النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي

النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

المؤلف:

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

وآله وسلم على ان يكون السلم دالمابين امته فدعا الله تارة ان لا يكون بأس امته بينهم كما في حديث مسلم وتارة ان يجعل معاوية هاديا مهديا لانه بلا ريب يعلم ان معاوية اكبر من يبغي ويجعل بأس الامة بينها فمآل الدعوتين واحد وعدم الاجابة في حديث مسلم تستلزم عدمها في حديث الترمذي والمناسبة بل التلازم بينهما واضح بين وفي معني حديث مسلم هذا جاءت احاديث كثيرة ومرجعها واحد.

ومما ورد فيه من ضعاف الاحاديث ما اخرجه ابن ابي شيبة عن معاوية انه قال : ما زلت اطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ملكت فأحسن وقد عرفت ضعف هذا الحديث وعلى فرض صحته فلا منقبة فيه لمعاوية لان الله سبحانه وتعالى قد اطلع نبيه على ما سيجري بين امته من الفتن والحروب وقد اخبر عنها بما اخبر واشار إلى ما اشار وفي هذا الحديث اشارة إلى ان معاوية سيملك وقد صرح في احاديث صحيحة بأن ملكه ملك عضوض وقد امره بالاحسان إذا ملك حيث لا سامع ولا مؤتمر وليس ذلك من قبيل البشارة والغبطة بملكه بل من باب الاخبار بالمغيبات والانذار بالفتنة واقامة الحجة عليه بتبليغه.

وهذا الاخبار لا يستلزم حقية فان النبي صلى الله عليه وآله قد اخبر عن امور كثيرة من هذا القبيل كفتن الخوارج وان بني مروان ينزون على منبره كما تنزوا القردة وقد اخبر موسى عليه والسلام بما ملك بختنصر الحبار الكافر وما سرتكبه من بني اسرائيل فيكون الاخبار بهذه الامور دليل على حقيتها لا يقول بهذا احد ولكن انصار معاوية يتشبثون في تزكيته بمثل خيوط العناكب ضعفا ويلوون رؤوسهم عما ثبت فيه من المثالب الا تراهم كيف تبجحون بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ان عكرمة اخبره ان معاوية يوتر بركعة فقال ابن عباس دعه فانه فقيه قالوا ان الفقيه في عرف ذلك الزمن

٢٠١

هو المجتهد وشهادة ابن عباس قطعيه واطالوا في ذلك بما يضجر المطالع ويفسد ذهن السامع قبلوا شهادة ابن عباس لمعاوية ونعم الشاهد ولم يقبلوا شهادة مولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن ابي طالب كرم الله وجهه حيث يقول لمعاوية كما في نهج البلاغة دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا واسقطوا شهادته (ع) فيما نقله الثقاة عنه انه قال ان معاوية وعمرا وابن ابي معيط وحبيبا وابن ابي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن انا اعرف بهم منكم قد صحبتهم اطفالا ثم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال ونبذوا ايضا شهادة قيس بن سعد بن عبادة الانصاري في كتابه إلى معاوية يقول فيه انا انصار الدين الذي خرجت منه واعداء الدين الذي دخلت فيه وامثال هذه الشهادات على معاوية من كبار الصحابة كثيرة جدا لا يمكن حصرها.

بماذا شهدابن عباس لمعاوية؟! قال انه فقيه حيث اوتر بركعة ، ان الفقه بهذه المسألة التي خالف بها عمل النبي واصحابه يكاد ان يكون من قبيل الحيل في دين الله ويوضحه قوله دعه فلو كان ذلك محمودا لامره بالاقتداء به (اخرج) الطبراني في الفردوس عن ابن عباس ايضا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال آفة الدين ثلاثة فقيه فاجر وامام جائر ومجتهد جاهل.

