النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي

النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

المؤلف:

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

قتل عثمان فأستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان معه فكان في الظاهر نصرة لعثمان ببعث الجيش وهو في الحقيقة خذلان له لحبسه الجيش كي يقتل عثمان فيدعو إلى نفسه كما وقع بالفعل.

وأخرج ابن عساكر عن الفضل بن سويد قال وفد جارية بن قدامة على معاوية فقال له معاوية أنت الساعي مع علي بن أبي طالب والموقد النار في شيعتك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم. قال جارية يا معاوية دع عنك عليا فما ابغضنا عليا منذ احببناه ولا غششناه منذ نصحناه. قال ويحك يا جارية ما كان اهونك على أهلك إذ سموك جارية قال انت يا معاوية أهون على اهلك إذ سموك معاوية. قال لا ام لك. قال ام ما ولدتني ان قوالم السيوف التي لقيناك بها بصفين في ايدينا قال انك لتهددني قال انك لم تملكنا قسرة ولم تفتحنا عنوة ولكن اعطيتننا عهودا وموانيق فان وفيت لنا وفينا وان ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالا مدادا وأدرعا شدادا والسنة حدادا فان بسطت الينا فترا من غدر دلفنا اليك بباع من ختر قال : معاوية لانثر الله في الناس امثالك وأخرج أيضا عن أبي الطفيل عامر بن واثلة انه دخل على معاوية فقال له معاوية الست من قتلة عثمان قال لا ولكني ممن حضره ولم ينصره قال وما منعك من نصره قال لم ينصره المهاجرون والانصار فقال معاوية اما لقد كان حقه واجبا عليهم ان ينصروه قال : فما منعك يا امير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام فقال معاوية أما طلبي بدمه نصرة له فضحك أبو الطفيل ثم قال انت وعثمان كما قال الشاعر :

لا الفينك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زودتني زادي

انتهى من تاريخ الخلفاء للسيوطي.

وقد شافه شبث بن ربعي معاوية في صفين بما بين به حقيقة أمره ويحمله على التوبة لو وجد اذنا واعية إذ قال له : يا معاوية انه والله لا يخفى علينا

٤١

ما تطلب انك لم تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به اهواءهم وتستخلص به طاعتهم الا قولك قتل امامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه فأستجاب لك سفهاء طغام وقد علمنا انك ابطأت عنه بالنصر واجبت له القتل لهذه المنزلة التي اصبحت تطلب ورب متمنى أمر وطالبه يحول الله دونه وربما اوتي المتمني امنيته فوق امنيته ووالله مالك في واحدة منهما خير والله ان اخطأك ما ترجو انك لشر العرب حالا ولئن اصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلي النار فاتق الله يا معاوية ودع ما أنت عليه ولا تنازع الامر أهله. انتهى من الكامل وأخرجه البيهقي أيضا في المحاسن والمساوي.

ومن كتاب من الامام علي عليه السلام إلى معاوية قال : وارديت جيلا من الناس كثيرا خدعتهم بغيك والقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات وتتلاطم بهم الشبهات فحادوا عن وجهتهم ونكصوا على اعقابهم وتولوا على أدبارهم وعولوا على أحسابهم الا من فاء من أهل البصائر فأنهم فارقوك بعد معرفتك وهربوا إلى الله من موازرتك إذ حملتهم على الصعب وعدلت بهم عن القصد فأتق الله يا معاوية في نفسك وجاذب الشيطان قيادك فان الدنيا منقطعة عنك والآخرة قريب منك والسلام. انتهى من نهج البلاغة.

وفي مروج الذهب للمسعودي قال لما وصل محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما إلى مصر كتب إلى معاوية كتابا فيه : من محمد بن أبي بكر التى الغاوي معاوية بن صخر أما بعد فان الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوته ولا حاجة به إلى خلقهم لكنه خلقهم عبيدا وجعل منهم غويا ورشيدا وشقيا وسعيدا ثم اختار على علم وانتخب واصطفى منهم محمدا صلى الله عليه وآله فأتنخبه لعلمه واصطفاه لرسالته وائتمنه على وحيه وبعثه رسولا ومبشرا ونذيرا فكان اول من أجاب وأناب وآمن وصدق واسلم وسلم اخوه وابن عمه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه صدقه بالغيب

٤٢

المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه بنفسه كل هول وحارب حربه وسالم سلمه فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه ولا مقارب له في فعله وقد رأيتك تساميه وأنت انت وهو هو اصدق الناس نية وأفضل الناس ذرية وخير الناس زوجة وافضل الناس ابن عم أخوه الشاري بنفسه يوم مؤته وعمه سيد الشهداء يوم احد وأبوه الذاب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن حوزته وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان رسول الله صلى الله عليه وآله الغوائل وتجهدان في اطفاء نور الله تجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل على ذلك مات ابوك وعليه خلفته والشهيد عليك من تدني ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤساء النفاق والشاهد لعلي مع فضله المبين القديم انصاره الذين معه الذين ذكرهم الله بفضلهم واثنى عليهم من المهاجرين والانصار وهم معه كتائب وعصائب يرون الحق في اتباعه والشقاء في خلافه فكيف يالك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه وابو ولده وأول الناس له اتباعا وأقربهم به عهدا يخبره بسره ويطلعه على أمره وانت عدوه وابن عدوه فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك وليمددك ابن العاص في غوايتك فكأن اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا وأعلم انك انما تكايد ربك الذي آمنك كيده ويئست من روحه فهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور والسلام على من اتبع الهدى.

