدّ به.

وينبغي أن تحمل أفضليّة الترك والكراهة على ما لو كان لغير الصلاة ؛ لأنّ عمومات الاستحباب وخصوصاته لهما في الصائم أقوى.

وفي رواية زيد الشحّام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الصائم يتمضمض ، قال : «لا يبلع ريقه حتّى يبزق ثلاث مرّات» (٣).

والأولى حملها على الاستحباب ؛ لعدم مقاومتها للمطلقات المرخّصة للمضمضة ، سيّما ما ورد للصلاة من دون اشتراط ذلك.

ووقع الخلاف بينهم في صورة دخول الماء إلى الحلق من دون اختيار ، بعد اتفاقهم على أنّه لو أدخله عمداً أثم ووجب عليه القضاء والكفارة ، فالظاهر أنّه لا خلاف بينهم في عدم لزوم شي‌ء عليه إذا كان في وضوء الصلاة الفريضة.

ويظهر من التذكرة الإجماع في مطلق الصلاة (٤).

ونقل عن طائفة من الأصحاب الميل إلى أنّ ذلك للفريضة ، فإذا كان للنافلة فهو مفطر (٥) ، ونقله في التذكرة عن ابن عباس (٦) ، وحسّن ذلك في المسالك (٧).

دليل الأوّل : بعد ظاهر الإجماع ؛ موثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه ، قال : «عليه القضاء ، وإن كان في وضوء فلا بأس» (٨).

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٥٧٩.

(٢) الاستبصار ٢ : ٩٤.

(٣) الاستبصار ٢ : ٩٤ ح ٣٠٣ ، الوسائل ٧ : ٦٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣١ ح ١.

(٤) التذكرة ٦ : ٦٧.

(٥) كالشهيد في الدروس ١ : ٢٧٤ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٩٠.

(٦) التذكرة ٦ : ٦٧ ، ٨٠.

(٧) المسالك ٢ : ٣١.

(٨) الفقيه ٢ : ٦٩ ح ٢٩٠ ، التهذيب ٤ : ٣٢٢ ح ٩٩١ ، الوسائل ٧ : ٥٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٤.

٨٢

ودليل الثاني : رواية يونس المتقدّمة ، وصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه ، فقال : «إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شي‌ء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» (١). ورواها الكليني ، في الحسن ، عن حمّاد ، عنه عليه‌السلام (٢).

ولا يبعد ترجيحه ؛ لتقديم المفصّل على المجمل ، وعدم القطع بأنّ ناقل الإجماع أراد العموم.

ولا يبعد أن يقال : مرادهم من إطلاق الوضوء أنّ هذا الحكم ثابت في الوضوء دون العبث والتبرّد ، ولا التفات فيه إلى أقسام الوضوء.

أمّا لو كان لأجل التبرّد والعبث فيبطل صومه ويجب عليه القضاء ، وادّعى عليه الإجماع في المنتهي والتذكرة (٣) ويدلّ عليه فحوى صحيحة الحلبي ، وموثّقة سماعة ، ورواية يونس المتقدّمات.

وأمّا المضمضة للتداوي أو لإزالة النجاسة إذا دخلت في الحلق من دون اختيار ، فعن ظاهر جماعة من الأصحاب أنّه كوضوء الفريضة لا يوجب القضاء (٤).

وفي المسالك : ينبغي إلحاق إزالة النجاسة بالصلاة الواجبة (٥) ، وقطع به في الدروس (٦).

وزاد في التذكرة : غسله من أكل الطعام (٧). وربّما يستشكل بفحوى صحيحة الحلبي ، وعموم رواية يونس ، والأولويّة ممنوعة ، والرواية ضعيفة.

وإذا وضع في فمه شيئاً مثل خرز لغرض صحيح فسبق إلى حلقه من دون تعمّد

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٤ ح ٩٩٩ ، الوسائل ٧ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٧ ح ١.

(٣) المنتهي ٢ : ٥٧٩ ، التذكرة ٦ : ٧٩ مسألة ٤٣.

(٤) كالمحقّق في الشرائع ١ : ١٧٤ ، وصاحب المدارك ٦ : ١٠١.

(٥) المسالك ٢ : ٣٢.

(٦) الدروس ١ : ٢٧٤.

(٧) التذكرة ٦ : ٦٨.

٨٣

فالظاهر عدم الإبطال ؛ للأصل مع كونه مجوّزاً شرعاً.

وأمّا لو كان عبثاً ففيه قولان : من جهة فحوى ما دلّ على لزوم القضاء في التبرّد والعبث ، ومن جهة الأصل. ورواية يونس بعمومها تدلّ على الأوّل.

ثمّ إنّ صاحب المدارك قال : ولا يلحق بالمضمضة الاستنشاق قطعاً ، فلا يجب مما سبق منه قضاء ولا كفارة ، بل لو قيل بأن تعمّد إدخال الماء من الأنف غير مفسد للصوم ، لم يكن بعيداً (١).

وعن ظاهر جماعة من الأصحاب الإلحاق (٢) ، ولم نقف على دليله.

الخامس : اختلف كلام الأصحاب في ابتلاع النخامة.

