دراسات في الحديث والمحدّثين

هاشم معروف الحسني

دراسات في الحديث والمحدّثين

المؤلف:

هاشم معروف الحسني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٨

لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شئ (١).

وروى في باب الضلال عن عبد الرحمن بن الحجاج عن هاشم صاحب البريد انه قال : تنازعنا انا ومحمد بن مسلم وابو الخطاب فيمن لا يعرف هذا الامر (اي الامام) ، فلما حججت دخلت على ابي عبد الله (ع) واخبرته بما جرى. فقال : انك قد حضرت وغابا ، ولكن موعدكم الليلة فلما اجتمعنا عنده تناول وسادة ووضعها في صدره ، ثم قال لنا ما تقولون في خدمكم ونسائكم واهليكم أليس يشهدون ان محمدا رسول الله (ص) قلت : بلى قال أليس يصلون ويصومون ويحجون قلت : بلى ، فيعرفون ما انتم عليه قلت لا ، قال فما هم عندكم : قلت من لم يعرف هذا الامر فهو كافر ، قال سبحان الله : اما رأيت اهل الطريق ، واهل المياه قلت : بلى قال أليس يصومون ويصلون ويحجون ، أليس يشهدون ان لا إله الا الله وان محمدا رسول الله قلت بلى : قال فيعرفون ما انتم عليه قلت لا ، قال فما هم عندكم؟ قلت من لم يعرف هذا الامر فهو كافر ، وهكذا مضى الامام (ع) يعدد له اصناف الناس على اختلاف حالاتهم ممن يؤمن بالله ورسوله في معرض الانكار على من يسلب عن المسلمين صفة الاسلام لمجرد انهم لا يقولون بما يقوله الشيعة في الولاية ، واخيرا وبعد ان لمس منهم الاصرار والتصلب في ادعائهم ، قال : سبحان الله هذا قول الخوارج ،

__________________

(١) المرجئة هم القائلون بأنه لا يفر مع الايمان بالله معصية ، والقدرية هم المفوضة القائلون بأن الافعال من صنع العبد وليس لله رأي بها ولا مشيئة ، والحرورية هم الخوارج ، وقد اعطاهم المؤرخون هذا الاسم ، لانهم في اول امرهم قد اجتمعوا في قرية تدعى حروراء في جوار الكوفة ، وذلك بمد فشل مؤتمر التحكيم الذي دعا إليه معاوية بعد ان احس بالهزيمة وتبناه القسم الاكبر من الجيش الذي كان يحارب في صفين مع علي (ع) ومن بين هؤلاء قادة الحرورية الذين اغروا الناس بالخروج على علي (ع) وزينوا لهم التمرد والعصيان.

٣٤١

واضاف إلى ذلك : انه لشر عليكم ان تقولوا بشئ ما لم تسمعوه منا (١).

وروى في باب صنوف اهل الخلاف من المرجئة والقدرية ، والخوارج عن مروك بن عبيد ، ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال : لعن الله القدرية والخوارج والمرجئة ، لعن الله المرجئة ، لعن الله المرجئة.

فقال له الراوي : لعنت الخوارج والقدرية مرة ولعنت المرجئة مرتين قال (ع) : ان المرجئة يقولون : بأن قتلتنا مؤمنون ، ودماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة ، ان الله حكى عن قوم في كتابه انهم قالوا : «لن نؤمن لرسول حتى ياتينا بقربان تأكله النار ، قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات ، فلم قتلتموهم ان كنتم صادقين» وكان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام ، فالزمهم الله القتل برضاهم بما فعلوا.

والقدرية والمرجئة فرقتان ظهرت طلائعهما في العهد الاموي : ويرجح المؤلفون في الفرق والمعتقدات ان اول من تكلم بالقدرية رجل من اهل العراق كان نصرانيا دخل في الاسلام ورجع عنه ، ومنه اخذ معبد الجهني وغيلان الدمشقي ، فتولى معبد نشر فكرة القدر بمعنى ان الانسان مختار اختيارا مطلقا في افعاله يصنعها كما يريد من نكير ان يكون لله مشيئة في ذلك ، هذا المعنى من القدر تولى نشره معبد الجهني في العراق ، واتجه غيلان الدمشقي إلى نشره والتبشير به في جهات الشام ، وانضم معبد الجهنى اخيرا إلى عبد الرحمن بن الاشعت في تورته ضد الامويين ، فوقع

