النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي

النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

المؤلف:

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

سياسية وقد ذكر المحدثون والمؤرخون اسباب هذا الاستلحاق.

(ولنذكر) ملخص ما ذكره العلامة ابن الاثير رحمه الله قال : لما ولي علي الخلافة استعمل زيادا على فارس فضبطها وحمى قلاعها واتصل الخبر بمعاوية فساءه ذلك وكتب إلى زياد يتهدده ويعرض له بولادة ابي سفيان اياه فلما قرأ زياد كتابه قام في الناس وقال : العجب كل العجب من ابن اكلة الاكباد وراس النفاق يخوفني بقصده اياي وبيني وبينه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله في المهاجرين والانصار اما والله لو اذن لي في لقائه لوجدني احمر مخشا ضرابا بالسيف وبلغ ذلك عليا فكتب إليه اني وليتك ما وليتك واني أراك له اهلا وقد كانت من ابي سفيان فلتة من اماني الباطل وكذب النفس لا توجب له ميراثا ولا تحل له نسبا وان معاوية يأتي الانسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فأحذر ثم احذر والسلام فلما قتل علي عليه السلام وكان من امر زياد ومصالحة معاوية ما كان رأى معاوية ان يستميل زيادا ويستصفي مودته باستلحاقه فاتفقا على ذلك واحضر الناس وحضر من شهد لزياد وكان فيمن حضر خمار يقال له أبو مريم السلولي فقال له معاوية بم تشهد يا أبا مريم فقال أنا اشهد ان أبا سفيان حضر عندي وطلب مني بغيا فقلت له ليس عندي الاسمية فقال ائتني بها على قذرها ووضرها فأتيته بها فخلا معها ثم خرجت من عنده وان اسكتيها ليقطر ان منيا فقال له زياد مهلا أبا مريم انما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما فأستلحقه معاوية.

(وكان) استلحاقه اول ما ردت به احكام الشريعة علانية فان رسول الله صلى الله عليه وآله قضى بالولد للفراش وللعاهر الحجر وقضى معاوية بعكس ذلك طبقا لما كان العمل عليه قبل الاسلام يقول الله تعالى افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون.

(وكتب) زياد إلى عائشة رضي الله عنها من زياد بن أبي سفيان وهو

٨١

يريد ان تكتب له إلى زياد بن ابي سفيان ليحتج بذلك فكتبت إليه من عائشة ام المؤمنين إلى ابنها زياد وعظم ذلك على المسلمين عامة وعلى بني امية خاصة قال : وجرى بعد ذلك اقاصيص يطول بذكرها الكتاب فأعرضنا عنها ثم قال : قيل اراد زياد ان يحج بعد ان استلحقه معاوية فسمع أخوه ابو بكرة وكان مهاجرا له من حين خالفه في الشهادة بالزنا على المغيرة ابن شعبة فلما سمع بحجه جاء إلى بيته وأخذ ابنا له وقال : يا بني قل لابيك اني سمعت انك تريد الحج ولابد من قدومك إلى المدينة ولا شك انك تطلب الاجتماع بأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وآله فان اذنت لك فاعظم به خزيا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وان منعتك فاعظم به فضيحة في الدنيا وتكذيبا لادعائك فترك زياد الحج وقال : جزاك الله خيرا فقد ابلغت في النصح (انتهى مع حذف).

(وقد) لام معاوية على هذه الفعلة الشنيعة اهل الدين والفضل وغيره أهل الشعر والنقد وكتب إليه ابن مفرغ الحميري.

الا ابلغ معاوية بن صخر

مغلغلة من الرجل اليماني

اتغضب ان يقال ابوك عف

وترضى ان يقال أبوك زاني

فأشهد ان رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الاتان

(ومن بوائقه) الموجبة له غضب الله قتله حجر بن عدي واصحابه صبرا بمرج عذراء وهم من هم كأنه لم يقرأ قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد لهم عذابا عظيما (قتل) معاوية حجرا وأصحابه وهم شريك بن شداد الحضرمي وصفي بن فسيل الشيباني وقبيصة بن ضبيعة العبسى ومحرز بن شهاب السعدي التميمي وكدام بن حيان العنزي وعبد الرحمن بن حسان العنزي الذي دفنه زياد حياء.

(أخرج) يعقوب بن سفيان في تاريخه والبيهقي في الدلائل عن عبدالله بن

٨٢

زرير الغافقي قال سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول يا اهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل اصحاب الاخدود فقتل حجر واصحابه (قال) البيهقي لا يقول على مثل هذا الا ان يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله (واخرج) ابن عساكر عن سعيد بن ابي هلال ان معاوية حج فدخل على عائشة فقالت يا معاوية قتلت حجر بن الادبر واصحابه اما والله لقد بلغني انه سيقتل بعذراء سبعة نفر يغضب الله لهم واهل السماء (واخرج) يعقوب بن سفيان وابن عساكر ايضا ان عائشة رضى الله عنها بعد ان انكرت على معاوية قتله حجرا واصحابه بعذراء قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول سيقتل بعذراء اناس يغضب الله لهم واهل السماء.

