النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي

النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

المؤلف:

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

المستدرك عن ابي بكر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله من ولى من أمر المسلمين شيئا فأمر عليه أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله من أستعمل رجلا من عصابة وفيهم من هو ارضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين وأخرج البخاري في صحيحه عن معقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما من وآل يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم الاحزم الله عليه الجنة فهل يبقى بعد سماع هذا لذي ايمان ان يصدق بما جاء به من لا ينطق عن الهوى شك في استحقاقه لعنة الله وان لا يقبل منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم وانه خان الله ورسوله والمؤمنين وانه مات غاشا للامة بيزيد ام هناك تأويل يحاول به انصاره رد الحديث الصحيح أو تضعيفه اللهم غفرانك.

ربما يدعي مدع انه مجتهد رأى سكيره الرجس النجس اولى اهل زمانه بالامامة وارضى لله منهم ولا جواب عن هذا الا الاستعاذة بالله من شر هذا المدعي المكابر والاشفاق عليه ان يمقته الله ويلحقه بذينك الطاغيتين وهل منع الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه عن ابقاء معاوية عاملا عن الشام حتى يستتب له الامر كما اشار به عليه المغيرة بن شعبة الا الفرار من هذا الوعيد وان كان الرأي السياسي يقتضي ابقاءه على زعم كثيرين وقد استشهد كرم الله وجهه بقوله تعالى واما كنت متخذ المضلين عضدا كيف تسمع هذه الدعوة ومعاوية نفسه مقر ببطلانها فانه قال وهو يخطب بكمة ولولا هواي في يزيد ابصرت قصدي قال ابن حجر الهيثمي فيه غاية التسجيل على نفسه بأن مزيد محبته ليزيد اعمت عليه طريق الهدى واوقعت الناس بعده مع ذلك الفاسق المارق في الردى (انتهى) ولربما يظهر مشاغب آخر ويقول لعله تاب ورجع والتائب من الذنب كمن لاذنب له فنقول ان التوبة لا تتحقق ولا تصح الا

٦١

بالاقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم علي ان لا يعود إليه كما قال الله تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعملون وكل هذه الثلاثة منتفية في معاوية فأنه اكره المسلمين على البيعة ليزيد واصر على ذلك إلى آخر نفس من انفاسه كيف ووصاياه ليزيد وتعاليمه شاهدة عليه بأصراره وعدم مبالاته. نقل أبو جعفر الطبري في تاريخه وابن الاثير في الكامل والبيهقي في المحاسن والمساوي وغيرهم ان معاوية قال : ليزيد ان لك من أهل المدينة ليوما فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة (هو الذي سمي مسرفا ومجرما) فأنه رجل قد عرفت نصيحته (انتهى) عرف معاوية ان مسلما لا دين له فأمر يزيد ان يرمي به أهل المدينة وقد فعل يزيد ما أمره به ابوه وفعل مسلم بأهل المدينة ما اريد منه حيث قال له يزيد يا مسلم لاتردن اهل الشام عن شئ يريدون بعدوهم فسار بجيوشه من أهل الشام عن شئ يريدون بعدوهم فسار بجيوشه من أهل الشام فأخاف المدينة واستباحها ثلاثة ايام بكل قبيح وافتضت فيها نحو ثلثمائة بكر وولدت فيها اكثر من الف امرأة من غير زوج وسماها تننة وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وآله طيبة وقتل فيها من قريش والانصار والصحابة وابنائهم نحو من الف وسبعمائة وقتل اكثر من اربعة آلاف من سائر الناس وبايع المسلمين على انهم عبيد ليزيد ومن ابى ذلك امره مسلم على السيف إلى غبر ذلك من المنكرات قال : المحدث الفقيه ابن قتيبة رحمه الله في كتاب م ة والسياسة والبيهقي في المحاسن والمساويي واللفظ للاول قال : أبو معشر دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الانصار ومعها صبي لها فقال لها هل من مال قالت لا والله ما تركوا لي شيئا فقال : والله لتخرجن الي شيئا أو لاقتلنك وصبيك هذا فقالت له ويحك انه ولد أبي كبشة الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله

٦٢

ولقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله معه يوم بيعة الشجرة على ان لا أسرق ولا أزني ولا اقتل ولدي ولا آتي ببهتان افتريه فما اتيت شيئا فأتق الله ثم قالت لا يا بني والله لو كان عندي شئ لافتديك به قال فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط فانتشر دماغه في الارض قال فلم يخرج من البيت حتى اسود نصف وجهه وصار مثلا وامثال هذه من أهل الشام ومن مسلم نفسه كثيرة فمسلم في هذا كله منفذ لامر يزيد ويزيد منفذ لامر معاوية فكل هذه الدماء وكل هذه المنكرات الموبقات ودم الحسين عليه السلام ومن معه في عنق معاوية اولا ثم في عنق يزيد ثانيا ثم في عنق مسلم وابن زياد ثالثا افبعد هذا يتصور ان يقال لعله تاب ورجع كلا والله ولقد صدق من قال : ابقى لنا معاوية في كل عصر فئة باغية فهاهم اشياعه وانصاره إلى يومنا هذا يقلبون الحقائق ويلبسون الحق بالباطل من يرد الله فتنته فلن تمك له من الله شيئا أخرج مسلم في صحيحه من أخاف أهل المدينة ظلما اخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين.