__________________

(١) انظر ص ٤١٠ و ٤٠٢ من المجلد الثاني ، والذي عناه الامام (ع) بقوله : هذا قول الخوارج ، ان انكار الولاية ، أو الجهل بها لا يوجب الكفر ، ما دام المسلمون يقرون لله بالوحدانية ، ولمحمد بالنبوة ، ويؤدون الفرائض ، ولا يشترط في الاسلام اكثر من الاقرار بالشهادتين ، وعدم الانكار لشئ من الضروريات ، وتكفير المسلمين لمجرد انهم لا يقرون بامامة الائمة يشبه رأي الخوارج حيث كفروا جميع المسلين لانهم لم يوافقوهم في آرائهم ومعتقداتهم.

٣٤٢

اسيرا بيد الحجاج بن يوسف ، بعد ان انهزم ابن الاشعت في المعارك التي دارت بينه وبينهم ، فارسله إلى عبد الملك بن مروان فقتله صلبا.

واما غيلان الدمشقي ، فقد جرت بينه وبين عمر بن عبد العزيز مناظرات حول القدر فاقنعه بفساد هذه المقالة ، واظهر التراجع عنها ، فولاه عمر بن عبد العزيز بيع خزائن ملوك اسلافه الامويين ، وكان يكثر من سبهم والتشهير بمخازيهم وبالمنكرات التي ارتكبوها ، فاضمرها له هشام بن عبد الملك ولما تمكن منه في ايام خلافته قطع يديه ورجليه (١).

ومن الثابت ان الحكام كانوا يطاردون انصار هذه الفكرة لانها تحملهم مسؤولية اعمالهم ومنكراتهم ، ويتضح ذلك عندما نقارن بين قسوتهم مع هؤلاء وبين اكرامهم للقائلين ، بان القدر هو القضاء المحتوم على العباد والانسان لا يملك من امره شيئا. كما يدعى الجعد بن درهم ، اخذ الدعاة للقدر بهذا المعنى ، الملازم للامويين ، والمعلم لاولادهم ، ومنه اخذ هذه المقالة الجهم بن صفوان الداعية الثاني لها ، مع العلم بان القدر بالمعنى الاول ليس باسوأ من المعنى الثاني (٢) ومع ذلك فقد بالغوا في اكرامه والاحسان إليه.

ومهما كان الحال ، فالامام (ع) قد لعن المفوضة ووصفهم بالشرك في بعض المرويات ، لان التفويض يلزمه التعطيل وعدم الحاجة إلى بعث الرسل.

وفي العصر الذي ، ظهر فيه القدرية شاعت فكرة الارجاء ، وتطوع لحمايتها الحكام لانها تعطيهم صفة المؤمنين الابرار في وقت يجدون انفسهم

__________________

(١) الانتصار لابن الخياط ، ص ١٣٩.

(٢) لان القدر بمعنى التفويض يلزمه تعطيل ارادة الله سبحانه وعزله عن سلطانه ، والقدر بالمعنى الثاني يلزمه عدم استحقاق الانسان للثواب والعقاب على الطاعات والمعاصي لانه لا يملك من امره شيئا.

٣٤٣

في امس الحاجة إليها لانها تحمي ايمانهم من هجمات الخوارج المكفرين لكل من خالفهم ولم يشترك معهم في الثورة على الامويين ، ومن هجمات المعتزلة التي تنفي عن العصاة صفتي الايمان والكفر ، ومن حملات المحدثين والفقهاء الذين كانوا يصفونهم بالفسق والنفاق.

في هذا الجو المشحون بالصراع العقائدي ظهرت فكرة الارجاء التي تنص إلى ان الايمان لا يعتبر فيه اكثر من الاقرار باللسان. ولا تضر معه المعاصي والمنكرات مهما بلغت وكان نوعها ، بل حتى ولو عبد الاوثان ، ولازم اليهودية والنصرانية ، كما نسب ذلك لبعضهم ، والارجاء الذي يمنح العصاة صفة القديسين ، ويفتح الباب امامهم لجميع المعاصي والمنكرات ، هذا النوع من الارجاء لانه يطمع الفساق والمستهترين في عفو الله ويشجعهم على المعاصي ، لعن الامام (ع) انصاره وشدد على معتنقيه والقائلين به.

