دراسات في الحديث والمحدّثين

هاشم معروف الحسني

دراسات في الحديث والمحدّثين

المؤلف:

هاشم معروف الحسني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٨

الشيعة قد اسرفوا في التشنيع عليهم من غير ان يتفهموا المراد منه ، مع العلم بان البداء بالمعنى الذي نذهب إليه لا يتنافى مع اصول الاسلام ، ولا يلزمه شئ من المحاذير ، وغالى اكثرهم في التشنيع على الشيعة فادعوا بأن فكرة البداء من مخترعات المختار بن عبيدة الثقفي ومنه اتتقلت إلى الشيعة واصبحت عقيدة لهم على حد تعبيرهم ، وذلك حينما بلغ الصراع اشده بينه وبين مصعب بن الزبير ، وارسل جيشا لحرب مصعب بقيادة احد اتباعه (احمد بن شميط) وقال لهم : إذ الوحى قد أخبره بان الظفر سيكون لكم ، وشاءت الصدف ان ينهزم اتباعه في جميع المعارك التي دارت بينهم وبين الزبيريين ، فقال لهم ، لقد وعدني ربي بالنصر ، ثم بدا له ، وتلى عليهم قوله تعالى :

«يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب» واضافوا إلى ذلك انه كان احيانا يخبر اصحابه بامور ينسبها إلى الله تعالى بقصد تضليل البسطاء والمغفلين من اتباعه ، فإذا ظهر لهم خلافها ، قال بدا لربكم ، وانطلقوا من هذه الاساطير إلى ان هذه المقالة راجت بين الشيعة ، واصبحت جزء من عقائدهم ، فأضافوا إلى اقوال الائمة على حد تعبيرهم ، وفسروا البداء بأن الله سبحانه يتعلق علمه بشئ ، ثم يبدو له تركه لوجود مفسدة فيه كانت خافية عليه اولا ، أو لرجحان تركه على فعله ، ولازم ذلك تبدل ارادته وتجدد علمه ، وذلك لا يكون الا لمن يجهل العواقب وتخفى عليه جهات الصلاح والفساد ، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

بهذا التسلسل لتاريخ البداء ، وبهذا المعنى الذي لا يتناسب مع عظمة الخالق انطلق الكتاب والمؤلفون وغيرهم للهجوم على الشيعة قديما وحديثا ، مع العلم بان الشيعة وبخاصة الأثنا عشرية منهم ينزهون الله سبحانه ويعظمونه اكثر من جميع الفرق ، ويرون ان البداء بهذا المعنى

٢٢١

كفر وجحود يستحق قائله الخزي والعذاب الاليم ، وقد لعن الامام اصحاب هذه المقالة كما جاء في بعض مرويات الكافي حول هذا الموضوع.

فقد روى عن منصور بن حازم انه قال : سألت ابا عبد الله (ع) هل يكون اليوم شئ لم يكن في علم الله بالامس؟ فقال : لا من قال هذا اخزاه الله ، قلت أرأيت ما كان ، أرأيت ما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله؟ قال : بلى قبل ان يخلق الله الخلق.

ومهما كان الحال فلفظ البداء يتحمل المعنيين التاليين ، الاول الظهور والابانة ، ومنه قوله تعالى : «وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون». وقوله : «وبدا لهم سيئات ما كسبوا».

الثاني تغير الارادة وتبدل العزيمة ، تبعا لتغير العلم وتجدده ، وهو بهذا المعنى لا يجوز بالنسبة إليه تعالى ، ولا يقول به احد من الامامية كما ذكرنا.

والمعنى الاول هو الذي يقصده الشيعة من البداء الذي ، نصت عليه بعض المرويات عن الائمة (ع).

قال الشيخ المفيد في رسالته التي شرح فيها رسالة الصدوق في الاعتقادات : والاصل في البداء هو الظهور ، قال تعالى في سورة الزمر :

«وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون» اي ظهر لهم من افعال الله ما لم يكن في حسابهم وتقديرهم ، وقال في السورة المذكورة :

«وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم» اي ظهر لهم جزاء كسبهم وبان لهم. واضاف إلى ذلك. ان العرب تقول : قد بدا لفلان عمل

٢٢٢

حسن ، وكلام فصيح ، كما يقولون بدا من فلان ، فتكون اللام بمعنى من وقائمة مقامها ، والمعنى في قول الامامية بدا لله كذا اي ظهر له فيه ، وبتقدير ان اللام بمعنى من ، يكون المراد من هذه الكلمة ، ظهر منه.