فما كان جواب معاوية عليه الا ان ادعى ان الشيخين أبا بكر وعمر سبقاه إلى ما اقترف وانه متأس بهما وحاشاهما مما ادعى فقد كذب عليهما ولعنة الله على الكاذبين.

وأخرج ابن عساكر عن اسمعيل بن رجاء عن ابيه قال كنت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن

٤٣

العاص فمر بنا حسين بن علي فسلم فرد عليه القوم فقال عبدالله بن عمرو الا اخبركم باحب اهل الارض إلى اهل السماء قالوا بلى قال هو هذا الماشي ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين ولان يرضى عني احب الي من ان يكون لي حمر النعم فقال أبو سعيد الا تعتذر إليه قال بلي فاستأذن أبو سعيد فأذن له فدخل ثم استأذن لعبد الله بن عمرو فلم يزل به حتى اذن له فأخبره أبو سعيد بقول عبدالله بن عمرو فقال له اعلمت يا عبدالله اني احب اهل الارض إلى أهل السماء قال أي ورب الكعبة قال فما حملك على ان قاتلتني وأبي يوم صفين فوالله لابي كان خيرا مني قال اجل ولكن عمرو شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان عبدالله يقوم الليل ويصوم النهار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عبدالله ابن عمرو صلى ونم وصم وافطر واطع عمروا فلما كان يوم صفين اقسم علي فخرجت اما والله ما كثرت لهم سوادا ولا اخترطت لهم سيفا ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم قال فكلمه (انتهى). فأصحاب معاوية هم الباغون بلا ريب على الامام المرتضى وهم القاسطون كما وعد بهم المصطفى قال الله تعالى : «واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا» اخرج ابن عساكر عن أبي صادق قال : قدم علينا أبو ايوب الانصاري العراق فقلت له يا أبا ايوب قد اكرمك الله بصحبة نبيه صلى الله عليه و (آله) وسلم وبنزوله عليك فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم هؤلاء مرة وهؤلاء اخرى فقال : ان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عهد الينا ان نقاتل مع علي الناكثين فقد قاتلناهم وعهد الينا ان نقاتل معه القاسطين فهذا وجهننا إليهم اليوم يعني معاوية واصحابه وعهد الينا ان نقاتل مع علي المارقين فلم ارهم بعد واخرج ابن جرير عن مخنف بن سليم قال أتينا أبا ايوب فقلنايا أبا ايوب قاتلت المشركين بسيفك مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم جئت تقاتل المسلمين فقال ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمرنا بقتال ثلاث الناكثين والقاسطين والمارقين فقد قاتلت الناكثين والقاسطين وانا مقاتل

٤٤

ان شاء الله المارقين.

وأخرج البيهقي في المحاسن والمساوي ان رجلا سأل ابن عباس رضى الله عنهما من الناكثون قال الذين يبايعون عليا بالمدينة ثم نكثوا فقاتلهم بالبصرة اصحاب الجمل والقاسطون معاوية واصحابه والمارقون أهل النهروان ومن معهم فقال الشامي يا ابن عباس ملات صدري نورا وحكمة وفرجت عني فرج الله عنك اشهد ان عليا مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (انتهى).

وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب عن أبي ليلى الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب فأنه اول من يراني وأول من يصافحني يوم القيمة وهو الصديق الاكبر وهو فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل وهو يعسوب الدين والمال يعسوب المنافقين وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قوله النجوم امان لاهل الارض من الغرق واهل بيتي امان لامتي من الاختلاف فإذا خالفها قبيلة اختلفت فصارت حزب ابليس وأخرج ابن عساكر عن حبة قال سمعت عليا عليه السلام يقول : نحن النجباء وأفرطنا افراط الانبياء وحزبنا حزب الله والفئة الباغية حزب ابليس ومن سوى بيننا وبين عدونا فليس منا ونقل ابن الاثير عن علي انه قال مخاطبا لاهل العراق يذكر معاوية وحزبه ويحرضهم على قتاله ما لفظه : قاتلوا من حاد الله ورسوله وحاول ان يطفئ نور الله فقاتلوا الخاطئين الضالين القاسطين الذين ليسوا بقراء قران ولا فقهاء في الدين ولا علماء في التأول ولا لهذا الامر بأهل في سابقة الاسلام والله لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل (انتهى بحروفه) وهاهم قد ولوا وعملوا والله بأعمال كسرى وهرقل وصدق الله رسوله وصدق المرتضى ولكن عمي البصائر غلف القلوب يصفون معاوية وأعوانه بضد ما وصفهم به أعلم خلق الله بهم وأصداقهم فيهم ويكذبون شهادة

٤٥

امير المؤمنين عليه السلام.

ونقل ابن الاثير أيضا عن علي عليه السلام انه قال ان معاوية وعمروا وابن أبي معيط وحبيبا وابن أبي سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم اطفالا ثم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال. (انتهى بحروفه).

وجاء بسند فيه لين ان عليا عليه السلام قال انفروا إلى بقية الاحزاب انظروا إلى ما قال الله ورسوله أنا نقول صدق الله ورسوله ويقولون كذب الله ورسوله.

وفي نهج البلاغة من كلام الامام علي عليه السلام من كتاب إلى معاوية قوله مخاطبا له : دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا. ونقل ابن الاثير عن الامام علي عليه السلام من كلام له «لم يرعني الا انشقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الاسلام طليق ابن طليق حزب من الاحزاب لم يزل حربا لله ولرسوله هو وابوه حتى دخلا في الاسلام كارهين».

