دراسات في الحديث والمحدّثين

هاشم معروف الحسني

دراسات في الحديث والمحدّثين

المؤلف:

هاشم معروف الحسني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٨

فاسنبطنت الوادي ، فنوديت فنظرت امامي وخلفي وعن يميني وشمالي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والارض ، فاتيت خديجة وقلت دثروني : وصبوا علي ماء باردا. فانزل علي يا ايها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر (١).

وروى في باب التمتع عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع انهما قالا : كنا في جيش ، فاتانا رسول الله (ص) وقال : انه قد اذن لكم ان تستمتعوا في النساء ، فاستمتعوا ، واضاف إلى ذلك ، ان سلمة بن الاكوع حدث عن ابيه ان رسول الله (ص) قال : ايما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليالي ، فان احبا ان يتزايدا. ويتتاركا ، فما ادري اشئ كان لنا خاصة ، ام للناس عامة.

وروى عن عمران بن حصين انه قال : انزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله (ص) ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات ، فقال رجل برأيه ما شاء الله (٢).

وروى بعض المرويات عن ابن عباس وغيره ان النبي شرعها في ظروف خاصة ونهى عنها بعد ذلك.

__________________ـ

(١) ص ٢٠٧ و ٢٠٩ ، ج ٣ ، وهذا الحديث يناقض الحديث السابق الذي ينص على ان اول سورة نزل بها الوحي ، اقرأ باسم ربك الذى خلق ، كما ذكرنا سابقا من رواية البخاري عن بداية نزول الوحي وكل من الروايتين تناقض الاخرى.

(٢) والرجل الذي قال فيها برأيه ما شاء هو عمر بن الخطاب حيث نهى عنها وتوعد بالعقاب على فعلها ، وقد اخذ الشيعة برأي رسول الله (ص) الذي شرعها لانه لا ينطق عن الهوى ، وتركوا رأي الخليفة رحمه الله الذي قال فيها برأيه واجتهاده ما شاء ان يقول.

٢٨١

وفي باب نزول عيسى بن مريم (ع) روى عن النبي (ص) خبر نزوله إلى الارض ليساهم في نشر العدل واحقاق الحق ومحاربة المبطلين.

وجاء في رواية ابي هريرة حول هذا الموضوع ، ان رسول الله (ص) قال : كيف انتم إذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم (١).

وهذه الرواية ليست بعيدة عما يرويه الشيعة من ان السيد المسيح ينزل من السماء عند خروج الامام الثاني عشر فيصلي خلفه ، ويشترك معه في مقاومة المبطين لاحقاق الحق ، ذلك لان الشيعة وحدهم يدعون وجود الامام محمد بن الحسن العسكري (ع) وظهوره في آخر الزمان ، وان المسيح ينزل من السماء لنصرته على الدجال وغيره من فرق الضلال.

__________________ـ

(١) انظر ص ٢٢٦ ، ج ٢.

٢٨٢

الدجال

لقد تكرر الحديث عن الدجال الاعور في اكثر مجلدات البخاري ، ورواه عن جماعة من الصحابة في مختلف ابواب الصحيح ، وجاء في بعض المرويات. انه ما بعث الله نبيا الا واخبره عن الدجال ، وانه اعور العين اليمنى ، وتضيف اكثر المرويات إلى ذلك ، ان ربكم ليس باعور ، ورواه غير البخاري من السنة والشيعة ، ولكن المرويات الشيعية لم تتعرض للفقرة الاخيرة منها ، وجاء في بعضها انه يتظاهر بالدين ويلبس ثياب القديسين لتضليل الناس واغرائهم ، فيتبعه اكثر الناس ، وهو من الاحاديث المشهورة عند السنة والشيعة.

ومحل السؤال على تقدير صحتها ، هو ان هذه المرويات على كثرتها هل تعني دجالا معينا يظهر على الناس في زمن لا يعلمه الا الله ، أو انها تعي كل منافق يتستر بالدين ، ويظهر بمظهر المتدينين لينفذ من ذلك إلى اغراضه واهدافه. كما نشاهد هذا النوع من الدجالين المتسترين بثياب القديسين في زماننا وفي كل زمان ، وقد شاهدنا وقرأنا عمن استطاع إذ يستغل المناسبات الدينية وغيرها ليلفت الانظار إليه ويحشد حوله الجماهير باسم الدين ، وهو من الد خصوم الدين وانكد اعدائه ، واضر عليه من الابالسة والشياطين.