والمراد بالنخامة مشتبه في كلام أهل اللغة وفي كلام الفقهاء أنّها هل هي ما يخرج من الصدر والحلق ، أوهى ما يجذب من الرأس إلى الحلق من الخيشوم ، أو مشترك بينهما لفظاً أو معنى؟

ويظهر من الشرائع : أنّها ما يخرج من الصدر ، لا ما يجذب من الدماغ ، حيث عطف حكم المسترسل من الدماغ على النخامة المشعر بالمغايرة ؛ وفرّق بينهما في الحكم ، (٣) كالعِمة في الإرشاد (٤).

ويظهر من التذكرة عكس ذلك ، حيث أطلق على ما يجذب من الرأس النخامة ، وعلى ما يخرج من الصدر النخاعة (٥).

ويظهر من موضع آخر فيها الاتحاد ، فقال : لو ابتلع النخامة المجتلبة من صدره أو

__________________

(١) المدارك ٦ : ١٠١.

(٢) كالعلامة في التذكرة ٦ : ٦٧ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٧٤.

(٣) شرائع الإسلام ١ : ١٧٤.

(٤) إرشاد الأذهان ١ : ٢٩٨.

(٥) التذكرة ٦ : ٦٦.

٨٤

رأسه لم يفطر (١) ، واستدلّ برواية غياث (٢) ، ونسب الخلاف إلى الشافعي ، وإلى أحمد في إحدى الروايتين (٣).

والظاهر من الشهيد في الدروس أيضاً كونها مشتركة معنويّة بينهما ، حيث قال : والفضلات المسترسلة من الدماغ إذا لم تصر في فضاء الفم لا بأس بابتلاعها ؛ للرواية ، ولو قدر على إخراجها ولو صارت في الفضاء أفطر لو ابتلعها ، وفي وجوب الكفارات الثلاث هنا نظر ، وتجب لو كانت نخامة غيره (٤) ، انتهى.

فإنّ الظاهر من مجموع هذا الكلام أنّ النخامة هي القدر المشترك بينهما ، والمتحصّل مما يخرج من الرأس ، سواء خرج تدريجاً واجتمع في الحلق والصدر ، أو دفعةً بجذبه بقوّة ، وإلا لتعرّض لحكم الخارج من الصدر ، وهذا هو الذي يترجّح في النظر بالنظر إلى الاعتبار ، وبالنظر إلى تردّد كلام أهل اللغة وترديدهم ، مع أنّ الاشتراك مرجوح مثل المجاز.

ومرجع الخلاف في كلام الأصحاب الذي وصل إلينا إلى ثلاثة :

الأوّل : ما ذهب إليه في الشرائع من الفرق بينهما بجواز ابتلاع ما يخرج من الصدر ما لم ينفصل عن الفم ، والمنع عن ازدراد الثانية وإن لم تصل إلى الفم (٥).

والثاني : ما ظهر من كلام الشهيد في الدروس من التسوية بينهما في جواز الابتلاع ما لم تصل إلى فضاء الفم (٦) ، وارتضاه في المسالك (٧).

والثالث : مساواتهما في عدم الإفطار ما لم ينفصلا عن الفم ، واختاره صاحب

__________________

(١) التذكرة ٦ : ٢٣.

(٢) الكافي ٤ : ١١٥ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٧٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٩ ح ١ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته.

(٣) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤.

(٤) الدروس ١ : ٢٧٨.

(٥) شرائع الإسلام ١ : ١٧٤.

(٦) الدروس ١ : ٢٧٨.

(٧) المسالك ٢ : ٣٤.

٨٥

المدارك (١) تبعاً للمحقّق في المعتبر (٢) والعلامة في المنتهي والتذكرة (٣) ، وهو الأقرب عندي ؛ للأصل ، وعدم صدق الأكل والشرب ، واستصحاب الصوم ، وخصوص رواية غياث بن إبراهيم القويّة لأنّ الراوي عنه في الكافي عبد الله بن المغيرة ، وفي التهذيب صفوان بواسطة سعد بن أبي خلف ، مع أنّ العلامة وثّقه في الخلاصة ، وإن روى فيه أنّه تبريّ طائفة من الزيدية ، فغاية الأمر كونه موثّقاً عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته» (٤).

وقد يؤيّد بفحوى صحيحة عبد الله بن سنان الاتية في القي‌ء والقلس ، ويظهر ضعفه مما سنذكره.

فالمختار في المسألة عدم إفساد الصوم ، وعدم وجوب القضاء والكفارة بابتلاعهما ما لم تنفصلا عن الفم ، وأمّا لو انفصلتا عن الفم ثمّ ابتلعهما فيفسد الصوم ويجب القضاء والكفارة.

وهل تجب عليه كفارة واحدة أو كفارة الجمع؟ قطع في المسالك بوجوب كفارة الجمع ؛ لأنّه إفطار بالحرام (٥) ، وهو مبنيّ على القول بحرمة فضلات الإنسان ، من ريقه وعرقه ونحوهما إذا انفصلت ، ولم نقف على دليله إلا الاستخباث في بعضها كما مرّ.