وذكر المسعودي في مروج الذهب وغيره ان عليا عليه السلام نزل الانبار والتأمت عليه العساكر فخطب الناس وحرضهم على الجهاد وقال : سيروا إلى قتلة المهاجرين والانصار قد طالما سعوا في اطفاء نور الله وحرضوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله ومن معه الا ان رسول الله. امرني بقتال القاسطين وهم هؤلاء الذين سرنا إليهم والناكثين وهم هؤلاء الدين فرغنا منهم والمارقين ولم نلقهم بعد فسيروا إلى القاسطين فهم اهم علينا من الخوارج سيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين يتخذهم الناس أربابا ويتخذون عباد الله خولا ومالهم دولا (انتهى) وقال : الحافظ ـ الشوكاني في نيل الاوطار لما كتب معاوية إلى الحسن بن علي يطلب منه ان يقاتل الخوارج. اجابه لو آثرت ان اقاتل

٤٦

أحدا من أهل القبلة لبدأت بقتالك وقال فيه حكى في البحر عن العترة جميعا ان جهاد البغاة افضل من جهاد الكفار إذ فعلهم في دار الاسلام كفعل الفاحشة في المسجد (انتهى).

قلت يستأنس لقول العترة بما أخرجه الخطيب عن المسور بن مخرمة قال : قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما ألم يكن فيما نقرأ قاتلوا في الله في آخر مرة كما قاتلتم اول مرة قال فمتى ذلك قال إذا كانت بنو امية الامراء وبنو مخزوم الوزاء وبما أخرجه ابن جرير في تفسيره بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : وجاهدوا في الله حق جهاده كما جاهدتم اول مرة فقال عمر من الذين أمرنا بجهاده قال : قبيلتان من قريش مخزوم وعبد شمس (انتهى). وأقول أيضا يؤخذ منه ان يكون سبهم للتحذير منهم وبيان حالهم افضل من سب الكافر لان الضرر يخشى منهم اكثر والعامة إلى الاغترار بهم اقرب فينبغي اعلان حالهم لتحذير الامة من الاقتداء بهم والميل إلى اكاذيبهم وتأويلاتهم.

فان قال : قائل كل ما لزم معاوية في خروجه على الامام علي ومحاربته يلزم طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم وكل ما تأولتموه لهم فنحن تنأوله لمعاوية وكل جواب عنهم فهو جواب عنه. قلت اما ما لزم معاوية من كونه مخطئا وان المصيب في جميع حروبه معه ومنازعاته له هو الامام علي المرتضى فلزومه للزبير وطلحه وعائشة رضوان الله عليهم مسلم. فقد اجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي اهل الحديث والرأي ومنهم مالك والشافعي وابو حنيفة واحمد والاوزاعي والجمهور الاعظم من المتكلمين من المسلمين على ان عليا مصيب في قتاله لاهل صفين كما هو مصيب في أهل الجمل وان الذين قاتلوه بغاة ظالمون له لكن لا يكفرون بغيهم كذا ذكره الامام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الامامة وزاد الغزالي ولم يقل بتخطئة الامام علي ذو تحصيل (انتهى)

٤٧

واما ما يلزم معاوية وأعوانه من الفسق ببغيهم ومحاربتهم لله ورسوله واقترافهم العظائم وجواز لعنهم ووجوب بغضهم فلا نسلم ذلك للزبير وطلحة وعائشة رضوان الله عليهم فان الشوط بين الفئتين بطين والمفرق بين الفريقين عظيم بل نقول ان الثلاثة انما خرجوا متأولين مجتهدين وهم من أهل الاجتهاد وكانوا مخطئين في اجتهادهم ولكنهم رجعوا عن ذلك حين ظهر لهم الحق وندموا على ما فعلوا ولم يصروا على ذلك كما اصر معاوية إلى آخر حياته كما يشهد به التواتر.

وقد نقل المسعودي في مروج الذهب وغيره من أهل المغازي ان عليا كرم الله وجهه خرج بنفسه حاسرا يوم الجمل على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله لا سلاح عليه فنادى يا زبير اخرج الي فخرج شاكيا في السلاح فقيل لعائشة فقالت واحرباه يا اسماء فقيل لها ان عليا حاسر فاطمأنت واعتنق كل منهما صاحبه فقال له ويحك يا زبير ما الذي اخرجك قال دم عثمان قال : قتل الله أولانا بدم عثمان اما تذكر يوم لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله في بني بياضه وهو راكب حماره فضحك الي رسول الله صلى الله عليه وآله وضحكت انت معه فقلت أنت ما يدع ابن أبي طالب زهوة فقال لك ليس به زهوا تحبه يا زبير؟ فقلت : والله اني لاحبه فقال لك انك والله ستقاتله وانت له ظالم فقال الزبير استغفر الله لو ذكرتها ما خرجت. فقال يا زبير ارجع فقال وكيف ارجع الآن وقد التقت حلقتا البطان هذا والله العار الذي لا يغسل فقال يا زبير ارجع بالعار قبل ان تجمع العار والنار فرجع الزبير وهو يقول :

اخترت عارا على نار مؤججة

ما ان يقوم لها خلق من الطين

نادى علي بأمر لست اجهله

عار لعمرك في الدنيا وفي الدين

فقلت حسبك من عدل أبا حسن

فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني

ثم مضى منصرفا حتى اتى وادي السباع فقتله عمرو ابن جرموز في الصلاة

٤٨

غدرا واتي عمرو عليا بسيف الزبير وخاتمه فقال علي : سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله لكنه الحين ومصارع السوء وقاتل ابن صفية في النار ثم نادى علي طلحة رضي الله عنهما حين رجع الزبير يا أبا محمد ما الذي اخرجك قال الطلب بدم عثمان قال علي : قتل الله اولانا بدم عثمان اما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه وانت اول من بايعني ثم نكث وقد قال الله عزوجل فمن نكث فانما ينكث على نفسه فقال استغفر الله ثم رجع فقال : مروان بن الحكم رجع الزبير ويرجع طلحة ما ابالي رميت ها هنا ام هاهنا فرماه في اكحله فمر به علي بعد الوقعة فقال انا الله وانا إليه راجعون والله لكنت كارها لهذا (انتهى بحذف يسير).

