دراسات في الحديث والمحدّثين

هاشم معروف الحسني

دراسات في الحديث والمحدّثين

المؤلف:

هاشم معروف الحسني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٨

النبي (ص) يقول : العلماء رجلان : رجل عالم اخذ بعلمه فهذا ناج ، وعالم تارك لعلمه فهذا هالك ، وان اهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه ، وان اشد اهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له وقبل منه فاطاع الله فأدخله الجنة ، وادخل الداعي النار لتركه عمله واتباعه الهوى وطول الامل ، واضاف إلى ذلك ، ان اتباع الهوى يصد عن الحق ، وطول الامل ينسي الآخرة.

وروى في باب المستأكل بعلمه ، والمباهي به عن حفص بن غياث القاضي عن ابي عبد الله (ع) انه قال : إذا رأيتم العالم محبا لدنياه فاتهموه على دينكم ، فان كل محب لشئ يحوط ما احب ، واضاف إلى ذلك ان الله أوصى إلى داود ، لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي ، فان اولئك قطاع طريق وان ادني ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم.

ورو النوفلي عن السكوني ان ابا عبد الله الصادق (ع) روى عن رسول الله (ص) انه قال : الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا قال : اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم (١).

وروى عن ابي بصير ان ابا جعفر الباقر (ع) قال : ان المقصود بقوله تعالى : «فكبكبوا فيها هم والغاوون» هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره (٢).

__________________ـ

(١) لقد روى الكينى في هذه الابواب عن ابن عيينة ، وابن شبرمة والسكونى والنوفلي وحفص بن غياث. وكلهم من محدثي العامة وفقهائهم. ومن ذلك يتبين افتراء من يدعى ان الشيعة لا يروون عن غيرهم. ولا يقبلون مرويات السنة عن الرسول حتى ولو كان رواتها من المعروفين بالصدق والاستقامة.

(٢) انظر ص ٤٥ و ٤٦ و ٤٧ نفس المصدر.

٢٤١

وقد روى الكليني في كتاب العلم مجموعة من الاحاديث حول العلم واثره في توجيه الانسان توجيها صحيحا يرفع من شأنه ويسهل له العيش الكريم والحياة الحرة الآمنة. ولا يهمنا ان نستقصي جميع ما رواه حول هذه المواضيع ، والذي يعنينا عرض بعض الامثلة من الكتابين الكافي والصحيح للبخاري للمقارنة بينهما في مختلف المواضيع ، مع العلم بأنهما يطتقيان في كثر من المرويات في الجوهر والغاية ان اختلفا في الاسلوب والاسناد.

وفي باب البدع والرأي والمقاييس روى عن يونس بن عبد الرحمن ان ابا الحسن موسى بن جعفر (ع) قال : يا يونس لا تكونن مبتدعا ، من نظر برأيه هلك ، ومن ترك أهل بيت نبيه ضل ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر.

وروى عن يونس عن قتيبة ان رجلا سأل ابا عبد الله (ع) عن مسألة فأجابه عليها فقال الرجل : أرأيت ان كان كذا وكذا ما يكون القول فيها قال له الامام (ع) مه ما اجبتك عن شئ فهو عكن رسول الله (ص) لسنا من أرأيت في شئ (١).

وجاء في باب اختلاف الحديث عن سليم بن قيس الهلالي ان أمير المؤمنين عليا (ع) قال في جواب من سأله عن الاحاديث المختلفة حول تفسير القران واحاديث الرسول. ان الناس كانوا يكذبون على رسول الله (ص) في حياته ، فقام خطيبا في اصحابه ، وكان مما قال : ايها الناس لقد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار

__________________ـ

(١) هذه الرواية تنص على انهم (ع) لا يقولون شيئا عن عن طريق الظن والاجتهاد وكل ما يقولونه في امور الدين فهو مما ورثوه عن جدهم الرسول (ص) وروى في الكافي بهذا المضمون اكثر من رواية لتأكيد هذا المعنى.

٢٤٢

واضاف إلى ذلك علي (ع) : ان الناس قد كذبوا عليه بعد وفاته ، وقد اتاكم الحديث من اربعة لا خامس لهم. رجل منافق يظهر الايمان متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج ان يكذب على رسول الله متعمدا فلو علم منه الناس انه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله (ص) ورآه وسمع منه ، فأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله. وقد اخبر الله سبحانه عن المنافقين بقوله واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم ، وبقي هؤلاء بعده فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الاعمال وحملوهم على رقاب الناس.

ورجل سمع من رسول الله (ص) شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه لم يتعمد كذبا ، فهو في يده يقول به ويعمل فيه ويرويه فيقول انا سمعته من رسول الله (ص) ولو علم المسلمون انه وهم لم يقبلوه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله (ص) شيئا امر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شئ ، ثم امر به وهو لا يعلم فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو علم انه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون بحاله لرفضوه.