والمتحصل من ذلك ان البداء الذي لا نقول به هو بمعنى الظهور والابانة ، ونسبته إلى الله فيما لو قلنا بدا لله كذا اي ظهر من الله ما كان خافيا على جميع مخلوقاته ولم يكن في حسابهم.

وقد اكد هذا المعنى الشيخ الكراجكي في كنز الفوائد حيث قال : ان المراد من البداء ان يظهر للناس خلاف ما توهموه ، وينكشف لهم في ـ ما كانوا يعتقدون من دوام الامر واستمراره ، وسمي هذا النوع بالبد اء لمشابهته لمن يأمر بالشئ أو يخبر به ثم ينهى عنه في وقته.

وتفسير البداء بهذا المعنى ليس بعيدا عن مفاد بعض الروايات التي جاء فيها انه من علم الله الكنون الذي لم يظهر لاحد ، حتى للانبياء والمرسلين ، وانه من افضل ما عبد به الله إلى غير ذلك من المرويات التي ربطت بين الايمان به والايمان الاكيد بالله ، ذلك بأن هذا التفسير للبداء ، مفاده ان ما ظهر للناس هو من علمه المكنون الذي لم يطلع عليه احدا من عباده ولم يكن محتسبا ظهوره أو مظنونا وقوعه ، وافتراض البداء من هذا العلم لا بد وان يقترن بالاقرار والاعتراف لله سبحانه بالاحاطة بكل شئ والقدرة المطلقة التي لا تحيط بها الظنون ولا تحدها الاوهام ، وإذا بلغ الانسان من الايمان بالله إلى هذه المرتبة يصبح في أعلى درجات الايمان وفي مصاف الاولياء والصديقين الذين يراقبون الله في جميع حالاتهم وتصرفاتهم.

ومما يؤكد ارادة هذا المعنى من البداء ، ما جاء في اوائل المقالات للمفيد رحمه الله. حيث قال : وانما يوصف من افعاله بالبداء ما لم

٢٢٣

يكن محتسبا ظهوره أو مظنونا وقوعه ، اماما علم كونه ، أو غلب في الظن حصوله فلا يستعمل فيه لفظ البداء.

هذا مع العلم بأن نسبة البداء إلى الله والحالة هذه لا تخلو من التجوز كما نص على ذلك الكراجكي في كنز الفوائد.

ولو تغاضينا عن كل ذلك. وقلنا ان البداء المنسوب إليه من صفاته تعالى ، فلا بد وان يكون المراد منه حين ينسب إليه انه قادر على ان يرفع وبضع ويحمو ويثبت ، واثبات القدرة له بهذا النحو لا يعني تجددا في علمه ولا تغييرا في ارادته ، ذلك لان علمه وارادته يتعلقان بالاشياء بما هي مقدورة له وتحت تصرفه وسلطانه.

٢٢٤

البداء في صحيح البخاري

على ان البداء الوارد في مرويات الشيعة وارد بهذا اللفظ في مرويات السنة وفي صحاحهم.

فقد روى البخاري ، عن ابي عمرة ان ابا هريرة حدثه انه سمع رسول الله (ص) يقول : ان ثلاثة من بني اسرائيل ابرص واعمى وإقرع بدا لله ان يبتليهم ، فبعث إليهم ملكا فأتى الابرص ، فقال : اي شئ احب اليك ، فقال لون حسن وجلد حسن ، قد قذرني الناس ، فمسحه فذهب عنه ، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا ، ثم قال له : اي المال أحب اليك ، فقال : الابل ، فأعطي ناقة عشراء ، وأتى الاقرع فقال : اي شئ احب اليك ، قال شعر حسن ، ويذهب عني هذا قد قذرني الناس فمسحه فذهب عنه واعطي شعرا حسنا ، ثم قال له : فأي المال أحب اليك ، فقال : والبقر ، فأعطاه بقرة حاملا ، وأتى الاعمى فقال : اي شئ احب اليك ، قال : يرد الله الي بصري ، فمسحه فرد الله إليه بصره ، قال : فأي المال أحب اليك ، قال : الغنم ، فاعطاه شاة ولودا ، وجاء في الحديث ان الابل والبقر والغنم تكاثرت عند هؤلاء حتى اصبح لكل واحد منهم قطيعا من هذه الاصناف ، ثم ان الملك أتى الابرص والاقرع والاعمى كلا على صورته ، وطلب من كل واحد منهم ان يعطيه مما عنده ، فرده الاقرع والابرص ، فأرجعهما الله إلى ما كانا عليه ، وأعطاه الاعمى فزاده الله وأبقاه مبصرا (١).

فهذه الرواية صريحة في نسبة البداء إلى الله تعالى وربما كانت أظهر في المعنى المنسوب إلى الشيعة من الرواية التي ورد فيها هذا اللفظ بين مروياتهم كما يبدو ذلك من صيغة الرواية التي ورد فيها لفظ البداء.