اما الحديث الذي اشار إليه الامام النسائي فهو ما رواه مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما انه كان يلعب مع الصبيان فجاء له النبي صلى الله عليه وآله فهرب وتوارى فجاءه وضربه بين كتفيه ثم قال اذهب فأدع لي معاوية قال : فجئت فقلت هو يأكل ثم قال : اذهب فأدع لي معاوية قال : فجئت فقلت هو يأكل فقال لا اشبع الله بطنه انتهى روي انه كان يأكل إلى ان يمل فيقول ارفعوا فوالله ما شبعت ولكن مللت وتعبت كأن داء اصابه بدعاء الرسول صلى الله عليه وآله قال الشاعر يصف رجلا اكولا.

٢٠٢

وصاحب لي بطنة كالهلوية

كأن في امعائه معاوية

وقد ذكر المؤرخون ان معاوية يجمع على مائدته سبعين صنفا من الطعام يقول انصار معاوية ان معاوية لحليم حاذق وان الحلم لخلة شريفة ومنقبة عظيمة وان الحذق لسجية محمودة تناقلوا ذلك في اسفارهم وتمثلوا به في اخبارهم واشعارهم وربما جر بعضهم قصوره عن ادراك الحقائق إلى الزعم بأن معاوية كان اصح فكرا وابعد غورا وادق ادراكا من علي عليه السلام وربما ظن ذلك البعض بنفسه حيث عرف ذلك واستخرجه من ماجرياتهما وسببرتهما انه من الخاصة اهل التحقيق والانصاف والتمييز مع ان الامر بخلاف ذلك والقائل به عامي يقول ببادي الرأي ويستعجل في الحكم على القضايا قبل الفحص التام عن اسبابها وموانعها ومقتضياتها وتمحيصها للحكم عليها ولعمري انه لاجدر بما قيل.

ما انت بالحكم الترضى حكومته

ولا الاصيل ولاذى الرأي والجدل

ولو تتبع تلك القضايا وعرفها حق المعرفة لادرك ان حلم معاوية انما هو خبث وحيلة ونفاق ومراوغة وايضاح هذا الامر وبيانه يقتضي التمهيد له بذكر ما كان من التفاوت بين حال علي عليه السلام في سيرته وبين حال معاوية ومن يشاركه في ارائه كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وذلك ان عليا كرم الله وجهه كان لا يستعمل في حروبه وسائر افعاله الا ما يوافق الكتاب والسنة ملازما في جميع حركاته قوانين الشريعة مدفوعا إلى اتباعها رافضا ما كان يستعمله المشركون في الجاهلية والبغاة القاسطون في الاسلام في حروبهم من المكر المحظو والخبث والدهاء والغدر والحيلة والتغرير بالاجتهاد في مقابلة المنصوص وتخصيص العمومات بالآراء لتوافق الهوى وغير ذلك مما لاترخص فيه الشريعة ولا يرضاه الله ولا رسوله فكان كرم الله وجهه يقول لاصحابه لا تبدأوهم بالقتال حتى يبدأوكم ولا تفتحموا بابا

٢٠٣

مغلقا لانه كرم الله وجهه كان ملجما بلجام الورع عن جميع القول الا ما كان فيه لله رضى وممنوع اليدين عن كل بطش لا ما ارتضاه الكتاب والسنة ومنقطع عن كل تدبير الا ما اذن الله فيه فكان مجال التدبير عليه ضيقا ومن هذا التضييق وقعت امور كثيرة ينسب إليه القاصرون التقصير فيها كعدم اقراره معاوية على الولاية في اول خلافته ثم يعز له بعد ذلك لما يعلمه في تقريره من الظلم والجور وكعدم ارضاء طلحة والزبير بتوليتهما المصرين كما طلبا حتى فأرقاه وكمخاشنته في الله لبعض اصحابه كأخيه عقيل وشاعره النجاشي ومقصلة بن هبيرة حتى فارقوه إلى معاوية كما نسبوا الفاروق رضى الله عنه إلى قصور الرأي في تنفيره جبلة بن الايهم والتشديد عليه في طلب القصاص بلطمة لطمها رجلا وطئ ازاره حتى ارتد بسبب ذلك جبلة عن الاسلام وارتد بأرتداده الوف من اتباعه وفي امره بحرق مكتبة الاسكندرية واحراقه قصر سعد بن ابي وقاص بالكوفة ومشاطرته كثيرا من عماله اموالهم وامثال هذا ولا غروان من اقتصر على الكتاب والسنة فقد حجر على نفسه الواسع ومنع نفسه الطويل العريض وما لا يتناهى من المكائد ووجوه الفلج والظفر.