ان المرجئة الذين يمنحون يزيد بن معاوية واباه صفة العاملين بكتاب الله والمتبعين لسنة رسول الله وسيرة اوليائه ، ويكذبون الكتاب والسنة الذين وصفا العصاة بالفسق والنفاق ، وتوعدا العامي بالعقاب الشديد والعذاب الاليم ، هؤلاء هم الشركاء لجميع العصاة في عصيانهم ومخازيهم ، واكثر ضررا من الخوارج والقدرية واحق باللعن والخزي منهم.

واما الخوارج فالشذوذ الجامع بين جميع فرقهم ، هو تكفير جميع المسلمين حيث انهم لهم يشتركوا معهم في ثورتهم ضد الحكام ، ولم يقروا جميع آرائهم وتصرفاتهم (١).

__________________

(١) لقد عقدنا فصلا خاصا في كتابنا (الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة) عن الخوارج ، وعرضنا فيه الجوانب المهمة من تاريخهم وفرقهم وتشريعاتهم ، والاسباب التي ادت الى فشلهم مع ايمانهم بمبادئهم وتصلبهم في تنفيذها مهما كان الثمن غاليا.

٣٤٤

من مرويات الكافي حول القرآن

لقد خصص الكليني فصلا كبيرا من المجلد الثاني للمرويات التي تشيد بفضل القرآن ومكا نته وتلاوته واقتنائه وحفظه ، والاعتصام به ، مما يؤكد حرص الائمة (ع) على تعظيمه وتقديسه والعمل به والاستفادة من حكمه وادابه وتعاليمه ، وليس بوسعنا ان نستقصي جميع ذلك ، ولا جميع مرويات الكافي التي احاطت بمجيع نواحى الخير والفضيلة والاخلاق ، وعالجت جميع المشاكل ووضعت لها الحلول التي تتناسب مع جميع العصور.

وقد رأيت ان اختم كتابي هذا ببعض المرويات التي تشعر بتحريف القرآن ، وعليها قد اعتمد من نسب القول بالتحريف إلى الشيعة وائمتهم واسقاط بعض الآيات منه.

فمن ذلك ما رواه في باب النوادر عن الاصبغ بن نباتة ان إمير المؤمنين (ع) كان يقول : نزل القرآن اثلاثا ، ثلث فينا وفي عدونا ، وثلث سنن وامثال ، وثلث فرائض واحكام.

وقد استنتج من نسب القول بالتحريف إلى الشيعة من هذه الرواية ان الثلث الذي هو في اهل البيت واعدائهم ، قد اسقط من القرآن ، بنظر الشيعة لان الموجود بين ايدي المسلمين لم يشتمل على هذا النوع من الثلث صراحة وقد فاتهم ان الذي يعنيه الامام (ع) بهذه الرواية من الثلث

٣٤٥

الاول على صحتها هم ومن كان من سنخهم من المؤمنين والطيبين الذين طبقوا مبادئهم وعملوا بما جاء به الانبياء والمرسلون ، ويعني بعدوهم كل منحرف عن الحق لا يؤمن بيوم الحساب ، ولا يعمل بما امر الله ورسوله ، فالآيات التي تعرضت للطيبين والمسارعين إلى الخيرات والاعمال الصالحات نزلت فيهم ، لان من كان بهذه الصفات فهو منهم بعمله وروحه وايمانه بمبادئهم التي دعا إليها الاسلام وجميع الاديان ونص عليها القران لا فرق في ذلك بين الابيض والاسود والعربي وغيره ، ولذلك وحده كان سلمان من اهل البيت وتأكيدا لهذا المبدأ قال الرسول (ص) : سلمان من اهل البيت.

والآيات التي تعرضت للاشرار والفجار والمنافقين في اي عصر كانوا هي في عدوهم ، ولو سبقهم بعشرات القرون ، لانهم لا يعادون الا في الله ، ولا يحبون الا في الله.

ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر الباقر (ع) انه قال : يا محمد إذا سمعت الله ذكر احدا من هذه الامة بخير فنحن هم ، وإذا سمعت الله ذكر قوما بسوء ممن مضى فهو عدونا.