وسننقل لك هنا بعض ما ارتكبه معاوية من المنكرات تمهيدا لاخذ هذه البيعة ليزيد فقد ذكر اهل الحديث من ذلك جانبا وأهل المغازي جانبا. واهل المغازي كما قال : الامام الشافعي رحمه الله في الرسالة أقوى في بعض الامور من نقل واحد عن واحد قال : ابن الاثير وكان ابتداء ذلك من المغيرة بن شعبة فان معاوية أراد ان يعزله عن الكوفة فبلغه ذلك فقال الرأي ان اشخص إلى معاوية فأستعفيه ليظهر للناس كراهتي للولاية فسار إلى معاوية وقال : لاصحابه حين وصل إليه ان لم اكسبكم الآن ولاية وامارة لا افعل ذلك أبدا ومضى حتى دخل على يزيد فقال له انه قد ذهب اعيان اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وكبراء قريش وانما بقي ابناؤهم وانت من افضلهم واحسنهم رأيا واعملهم بالسنة والسياسة (انظر شهادة الزور والتغرير) ولا ادري

٦٣

ما يمنع امير المؤمنين ان يعقد لك البيعة قال : أو ترى ذلك يتم قال : نعم فدخل يزيد على أبيه فأخبره بما قال المغيرة فأحضر المغيرة وقاله ما يقول عنك يزيد فقال يا امير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان وفي يزيد منك خلف. (صدق فخلف الظالم ظالم) فأعقد له فان حدث بك حادث كان كهفا للناس وخلفا ولا تسفك دماء ولا تكون فتنة قال : ومن لي بهذا قال انا اكفيك اهل البصرة ويكفيك زياد اهل الكوفة وليس بعد أهل هذين المصرين احد يخالفك قال : فأرجع إلى عملك وتحدث مع من تثق إليه في ذلك فودعه ورجع إلى اصحابه فقالوا امه قال : لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على امة محمد وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا (صدق افعلى مثل هؤلاء يترحم) قاله الحسن البصري رحمه الله فمن اجل ذلك بايع هؤلاء لابنائهم ولو لا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيمة (انتهى) وسار المغيرة إلى البصرة فذاكر من يثق إليه ومن يعلم انه شعة لبني امية في أمر يزيد فأجابوه إلى بيعته فاوقد منهم عشرة ويقال اكثر واعطاهم ثلاثين الف درهم وجعل عليهم ابنه موسى بن المغيرة وقدموا على معاوية فزينوا له بيعة يزيد ودعوه إلى عقدها فقال معاوية لا تعجلوا بأظهار هذا وكونوا على رأيكم ثم قال : لموسى بكم اشترى ابوك من هؤلاء دينهم قال بثلاثين الفا قال : لقد هان عليهم دينهم (قلت هو على المشتري والمشترى له والآخر به اهون) (انتهى).

وقد اخرج الحاكم والطبراني عن عبد لله بن الحارث بن جزء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله سيكون بعدي سلاطين ، الفتن على ابوابهم كمبارك الابل لا يعطون أحدا شيئا الا أخذوا من دينه مثله. ولبث معاوية زمنا طويلا يعطي المقارب ويداري المباعد ويلطف به حتى استوثق له اكثر الناس وتربص حتى مات الحسن بن علي عليهما السلام. قال العلامة ابن قتيبة في

٦٤

كتاب الامامة والسياسة ثم لم يلبت معاوية بعده وفاة الحسن الا يسيرا حتى بايع ليزيد بالشام وكتاب ببيعته إلى الافاق وكان عامله على المدينة مروان ابن الحكم فكتب إليه يذكر الذي قضى الله على لسانه من بيعة يزيد ويأمره بجمع من قبله من قريش وغيرهم من أهل المدينة ليبايعوا ليزيد فلما قرأ مروان كتاب معاوية ابي من ذلك وابته قريش فكتب لمعاوية ان قومك قد ابوا اجابتك إلى بيعة ابنك فارني رأيك فعزله معاوية وولى سعيد بن العاص وخرج مروان إلى أخواله مغاضبا وكتب معاوية إلى سعيد بن العاص يأمره ان يدعو أهل المدينة إلى البيعة ويكتب إليه بمن يسارع ومن لم يسارع فلما اتى سعيد بن العاص الكتاب دعا الناس إلى البيعة ليزيد واظهر الغلظة وأخذهم بلعزم والشدة وسطا بكل من ابطأ عن ذلك فأبطأ الناس عنها الا اليسير لاسيما بني هاشم فانه لم يجبه منهم احد وكان ابن الزبير من أشد الناس انكارا لذلك وردا له. فكتب سعيد بن العاص بجميع ذلك إلى معاوية فلما بلغه ذلك كتب كتبا إلى عبدالله بن عباس والى عبدالله بن جعفر والى عبدالله بن الزبير والى الحسين بن علي. رضي الله عنهم وأمر سعيد بن العاص ان يوصلها إليهم ويبعث بحواباتها وتلك الكتب كلها تهديد من جهة وتملق من أخرى فأجابوه كلهم بعدم الرضى والاحتجاج عليه في ذلك ولم نذكرها هنا حذر الاطالة.