وبلا شك ان هؤلاء اضر على الدين من المتجاهرين في مقاومته وعدائه ، لان اساليبهم قد تضى على الكثير من المغفلين وعوام الناس

٢٨٣

فيستطيعون باساليبهم الخاصة ان ينفذوا إلى اغراضهم وخدمة اسيادهم كما يريدون كما ابتليت الطائفة الشيعية في يومنا هذا باناس من هذا النوع لا عهد لنا بامثالهم ، وعلى ذلك يكون قول النبي (ص) لانه اعور العين اليمنى كناية عن تعاميه من الحق وانحرافه عنه ، وقد عبر القرآن عن اهل الحق باصحاب اليمين ، وعن اهل الباطل باصحاب الشمال كما جاء في الآية ٤٠ من سورة الواقعة والآية ٩٠ ، هذا المعنى ليس ببعيد كل البعد عن ظاهر احاديث الدجال ، وان كان المعنى الاول الصق بظواهرها واقرب إلى سياقها.

٢٨٤

من الكافي

لقد اوردنا هذه النماذج من مرويات الصحيح للبخاري من غير ان تتعرض لاسانيدها واحوال رواتها ، بالرغم من توفر الطعون في كثير منها حسب الاصول المقررة عند السنة لمعرفة احوال الرواة ، مع العلم بان تلك الاصول لا يطبق منها شئ على رجال البخاري ومروياته في الغالب ، لان كل من روى عنه فقد جاز القنطرة على حد تعبير المقدسي.

واكتفينا ببعض التعليقات والملاحظات على بعض تلك المرويات نظرا لبعدها عن منطق الاسلام القويم ، الذي يتحدى الاوهام والخرافات. ويحكم العقل والكتاب والسنة المطهرة في كل ما ينسب إليه من اقوال وآراء وتشريعات.

ونتمنى ان لا تضيق صدور اخواننا السنة من تلك الملاحظات ، فانا لم نقصد بها الا احقاق الحق وتنزيه السنة الكريمة من تلك المرويات التي تسئ إليها وتطمس من انوارها ومعالمها.

على انا سنقف من مرويات الكافي نفس الموقف الذي وقفناه من مرويات البخاري عندما نجد ما يوجب الوقوف وابداء الملاحظات اللازمة.

وسنتعرض لبعض النماذج من مرويات الكافي حول الاصول والاخلاق والمعرفة ونحو ذلك بالاضافة إلى ما ذكرناه سابقا من كتاب التوحيد والعلم والقدر.

٢٨٥

فقد روى في كتاب العقل والجهل من المجلد الاول عن النوفلي ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال : قال رسول الله : إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله ، فانما يجازى الانسان بعقله.

وروى عن هشام بن الحكم ، ان ابا الحسن موسى (ع) قال له : يا هشام ان الله اكمل للناس الحجج بالعقول ونصر النببين بالبيان ودلهم على ربوبيته بالأدلة ، فقال : «وإلهكم إله واحد لا إله الا هو الرحمن الرحيم ، ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، وما انزل الله من السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها ، وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون» واضاف إلى ذلك ان العقل مع العلم ، قال تعالى : (وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون).

ومن هذه لآيات والمرو يات يتبين ان الاسلام قد اعتمد على العقل والعلم في اصوله وفروعه واعتبر الايمان الحاصل بالوراثة والتقليد ناقصا إذا لم يتأكد بالدليل والبرهان.

وقد ندد بالذين لا يعقلون بقوله : «وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله ، قالوا بل تتبع ما الفينا عليه آباءنا ، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون».

وقال : «ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الادعاء ونداءصم بكم عمي فهم لا يعقلون».

وجاء في الحديث عن هشام ، ان الامام (ع) قال له : يا هشام ان لله على الناس حجتين ، حجة ظاهرة وحجة باطنة فاما الظاهرة فالرسل

٢٨٦

والانبياء والائمة (ع) ، واما الباطنة فالعقون ، يا هشام كان امير المؤمنين (ع) يقول : ما عبد الله بشئ افضل من العقل ، وما تم عقل امرء حتى تكون فيه خصال شتى ، الكفر والشر منه مأمونان ، والرشد والخير مأمولان ، فضل قوله مكفوف ونصيبه من الدنيا القوت ، لا يشبع من العلم دهره ، الذل احب إليه مع الله من العز مع غيره ، والتواضع احب إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقل كثير المعروف من نفسه ، ويرى الناس كلهم خيرا منه ، وانه شرهم في نفسه ، في حديث طويل عرض فيه الامام (ع) الحالات التي تكشف عن عظمة العقل وخصائصه ، وما ينتج عنه من الفوائد التي تسمو بالانسان وترفع من شأنه ، وتساهم في بناء المجتمع السليم الذي تسوده العدالة ويوفر السعادة والرفاهية لجميع بني الانسان (١).