__________________ـ

(١) انظر المجلد الثاني من الصحيح البخاري ص ٢٥٩.

٢٢٥

هذا بالاضافة إلى بعض المرويات التي تؤدي معنى البداء المنسوب إلى الشيعة وان لم يرد فيها لفظه صريحا ، فقد جاء في رواية البخاري التي وصف فيها النبي (ص) رحلته إلى السماء ليلة المعراج ، انه مر على موسى (ع) فقال له : بما أمرك ربك؟ فقال : أمرني بخمسين صلاة كل يوم ، فقال له : ان أمتك لا تستطيع ذلك ، واني والله لقد جربت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل اشد المعالجة ، فارجع إلى ربك واسأله التخفيف قال (ص) : فرجعت إليه فوضع منها عشرا ، فاخبرت موسى بذلك فأمرني أن أرجع إليه مرة أخرى ، فرجعت إليه مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة بأمر من موسى وفي كل مرة يخفف منها عشرا حتى استقرت على الخمس صلوات في اليوم الواحد ، وجاء في الرواية ان موسى اشار عليه أن يرجع ويطلب منه ، تخفيفها فامتنع محمد (ص) حياء من ربه (١).

ونحن لا ننسب لاخواننا أهل السنة من خلال هذه المرويات ما لا يتفق مع اصول الاسلام وفروعه ولا نستغل وجودها بين مروياتهم للتشنيع والتشويه لآثارهم ومعتقداتهم ولو كنا نحمل مثل هذه الروح الشريرة لكان ذلك من أيسر الامور علينا ونرغب إليهم ان ينظروا إلى المقامين بعين واحدة وان يرجعوا إلى كتب علماء الشيعة التي تعبر عن رأيهم في مثل هذه المواضيع ، وان لا يستبدوا بتفسير بعض المرويات حسب أهوائهم ونزعاتهم لانا اقدر منهم علي رد الصاع صاعين.

__________________ـ

(١) ص ٣٣٨ وص ٢١١ ج ٢ وتكررت في المجلد الرابع وغيره. والجمود على ظاهر الرواية يلزمه احد أمرين اما تكليف العباد بما لا يطيقون حيث انه كلفهم بما لا يقدرون عليه كما جاء فيها عن لسان موسى واما ان الله سبحانه حينما فرض الصلاة على المسلمين لم يكن يعلم قدرتهم على اداء هذا المقدار ، كما وان محمدا (ص) لم يكن يعلم ذلك حتى جاء موسى وكشف لله ولرسوله عن واقع حالهم تعالى الله عما يرويه أبو هريرة وكعب الاحبار وحشوية العامة علوا كبيرا.

٢٢٦

القدر في صحيح البخاري والكافي

فقد روى عن زيد بن وهب عن عبد الله ان رسول الله (ص) قال : ان احدكم يجمع في بطن امه اربعين يوما ، ثم علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر باربع برزقه وأجله أشقي أو سعيد ، فوالله ان الرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ، وان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.

وروي عن انس بن مالك ان النبي (ص) قال : وكل الله بالرحم ملكا فيقول : اي ربي نطفة ، اي ربي علقة. اي ربي مضغة ، فإذا أراد الله ان يقضي خلقا ، قال : أي ربي ذكر أم انثى ، أشقي أم سعيد ، فما الرزق ، فما الاجل فيكتب كذلك في بطن أمه.

وروى عن عمران بن حصين ان رجلا قال يا رسول الله : ايعرف أهل الجنة من أهل النار قال نعم ، قال : فلم يعمل العاملون؟ قال : كل يعمل لما خلق له.

وروى عن ابي هريرة ان النبي (ص) قال : احتج آدم وموسى فقال له موسى : يا آدم انت ابونا خيبتنا واخرجتنا من الجنة ، قال له آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك بيده اتلومني على أمر

٢٢٧

قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ، فقال النبي (ص) فحج آدم موسى وكررها ثلاثا. إلى غير ذلك من المرويات التي أوردها البخاري في صحيحه حول القدر المتفقة في مضامينها (١).

وجاء في الكافي حول هذا الموضوع عن منصور بن حازم ان أبا عبد الله الصادق (ع) قال : ان الله خلق السعادة والشقاء قبل أن يخلق خلقه ، فمن خلقه الله سعيدا لم يبغضه أبدا ، وان عمل شرا أبغض عمله ولم يبغضه ، وان كان شقيا لم يحبه ابدا ، وان عمل صالحا أحب عمله ، وأبغضه لما يصير إليه ، فإذا أحب الله شيئا لم يبغضه ابدا ، وإذا أبغض شيئا لم يحبه ابدا (٢).