وجاء عنه (ع) انه قال : نزل القرآن اثلاثا ثلث فينا وفي محبينا ، وثلث في اعدائنا واعداء من كان قبلنا ، وثلث سنن وامثال ، ولو ان الآية إذا نزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شئ ولكن القرآن يجري اوله على آخره ما دامت السموات والارض ، ولكل قوم آية يتلونها هم منها في خير أو شر (١).

__________________

(١) والمراد من ذلك ان الآية قد يكون موردها خاصا احيانا ، ولكن حكمها يسري على من كان سنخ موردها ولو بعد نزولها بعشرات السنين.

٣٤٦

هذا بالاضافة إلى ان الرواية من حيث سندها ليست مستوفية للشروط المطلوبة ، لان الراوي لهذه الرواية عن الاصبغ بن نباتة كان من المعاصرين للامام الصادق (ع) كما يظهر من كتب الرجال وبينه وبين الاصبغ اكثر من سبعين عاما ، وقد رواه عنه بدون واسطة ، وهذا من نوح التدليس في الرواية الموجب لضعفها ، وفوق ذلك فهو من المتهمين بالوضع عند المؤلفين في الرجال.

وقد روى داوود بن فرقد عن ابي عبد الله الصادق (ع) بسند اقرب إلى الصحة من الحديث السابق ، ان القرآن نزل اربعة ارباع ، ربع حلال ، وربع حرام ، وربع سنن واحكام ، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم ، وفصل ما بينكم.

وهذه تنافي الرواية السابقة التي قسمته اثلاثا ، ونصت على ان الثلث الاول نزل في اهل البيت واعدائهم.

وإذا كان الثلث الاول فيهم وفي اعدائهم باسمائهم واشخاصهم كما يقتضيه الجمود على ظاهر الرواية ، فلماذا لم يحتج عليهم امير المؤمنين (ع) في الايام الاولى بعد وفاة الرسول (ص) بذلك الثلث ، مع انه وقف معهم موقف الخصم المطالب بحقه ، واحتج عليهم بمختلف الاساليب ، ولم يحدث التاريخ عنه أو عن اصحابه وبنيه انهم احتجوا بذلك ، ولو صحت الرواية وكان المراد منها المعنى الظاهر لكانت تلك للآيات من اقوى الحجج الدامغة لهم ولكل افاك اثيم.

ومهما كان الحال فالرواية على تقدير صدورها عن الامام (ع) تشير إلى ما ذكرناه اولا.

وروى عن احمد بن محمد بن ابي نصر انه قال : دفع الي

٣٤٧

ابو الحسن (ع) مصحفا وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه ، لم يكن الذين كفروا ووجدت فيها سبعين رجلا من قريش باسمائهم واسماء آبائهم ، فبعث الي أبو الحسن (ع) ابعث الي بالمصحف.

وروى عن عبد الرحمن بن ابي هاشم عن سالم بن ابي سلمة انه قال : قرأ رجل على ابي عبد الله (ع) وانا استمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله : كف عن هذه القراءة ، واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام قرأ كتاب الله عزوجل على حدة ، واخرج المصحف الذي كتبه علي (ع) ، واضاف إلى ذلك. ان عليا اخرجه إلى الناس حين فرغ من كتابته ، فقال لهم ، هذا كتاب الله عز وجل كما انزله الله على محمد (ص) وقد جمعته من اللوحين ، فقالوا هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن ، لا حاجة فيه ، فقال : اما والله ما ترونه بعد يومكم هذا ابدا ، انما علي ان اخبركم حين جمعته لتقرءوه (١).

وروى في كتاب الحجة من المجلد الاول بعض المرويات التي تشير إلى تحريفه ، وقد عرضنا قسما منها في الصفحات السابقة وابدينا حولها بعض الملاحظات التي لا مفر منها ونبهنا على ان رواتها من الغلاة والمنحرفين عن مخطط التشيع الصحيح لاهل البيت (ع).

ومن هذه المرويات التي اوردها الكليني وغيره من المحدثين في مجاميعهم تعرض الشيعة وبخاصة الكليني لاعنف الهجمات من السنة وبالغوا في التشنيع عليهم إلى حد الغلو والافراط الذي لا مبرر له ، وزعموا ان للشيعة قرآنا غير القرآن الموجود بين ايدى المسلمين ، ووصف الشيخ أبو زهرة الكليني بالنفاق والخروج عن الدين ، ودعا إلى التشكيك بجميع مرويات الكافي ، لانه دون فيه هذا النوع من الاحاديث ، مع العلم بان محدثي السنة دونوا في صحاحهم وغيرها احاديث من هذا النوع لا

__________________

(١) انظر ص ٦٢٧ و ٦٢٨ و ٦٣١ و ٦٢٣.