ورجل رابع لم يكذب على رسول الله (ص) مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله (ص) حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فان امر النبي مثل امر القرآن ناسخ ومنسوخ ، وعام وخاص ، ومحكم ومتشابه ، وقد كان يكون من رسول الله الكلام له وجهان ، مثل القرآن ، وقد قال الله في كتابه : ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، فيشتبه الحال على من لم يعرف وما يدري ما عنى الله به ورسوله ، وليس كل اصحاب رسول الله كان يسأله عن الشئ فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه ، حتى انهم كانوا يحبون ان يجئ الاعرابي والطاري فيسأل الرسول حتى

٢٤٣

يسمعوا ، وكنت ادخل على رسول الله كل يوم دخلة ، وكل ليلة دخلة فيخليني فيها ادور معه حيث دار ، وقد علم اصحاب رسول الله انه لم يفعل ذلك مع احد من الناس غيري ، فكنت ان سألته اجابني ، وان سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني فما نزلت عليه آية الا اقرأنيها واملاها على فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها وعامها وخاصها ، ودعا الله ان يعطيني فهما وحفظا فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا.

وروى عن ابن عائشة البصري ان امير المؤمنين (ع) قال : ايها الناس اعلموا انه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه ، ولا بحكيم من رضي بثناء الجهال عليه ، الناس ابناء ما يحسنون ، وقد ركل امرء ما يحسن ، فتكلموا في العلم تبن اقداركم.

وروى في باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، عن السكوني ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال ان رسول الله كان يقول : ان على كل حق حقيقة ، وعلى كل جواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه.

وروى عن ابن ابي يعفور ، ان الامام الصادق (ع) قال : إذا ورد عليكم حديث ووجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله ، والا فالذي جاءكم به اولى به ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ومردود على من جاء به ، إلى غير ذلك من المرويات الكثيرة التي تؤكد ان آرائهم في اصول الدين وفروعه لا تتخطى كتاب الله وسنة رسول الله (ص) ، وان ما عندهم من العلم قد ورثوه عن جدهم الاعظم (ص) لا يبتني على الاجتهاد والحدس ، ولا على القياس والاستحسان ، وقد صح عن الامام الصادق (ع) انه قال : حديثي حديث ابي وحديث ابي حديث جدي ، وحديث جدي ، حديث رسول الله ، وحديث رسول الله قول الله ، لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى.

٢٤٤

من كتاب الايمان في صحيح الخارى

لقد تحدث البخاري في صحيحه ، والكليني في الكافي عن الايمان بعنوان كتاب الايمان ، وعرض كل منهما تحت هذا العنوان ، المرويات التي لديه في مختلف الابواب حسب المناسبات وسنقدم من الكتابين نماذج من تلك المرويات بنصها الحرفي مع التعليق على بعضها إذا دعت الحاجة لذلك.

فقد جاء في الصحيح للبخاري عن ابي هريرة ان رسول الله (ص).

قال : بني الاسلام على خمس ، شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ، واقام الصلاة وايتاء الزكوة والحج وصوم شهر رمضان.

وروي عن ابن عمر ان الرسول قال : المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.

وفي باب اطعام الطعام ، روى عن ابي موسى الاشعري ان رجلا سأل رسول الله (ص) اي الاسلام خير؟ قال تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف (١).

__________________ـ

(١) ان صح الحديث لا بد وان يكون السؤال للنبى (ص) في ظروف الحاجة الملحة والفقر البالغ. فيكون الاطعام في هذه الحالات من افضل ما يقدمه الانسان لاخيه. وقراءته السلام على من عرف ومن لم يعرف كوسيلة إلى التقرب الى الناس والتحبب إليهم ولو بهذا النوع من التودد الذي يعبر عن صفاء القلوب وبرائتها من الغل الحقد في الغالب.

٢٤٥

وروى عن انس بن مالك ، ان النبي (ص) قال : لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه.

وروى عن ابي سعيد الخدري ان رسول الله (ص) قال : بينما انا نائم ، رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا : فما اولت ذلك يا رسول الله قال الدين (١).

وروى في كتاب الايمان عن ابن عباس ، ان النبي (ص) قال : أريت في النار فإذا اكثر اهلها النساء قيل ايكفرن بالله يا رسول الله؟ قال يكفرن العشير ، ويكفرن الاحسان ، لو احسنت إلى احداهن الدهر ، ثم رأت منك شيئا ، قالت : ما رأيت منك خيرا قط (٢).

وروى عن عبادة بن الصامت ، ان رسول الله (ص) خرج من بيته ليخبر الناس بليلة القدر ، فتلاحى رجلان من المسلمين فرفعت ، وعسى ان يكون خيرا لكم التمسوها في السبع والتسع والخمس.

وجاء في فتح الباري في تفسير الحديث انه تخاصم رجلان ومعهما الشيطان ، فنسيها النبي (ص).

وروى في الباب الذي خصصه لليلة القدر مجموعة من المرويات

__________________ـ

(١) لقد اكثر البخاري في صحيحه من المرويات بهذا المضمون. وهى كالصريحة في أن الناس كلهم لم يبلغ منهم أحد ما بلغه أبو حفص في الدين فقد ملئ من قرنه إلى قدمه وزيادة والناس لم يأخذوا منه الا القليل اي بنسبة ما يستر ربع اجسادهم ولعله يكنى بذلك عن معاصيهم.

