النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي

النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

المؤلف:

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

ويترضى عنهم بل لا ادلة على جواز تعظيمه والترضى عنه في الحقيقة وانما هي تمحلات وتأويلات ستعرفها مما يأتي ومنها يعلم ان الاشراف على الهلاك يلعن معاوية اقل منه بالترضى عنه وتسويده بل لاخطر في لعنه اصلا واليك التفصيل ـ.

المسلمون في معاوية ثلاث فرق

فنقول : المسلمون في كبير الفئة الباغية ورئيس النواضب معاوية ثلاث فرق : (فرقة) حكموا بفسقه واوجبوا بغضه في الله و اجازوا لعنه ومنعوا من تسويده والترضى ى عنه تعظيما له واجلالا وهم أهل الحق و الهدى ورئيسهم الاكبر يعسوب الدين وامير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.

(وفرقة) ثانية آنست من الحق جانبا وادركت من شعاع الحقيقة وميضا وعرفت معاوية وفظاعة شأنه وعظيم طغيانه وفاحش عصيانه ولكن قامت لديهم شبه زخرفها متقدموهم ونمقها سابقوهم فأحجموا بسببها عن تفسيقه واعلان بغضه ولم يجيزوا لانفسهم ما اجازته الفرقة الاولى زاعمين ان السلامة في المسألة والنجاة في الاحتياط وجمدوا على ذلك وقعدوا عن الاجتهاد والبحث في احقاق الحق وابطال الباطل وهذه الفرقة المرجو لها ان شاء الله الرجوع إلى الصواب والتنكب عن مسالك الخطأ إذا انقشع بالبحث غبار الشبه التي قامت لديهم وأزيح ستار التمويه الملتبس عليهم لاسيما إذا استحضروا قول الله تبارك وتعالى ن‍ «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليا».

(وفرقة) ثالثة اطروه بما ليس فيه والبسوه غير لباسه ووضعوا الاحاديث

٢١

في فضله واتنحلوا له المناقب وبدلوا سيئاته حسنات يريدون ان يرفعوا له في الدين علما وضعه الله ويحاولون ان ينصبوا له من الحق لواء نكسه الله عنادا للحق ومغالاة في التعصب لا يلتفتون إلى دليل ولا يقبلون حجة يدفعون المتواتر في شأنه بالتأويل ويقابلون الآحاد بالتضعيف ليزهقوا روح الحق وينعشوا روح الباطل ولهم أتباع وأذناب منتشرون في نواحي الارض ملاوا البقاع نعيقا وافعموا اليفاع نهيقا لاتجد لديهم عند البحث الا الصخب والسباب والنفور عن سماع الحق والتعصب الصرف لقلديهم وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وان يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين افي قلوبهم مرض ام ارتابوا ام يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله بل اولئك هم الظالمون (وهؤلاء) لاكلام لنا معهم ولا التفات إلى هذرهم ولهذيانهم ولا اعتبار بخلافهم ولانظر إلى تمحلهم واتنحالهم ولاطمع في هدايتهم في آذانهم وقرعن سماع الحق وعلى أبصارهم غشاوة عن نور الهدى ارأيت من اتخذ الهه هواه افانت تكون عليه وكيلا ام تحسب ان اكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم الا كالانعام بل اضل سبيلا وليس جوابهم الا اهاتنهم بالاعراض عنهم والسكوت عند كلامهم فانما هم فئة الشقاق والعناد وعبيد العصبية والهوى ان يتبعون الا الظن وما تهوى الا نفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى يحسبون انهم على شئ الا انهم هم الكاذبون.

وهؤلاء هم الذين قال فيهم الامام احمد رحمه الله لما سئل عن معاوية ان قوما ابغضوا عليا فتطلبوا له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد ناصبه العداوة فأطروه كيدا لعلي ومن حيث انه لا غرض لنا في الكلام مع هذه الفرقة فلنجعل الكلام هنا في مقامين :

(المقام الاول) في ايراد نبذة من أدلة الفرقة الاولى على جواز لعنه ووجوب بغضه وذكر ما يناسب ذلك من فعل اكابر الصحابة وافاضل أهل

٢٢

البيت الطاهر وأجلة التابعين.

(المقام الثاني) في بيان فساد الشبه التي توقفت بها الفرقة الثانية عن استباحة لعنه واعلان بغضه كما سترى ذلك موضحا ان شاء الله.

مقدمة في حقيقة اللعن وأنواعه

ولنقدم هاهنا على ذلك كله بيان حقيقة اللعن وتفاوت مراتبه بأختلاف موجباته فاللعن لغة هو الطرد والابعاد قال المجد في القاموس : لعنه كمنعه طرده وأبعده فهو لعين وملعون وقال فيه : ابعده الله نحاه عن الخير ولعنه وفيه أيضا الطرد ويحرك الابعاد (انتهى).