وهذا نص كتاب الحسين بن علي عليهما السلام ونص جوابه إلى معاوية وهما مثال وعنوان للكتب الباقية وجواباتها (كتب معاوية) إلى الحسين رضي الله عنه (اما بعد) فقد انتهت الي منك أمور لم أكن اظنك بها رغبة بك عنها وان احق الناس بالوفاء لمن اعطى بيعته من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي انزلك الله بها فلا تنازع إلى قطيعتك واتق الله ولا تردن هذه الامة في فتنة وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد ولا يستخفنك

٦٥

الذين لا يوقنون.

فكتب إليه الحسين رضي الله عنه (اما بعد) فقد جاءني كتابك تذكر فيه انها انتهت اليك مني امور لم تكن تظنني بها رغبة بي عنها وان الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد لها الا الله تعالى واما ما ذكرت ايه رقى اليك عني فأنما رقاه الملاقون المشاءون بالنميمة المفرقون بين الجمع وكذب الغاوون المارقون ما أردت حربا ولا خلافا واني لاخشى الله في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين حزب الظلم واعوان الشيطان الرجيم الست قاتل حجر واصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد اما اعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكدة جرأة على الله واستخفافا بعهده أو لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي اخلقت وابلت وجهه العبادة فقتلته من بعد ما أعطيته من العبود مالو فهمته العصم لنزلت من شعف الجبال أو لست المدعي زيادا في الاسلام فزعمت انه ابن ابي سفيان وقد قضي رسول الله صلى الله عليه وآله ان الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم ويقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبهم على جذوع النخل سبحان الله يا معاوية لكانك لست من هذه الامة وليسوا منك أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه اليك زياد انه على دين علي كرم الله وجهه ودين علي هو دين ابن عمه صلى الله عليه وآله وسلم الذي اجلسك مجلسك الذي انت فيه ولو لا ذلك كان افضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف فوضعها الله عنكم بنامنة عليكم وقلت فيما قلت لا ترد هذه الامة في فتنة واني لا العلم فتنة لها اعظم من امارتك عليها وقلت فيما قلت انظر لنفسك ولدينك ولامة محمد واني والله ما أعرف افضل من جهادك فان افعل فأنه قربة إلى ربي وان لم افعل فأستغفر الله لذنبي وأسأله التوفيق لما يحب ويرضى وقلت فيما قلت متى

٦٦

تكدني اكدك فكدني يا معاوية فيما بدأ لك فلعمري لقديما يكاد الصالحون واني لارجو ان لا تضر الا نفسك ولا تمحق الا عملك فكدني ما بدأ لك واتق الله يا معاوية واعلم ان لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها واعلم ان الله ليس بناس لك قتلك بالظنة واخذك بالتهمة وامارتك صبيا يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ما أراك الا وقد اوبقت نفسك واهلكت دينك واضعت الرعية والسلام.

قال فكتب سعيد بن العاص إلى معاوية انه لم يبايعني احد وانما الناس تبع لهؤلاء النفر فلو بايعوك بايعك الناس جميعا ولم يتخلف عنك احد وأرسل إليه جواباتهم فلما بلغ معاوية ذلك كتب إلى سعيد ان لا يحركهم حتى يقدم.

ثم قدم معاوية المدينة حاجا فلما ان ديا من المدينة خرج إليه الناس يتلقونه ما بين راكب وماش وخرج النساء والصبيان فلقبه الناس على حسب طبقاتهم فلان لكل من كافحه وفاوض العامة بمحأدثته وتألفهم جهده مقاربة ومصانعة ليستميلهم إلى مادخل فيه الناس حتى قال في بعض ما يجتلبهم به يا أهل المدينة مازلت اطوي الحزن من وعثاء السفر بالحب لمطالعتكم حتى انطوى البعيد ولان الخشن وحق لجار رسول الله ان يتاق إليه قال : حتى إذا كان بالجرف لقيه الحسين بن علي وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم فقال معاوية مرحبا بابن بنت رسول الله وابن صنو ابيه ثم انحرف إلى الناس فقال هذان شيخا بني عبد مناف واقبل عليهما بوجهه وحديثه فرحب وقرب وجعل يواجه هذا مرة ويضاحك هذا أخرى حتى ورد المدينة واقبل ومعه خلق كثير من أهل الشام حتى اتى عائشة رضى الله عنها فأستأذن فاذنت له وحده لم يدخل عليها معه أحد وعندها مولاها ذكوان فوقظته وحرضته على الاقتداء بأبي بكر وعمر وعنفته على قتل حجر بن عدي واصحابه ثم مضى حتى

٦٧

اتى منزله.

ثم ارسل إلى الحسين بن علي فخلا به وقال له يابن اخي قد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش وانت تقودهم يا ابن أخي فما اربك إلى الخلاف قال الحسين ارسل إليهم فان بايعوك كنت رجلا منهم والا تكن عجلت علي بأمر قال : وتفعل قال : نعم قال فأخذ عليه ان لا يخبر بحديثهما احدا فخرج ثم ارسل إلى الباقين واحدا يقول لهم بنحو ما قاله للحسين رضى الله عنه ويجيبه كل منهم بنحو جواب الحسين.