(٢) لقد روى البخاري عن النبي (ص) في المرأة اكثر من عشرة احاديث وقد وصفها في دينها وعقلها بمثل ما وصفها به امير المؤمنين علي (ع) مما يؤكد ان رأي علي فيها مستمد من رأي النبي (ص).

٢٤٦

عن النبي (ص) واكثرها تنص على انها في العشر الاواخر من رمضان ، وجاء في بعضها : اني أريت ليلة القدر ، ثم أنسيتها أو نسيتها فالتمسوها في العشر الاواخر من رمضان في الوتر (١).

ولا تختلف مرويات البخاري بمجموعها من حيث تحديد زمانها عن المرويات الشيعية واكثرها تنس على انها في العشر الاواخر من رمضان اما المختصات بتلك الليلة بالاضافة إلى الذي اشارت إليه السورة التي تعرضت لها ، فالروايات عن النبي (ص) والائمة (ع) قد اشتملت على الكثير من اثارها وخصائصها وحثت على العمل والتقرب إلى الله فيها.

وروى في باب صلة الرحم عن قيس بن حازم عن عمرو بن العاص انه سمع النبي (ص) يقول : ان آل اي ليسوا لي بأولياء ، انما وليى الله وصالح المؤمنين ، ولكن لهم رحما ابلها ببلالها (٢) ، والمقصود آل ابي طالب كما فهم منها جميع المحدثين ، وقد ترك البخاري ذكر طالب لان محمد بن جعفر احد الرواة لها ترك بياضا محل طالب كما نص على ذلك البخاري في صحيحه.

ومن الغريب ان مؤلف فتح الباري بعد إذ اكد ان الحديث الذي رواه ابن العاص عن رسول الله (ص) هو ان آل ابي طالب : بعد ان اكد ذلك قال ما محصله : ان الحديث لا يعني عليا وجعفرا (ع).

ومن غير البعيد ان يكون المعني به أبو طالب وحده ، واضاف إلى ذلك ان جماعة رجحوا ، بان الذي يعنيه النبي (ص) بقوله وصالح المؤمنين

__________________ـ

(١) نظر ص ٢٤٥ وما بعدها. وإذا جاز عليه ان ينسى ليلة القدر بعد ان رآها ووعاها فمن الجائز عليه ان ينسى غيرها من الاحكام قبل تبليغها. وهذا لا يتلائم مع مقام النبوة واهدافها.

(٢) اي اصلها بصلتها.

٢٤٧

هم أبو بكر وعمر وعثمان (١) مع العلم بان كلمة آل فلان لا تشمل فلانا نفسه بل تختص بآله الذين ينتسبون إليه ، فالرواية اذن لا تشمل ابا طالب بل تختص بآ له وآله في عصر الرسول (ص) هم اولاده الثلاثة علي وجعفر وعقيل وابنته ام هاني ، ولو استثنينا جعفرا وعقيلا وعليا لم يبق لهذا الحديث من مورد ، ولم يتعرض احد لسنده الا من ناحية الراوي له عن ابن العاص ، وهو قيس بن ابي حازم فقد احتحمل جماعة بأن الحديث من موضوعاته لانه كان ناصبيا منحرفا عن علي (ع) ، كما نص على ذلك في فتح الباري.

ومما لا شك فيه ان هذا الحديث من موضوعات ابن النابغة ارضاء لسيده معاوية بن هند ، ويستحيل على رسول الله (ص) ان يتنكر لجهاد ابي طالب وآله ومكانتهم من الاسلام واخلاصهم لدعوته منذ انبثاق فجرها ، وهل يجوز على من علم الناس الوفاء ودعا إليه ان يتنكر للطالبيين ، وهم الذين حضنوه صغيرا وجاهدوا بين يديه كبيرا جهادا لم يعرف التاريخ له نظيرا ، ولولاهم لقضي على الاسلام وهو في مهده.

وإذا لم يكن أبو طالب واولاده اولياء لرسول الله فمن هم الاولياء المحبون لرسول الله وليس ببعيد على الذين وضعوا هذا الحديث ان يكونوا بصدد ايهام الناس بأن أولياءه هم ، ابن النابغة ، وابن الزرقا ، وابن هند وامثالهم ممن غمرهم الاسلام بخيراته وتنكروا لقيمه ومبادئه وكانوا حربا على اولياء الله ورسوله ، ان الذين دونوا هذا الحديث بين المرويات عن الرسول في مجاميعهم يعلمون بان ابن النابغة يقصد عليا من بين ال ابي طالب ليرضي سيده معاوية ، وكان عليهم ان لا يناقضوا انفسهم ويدونوا في نفس تلك المجاميع الروايات التي تؤكد ان عليا (ع) وجعفرا

__________________ـ

(١) انظر ص ٢٥ من المجلد الثالث عشر من فتح الباري.

٢٤٨

كانا من اقرب المقربين إلى الرسول (ص) ومن تلك المرويات حديث الراية في غزوة خيبر التي قال فيها النبي (ص).

لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله كما جاء في المجلد الثالث وغيره من مجلدات البخاري ، هذا بالاضافة إلى ما جاء عنه (ص) مما في فضل جعفر بن ابي طالب وتقديره لاخلاصه وبطولاته كما نص على ذلك البخاري وغيره (١).

وروى في باب لبس القميص عن نافع عن عبد الله ، انه لما توفي عبد الله بن ابي ، جاء ابنه إلى رسول الله (ص) ، فقال يا رسول الله اعطني قميصك ألفه فيه وصل عليه واستغفر له ، فأعطاه رسول الله قميصه وقال له إذا فرغت فآدنا ، فلما فرغ اذنه ، فجاء ليصلي عليه فجذبه عمر بن الخطاب وقال له :

اليس قد نهاك ربك ان تصلي على المنافقين ، وقال لك : استغفر لهم أو لا تستغفر لم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ، فنزلت بهذه المناسبة الآية : «ولا تصل على أحد منهم مات أبدا» ، فعند ذلك ترك النبي (ص) الصلات عليهم (٢).

__________________ـ

(١) انظر المجلد الثالث من الصحيح.

(٢) انظر ص ٢٥ من المجلد الرابع. ان الذين وضعوا هذه الرواية حسبوا ان هذا الاسلوب الجاف الارعن فضيلة لعمر بن الخطاب. والواقع ان الحديث لو صح يكون من سيئات عمر بن الخطاب ومن الشواهد على عدم انقياده للرسول واقتدائه به وفي الوقت ذاته يدل الحديث على تجاهل النبي (ص) للقرآن أو غفلته عن احكامه لانه لم يتنبه لرأي القرآن فيهم الا بعد ان نبهه الخليفة وقرأ عليه الآية وفي تلك اللحظة جاء الوحى مؤيدا لعمر في موقفه من المنافقين على حد زعمهم. وبالتالي ان الذين وضعوا هذه الرويات ليسوا باسوأ حالا من الذين دونوها في صحاحهم للاجيال على مر الدهور واختاروها من ستماية الف حديث. هذا بالاضافة إلى ان راوي الحديث عبد الله بن صالح بن محمد المصري متهم بالكذب كما جاء في التهذيب والميزان وغيرهما.

٢٤٩

وروى في باب ما يجوز من الهجران عن عائشة انها قالت ان رسول الله (ص) قال لها : اني لاعرف غضبك من رضاك ، قالت : وكيف ذاك يا رسول الله : قال : انك إذا كنت راضية قلت بلى ورب محمد : وإذا كنت ساخطة قلت لا ورب ابراهيم ، قالت : أجل لست أهجر الا اسمك.

وفي باب التبسم والضحك روى عن محمد بن سعد عن ابيه ان عمر ابن الخطاب استأذن على رسول الله (ص) وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عا لية اصواتهن على صوته ، فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب فأذن له النبي (ص) فدخل والنبي يضحك فقال : اضحك الله سنك يا رسول الله بابي انت وامي ، فقال : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي لما سمعن صوتك تبادرن الحجاب ، فقال أنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم أقبل عليهن وقال : يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله (ص) فقلن انك أفك وأغلظ من رسول الله ، فقال رسول الله : ايه يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك (١).

وروى في باب الانبساط إلى الناس عن هشام بن عروة ان عائشة قالت : كنت العب بالبنات عند النبي (ص) وكان لي حواجب يلعبن معي فكان رسول الله إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن الي فيلعبن معي.

وفي باب من دعا صاحبه ونقص من اسمه حرفا روى عن ابي سلمة ابن عبد الرحمن ان عائشة زوجة النبي (ص) قالت : قال لي رسول الله (ص)

__________________ـ

(١) انظر ص ٦٤ من المجلد الرابع ومقتضى الحديث ان الشيطان يهاب عمر بن الخطاب اكثر من رسول الله لان الرسول على حد زعم الراوي وصف ابا حفص بهذه الصفة لان النساء هبنه وخفن سطوته حين ان الحديث ينص على انهن لم يهبن الرسول ولم يتسترن منه كما فعلن مع عمر بن الخطاب.

٢٥٠

يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام قلت وعليه السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته واضافت إلى ذلك انه يرى ما لا ترى.

وفي باب كنية المشرك روى عن عبد الله بن نوفل عن العباس بن عبد المطلب انه قال لرسول الله : هل نفعت ابا طالب بشئ فانه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم : هو في ضحضاح من نار ولولا انا لكان في الدرك الاسفل من النار (١).

وإذا كان آل ابي طالب ليسوا للنبي باولياء كما يزعم ابن العاص فليس بغريب إذا كان سيدهم وزعيمهم أبو طالب في ضحضاح من نار أو في الدرك الاسفل من النار كما تنص على ذلك تلك المرويات التي صنعها معاوية بن هند وعملاؤه ليبرز من خلالها فضل ابيه المتضع بالاسلام ، على ابي طالب المؤمن برسالة ابن اخيه ايمانا صادقا قويا منذ بعثه الله رسولا لعباده حتى النفس الاخير من حياته.

ولولا انه والد الامام علي بن ابي طالب لكان عند جمهور السنة من اصدق المسلمين ايمانا واخلصهم عملا وفي اعلى درجات النعيم.