ويفهم من هذا ان اللعن والطرد والابعاد مترادفة أو متقاربة جدا وهو ظاهر ثم هذا الطرد والابعاد لا يختص بوقوعه على الكفار فقط كما زعم ذلك طائفة من العلماء لان الله سبحانه وتعالى لعن كثيرا من أهل الذنوب التي ليست من المكفرات وقد لعن الله تعالى القاذفين للمحصنات الغافلات المؤمنات في قوله تعالى ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوافي الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم وافضل وأعف من قذف منهن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها ومن قاذفيها حسان بن ثابت وهو من قد علمت ومسطح بن اثاثة وهو بدري وقد حدهما النبي صلى الله عليه وآله ولو كان اللعن من الله أو من رسوله مدخلا للمسلم في زمرة الكفار لكان الواجب على القاذف القتل لا الحد وقد لعن النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كثيرا من مرتكبي الصغائر التي لا توجب حدا ولا تعزيرا كلعنه الواشمة والمستوشمة وزوارات القبور ويظهر من ذلك جليا ان من اللعن ما هو مغلظ وشديد كاللعن بسبب الكفر والنفاق والكبائر من الذنوب كقتل المؤمن

٢٣

تعمدا بغير حق ومنه ما هو اخف من ذلك بمراتب كلعن الواشمة ونحوها ومنه ما بين ذلك ومنه ما ترفعه التوبة ومنه ما يرفعه الحد كما دلت على جميع ذلك الآيات والحاديث فهو لعن دون لعن وطرد دون طرد وابعاد دون ابعاد.

ورب مبعد من درجة عالية إلى دونها هي قرب بالنسبة إلى مبعد آخر إذا أرتقى إليها وكل ذلك بحسب عظم الموجب وصغره فلا يذهب عن بالك ما ذكرناه وانما قدمنا ذلك لئلا يندفع بعض المتسرعين إلى الاعتراض قبل ان يستحضر الحقيقة في ذهنه اغترارا بالقول السابق عن بعض العلماء ان اللعن ملازم للكفر مع ان الحق خلافه والله الهادي إلى الصواب.

(مهمة) اعلم انك ستجد في هذه الرسالة كثيرا من أقوال العلماء موافقا ومخالفا فليكن منك على بال اننا لم نذكر شيئا منها للاستدلال بمجرده وانما هو تفسير واظهار لمعنى الكتاب والسنة فتحصل به غلبة الظن في الموافق والتنبيه على الخطأ فيما علمنا في المخالف فيزيده الطالب بحثا وتدقيقا وما نقلناه عن أهل المغازي والتاريخ فهو كذلك واكثره متواتر معنى لا يرتاب في وقوعه الا من لا اطلاع له عليها أو من جحده مكابرة ومع ذلك فأنالم نورده احتجاجا به بل تمهيدا وبيانا لا نطباق الحجج الشرعية على ما وردت به فيه. وبالجملة فلا حجة الا الكتاب والسنة والله اعلم.

(المقام الاول) في ذكر نبذة من أدلة الفرقة القائلة بجواز لعن معاوية ووجوب بغضه في الله وما يناسب ذلك من ذكر بوائقه المثبتة فسوقه وبغية وجرأته على الله واتنهاكه حرماته مما يدخله تحت عمومات الآيات القرآنية والاحاديث النبوية المتضمنة للعن فاعليها والمشتملة على الوعيد الشديد لمرتكبيها قال الله تعالى وهو أصدق القائلين «فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم واعمى ابصارهم» وقال تبارك وتعالى : «ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله

٢٤

في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذابا مهينا» وقال تعالى : «يوم لا تنفع الظالمين معذرنهم ولهم اللعنة ولهم سواء الدار» وقال جل جلاله «فأذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين» وقال تعالى «لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون» وقال تعالى شأنه ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما وقال تعالى فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه وفسوا حظا مما ذكروا به وقال جل جلاله والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار وقال عزو جل وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين وقال سبحانه وتعالى ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا اولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين.

(فقد لعن الله) جلت عظمته في هذه الآيات المفسدين في الارض والقاطعين ارحامهم ولعن المؤذين لله ورسوله ولعن الظالمين مكررا ولعن المعتدين والذين لا يتناهون عن المنكر ولعن من قتل مؤمنا متعمدا ولعن من نقض الميثاق ولعن الائمة الداعين إلى النار ولعن الكاذبين على ربهم.

(وقد لعن) رسول الله صلى الله عليه وآله من أحدث حدثا أو آوى محدثا ولعن من ضار بمسلم أو مكر به ولعن من سب أصحابه ولعن الراشي والمرتشي والرائش ولعن من غير منار الارض ولعن السارق ولعن شارب الخمر ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه.

وقال من يلعن عمارا لعنه الله ولعن من ولي من أمر المسلمين شيئا

٢٥

فأمر عليهم أحدا محاباة ولعن من أخاف اهل المدينة ظلما.

(واي صفة) من هذه الصفات لم يتلبس بها ذلك الطاغية حتى يفلت من دخوله تحت عمومها والعمل بما جاء في كتاب الله تعالى والتأسى برسول الله صلى الله عليه وآله مطلوب ومشروع (قال الله تعالى) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية وكذا التأسي بالملائكة لانهم معصومون (١).