وأخرج الحاكم في المستدرك عن ثور بن جزاءة قال مررت بطلحة بن عبيدالله يوم الجمل وهو صريع في آخر رمق فوقفت عليه فرفع رأسه فقال اني لارى وجه رجل كأنه القمر فمن انت قلت من اصحاب امير المؤمنين علي فقال ابسط يدك ابايعك له فبسطت يدي فبايعني وفاضت نفسه فأتيت عليا فأخبرته بقول طلحة فقال الله اكبر الله اكبر صدق رسول الله صلى الله عليه وآله ابى الله ان يدخل طلحة الجنة الا وبيعتي في عنقه وذكر المسعودي ان عائشة رضي الله عنها حين رجعت إلى المدينة قالت وددت اني لم اخرج وان اصابني كيت وكيت من أمور ذكرتها وانما قيل لي تخرجين فتصلحين بين الناس فكان ما كان ونقل ابن الاثير انها قالت يوم الجمل والله لوددت اني مت قبل اليوم بعشرين سنة ونقل الملا علي القاري في شرح الفقه الاكبر انها كانت تبكي ندما حتى تبل خمارها وقال ابن عبد البر في الاستيعاب روى اسمعيل بن علية عن أبي سفيان ابن العلاء عن أبي عتيق قال : قالت عائشة إذا مر ابن عمر فأرونيه فلما مر ابن عمر قالوا هذا ابن عمر فقالت يا أبا عبدالرحمن ما منعك ان تنهاني عن مسيري قال : رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت لا تخالفينه يعني ابن الزبير قالت :

٤٩

اما انك نهيتني ما خرجت.

وعن جميع بن عمير رضي الله عنه قال : دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت : من كان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت : فاطمة فقلت : انما سألتك عن الرجال قالت : زوجها وما يمنعه فوالله انه كان لصواما قواما وقد سالت نفس محمد في يده فردها إلى فيه قلت : فما حملك على ما جرى فأرخت خمارها على وجهها وبكت وقالت : امر قضي علي. وجاء بسند رجاله ثقات الا واحدا فضعيف ومع ذلك يكتب حديثه انه ذكر لعائشة يوم الجمل فقالت والناس يقولون يوم الجمل قال نعم قالت : وددت اني كنت جلست كما جلسن صواحبي فكان احب الي من ان اكون ولدت من رسول الله صلى الله عليه وآله بضعة عشر ولدا كلهم مثل عبدالرحمن بن الحرث بن هشام أو مثل عبدالله بن الزبير.

وفي ربيع الابرار للزمخشري رحمه الله قال : جزعت عائشة رضى الله عنها حين احتضرت فقيل لها فقالت : اعترض في حلقي يوم الجمل (انتهى) وقد أخرج ابن أبي شيبة بسنده ابن عليا كرم الله وجهه سئل : يوم الجمل الجمل عن أهل الجمل المقاتلين له أمشركون هم؟ قال : من الشرك فروا فقيل أمنا فقون هم؟ قال : ان المنافقين لا يذكرون الله الا قليلا فقيل فماهم قال : اخواننا بغوا علينا (انتهى) ولم يقل هذا لاهل صفين وقد اختلف فعله كرم الله وجهه في الواقعتين قانه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجهز على جريح ولم يطلب مدبرا ومن القى سلاحه أو دخل داره كان امنا وأستغفر لطلحة والزبير وعائشة وترحم عليهم وارضى عائشة وابلغها إلى المدينة مأمنها وقد قتلهم في صفين مقبلين ومدبرين واجهز على جرحاهم لان لهم رئيسا باغيا يرجعون إليه وهم مصرون على فعلهم وعصيانهم فلعن رئيسهم وأعوانه ودعا عليهم فلقد عامل كرم الله وجهه كلا بما يستحق.

٥٠

ثم ان سوابق هؤلاء في الاسلام ونصحهم لله ورسوله وفقههم في الدين وحسن بلائهم في الجهاد مع نبي الله وشهادته لهم بالجنة تدل دلالة قوية على سلامة مقصدهم واشتباه الامر عليهم حتى إذا أتضح رجعوا إليه وتابوا واستغفروا والله غفور رحيم وليس كذلك معاوية وأعوانه في صفين وغيرها فأنهم خرجوا أشرا وبطرا وطعما في الدنيا وفيما لاحق لهم فيه من الخلافة متسترين بالطلب بدم عثمان على ان سوابقهم في الاسلام سوابق سوء تشهد بها الاخبار والسيرومع ذلك فقد أصروا على بغيهم وعنادهم وحينئذ فلا يلزم الزبير وطلحة وعائشة ما يلزم معاوية مما جوزه أهل الحق من لعنه ووجوب بغضه لاجعلنا الله من انصاره ولا من المشوهين وجه الدين بالمغالطة في شأنه آمين.