وروى في باب الاضطرار إلى الحجة عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله الصادق (ع) ان رجلا سأله ، من اين اثبت الانبياء والرسل؟ قال (ع) : انا لما اثبتنا إذ لنا صانما متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز ان يشاهده خلقه ، ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ، ثبت ان له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، والمعبرون عنه جل وعز ، وهم الانبياء صفوته من خلقه غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما اتت به الرسل والانبياء من الدلائل والبراهين لكيلا تخلو ارض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته (٢).

__________________ـ

(١) انظر ص ١٢ إلى ص ٢٢ ، ج ١ ، من الكافي.

(٢) نفس المصدر ، ص ١٦٨.

٢٨٧

وفى باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث روى عن الحسن بن العباس انه كتب إلى الامام الرضا (ع) يسأله عن الفرق بين الرسول والنبي والامام (ع) فكتب في جوابه ، ان الرسول هو الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه ، وينزل عليه الوحي ، وربما رأى في منامه نحو رؤيا ابراهيم (ع) ، والنبي ربما سمع الكلام ، وربما رأى الشخص ولم يسمع كلامه ، والامام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص (١).

وروى عن تعلبة بن ميمون ان زرارة قال سألت ابا جعفر (ع) عن قول الله سبحانه ، وكان رسولا نبيا؟ قال (ع) : ان النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك ، والرسول هو الذي يسمع ويرى في المنام ويعاين الملك ، قلت والامام ما منئلته : قال يسمع الصوت ولا يعاين الملك ، ثم تلا هذه الآية ، وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث.

والآية الموجودة في القرآن الكريم ، الم ترد فيها كلمة محدث والالتزام بصحة الرواية يلزمه القول بنقص القرآن ، والامامية سوى من

__________________ـ

(١) ص ١٧٦ ، ومقتضى هذه الرواية ان الامام يشارك الرسول والنبى في سماع الكلام ولكنه لا يرى جبرائيل كما يراه النبي والرسول ، وقد وصف المجلسي في مرآة العقول هذه الرواية بالجهالة ، وعلى تقدير صحة الرواية فسماع الائمة للكلام ليس عن طريق الوحى. ونص الشيخ المفيد في اوائل المقالات : على ان العقل لا يحيل ذلك ، ولكن الاجماع قد تم على ان من زعم ان احدا بعد نبينا (ص) يوحى إليه فقد اخطأ وكفر لحصول العلم بذلك من دين النبي ، فيكون المراد من السماع الذي يصح بالنسبة إليهم ، ان الله سبحانه قد يلقي في اذهانهم امورا تتعلق بما سيكون فيخبرون عنها ، أو تبقى مخزونة عندهم وجاء في البخاري عن ابي سلمة وابى هريرة ، ان النبي قال : لقد كان فيمن كان قبلكم قوم يكلمون وليسوا انبياء ، فان يكن من امتى منهم احد فذاك عمر بن الخطاب.

٢٨٨

شذ منهم لا يلتزمون بذلك ، ومن الجائز ان يكون الحاق الامام لكلمة ولا محدث بالآية من حيث مرادفتها لهما ولاحدهما ، لا من حيث انها من القرآن.

هذا بالاضافة إلى ان الراوي لها احمد بن محمد ، والظاهر انه ابن خالد البرقي ، وهو وان كان ثقة في نفسه كما يرى ذلك بعض المؤلفين في الرجال ، الا انه يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل ، وقد اخرجه من قم محمد بن احمد بن عيسى ، ونسب إليه الغلو في الائمة (ع) واكثر المؤلفين في الرجال متفقون على تضعيف مروياته (١).

والذي يدعو إلى الشك في هذه الرواية اكثر من اي شئ آخر هو اضافة هذه الزيادة إلى الآية ، اما اعطاء الامام صفة المحدث الذي يسمع ولا يرى ، فقد ورد نظيره في صحيح البخاري عن الامم السابقة وان عمر ابن الخطاب من هذه الامة اهل لان يكون محدثا كما تؤكد ذلك رواية ابي سلمة وابي هريرة عن النبي (ص) (٢).

وإذا جاز ذلك على عمر بن الخطاب وغيره ممن كانوا يجالسون النبي ، (ص) ونالوا بذلد شرف الصحبة ، فيجوز ذلك على الائمة (ع) ابناء الرسول الذين ورثوا علمه وصفاته ، بل وحتى على صلحاء المؤمنين الذين عملوا بأمره ، واتبعوا سيرته وسنته بقلوب عامرة بالايمان مطمئنة بما اعده الله للعاملين المتقين وللعصاة والمتجبرين.