وروى عن احمد بن محمد بن خالد بسنده إلى على بن حنظلة ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال : يسلك بالسعيد طريق الاشقياء حتى يقول الناس : ما اشبهه بهم ، بل انه منهم ، ثم تتداركه السعادة ، وقد يسلك بالشقي طريق السعادة حتى يقول الناس : ما اشبهه بهم بل انه منهم ، ثم تتداركه السعادة ، وقد يسلك بالشقي طريق السعادة حتى

__________________ـ

(١) انظر ص ١٤٣ وما بعدها من المجلد الرابع.

(٢) والمراد من قوله ان الله خلق السعادة والشقاء قبل ان يخلق خلقه انه تعالى علم ما سيكون من امر الانسان من حيث اختياره لسلوك طريق لسعادة أو الشقاء فقدر عليه ما يختاره وكتبه مع السعداء أو الاشقياء فأحب السعيد وابغض الشقي. ومع ذلك فلو صدر من الشقي عمل مالح أحب منه ذلك العمل. ولو صدر من السعيد عمل قبيح ابغضه وان كان هو في ذاته محبوبا له سبحانه. فهذه الرواية وما ورد بهذا المضمون لا تدل على ان الانسان مسير في اعماله لما قدر عليه ولا يختار من امره شيئا كما يدعي القائلون بهذه المقالة ولعل المرويات التي اوردها البخاري وغيره من محدثي السنة من جملة الدوافع على انتشار هذه المقالة بين محدثي السنة وفقهائهم وجميع اصنافهم مع انها لو صحت عن النبي (ص) لا بد من تأويلها بما ذكرنا.

٢٢٨

يقول الناس ، ما اشبهه بهم بل هو منهم ، ثم يتداركه الشقاء ، ان من كتبه الله سعيدا وان لم يبق من الدنيا فواق ناقة ختم له بالسعادة (١).

وروى عن ابي بصير انه قال : كنت بين يدي ابي عبد الله الصادق (ع) جالسا وقد سأله سائل فقال : جعلت فداك يا بن رسول الله من اين لحق الشقاء أهل المعصية حتى حكم الله عليهم في علمه بالعذاب على عملهم ، فقال : ايها السائل حكم الله عزوجل لا يقوم له احد من خلقه بحقه ، فلما حكم بذلك وهب لأهل محبته القوة على معرفته ، ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله ، ووهب لأهل المعصية القوة على معصيتهم لسبق علمه فيهم ، ومنعهم اطاقة القبول فوافقوا ما سبق لهم في علمه ، ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه ، لان علمه أولى بحقيقة التصديق (٢).

وروى في الكافي في باب الجبر والقدر ما يرفع الالتباس ويفسر المراد من القدر ، عن سهل بن زياد واسحاق بن محمد ، قالا : كان أمير المؤمنين جالسا في الكوفة بعد منصرفه من صفين ، إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه ، وقال له : يا امير المؤمنين اخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام ابقضاء من الله وقدر؟ فقال (ع) أجل يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد الا بقضاء من الله وقدر ، فقال له الشيخ : عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين ، فقال له مه يا شيخ ، والله لقد عظم الله لكم الاجر في مسيركم وانتم سائرون ، وفي مقامكم وانتم مقيمون ، وفي منصرفكم وانتم

__________________ـ

(١) هذا الحديث يتفق مع الحديث الذي رواه البخاري عن النبي اتفاقا كليا.

(٢) فحكم الله عليهم نشأ من علمه باختيارهم طرق الشقاء. والسعادة وحيث علم منهم ذلك وعلمه لا يمكن ان يخلف حكم عليهم وامدهم بالقوة والقدرة فهم قادرون على الشر والخير وجودا وعدما. إذ لا تصدق القدرة الا إذا تساوت بالنسبة للوجود والعدم وبذلك يصح الثواب والعقاب والمدح والذم.

٢٢٩

متصرفون ولم تكونوا في شئ من حالاتكم مكرهين ، ولا إليه مضطرين.

فقال له الشيخ ، كيف لم نكن في شئ من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟ فقال له اتظن انه كان قضاء حتما وقدرا لازما ، انه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والنهي والزجر من الله ، وسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم تكن لائمة لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولكان المذنب اولى بالاحسان من المحسن ، والمحسن أولى بالعقوبة من المذنب ، تلك مقالة عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان وقدرية هذه الامة ومجوسها.