وأمّا الازدراد من داخل الفم ، فلا تتطرّق فيه شائبة الاستخباث ، فالحكم بتحريمه لغير الصائم حتّى يكون إفطاراً بالحرام للصائم في غاية البُعد ، فالقول بكفارة الجمع فيه على القول بإفساده للصائم أيضاً في غاية البُعد ، سيّما وفي رواية عبد الله ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : «من تنخّع في المسجد ثمّ ردّها في جوفه لم تمرّ بداء في

__________________

(١) المدارك ٦ : ١٠٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٥٣.

(٣) المنتهي ٢ : ٥٦٣ ، التذكرة ٦ : ٢٣.

(٤) الكافي ٤ : ١١٥ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٣٢٣ ح ٩٩٥ ، الوسائل ٧ : ٧٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٩ ح ١.

(٥) المسالك ٢ : ٣٤.

٨٦

جوفه إلا أبرأته» (١).

وإطلاق هذه الرواية أيضاً يدلّ على جواز ازدراد النخاعة في الصوم فتأمّل.

السادس : قال في التذكرة : بقايا الغذاء المتخلّفة بين أسنانه إن ابتلعها عامداً نهاراً فسد صومه ، سواء أخرجها من فمه أو لا لأنّه ابتلع طعاماً عامداً فأفطر كما لو أكل (٢) ، ثمّ نقل خلاف أحمد (٣) والشافعي (٤) وأبي حنيفة (٥) على اختلافهم في المذهب ، والظاهر منه عدم الخلاف.

واختار المحقّق وجوب الكفارة عليه أيضاً (٦) ، وعن بعض الأصحاب أنّه المشهور بينهم (٧).

وقال في المسالك : إنّ الخلاف فيما لو ابتلعه جاهلاً بحرمته ، وإلا وجبت الكفارة قطعاً (٨).

وهذا أيضاً يشعر بعدم الخلاف فيه حينئذٍ ، وقال : ولكن الشيخ في الخلاف أطلق القضاء (٩) ، فكان قولاً وإن ضعف.

ومن ذلك كلّه يظهر أنّ مناقشة صاحب المدارك في أصل الإفساد ؛ لعدم تسميته أكلاً ، ولصحيحة عبد الله بن سنان الاتية في القلس (١٠) ضعيفة ، غاية الأمر أن يكون هذا من باب الأكل الغير المعتاد ، وقد قدّمنا أنّه مفطر.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٦ ح ٧١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ ح ١٧٠٦ ، الوسائل ٣ : ٥٠٠ أبواب أحكام المساجد ب ٢٠ ح ١.

(٢) التذكرة ٦ : ٢٢.

(٣) المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩.

(٤) المجموع ٦ : ٣١٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٤.

(٥) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩٣ ، المغني ٣ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ ، المجموع ٦ : ٣١٧.

(٦) شرائع الإسلام ١ : ١٧٤.

(٧) كصاحب الذخيرة : ٥٠٦.

(٨) المسالك ٢ : ٣٣.

(٩) الخلاف ٢ : ١٧٦ مسألة ١٦.

(١٠) المدارك ٦ : ١٠٣.

٨٧

وسيّما المستفاد من الأدلّة والأقوال لزوم الاجتناب عن إدخال الطعام في الجوف من الحلق ، إلا ما أخرجه الدليل ، مثل الريق والنخامة ، هذا الكلام في صورة العمد.

وأمّا لو كان سهواً فأطلق المحقّق بأنّه لا شي‌ء عليه (١) ، ونقل في المسالك عن بعضهم التفصيل ، فمن قصّر في التخليل فيجب عليه القضاء ؛ لتفريطه وتعريضه للإفطار ، دون غيره ، وقال : لا بأس به (٢).

وضعّفه في المدارك (٣) ، وهو جيّد ؛ للأصل ، وعدم الدليل على كون مطلق التعريض مفطراً ، خرجنا عنه في مثل المضمضة عبثاً ونحوه بالدليل ، وبقي الباقي تحت الأصل ، والقياس باطل.

السابع : كلّما له طعم يتغيّر الريق بطعمه كالعلك والكندر ونحوهما فإن تفتّت ودخل شي‌ء من أجزائها في حلقه عامداً أفطر وأمّا لو لم يدخل شي‌ء من أجزائها ولم يتغيّر الريق بطعمها فلا شي‌ء عليه ، وكذا لو تغيّر ولم يدخل في حلقه.

وأمّا لو دخل في حلقه ففيه خلاف ، والظاهر أنّ الأكثرين على الكراهة ، وهو قول الشيخ في المبسوط (٤).

وصرّح في النهاية بعدم الجواز (٥) ، وهو ظاهر كلام ابن الجنيد (٦) ، والأوّل أقرب.

لنا : الأصل ، والاستصحاب ، والأخبار الحاصرة للمفطرات في غير ذلك ، كصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة وغيرها.

وخصوص رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يمضغ

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ١٧٤.

(٢) المسالك ٢ : ٣٣.

(٣) المدارك ٦ : ١٠٤.

(٤) المبسوط ١ : ٢٧٣.

(٥) النهاية : ١٥٧.

(٦) المختلف ٣ : ٤١٨.

٨٨

العلك؟ قال : «نعم إن شاء» (١).