(قال) العلامة ابن عبد البر في الاستيعاب كان حجر من فضلاء الصحابة وصغر سنه عن كبارهم وكان على كندة يوم صفين وعلى الميسرة يوم النهروان ولما ولى معاوية زيادا العراق وما وراءها واظهر من الغلظة وسوء السيرة ما اظهر خلعه حجر ولم يخلع معاوية وكتب فيه زياد إلى معاوية فأمر ان يبعث به إليه فبعثه إليه مع وائل بن حجر الحضرمي في اثني عشر رجلا كلهم في الحديد فقتل معاوية منهم ستة واستحي منهم ستة وكان حجر فيمن قتل (وقال) ابن الاثير بعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي والحصين بن عبدالله الكلابي وابا شريف البدري إلى حجر واصحابه ليقتلوا من امر بقتله منهم فأتوه عند المساء فلما رأي الخثعمي احدهم اعور قال : يقتل نصفنا ويترك نصفنا فتركوا ستة وقتلوا ثمانية وقالوا لهم قبل القتل انا قد امرنا ان نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فان فعلتم تركنا كم وان ابيتم قتلناكم فقالوا لسنا فاعلي ذلك فأمر فحفرت القبور واحضرت الاكفان وقام حجر واصحابه يصلون عامة الليل فلما كان الغد قدموهم ليقتلوهم فقال لهم حجر بن عدي اتركوني اتوضأ واصلي فاني ما توضأت الا صليت ولو لا ان

٨٣

تظنوا في جزعا من الموت لاستكثرت منها قال فقتلوه وقتلوا ستة فقال عبدالرحمن بن حسان العنزي وكريم الخثعمي ابعثوا بنا إلى امير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته فاستأذنو معاويه فيهما فأذن باحضارهما فلما دخلا عليه قال : الخثعمي الله الله يا معاوية فانك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ثم مسؤول عما اردت بسفك دمائنا فقال له ما تقول في علي قال : اقول فيه. قولك قال : اتبرأ من دين علي الذي يدين الله بن فسكت وقام شمر بن عبدالله بن بني قحافة ابن خثعم فأستوهبه فوهبه له على ان لا يدخل الكوفة فأختار الموصل ثم قال : لعبد الرحمن بن حسان يا اخا ربيعة ما تقول في علي قال : دعني ولا تسألني فهو خير لك قال : والله لا ادعك قال : اشهد انه كان من الذاكرين الله كثيرا الآمرين بالحق والقائمين بالقسط والعافين عن الناس قال : فما قولك في عثمان قال هو اول من فتح أبواب الظلم واغلق أبواب الحق قال : قتلت نفسك قال بل اياك قتلت فرده معاوية إلى زياد وأمره ان يقتله شر قتلة فدفنه حيا (انتهى من الكامل).

(واخرج) ابن عبد البر عن ابن سيرين ان معاوية لما اتى بحجر بن الادبر قال السلام عليك يا امير المؤمنين قال أو امير المؤمنين انا أضربوا عنقة قال : فلما قدم للقتل قال : دعوني اصلي ركعتين فصلاهما خفيفتين ثم قال لولا ان تظنوا بي غير الذي بي لاطلتهما والله لئن كان صلاتي لم تنفعني فيما مضى ماهما بنافعتي ثم قال : لمن حضر من اهله لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فاني ملاق معاوية على الجادة واني مخاصمه. اخرجه ابن عساكر.

(وجاء) في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وافضل الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل تكلم عند سلطان

٨٤

جائر فامر به فقتل واخرج ابن أبي شيبه عن نافع قال : كان ابن عمر في السوق فنعى إليه حجر فأطلق حبوته وقام وقد غلب عليه النحيب.

(ولما) بلغ الربيع بن زياد الحارثي وكان فاضلا جليلا وكان عاملا لمعاوية على خراسان فلما بلغه قتل معاوية حجر بن عدي سخط ذلك وقال : لا تزال العرب تقتل صبرا بعده ولو نفرت عند قتله لم يقتل واحد منهم صبرا ولكنها اقرت فذلت ثم خرج يوم الجمعة فقال ايها الناس اني قد مللت الحياة واني داع فأمنوا ثم دعا الله عزوجل فقال اللهم ان كان للربيع عندك خير فأقبضه اليك وعجل فلم يبرح من مجلسه حتى مات يرحمه الله (وقال) ابن سيرين بلغنا ان معاوية لما حضرته الوفاة جعل يقول يومي منك يا حجر طويل (انتهى) قال الله تعالى : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن (قال) ابن عبد البر ان معاوية اول من قتل مسلما صبرا حجرا واصحابه (قلت) فعليه اثمه واثم من قتل صبرا من المسلمين إلى يوم القيامة لانه اول من سن ذلك ففي صحيح البخاري عن عبدالله بن مرة لا تقتل نفس الا كان على ابن آدم الاول كفل منها لانه اول من سن القتل واخرجه مسلم والترمذي أيضا (واخرج) الترمذي عن عائشة رضي الله عنها وصححه وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله تعالى والمتسلط بالجبروت فيعز بذلك من اذل الله ويذل من اعز الله والمستحل لحرم الله المستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي.