ان الله كلف تخييرا ، ونهى تحذيرا ، واعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ولم يملك مفوضا ، ولم يخلق السموات وما بينهما باطلا ، ولم يبعث النبيين مبشرين ومنذرين عبثا ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (١).

__________________ـ

(١) ان النزاع في القضاء والقدر ونسبتهما الى الافعال يرجع تاريخه إلى القرن الاول الذي انتشرت فيه الدعوة الاسلامية خارج البلاد العربية واتصل المسلمون العرب بغيرهم من الامم ذات الديانات المختلفة ، وقد تشعبت فيهما الآ راء ، فقال فريق بان تعلق الارادة بالاشياء يوجب سلب الاختيار ، ولازم ذلك ان يكون الانسان مجبورا في افعاله ، وقال فريق آخر وهم المفوضة بأن الانسان مختار في افعاله ، والارادة الالهية لم تتملق بشئ من افعال الانسان وقد نفى الامام (ع) في جوابه للسائل كلا الامرين فقال : لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب اي لو كان قضاء حتما وقدرا لازما بنحو لا يكون للعبد ارادة واختيار في افعاله يكون العقاب من الله على القبيح ظلما لانه هو الفاعل ولا يستحق الانسان على الخير شيئا لانه مدفوع ألى فعله قهرا وبدون ارادة واختيار وقد دفع شبهة التفويض بقوله (ع) : ولم يعص مغلوبا. اي ان الانسان لو كان خالقا لفعله من غير ان يكون لله رأي في ذلك. كانت مخالفته لما كلفه الله به من الافعال غلبة منه على الله سبحانه. كما وان قوله (ع) ولم يطع مكرها تعريض بالمجبرة الذين ذهبوا إلى ان الانسان مسير للقضاء الحتمى والقدر اللازم ولا يملك الاختيار في شئ من حالاته.

٢٣٠

وقد اورد في الكافي مجموعة من المرويات عن الائمة (ع) تفسر المراد من القدر والقضاء الذي يجب الايمان بهما وتنص على ان القدر والقضاء لا يسلبان ارادة العبد وقدرته على افعاله ، مع العلم بأنه هو الذي أمد الانسان شقيا كان في علم الله ، ام سعيدا بالقدرة والقوة على مزاولة اعماله والاتيان بها.

فقد جاء في رواية يونس بن عبد الرحمن عن حفص بن قرط عن ابي عبد الله الصادق (ع) ان رسول الله (ص) قال : من زعم ان الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله ، ومن زعم ان الخير والشر بغير مشيئة الله فقد اخرج الله عن سلطانه ، ومن زعم ان المعاصي بغير قوة الانسان فقد كذب على الله ، ومن كذب على الله ادخله الله النار (١).

وروى عن علي بن الحكم عن صالح النيلي انه قال : سألت ابا عبد الله (ع) هل للعباد من الاستطاعة شئ فقال : إذا فعلوا الفعل كانوا مستطيعين بالاستطاعة التي جعلها الله فيهم ، قلت وما هي؟ قال الآلة ، مثل الزاني إذا زنى كان مستطيعا للزنى حين زنى ولو انه ترك الزنى ولم يزن كان مستطيعا لتركه إذا ترك ، ثم قال : ليس له من الاستطاعة قبل الفعل قليل ولا كثير ، ولكن مع الفعل والترك كان مستطيعا ، قلت فعلى ماذا يعذبه! قال بالحجة البالغة : والآلة التي ركبها فيهم ، ان الله لم يجبر احد! على معصيته ، ولا أراد ارادة حتم الكفر من احد ، ولكن حين

__________________ـ

(١) فقد ابطل بهذه الرواية مزاعم الفريقين المجبرة والمفوضة لان من زعم ان الله يأمر بالسوء والفحشاء يدعى بأن ارادة الله هي التي تسير الانسان بنحو لا يملك من امره شيئا ومن زعم بأن الخير والشر بغير مشيئته تعالى فقد عزل الله من سلطانه فلا بد من الواسطة بين القولين وذلك بأن نقول : مع ان الله قض وقدر فقد اعطى الانسان القدرة على افعاله والقوة عليها فهو يفعل بالقدرة التي وهبها له على الفعل والترك ، فإذا فعل أو ترك يصح نسبة الفمل أو الترك إليه من حيث تساوي قدرته بالنسبة اليهما.

٢٣١

كفر كان في ارادة الله ان يكفر ، وهم في ارادته وفي علمه ان لا يصيروا إلى شئ من الخير ، قلت : أراد منهم ان يكفروا قال ليس هذا اقول ولكني اقول علم انهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه يخم وليست هي ارادة حتم وانما هي ارادة اختيار (١).