وكان معاوية واصحابه غير متقيدين بدين ولا ملتزمين في الباطن لشريعة بل كانوا يستعملون المكر والخبث والغدر والكذب والتغرير والتأويل مما يستخرجون به وجوه مصالحهم سواء كان جائرا في الشرع أو محظورا وسواء اكان فيه سخط الله تعالى ام رضاه ومن المعلوم البديهي ان الصدق والكذب معا اوسع مجالا من الصدق وحده وان الحلال والحرام معا اكثر طرقا من الحلال وحده فأتسع بذلك لمعاوية واصحابه مجال التدبير من التفريق بين الناس بالكذب والغاء الكتب المزورة في العسكر بالسعايات ودس السموم في الاطمعة وبذل الرشوة يمن مال الله وامثال ذلك من المكائد الاثيمة وزخارف

٢٠٤

القول المفتعلة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم واكثرهم فاسقون افأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون.

ولما رأى قاصرو النظر نوادر معاوية وعمرو في المكائد وكثرة غرائبهم في الخديعة ولم يروا مثل ذلك من علي كرم الله وجهه توهموا ان ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان عند علي عليه السلام وجرهم ذلك إلى الحكم بما زعموا ثم إذا رميت بنظرك إلى خدائع معاوية وعمرو وجدت اكبرها رفع المصاحف ولم ينخدع بها علي كرم الله وجهه بل ادرك لاول وهلة انها مكيدة لطلب الخلاص والنجاة ونبه اصحابه عليها لولا ان بعض اصحابه لما فيهم من الغرارة والتسرع والطيش انخدعوا بذلك وآل بهم الامر الى التنازع فوافقهم الامام خشية الافتراق ومثلها صنعوا في تعيينهم ابا موسى الاشعري حكما من جانب علي عليه السلام واصرارهم وتصميمهم على ذلك وهو يعلم ما عند ابي موسى من الانحراف عنه والغبارة فيه الا انه كرم الله وجهه قيد امر انتحكيم بكتاب الله حتى لا يلزمه ما خالفه من فعل الحكمين قال : ابو الفرج بن يزيد الكلاعي قالوا لعلي كرم الله وجهه حكمت كافرا ومنافقا فقال ما حكمت مخلوقا ما حكمت الا القرآن (١) وقد اشار كرم الله وجهه إلى جميع ما قدمناه بكلمات وجيزة مذكورة في نهج البلاغة قال كرم الله وجهه والله ما معاوية باد هي مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهة الغدر لكنت من ادهى الناس ولكن لكل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة (انتهى).

ويتمشدق بعض الطائشين ويتبجح بترديده على اللسان ان معاوية خال

__________________

(١) استدل اهل السنة بهذه المقالة عن علي كرم الله وجهه على ان القرآن ليس بمخلوق ولولا صحتها عندهم لما احتجوا بها في مسألة يطلب فيها اليقين والقطع (انتهي).

٢٠٥

المؤمنين وقد اخذ هذه الخوؤلة من جهة كون معاوية اخا لام المؤمنين ام حبيبة رضي الله عنها واخو الام خال لغة ويظن الطائش ان بتلك الخؤولة التي زعمها لمعاوية شرفا ونسبا بينه وبين المؤمنين ومادري الغبي انه لا يمكن ولا يصح اطلاق لفظ الخال على احد من اخوان امهات المؤمنين رضي الله عنهن حقيقة لان الله سبحانه انما نزلهن منزلت الامهات للمؤمنين في التحريم واستحقاق التعظيم فقط لا منزلة الام بجميع معانيها فان الام الحقيقة هي الوالدة قال الله تعالى ان امهاتهم اللائي ولدنهم وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا.