(قلت) وليست هذه الفعلة الشنعاء بأكبر بوائق معاوية في القتل فانه قد ارتكب قبلها جريمة قتل الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام بالسم وهو خامس اهل الكساء وابن محمد المصطفى وابن علي المرتضي وابن فاطمة الزهراء وابن شجرة طوبى واحد ريحانتي النبي صلى الله عليه وآله من الدنيا واحد

٨٥

سيدي شباب اهل الجنة (قال) أبو الفرج مات الحسن عليه السلام شهيدا مسموما دس معاوية إليه والى سعد بن ابي وقاص حين اراد ان يعهد إلى يزيد ابنه بالامر سما فماتا في ايام متقاربة (انتهى) (ونقل) ابن عبد البر والمسعودي وغيرهما ان امرأة الحسن جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سقته السم وقد كان معاوية دس إليها انك ان احتلت في قتل الحسن وجهت اليك بمائة الف درهم وزوجتك يزيد فكان ذلك الذي بعثها على سمه فما مات وفى لها معاوية بالمال وارسل إليها انا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه (قال) ابن عبد البر وذكر أبو زيد عمر بن شيبة وابو بكر بن خيثمة قالا حدثنا موسى بن اسمعيل قال : حدثنا أبو هلال عن قتادة قال : دخل الحسين على الحسن رضى الله عنهما فقال يا أخي اني سقيت السم ثلاث مرات ولم اسق مثل هذه المرة اني لاضع كبدي فقال الحسين من سقاك يا اخي قال : ما سؤلك عن هذا تريد ان تقاتلهم؟ كلهم إلى الله فلما مات ورد البريد بموته على معاوية فقال يا عجبا من الحسن شرب شربة من العسل بماء رومة فقضى نحبه.

(وحدث) محمد بن جرير الطبري عن محمد بن حميد الرازي عن علي ابن مجاهد عن محمد بن اسحق عن الفضل بن العباس بن ربيعة قال وفد عبدالله بن العباس على معاوية قال فوالله اني لفي المسجد اذكر بر معاوية في الخضراء فكبر اهل الخضراء ثم كبر اهل المسجد بتكبير اهل الخضراء فخرجت فاخته بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف من خوخة لها فقالت سرك الله يا امير المؤمنين ما هذا الذي بلغك فسررت به قال : موت الحسن بن علي فقالت انا لله وانا إليه راجعون ثم بكت وقالت مات سيد المسلمين وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال معاوية نعما والله ما فعلت انه كان كذلك اهل ان يبكي عليه ثم بلغ الخبر ابن عباس رضى الله عنهما فراح

٨٦

فدخل على معاوية قال : علمت يا ابن عباس ان الحسن توفي قال الذلك كبرت قال نعم قال والله ما موته بالذي يؤخر اجلك ولا حفرته بسادة حفرتك ولئن أصبنا به فقد اصبنا بسيد المرسلين وامام المتقين ورسول رب العالمين ثم بعد بسيد الاوصياء فجبر الله تلك المصيبة ورفع تلك العبرة فقال يا ابن عباس ما كلمتك الا وجدتك معدا (انتهى).

(سبحان الله) ما أجرأ معاوية على الله وعلى هتك محارم الله وما اعظم حلم الله تعالى عن الجبابرة من اعدائه واعداء نبيه عليه وآله الصلاة والسلام يقتلون سبط رسول الله ويكبرون فرحا بموته وشماتة ولم تنزل عليهم صاعقة من السماء تستأصل شأفتهم لا يسئل ربنا عما يفعل انما نملي لهم ليزدادوا انما ولهم عذاب اليم (أخرج) الديلمي عن ابي سعيد رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : اشتد غضب الله على من اذاني في عترتي.