(وقد لعن) معاوية مسمى وضمنا كثيرون تقريرا وتفسيرا لما جاء عن الله ورسوله واكبرهم وامامهم واحقهم بالاهتداء بهديه والاقتداء بفعله من جعل الله الحق دائرا معه حيث دار باب مدينة علم الرسول سيدنا امير المؤمنين ويعسوب الدين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقد كان إذا صلى الغداة يقنت فيقول اللهم العن معاوية وعمروا وأبا الاعور وحبيبا وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن يزيد والوليد نقله ابن الاثير وغيره واخرج ابن أبي شيبة والبيهقي ان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قنت في الوتر فدعا على ناس وعلى اشياعهم وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالرحمن بن معقل قال صليت مع علي صلاة الغداة فقنت فقال في قنوته اللهم عليك بمعاوية واشياعه وعمرو بن العاص واشياعه وأبي الاعور السلمي واشياعه وعبد الله بن قيس واشياعه (٢)

__________________

(١) ويدل على انه طاعة فعله له صلى الله عليه وآله في الصلاة مرارا حتى لقد روى من طرق اوضح واصح من الطرق التي روى بها القنوت في الصبح وقد عمل بذلك سيد الاوصياء علي عليه السلام وواظب عليه واقتدى بهما كرام الشيعة المرضية رضى الله عنهم.

(٢) عن حكيم بن يحيى قال كنت جالسا مع عمار فجاء أبو موسى فقال له عمار أني سمعت رسول الله يلعنك ليلة الجمل قال انه استغفر لي قال عمار قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار. موضوع قال البلاء من العطار لامن حسين (قلت) العطار وثقه الخطيب في تاريخه والله اعلم انتهى ص ٢٢٢ اللالئ المصنوعة للسيوطي ج ١.

٢٦

(قلت) : وابو الاعور السلمي هذا هو من انصار معاوية وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله (فقد اخرج أبو نعيم بسنده قال قنت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله والعن أبا الاعور السلمي وأخرج ابن جرير عن بن عباس رضي الله عنهما انه قال لعن الله فلانا أنه كان ينهي عن التلبية في هذا اليوم يعني يوم عرفة لان عليا كان يلبي فيه وأخرج عنه أيضا انه قال ان الشيطان يأتي ابن آدم فيقول دع التلبية وهلل وكبر ليحيي البدعة ويميت السنة واخرج أيضا عن سعيد بن جبير قال أتيت ابن عباس بعرفة فقال لعن الله فلانا اعمدوا إلى أعظم ايام الحج فمحوا زينة الحج وانما زينة الحج التلبية (وجاء) بسند رجاله رجال الصحيح الا واحدا فمختلف فيه لكن قواه الذهبي بقوله انه احد الاثبات وما علمت فيه جرحا اصلا ان عمرو بن العاص صعد المنبر فوقع في علي ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة فقيل للحسن أصعد المنبر لترد عليهما فامتنع الا ان يعطوه عهدا انهم يصدقونه ان قال حقا ويكذبونه ان قال باطلا فأعطوه ذلك فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال انشدك الله يا عمرو ويا مغيرة اتعلمان ان رسول الله صلى الله عليه وآله لعن السائق والقائد (هما أبو سفيان ومعاوية) احدهما فلان قالا بلى ثم قال انشدك الله يا معاوية ويا مغيرة ألم تعلما ان النبي صلى الله عليه وآله لعن عمروا بكل قافية قالها لعنة فقالا اللهم بلى ثم قال انشدك الله يا عمرو ويا معاوية الم تعلما ان النبي صلى الله عليه وآله لعن قوم هذا قالا بلى قال الحسن فاني احمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا يعني عليا مع انه صلى الله عليه وآله وسلم لم يسببه قط وانما كان يذكره بغاية الجلالة والعظمة ذكر هذا ابن حجر في تطهير الجنان. ونقل ابن الاثير قال لما عزل معاوية سمرة عن ولاية البصرة قال سمرة لعن الله معاوية والله لو اطعت الله كما اطعته ما عذبني

٢٧

أبدا. قلت : يقول العزيز الجبار ان ذلك لحق تخاصم اهل النار. وأخرج بن عساكر عن قيس بن حازم قال سمعت علي بن أبي طالب على منبر الكوفة يقول الا لعن الله الا فجرين من قريش بني امية وبني المغيرة. واخرج بن أبي حاتم عن الاسود بن يزيد قال قلت : لعائشة رضي الله عنها الا تعجبين من رجل من الطلقاء ينازع اصحاب محمد في الخلافة قالت : وما تعجبك من سلطان الاله يؤتيه البر والفاجر وقد ملك فرعون مصر (انتهي من الدر المنثور). قلت : يشير كلام عائشة إلى ثلاثة امور الاول دلالة مفهوم الصفة مخالفة ان معاوية ليس من اصحاب محمد. الثاني الاشارة بالمثال إلى فجور معاوية. الثالث تشبيهها معاوية بفرعون الذي بين الله حاله بقوله تعالى وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيمة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة بئس الرفد المرفود.