٣٤٨

تقبل التأويل والتوجيه كما يبدو من المرويات التالية التي دونها البخاري في صحيحه.

فقد جاء في المجلد الثاني منه عن ابراهيم بن علقمة انه قال : دخلت في نفر من اصحاب عبد الله الشام فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا وقال : افيكم من يقرأ القرآن فقلنا نعم : فقال فأيكم اقرأ فاشاروا الي ، فقرأت والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والانثى ، قال : انت سمعتها من في صاحبك قلت نعم : قال وانا سمعتها من في النبي (ص) وهؤلاء يأبون علينا. وما خلق الذكر والانثى.

وفي رواية ثانية ان ابا الدرداء قال لعلقمة كيف سمعته يقرأ والليل إذا يغشى ، قال علقمة : والذكر والانثى ، قال أبو الدرداء : اشهد اني سمعت النبي (ص) يقرأ هكذا ، وهؤلاء يريدوني على ان اقرأ وما خلق الذكر والانثى ، والله لا اتابعكم على ذلك.

وروى في المجلد الثاني رواية بهذا المضمون ايضا (١).

وروى في المجلد الرابع عن عبد الله بن عباس انه قال : قدمنا المدينة عقب ذي الحجة ، فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس فوجدت سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبتيه ، فلم انشب ان خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف ، فانكر علي وقال ما عسيت ان يقول ما لم يقله قبله ، فجلس عمر بن الخطاب على المنبر ، فلما سكت المؤذنون قام فاثنى على الله بما هو اهله ثم قال : اما بعد فاني قائل مقالة قد قدر لي ان اقولها لا ادري لعلها بين يدي اجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي ان لا

__________________

(١) انظر ص ٢١٥ ، ج ٣ ، و ٣٠٧ ، ج ٢.

٣٤٩

يعقلها فلا احل لاحد ان يكذب علي ، ان الله بعث محمدا بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل عليه آية الرجم فعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله ورجمنا بعده ، واخشى ان طال بالناس زمان ان يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فضيلة انزلها الله.

والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا احصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف ، وكنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ، ان لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم ان ترغبوا عن آبائكم.

وروى ايضا عن عكرمة ، ان عمر بن الخطاب قال : لولا اني اخشى ان يقول الناس : زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي (١).

وجاء في النصوص التي تعرضت لها. ان زيد بن ثابت لم يدون اية الرجم في كتاب الله حينما اوكل إليه امر جمع القرآن ، لانه كان لا يدون آية الا بشهادة عدلين ، ولم يكتف بشهادة عمر وحده ، في حين ان آخر سورة براعة لم توجد الا مع خزيمة بن ثابت ، فقال أبو بكر اكتبوها : فقد جعل رسول الله شهادته بشهادة رجلين.

وروى في المجلد الثاني عن انس بن مالك ان النبي (ص) دعا على الذين قتلوا اصحاب بئر معونة ثلاثين غداة ، على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ، واضاف إلى ذلك انس ، ان الله انزل في الذين قتلوا بئر معونة قرآنا قرأناه ، ثم نسخ بعد (بلغوا قومنا ان قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه) (٢).

__________________

(١) انظر ص ١٧٩ و ٢٦٥ ، ج ٤.

(٢) ص ١٤٠ ، ج ٢ ولابد من التنبيه على ان النسخ انما يكون بالنسبة إلى الاحكام واما الالفاظ والصيغ فلا نسخ فيها ولذأ فان الآيات التي نسخ حكمها في القرآن لم تقد من اصل القرآن ولم تخرج عن كونها قرآنا منزلا من الله سبحانه.

٣٥٠

وقد ذكرنا سابقا عن مصحف عائشة كما جاء في الاتقان ، وانها تدعى بان الله انزل في القرآن ، ان الله وملائكته يصلون على النبي ، وعلى الذين يصلون الصفوف الاولى.

وجاء في بداية المجتهد لابن رشد وغيرها ، ان القرآن نزل بعشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن ، كما جاء في رواية السيدة عائشة.