وروى في باب ممرفة الامام (ع) عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة ، ان ابا جعفر الباقر (ع) قال : انما يعبد الله من يعرف الله ، فاما من لا يعرفه ، فانما يعبده هكذا ضلالا (٣).

__________________ـ

(١) انظر اتقان المقال للشيخ محمد طه ص ١٦.

(٢) انظر ٢٩٥ ، ج ٢ ، من الصحيح للبخاري.

(٣) أي كعبادة جماهير الناس الذين يسا قون في اكثر اعمالهم وعباداتهم تقليدا للآباء والامهات.

٢٨٩

قلت جعلت فداك فما معرفة الله ، قال : تصديق الله ورسوله وموالاة على (ع) والائتمام به وبائمة الهدى (ع) والبراءة إلى الله من عدوهم ، هكذا يعرف الله عزوجل.

ان ، موالاة علي وابنائه الائمة الهداة التي تعنيها هذه الرواية لا يراد منها الا الرجوع إليهم والسير على طريقهم ، والتمسك بسيرتهم التي تعكس وجه الاسلام الصحيح وتجسد روح القرآن ومبادئ النبي الكريم ذلك لان عليا لم ينحرف لحظة واحدة منذ صباه عن نهج محمد وسيرته ، ولم يقال به النبي (ص) كما يزعم حاسدوه حينما قال له في خيبر ، لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، وحينما قال له : لا يبغضك الا منافق ، ولا يحبك الا مؤمن ، وانت مع الحق تدور معه كيفما دار ، وحينما قال فيه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره إلى غير ذلك من المدائح التي كانت تحز الما في قلوب حاسديه حنقا وغيضا ، ولما جاء دور ابنائه اعادوه حيا وجسدوه في اعمالهم وسيرتهم ، وجميع المراحل التي مروا بها ، لم ينحرفوا لحظة واحدة عن مخططه ومبادئه ، فموالالهم ومتابعتهم متابعه للاسلام وللرسول وقرآن ، واعداؤهم اعداء لله ولرسوله ولكتابه.

وروى عن ابي حمزة ان ابا جعفر الباقر (ع) قال لجماعة من المسلمين يخرج احدكم فراسخ فيطلب لنفسه دليلا ، واتتم بطرق السماء اجهل منكم بطرق الارض فاطلبوا لانفسكم دليلا (١).

وروى عن محمد بن زيد الطبراني انه قال : كنت قائما على رأس

__________________ـ

(١) ص ١٨٢ ، والمقصود من ذلك ان الخلق لا بد لهم من دليل على الله ورسوله ، والائمة هم الادلاء على الله كما نصت على ذلك طائفة من المرويات في هذا الباب.

٢٩٠

الامام الرضا (ع) بخراسان وعنده عدة من بني هاشم وفيهم اسحاق بن موسى بن عيسى العباسي ، فقال اسحاق : بلغني انك تقول : ان الناس عبيد لنا ، فقال (ع) لا وقرابتي من رسول الله ما قلت هذا قط ، ولا سمعته من آبائي ، ولا بلغني عن احد من آبائي قاله. ولكني اقول : ان الناس عبيد لنا في الطاعة موال لنا في الدين ، فليبلغ الشاهد الغائب (١).

وروى في باب الائمة نور الله في الارض عن صفوان بن يحيى والحسن بن محبوب عن ابي خالد الكابلي ، انه قال : سألت ابا جعفر الباقر (ع) عن قول الله : (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا) فقال يا ابا خالد النور والله نور الائمة (ع) من آل محمد إلى يوم القيامة وهم والله نور الله في السموات والارض ، والله يا ابا خالد لنور الامام في قلوب المؤمنين انور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ، والله يا ابا خالد لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه ، ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ، فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب ، وآمنه

__________________ـ

(١) ص ١٨٧ نفس المصدر ، والذي اراده الامام (ع) ان على الناس ان يرجعوا إليهم في امور الدين ، ويعملوا بما يأمرون به وينهون عنه ، لانهم اعرف بالله واحكامه وبالقران ومحتوياته من سائر الناس ، فعليهم ان يقولوا وعلى الناس ان يسمعوا ويطيعوا ، لانهم ينطقون بلسان جدهم ، ويحسدثون بأحاديثه ، وبذلك يمكن تفسير ما جاء في الكافي حول هذا الموضوع ، مثل قولهم من عرفنا كان مؤمنا ، ومن أنكرنا كان كافرا أو ضالا أي ان من اتبع اوامرهم وانتهى عما نهوا عنه ، كان مؤمنا لان اوامرهم لا تعدو اوامر الله ورسوله ومن انكرهم وتجاهلهم ، فقد انكر كتاب الله ، لانهما لن يفترقا حتى يردا على رسول الله.