والعجب أنّ الشيخ قال في التهذيب : إنّه غير معمول به (٢) ، مع أنّه عمل به في المبسوط (٣) ، ولعلّه أراد أنّ إطلاق قوله عليه‌السلام «نعم» ينافي الكراهة ، ولم يقل أحد بنفي الكراهة ؛ لا أنّه حرام (٤) ، والعمل عليه.

ورواية محمّد بن مسلم المرويّة في الكافي قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا محمّد إيّاك أن تمضغ علكاً ، فإنّي مضغت اليوم علكاً وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئاً» (٥).

والظاهر أنّ مراده عليه‌السلام من قوله عليه‌السلام : «وجدت في نفسي منه شيئاً» مظنّة دخول بعض أجزائه في الحلق ، وفعله عليه‌السلام مع أنّ الغالب فيه حصول التغيّر في الريق والدخول في الحلق دلّ على الجواز.

حجّة المنع : امتناع انتقال الأعراض ، فحصول الطعم مستلزم لحصول جزء منه في الريق الذي يدخل في الحلق ، وخصوص حسنة الحلبي عنه عليه‌السلام قال ، قلت : الصائم يمضغ العلك؟ قال : «لا» (٦).

وتؤيّده صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه ، عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يذوق الشراب والطعام يجد طعمه في حلقه ، قال : «لا يفعل» قلت : فإن فعل فما عليه؟ قال : «لا شي‌ء عليه ، ولا يعود» (٧) وصحيحة الحلبي المتقدّمة في السواك.

والجواب عن الأوّل بالمنع عن استحالة انتقال الأعراض ، وقد يحصل التغيّر بالمجاورة كما في الماء والهواء بمجاورة الميتة وغيرها ، فعن المنتهي أنّه قال : وقد قيل إنّ

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٤ ح ١٠٠٢ ، الوسائل ٧ : ٧٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٦ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٤ ح ١٠٠٢.

(٣) المبسوط ١ : ٢٧٣.

(٤) في «ح» : لأنّه حرام.

(٥) الكافي ٤ : ١١٤ ح ٢ ، الوسائل ٧ : ٧٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٦ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ١١٤ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٧٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٦ ح ٢.

(٧) التهذيب ٤ : ٣٢٥ ح ١٠٠٤ ، الوسائل ٧ : ٧٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٧ ح ٥.

٨٩

من لطّخ باطن قدميه بالحنظل وجد طعمه ولا يفطر إجماعاً (١).

أقول : والأولى أن يقال على فرض تسليم عدم انتقال الأعراض نمنع انصراف أدلّة الإفطار بمثل بلع هذه الأجزاء الصغار الّتي لا يدركها البصر.

وأمّا الحسنة فلا تقاوم ما ذكرناه ، فتحمل على الكراهة ، مع أنّ دلالة النهي على الفساد ووجوب القضاء محل المنع.

هذا كلّه إذا لم يتحلّل منه شي‌ء ، فإن علم ذلك وابتلعه عمداً فهو مفسد للصوم موجب للقضاء بل الكفارة أيضاً.

الثامن : ذهب الشيخ في المبسوط(٢) والعلامة في المختلف(٣) إلى أنّ صبّ الدواء في الإحليل حتّى يصل إلى الجوف مفسد للصوم واستدلّ عليه في المختلف بما يرجع إلى القياس بالحقنة.

وذهب الشيخ في الخلاف (٤) والمحقّق في المعتبر (٥) إلى العدم.

وتردد في الشرائع (٦) ، والأقرب الأوّل ؛ للأصل ، وبطلان القياس.

وكذلك ذهب في المختلف تبعاً للشيخ في المبسوط إلى أنّه إذا أمر غيره بإدخال مثل طعنة الرمح في جوفه أو فعل هو بنفسه أفسد صومه (٧) ، والأقوى عدمه ، تبعاً للشيخ في الخلاف (٨) وابن إدريس (٩) ، وكذلك فيما لو داوى جرحه بما وصل إلى جوفه.

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٥٦٨.

(٢) المبسوط ١ : ٢٧٣.

(٣) المختلف ٣ : ٤١٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٢١٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٥٩.

(٦) الشرائع ١ : ١٧٤.

(٧) المختلف ٣ : ٤١٥.

(٨) الخلاف ٢ : ٢١٤.

(٩) السرائر ١ : ٣٧٨.

٩٠

المبحث الثاني

يجب الإمساك عن الجماع في قُبُل المرأة ، ويفسد الصوم للواطئ والموطوءة بالإجماع والآية والأخبار المستفيضة ، قدّ مرّ بعضها وسيجي‌ء بعضها.

وفي دُبرها كذلك على الأظهر الأشهر ؛ لعموم الآية (١) ، فإنّ المباشرة أعمّ ، وإذا ثبتت الحرمة فيثبت البطلان بالإجماع المركّب كما صرّح به في المدارك (٢).

وكذلك عموم الأخبار الدالّة على وجوب الاجتناب عن جماع النساء وإتيانهنّ (٣) ، سيّما وورد أنّه أحد المأتيين ، وفيها دلالة على البطلان أيضاً.

ويدلّ عليه أيضاً : الإجماع ، نقله الشيخ في الخلاف (٤) وابن حمزة في الوسيلة (٥) على استواء فرجي الآدمي.