ولعلك تقول متجاسرا كما ان طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم مجتهدون في اعمالهم ولهم أجر من اجتهد فأخطأ فكذلك معاوية فنقول : هذه مقالة قد سبقك بها كثير من انصاره وقد نفخت بها ابواق ودقت بها طبول ولكن الحق فيها ابلج واضح اما كونه من أهل الاجتهاد فمسلم لان له من الذكاء والدهاء والحذق والعلم بالعربية واساليب الكلام مالا يدانيه فيه كثير من المجتهدين ولكنه مجتهد عرف ان الحق من كل الوجوه مع علي عليه السلام ثم خالفه عنادا وبغيا وحبا للجاه والمال ولو كان خروجه لرسيس من شبهة أو وميض من طلب حق لما أصر على بغيه بعد قتل عمارو لرجع كمن رجعوا.

وان مما يقرب من المستحيل ان يؤديه ذكاؤه الخارق ودهاؤه العظيم وحذقه الثاقب إلى أعتقاد انه احق شئ من الامر من علي كرم الله وجهه وممن مع علي من المهاجرين ذوي السوابق الحسنة كيف وقد اجمع على تخطئته فيما فعل الخاص والعام من المسلمين اللهم الا نفرا استغواهم هو

٥١

نفسه بالمال والخداع فهل يعرف الكل خطأه ولا يعرفه داهية العرب وكسرها؟ بل اضله لله على علم وذهب به البغي كل مذهب وليس الا الوزر لا الاجر ولا تغني عنه بيوت العنكبوت التي بناها له أنصاره كالشيخ ابن حجر الهيثمي من عذاب الله شيئا.

جاء الشيخ ابن حجر رحمه الله في كتابيه الصواعق المحرقة وتطهير الجنان بما يضحك الثكلي ويأسف له الحكيم من التحملات الفاسدة والتأويلات البعيدة والتعسفات المتناقضة وروائح النصب تفوح من صفحات ذينك الكتابين ولا غرو ان اغتر بشئ منهما بعض قاصري النظر فقد جمع جواد قلمه بما تقشعر منه الجلود وترجف منه القلوب فزعا وهو لعنه في ذينك الكتابين كل من سب معاوية ولعنه. كأنه لم يقف على لعن النبي عليه السلام القائد والسائق ومعاوية احدهما وكأنه لم يبلغه ما بلغ كل الناس تواترا ان عليا عليه السلام كان يقنت ويلعن معاوية واصحابه ويسبهم وقد فعل فعله كثير من الصحابة والتابعين وجحاجحة اهل البيت النبوي فما أدري اجهل هذا الشيخ أم تجاهل واني والله مشفق عليه ان يعاتبه الله ورسوله على ذلك. قلت يعاتبه ولم أقل يعاقبه لاني أرجو ان يسامحه الله عن صنيعه فان الشيخ من أهل الفقة في الدين وسلامة المقصد الا ان تقليده وتعصبه لمن تقدمه ونظره إلى القضية من وجهة واحدة هما اللذان اقحماه هذا المجال المخيف هو يظن انه احسن صنعا (١).

والعجب كل العجب ان هؤلاء المتمحلين قائلون بكفر الذين حاربوا

__________________

(١) جاء في فتاويه الحديثية سئل فيمن قال صاحب العباب حاطب ليل هل يكفر إذ يفهم منه انه مستهزء به فأجاب به فأجاب بقوله لاكفر ثم قال وانما الذي يلحقه الذم الشديد والوصف المشعر بأنه جبار عنيد أو شيطان مريد انتهى) فليته قال في اعداء علي السابين له باشد مما قيل في صاحب العباب في السؤال نحو قوله في الجواب.

٥٢

الصديق رضى الله عنه جازمون بحل سبي نسائهم وذراريهم واغتنام أموالهم على ان طوائف منهم كما لك بن نويرة وقومه بني يربوع وغيرهم من قبائل العرب لم يحكم بردتهم الا لانهم امتنعوا عن اداء الزكاة إلى الخليفة وقالوا زكاة اغنيائنا نردها على فقرائنا ولم يجحدوا وجوبها وكانوا يقيمون الصلاة فحق عليهم ما حق بذلك الامتناع ولم يلتمس أحد لهم تأويلا بأنهم ربما كانوا ظانين جواز ذلك لدليل قام عندهم أو لاجتهاد منهم وهذا معاوية لم يمنع الزكاة فقط عن تسليمها إلى الخليفة كما فعلوا بل استولى على أموال بيت مال المسلمين كلها من زكاة وغيرها واصطفى بيضاءها وصفراءها ثم فعل كبائر الافاعيل المنهى عنها وعثا في الارض فسادا ثم تجدهم مع هذا كله يتمحلون له بأنه مجتهد وانه مثاب ايضا قل ابالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ما ضربوه لك الا جدلا بل هم قوم خصمون رب احكم بيننا وبين قومنا بالحق.

لعمر الله ان الحيرة لتغلب على رأي الحكيم في افعال هؤلاء القوم وما ينسبون معاوية إليه من صلاح النية والاجتهاد والطلب بدم عثمان ونحو ذلك حتى ان العاقل ليسئ بهم الظن مغلوبا على أمره لا يجد من ذلك مخرجا كيف يتصور صلاح النية وهو يقاتل المهاجرين والانصار وانى يصح الاجتهاد في مقابلة النص على بغيه بقتل عمار واين الطلب بدم عثمان من الفساد في الارض وارسال السرايا والبعوث إلى كل ناحية للقتل والنهب وقتل الاطفال والضعفاء والنساء وارتكاب العظائم مما لم يجوزه النبي صلى الله عليه وآله حتى مع المشركين.