(تنبيه) صوب ابن المنير والغزالي رحمهما الله منع لعن الشخص المعين وان اتصف بما استحق به اللعن بما جاء في كتاب الله تعالى وحديث نبيه عليه وعلى آله السلام كلعن الله زيدا الشارب وجوزا لعن غير المعين كلعن الله السارق ونحوه مستدلين بما في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عن ان رجلا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله كان اسمه عبدالله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان النبي قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وآله لا تلعنوه فوالله ما علمت انه يحب الله ورسوله وزاد الغزالي انه لا يجوز لعن المعين ولو كان كافرا حتى يتيقن موته على الكفر وتبعهما كثير من متأخري الفقهاء. وقال كثير بجواز اللعن مطلقا محتجين بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن من يستحق اللعن كافرا كان أو مسلما فيستوي المعين

٢٨

وغيره. واجابوا عن الحديث بأجوبة متعددة قال بعضهم ان المنع في الحديث خاص بما يقع في حضرة النبي صلى عليه وآله وسلم لئلا يتوهم الشارب عند عدم الانكار انه مستحق لذلك فربما اوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنته والى ذلك الاشارة بقوله في رواية ابي هريرة لا تكونوا عون الشيطان على أحيكم. وقال بعضهم ان المنع مطلقا في حق من اقيم عليه الحد لان الحد قد كفر هذا الذنب المذكور والجواز مطلقا في حق من لم يقم عليه كما جاء في حديث عبادة بن الصامت فمن اصاب من ذلك (اي الزنا والسرقة) شيئا فعوقب فهو كفارته. وقال بعضهم ان المنع مطلقا في حق ذوي الزلة والجواز مطلقا في حق المجاهرين. واحتج البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح والحديث في الصحيح (انتهى من فتح الباري). قال النووي في الاذكار واما الدعاء على انسان بعينه ممن اتصف بشئ من المعاصي فظاهر الحديث انه لا يحرم واشار الغزالي إلى تحريمه انتهى. قال ابن حجرفي الفتح والاحاديث تدل على الجواز كما ذكره النووي في قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم للذي قال له كل بيمينك فقال لا استطيع فقال لا استطعت. فيه دليل عا جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي ومال هنا إلى الجواز قبل اقامة الحد والمنع بعده (اتنهى).

قلت كيف حمل ابن المنير والغزالي ومن تبعهما نهي النبي صلى عليه وآله وسلم اصحابه عن لعن حمار المحب لله ولرسوله على منع التعيين والنهي في الحديث معلل بمحبة الله ورسوله واقع بعد اقامة الحد ولا يفهم للتعيين وعدمه معنى من متن الحديث مع ان عمل النبي عليه الصلاة والسلام وعلى آله وعمل كثير من اصحابه وكثير من اكابر السلف بعدهم في مواطن كثيرة يخالف ما حملا عليه الحديث.

وأقوى حجة في مشروعية لعن المسلم المعين كتاب الله تعالى حيث قال

٢٩

في يمين الملاعن والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين وقد حلف النبي صلى الله عليه وآله الملاعن مكررا وجعل ذلك شرعة باقية في امة محمد صلى الله عليه وآله يوم القيامة والتعيين هنا بضمير المتكلم أقوى من التعيين بالاسم العلم كما هو مذكور في محله من كتب العربية ولم يقل أحد من الامة اصلا بكفر الكاذب من المتلاعنين حتى يوجه قول الغزالي ومن تبعه ان اللعن بالتعيين لا يجوز الا على الكافر. وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله اشخاصا سماهم وماتوا على الاسلام كأبي سفيان ابن حرب وسهيل بن عمروو عمرو بن العاص وأبي الاعور السلمي والحكم بن أبي العاص وابنه مروان وغيرهم. ولعن كثير من أجلة الصحابة اناسا سموهم بأسمائهم كمعاوية وعمرو بن العاص وحبيب وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن يزيد وبسر بن اطاة والوليد وزياد والحجاج بن يوسف وغيرهم ممن يعسر عدهم وسردهم وقد لعن حسان بن ثابت هندا بنت عتبة وزوجها أبا سفيان وهو إذ ذاك يكافح عن النبي صلى الله عليه وآله بأمره ولم ينكر عليه بل أقره عليه. قال من أبيات له :

لعن الآله وزوجها معها

هند الهنود عظيمة البظر

وقد لعن عمر بن الخطاب خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويره ولعن علي عليه السلام عبدالله بن الزبير يوم قتل عثمان إذ لم يدافع عنه (وقد لعن) عبدالله بن عمر رضى الله عنهما ابنه بلا لا ثلاثا كما ذكره ابن عبد البرفي كتاب العلم قال عن عبدالله بن هبيرة السبائي قال حدثنا بلال بن عبدالله بن عمران أباه عبدالله ابن عمر قال يوما قال رسول الله صلى الله وآله وسلم لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد فقلت : أما انا فسأمنع اهلي فمن شاء فليسرح اهله فالتفت إلى وقال لعنك الله لعنك الله لعنك الله تسمعني أقول ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر ان لا يمنعن وقام مغضبا (اتنهى).

٣٠

وصح عن الامام مالك رحمه الله انه قال لعن عمرو بن عبيد (يعني الزاهد المشهور) وقال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهما الله سمعت أبا حنفية يقول لعن الله عمرو بن عبيد.