(يقول) معاوية في بعض خطبه ان الله جنودا من عسل ولقد صدق فانه قبل ان يقتل الحسن بن علي عليهما السلام بالعسل قد قتل به مالك الاشتر رضي الله عنه (وكان) من خبره كما ذكره ابن الاثير وغيره ان الامام عليا كرم الله وجهه ارسل الاشتر عاملا على مصر فخرج إليها واتت معاوية عيونه فعظم عليه ذلك وكان قد طمع في مصر فبعث معاوية إلى المقدم على اهل الخراج بالقلزم وقال له ان الاشتر قد ولى مصر فان كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت وبقيت فلما انتهى الاشتر إلى القلزم استقبله ذلك الرجل فعرض عليه النزول فنزل عنده فأتاه بشربة من عسل قد جعل فيه سما وكان الاشتر صائما فسقاه اياه فلما شربها مات واقبل معاوية يقول لاهل الشام ان عليا قد وجه الاشتر إلى مصر فأدعوا الله عليه واقبل الذي سقاه السم إلى معاوية فأخبره بمسلك الاشتر فقام خطيبا ثم قال : اما بعد فانه كانت لعلي يمينان قطعت احداهما بصفين يعني عمار بن ياسر وقطعت الاخرى

٨٧

اليوم يعني الاشتر. أمر اهل الشام بالدعاء على الاشتر تغريرا لهم ليظنوا انه انا مات بأستجابة الله دعاءهم.

(وبهذه الطريقة) نفسها قتل عبدالرحمن بن خالد بن الوليد قال : أبو جعفر الطبري وكان السبب في ذلك ما حدثني عمر قال : حدثنا علي عن مسلمة بن محارب ان عبدالرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه عند اهل الشام ومالوا إليه لما عندهم من آثار ابيه ولعنائه في بلاد الروم ولشدة بأسه خافه معاوية وخشي منه فأمر ابن اثال النصراني ان يحتال في قتله وضمن له ان يضع عنه خراجه ما عاش وان يوليه خراج حمص فلما قدم عبدالرحمن من الروم دس إليه ابن اثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها فمات بحمص ووفى له معاوية بما ضمن له (انتهى) (قلت) انما اخذ عبدالرحمن بن خالد بما كسبت يداه فأنه كان مؤازرا لمعاوية وناصرا له وصديقا وخليلا قال الله تعالى : وهو اصدق القائلين الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من اعال ظالما على ظلمه سلطه الله عليه ولعل قتل بالسم كفارة بما سبق منه انشاء الله.

(وقتل) عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج محمد بن ابي بكر الصديق بعد فتحهم مصر لمعاوية وكيف قتلوه : منعوه الماء حتى اشتد عطشه ثم ادخلوه في جيفة حمار واحرقوه بالنار ولما بلغ معاوية قتله اظهر الفرح والسرور وبلغ عليا عليه السلام قتله وسرور معاوية فقال جزعنا عليه على قدر سرورهم لابل يزيد لبضعافا وقال الا ان مصر قد فتحها الفجرة اولوا الجور والظلمة الذين يصدون عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا ولما بلغ ذلك عائشة رضى الله عنها جزعت عليه جزعا شديدا وقنتت دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو ولم تأكل من ذلك الوقت شواء حتى توفيت جازاهم الله بما يستحقون وما ربك بغافل عما يعملون وسيعلم الذين ظلموا اي

٨٨

منقلب ينقلبون.

(جاء) في الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه انواع من الوعيد الشديد على قتل النفس الواحدة بغير حق كقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا الآية السابقة وكقوله تعالى ان الذين يكفرون بأيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم اولئك الذين حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة ومالهم من ناصرين وكقوله تعالى من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا وكقوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا الا من تاب وامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما إلى غير ذلك (وورد) في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله اخبار كثيرة كقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما وكقوله صلى الله عليه وآله اكبر الكبائر الاشراك بالله وقتل النفس الحديث وقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام لقتل المؤمن عند الله اعظم من زوال الدنيا (وفي البخاري) بسنده عن عبدالله بن عمران من ورطات الامور التي لا مخرج لمن اوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله (واخرج) ابن ماجة عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : من اعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقى الله تعالى مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله إلى غير ذلك من الاحاديث وإذا كانت قد دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا وعطشا فرآها النبي صلى الله عليه وآله في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها فما بالك بعقوبة من قتل حجرا وامثال حجر بغير حق نعوذ بالله من موجبات

٨٩

غضبه وسخطه.

(وهذا) كله في حق من قتل مؤمنا واحدا ولو لم يكن له من الفضل الا النطق بالشهادتين كقتيل محلم بن جثامة وقد علمت ان الارض لفظت القاتل حين دفن عظة للصحابة وان كانت لتقبل من هو شر منه وان النبي عليه وعلى آله السلام قال : حين سأله محلم ان يستغفر له اللهم لا تغفر لمحلم ثلاثا فكيف إذا كان المقتول الحسن بن علي وحجر بن عدي ومحمد بن ابي بكر وامثالهم من أجلة الصحابة ثم كيف إذا كانت القتلى الآفا مؤلفة ومنهم فضلاء المهاجرين واكابر الانصار واجلة الصحابة والتابعين فان الخطب جسيم جدا لا يدخل تحت التصور.