وكما نزلت زوجات النبي عليه وآله الصلاة والسلام منزلة الام فيما مر فكذلك نزلت المرضعة مع قرابتها في منزلة الام الحقيقة في تحريم المناكحة فقط لا في كل معانيها من التوارث ووجوب الطاعة والنفقة وغيرها.

ولو صح ان يقال ان معاوية خال المؤمنين لصح ان يقال ان حيي بن اخطب اليهودي جد المؤمنين فمن كان معاوية خاله فحيي جده ولكانت بنات ابي سفيان بل وبنات ابي بكر وعمر خالات المؤمنين كيف وهن متزوجات بأبناء اخواتهن ان هذا والله لهو التلاعب بكتاب الله واحكامه ماذا يقول الفقيه فيما لو علق رجل طلاق زوجته بقوله ان كان معاوية خالي اوحيي جدي فزوجته طالقة اتراه يمضيه ويفرق بينهما لااظن قاضيا يتجاسر على ذلك ولا حول ولا قوة الا بالله.

اما كتابة معاويد للنبي صلى الله عليه وآله فصحيحة كما جاءت في صحيح مسلم وفي حديث اسناده حسن ان معاوية كان يكتب بين يدي النبي صلى الله عليه وآله قال المدائني كان زيد بن ثابت يكتب الوحي وكان معاوية يكتب للنبي صلى الله عليه وآله فيما بينه وبين العرب (انتهى) وتلك فضيلة لا تنكر اما كتابة معاوية للوحي والتنزيل فلم تصح ومن ادعى ذلك فليثبت آية نزلت فكتبها معاوية

٢٠٦

اللهم الا ان يأتينا بالحديث الموضوع انه كتب آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبريل هدية لمعاوية من فوق العرش نعوذ بالله من الفرية على الله وعلى امينه وعلى رسوله ذلك وايم الله العار والشنار قل افأنبئكم بشر من ذلكم النار.

ثم ان معاوية بعد ان كتب للنبي صلى الله عليه وآله رجع ناكصا على عقبيه فكتب بيده المظالم والا وامر المحترمة بالسب والبغي والجرائم المحبطة للاعمال وقد كتب قبله للنبي صلى الله عليه وآله عبدالله بن خطل وقد كان يقول ان كان محمد نبيا فاني لا اكتب له الا ما اريد ثم ارتد ولحق بمكة مشركا فلما كان يوم الفتح ضرب عنقه ولم تعصمه الكتابة عما أراده الله له من سوء الخاتمة وشقاوة العقبى في الآخرة ذكر هذا ابن عدي وكتب ايضا قبله عبدالله بن ابي سرح بمكة ثم ارتد وصار يقول كنت اصرف محمدا حيث اريد كان يملي على عزيز حكيم فأقول أو عليم فيقول نعم كل صواب ونزل فيه فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا. واهدر النبي دمه يوم الفتح.

(الشبهة الرابعة)

تولية عمر بن الخطاب رضي الله عنه اياه دمشق الشام واعمالها وابقاؤه واليا عليها حتى قتل عمر رحمه الله وعمر رضي الله عنه من اهل الفراسة الصادقة والنظر الصائب قال انصار معاوية لو كان معاوية غير متأهل للولاية لما ولاه عمرو لو كان ممن يستحق العزل لعزله فدلت توليته وعدم عزله على رضا عمر عن افعاله ورضى عمر منقبة عظيمة (واقول) هذه الشبهة لا توجب توقفا عن سلوك طريق فرقة الحق القائلة بجواز لعنه ووجوب بغضه الثابتين بالادلة الصحيحة كما سبق بل هذه ليست شبهة اصلا فان عمر لا يعلم الغيب