قال ثم جلس معاوية صبيحة اليوم الثاني واجلس كتابه بحيث يسمعون ما يأمر به وأمر حاجبه ان لا يأذن لاحد من الناس وان قرب ثم ارسل إلى الحسين بن علي وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم فسبق ابن عباس فأجلسه عن يساره وشاغله بالحديث حتى اقبل الحسين ودخل فأجلسه عن يمينه وسأله عن حال بني الحسن واسنانهم فأخبره ثم خطب معاوية خطبة اثنى فيها على الله ورسوله وذكر الشيخين وعثمان ثم ذكر امر يزيد وانه يحلول ببيعته سد خلل الرعية وذكر علمه بالقرآن والسنة واتصافه بالحلم وانه يفوقهما سياسة ومناظرة وان كانا أكبر منه سنا وافضل قرابة واستشهد بتولية النبي صلى الله عليه وآله عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل علي ابي بكر وعمر واكابر الصحابة وقيام عمرو بذلك خير قيام وان في رسول الله اسوة حسنة ثم استجابهما عما ذكر.

قال فتهيأ ابن عباس للكلام فقال له الحسين على رسلك فأنا المراد ونصيبي في التهمة اوفر وقام الحسين فحمد الله تعالى وصلى على الرسول صلى الله عليه وآله وقال.

أما بعد يا معاوية فلن يؤدي القائل وان اطنب في صفة الرسول صلى الله عليه وآله من جميع جزأ وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من ايجاز

٦٨

الصفة والتنكب عن استبلاغ البيعة وهيهات هيهات يا معاوية فضح الصبح فحمة الدجى وبهرت الشمس انوار السرج ولقد فضلت حتى افرطت واستأثرت حتى اجحفت ومنعت حتى اجحفت ومنعت حتى بخلت وجرت حتى جاوزت ما بذلت لذى حق من أسم حقه من نصيب حتى اخذ الشيطان حظه الا وفر ونصيبه الاكمل وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامة محمد تريد ان توهم الناس في يزيد كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد فيما اخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش والحمام السبق لاترابهن والفينات ذوات المعازف وضروب الملاهي تجده ناصرا ودع عنك ما تحاول فما أغناك ان تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما انت لاقيه فو الله ما برحت تقدح باطلا في جور وحنقا في ظلم حتى ملات الاسقية وما بينك وبين الموت الاغمضة فتقدم على عمل محفوظ في يوم شهود ولات حين مناص ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الامر ومنعتنا عن آبائنا تراثا ولقد لعمر الله ورثنا الرسول ولادة وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول فإذ عن للحجة بذلك وردت الايمان إلى النصف فركبتم الاعاليل وفعلتم وقلتم كان ويكون حتى اتاك الامر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك فهناك فأعتبروا يا أولى الابصار.

وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وتأميره له وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يؤمنذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له وما صار لعمرو يومئذ حتى انف القوم أمرته وكره القوم تقديمه وعدوا عليه افعاله فقال صلى الله عليه وآله لاجرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في اوكد الاحوال واولاها بالمجتمع عليه من الصواب ام كيف ضاهيت بصاحب تابعا وحولك من يؤمن

٦٩

في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته وتتخطاهم إلى مسرف مفتون تريد ان تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه وتشقي بها في آخرتك ان هذا لهو الخسران المبين واستغفر الله لي ولكم.

قال فنظر معاوية إلى ابن عباس فقال ما هذا يا ابن عباس ولما عندك ادهي وأمر فقال ابن عباس لعمر الله انه لذرية الرسول واحد اصحاب الكساء ومن البيت المطهر فاله عما تريد فان لك في الناس مقنعا حتى يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين.

فقال معاوية انصرفا في حفظ الله (انتهى ملخصا من كتاب ابن قتبية).

وقال ابن الاثير في الكامل ثم ان اولئك النفر خرجوا إلى مكة فأقاموا بها وخطب معاوية بالمدينة وذكر يزيد فمدحه وقال من أحق بالخلافة منه في فضله وعقله وموضعه وما أظن قوما بمنهين حتى تصيبهم بوائق تجتث أصلهم وقد انذرت ان اغنت النذر.

ثم قال ومكث معاوية بالمدينة ما شاء الله ثم خرج إلى مكة فتلقاه الناس فقال اولئك النفر نتلقاه فلعله قد ندم على ما قد كان فلقوه ببطن مر فكان أول من لقيه الحسين بن علي عليهما السلام فقال له معاوية مرحبا واهلا بابن رسول الله وسيد شباب المسلمين فأمر له بدابة فركب وسايره ثم فعل بالباقين مثل ذلك وأقبل يسايرهم لا يسير معه غيرهم حتى دخل مكة وكانوا اول داخل وآخر خارج ولا يمضي يوم الا ولهم صلة ولا يذكر لهم شيئا حتى قضى نسكه وحمل اثقاله وقرب مسيره فأحضرهم واعاد عليهم ما طلبه بالمدينة من بيعة يزيد فلم يجيبوه إلى ما طلب وكان المتكلم عبدالله بن الزبير فسأل معاوية الباقين فقالوا قولنا قوله : قال فاني قد احببت ان اتقدم اليكم انه قد اعذر من أنذر اني كنت اخطب فيكم فيقوم الي القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس فأحمل ذلك واصفح واني قائم بمقالة فأقسم بالله لئن