__________________ـ

(١) والفقرة الاخيرة من هذه الرواية تؤيد ما علقناه على الرواية السابقة كما يبدو ذلك من قوله : علم انهم سيكفرون فأراد الكفر لعلمه فيهم ، اي انه لما علم بأنهم سيختارون الكفر بالقدرة التي خلقها الله فيهم بنحو يكون الوجود والعدم في مقدورهم. لما علم فيهم ذلك اراده فيهم ارادة اختيار اي ارادة تتعلق به من حيث اختيارهم له وقدرتهم على ايجاده وليست الارادة في المقام الا علمه باختيارهم الكفر والعصيان.

٢٣٢

من كتاب العلم في صحيح البخاري

لقد اشتمل كتاب العلم من الصحيح للبخاري على مجموعة من الابواب المختلفة ، وحشد فيها طائفة من المرويات عن الرسول (ص) نذكر منها نماذج بنصها الحرفي ، وتترك للقارئ الحكم على هذه المرويات ومناسباتها ، فقد جاء في باب فضل العلم عن عطاء بن يسار عن ابي هريرة انه قال : بينما النبي (ص) في مجلس يحدث القوم جاءه اعرابي فقاله : متى الساعة يا رسول الله؟ فمضى النبي في حديثه ، فقال بعض القوم : لقد سمع رسول الله وكره قوله. وقال آخرون ، انه لم يسمع حتى إذا أنهى حديثه ، قال أين أراد السائل عن الساعة؟ قال : ها أنا يا رسول الله ، قال : إذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة ، قال : كيف اضاعتها قال : إذا اسند الامر إلى غير اهله (١).

وفي باب ما جاء في العلم روى عن انس بن مالك انه قال : بينما نحن جلوس مع النبي (ص) في المسجد ، دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ، وقال لهم : أيكم مصد (ص) ، والنبي متكئ بين ظهرانيهم ، فقلنا هذا الرجل الابيض المتكئ ، فقال الرجل للنبي (ص) اني سائلك ومشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك ، فقال

__________________ـ

(١) واسناد الامر الى غير اهله انما يكون إذا غلب الجهل على العلم وعمت الفوضى وانتشر الفساد والمنكر بين الناس. واصبح اولياء الامور من دعاة الشر والفساد. فعندها ينبغي للانسان ان يعتصم بدينه ويترقب ساعة الخلاص والفرج.

٢٣٣

النبي (ص) سل عما بدا لك ، فقال أسألك بربك ورب من قبلك ، الله أرسلك إلى الناس كلهم ، فقال اللهم نعم ، قال انشدك بالله الله أمرك ان نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ، قال اللهم نعم ، قال انشدك بالله الله امرك ان تأخذ هذه الصدقة من اغنيائنا وتقسمها على فقرائنا ، قال اللهم نعم ، قال الرجل : آمنت بما جئت به وانا رسولك لمن ورائي من قومي (١).

وفي باب فضل من علم وعلم ، روى عن ابي بردة عن ابي موسى ان النبي (ص) قال : مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلاء والعشب الكثير ، وكانت منها اجادب امسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، واصاب منها طائفة اخرى انما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلاء ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.

وفي باب رفع العلم وظهور الجهل روى عن انس بن مالك انه قال : لأحدثنكم حديثا لا يحدثكم به احد بعدي ، ، سمعت رسول الله (ص) يقول : من اشراط الساعة ان يقل العلم ، ويظهر الجهل والزنا ، وتكثر

__________________ـ

(١) لم يكن الذين آمنوا بمحمد على وتيرة واحدة فمنهم المعاند الذي كان يتحكم ويقترح على النبي المعجزات والخوارق التي يعجز عن ايجادها الانسان كانشقاق القمر وتكليم الثعجر وتسبيح الحصى ونحو ذلك ومعلوم ان هذا النوع من الآيات إذا وجد النبي ضرورة ملحة إليها دعا الله لايجادها ومنهم من آمن به حينما سمع آيات القران التى يعجز البشر عن الاتيان بمثله ومنهم من آمن به لانه يعلم من حاله بأنه لا يعرف الكذب ولا يقول الا الحق كالذي ردد عليه هذه الاسئلة ومنهم من اسلم دجلا أو خوفا وطمعا.

٢٣٤

النساء وتقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد (١).

ومن الممكن ان يكون المراد من قلة العلم وكثرة النساء وغيرهما من الفقرات التي تشتمل عليها ، هو انه اخبار سينتهي إليه الانسان وقد انتهى إلى اكثره وهو عدم استعمال العلماء علمهم فيما يعود على البشرية بالخير ويخفف عنها آلام الغقر والبؤس والمرض ، وقد استعملوه بدلا عن ذلك للسيطرة على الشعوب واستغلال ثرواتها وخيراتها وضع آلات الدمار والخراب التي تستنزف القسم الاكبر من امكانيات الشعوب وخيرات الارض ، كما تضع الدول الكبرى في عصرنا الحاضر التي تنفق آلاف المليارات على وسائل الدمار وعشرات الملايين يموتون جوعا هنا وهناك.