وما ادري كيف سوغ هؤلاء لانفسهم ان يلصقوا الكفر بابي طالب بعد تلك المواقف الخالدة التي وقفها في سبيل الدعوة المباركة بماله وجاهه وجميع امكانياته ، ولم يكفهم قوله من جملة ابيات كما جاء في تاريخ ابن كثير ص ٨٧.

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا

نبيا كموسى خط في اول الكتب

وقوله في الكتاب المذكور ص ٥٧ :

وأيده رب العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير زائل

لقد علموا أن ابننا لامكذب

لدينا ولا يعنى بقول الا باطل

وقوله في ص ٤٢ من التاريخ المذكور :

__________________ـ

(١) ص ٦٩ نفس المصدر.

٢٥١

وعرضت دينا فد عرفت بأنه

من خير أديان البرية دينا

إلى غير ذلك من أقواله ومواقفه التي لا يرتاب فيها الا كل أفاك أثيم. وقوله في ص ٤٢ من التاريخ المذكور وعرضت دينا قد عرفت بانه من خير اديان البرية دينا ، إلى غير ذلك من اقواله ومواقفه التي لا يرتاب فيها الا كل آفاك اثيم.

وروى في باب نكث العود في الماء والطين عن ابي موسى الاشعري ، انه كان مع النبي (ص) في حائط من حيطان المدينة وفي يده عود يضرب به بين الماء والطين فجاء رجل يستفتح ، فقال النبي (ص) افتح وبشره بالجنة فذهبت فإذا هو أبو بكر ففتحت له وبشرته بالجنة ، ثم استفتح رجل آخر ، فقال النبي (ص) : افتح له وبشره بالجنة ، فإذا هو عمر بن الخطاب ، ففتحت له وبشرته بالجنة ، ثم استفتح رجل آخر وكان متكئا فجلس وقال : افتح وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ، فإذا هو عثمان (١).

وفي باب الحجاب روي عن عائشة انها قالت : كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله (ص) احجب نساءك فلم يستجب لطلبه ، وكان ازواج النبي يخرجن ليلا إلى ليل قبل المناصع فخرجت سودة بنت زمعه ، وكانت امرأة طويلة فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس ، فقال عرفتك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب ، فانزل الله عند ذلك آية الحجاب ، تنفيذا لرغبة عمر بن الخطاب في ذلك (٢).

__________________ـ

(١) انظر ص ٨٣ / ج / ٤.

(٢) والذين وضعوا هذا الحديث ارادوا ان يثيروا الشكوك حول التشريع واسبابه وان يخلقوا فضيلة لعمر ولو على حساب الطعن في جوهر الاسلام لان الله كما يزعم الراوي قد احترم رأي عمر وشرع بناء لرغبته وتلك فضيلة لا يعادلها شئ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وكل من رجع الى كتب التفسر واسباب النزول يخرج وهو على يقين بان تشريع الحجاب كغيره من التشريعات ألتي كان الله سبحانه يراعى فيها مصلحة العباد لا رغبة محمد بن عبد الله (ص) ولا غيره من الناس.

٢٥٢

وروى في باب المناجاة عن عامر بن مسروق ان عائشة قالت : كنا ازواج النبي عنده جميعا لم تغادر منا واحدة ، فاقبلت فاطمة (ع) تمشي لا والله ما تخفي مشيتها عن مشية رسول الله (ص) ، فلما رآها رحب بها وقال : مرحبا بابنتي ، ثم اجلسها عن يمينه وسارها فبكت بكاء شديدا ، فلما رأى حزنها سارها الثانية إذا هي تضحك ، فقلت لها انا من بين نسائه خصك رسول الله بالسر من بيننا ثم انت تبكين ، فلما قام رسول الله (ص) سألتها عما سارك ، قالت ما كنت لافشي لرسول الله سرا ، فلما توفي قلت لها عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما اخبرتني قالت اما الآن فنعم ، اما حين سارني اولا فانه اخبرني ان جبرائيل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وانه عارضه به العام مرتين ولا ارى الاجل الا قد اقترب فاتقي الله واصبري فاني نعم السلف لك ، فبكيت بكائي الذي رأيت ، فلما رأى جزعى سارني الثانية وقال لي يا فاطمة الا ترضين ان تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الامة (١).

وروى في باب الصلاة على النبي (ص) عن عبد الرحمن بن ابي ليلى انه قال : لقيب كعب بن عجرة ، فقال : خرج علينا النبي (ص) فقلنا يا رسول الله كيف نصلي عليك ، قال قو لوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم انك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على آل ابراهيم انك حميد مجيد.

وجاء في رواية ثانية رواها البخاري عن ابي سعيد الخدري ، وعبد الله بن خباب ان ابا سعيد قال : يا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على ابراهيم وبارك على محمد وال محمد كما باركت على ابراهيم وآل ابراهيم وروى

__________________ـ

(١) انظر ص ٨٤ و ٨٨ و ٩٦ ، ج ٤.

٢٥٣

غير هاتين الروايتين بهذا المضمون (١).