٢٠٧

ولا يطلع على الضمائر حتى لا يولي الا تقيا و لا يستعمل الا نقيا ولا يلزم من مجرد اختياره ثبوت فضيلة ولانفي رذيلة هذا موسى كليم الله (ع) وهو بلا ريب افضل من عمر قد اختار قومه سبعين رجلا لميقات الله فما كان منهم الا ان قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة واخذتهم الرجفة على بوائق معاوية وجرائمه التي بسببها استجيز لعنه ووجب بغضه انما ظهرت بعد زمن عمر وكان معاوية ايام ولايته لعمر يخافه ويهابه وقد ضربه بالدرة على رأسه كما رواه ابن سعد حين دخل عليه في جبة خضراء معجبا بها لكي يضع من تكبره وعاتبه حين دخل الشام على اتخاذه الموكب العظيم واعرض عنه وتركه يمشي راجلا حتى اتعبه ثم سأله عن ذلك فخادعه معاوية بقوله انا في بلاد لا نمتنع فيها من جواسيس العدو فلا بدلهم مما يرهبهم من هيبة السلطان فان امرتني بذلك اقمت عليه وان نهيتني عنه انتهيت فقال عمر لئن كان الذي قلت حقا فانه رأى اريب ولئن كان باطلا فأنها خدعة اديب وقد كان عمر رضي الله عنه يقول من خدعنا في الله انخدعنا له الا ترى انه بلغه عن احد عمله انه يقول من ابيات له.

اسقني شربة الذ عليها

واسق بالله مثلها ابن هشام

فأستدعاه عمر إلى المدينة وعرف العامل السبب فتهيأ للخداع ولما حضر قال : له عمر رضي الله عنه هيه اأنت القائل اسقني شربة. البيت السابق قال : نعم يا امير المؤمنين وهل اسمعك الساعي ما بعده قال لا فما هو قال :

عسلا باردا بماء قراح

انني لا احب شرب المدام

قال إذا كان هكذا فأرجع إلى عملك وذكر أبو جعفر الطبري من حديث عبدالله بن محمد عن ابيه في ذكر مراجعة علي لعثمان رضي الله عنهما قال : قال عثمان انشدك الله يا علي هل تعلم ان المغيرة بن شعبة ليس هناك

٢٠٨

قال نعم قال فتعلم ان عمر ولاه قال نعم قال فلم تلومني ان وليت ابن عامر في رحمه وقرابته قال : علي سأخبرك ان عمر بن الخطاب كان كل من ولى فأنما يطأ على صماخه ان بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به اقصى الغاية وانت لا تفعل ، ضعفت ورفقت على اقربائك قال : عثمان اقرباؤك ايضا فقال لعمري ان رحمي منهم لقريبة ولكن الفضل في غيرهم قال : عثمان هل تعلم ان عمر ولى معاوية خلافته كلها فقد وليته فقال علي انشدك الله هل تعلم ان معاوية كان اخوف من عمر من يرفا غلام عمر منه قال نعم قال علي فان معاوية يقتطع الامور دونك وانت تعلمها فيقول للناس هذا امر عثمان فيبلغك ولا تغير على معاوية (انتهى) واليك واقعة من وقائع عمر رضي الله عنه تدلك على انه لو كان عمر يعلم ادنى شئ مما يصير إليه معاوية من البغي والفساد وارتكاب الجرائم وتفريق الامة لما ولاه ساعة واحدة على شبر من الارض فيه مسلم واحد.