٧٠

رد علي أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه فلا يبقين رجل الا على نفسه ثم دعا صاحب حرسه بحضرتهم فقال افم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين ومع كل واحد سيفه فان ذهب رجل منهم يرد علي كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما ثم خرج وخرجوا معه حتى رقى المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم ان هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لايبرم أمر دونهم ولا يقضي الا عن مشورتهم وانهم قد رضوا وبايعوا ليزيد فبايعوا على اسم الله فبايع الناس وكان الناس يتربصون بيعة هؤلاء النفر ثم ركب رواحله وانصرف إلى المدينة فلقى الناس اولئك النفر فقالوا لهم زعمتم انكم لا تبايعون فلم رضيتم واعطيتم وبايعتم قالوا والله ما فعلنا فقالوا ما منعكم ان تردوا على الرجل قالوا كادنا وخفنا القتل وبايعه اهل المدينة ثم انصرف إلى الشام (انتهى).

وقال ابن عبد البر بعث معاوية إلى عبدالرحمن بن أبي بكر بعد ان ابي البيعة ليزيد بمائة الف درهم فردها إليه عبدالرحمن وابي ان يأخذ وقال ابيع ديني بدنياي وخرج إلى مكة ومات بها قبل ان تتم البيعة ليزيد (انتهى) قلت قول بعض الشيعة هنا مات بالسم لم ينقله اهل السنة فلا معول عليه عندنا والله اعلم.

وانما اطلت بذكر خبر هذه البيعة مع شهرته واستنفاضته ليعلم الاغبياء من المقلدين ما ارتكبه معاوية لاجلها من الاكاذيب والحيل والمكر والخدع والكيد والرشوة من بيت مال المسلمين وغش الامة والاستخفاف بذوي الفضل والمنزلة من الصحابة وتهديدهم بالقتل وغير ذلك من الفظالع حتى يتيقن اولئك الاغبياء انهم مغرورون من مقلديهم مغشوشون بما موهوا به عليهم من خلاف ذلك وان تقليدهم لا ينفعهم ولا يجديهم عندما تنكشف الحقائق لدى الملك الملك العدل يوم التغابن حين تنقطع الاسباب بين التابع والمتبوع الا المتقين.

٧١

ولا يذهب عنك ان معاوية لم يول يزيد وحده على المسلمين محاباة بل اكثر عماله من هذا القبيل فقد ترك ولاية الكوفة واعمالها للمغيرة بن شعبة لكونه غارس شجرة هذه البيعة الممقوتة ومتولي كبرها وهو المشير أيضا بأستلحاق زياد والساعي بينه وبين معاوية بالصلح والتعاون على الاثم العدوان وقد رد النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام الغنيمة التي جاء بها المغيرة ولم يخمسها وقال هذا غدر والغدر لاخير فيه وهو الباذل جهده أرضاء لمعاوية في سب الامام علي عليه السلام ولعنه وهو الموصي عماله ومستخلفيه بذلك إلى غير ذلك من قبائحه المذكورة في كتب السير والتأريخ وقد شهد عليه أبو بكرة رضي الله عنه واثنان معه بالزنا عند عمر رضي الله عند وتردد الرابع وهو صاحبه زياد فقال رأيت استأتنبو ونفسا يعلو ورجلاها على عاتقه كاذني حمار ولا أدري ما وراء ذلك ولو لا تردد زياد لرجمه عمر وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه :

لو ان اللؤم ينسب كان عبدا

قبيح الوجه اعور من ثقيف

تركت الدين والايمان جهلا

غداة لقيت صاحبة النصيف

وراجعت الصبا وذكرت لهوا

من الاحشاء والخصر اللطيف

وولى أيضا عمرو بن العاص مصر وما والاها طعمة ورشوة على ما صنع في أمر التحكيم وقبله من الخيانة لله ولرسوله وللمسلمين والايمان الفاجرة التي أقسمها ومعاداته الامام عليا عليه السلام في باقي ايامه. نقل ابن عبد ربه عن سفيان بن عيينة قال : اخبرني أبو موسى الاشعري قال : اخبرني الحسن قال : علم معاوية والله ان لم يبايعه عمرو لم يتم له امر فقال له يا عمرو اتبعني قال : لماذا الآخرة فوالله ما معك آخرة ام للدنيا فوالله لا كان حتى اكون شريكك فيها قال فانت شريكي فيها قال : فاكتب لي مصر وكورها فكتب له مصر وكورها وكتب في آخر الكتاب وعلى عمرو السمع والطاعة قال عمرو

٧٢

واكتب ان السمع والطاعة لا يغير ان من شرطه شيئا قال : معاوية لا ينظر إلى هذا قال : عمرو حتى تكتب قال : فكتب والله ما يجد بدا من كتابتها ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وهو يكلم عمرا ويقول له انما أبايعك بها ديني فقال عتبة اثمن الرجل بدينه فأنه صاحب من اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكتب عمرو إلى معاوية.