(لاشك) ان قتلى الفريقين في صفين ومصر واليمن والحجاز في الحروب بين الامام علي عليه السلام وبين معاوية كلها في عنق معاوية يطالب كل فرد منهم بدمه يوم القيامة عند الحكم العدل اما فريق الامام علي عليه السلام فان قاتليهم اتباع معاوية وفئته الباغية وهو الامير عليهم والآمر لهم واما الفريق الذي في جانب معاوية فانه هو الذي غرهم واغراهم واغواهم واجري لهم الباطل في مجرى الحق وكذب عليهم واقام لهم شهود الزور حتى ظنوا ـ الا القليل منهم ـ انهم على حق وهدى فبذلوا ارواحهم وقتلوا مع علم معاوية ويقينه ـ كما اقربه في كثير من مكاتباته ومحاوراته ـ انه مبطل طالب للدنيا محارب للدين واهل الدين وان انكر ذلك متعصبوا اشياعه وانصاره :

ثم بعد هؤلاء من قتلهم عماله بسلطانه بعد موت الامام علي عليه السلام كالمغيرة بن شعبة وزياد بن سمية وسمرة بن جندب وعمرو بن العاص ومسلم ابن عقبة وعبد الله بن زياد وغيرهم فكم قتل هؤلاء العمال من المسلمين وكم اسالوا من دماء الموحدين ظلما وعدوانا فكانوا يقتلون المسلمين إذا لم يجيبوهم إلى لعن الامام علي بن ابي طالب وسبه والى البراءة من الدين الذي يدين الله

٩٠

به الذي هو دين الاسلام الحق جاء بهذا النقل المتواتر الذي لا يبقى معه لذي بصيرة شك في وقوعه من معاوية وعماله.

ان من ينكر هذا ومثله من الوقائع المتواترة هو احد رجلين اما رجل مغفل بل مخلوع منه غريزة العقل لا يصدق بما عرفه العالم والجاهل وتناقلته الالوف عن الالوف وهذه هي اقصى درجات الغفلة والغباوة واما عاقل مصدق بقلبه منكر بلسانه خوفا ان ينسب إلى الرفض وينبز بمخالفة اهل السنة وهذه هي الداهية الكبرى والمصيبة العظمى والخلة الممقوتة عند الله تعالى وعند رسوله وغالب انصار معاوية والمدافعين عنه من هذا القبيل يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم الم يعلموا ان الله يعلم سرهم ونجواهم وان الله اعلام الغيوب ايسوغ لصادق الايمان بعد ان عرف ما عرف من ارتكاب معاوية وعماله جرائم القتل التي قدمنا ذكرها وامثالها من الفواقر ان يصدق من يقول انه وعماله ماجورون عليها لانهم مجتهدون! ألم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فان له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم؟ يقول انصار معاوية ان معاوية وفئته مثابون على قتل عمار الذي يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ان هذا لما تقشعر له الجلود ويذوب له الجلمود كبرت كلمه تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا اللهم ان هؤلاء قوم ضلوا عن الحق واضلوا كثيرا وتصف السنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون ان النبي عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام بقول من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم اخرجه الطبراني في الكبير باسناد حسن عن حذيفة بن أسيد فإذا وجبت لعنة المسلمين على مؤذيهم في طرقهم كما أخبر الصادق المصدوق فكيف لا تجب لعنتهم على من آذاهم بسفك الدمائهم بغير حق بل وبانتهاك حرمات اعراض أئمتهم وهداتهم من اهل بيت نبيهم وغيرهم وباستئثاره باموالهم فضتها وذهبها وفيئها ومغنمها اللهم الهمهم رشدهم وانزع من صدورهم مودة ومحبة من

٩١

حادك وعاداك وعادى نبيك واهل بيت نبيك وتب عليهم انك انت التواب الرحيم.

ومن بوائقه الشنيعة المهلكة عداوته وبغضه وسبه لاخي المصطفى وابن عمه ووصيه وباب مدينة علمه واول أصحابه اسلاما واولهم ورودا عليه الحوض واشجعهم واعلمهم وازهدهم واحبهم إلى الله ورسوله امير المؤمنين علي كرم الله وجهه ورزقنا حبه وأتباعه غير مكترث ذلك الطاغية ولا مبال بما ورد عن الصادق المصدوق في خطارة بغضه وعداوته وسبه. تواترت عن معاوية تلك المهلكات ونقلها عنه ثقات الرواة وامتلات بما كتب منها بطون الاسفار ولزمت معاوية لزوم السواد للغراب ولم يكتف ذلك الطاغية بافعال نفسه وحده بل جمح به بغضه المتأصل في فؤاده وحقده الدفين في سويداء قلبه على ان دعا الناس إلى تلك الموبقات وحملهم عليها بالسيف والترغيب بالمال ليضم أوزارهم إلى اوزاره وذنوبهم إلى ذنوبه عاش مباشرا بنفسه تلك الفظائح إلى ان هلك واوصى بها من بعده من خلفائه واشياعه لم تنجح فيه عظات اكابر الصحابة ولم يؤثر فيه تخويفهم اياه ما ورد من الوعيد الشديد عن الله وعلى لسان رسول الله ران على قلبه ما ران فاستمر في غوايته وجرى على غلوائه حتى يبلغ إلى غايته.