وروى في باب تكرير الدعاء عن هشام بن عروة عن عائشة ان رسول الله (ص) طب ، اي سحر حتى ليخيل إليه انه صنع الشئ وما صنعه ، وانه دعا ربه ، ثم قال : اشعرت ان الله قد افتاني فيما استفتيته فيه ، قالت عائشة : فما ذاك يا رسول الله قال : جائني رجلان فجلس احدهما عند رأسي والاخر عند رجلي ، فقال احدهما لصاحبه : ما وجع الرجل؟ قال مطبوب ، قال من طبه؟ قال لبيد بن الاعصم ، قال فيما قال : في مشط ومشاطه ، وجف طلعة ، قال فأين هو : قال : في ذروان ، وذروان في بني زريق ، قالت فأتاها رسول الله (ص) ثم رجع إلى عائشة ، فقال والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، وكان نخلها رؤوس الشياطين ، قالت فأتى رسول الله (ص) واخبرها عن البئر ، فقلت يا رسول الله فهلا اخرجته ، قال اما انا فقد شفاني الله وكرهت ان اثير على الناس شرا وقد روى البخاري حديث سحر النبي في موضع آخر من صحيحة بهذا المضمون (٢).

__________________ـ

(١) ومع ان الروايات في صحيح البخاري وغيره تنص على ان الصلاة عليه لا تتم الا بذكر آله ، حيث ان السائل سأله عن كيفية الصلاة عليه ، وكان جوابه قولوا اللهم صل على محمد وال محمد ، ومع ذلك فاهل السنة يقتصرون عليه وحده ويخالفون النصوص المروية في صحاحهم بدون مدرك بل وحتى البخاري نفسه الراوي لتلك المرويات إذا ذكره يص عليه وحده ويتجاهل آله الذين لا تتم الصلاة عليه بدونهم. انظر ص ١٠٦ و ١٠٧ ج / ٤.

(٢) والمراد من المشط الذى سحر به النبي (ص) على حد زعم الراوي هو العظم العريض الوجود في الكتف ، وقيل غيره وجف الطلعة هو القشر الملاحق للطلع الذي يلقح فيه النخل وقيل غير لذك وبئر ذروان يقع خارج المدينة وقد ارسل النبي (ص) عليا وعمارا فنزلا البئر واستخرجا آلة السحر التي سحر بها. وقيل كما في فتح الباري : ان الذي نزل رجل آخر وقد وجد فيه تمثالا من شمع لرسول الله وفيه ابر مغروزة وإذا وتر فيه احد عشر عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين وكلما قرأ آية انحلت عقدة وكلما نزع ابرة وجد لها الما. انظر فتح الباري ج ١٢ ص ٣٤ وما بعدها وانظر في ص ١١٢ ج ٤.

٢٥٤

وقد تكرر هذا الحديث في الصحيح بهذا المضمون ورواه في المجلد الثاني ص ٢٠٤ عن هشام بن عروة عن ابيه عن السيدة عائشة وجاء فيه ، ان النبي (ص) سحر حتى كان يخيل إليه انه صنع شيئا وما صنعه ، والاحاديث المروية حول هذا الموضوع كلها تنص على ان النبي قد اثر به السحر إلى حد اصبح يخيل إليه انه قد صنع الشئ وما صنعه ، ولازم ذلك ان يكون قد فقد رشده ، ومن الجائز عليه في تلك الحالة ان يتخيل انه قد صلى ولم يصل ، وان يتخيل شيئا يتنافى مع نبوته ، بل مع انسانيته ، فيفعله ، وبالرغم من اني قد اخذت على نفسي ان لا اهاجم احدا في هذا الكتاب ، ولكني اراني مضطرا للهجوم في هذا المورد وارى لزاما علي ان اقول : ان الذين رووا هذا الحديث ودونوه هم المسحورون لانهم لا بفكرون بما يكتبون ، ويروون ولا يتثبتون ، وكيف يصح على نبي لا ينطق عن الهوى كما وصفه ربه ، ان يكون فريسة للمشعوذين ، فيفقد شعوره ويغيب عن رشده ، ومع ذلك يصفه القرآن بانه لا ينطق الا بما يوحى إليه ، ويفرض على الناس اجمعين ان يقتدوا باقواله وافعاله ، والمسحور قد يقول غير الحق ويفعل ما لا جوز فعله على سائر الناس وقد يخرج عن شعوره وادراكه.

وكما روى البخاري حديث السحر ، روى احاديث كثيرة تنص على ان النبي كان ينسى في صلاته فيزيد فيها احيانا وينقص حينا آخر.

فروى عن علقمة عن عبد الله ان رسول الله (ص) صلى الظهر خمسا فقيل له : أزيد في الصلاة يا رسول الله فقال وما ذاك؟ قيل له : صليت خمسا فرجع وسجد سجدتين واكتفى بصلاته (١).

__________________ـ

(١) مع العلم بان زيادة الركعة مبطلة للصلاة سواء كانت من عمد أو سهو وقد كذب الجصاص في المجلد الثاني من احكام القران حديث سحر النبي (ص) ونزهه عن هذه الاباطيل التي لا تتفق مع الغاية التي ارسل الله الرسل من الجلها ولا اظن احدا من اعلام السنة يعرف مقام النبوة ويقر امثال هذه المرويات.