قال ابن ابي شيبة حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال حدثني غير واحد ان قاضيا من قضاة الشام اتى عمر فقال يا امير المؤمنين رأيت رؤيا افظعتني قال : ماهي قال رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين قال : فمع ايهما كنت قال : كنت مع القمر على الشمس فقرأ عمر وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة انت مع الآية الممحوة فأنطلق فوالله لاتعمل لي عملا أبدا قال عطاء فبلغني انه ـ يعني القاضي المعزول ـ قتل مع معاوية بصفين (انتهى) افترى عمر رضي الله عنه إذ لم يرض بأستعمال رجل دلت رؤياه على انه من حزب معاوية إذ هو الآية الممحوة كما ظهر بمقتل ذلك القاضي يرضى بأستعمال وتولية رئيس تلك الفئة الباغية وامامها ومغويها كلا والله غير ان الله سبحانه وتعالى استأثر بعلم الغيب وحجبة عن عباده الا من شاء الله فيما شاءه جل شأنه.

٢٠٩

على انا نقول ان علم رضي الله عنه بفجور معاوية لو كان عالما به وهو مالا نظنه لا يكون ما نعا من توليته إذا رأى فيه نوع مصلحة عامة فقد عزل سعد بن ابي وقاص عن الكوفة ثم ولي عليها المغيرة بن شعبة وقد روي كما ذكره صاحب الفائق وغيره ان حذيفة قال لعمر رضي الله عنهما انك تستعين بالرجل الفاجر فقال اني استعمله لاستعين بقوته ثم اكون على قفاه وذكر ايضا ان عمر رضي الله عنه قال غلبتي اهل الكوفة استعمل عليهم المؤمن فيضعف واستعمل عليهم الفاجر فيفجر (انتهى).

(الشبهة الخامسة)

تتابع الاكثر من علماء اصحابنا الاشاعرة والما تريدية مددا طويلة ى القول بتعديل معاوية والسكوت عن ذكر مثالبه وتأويلها أو حملها علم المحامل الحسنة وانكار ما يمكن انكاره منها وهذه الشبهة انما هي عند المقلدين والعوام وهي النقطة السوداء في مذهب اهل السنة وهي اشد الشبه أضرارا بهم واستحكاما في عقائدهم وتمكنا منهم حتى صاروا يعتبرون من لعن معاوية أو ذكر شيئا من بوائقه مبتدعا وفاسقا لا يصغون إلى سماع دليل ولا يلتفتون إلى نقل وان كان صحيحا لا تظهر منهم لدى البحث الا بوادر الحفق وسورات الغضب.

يا مرسل الريح جنوبا وصبا

ان غضبت قيس فزدها غضبا

قصارى ما عند العالم منهم ان يقول لك عند البحث ان أيمة السنة وقادة الجماعة كابى الحسن الاشعري وابي منصور الما تريدي ومن بعدهما كالباقلاني والسبكي والغزالي والعضد والدواني والنسفي والنووي وهلم جرا كلهم من العلم والتحقيق وسعة الاطلاع بالمنزلة السامية وكل هؤلاء يستحسن تولي معاوية ويأمر بالسكوت عن ذكر مثالبه ويتأولها له وينهي عن لعنه وسبه ولو لم يكن لهم دليل على ذلك لما قالوه ولسنا باعلم منهم

٢١٠

حتى نخالفهم ونصنع غير الذي صنعوا.