فالعلم الذي يعطي هذه النتائج السيئة لا يعد علما مادام مسخرا لشهوات الانسان واهوائه بل هو في واقعه أسوأ من الجهل ، واضرار الجهل إذا قيست بأضراره لا تكون شيئا مذكورا ، ولو قدر لتلك الدول الكبرى التي تملك آلات الدمار ان تصطدم تتعرض البشرية لكارثة لا يحصي نتائجها الا الله ويصبح لكل خمسين أمرأة رجل واحد ، كما وان اكثر المتقمصين لثوب رجل الدين ويتاجزون به يتسببون لتنكر الناس منه وحتى للخروج منه احيانا.

وفي باب فضل العلم روى عن ابن عمر انه قال : سمعت النبي (ص) يقول : بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى اني لأرى الري

__________________ـ

(١) انظر ج ١ من صحيح البخاري ص ٢١ و ٢٣ و ٢٦ ولظاهرا ان هذه الامور ليست من العلامات الحتمية لقيام الساعة وليست من اسبابها وانما هي من المقارنات بمعنى انه عند حدوث الساعة لا بد وان يكون العالم في مثل هذه الحالات من الفوضى وانتشار الفساد والمنكرات وانصراف لناس عن الاديان واهلها.

٢٣٥

يخرج من اظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب ، قالوا فما اولته يا رسول الله قال : بالعلم!

وفي باب الحرص على الحديث روى عن ابي هريرة انه قال : قيل يا رسول الله : من اسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة فقال لقد ظننت يا ابا هريرة ان لا يسألني عن هذا الحديث احد قبلك لما رأيت من حرصك على الحديث ، اسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا اله الا الله خالصا من قلبه ونفسه.

لقد روى هذا الحديث أبو هريرة ليثبت ان الرسول قد شهد له بالحرص على رعاية الحديث في مقابل الشبهات التي أثيرت حو له حينما اكثر من الرواية عنه وتعرض للتكذيب والضرب اصيانا واعرض الناس عن حديثه.

وفي باب كتابة العلم روى عن عبد الله بن العباس انه قال : لما اشتد برسول الله الوجع قال : آتونى بدواة وكتف اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فقال عمر بن الخطاب : ان النبي قد غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط ، فقال النبي (ص) قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع فخرج ابن عباس وهو يقول : الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه (١).

واكثر المحدثين رووا عنه انه قال ان النبي ليهجر اي انه يتكلم بدون وعي وتصور من شدة الوجع والالم.

وروى في باب حفظ العلم عن ابي هريرة انه قال : ان الناس يقولون اكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت احدا ، ثم

__________________ـ

(١) انظر ج ١ ص ٢٧ و ٣٠ و ٣٢ من الصحيح للبخاري.

٢٣٦

قال : ان اخواننا المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق ، وان اخواننا الانصار كان يشغلهم العمل في اموالهم ، وان ابا هريرة كان يلزم رسول لله (ص) ليشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ، ويحفظ ما لا يحفظون.

وروى عنه انه قال قلت لرسول الله : اني اسمع منك حديثا كثيرا انساه ، قال ابسط ردائك فبسطته فغرف بيده ، ، ثم قال ضمه فضممته فما نسيت شيئا بعده وقال : حفظت من رسول الله وعائين ، اما احدهما فبثثته ، واما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم (١).

__________________ـ

(١) وبالطبع ان الوعاء الثاني الذي لم يحدث به أبو هريرة هو الاسرار الالهية التي لا تتحملها عقول البشر ، ولم يحط بها علما سوى النبي (ص) وابو هريرة ، ولذا لو حدث بها لقطع المسلمون بلعومه لان العقول لا تتحملها في عصر الصحابة الاولين ، ولما جاء دور معاوية والامويين وجد مجالا لبثة فحدث منه عن فضل الامويين والشام وسكانها وفضائل عثمان ومعاوية وغيرهما ممن اعلن العداء لعلي (ع) وآله الكرام. انظر ص ، ٢٤ و ٣٧.

٢٣٧

من كتاب العلم في الكافي

روى الكليني في باب فرض العلم ووجوب طلبه عن ابي عبد الله الصادق (ع) ان رسول الله (ص) قال : طلب العلم فريضة على كل مسلم ، الا ان الله يحب بغاة العلم.