نقل أبو الفرج الاصفهاني بسنده وغيره ان معاوية بن أبي سفيان بعث بسر بن ارطاة بعد تحكيم الحكمين وعلي بن أبي طالب رضى الله عنه يومئذ حي وبعث معه جيشا ووجه الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر وضم جيشا آخر إلى رجل من غامد وأمرهم ان يسيروا في البلاد فيقتلوا كل من

٥٣

وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام واصحابه وان يغيروا على سائر اعماله ويقتلوا اصحابه ولا يكفوا ايديهم عن النساء والصبيان فمر بسر لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة فقتل بها اناسا من أصحاب علي عليه السلام وأهل هواه وهدم بها دورا ومضى إلى مكة وقتل نفرا من آل المهلب ثم إلى السراة فقتل بها من وجد من أصحابه واتى نجران وقتل عبدالله بن عبدالمدان الحارث وابنه وكانا من اصهار ابن العباس عامل علي عليه السلام ثم اتى اليمن وعليها عبيدلله ابن العباس رضى الله عنهما عامل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكان غائبا فلم يصادفه بسر ووجد ابنين له صبيين فأخذهما بسر لعنه الله وذبحهما بيده بمدية كانت معه ثم انكفأ راجعا إلى معاوية وفعل مثل ذلك سائر من بعثه معاوية فقصد الغامدي الانبار فقتل ابن حسان البكري وقتل رجالا كثيرين ونساء من الشيعة (انتهى) قلت : اين يفلت معاوية وبسر كلاهما بعد ان فعلا بالمدينة ما فعلا من الوعيد الشديد الذي جاء عن الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله في حق من كاد أهل المدينة أو أرادهم بسوء أو ظلمهم أو اخافهم وانى ينجوان من ذلك وبم يستجنان من غضب الله ولعنته وبأي تأويل يحاول انصارهما تبريرهما من ذلك فقد روي في الصحيحين وغيرهما عن سعد رضى الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لا يكيد أهل المدينة أحد الا انماع كما ينماع الملح في الماء زاد مسلم ولا يريد أحد اهل المدينة بسوء الا إذا به الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء وروى النسائي والطبراني عن السائب بن خلاد رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : اللهم من ظلم اهل المدينة وأخافهم فاخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وفي رواية للطبراني قال من اخاف اهل المدينة اخافه الله يوم القيامة وغضب عليه ولم يقبل منه صرفا ولا عدلا وما فعله بسر في المدينة حال كونه

٥٤

عامل معاوية من القتل والتهديد والحلف على المنبر انه لو لم يمنع لما ترك بالمدينة محتلما» مشهورا مذكور لانطيل به وروى أهل السير ومنهم ابن الاثير ان عمارا قال لعمرو بن العاص يا عمرو لقد بعت دينك بمصر فقال لا ولكن اطلب بدم عثمان فال انا أشهد على علمي فيك انك لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله (وأنا اشهد ان أبا اليقظان صادق ولعنة الله على الكاذب) وانك ان لم تقتل اليوم تمت غدا فأنظر إذا اعطي الناس على قدر نياتهم مانيتك لقد قاتلت صاحب هذه الراية (يعني عليا) ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة (انتهى).

وما لزم عمروا من كلام عمار فهو لمعاوية الزم لانه شر منه وهو الراشي له بوعده تولية مصر والمستعين به في الحيل على الله وعلى المؤمنين فقوم هذا حالهم وهذا كلام عمار وامثاله فيهم يقال عنهم انهم مجتهدون لا والله ثم لا والله ليسوا بطالبي حق بل لم يزل أمرهم على ما كانوا عليه في الجاهلية من محادتهم لله ورسوله لا يحبهم من خامر الايمان قلبه ولا يناضل عنهم من أخلص لله تعالى اسلامه لانهم خانوا الله ورسوله والمؤمنين ولا تكن للخائنين خصيما اخرج البزار بسند معتمد عن زيد بن وهب قال : كناعند حذيفة رضى الله عنه كيف انتم وقد خرج اهل دينكم يضرب بعضهم رقاب بعض قالوا فما تأمرنا قال : انظروا الفرقة التي تدعوا إلى أمر علي فألزموها فانها على الحق. (ولابن أبي شيبة) بسند صحيح على شرط الائمة الستة عن أبي الرضى سمعت عمارا يوم صفين يقول من سره ان تكتنفه الحور العين فليتقدم بين الصفين محتسبا. وله بسند معتمد انه كان يقول بين الصفين باعلى صوته روحوا إلى الجنة قد تزينت الحور العين فأني لارى صفا ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفنا أنا على الحق وهم على الضلال وقد روى ابن الاثير حديث «عمار تقتله الفئة الباغية»

٥٥

وزاد فيه ما لفظه : الناكبة عن الحق (انتهى) وقال : ولما روى عمرو بن العاص هذا الحديث لذى الكلاع قال ذو الكلاع ماهذا ويحك (وكان ذو الكلاع وعامة اهل الشام قد غرهم معاوية ووزراؤه وكذبوا عليهم واستغووهم) فيقول عمرو أنه سيرجع الينا فقتل ذو الكلاع قبل عمار (مع الفئة الباغية) وقتل عمار رحمه الله بعد. قال ابن الاثير فقال عمرو لمعاوية ما أدري بقتل أيهما انا أشد فرحا بقتل عمار أو بقتل ذي الكلاع والله لو بقى ذو الكلاع بعد قتل عمار لمال بعامة أهل الشام إلى علي (انتهى بحروفه).