٢٥٥

وروى عن ابي هريرة ان رسول الله (ص) صلى صلاة العصر ركعتين ثم سلم وقام إلى خشبة في المسجد ووضع يده عليها ، وفي المسجد أبو بكر وعمر ، فهابا ان يكلماه وخرج الناس وقالوا قصرت الصلاة ، فسأله رجل منهم يدعى ذو اليدين ، فقال : انسيت ام قصرت الصلاة يا رسول الله ، فقال النبي (ص) لم أنس ولم تقصر ، قال : بلى لقد نسيت ، فرجع النبي وصلى بهم ركعتين وسلم ثم سجد سجدتين وروى غير هاتين الروايتين عن سهو النبي ونسيانه في باب السهو في الصلاة (١).

وفي احاديث قيام الساعة روى عن ابي هريرة ، ان رسول الله (ص) قال : لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت في ايمانها خيرا ، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد رفع الرجل أكلته إلى فمه فلا يطعمها.

وروى في باب كيفية الحشر عن عبد الله بن عباس ، ان رسول الله (ص) وقف خطيبا في الناس. فقال : انكم محشورون حفاة عراة كما بدأنا اول خلق نعيده ، وان اول الخلائق يكسى يوم القيامة ابراهيم ،

__________________ـ

(١) انظر ص ٢١٢ و ٢١٣ من الصحيح ، ونسبة السهو والنسيان إلى النبي (ص) من المنكرات عند الامامية ولم يرد في الكافي ما يشير إلى ذلك ومال الى جواز السهو عليه محمد بن بابويه المعروف بالصدوق احد محدثي الامامية ولكنه تعرض لاعنف الهجمات من الامامية في جميع العصور وإذا جاز عليه الهو والنسيان في صلاته جاز في غيرها حتى في حال تبليغ الاحكام والوحى وغيرهما وإذا كان بهذه الحالة فهل يحصل للناس الجزم والوثوق بما يأتي به بعد ان كان معرضا للسهو وللنسيان ولان يدخل عليه السحر وينفعل به كغيره من سائر الناس.

٢٥٦

وانه سيجاء برجال من امني فيؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال ، فاقول يا رب اصحابي! فيقول : انك لا تدري ما احدثوا بعدك ، فاقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ، فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم القهقرى وقد روى عن ابي هريرة ان النبي (ص) قال يرد علي يوم القيامة رهط من اصحابي فيحلؤن عن الحوض ، فاقول يا رب اصحابي ، فيقول : انك لا علم لك بما احدثوا بعدك ، انهم ارتدوا على ادبارهم القهقرى.

وروى بهذا المضمون اكثر من عشر روايات ، وجاء في بعضها انه لا يخلص منهم الا مثل همل النعم (١).

وبلا شك ان المراد من اصحابه في هذه الروايات على كثرتها هم الصحابة الذين عاصروه واستمعوا لاحاديثه واقواله واشتركوا في غزواته هؤلاء بلا شك هم المعنيون بهذه الاحاديث ، والذي يلفت النظر ويدعو إلى التسائل ، هو وصفهم بالارتداد والتغيير والتبديل ، مع انهم حاربوا المرتدين وكانوا يحرصون على نشر الاسلام وتطبيق اصوله وفروعه ، ومن البعيد ان يصفهم الله والرسول بهذه الصفات لمجرد مخالفتهم لبعض الاحكام وارتكابهم لبعض المعاصي ، لان المعصية لا تسوغ وصفهم بالارتداد ولا بالخروج من الدين ولا توجب هلاكهم فلا بد وان يكون السبب في ذلك ابعد من المخالفات والمعاصي التي لا يسلم فيها الا من عصمه الله ، وإذا رجعنا إلى الاحداث التي تلت وفاة الرسول والتطورات التي حدثت من بعده لا نجد سببا معقولا سوى الموقف السلبي الذي وقفوه من الخليفة الشرعي ذلك الموقف الذي انتج تلالى المضاعفات والتناقضات الخطيرة وهيأ للامويين ان يحكموا باسم الدين والاسلام ويمارسوا

__________________ـ

(١) انظر ص ١٢٠ و ١٣٢ و ١٣٣ و ١٤١ و ١٤٣ وص ١٥٨.

٢٥٧

جميع انواع الفساد والمنكرات واحياء جميع مظاهر الجاهلية ، بعدما حاربها النبي وكاد ان يجتث جذورها ، ولم يكتفوا بكل ذلك وحاولوا بواسطة انصارهم وعمالهم المنتشرين هنا وهناك ان يضعوا الخليفة فوق مستوى الرسول كما اشرنا إلى ذلك في الفصل الثالث من فصول هذا الكتاب.

وروى البخاري عن جنادة بن ابي امية انه قال : دخلنا على عبادة ابن الصامت وهو مريض فقلنا له اصلحك الله! حدثنا بحديث ينفعنا الله به سمعته من رسول الله (ص) فقال : دعانا النبي فبايعناه فكان فيما اخذ علينا ان بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا ، وان لا تنازعوا الامر اهله الا إذ تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان (١).