٢٩١

من فزع يوم القيامة (١).

وقد روى الكليني حول هذا الموضوع بعض الروايات التي لا يمكن الاطمئنان إليها والتغاضي عنها سندا ومتنا ، فمن ذلك ما رواه عن صالح ابن سهل الهمداني ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال في تفسير قوله تعالى :

(الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري) قال : ان المشكوة هي فاطمة (ع) ، والمصباح هو الحسن بن علي (ع) (والمصباح في زجاجة) الحسين بن علي (الزجاجة كأنها كوكب دري) ، فاطمة كوكب درى بين نساء اهل الدنيا ، والشجرة المباركة هي ابراهيم ، (زيتونة لا شرقية ولا غربية) اي لا يهودية ولا نصرانية ، (يكاد زيتها يضئ) اي يكاد العلم يتفجر منها ، «ولو لم تمسسه نار نور على نور» اي امام بعد امام ، «يهدي الله لنوره من يشاء» اي إلى الائمة (ع) «وكظلمات في بحر لجي» الخليفة الاول والثاني ، «يغشاه موج» الخليفة الثالث ، «ظلمات بعضها فوق بعض» معاوية بن ابي سفيان وبني امية ، «ومن لم يجعل الله له نورا» اي اماما من ولد فاطمة (ع) «فما له من نور» اي ما له امام يوم القيامة.

__________________ـ

(١) ص ١٩٤ ، لقد عد المجلسي في شرح اصول الكافي هذه الرواية من الروايات الضعيفة ، لان في سندها ابا خالد الكابلي ، ولو تغاضينا عن هذه الناحية ، فالمراد من النور الوارد فيها هو المعرفة التي ترشد الى الخير والحق وتدلهم على الله سبحانه ، وقد وصف الائمة بأنهم نور السموات في الارض من حيث ان متابعتهم والاقتداء بهم من افضل الطرق الموصلة لمعرفة الله وامتثال اوامره واقربها وهم ينورون قلوب المؤمنين بارشاداتهم ونصائحهم وتعاليمهم ، فمن اتبعهم فقد اهتدى الى الطريق الموصل إلى الله ، ومن حاد عنهم فقد اظلم قلبه وضل سواء السبيل.

٢٩٢

قد يضطر البا حث إلى التأويل أو التفسير احيانا لتوضيح المراد من الرواية على شرط ان لا يكون التأويل بعيدا وان لا يخرج عن حدود المنطق والعقل ، كما هو الحال في الروايات السابقة وامثالها ، اما هذه الرواية ونظائرها فلا تقبل التأويل ولا يجوز للباحث المجرد ان يتجاهل عيوبها ، ذلك لان التفسير الذي نسبه الراوي إلى الامام الصادق (ع) بعيد كل البعد عن ظاهر الآية الكريمة ، ولا يزيده الاسلوب القرآني ، هذا بالاضافة إلى ان الامام الصادق ارفع شأنا واجل قدرا وابعد تفكيرا من ان يهاجم الخلفاء الثلاثة بهذا الاسلوب البعيد عن منطقه ومنطق آبائه الكرام ، وينتحل لنفسه ولجدته فاطمة وللائمة (ع) العظمة عن طريق هذه التأويلات التي لا يؤيدها النقل ، ولا يقرها العقل.

على ان هذه الرواية قد رواها سهل بن زياد عن محمد بن الحسن ابن شمون.

ورواها ابن شمون عن عبد الله بن عبد الرحمن الاصم ، ورواها عبد الله هذا عن عبد الله بن القاسم ، ورواها عبد الله بن القاسم عن صالح ابن سهل الهمداني ، وهؤلاء كلهم من المتهمين بالكذب ودس الاحاديث بين روايات اهل البيت (ع) كما نص على ذلك المؤلفون في الرجال.

فقد جاء في اتقان المقال. ان محمد بن الحسن بن شمون بصري من الغلاة ، وقال عنه النجاشي انه كان واقفيا ، ثم غلا في التشيع ، وهو ضعيف جدا وفاسد المذهب على حد تعبير النجاشي.

وقال عنه التفريشي في كتابه نقد الرجال : انه كان من الغلاة ضعيف متهافت لا يلتفت إليه ولا إلى مصنفاته ، وسائر ما ينسب إليه (١).

__________________

(١) انظر ص ٣٤٢ من الاتقان للشيخ محمد طه وغيره من كتب الرجال.

٢٩٣

وجاء في الاتقان ان عبد الله بن عبد الرحمن الاصم من الغلاة ضعيف لا يلتفت إليه ، وقال فيه التفريشي في نقد الرجال : ان كتابه الزيارات يدل على خبث عظيم ، ومذهبه متهافت ، وكان من كذابة اهل البصرة.