مع العلم بانه ليس في القرآن ما يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد.

وجاء في الاتقان للسيوطي ، عن المسور بن مخزمة ان عمر بن الخطاب قال لعبد الرحمن بن عوف : لم نجد فيما انزل علينا ، ان جاهدوا كما جاهدتم اول مرة ، فانا لا نجدها ، قال : اسقطت فيما اسقط من القرآن.

وجاء في صحيح مسلم. ان ابا موسى الاشعري بعث إلى قراء اهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال اتنم خيار اهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الامد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وانا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير اني قد حفظت منها ، لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى غيرهما واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن ادم الا التراب وكنا نقرأ سورة نشبهها باحدى المسبحات فانسيتها غير اني حفظت منها ، يا ايا الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، فتكتب شهادة في اعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة (١).

إلى غير ذلك من المرويات عند السنة في صحاحهم وغيرها ، ومع ذلك فقد تجاهلوا جميع هذه المرويات ونسبوا القول بالتحريف إلى

__________________

(١) البيان في التفسير للسيد الخوئي عن مسلم ، ج ٣ ، ص ١٠٠.

٣٥١

الشيعة وحدهم ، مع العلم بان علماء الشيعة تمشيا مع المخطط الذي وضعه ائمتهم لا يزالون منذ اقدم العصور الاسلامية ينكرون هذه النسبة في كتبهم ومناظراتهم ، ويجادلون اصحاب هذه المقالة بالحجج والبراهين ، ويثبتون بالادلة التي لا تقبل الريب ان القرآن الموجود بين المسلمين هو المنزل على محمد (ص) من غير زيادة أو نقصان ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولا ينكرون وجود بعض المرويات في الكافي وغيره حول هذا الموضوع ، ولكنهم يرون ان اكثر تلك المرويات مكذوبة على الائمة (ع) لان رواتها من الغلاة والباطنية كما اشرنا إلى ذلك في المباحث لسابقة والصحيح منها ليس صريحا في التحريف بمعنى النقصان لامكان ان يكون المراد منه تحريف المعاني مع الاحتفاظ بالصيغة والالفاظ.

ويؤيد هذا المعنى ما جاء في رواية سعد الخير التي رواها في الكافي عنه ، ان ابا جعفر الباقر كتب إلى سعد الخير كتابا اوصاه فيه بتقوى الله ، وجاء فيه ، وكان من نبذهم الكتاب ان اقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه.

وهذه الرواية تفسر التحريف الوارد في بعض مرويات الكافي وغيره من كتب الحديث والتفسير.

ومن خصوص الزيادة الموجودة في مصحف علي (ع) كما جاء في بعض المرويات ، لو تغاضينا عن العيوب الموجودة في اسانيدها والتزمنا بصحتها من ناحية السند ، فلا بد وان تكون الزيادات المزعومة من قبيل التفسير والتوضيح للمراد من تلك الآيات عن طريق الوحي أو النبي (ص) كما نص على ذلك جماعة من علماء الامامية.

ويدل على ذلك ما جاء في الكافي عن ابي بصير انه قال : سألت

٣٥٢

أبا عبد الله الصادق (ع) عن قوله تعالى : «أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم». فقال : نزلت في علي والحسن والحسين (ع) قلت له : ان الناس يقولون : فما له لم يسم عليا والحسن والحسين في كتاب الله؟ قال : قولوا لهم : ان رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسم لهم ثلاثا ولا اربعا حتى كان رسول الله هو الذي فسر ذلك لهم.

هذا بالاضافة إلى ان عليا والمتخلفين معه عن بيعة ابي بكر لم يحتجوا على احد بورود هذه الاسماء في القرآن الكريم ولو كان له ولابنائه ذكر صريح في كتاب الله ، لكان احتجاجهم بذلك اجدى وانفع من جميع الحجج التي استدلوا بها على استخلافه بعد النبي (ص) كما ذكرنا سابقا.

ومهما كان الحال فروايات التحريف رواها بعض محدثي الشيعة كالكليني وغيره ، ورواها اهل السنة في صحاحهم كالبخاري ومسلم وغيرهما وهي عند السنة اكثر منها عند الشيعة وبشكل ابشع واسوأ اثرا مما رواه محدثوا الشيعة ، والذين آمنوا بها من السنة لا يقلون عمن آمن بها من الشيعة ، وان كانوا لا يمثلون رأي الجمهور في ذلك ، لان اكثرهم من المنكرين لها ، كما هو الحال بالنسبة إلى الشيعة ايضا.