معاوي لااعطيك ديني ولم انل

به منك دنيا فأنظرن كيف تصنع

وما الدين والدنيا سواء وانني

لآخذ ما تعطث ورأسي مقنع

فان تعطني مصرا فأربح صفقة

اخذت به شيخا يضر وينفع

(انتهى من العقد الفريد). قال الله تعالى : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون اولئك الذين ليس لهم في الآخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون وقد وبخ الامام علي عليه السلام عمرا على متابعته لمعاوية في باطله كما ذكر ذلك في نهج البلاغة قال : ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص : فانك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته فأتبعت اثره وطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته فأذهبت دنياك وآخرتك ولو بالحق اخذت ادركت ما طلبت فان يمكن الله منك ومن ابن ابي سفيان اجز كما بما قدمتما وان تعجزا وتبقيا فما امامكما شر لكما (انتهى).

(ومن) نهج البلاغة أيضا في موضع آخر في ذكر عمرو أيضا عجب لابن النابغة يزعم لاهل الشام ان في دعابة واني امرؤ تلعابة اعافس وامارس لقد قال : باطلا ونطق اثما اما وشد القول الكذب انه ليقول فيكذب ويعد فيخلف ويسأل فيلحف ويسئل فيبخل ويخون العهد ويقطع الال فإذا كان عند الحرب

٧٣

فأي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف مأخذها فإذا كان ذلك كان اكبر مكيدته ان يمنح القوم سبته اما والله انه ليمنعني من اللعب ذكر الموت وانه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة انه لم يبايع معاوية حتى شرط له ان يؤتيه آتية ويرضخ له على ترك الدين رضيخة (انتهى) وقد اشار الامام علي عليه السلام بقوله يمنح القوم سبته إلى مكيدة عمرو بكشف عورته فرارا من القتل فقد ذكر المدائني وابن الكلبي وغيرهما من أهل السير ان عليا كرم الله وجهه حمل على عمرو في بعض ايام صفين فلما تصور انه قاتله القي بنفسه عن فرسه وكشف سوءته مواجها له عليه السلام فلما رأى ذلك منه غض بصره عنه وانصرف عمرو مكشوف العورة ونجا بذلك فصار مثلا لمن يدفع عن نفسه مكروها بارتكاب المذلة والعار وفيه يقول أبو فراس الفرزدق.

ولا خير في رد الردى بمذلة

كما ردها يوما بسوءته عمرو

وروى مثل ذلك قصة بسر بن ارطاة معه كرم الله وجهه فأنه حمل على بسر فسقط بسر على قفاه ورفع رجليه فانكشف عورته فصرف علي عليه السلام وجهه عنه فلما قام سقطت البيضة عن رأسه فصاح اصحابه يا امير المؤمنين انه بسر بن ارطاة فقال ذروه لعنه الله فلقد كان معاوية اولى بذلك منه فضحك معاوية وقال : لا عليك يابسر ارفع طرفك ولا تستحي فلك بعمرو اسوة وقد أراك الله منه ما أراه منك فصاح فتى من أهل الشام اما تستحيون لقد علمكم عمرو كشف الاستأه ثم انشد :

افي كل يوم فارس ذو كريهة

له عورة وسط العجاجة باديه

يكف لها عنه علي سنانه

ويضحك منها في الخلاء معاوية

بدأت أمس من عمرو فقنع رأسه

وعورة بسر مثلها حذو حاذيه

فقولا لعمرو وابن ارطاة ابصرا

سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية

ولا تحمدا الا الحيا وخصا كما

هما كانتا والله للنفس واقيه

٧٤

ولو لا هما لم تنجوا من سنانه

وتلك بما فيها عن العود ناهيه

وكان بسر ممن يضحك من عمرو فصار هو ضحكة أيضا : (وولى) معاوية أيضا عمرو بن سعيد بن العاص المتكبر المشهور على مكة المشرفة وهو الجبار الذي رعف على منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكره ابن قتيبة وغيره فعن ابي هريرة رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله (ص) يقول ليرعفن على منبري هذا جبار من جبابرة بني امية فيسيل رعافه فحدثني من رأي عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر النبي صلى الله عليه وآله حتى سال رعافه على درج المنبر.

(وذكر) أبو عبيدة في كتاب المثالب وابو جعفر في تاريخه ان عبيدالله بن زياد كتب إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو وال على المدينة الشريفة يبشره بقتل الحسين عليه السلام فقرأ كتابه على المنبر وانشد رجزا ثم اوما إلى القبر الشريف وقال : يا محمد يوم بيوم بدر فأنكر عليه قوم من الانصار (انتهى).

(قلت) وعمرو هذا هو الذي يقال له الاشدق وهو المدعو بلطيم الشيطان قتله عبدالملك غدرا بدمشق (وما ظالم الا سيبلى بظالم).