ونص على ان عبد الله بن البطل الحارثي كذاب غال ضعيف متروك الحديث معدول عن ذكره ، واكد ذلك العلامة في كتابه الخلاصة.

واضاف إلى ذلك في اتقان المقال. ان عبد الله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل كذاب من الغلاة ، يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يعتد بمروياته.

وجاء في كتب الرجال عن صالح بن سهل الهمداني الذي روى عن ابي عبد الله مباشرة ، جاء عنه انه قال : كنت اقول في الصادق بالربوبية ، فدخلت عليه فلما نظر الي قال يا صالح : انا والله عبيد مخلوقون لنا رب نعبده وان لم نعبده عذبنا.

وقال التفريشي في نقد الرجال ، ان صالح بن سهل من المذمومين والغلاة الكذابين وضاع للحديث لا خير فيه ولا في سائر مروياته (١).

ويجد الباحث في مرويات الكافي التي من هذا النوع مجالا واسعا لرفضها وعدم الاعتداد بها ، لا من حيث اشتمالها على ما يخالف ظاهر الكتاب فحسب بل من حيث ان رواة هذا النوع من الاحاديث لم يثبتوا في وجه الطعون والانحرافات الي وجهها إليهم الذين احصوا تاريخ الرجال واحوالهم ، كما تبين ذلك من الامثلة السابقة وهذا لا يعني ان كل ما يرويه احد من هؤلاء المتهمين والمشبوهين يتعين طرصه ، لجوازان يروي

__________________

(١) انظر الاتقان للشيخ محمد طه ص ٣٠٦ و ٣١٦ ورجال المرزا محمد وغيره من كتب الرجال.

٢٩٤

بعض الضعفاء والمذمومين عن اصل معتبر عند الطبقة الاولى من الرواة : أو ياخذ الرواية ممن يصح الاعتماد عليه والركون إليه ، أو تكون الرواية مدعومة بالقرائن والشواهد ، ونحو ذلك مما يوجب الوثوق بصدورها وان لم يكن الراوي لها من حيث ذاته موثوقا ومعتمدا عند المؤلفين في احوال الرواة.

ومن امثلة ذلك ما جاء عن احمد بن هلال ، فقد قال عنه العلامة في الخلاصة ان الشيخ ابا علي بن همام قال ، انه ملعون على لسان الحجة محمد بن الحسن (ع).

وجاء في الفهرست للشيخ الطوسي ، انه كان غاليا متهما في دينه.

وجاء في الكشي : انه متصنع فاجر ، وقيل عنه ايضا انه كان متشيعا ورجع عن التشيع إلى النصب.

واكثر المؤلفون في الرجال من الطعن عليه ، ومع ذلك ، فقد اعتمد جماعة على مروياته فيما يرويه عن ابن محبوب من كتاب المشيخة ، وعن محمد ابن ابي عمير من نوادره ، من حيث ان الكتابين المذكورين من الكتب المعروفة عند اكثر محدثي الشيعة ، أو لانه روى عنهما في حال استقامته وقبل خروجه عن التشيع الصحيح (١).

ومن الامثلة ايضا ما رواه الكليني بعنوان ان الائمة اركان الارض عن احمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، ومحمد بن يحيى ، واحمد بن محمد عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال : ما جاء به علي (ع) آخذ به ، وما نهى عنه اتنهى عنه ، جرى له الفضل مثلما جرى لمحمد (ص) ، ولمحمد الفضل على جميع من خلق الله

__________________

(١) انظر اتقان المقال ص ٢٥٨ و ٢٥٩.

٢٩٥

عزوجل ، المتعقب عليه في شئ من احكامه كالمتعقب على الله ورسوله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله كان امير المؤمنين باب الله الذي لا يؤتى الا منه ، وسبيله الذي من سلك غيره هلك ، واضاف إلى ذلك. انه كان يقول : انا قسيم الله بين الجنة والنار ، وانا الفاروق الاكبر ، وانا صاحب العصا والميسم (١) ولقد اقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما اقروا به لمحمد (ص) إلى غير ذلك من الصفات التي اشتملت عليها هذه الرواية ومع انه يمكن تفسيرها تفسيرا مقبولا يتفق مع مقام علي (ع) ومكاتنه ، وينسجم مع بعض الروايات الصحيحة التي جعلته فوق مستوى الناس اجمعين ما عدا النبيين والمرسلين ، مع ذلك فالرواة لها ، من المتهمين بالانحراف عن مخطط التشيع الصحيح. فاحمد بن مهران الراوي الاول لها ، قد وصفه العلامة الحلي في خلاصته بالضعف ، واكد ذلك غيره من المؤلفين في احوال الرواة.