ولو ان الذين كتبوا من السنة وقفوا عند عرض وجهة نظر الفريقين واقتصروا على تفنيد هذا الرأي ايا كان قائله ، لكان ذلك اقرب إلى منطق الدين والعقل ، وابعد عن التحيز والتعصب الذي يثير الشحناء والبغضاء ولا يخدم الا العدو الذي يستغل هذه المهاترات لاغراضه ومصالحه.

ولكنهم بدلا من ذلك ، ومع وجود تلك المرويات في صحاحهم ومجاميعهم وقفوا موقف المهاجم العنيد والخصم الحاقد على الشيعة ليقذفوا بمفترياتهم تلك الحصون المنيعة التي بنيت بتعاليم علي واهل بيته الطيبين المستوحاة من الرسول الاعظم والكتاب الكريم ونسي هؤلاء ان

٣٥٣

حصونهم وبيوتهم من الزجاج الذي لا يصمد لهبات النسيم فضلا عن العواصف والاحجار.

لقد تعرض لمسألة التحريف من المتمأخرين الشيخ أبو زهرة في كتابيه (الامام الصادق ، والامام زيد بن علي) ووصف فيهما الكليني بالنفاق والخروج عن مخطط الاسلام ، ودعا إلى التشكيك بجميع مروياته في الكافي وفي نفس الوقت تعرض للسيوطي في الاتقان وغيره ممن روى هذه المرويات وانتهى إلى النتيجة التالية.

ان ما نقله السيوطي واشباهه لا يجعل مساغا للتشكيك في دينهم ، وان كنا لا نوافق على سرد الاقوال ذلك السرد الذي سلكه السيوطي في كتابه من غير تمحيص لها (١).

وإذا كان السيوطي مع انه دون هذه الاحاديث في كتابه من غير تمحيص لها لا يصح التشكيك في دينه كما يدعي أبو زهرة ، فبماذا يعتذر حضرته عن البخاري الذي اختار جامعه من ستماية الف حديث ولا بد وان يكون قد محصها تمحيصا دقيقا حتى انتهى إلى العدد المختار في صحيحه الذي بلغ نحوا من سبعة آلاف وستماية حديث تقريبا ، ومع هذا التمحيص فقد روى احاديث النقص وما يشبهها غرابة واستهجانا كحديث سحر النبي ، ووضع الرب رجله في جهنم ، وحديث موسى مع الحجر ونحو ذلك من الاحاديث التي عرضنا قسما منها ، وكتابه اصح كتب الحديث بل اصح كتاب بعد كتاب الله على حد تعبيرهم ، وإذا اخذنا بمقاييس ابي زهرة يجب التشكيك بدينه والنقد الواعي لجميع مروياته أو طرحها ، ولكنه لم يطبق هذا المبدأ الا على الكليني وحده.

فقد قال عندما تحدث عن البخاري محاولا تبرير موقفه من وجود مرويات غير مرضية في صحيحه ، قال : والبخاري ذاته هو اصح الكتب

__________________

(١) انظر ص ٣٢٦ من «كتابه الامام الاصادق».

٣٥٤

اسنادا قد اخذت عليه احاديث : وما كان ذلك مسوغا لتكذيب البخاري ولا كان ذلك مسوغا لنقض الصحيح الذي رواه.

ونحن لا ننكر عليه ان وجود بعض المرويات المكذوبة في اي كتاب كان لا يوجب الطعن والتفسيق لصاحب الكتاب ، ولا سقوط جميع مروياته ، والذي انكرناه انه كان من المفروض عليه وهو يدعى التجرد والاخلاص للحق ان لا يفرق بين الكليني والبخاري ، وان يحكم عليهما بحكم واحد ، لان كلا منهما قد روى احاديث النقص والتحريف. واخذت عليه احاديث لا يمكن الالتزام بها والاطمئنان إليها ، فلماذا وهو الباحث المجرد على حد زعمه ، كانت تلك المرويات المكذوبة في الكافي موجبة للطعن في دينه والتشكيك بجميع مروياته والمرويات المكذوبة في البخاري لا توجب شيئا من ذلك.