ويدلّ عليه أيضاً : أنّ الأخبار الواردة في حرمة التعمّد على الجنابة إلى الصباح منبّهة على أنّ الجنابة مضرّة بالصوم (٦) ، وهو مشروط بعدمها ، خرج الإنزال نهاراً من دون اختيار ، وكذلك المباشرة سهواً بدليل الإجماع ، والجماع في الدُّبر موجب للجنابة ؛ لأنّه يوجب الغسل كما بيّناه في كتاب الطهارة.

وبهذا يظهر فساد صوم الموطوءة أيضاً ؛ لما بيّناه ثمّة من وجوب الغسل عليها ، ويظهر من المبسوط نوع تردّد في كونه ناقضاً (٧).

وتدلّ على عدم البطلان به روايتان ضعيفتان دالّتان على أنّه لا ينقض الصوم ،

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) المدارك ٦ : ٤٤.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤.

(٤) الخلاف ٢ : ١٨١.

(٥) الوسيلة : ١٤٢.

(٦) الوسائل ٧ : ٤٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦.

(٧) المبسوط ١ : ٢٧٠.

٩١

ولا يوجب الغسل عليهما (١).

وهما مع منافاتهما لما أثبتنا من وجوب الغسل به لا يعارض بهما ما تقدّم.

وقال الشيخ في التهذيب : هذا خبر غير معمول به ، وهو مقطوع الإسناد (٢).

وأمّا دُبر الغلام فالمشهور فيه أيضاً الإفساد ، وتردّد فيه في النافع (٣).

وجعله العلامة في المختلف (٤) والمحقّق في الشرائع (٥) بعد التردّد تابعاً لوجوب الغسل ، يعني : إن قيل بوجوب الغسل فيكون جنابة ، والجنابة مبطلة للصوم بناءً على ما أشرنا إليه ، وإلا فلا.

أقول : والأظهر أنّه مبطل ؛ لأنّه موجب للغسل كما حقّقناه في كتاب الطهارة ، ويظهر التقريب في نقض الصوم مما مرّ.

مع أنّه المناسب لوضع الصوم ، بل يدلّ إبطال الجماع في الفرج الحلال على إبطاله بطريق أولى.

مع أنّه يمكن الاستدلال عليه بلفظ النكاح الوارد في الأخبار ، بل الجماع أيضاً ، مثل ما رواه الصدوق في العلل ، عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لأيّ علّة لا يُفطر الاحتلام الصائم والنكاح يُفطر الصائم؟ قال : «لأنّ النكاح فعله ، والاحتلام مفعول به» (٦).

وظاهر ابن حمزة في الوسيلة أيضاً الإجماع حيث سوّى بين فرجي

__________________

(١) الاولى في التهذيب ٤ : ٣١٩ ح ٩٧٧ ، والوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ٣ ، عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل ، والثانية في التهذيب ٤ : ٣١٩ ح ٩٧٥ في رجل أتى امرأة في دبرها وهي صائمة ، قال : لا ينقض صومها ، وليس عليها غسل. أقول : الأُولى مرسلة ، والثانية مرفوعة.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٠.

(٣) المختصر النافع ١ : ٦٦.

(٤) المختلف ٣ : ٣٨٩.

(٥) الشرائع ١ : ١٧٠.

(٦) علل الشرائع : ٣٧٩ ح ١ ، الوسائل ٧ : ٧٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٥ ح ٤.

٩٢

الآدميّ (١) ، وهو المنقول عن الشيخ في الخلاف (٢) وظاهر المبسوط (٣).

ودليل العدم : الأصل ، وصحيحة محمّد بن مسلم السابقة.

والأصل لا يعارض الدليل ، والصحيحة غير باقية على ظاهرها كما لا يخفى.

ويظهر مما تقدّم أنّ حكم الموطوء كحكم الواطئ.

وأمّا البهيمة ؛ فالظاهر أنّ المشهور فيه أيضاً الإبطال ، وظاهر الشيخ في الخلاف أنّه لا خلاف فيه (٤) ، وإن كان يظهر منه نوع اضطراب ، وذهب ابن إدريس (٥) والفاضلان إلى العدم (٦).

ويمكن أن يستدلّ عليه : بأنّه موجب للغسل على الأظهر كما بيّناه ، اتكالاً على فحوى قول عليّ عليه‌السلام : «أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعاً من ماء؟!» (٧) منضمّاً إلى اشتراط الخلوّ عن الجنابة عمداً في الصوم كما أشرنا.

قالوا : ولا فرق في الموطوء بين الحي والميت.

هذا كلّه مع عدم الإنزال ، وأمّا مع الإنزال فلا إشكال في الإفساد بالأخبار والإجماع.

الثالث : اختلف الأصحاب في كون الكذب على الله ورسوله والأئمّة متعمّداً مفطراً موجباً للقضاء والكفارة ، أو القضاء فقط ، أو عدمهما بعد اتفاقهم على عدم كون مطلق الكذب ناقضاً ، وإن حرم الجميع على تفاوت في مراتبه في القوّة والضعف بالذات وبحسب الزمان على أقوال.