ومحمد بن علي الراوي الثاني لها ، فسواء كان ابن ابراهيم ابا جعفر القرشي ، أو كان ابن ابراهيم الهمداني ، أو ابن بلال ابا طاهر ، أو

__________________

(١) المتعقب هو المترض عليه أو المتردد في شئ منها ، لانه لا يحكم الا بحكم الله ورسوله ، فمن رد حكمه فقد رفض حكم الله ، ومن طعن عليه فقن طمن على رسوله : وهو باب الله من حيث انه الدليل وألمرشد ألى الله سبحانه ، وقد جعله الله قسيما بين الجنة والنار بمعنى ان حبه ومتابعته في اقواله وافعاله يوجب لاتباعه ومحبيه الجنة والذي لا يتابعه ولا يتولاه وينتقصه خارج عن حدود ما امر الله ، ومن كان كذلك كان مصيره إلى النار ، وقد قال له الرسول : يا علي لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق ، فكونه القسيم للجنة والنار من حيث ان اهل الجنة يعرفون بحبهم له ، واهل النار يعرفون ببغضهم له ، والعصا التي وردت في الرواية كناية عن قوته وصلابته في الحق ، والميسم ، هو حبه وبغضه اللذان يعرف بهما اهل الجنة من اهل النار فعلامة اهل الجنة حبه ، وعلامة اهل النار بغضه.

٢٩٦

محمد بن علي الشلمغافي المعروف بابن اي العزافري ، هؤلاء كلهم من المذمومين المتهمين بالكذب والمعروفين بانحرافهم عن التشيع الصحيح ، ومحمد بن سنان احد رواتها المعروف بابي جعفر الزاهري ، لقد اطالوا الحديث عنه ووصفوه بالكذب.

وقال عنه الفضل بن شاذان : انه من الكذابين المشهورين ، وبالتالي فان اكثرهم قد اتفقوا على تكذيبه وعدم جواز الاعتماد على مروياته.

اما المفضل بن عمر الراوي للحديث عن الامام الصادق (ع) فقد روى عنه وعن ولده الامام موسى بن جعفر (ع) وهو من المتهمين بالغلو والكذب واعتناق فكرة الخطابية.

وجاء عن حماد بن عثمان. انه قال : سمعت ابا عبد الله الصادق (ع) يقول للمفضل بن عمر : يا كافر يا مشرك مالك ولابني اسماعيل ، وكان من المتصلين به هو وجماعة من الخطابية ، ولعلهم كانوا يحاولون اغراءه ببعض المقالات الفاسدة.

وقال عبد الله بن مسكان : ان حجر بن زائدة وعامر بن جداعة دخلا على أبي عبد الله الصادق (ع) فقالا له : جعلنا الله فداك ، ان المفضل بن عمر يقول : انكم تقدرون ارزاق العباد ، فقال : واللة ما يقدر ارزاقنا الا الله ، ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري وابلغت إلى الفكرة في ذلك حتى احرزت قوتهم ، فعندها طابت نفسي ، لعنه الله وبرئ منه ، قالا افنلعنه ونبرأ منه : قال : نعم إلى غير ذلك مما نسب إليه من المقالات التي لا يقرها الاسلام فضلا عن التشيع (١).

على ان هذا النوع من التفسير المعروف عند محدثي الشيعة بتفسير

__________________

(١) انظر ص ٢٥٨ و ٢٥٤ و ٣٤٦ و ٣٤٧ من الاتقان.

٢٩٧

الباطن موجود بين احاديث السنة عن الرسول (ص) في مجاميع الحديث وغيرها ، ومن الامثلة على ذلك ما جاء عن انس انه قال : لما نزلت سورة التين على رسول الله (ص) فرح فرحا شديدا حتى بان لنا شدة فرحه ، فسألنا ابن عباس بعد ذلك عن تفسيرها ، فقال : اما قول الله والتين فبلاد الشام ، والزيتون بلاد فلسطين ، وطور سينين طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى ، وهذا البلد الامين ، مكة المكرمة ، ولقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ، محمد (ص) ، ثم رددناه اسفل سافلين عباد اللات والعزى ، الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، أبو بكر وعمر ، فلهم اجر غير ممنون ، عثمان بن عفان ، فما يكذبك بعد بالدين ، علي بن ابي طالب ، اليس الله باحكم الحاكمين ، بعثك فيهم وجمعكم على التقوى يا محمد (١).

ويجد المتتبع الكثير من امثال هذه التفاسير في مجاميع الحديث السنية واحوال الرواة.