فأنظر ايها المنصف إلى هؤلاء المدلسين المغررين الفرحين بما يسئ رسول الله صلى الله عليه وآله ويسئ كل صادق في ايمانه فقد فرحوا قدما بقتل عبيدة وحمزة ثم بقتل عمار وانصار اهل البيت والدين وسمموا الحسن بن علي عليهما السلام وكبروا شماتة لموته وهكذا اعمالهم فحالتهم في الجاهلية والاسلام متشابهة ولاقوة الا بالله لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا وواعجبا من أقوام بين ظهرانينا الآن يدخلون المساءة على النبي صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته وصالحي امته في قبورهم بمدح من يلعنهم ويوصل إليهم كل اذى ويشاركون بذلك معاوية في قبائحه التي يتمنى هو الخروج منها مع انهم لا ينالون الآن من معاوية وذويه ذرة من دنياه هذا والله هو الخسران المبين أنها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ولكنه استحكم فيهم داء التقليد المحض وحسن الظن الظار ففترت حواسهم واصابهم تخدير مهلك فهم لا يحسون ولا يشعرون وإذا ذكروا لا يذكرون ويعتقدون أن كل ما خالف ما جمدا عليه باطل فهان عليهم مشاركة طاغية هذه الامة بنصرهم له ومدحه وتعظيمه وتسويده وستر فواقره يكابرون في الحق ويصمون اسماعهم عنه ويعرضون عن الحجج الواضحة ان دعوتهم إلى سماع ادلة كلام الله ورسوله لا يسمعون اما قراؤا قول الله تعالى : انهم الفوا آبائهم ضالين فهم

٥٦

على آثارهم يهرعون.

وهناك طوائف من علماء السوء يغتافلون عن اظهار الحق وهم يعرفونه قيموهون ويغالطون ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيمة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم الاساء ما يزرون كل ذلك خوفا من ان ينبزهم المقلدون بأنهم شيعة أو رافضة حرصا على جاه موهوم زائل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه قال ابن القيم في اعلام الموقعين نقلا عن شيخه شيخ الاسلام بن تيمية من له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وآله وبما كان عليه هو واصحابه رأى ان اكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينا والله المستعان (انتهى بالحروف) ان معاوية وعمرو ومن شاكلهما يقرون ويعترفون في كثير من المواطن بأنهم على غير حق وانهم انما يقاتلون للدنيا ولكن أنصارهم يأبون الا نسبتهم إلى الحق وتزكية اعمالهم بادعاء الاجتهاد لهم وأثابتهم من الله على بغيهم وعنادهم روى المسعودي رحمه الله عندما ذكر قصة قتل اللخميين اللذين اطمعهما معاوية بالمال ان قتلا العباس بن ربيعة الهاشمي في يوم من أيام صفين فخرجا فقتلهما الامام علي عليه السلام قال : رحمه الله ونما الخبر إلى معاوية فقال قبح الله اللجاج انه لعقور ما ركبته قط الا خذلت فقال عمرو بن العاص المخذول والله اللخميان والمغرور من غررته لا أنت المخذول قال اسكت ايها الرجال فليس هذا من شأنك قال : وان لم يكن رحم الله اللخميين ولا أراه يفعل قال ذلك والله اضيق لحجتك واخسر لصفقتك قال قد علمت ذلك ولو لا مصروو ولايتها لركبت المنجاة منها فأني اعلم ان علي بن أبي طالب على الحق واننا على ضده فقال معاوية مصر والله اعمتك ولولا مصر لالفيتك بصيرا ثم ضحك معاوية ضحكا ذهب به كل مذهب قال : مم تضحك يا امير المؤمنين اضحك الله سنك قال اضحك من حضور ذهنك يوم بارزت عليا وابدائك سوأتك أما والله يا عمرو لقد واقعت

٥٧

المنايا ورأيت الموت عيانا ولو شاء لقتلك ولكن ابي ابن أبي طالب في قتلك الا تكرما فقال. عمر واما والله اني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأحولت عيناك وبدأ سحرك وبدأ منك ما اكره ذكره لك من نفسك فاضحك اودع (انتهى بالحرف) وذكره البيهقي بنحو هذا في المحاسن والمساوي وذكر أهل السيران عمروا قال لابنه عبدالله يوم صفين أي عبدالله انظر أين ترى عليا قال أراه في تلك الكتيبة القتماء قال الله در ابن عمر وابن مالك فقال له أي ابت فما يمنعك إذ غبطتهم ان اترجع فقال يا بني انا أبو عبد الله إذا حككت قرحة ادميتها.

تنبيه أخرج ابن عدي عن أبي سعيد مرفوعا إذا رأيتم معاوية على منبري فأقتلوه وأخرجه العقيلي عن الحسن بلفظ إذا رأيتم معاوية على المنبر فأقتلوه ورواه سفيان بن محمد عن منصور بن سلمة عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر مرفوعا به قالوا هذا الحديث موضوع لان في رجال اسانيده من لا يقبل ومن هو متهم وقالوا لا يصح من جهة المعنى أيضا لان الامة رأوا معاوية يخطب على منبر النبي صلى الله عليه وآله ولم ينكروا عليه ذلك ولا يجوز ان يقال ان الصحابة ارتدت بعد نبيها صلى الله عليه وآله وخالفت امره نعوذ بالله من الخذلان هذا قول من قال : بوضع هذا الحديث. قلت اما دعوى وضعه من حيث رجال اسانيده وضعفهم فليس لنا فيه كلام لان القول ما قالوه وليسوا بمتهمين في ذلك. واما دعوى فساده من حيث المعنى فمردودة لان عدم الانكار عليه وعدم قتله لا يستلزم عصيان من اطلع عليه من الصحابة فضلا عن استلزام أرتداده كما زعموا بل هم معذورون في عدم قتله لعجز كل منهم عن ذلك ولتيقنهم عدم قبوله الحق مهما انكروا عليه باللسان بل تخشى منه فتنة عظيمة كيف وهم لا يقدرون على أزالة منكر واحد من منكراته التي يرتكبها بمرأي منهم ومسمع فضلا عن قدرة أحد منهم على قتله فلا لزوم لما ذكروا ولا فساد