يا ناطح الجبل العالي ليكلمه

اشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

ودونك اولا نموذجا مما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله في حق من سب أمير المؤمنين عليا عليه السلام أو عاداه ليعرف العاقل والغافل أي شناعة ارتكبها ذلك الطاغية وأي طريق اجتازها إلى امه الهاوية قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم مرجعه من حجة الوداع بعد ان جمع الصحابة وكرر عليهم الست اولى بكم من أنفسكم ثلاثا وهم يجيبون بالتصديق والاعتراف ثم رفع يد علي وقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واحب من احبه وابغض من ابغضه وانصر من

٩٢

نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار (اخرج) هذا الحديث جماعة منهم الترمذي والنسائي واحمد وصححوه قال احمد شهد به لعلي ثلاثون صحابيا (قلت) وعده الحافظ السيوطي في الاحاديث المتواترة (وأخرج) مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي الامي الي انه لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق (واخرج) الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليا (واخرج) احمد والحاكم وصححه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من سب عليا فقد سبني (واخرج) ابن خالويه في كتاب الآل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي حبك ايمان وبغضك نفاق وأول من يدخل الجنة محبك واول من يدخل النار مبغضك (وفيه) عن عمار بن ياسر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي طوبى لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن ابغضك وكذب فيك (وفيه) عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وآله نظر إلى علي ابن أبي طالب فقال انت سيد في الدنيا سيد في الآخرة من احبك فقد احبني ومن ابغضك فقد ابغضني وبغيضك بغيض الله فالويل كل الويل لمن ابغضك (واخرج) احمد في مسنده من عدة طرق ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا ، أو نصرانيا (واخرج) أبو يعلي والبزار عن سعد بن ابي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من آذى عليا فقد آذاني (واخرج) الطبراني بسند حسن عن ام سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال من احب عليا فقد احبني ومن احبني فقد احب الله ومن ابغض عليا فقد ابغضني ومن ابغضني فقد ابغض الله (واخرج) الخطيب عن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله

٩٣

عليه وآله وسلم قال عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن ابي طالب (واخرج) البزار وابو يعلي والحاكم عن علي كرم الله وجهه قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان فيك مثلا من عيسى ابغضته اليهود حتى بهتوا امه واحبته النصارى حتى انزلوه بالمنزل الذي ليس به. الا وانه يهلك في اثنان محب مفرط يقرظني بما ليس في ومبغض يحمله شنآني على ان يبهتني (وقال) ابن عبد البرفي الاستيعاب روي طائفة من الصحابة رضي الله عنهم ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لعلي رضي الله عنه لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق واخرجه مسلم في صحيحه (واخرج) الذهبي في التذكرة عن ابي الزبير سئل جابر عن علي فقال ما كنا نعرف منافقينا الا ببغض علي بن ابي طالب (واخرجه) ابن النجار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع وهو على ناقة فضرب على منكب علي وهو يقول اللهم اشهد اللهم قد بلغت هذا اخي وابن عمي وصهري وابو ولدي اللهم كب من عاداه في النار (واخرج) ابن عساكر في الفردوس بغض علي سيئة لا تنفع معها حسنة وحب علي حسنة لا تضر معها سيئة (واخرج) الحاكم في المستدرك عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله عهد معهود ان الامة ستغدر بك وانت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من احبك احبني ومن ابغضك ابغضني وان هذه ستخضب من هذه يعني لحيته من رأسه (واخرج) البخاري في صحيحه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة (انتهى) وعلي سيد الاولياء واعظم فيكون معاوية اكبر المحاربين لله واعظم وزرا (واخرج) الطبراني ان عليا اتى يوما بالبصرة بذهب وفضة فقال ابيضاء وصفراء غري غيري غري اهل الشام غدا إذا ظهروا عليك فشق قوله ذلك على الناس فذكروا

٩٤

ذلك له فأذن في الناس فدخلوا عليه فقال ان خليلي صلى الله عليه واله وسلم قال يا علي انك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ويقدم عليه اعداؤك غضابا مقمحين ثم جمع يده على عنقه يريهم الاقماح (واخرج) ابن عساكر عن جابر و حسنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال علي امام البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله (واخرج) الدار قطني في الافراد عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال علي باب حطة من دخل منه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا (وفي نهج البلاغة قال علي عليه السلام : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على ان يبغضني ما ابغضني ولو صببت الدنيا بجملتها على المنافق على ان يحبني ما احبني وذلك انه قضي فانقضى على لسان النبي الامي انه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق.