والجواب عن هذا اننا لاننكر فضل هؤلاء الرجال وعلو مقامهم من العلم والتحقيق والديانة والورع نستمد من علومهم ونتبع آثارهم ونقتبس من انوارهم ونعتقد حسن نياتهم ونبل مقاصدهم ولكنا مع هذا نقول انهم ليسوا بمعصومين عن الهفوات فلا حجة في اقوالهم ولا نجاة باتباعهم الا فيما وافق الحق مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن اكابر اصحابه واما ما خالفوا باجتهادهم فيه الطائفة الاولى والنقل الصحيح من توليهم معاوية والترضي عنه ان صح عنهم وتعديله والتزام تأويل قبائحه فلا يلزمنا قبوله اذلا يسوغ لمن عرف الحق اتباعهم ولا تقليدهم في شئ من ذلك وقد مرت بك الادلة التي تشبثوا بها من الصحبة وغيرها في الشبه الاربع السابقة ومر بك ايضا بيان عدم نهوضها بمدعاهم في معارضة ادلة الفرقة الاولى في جواز لعنه ووجوب بغضه وبيان حاله للتحذير منه وقد مر في صدر هذه الرسالة ذكر كثير منهاكما رأيته من عمومات الاحاديث ومن لعن كثير من الصحابة له وسبهم اياه واعلان بغيه وفجوره وكيف يسوغ لطالب الحق ان يضرب صفحا عن تلك الادلة القوية ويتبع ماقاله المتأخرون وهو يعرف ان لامستند لهم فيما قالوا الامامر كما صرحوا بذلك (فان قيل) انك معترف بان هؤلاء لذين ذكرت اوسع منك علما واقوى منك ادراكا واكثر اطلاعات منك على الادلة واقدر منك على تأليف المقدمات واطلاع النتائج وهم اتقى الله منك فيكونون حينئذ اسرع منك اذعانا للحق واجدر باصابة الصواب ومع هذا فانهم لم يذكروا ما ذكرت ولم يصرحوا به كما صرحت فما هو السبب الذي قيدهم واطلقك واسكتهم وانطقك.

قلت السبب هو حرية فكري في استنباط الحق وحرية قولي في اعلانه وسجنهم افكارهم واقوالهم وتقييدها بقيود التقليد وغلها باغلال الانتصار

٢١١

للمذهب ولا ريب ان احرار الفكر والقول قليلون جدا لان الانسان مهما كان ذكيا وعالما فضلا عن الجاهل والبليد لابد ان تطرق سمعه وتحتل ذهنه من حال صغره قضايا ومقدمات تؤثر في دهنه وتنطبع في وجدانه وترسخ فيه بتكرر تعاورها عليه فتجعل بينه وبين ما يخالفها غشاوة تحجب الفكر عن النظر فيه اصالة بل ربما صارت اعتقادا مظنون الصدق فلا يتجاوز الفكر ذلك الاعتقاد ولا يحكم الا بما يوافقه.

ولا شك ان هؤلاء الافاضل قد اطلعوا على جميع ما ذكرت من الادلة القرآنية و النبوية ولكنهم لم يبيحوا لافكارهم الاستنتاج منها الا بالمقدار الذي يوافق عقائدهم الراسخة في اذهانهم مما تلقوه عن مقلديهم وتهيبوا مع ذلك عن مخالفتهم الراسخة في اذهانهم مما تلقوه عن مقلديهم وتهيبوا مع ذلك عن مخالفتهم مع اتساع المجال لهم بالتأويل الذي سكنت إليه نفوسهم لمطابقته معتقداتهم ولو ان اولئك الفضلاء اطلقوا لافكارهم عنان الحرية واستنبطوا احكام القضايا التي ذكرناها من مصادرها الاولية من الآيات والاحاديث مع تخلية الذهن عما علق به من غيرها وتجريده عما رسخ فيه من اقوال من تقدمهم التي لاحجة بها ولا التفات إليها في مقابلة قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وآله لحكموا قبلي بما حكمت وقالوا كلهم بما قلت على اني لم آت بدعا من القول ولا جديدا من الاعتقاد بل انا مسبوق في كل ما قلته باقوال كثيرين هم اتقى لله واورع واجل وافضل واعلم من اولئك الذين سكتوا عما ذكرت ولم يصنعوا كما صنعت ولكل وجهة هو موليها.

نعم ان كثيرامنهم قد آتاه الله حرية الفكر ولم تتغلب عليه تلك العوامل التي تغلبت على غيره ولكن لم يؤته الله حرية القول قتراه يسكت عن ما يراه صوابا ولا يستطيع الجهر به تهيبا من ذي شوكة أو مداراة للعامة ويتخذ حسن الظن بمن تقدمه عذرا له في سكوته بل قد صرح بعضهم بهذا فقال هكذا وجدنا اقوال كثير من السلف فاحسنا بهم الظن وقلنا كما قالوا ولعل

٢١٢

لهم دليلا لم نطلع عليه فهذا هو السبب الذي قيدهم واطلقني واسكتهم وانطقني وآلافة كل الآفة هو التقليد الاعمى والله اعلم.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الصارم المسلول قال ابو طالب المشكاتي قيل للامام احمد ان قوما يدعون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان قال اعجب لقوم اسمعوا الحديث وعرفوا الاسناد وصحته يدعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره قال الله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم.