وروى في باب إذا حرم الانسان طعامه ، ان عبيدالله بن عمر كان يقول : سمعت عائشة تزعم ان النبي (ص) كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا ، فتواصيت انا وحفصه ، ان ايتنا دخل عليها النبي (ص) فلتقل اني اجد منك ريح مغافير اكلت مغافير فدخل على احداهما فقالت ذلك له ، قال : لا بل شربت عسلا عند زينب ولن اعود

__________________ـ

(١) ص ٢١٢ المصدر السابق وتشر هذه الرواية إلى ان النبي (ص) كان يحثهم ويؤكد عليهم ان يستسلموا للحاكمين ممن يتولون الامور من بمده حتى ولو ظلموا وافسدوا ومارسوا المنكرات والمحرمات ولا يعارضوهم في شئ من ذلك مع العلم بان الثورة على الظلم والطغيان والاستبداد من ابرز المبادئ التى جاء بها الاسلام واكد النبي (ص) في عشرات المناسبات مواصلة الكفاح ضد الظلم والطغيان والتمرد على احكام الله وسننه مهما كانت النتا ئج فلا بد وان تكون هذه الرواية وامثالها من صنع الذين دونوا الحديث في قصور الخلفاء ليصرفوا الناس عن واقع اولئك الحكام الملوث بكل انواع الجرائم والمنكرات وظلم العباد.

٢٥٨

فنزلت الآية : «يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لد تبتغي مرضات ازواجك».

وفي باب الرؤيا روى عن ابن عمر انه سمع النبي (ص) يقول : بينا انا نائم اتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى اني لارى الري يخرج من اظفاري ، ثم اعطيت فضلي لعمر بن الخطاب ، قالوا فما اولته يا رسول الله قال : العلم.

وروى عن ابي هريرة ان رسول الله (ص) قال : بينما انا نائم رأيتني على قليب وعليها دلو ، فنزعت منها ما شاء الله ، ثم اخذها أبو بكر فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين ، وفي نزعه ضعف ، والله يغفر له ، ثم استحالت غربا فاخذها عمر بن الخطاب فلم ار عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن.

وروى عن ابي هريرة ايضا ان النبي (ص) قال : بينما انا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر ، قلت لمن هذا القصر قالوا : لعمر بن الخطاب ، فذكرت غيرته ووليت مدبرا ، وقد تكرر هذا النوع من المرويات في صحيح البخاري عن طريق ابي هريرة ، وفي بعضها انه رأى قصرا من ذهب لعمر بن الخطاب في الجنة ، وقد امتنع النبي من دخوله تهيبا من غيرته.

وروى في فضائل عثمان ان امرأة رأت عينا جارية لعثمان ، فسألت النبي (ص) عنها فقال : هي علمه (١).

وروى عن ابى جاء عن ابن عباس ان النبي (ص) قال : من كره من اميره شيئا فليصبر ، فان من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية ،

__________________ـ

(١) ص ٢١٣ و ٢١٤ و ٢١٦.

٢٥٩

وقد تكرر هذا المضمون بين مرويات البخاري ، فروى عن عطاء عن ابي رجاء العطاردي ان عبد الله بن عباس سمع النبي (ص) يقول : من رأى من اميره شيئا يكرهه فليبصر عليه ، فان من فارق الجماعة شبرا ومات ، مات ميتة جاهلية (١).

وروى في باب هلاك امتي على ايدي اغيلمة ، من عمر بن يحيي عن سعيد عن جده انه قال : كنت جالسا مع ابي هريره في مسجد النبي (ص) بالمدينة ومعنا مروان بن الحكم ، فقال أبو هريرة : سمعت الصادق الصدوق يقول : هلكت امتي على يدي غلمة من قريش ، فقال مروان : لعنة الله عليهم غلمة ، فقال أبو هريرة : لو شئت ان اقول بني فلان وبني فلان لفعلت ، واضاف إلى ذلك الراوي كنت اخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا في الشام ، فإذا راهم غلمانا احداثا قال لنا : عسى هؤلاء ان يكونوا منهم ، قلنا انت اعلم.

وروى ايضا عن الزهري عن اسامة بن زيد انه قال : اشرف النبي (ص) على اطم من آطام المدينة فقال : هل ترون ما ارى ، قالوا

__________________ـ

(١) انظر ص ٢٢٢ / ج ٤ هذا النوع من المرويات منصنع الامويين واتباعهم الذين كانوا يحاذرون من يقضة المسلمين ومراقبة تصرفاتهم واعلان الثورة على تلك الانظمة الفاسدة التي احدثوها منذ ان تيسر لهم الستيلاء على الحكم بالسلاح والمال والخداع والمراوغة ، ولو صحت هذه المرويات عن الرسول (ص) فلابد وان يكون المقصود منها الخروج عن طاعة الامام الذي يحكم بالحق والعدل لا غيره ممن غير وبدل واراق الدماء وانتهك الحرمات ليتآمر على المسلمين ويتحكم في رقابهم حسب شهواته واهوائه.

٢٦٠