وروى عن الفضل بن عمر انه قال : سمعت ابا عبد الله (ع) يقول : عليكم بالتفقه في الدين ، لا تكونوا اعرابا ، فان من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، ولم يزك له عملا.

وروى عن جميل بن دراج ان ابان بن تغلب قال : سمعت الامام الصادق يقول : لوددت ان اصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا في دينهم. وروى عن ابي حمزة الثمالي ان أبا جعفر الباقر كان يقول : عالم ينتفع بعلمه افضل من سبعين عابدا (١).

وروى عن السكوني انه قال : روى الامام الصادق عن آبائه ان رسول الله (ص) قال : لا خير في العيش الا لرجلين عالم مطاع أو مستمع داع.

__________________ـ

(١) ومن هذه الرواية يظهر ان العلم مهما كان نوعه إذا افاد الناس في معاشهم أو معادهم يكون محبوبا لله سبحانه. والعالم الذي يتجه بعلمه لخير الانسان إذا كان مؤمنا بالله ورسله افضل من العابد بسبعين مرة لان العابد لا ينفع الا نفسه ، والعالم الذي يستعمل علمه في الخير ينفع الملايين من البشر لانه يسهل لهم سبيل الحياة الحرة الكريمة ، ويقربهم الى الله سبحانه.

٢٣٨

وروى عن حماد بن عيسى عن القداح عن ابي عبد الله الصادق (ع) ان رسول الله (ص) قال : ان فضل العالم على العابد كفضل القمر على النجوم ليلة البدر. وان العلماء ورثة الانبياء ، وانهم لم يورثوا غير العلم فمن أخذ منه اخذ بحظ وافر.

وروى عن ابي بصير ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال : من علم خيرا فله مثل أجر من عمل به ، قلت فان علمه غيره يجري ذلك له؟ قال : ان علمه الناس كلهم جرى له ، قلت فان مات ، قال : وان مات.

وفي باب صفة العلماء ، روى عن معاوية بن وهب ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال : اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار ، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم ، ولمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم.

وروى عن الحارث بن المغيرة ، ان ابا عبد الله الصادق (ع) قال : في تفسير قوله تعالى : «انما يخشى الله من عباده العلماء» ان الآية تعني بالعلماء من صدق فعله قوله ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم. وروى عن الحلبي عن ابي عبد الله الصادق (ع) ان امير المؤمنين (ع) كان يقول : الا اخبركم بالفقيه؟ الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ومن لم يؤمنهم من عقاب الله ، ولم يرخص لهم في معصية الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره ، الا لا خير في علم ليس فيه تفهم ، الا لا خير في عبادة ليس فيها تدبر ، الا لا خببر في عبادة لا فقه فيها ، الا لا خير في نسك لا ورع فيه.

وروى عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (ع) ان امير المؤمنين (ع) كان يقول : يا طالب العلم ان للعلم ثلاث علامات. العلم

٢٣٩

والحلم والصمت ، وللمتكلف ثلاث علامات ، ينازع من فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهر الظلمة (١).

وروى عن ابي جعفر الباقر : ان علي بن الحسين (ع) كان يقول : يسخي نفسي في سرعة الموت والقتل فينا قول الله عزوجل : «أولم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها» وهو ذهاب العلماء (٢).

وروى عن سفيان بن عيينة بر ان ابا جعفر الباقر (ع) قال :. لمجلس اجلسه إلى من اثق به اوثق في نفسي من عمل سنة.

وروى في باب النهي عن القول بغير علم روي عن ابي عبيدة الحذاء ان ابا جعفر الباقر (ع) قال : من افتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه.

وروى عن داود بن فرقد ان عبد الله بن شبرمة احد القضاة لابي جعفر المنصور قال : ما ذكرت حديثا سمعته من جعفر بن محمد ، الا كاد قلبي ان يتصدع. قال : حدثني ابي عن جدي عن رسول الله (ص) قال ابن شبرمة واقسم بالله ما كذب ابوه على جده ولا جده على رسول الله (ص) ، وان رسول الله (ص) قال : من عمل بالمقاييس فقد هلك واهلك ، ومن افتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسغ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك واهلك.

وفي باب استعمال العلم روى عن امير المؤمنين (ع) انه سمع

__________________ـ

(١) اي يكون لهم عونا ونصيرا على ظلمهم.

(٢) والمقصود من الرواية ان الآية الكريمة تجعل نفسه سخية في حب الموت أو القتل. انظر ص ٢٠ و ٣١ و ٣٢ و ٣٥ و ٣٦ و ٣٨ من المجلد الاول اصول الكافي.

٢٤٠