(هذا بعض) ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله في شأن من عادى عليا كرم الله وجهه أو ابغضه أو سبه ، فقد ثبت وحق على مبغض علي ومعاويه بدلالة هذه الاحاديث عداوة الله وعداوة رسوله والبغض لهما والنفاق والاذى لله ولرسوله والسب لهما وخذلان الله له والاكباب في النار وان لا تنفعه حسناته وان يرد على الله غاضبا مقمحا وقد لعن الله ورسوله في مواضع متعددة من قام به واحد من هذه الاوصاف فكيف لا يجوز لعن من قامت به كلها ان من يقول بعدم الجواز يكاد يكون مكذبا بهذه الاحاديث أو جاهلا بها أو مشاغبا لا يبالي بما يقول فيدعي باطلا ان لا عداوة ولا بغضاء بين علي عليه السلام وبين معاوية وانه لم يقع من معاوية لعن ولا سب لعلي كرم الله وجهه ويدع التواتر والنقل الصحيح وراء ظهره انتصارا بذلك لمن وحب خذلانه وحبا لمن وجب بغضه وانقيادا للتعصب المذموم وارضاء للشيطان المرجوم اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ، فاعرض عنهم وعظهم وقل لهم

٩٥

في أنفسهم قولا بليغا.

(ولنذكر) هنا طرفا مما صح ونقل عن معاوية واتباعه من هذا القبيل قدمر بك ان رسل معاوية إلى حجر بن عدي واصحابه قالوا لهم قبل القتل أنا قد أمرنا ان نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فان فعلتم تركناكم وان أبيتم قتلناكم فقالوا لسنا فاعلي ذلك فقتلوهم (اخرج) مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي في الخصائص عن عامر بن سعد بن ابي وقاص قال أمر معاوية ابن ابي سفيان سعدا فقال ما يمنعك ان تسب أبا تراب فقال لا ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وآله فلن اسبه لان تكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم وذكر قول النبي صلى الله عليه وآله انت مني بمنزلة هارون من موسى الحديث المشهور وزاد أبو يعلى عن سعد من وجه آخر قال لو وضع المنشار على مفرقي على ان اسب عليا ما سببته أبدا (ونقل ابن الاثير) ان معاوية كان إذا قنت سب عليا وابن عباس والحسن والحسين والاشتر (قال) ابن عبد ربه في العقد لما مات الحسن ابن علي حج معاوية فدخل المدينة واراد يلعن عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقيل له ان هاهنا سعد بن ابي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه فارسل إليه وذكر له ذلك فقال ان فعلت ذلك لاخرجن من المسجد ثم لااعود إليه فامسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد فلما مات لعنه على المنبر وكتب إلى عماله ان يلعنوه على المنابر ففعلوا فكتبت ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله إلى معاوية انكم تلعنون الله ورسوله على منابركم وذلك انكم تلعنون علي بن ابي طالب ومن احبه وانا اشهد ان الله احبه ورسوله فلم يلتفت احد إلى كلامها مع علمهم بصحة روايتها وشرف مقامها. صم بكم عمي مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا.

(ونقل أبو عثمان الجاحظ) في كتاب الرد على الامامية ان معاوية كان

٩٦

يقول في آخر خطبته اللهم ان ابا تراب الحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا اليما قال وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى ايام عمر بن عبد العزيز (وروى) فيه ايضا ان قوما من بني امية قالوا لمعاوية يا امير المؤمنين انك قد بلغت ما املت فلو كففت عن هذا الرجل فقال لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلا (وروى) ابو الحسن المدائني في كتاب الاحداث قال كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة ان برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابي تراب واهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته وكان اشد الناس بلاء حينئذ اهل الكوفة لكثرة من بهامن شيعة علي عليه السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لانه كان منهم ايام علي عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدرو اخافهم وقطع الايدي والارجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم (وكتب) معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي شهادة وكتب إليهم ان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه واهل ولايته الذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم واكرموهم واكتبوا الي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم ابيه وعشيرته ففعلوا ذلك حتى اكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلاة والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجد امرؤ من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضباة أو منقبة الا كتب اسمه وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا.

(ثم كتب) إلى عماله ان الحديث في عثمان قد جهز وفشا في كل مصر

٩٧

وكل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاولين ولا تتركوا خبرا يرويه احد من المسلمين في ابي تراب الا وائتوني بمناقض له في الصحابة فان هذا احب الي واقر لعيني وادحض لحجة ابي تراب و شيعته واشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه على الناس فرويت احاديث كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لاحقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى اشادوا بذكر ذلك على المنابر والقي إلى معلمي الكتاب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله.