ونقل ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلي بأسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت : لابي ان قوما ينسبونا إلى تولى يزيد فقال يا بني وهل يتولى يزيد احد يؤمن بالله ولم لا نلعن من لعنه الله في كتابه فقلت واين لعن الله يزيد في كتابه فقال في قوله تعالى فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم واعمى ابصارهم فهل يكون فساد اعظم من هذا القتل وفي رواية يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه.

ونقل البخاري رحمه الله في خلق افعال العباد قال قال وكيع على بشر المريسي لعنه الله يهودي أو نصراني فقال : له رجل كان ابوه اوجده نصرانيا قال وكيع عليه وعلى أصحابه لعنة الله وقد لعن بكر بن حماد والقاضي أبو الطيب وابو المظفر الاسفرائيني وكثير غيرهم عمران بن حطان في ردهم المشهور على أبياته التي امتدح بها اشقى الآخرين ابن ملجم لعنه الله ولعن يحيى بن معين الحسين بن علي الكرابيسي الشافعي البغدادي كما ذكره في تهذيب التهذيب وما زال اللعن فاشيا بين المسلمين إذا عرفوا من الانسان معصية تقتضي لعنه وإذا تنبعت كتب الحديث والسير والتاريخ وجدتها مشحونة بذلك (ولهذا اقول) لطالب التحقيق لا يهولنك ما تظافر هؤلاء عليه من منع التعيين مع انه قد ورد عن نبيهم وكثير من اصحابه ومن أكابر السلف ما يخالفه فليفرخ روعك فان الهدي هدى محمد واصحابه.

العلم قال الله قال رسوله

ان صح والاجماع فأجهد فيه

وحذار من نصب الخلاف جهالة

بين الرسول وبين قول فقيه

٣١

نعم عورض مطلق اللعن بأحاديث في منعه لامنع التعيين بخصوصه كقولة عليه وعلى آله الصلاة والسلام ليس المؤمن بالسباب ولا بالطعان ولا باللعان وكقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام المؤمن لا يكون لعانا وهذه وما شاكلها بلا ريب هي في لعن من لا يستحق اللعن والا لم يندفع التعارض فيحصل الخلاف في كلام الله وكلام رسوله وهما منزهان عن ذلك. وسأزيدك ايضاحا لتزداد اطمئنانا فقد اخرج مسلم في صحيحه والبخاري في الادب عن حفصة رضي الله عنها قول رسول الله صلى الله عليه وآله اني لم ابعث لعانا وانما بعثت رحمة (انتهى).

نفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نفسه ان يكون لعانا من يوم بعث وهو الصادق المعصوم وقد ثبت انه لعن كثيرا بالوصف ولعن كثيرا بالعين ولا ريب في ان لعنه اياهم كان حقا ولولا اختلاف موضوع القضيتين لكان تناقضا وهو ممتنع في كلامه صلى الله عليه وآله قطعا فتعين ان اللعن المنفي صدوره عنه صلى الله عليه وآله هو ما كان عن غير استحقاق وان اللعن الذي ثبت وقوعه عنه عليه السلام هو لعن من استحق اللعن ولزم ان يكون اللعن الذي نهى عنه صلى الله عليه وآله امته كما تقدم هوما نفي صدوره عن نفسه لا ما فعله هو وهو الاسوة الحسنة للمؤمنين. رزقنا الله الاتباع لسنته والانقياد لما جاء به آمين.

(تتمة) اطاق الغزالي رحمه الله في الاحياء في منع اللعن مطلقا فضلا عن لعن شخص معين واسترسل في ذلك حتى قال ابن في لعن يزيد فضلا عن أبيه خطرا على اللاعن بل منع ان يقال لعن الله قاتل الحسين بن علي عليهما السلام ثم قال ففي لعن الاشخاص خطر ولا خطر في السكوت عن لعن ابليس مثلا فضلا عن غيره وأستدل رحمه الله بعموم الاحاديث التي مرت بك في معارضة مطلق اللعن وامثالها في المعنى.

٣٢

والغزالي كما علمت وعلم الكل امام عظيم من علماء المسلمين ومحقق كامل من محققيهم ولنا به القدوة والاسوة الحسنة في سلوك طريقته واتباع ارشاداته غير ان الانسان ـ الا النبيين ـ وان جل شأنه وعظم مقداره ليس بمعصوم من هفوة أو حطاء في اجتهاد ولايجوز لمن عرف حقا بأدلته الواضحة ان يقلد غيره وان جل شأله في خلاف ما عرفه من الحق ولو كان التقليد المحض في كل شئ مجد عند الله تعالى شيئا لكان الامام الغزالي من أولى من تقلده في ذلك وحينئذ نقول ولا استحياء من الحق ولا هواة في الدين أن هذه هفوة منه رحمه الله لا يجوز لنا الاعتماد عليها ولا اتباعه فيها ولو جاز الاستدلال بهفوات العلماء والاكابر لعظم الخطب وانقلب الحق ظهرا لبطن وقد مر بك قريبا ما يخالف مدعاه ممما اوردناه من كلام الله تعالى وأقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وافعاله ومن أقوال الاكابر من الصحابة والتابعين وكثير بعدهم فأرجع إليه.

قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى اجمع الناس على ان من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن له ان يدعها لقول احد وقال صاحب الهداية سئل ابوحنفية رحمه الله إذا قلت : قولا وكتاب الله يخالفه قال أتركوا قولي بكتاب الله قيل إذا كان خبرا لرسول الله صلى الله عليه وآله يخالفه قال : اتركوا قولي بقول الصحابة فضلا عن قول الرسول صلى الله عليه وآله (اتنهي).

اما قول الغزالي رحمه الله ففي لعن الاشخاص خطر فمبنى على جملة نهى النبي عليه وعلى آله الصلوة والسلام عن لعن حمار المحب لله ورسوله علي النهي عن لعن المعين وقد علمت مرجوحية هذا الحمل بل فساده مما قدمناه وأي خطر في لعن من استحق اللعن بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله سواء كان بالشخص أو الوصف إذ الذات الواقع عليها اللعن بكل منهما واحدة.

٣٣

وأما قوله رحمه الله ولا خطر في السكوت عن لعن ابليس مثلا فضلا عن غيره فمسلم عند الكل لان لعن ابليس وغيره ممن يستحق اللعن لم يكن من الفرائض التي افترضها الله على عباده حتى يكون تركها خطرا لكن تركه مفوت للتأسي بما جاء عن الله ورسوله وملائكته في لعنهم من استحق اللعن والتأسي بهم مشروع وهو نافلة من النوافل ولاخطر في ترك النافلة كما لو ترك الانسان الترضي عن أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي بل لو ترك الاذان والاقامة وصلاة التراويح مثلا فلا خطر عليه في ذلك اما إذا ترك لعن ابليس شكافي استحقاقه اللعن أو عنادا فهو كافر لرده المنصوص في القرآن و مراغمته ومثله التارك لعن القاتل والشارب مثلا شكا في استحقاقه اما التارك لغير الشك بل للعصبية والهوى فموكول أمره إلى الله تعالى وهذه الجملة لو لم تكن صادرة عن هذا الامام العظيم لقلنا ان قائلها أراد بها المغالطة والمشاغبة ولكنا ننزهه عن ذلك ونجريها على ظاهرها وهذه المقالات من الامام الغزالي جرأت كثيرا من أنصار معاوية على مقالات بشعة شنيعة فقال بعضهم لو ان يزيد باشر قتل الحسين بيده واستحله أيضا لم يجز لعنه وقال : آخر لا أبالي ان اقول لو اطلع مطلع على الغيب فعلم ان معاوية مات على غير الاسلام لما جاز له ان يلعنه وقال ثالث ان اللعن من السفه المذموم مع ان كتاب الله تعالى وحديث رسوله صلى الله عليه وآله مشحونان بذلك فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

أما قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام لا تسبوا الاموات فأنهم قد افضوا إلى ما قدموا وقوله : صلى الله عليه وآله لاتسبوا. الاموات فتؤذوا الاحياء فقد قال الحافظ الشوكاني رحمه الله في نيل الاوطار هو مخصوص بما جاء في حديث أنس وغيره أنه صلى الله عليه (وآله) وسلم قال عند ثنائهم بالخير والشر وجبت اتنم شهداء الله في أرضه ولم ينكر عليهم قال : ولان الكفار مما

٣٤

يتقرب إلى الله بسبهم ولا غيبة لفاسق والسب يكون في حق الكافر والمسلم اما في حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحي المسلم واما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك يصير من قبيل الشهادة عليه وقد يجب في بعض المواضع (انتهى) ثم قال والوجه تبقية الحديث على عمومه الا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر وجرح المجروحين من الرواة احياء وأمواتا لاجماع العلماء على جواز ذلك وذكر مساوي الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم (انتهى) والله الموفق للصواب.

ولنذكر هنا نبذة من بوالق معاوية العظيمة المدخلة في زمرة من استحق لعنة الله والملائكة والناس اجمعين.

جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله تعالى والملتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله ويذل من أعز الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي اخرجه الترمذي عن عائشة وابن عساكر عن ابن عمر قال : الحسن البصري رحمه الله. اربع خصال في معاوية لو لم تكن فيه الا واحدة منها لكانت موبقة : اتنزاؤه على هذه الامة بالسيف حتى اخذ الامر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة واستخلافه من بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعاؤه زيادا وقد قال : رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجرا واصحاب حجر ويا ويلا. له من حجر واصحاب حجر (انتهى بحروفه) من الكامل.

ولنقدم منها أم موبقاته واعظمها شرا على المسلمين في الدنيا واكثرها وبالا عليه وعلى أشياعه في الآخرة وهي بغيه على الامام الحق ومناصبة العداوة والبغضاء لمن عداوته لله ولرسوله وبغضه نفاق كما دلت

٣٥

عليه الاحاديث الصحيحة المتعددة التي لم يبق معها ريبة للمنصف في سوء حال معاوية وفسادنيته واستخفافه بالدين وجرأته على الله وعلى رسوله ثم نتبعها بما ثبت بالتواتر والنقل الصحيح من موبقاته العظيمة وفظالعه الجسيمة جازاه الله بما هو أهله. والبغي كما في القاموس وغيره هو التعدي والظلم والعدول عن الحق والاستطالة الكذب وقال الابي : البغي عرفا الخروج عن طاعة الامام مغالبة له (انتهي).