(وولي) معاوية كذلك مروان ابن الحكم وهو ابن طريد النبي ولعينه وهو الفضض من لعنة الله تعالى كما اخبرته به عائشة رضى الله عنها وهو المزور على عثمان رضى الله عنه الكتاب الذي كان سببا لقتله وهو القاتل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يوم الجمل غيلة وهو القائل للحسين بن علي عليهما السلام انكم اهل بيت ملعونون وهو المشير أخيرا بقتل الحسين بن علي عليهما السلام صبرا حين دعاه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان إلى منزله وهو إذ ذاك امير المدينة واخبره بموت معاوية وطلب منه ان يبايع ليزيد فأستمهله فقال مروان للوليد لا تدعه يخرج من هنا حتى يبايع ليزيد أو تقتله

٧٥

فأبي ذلك عليه اوليد واستعظمه ذكره البيهقي في المحاسن والمساوي. واخرجه الحاكم وصححه عن عبدالرحمن بن عوف رضى الله عنه انه قال : كان لا يولد لاحد مولود الا اتى به النبي صلى الله عليه وآله فيدعو له فادخل عليه مروان بن الحكم فقال هذا الوزغ ابن الوزغ الملعون بن الملعون.

(وولى) كذلك سمرة بن جندب محاباة وكان قد اعطاه من بيت المال اربعمائة الف على ان يخطب سمرة في أهل الشام بأن قوله تعالى : «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام وإذا تولى سعي في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد» انها نزلت في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فخطب بها فيهم وهو آخر الثلاثة موتا وقد قال : لهم النبي صلى الله عليه وآله أخركم موتا في النار وهو أحد العشرة الذين قال : لهم النبي صلى الله عليه وآله ضرس احدكم في النار مثل أحد وهو الذي عرض عليه النبي صلى الله عليه وآله كما في الصحيح بدل نخلاته التي في حائط الانصاري قيمتها فأبى ثم نخلات بدلها فأبى ثم من الثواب ما هو كذا وكذا فأبي فقال له انما انت مضار وأمر بقطع نخلاته بلا ثمن وهو الذي كان يبيع الخمر وقد حرم الله ذلك. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان سمرة بن جندب باع خمرا قاتل الله سمرة الم يعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها أي إذ ابوها فباعوها ذكره الزمخشري في الفائق وهو الذي أسرف في القتل على علم من معاوية.

ذكر أبو جعفر الطبري رحمه الله قال : حدثني عمر قال : حدثني اسحق ابن أدريس قال حدثني محمد بن سليم قال : سألت انس بن سيرين هل كان سمرة قتل أحدا قال : هل يحصى من قتل سمرة بن جندب استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس فقال له هل تخاف

٧٦

ان تكون قتلت أحدا بريئا قال : لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت أو كما قاله وحدثني عمر قال : حدثني موسى بن اسمعيل قال : حدثنا نوح بن قيس عن اشعث الحلاني عن أبي سواد العدوي قال : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة واربعين رجل كلهم قد جمع القرآن وحدثني عمر قال : حدثني علي بن محمد عن جعفر الصدفي عن عون قال : اقبل سمرة من المدينة فلما كان عند دور بني أسد خرج رجل من بعض ازقتهم ففجأ اوائل الخيل فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة قال : ثم مضت الخيل فاتى عليه سمرة ابن جندب وهو متشحط في دمه فقال ما هذا قيل اصابته اوائل خيل الامير قال : إذا سمعتم بنا قد ركبنا فأتقوا اسنتنا وقال في موضع آخر قال : عمر وبلغني عن جعفر بن سليمان الضبعي قال : اقر معاوية سمرة بعد زياد ستة اشهر ثم عزله فقال سمرة لعن الله معاوية والله لو اطعت الله كما اطعت معاوية ما عد بني أبدا وحدثني عمر قال : حدثني موسى بن اسمعيل قال حدثني سلمان بن مسلم العجلي قال : سمعت ابي يقول مررت بالمسجد فجاء رجل إلى سمرة فأدى زكاة ماله ثم دخل فجعل يصلي في المسجد فجاء رجل فضرب عنقه فإذا رأسه في المسجد وبدنه ناحية فمر أبو بكرة فقال : يقول الله سبحانه قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى قال : أبي فشهدت ذلك فما مات سمرة حتى اخذه الزمهرير فمات شر ميته قال : وشهدته واتى بناس كثير وأناس بين يديه فيقول للرجل ما دينك فيقول اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله واني برئ من الحرورية فيقدم فيضرب عنقه حتى مر بضعة وعشرون.

(وولى) كذلك بسر بن ارطاة وهو الحالف على منبر النبي صلى الله عليه وآله لولا انه منع لما ترك بالمدينة محتلما الا قتله وهو قاتل الصبيين عبدالرحمن وقتم ابني عبيد الله بن العباس في حجر امهما فجنت ووسوست وهو السابي

٧٧

النساء المسلمات من اليمن وبائعهن في السوق والفاعل الافعال القبيحة قال : ابو جعفر الطبري في تاريخه قال : عطاء بن أبي مروان اخبرني حنظلة بن علي الاسلم‍ قال وجد بسر قوما من بني كعب وغلمانهم على بئرهم فالقاهم في البئر وقال : اقام بسر بن ارطاة بالمدينة شهرا يستعرض الناس ليس أحد ممن يقال هذا اعان على عثمان الا قتله.