(ثم كتب) إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا واهل بيته فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه وشفع ذلك بنسخة اخرى من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره فلم يكن البلاء اشد واكثر منه بالعراق ولاسيما بالكوفة حتى ان الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمن عليه فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة وكان اعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقزبو في مجالسهم ويصيبوا به الاموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون انها حق ولو علموا انها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليهما السلام فأزداد البلاء والفتنة فلم يبق احد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريد على الارض

٩٨

ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسين عليه السلام وولي عبدالملك بن مروان فاشتد الامر على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرب إليه اهل النسك والصلاح ببغض علي وموالاة اعدائه وموالاة من يدعي قوم من الناس انهم ايضا رؤه فاكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم واكثروا من الغض من علي كرم الله وجهه وعيبه والطعن فيه والشنآن له حتى ان انسانا وقف للحجاج ويقال انه جد الاصمعي عبدالملك بن قريب فصاح به أيها الامير ان اهلي عقوني فسموني عليا واني فقير بائس وانا إلى صلة الامير محتاج فتضاحك الحجاج وقال للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا (وقد روى) ابن عرفة المعروف بنفطويه وهومن اكابر المحدثين واعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال ان اكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في ايام بني امية تقريبا إليهم بما يظنون انهم يرغمون به انوف بني هاشم (قلت) لا يلزم من هذا ان يكون علي عليه السلام يسوءه ان يذكر الصحابة والمتقدمون عليه بالخيرو الفضل الا ان معاوية وبني امية كانوا يبنون الامر من هذا على ما يظنونه في علي كرم الله وجهه من انه عدو من تقدم عليه ولم يكن الامر في الحقيقة كما يظنونه ولكن ربما كان يرى انه افضل منهم وانهم استأثروا عليه بالخلافة من غير تفسيق منه لهم ولا براءة منهم (انتهى) كلام المدائني.

(قلت) لم يسكت المحدثون الراسخون في علم الحديث والعارفون باسماء رجاله وحالاتهم عن تمحيص هذه الاحاديث وفحصها بل امتحنوها وبينوا وضعها واسبابه وان بعض رواتها كذابون غير موثوق بهم كما بينوا ايضا كثيرا من الاحاديث الموضوعة في فضائل علي كرم الله وجهه فجزاهم الله عن نبيهم وامته خير الجزاء.

(نعم) ان المحدثين انما يطعنون فيمن دون طبقة الصحابة ولا يتجاسرون

٩٩

على الطعن فيمن هو صحابي على اصطلاحهم وان كان غير مستقيم وسيأتي في بيان الشبه ما تعلم به سبب امتناعهم عن ذلك والله اعلم.

(ولما) استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة دعاه وقال له اما بعد فان لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ولا يجزئ عنك الحليم بغير التعليم وقد اردت ايصاءك بأشياء كثيرة انا تاركها اعتمادا على بصرك ولست تاركا ايصاءك بخصلة واحدة لا تترك شتم علي وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب لاصحاب علي والاقصاء لهم والاطراء لشيعة عثمان والادناء لهم فقال له المغيرة قد جربت وجربت وعملت قبلك لغيرك فلم يذمني وستبلو فتحمد أو تذم فقال بل نحمد ان شاء الله فأقام المغيرة عاملا على الكوفة وهو احسن شئ سيرة غير انه لا يدع شتم علي والوقوع فيه والدعاء لعثمان والاستفغار له فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال : بل اياكم ذم الله ولعن انتهى من الكامل.

(قلت) لم يزل المغيرة باقي ايامه عاملا بوصية طاغيته موصيها بها غير فقد قال : لصعصعة بن صوحان وهو من أصحاب علي عليه السلام لما بلغه انه يذكر عليا ويفضله : اياك ان يبلغني عنك انك تعيب عثمان واياك ان يبلغني انك تظهر شيئا من فضل على فأننا اعلم بذلك منك ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخذنا بأظهار عيبه للناس فنحن ندع شيئا كثيرا مما أمرنا به ونذكر الشئ الذي لانجد منه بدأ ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا فان كنت ذاكرا فضله فأذكره بينك وبين اصحابك في منازلكم سرا واما علانية في المسجد فان هذا لا يحتمله الخليفة لنا (انتهى) من الكامل أيضا.

(وأمر) يوما حجر بن عدي ان يقوم في الناس فيلعن عليا فأبى ذلك فتوعده فقام فقال أيها الناس ان اميركم امرني ان العن علي بن ابي طالب فالعنوه لعنه الله فقال اهل الكوفة لعنه الله يعنون الامير قالوا وكان المغيرة صاحب دنيا يبيع دينه بالنزر القليل منها يرضي به معاوية حتى انه قال يوما في مجلس

١٠٠