وقد بايع المسلمون عليا عليه السلام بعد مقتل عثمان رضى الله عنه وفيهم أهل الحل والعقد من المهاجرين الاولين والانصار وذوي السوابق وتأخر معاوية بأهل الشام وحبس عنده رسول علي كرم الله وجهه إليه مدة حتى انتهت وقعة الجمل ثم تستر عن بغيه بالطلب بدم عثمان وغر أهل الشام واستغواهم وكذب عليهم فأخبرهم ان عليا قتل عثمان وأقام لهم شهود الزور بذلك ونشر قميص عثمان على المنبر مخضبا بالدم حتى خرج علي عليه السلام إليه في أهل العراق وخرج هو بأهل الشام إلى ان التقيا بصفين وكان من أمر وقائعها ما هو مشروح في كتب السير والتواريخ وقتل في تلك الوقائع من المسلمين سبعون الفا خمسون الفا من أهل الشام وعشرون الفا من أهل العراق قال : العلامة الزرقايي في نهج المسالك اتى علي رضي الله عنه في اهل العراق في سبعين الفا فيهم تسعون بدريا وسبعمائة من أهل بيعة الرضوان واربعمائة من سائر المهاجرين والانصار وخرج معاوية في أهل الشام في خمسة وثمانين الفا ليس فيهم من الانصار الا النعمان ابن بشير ومسلمة بن مخلد انتهى.

وفي العقد الفريد عن أبي الحسن قال لم يبايع اهل الشام معاوية بالخلافة حين خرج وانما بايعوا على الطلب بدم عثمان فلما كان من أمر الحكمين ما كان بايعوه بالخلافة فكتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله

٣٦

عنه يدعوه إلى القيام معه في دم عثمان سلام عليك اما بعد فأن احق الناس بنصرة عثمان اهل الشورى من قريش الذين اثبتوا حقه واختاروه على غيره ونصره طلحة والزبير وهما شريكاك في الامر ونظيراك في الاسلام وخفت لذلك ام المؤمنين فلا تكره ما رضوا ولا ترد ما قالوا وانما تريد ان نردها شورى بين المسلمين والسلام. فأجابه سعد رضي الله عنه أما بعد فان عمر لم يدخل في الشورى الا من تحل له الخلافة فلم أجد أحدا اولى بها من صاحبه الا بأجتماعنا عليه غير ان عليا كان فيه ما فينا ولم يكن فينا ما فيه ولو لم يطلبها ولزم بيته لطلبته العرب ولو بأقصى اليمن وهذا الامر قد كرهنا أوله وكرهنا آخره وأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما لكان خيرا لهما والله يغفر لام المؤمنين ما أتت. وهكذا أخرجه المحدث ابن قتيبة في كتاب الامامة.

وكتب معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة أما بعد فأنما أنت يهودي ابن يهودي ان ظفر احب الفريقين اليك عزلك واستبدل بك وان ظفر ابغض الفريقين اليك قتلك ونكل بك وقد كان ابوك اوتر قوسه ورمى غرضه فأكثر الحز واخطأ المفصل فخذله قومه وادركه يومه ثم مات طريدا بحوران. فأجابه قيس : أما بعد فأنت وثني ابن وثني دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا لم يقدم ايمانك ولم يحدث نفاقك ونحن انصار الدين الذى خرجت منه وأعداء الدين الذي دخلت فيه والسلام (انتهى).

وفي ربيع الابرار للزمخشري رحمه الله دعا معاوية قيس بن سعد بن عبادة إلى مفارقة علي بن أبي طالب حين تفرقت الناس عنه فكتب إلى معاوية يا وثني ابن وثني تدعوني إلى مفارقة علي بن أبي طالب والدخول في طاعتك وتخوفني بتفرق اصحابه عنه وانثيال الناس عليك واجفالهم اليك فوالذي لا اله غيره لا سالمتك أبدا وانت حربه ولا دخلت في طاعتك وانت عدوه ولا

٣٧

أخترت عدوالله على وليه ولا حزب الشيطان على حزبه (انتهى).

وأخرج الامام محمد بن اسمعيل البخاري في صحيحه عن عكرمة قال : قال لي ابن عباس ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد فأسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حانط يصلحه فأخذ رداءه فأحتبى ثم انشأ يحدثنا حتى اتى على ذكر بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وآله فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. وأخرجه أيضا مسلم والطبراني والترمذي والحاكم والامام احمد في مسنده وغيرهم وعده الحفاظ جلال الدين السيوطي في الاخبار المتواترة وعزاه للشيخين عن أبي سعيد ولمسلم عن أبي قتادة وام سلمة وابي يعلي ولاحمد عن عمار وابنه وعمر بن حزم وخزيمة ذي الشهادتين وللطبراني عن عثمان وانس وابي هريرة وللحاكم عن حذيفة وابن مسعود وللرفاعي عن أبي رافع ولابن عساكر عن جابر بن عبدالله وجابر بن سمرة وابن عباس ومعاوية وزيد بن اوفى الاسلمي وأبي اليسر كعب بن عمرو وزياد وكعب بن مالك وأبي امامة وعائشة ولابن ابي شيبة عن عمرو بن العاص وابنه عبدالله بن عمرو قال : فهؤلاء سبعة وعشرون صحابيا فيهم خزيمة كصحابيين (انتهى).