__________________

(١) الوسيلة : ١٤٢.

(٢) الخلاف ٢ : ١٩٠.

(٣) المبسوط ١ : ٢٧٠.

(٤) الخلاف ٢ : ١٩١.

(٥) السرائر ١ : ٣٨٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٥٤ ، المختلف ٣ : ٣٩٠.

(٧) التهذيب ١ : ١١٩ ح ٣١٤ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٥.

٩٣

فأكثر القدماء على الأوّل ، منهم الشيخان (١) ، والسيد في الانتصار (٢) ، وأبو الصلاح (٣) ، وابن البراج (٤) ، ونسبه في الدروس إلى المشهور (٥).

وقال السيّد في الجمل : الأشبه أنّه ينقض الصوم وإن لم يبطله (٦) ، واختاره ابن إدريس (٧) والعِمة (٨) وأكثر المتأخّرين (٩).

وظاهر المحقّق في النافع أنّه موجب للقضاء فقط (١٠).

والأقوى الأوّل ؛ للإجماع المنقول في الانتصار (١١) ، وعن ابن زهرة أيضاً أنّه ادّعاه (١٢)

وقال في المنتهي بعد أنّ نسب هذا القول إلى الشيخين : احتجّوا بالإجماع ، ويظهر منه أنّهما أيضاً ادّعيا الإجماع (١٣).

ولخصوص موثّقة أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم» قال ، قلت له : هلكنا! قال : «ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة «» (١٤).

وطعنوا عليها بضعف السند ؛ بأنّ في طريقها منصور بن يونس بن بزرج ، وقال

__________________

(١) الشيخ المفيد في المقنعة : ٣٤٤ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٣.

(٢) الانتصار : ٦٢.

(٣) الكافي في الفقه : ١٧٩.

(٤) المهذّب ١ : ١٩٢.

(٥) الدروس ١ : ٢٧٤.

(٦) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٤.

(٧) السرائر ١ : ٣٧٦.

(٨) المختلف ٣ : ٣٩٧.

(٩) المدارك ٦ : ٤٦.

(١٠) المختصر النافع ١ : ٦٦.

(١١) الانتصار : ٦٢.

(١٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٧١.

(١٣) المنتهي ٢ : ٥٦٤ ، وانظر المقنعة : ٣٤٥ ، والمبسوط ١ : ٢٧٠.

(١٤) التهذيب ٤ : ٢٠٣ ح ٥٨٥ ، الوسائل ٧ : ٢٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٢.

٩٤

الشيخ : إنّه واقفي (١) ، ونقل الكشي رواية تدلّ على أنّه جحد النصّ على الرضا عليه‌السلام لأموال كانت في يده (٢).

وفيه : أنّ النجاشي وثّقه من دون ذكر الوقف (٣) ، ولو ثبت فالخبر موثّق ، وهو حجّة ، سيّما مع اعتضادها بعمل القدماء ، وخصوصاً مع أنّ الراوي عنه ابن أبي عمير ، وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، ولا يروي إلا عن ثقة كما ذكروه ، وفي طريق الرواية جهالة.

وبأنّ أبا بصير مشترك بين الثقة والضعيف.

وفيه : أنّ التحقيق أنّه لا اشتراك فيه بينهما ، بل الظاهر أنّه الثقة ، سيّما إذا كان راوياً عن أبي عبد الله عليه‌السلام. ووصف العلامة في المختلف هذه الرواية بالموثّقة أيضاً (٤).

وبأنّها مشتملة على ما لا يقول به الأصحاب من كونه ناقضاً للوضوء.

وفيه : أنّ الحقّ أنّه لا يخرج الخبر بذلك عن الحجيّة في سائر أجزائه ، مع أنّ الكليني رواها في كتاب الإيمان والكفر في الحسن لإبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ الكذبة لتفطر الصائم» قلت : وأيّنا لا يكون ذلك منه؟ قال : «ليس حيث ذهبت» (٥) إلى آخر الحديث.

وكذلك الصدوق رواها في الفقيه بسنده عن منصور وهو صحيح كما في الخلاصة (٦) عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الكذبة على الله وعلى رسوله

__________________

(١) رجال الشيخ الطوسي : ٣٦٠ رقم ٢١.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٧٦٨ رقم ٨٩٣.

(٣) رجال النجاشي : ٤١٣ رقم ١١٠٠.

(٤) المختلف ٣ : ٣٩٩.

(٥) الكافي ٢ : ٢٥٤ ح ٩ ، وج ٤ : ٨٩ ح ١٠.

(٦) الخلاصة : ٢٧٧.

٩٥

وعلى الأئمّة «تفطر الصائم» (١) وليس فيهما نقض الوضوء.

فهذه الرواية ، مع عمل القدماء ، وورودها في الكتب الثلاثة ، يكفي في إثبات المطلب.

ودلالتها أيضاً واضحة ، فإنّ الإفطار إما من باب الحقيقة الشرعيّة ، أو التشبيه بالإفطار ، فتعمّ أحكامه ، سيّما الشائعة منها ، ومنها القضاء والكفارة.

والدليل على أنّ المفطر في شهر رمضان يجب عليه القضاء والكفّارة الأخبار الكثيرة ، وسيجي‌ء شطر منها.