وانني اعود فاكرر ما ذكرته سابقا من اني لم اتحيز في هذه الدراسات إلى فريق معين ، ولكنها الحقيقة تفرض نفسها احيانا على الكاتب ، فيضطر إلى ابرازها مهما كلفه ذلك من ثمن ، وانا واثق باني سأتعرض بسبب هذه الدراسات إلى النقد والهجوم من مقلدة الشيعة وحشوية العامة الذين احتضنوا كتب الحديث وغالوا في تقديسها على ما فيها من العلل والعيوب ، من غير تفكير بالاخطار الناجمة عن وجود تلك المرويات المنتشرة هنا وهناك بين السنة المحمدية والتي تمكن اعداء الاسلام واعداء اهل ابيت (ع) من التشنيع عليها وتشويه معالمها النيرة الساطعة.

وارجو ان تكون هذه الدراسات المختصرة تمهيدا لدراسات واسعة تشمل جميع كتب الحديث وتصفيتها من الموضوعات التي تسئ إلى السنة الكريمة ومنه سبحانه نستمد العون ، والاخلاص في العمل والتوفيق لخدمة الدين والمذهب انه قريب مجيب.

٣٥٥

مصادر الكتاب

القران الكريم

مجمع البيان للطبرسي

آيات الاحكام للجزائري

احكام القرآن للجصاص

مقدمة البيان في التفسير للسيد الخوئي الكافي للكيني

الصحيح للبخاري

فوائد الوسائل للحر العاملي

مستدرك الوسائل للمرزا حسين النوري

روضات الجنات للخونساري

فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر

هدى الساري لابن حجر

انساب الاشرات للبلاذري

تهذيب التهذيب

تاريخ اليعقوبي

المعارف لابن قتيبة

الاصابة لابن حجر

الاستيعاب لابن عبد البر

الباعث الحثيث في شرح علوم الحديث لابن كثير

شذرات الذهب لابن العماد الحنبلى

٣٥٦

محتويات الكتاب

دراسات في الكافي للكليني ، والصحيح للبخاري................................... ٥

مقدمة....................................................................... ٧

الفصل الاول................................................................. ١٣

لمحات عن الكتابة والحديث ومراحل تدوينه...................................... ١٣

الفصل الثاني................................................................. ٣١

في اصناف الحديث.......................................................... ٣١

التواتر عند محدثي السنة...................................................... ٣٨

اخبار الاحاد واصنافها........................................................ ٤٠

الحديث وأصنافه عند السنة................................................... ٤٩

الحسن...................................................................... ٥١

الضعيف................................................................... ٥٢

العدالة..................................................................... ٥٨

الفصل الثالث................................................................. ٦٥

في الصحابة................................................................. ٦٥

عدالة الصحابة.............................................................. ٧١

الفصل الرابع................................................................ ١٠٩

البخاري وصحيحه بنظر المحدثين............................................. ١٠٩

٣٥٧

الصحيح بنظر العلماء والمحدثين.............................................. ١١٦

الكليني................................................................... ١٢٥

الكافي بنظر الشيعة......................................................... ١٣٠

الكليني يختصر السند أحيانا................................................. ١٤٠

الكليني يروي عن الاماميين وغيرهم........................................... ١٤٣

موقف السنة من مرويات الخالفين لهم......................................... ١٤٥

الفصل الخامس............................................................. ١٦١

من رجال البخاري.......................................................... ١٦١

من رجال الكافي........................................................... ١٩٢

الواجب في صحيح البخاري................................................. ٢٠٢

الواجب في الكافي.......................................................... ٢٠٩

البداء في الكافي......................................................... ٢٢٠

البداء في صحيح البخاري................................................. ٢٢٥

القدر في صحيح البخاري والكافي............................................ ٢٢٧

من كتاب العلم في صحيح البخاري........................................... ٢٣٣

من كتاب العلم في الكافي................................................... ٢٣٨

من كتاب الايمان في صحيح الخارى........................................... ٢٤٥

الدجال................................................................... ٢٨٣

من الكافي................................................................. ٢٨٥

الايمان والاسلام في الكافي................................................... ٣١٨

التقية في الكافي............................................................ ٣٢٦

من هنا وهناك........................................................... ٣٤٠

من مرويات الكافي حول القرآن.............................................. ٣٤٥

مصادر الكتاب............................................................ ٣٥٦

٣٥٨