وقال حافظ المغرب ابن عبد البر تواترت الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : تقتل عمار الفئة الباغية وهذا من اخباره بالغيب واعلام نبوته وهومن أصح الاحاديث (انتهى).

وقال ابن دحية لا مطعن في صحته ولو كان غير صحيح لرده معاوية وأنكره. وقال الحافظ ابن حجر رواه جمع من الصحابة فذكرهم وقال : وفيه علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار رضى الله عنهما.

قلت لا يختلف اثنان في ان عمارا قتل بصفين وهوفي حزب الامام علي

٣٨

عليه السلام وان قتلته هم فئة معاوية صب بهذا ان معاوية باغ داع إلى النار كما ذكر في الحديث والدعي إلى النار مستحق اللعن في الدنيا والخذلان والقبح يوم القيامة كما جاء في كتاب الله عزوجل قال تعالى : «وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين» والمقبوح هو الذي نحي عن الخير. وقد حاول معاوية التملص من هذا الحديث بالاحتيال لكيلا ينتقض عليه أحد من اصحابه حيث لم يقدر على انكاره فقال انما قتله من أخرجه. فأجابه الامام علي عليه السلام بأن رسول الله صلى الله عليه وآله يكون قاتل حمزة حيث أخرجه لقتال المشركين وهذا من الالزام الذي لاجواب عنه ثم رجع معاوية وتأوله بالطلب وقال نحن الفئة الباغية اي الطالبة لدم عثمان. من البغاء ـ بضم الباء الموحدة والمد ـ وهو الطلب ولا يخفى سقوط التأويلين وخطؤهما أما الاول فظاهر واما الثاني فان قول الرسول صلى الله عليه وآله دعوهم إلى الجنة ويدوعونه إلى النار كالنص الصريح في ان الباغية من البغي المذموم المنهي عنه كما في قوله تعالى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لامن البغاء الذي هو الطلب.

وعندي ان معاوية أحذق من أن يقول ذلك عن اعتقاد فأنه أمر ظاهر الفساد للخاص والعام والذكي والبليد وكان الواجب عليه ان يرجع عن غيه وبغيه ويرفض المخالفة ولكن غلبت عليه شقوته واضله الله على علم فأحتال بهذه التأويلات الفاسدة حرصا على الدنيا وتعزيزا لاشياعه واتباعه وتسترا في الظاهر وفرارا عن الاقرار بحقيقة أمره وتربعه في كرسي امامة الدعاء إلى النار ومحاربة العزيز الجبار فأنه لم تبق بعد قتل عمار أدنى شبهة لعاقل ولا قول لقائل. الا ترى ان ابن عمر رضي الله عنه ندم اشد الندم على عدم قتاله معاوية واصحابه فقد روى أبو حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن

٣٩

عمر رضي الله عنهما قال ما آسى على شئ الا أن اكون قاتلت الفئة الباغية وعلى صوم الهواجر وقال ابن عبدالبريروي من وجوه عن حبيب عن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال : حين حضرته الوفاة ما اجدني آسى على شئ فاتني من الدنيا الا اني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية ورواها الحاكم بسند صحيح فالبيهقي عنه قال ما وجدت في نفسي من شئ ما وجدت من هذه الآية اني اقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله يعني قوله تعالى : فان بغت أحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى امر الله. قال الحاكم هذا باب كبير قد رواه عن ابن عمر جماعة من كبار التابعين وكان خزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين رضي الله عنه كانا سلاحه حتى قتل عمار بصفين فسل سيفه وذكر حديث عمار ثم قاتل عسكر معاوية حتى قتل وقد نقل ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابراهيم النخعي ان مسروق بن الاجدع لم يمت حتى تاب من تخلفه عن علي كرم الله وجهه.

ومن كتاب من الامام علي كرم الله وجهه إلى معاوية كما في نهج البلاغة قال : فسبحان الله ما أشد لزومك للاهواء المبتدعة والحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق وأطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى عباده حجة فاما اكثارك الحجاج في عثمان وقتلته فانك انما نصرت عثمان حين كان النصر لك وخذلته حيث كان النصر له (انتهى).

يشير كرم الله وجهه إلى ان معاوية انما زعم نصرة عثمان بعد موته حيث كانت المصلحة عائدة إليه بالولاية التي يطلبها وخذله في حياته حيث كانت المصلحة عائدة على عثمان فقد ذكر اهل السير ـ واللفظ للبلاذري ـ ان معاية لما استصرخه عثمان تثاقل عنه وهو في ذلك يعده حتى إذا أشتد به الحصار بعث إليه يزيد بن اسد القشيري وقال له : إذا أتيت ذا خشب فاقم بها ولا تقل الشاهديرى ما لا يرى الغائب فأنا الشاهد وانت الغائب قالوا فأقام بذي خشب حتى

٤٠