٥٨

من جهة المعنى على انه لو صح ما ذكروه من الاستلزام للزمهم ذلك أيضا بحديث مسلم إذا بويع لخليفتين فأقتلوا الآخر منهما فهذا الحديث كالصريح في الامر بقتل معاوية ومؤدي الحديث الذي ذكروا انه موضوع في الامر بقتل واحد إذ هو منطبق تماما على معاوية فأنه اول من بويع له بالخلافة بالشام والخليفة الحق موجود والصحابة معذورون بعدم استطاعتهم لانه متصحن بالآلاف المؤلفة من جنود الشام الذين لم يفرق كثير منهم بين الجمل والناقة والذين يعتقد الكثير منهم ـ بتغرير معاوية ـ انه أقرب قريب إلى رسول الله (ص) وأصرح من حديث مسلم في هذا المعنى ما أخرجه احمد في مسنده من قاتل عليا على الخلافة فأقتلوه كائنا من كان.

وانما نبهت على هذا وبينته لاني رأيت كثيرا من أنصار معاوية قاموا وقعدوا وشددوا النكير والسباب والحنق على ناقلي ذلك الحديث استعظاما منهم للامر بقتل معاوية الذي أمر الله في القرآن بقتاله وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث مسلم بقتله. وقد اجمع اهل السنة والشيعة على وجوب قتال معاوية علينا لو حضرناه وان قتله إذ ذاك حسنة وفضيلة يثاب فاعلها عليها. قال أبو حنيفة رحمه الله اتدرون لم يبغضنا أهل الشام قالوا لا قال : لانا نعتقد ان لو حضرنا عسكر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لكنا نعين عليا على معاوية وتقاتل معاوية لاجل علي فلذلك لا يحبوننا كذا في التمهيد في بيان التوحيد لابي شكور السلمي. وقد كابر الشيخ ابن حجر في تطهير الجنان مكابرة عظيمة لا تليق بذوي العلم والانصاف عند ذكره فساد ذلك الحديث من جهة المعنى حتى زعم هناك ان معاوية احتال على سيدنا علي كرم الله وجهه حتى خلع نفسه عن الخلافة بخلع نائبه أبو موسى الاشعري عن الخلافة له عند تحكيمه وتحكيم عمرو بن العاص وزعم أيضا ان الصحابة كلهم اتفقوا على أنه الخليفة الحق وانه لم يطعن عليه أحد من اعدائه فضلا عن اصدقائه

٥٩

بقدح في خلافته بشئ مطلقا هذا كلام ابن حجر سامحه الله نترك الحكم فيه لمن له أدنى اطلاع والمام بالحديث والسير والتاريخ واستغفر الله تعالى لي وله من كل مازل به القلم عن الطريق المستقيم.

ثم نسأل هنا كيف اتفق فقهاء المذاهب الاربعة على جواز تقلد القضاء من السلطان الجائر وكلهم استدل على جواز ذلك بتقلد الصحابة رضى الله عنهم القضاء من معاوية وكتبهم شاهدة بذلك وهذا تصريح منهم بانه جائر غير محق ثم إذا باحثت اليوم أحدا من فقهاء الزمان قلب لك ظهر المجن ونسي ما صرح به أئمة المذاهب من ذلك هل هي الا اغراض نفسية ووساوس وهمية وأقول أيضا انه لم أحذ أحد من المجتهدين بحديث معاوية الذي أخرجه الترمذي وابو داود عنه انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله من شرب الخمر فأجلدوه فان عاد في الرابعة فأقتلوه لم لم يأخذ به أحد من المجتهدين مع جودة اسناده ماذلك الا لانهم لم يأتمنوا معاوية على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يتعلق بالدماء وهو والله احق ان لا يؤتمن نعم ذكر النووي ان الاجماع دل على نسخ هذا الحديث وأقول من المقرر ان الاجماع لا يعارض المنصوص فضلا عن أن ينسخه فأن حقيقة الاجماع عبارة عن آراء مجتمعة من مجتهدي عصر واحد وآراء الرجال ليست من نسخ كلام المعصوم من شئ ولو ذكر مستند الاجماع وكان اقوى من هذا لقلنا انه الناسخ ولكن اين هو فليبد الفقيه ما عنده وليذهب في أي ترهات الطرق شاء للجواب عن هذا نسأل الله الهداية للصواب آمين.

ومن كبار فواقره وعظائم جرائره استخلافه ابنه يزيد السكير الخمير المنابذ لله ورسوله الهاتك الحرمات والمرتكب المخزيات مع انه عالم بحاله مطلع على قبيح افعاله انفق على تمهيد بيعته أموال بيت المال وارتكب من المعاصي لذلك ما يغضب ذا الجلال. أخرج احمد في مسنده والحاكم في

٦٠