وموثّقة سماعة وفي طريقها عثمان بن عيسى ، وهو غير مضرّ قال : سألته عن رجل كذب في شهر رمضان ، فقال : «قد أفطر وعليه قضاؤه» فقلت : ما كذبته؟ فقال : «يكذب على الله وعلى رسوله» (٢) ، رواها في باب ماهيّة الصيام ، وإضمار سماعة غير مضرّ كما حقّق في محلّه.

وروى في باب ما يفسد الصيام أيضاً في الموثّق عنه ، قال : سألته عن رجل كذب في شهر رمضان قال : «قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم يقضي صومه ووضوءه إذا تعمّد» (٣) ولا يضرّ اشتمالها على قضاء الوضوء كما مرّ ، وحمله الشيخ في الوضوء على الاستحباب (٤).

والعجب أنّ العلامة وغيره من المتأخّرين اكتفوا في هذا المقام بهذه الرواية ورواية منصور على ما في التهذيب ، وقدحوا فيهما بما قدحوا ، مع ما عرفت من وجود غيرهما من دون ورود ما أوردوا.

وهاهنا روايات أُخر أيضاً : مثل ما رواه في الخصال مرفوعاً ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٦٧ ح ٢٧٧ ، الوسائل ٧ : ٢١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٩ ح ٥٣٦ ، الوسائل ٧ : ٢٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٣ ح ٥٨٦ ، الوسائل ٧ : ٢٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠٣.

٩٦

، قال : «خمسة أشياء تفطر الصائم : الأكل والشرب ، والجماع ، والارتماس في الماء ، والكذب على الله وعلى رسولهُ وعلى الأئمّة «» (١) ، وفي كتاب الإقبال أيضاً ما يدلّ عليه (٢).

واحتج المتأخرون ؛ بالأصل ، وصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة (٣).

والأصل مخرج عنه بما ذكرنا ، والصحيحة مع أنّها ليست باقية على ظاهرها لا تقاوم ما ذكرنا من الأدلّة.

ثمّ إنّ ظاهر هذا الكلام يعني أنّ الكذب على الله مفطر أنّه يعتقد أنّه كذب ويقول ، لا أن يقول شيئاً هو غير مطابق للواقع مع اعتقاد المطابقة ، وإن كان الكذب على التحقيق هو المخالف للواقع كما صرّح به جماعة (٤).

وعلى هذا فلو اعتقد المخالفة وقال فهو داخل في المسألة ، وإن كان في الواقع موافقاً للواقع ، فإنّه لا ريب أنّ التكاليف منوطة بالعلم.

وقال المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله : الظاهر أنّ منه بيان المسائل الدينيّة على خلاف ما هي عليه (٥).

أقول : إن أراد أنّه إذا اعتقد أنّه خلاف حكم الله الواقعي والظاهري كليهما ونسبه إلى الله تعالى فهو كما ذكره ، وأمّا في مثل بعض القاصرين من العلماء والعوام ، حيث ينسب القول إلى الله تعالى بمجرّد فتوى رآها في كتاب ، ولم يكن تكليفه الاقتصار عليه ، أو بتقليد من ليس تكليفه تقليده ، فهو مشكل ، من أنّه ليس بحكم الله الواقعي في اعتقاده ، ولا الظاهري ، ونسب إليه تعالى ، ومن أنّه لم يعتقد أنّه كذب ، غاية الأمر عدم اعتقاده للصدق.

__________________

(١) الخصال : ٢٨٦ ح ٣٩ ، الوسائل ٧ : ٢١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٦.

(٢) الإقبال : ٨٧ ، الوسائل ٧ : ٢١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٩.

(٣) المنتهي ٢ : ٥٦٥ ، المختلف ٣ : ٣٩٨.

(٤) الانتصار : ٦٢ ، النهاية : ١٥٣ ، المهذّب ١ : ١٩٢ ، المختلف ٣ : ٣٩٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٩٧.

٩٧

وأمّا لو قال : الحكم هكذا والصلاة هكذا ، والصوم هكذا من دون نسبة إلى الله والقصد إلى ذلك أيضاً ، وإن كان ربّما دلّ (١) على ذلك دلالة تبعية غير مقصودة ، فالحكم بالإفساد أشدّ إشكالاً ، بل الظاهر عدم الإشكال في العدم.

الرابع : الارتماس متعمّداً

واختلفوا فيه ، فأكثر القدماء على أنّه مفسد وموجب للكفارة ، ونسبه في الدروس إلى المشهور ، واختاره هو (٢) ، وهو مذهب الشيخين في غير التهذيب والاستبصار (٣) ، وجعله في المبسوط أظهر الروايات (٤) ، وادّعى عليه في الانتصار الإجماع (٥) ، وهو المنقول عن ابن زهرة (٦) ، وكذا ظاهر الشيخ في الخلاف (٧).

وعن أبي الصلاح : وجوب القضاء خاصة (٨) ، وهو المنقول عن العلامة في التلخيص ، وظاهر النافع (٩).