ومجمل القول ان هذه المرويات وامثالها لو نظرنا إليها من ناحية اسانيدها يتعين طرحها الا إذا تأيدت من حيث مضامينها ببعض الشواهد والمرويات الصحيحة كما ذكرنا.

وروى في باب من اصطفاه الله على عباده ، عن حماد بن عيسى عن عبد المؤمن عن سالم انه قال : سألت ابا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل :

«ثم اورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ، ومنهم مقتصد ، ومنهم سابق بالخيرات باذن الله» فقال السابق بالخيرات هو

__________________

(١) انظر الغدير ، ج ٥ ، ص ٣٢٠ ، عن الخطيب في تاريخه ، والذهبي في الميزان.

٢٩٨

الامام ، والمقتصد العارف للامام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الامام.

وفي باب ان الائمة امامان ، امام يدعو إلى الله ، وامام يدعو إلى النار ، روى عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن غالب عن جابر ان ابا جعفر الباقر (ع) قال : لما نزلت «يوم ندعو كل اناس بامامهم» قال المسلمون يا رسول الله : الست امام الناس اجمعين فقال : انا رسول الله إلى الناس اجمعين ، ولكن سيكون من بعدي ائمة على الناس من اهل بيتي يقومون في الناس فيكذبون ، ويظلمهم ائمة الكفر والضلال واشباههم ، فمن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني ، الا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وانا منه برئ.

وروى عن محمد بن يحيى بن طلحة عن ابي عبد الله (ع) انه قال : ان الائمة في كتاب الله عزوجل امامان ، قال تعالى :

«وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا» لا بأمر الناس ، يقدمون امر الله قبل امرهم وحكم الله قبل حكمهم ، ثم اشار إلى الفريق الثاني بقوله : «وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار» يقدمون امرهم قبل امر الله ، وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون باهوائهم خلاف ما في كتاب الله (١).

وقد حدد الامام الصادق (ع) وظيفة الامام كما جاء في رواية الحسين ابن ابي العلاء بقوله : انما الوقوف علينا في الحلال والحرام ، فاما النبوة فلا (٢).

__________________

(١) ص ١١٤ و ٢١٦ ، ج ١.

(٢) هذا التحديد في مقابل من ينسب إليهم النبوة أو خصائصها ، ومغتضى الرواية انهم قد ورثوا من رسول الله العلم ، فعلى الناس ان يرجعوا إليهم فيما يعود إلى امور دينهم ، اما النبوة وخصائصها فهي للانبياء وحدهم.

٢٩٩

وروى حول الصحيفة والجفر والجماعة ومصحف فاطمة (ع) عن احمد بن عمر الحلبي ، عن ابي بصير انه قال : دخلت على ابي عبد الله الصادق (ع) فقال : يا ابا محمد لقد علم رسول الله عليا (ع) الف باب من العلم يفتح له من كل باب الف باب ، قلت هذا والله العلم ، فنكث ساعة الارض ثم قال : انه لعلم وما هو بذاك ، يا ابا محمد ان عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة ، فقلت جعلت فداك : وما الجامعة ، قال صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (ص) واملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه ، فيها كل حلال وحرام وكل شئ يحتاج إليه حتى ارش الخدش ، ثم ضرب بيده الي وقال تأخذني يا ابا محمد وغمزني بيده وقال حتى ارش هذا ، ثم سكت ساعة وقال : ان عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر ، قال قلت : وما الجفر ، قال وعاء من ادم فيه علم النبين والوصيين ، وعلم العلماء الذين مضوا من بني اسرائيل ، ثم سكت ساعة وقال : ان عندنا مصحف فاطمة (ع) وما يدريهم ما مصحف فاطمة ، قلت وما مصحف فاطمة؟ قال : مصحف فيه قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.

وروى عن علي بن الحكم عن الحسين بن ابي العلاء انه قال : سمعت ابا عبد الله الصادق (ع) يقول : ان عندي الجفر الابيض قلت : فأي شئ فيه قال : زبور داود وتوراة موسى وانجيل عيسى وصحف ابراهيم ، والحلال والحرام ، ومصحف فاطمة ما ازعم ان فيه قرآنا ، وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج إلى احد حتى ان فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة وارش الخدش ، وعندي الجفر الاحمر ، قلت واي شئ فيه قال : السلاح ، وذلك انما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل ، فقال له عبد الله بن يعفور ، اصلحك الله ايعرف ذلك بنو الحسن ، فقال : اي والله كما يعرفون الليل انه ليل والنهار انه نهار ، ولكن يحملهم الحسد وطلب

٣٠٠