(وولى كذلك) شرحبيل بن السمط الكندي على حمص واعمالها وهو ناشر دعوة الطلب بدم عثمان تحت امرة معاوية (قال) ابن عبد البر لما قدم جرير على معاوية رسولا من عند علي رضي الله عنه حبسه شهرا يتحير ويتردد في أمره فقيل لمعاوية ان جرير قد ردد بصائر أهل الشام في ان عليا قتل عثمان ولابد لك من رجل يناقضه في ذلك ممن له صحبة ومنزلة ولا نعلمه الا شرحبيل بن السمط فأستقدمه معاوية فقدم عليه فهيأ له رجالا يشهدون عنده ان عليا قتل عثمان ومنهم بسر بن ارطاة ويزيد بن أسيد وابو الاعور السلمي وحابس بن سعد الطائي ومخارق بن الحرث الزبيدي وحمزة بن مالك الهمداني قد واطأهم معاوية على ذلك (أي على شهادة الزور) شهدوا عنده ان عليا قتل عثمان فلقى جريرا فناظره فابى ان يرجع وقال قد صح عندي ان عليا قتل عثمان ثم خرج إلى مدائن الشام يخبر بذلك ويندب إلى الطلب بدم عثمان قال : أبو عمر وهو معدود في طبقة بسر بن ارطاة وابي الاعور السلمي.

(وولى) أيضا زياد بن سمية بعد ان السنغواه واستلحقة وهو الظالم الناكص على عقيبه كما قال تعالى : «واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فأنسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين» عمل زياد لمعاوية وارتكب القبائح والآثام العظيمة بعد ان عمل لعمر ولعلي رضى الله عنها ثم رجع القهقرى واسترسل في اقتحام الجرائم حتى انه كتب إلى الحسن بن علي

٧٨

عليهما السلام وقد شفع إليه في رجل من شيعته من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة اما بعد فقد اتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وانت طالب حاجة وانا سلطان وانت سوقة كتبت الي في فاسق آويته اقامة منك على سوء الرأي ورضي منك بذلك وايم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك فان أحب لحم الي ان آكل منه للحم الذي انت منه فسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك فان عفوت عنه لم آكن شفعتك فيه وان قتلته لم أقتله الا لحبه اباك الفاسق والسلام ولما بلغ موته ابن عمر قال : يا ابن سمية لا الآخرة ادركت ولا الدنيا بقبيت عليك.

(وولى) كذلك عبيدالله بن زياد بن سمية وظلمه وبغيه وفجوره مشهور وسيرته معلومة ولم يزل يرتع في المظالم حتى كلل اعماله القبيحة بقتل الحسين بن علي عليهما السلام. وقد ذكر ابن جرير في تاريخه والزمخشري في الفائق وغيرهما انه دخل عليه زيد بن ارقم وبين يديه رأس الحسين عليه السلام وهو ينكثه بقضيب معه فغشي عليه فلما افاق قال له مالك يا شيخ قال رأيتك تنكث شفتين طالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبلهما فقال ابن زياد لعنه الله أخرجوه فلما قام ليخرج قال : ان محمديكم هذا الدحداح وفيه يقول عدو الله يزيد بن معاوية لعنة الله عليهما :

اسقني شربة تروي مشاشي

ثم قم واسق مثلها ابن زياد

صاحب الود والامانة والتسديد

مني ومغنمي وجهادي

(وإذا) تتبعت سيرة معاوية وتأريخه وجدت كثيرا من عماله من هذا القبيل وكما قيل ان عمر رضي الله عنه وحسناته جميعها حسنة واحدة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه فكذلك ان يزيد وقبائحه وسيئاته كلها سيئة واحدة من سيئات معاوية وكل ما فعله عماله بسلطانه وتوليته من الظلم

٧٩

والجور فهو في عنقه كما جاءت به الاحاديث (فهؤلاء) هم الوزراء والاتباع ومعاوية هو الامام الذي دهورهم في ذلك الشقاء وسيعلم متبعوه ذل مقامهم يوم يدعى كل انسان بأمامهم ومن هذا حاله وهذه افعاله كيف لا يستحق اللعن وتستحقه الواثمة والمستوشمة وكيف لا يجوز لعن من نهب قناطير الذهب والفضة من أموال المسلمين ويجوز لعن السارق درهما واحدا لا والله بل الحق احق ان يتبع.

(ومن موبقاته الشنيعة) استلحاقه زياد بن عبيد وجعله زياد بن أبي سفيان وهو اول استلحاق جاهلي عمل بن في الاسلام علنا واستنكره الصحابة وأهل الدين (اخرج) البخاري في صحيحه عن سعد بن ابي وقاص رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من ادعى إلى غير ابيه وهو يعلم انه غير ابيه فالجنة عليه حرام فذكرته لابي بكرة فقال وانا سمعته اذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وآله (واخرج) فيه أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن ابيه فهو كفر (وفيه) من اثناء حديث طويل لعمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : ثم انا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ان لا ترغبوا عن ابائكم فانه كفر بربكم ان ترغبوا عن آبائكم (وفيه) أيضا حديث واثلة ان من اعظم الفراء ان يدعى الرجل إلى غير ابيه.

(وفي الصحيح) عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله من انتسب إلى غير ابيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا إلى يوم القيامة (واخرج) أبو داود وصححه عن أنس رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : من ادعى إلى غير ابيه أو انتهى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة فأنظر إلى هذا الوعيد الشديد الذي لم يبال به معاوية ولم يكترث بما يترتب على ذلك الاستلحاق من اختلاط الانساب وهتك الحرم سعيا وراء اغراض دنيوية

٨٠