وذهب الشيخ في الاستبصار (١٠) ، وابن إدريس (١١) ، والفاضلان في جملة من كتبهما (١٢) ، وجماعة ممن تأخّر عنهما ؛ إلى الحرمة (١٣) ، وعدم الإفساد والكفارة.

__________________

(١) في «م» ، «ح» زيادة : نسبته.

(٢) الدروس ١ : ٢٧٤.

(٣) المقنعة : ٣٤٤ ، النهاية : ١٥٣.

(٤) المبسوط ١ : ٢٧٠.

(٥) الانتصار : ٦٢.

(٦) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٧١.

(٧) الخلاف ٢ : ٢٢١ مسألة ٨٥.

(٨) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٩) المختصر النافع ١ : ٦٦.

(١٠) الاستبصار ٢ : ٨٥.

(١١) السرائر ١ : ٣٧٦ ، ٣٨٦.

(١٢) المختلف ٣ : ٤٠٠.

(١٣) المسالك ٢ : ١٦ ، المدارك ٦ : ٤٨ ، ٨٨.

٩٨

وعن السيد في الجمل أيضاً : التنصيص بعدم الإفساد (١).

وعن ابن أبي عقيل : أنّه مكروه (٢) ، وكذا الشيخ في التهذيب (٣).

والأقوى الأوّل ؛ للإجماعات المنقولة ، وخصوص رواية الخصال المتقدّمة ، ومثل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة حيث ذكر فيها الارتماس مع الأكل والشرب وما في معناهما ، الظاهرة في تساويه معها.

وفي الفقه الرضوي : «واتق في صومك خمسة أشياء تفطرك : الأكل ، والشرب ، والجماع ، والارتماس في الماء ، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة» (٤).

وأمّا الأخبار الدالّة على التحريم فهي كثيرة معتبرة ، مثل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه» (٥).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «الصائم يستنقع في الماء ويصبّ على رأسه ، ويتبرّد بالثوب ، وينضح المروحة ، وينضح البوريا تحته ، ولا يغمس رأسه في الماء» (٦).

وهذه الأخبار مع الأصل ، وخصوص رواية إسحاق بن عمّار ووصفها في المنتهي بالموثّقة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمداً ، أعليه قضاء ذلك اليوم؟ قال : «ليس عليه قضاؤه ولا يعودن» (٧) دليل التحريم وعدم الإفساد.

والأصل لا يقاوم الدليل. وكذلك هذه الرواية مع سلامة سندها لا تقاوم الإجماعات المنقولة والروايات المتقدّمة ، سيّما مع ما ذكره في المبسوط من كون ذلك

__________________

(١) الجمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٤.

(٢) نقله عنه في المختلف ٣ : ٤٠٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٩.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٧ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٢١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٠٣ ح ٥٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ح ٢٥٨ ، الوسائل ٧ : ٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٧.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٦ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ ح ٥٩١ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ح ٢٤٠ ، الوسائل ٧ : ٢٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٢.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٩ ح ٦٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ح ٢٦٣ ، الوسائل ٧ : ٢٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٦ ح ١.

٩٩

أظهر الروايات (١) ، فإنّه يظهر منه أنّه كان بخصوص القضاء والكفارة معاً رواية.

وأمّا حجّة ابن أبي عقيل فهي رواية عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «يكره للصائم أنْ يرتمس في الماء» (٢).

وهي مع سلامة سندها ممنوعة الدلالة ؛ لمنع الحقيقة الشرعيّة في الكراهة.

تنبيهات :

الأوّل : ذكر جماعة أنّ المراد هنا بالارتماس غمس الرأس في الماء وإن بقي البدن خارج الماء (٣) لإطلاق الأخبار. والتأمل فيها يفيد أنّ المراد به غمسه بعد الاستنقاع أو الارتماس بتمام البدن ، ولكن الأحوط ، بل الأظهر الوقوف معهم.

وقال الشهيد الثاني رحمه‌الله : المراد به غمس الرأس في الماء دفعة واحدة عرفيّة (٤) ، ويشكل بأنّه لا دليل على إخراج ما لو غمسه تدريجاً ؛ لصدق الارتماس عليه.

وأمّا لو إحاطة ماء غامر بعنوان الصبّ دفعة ، فالظاهر أنّه خارج عن مورد الأخبار.

ويشكل بما لو غمس جميع المنافذ وبقيت منابت الشعر ، نظراً إلى أنّ الرأس حقيقة في المجموع ، وإلى أنّ الحكمة لعلها دخول الماء في الجوف من المنافذ ، وهي موجودة فيما نحن فيه ، وكذلك الإشكال لو بقي بعض المنافذ كالعين والاذُن.

الثاني : إطلاق النصّ وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين النافلة والفريضة فمن قال بالإفساد يقول به فيهما ، ومن يقول بالتحريم فقط فالأظهر فيها أيضاً التحريم كالتكفير في الصلاة ، هذا إذا أُريد بقاء الصوم ، وإلا فيجوز قولاً واحداً.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٩ ح ٦٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ح ٢٦٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٩.

(٣) غاية المراد ١ : ٣٠٥ ، مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ١٠٣ ، كفاية الأحكام : ٤٧.

(٤) الروضة البهيّة ٢ : ٩٢ ، المسالك ٢ : ١٦.

١٠٠