وقال بعض العلماء لو اجتمع مجتهدوا الارض كلهم على قول وكان النبي يقتضى خلافه فالحق قول النبي عليه السلام واجماع المجتهدين في مقابله كضرطة بعير في فلاة.

وقال السيد الآلوسي في جلاء العينين نقلا عن ابن تيمية قال قد كان بعض الناس يناظر ابن عباس في المتعة فقال له قال ابو بكر قال عمر فقال ابن عباس يوشك ان تنزل عليكم حجارة من السماء اقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وتقولون قال ابو بكر قال عمر (انتهى).

قلت ولم يقل ابن عباس ان ابا بكر وعمر كانا اعلم مني وافضل ولو لم يكن لهما دليل على قولهما لما قال ثم قال ولو فتح هذا الباب لوجب ان يعرض عن امر الله تعالى وعن امر رسوله صلى الله عليه واله وسلم ويبقى كل امام في اتباعه بمنزلة النبي في امته وهذا تبديل للدين وشبيه بما عاب الله به النصارى في قوله : اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله (انتهى).

ووجه المشابهة في هذا ظاهر إذ من المعلوم ان النصارى لم يعبدوا الاحبار ولا الرهبان وانما اتخذوا مجرد اقوالهم حجة يتدينون بها فعابهم الله بذلك الفعل وسماه عبادة.

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في اعلام الموقعين ان فتاوى الصحابة

٢١٣

اولى ان يؤخذ بها من فتاوى التابعين وفتاوى التابعين اولى من فتاوى تابعي التابعين وهلم جرا وكلما كان العهد بالرسول اقرب كان الصواب اغلب ثم قال ولعله لا يسع المفتي والحاكم عند الله أن يفتي ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الائمة ويأخذ برأيه وترجيحه ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري واسحاق بن راهويه وعلي بن المديني وامثالهم بل لا يلتفت إلى قول ابن ابي ذئب والزهري والليث بن سعد وامثالهم بل لا يعد قول سعيد ابن المسيب والحسن وجعفر بن محمد والقاسم وسالم وعطاء وطاووس وامثالهم مما يسوغ الاخذ به بل يرى تقديم قول المتأخرين من اتباع من قلده على فتوى ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وذكر عددا من الصحابة ثم قال فلا ندري ما عذره غدا إذا سوى بين اقوال اولئك وفتاويهم فكيف إذا رجحها عليها فكيف إذا عين الاخذ بها حكما وافتاء ومنع الاخذ بقول الصحابة واستجاز عقوبة من خالف المتأخرين لها وشهد عليه بالبدعة والضلالة ومخالفته اهل العلم وانه يكيد الاسلام تالله لقد اخذ بالمثل المشهور رمتني بدائها وانسلت (انتهى).

أما قوله انا لسنا باعلم من اولئك العلماء حتى نخالفهم ونصنع غير ما صنعوا فقول لا يقبل ممن يمكنه البحث والنظر في الادلة ومواقع الصحة والضعف فيها وما ابعد هذا إذا اهمل ذلك عن مراتب الرجال وما اعجزه عن نيل صفة الكمال قال الشاعر :

ولم ارى في عيوب الناس عيبا

كنقص القادرين على التمام

بل هو قول العاجز الوكل والجاهل المقلد الواضع نفسه موضع الصبي لدي كافله والمرأة في قبضة وليها والاعمى في يد قائده على انا نلزمهم ايضا بانهم ومقلديهم ليسوا باعلم ممن لم يسكت عن معاوية بل اوجب بغضه واستجاز لعنه واعلن قبائحه وبين سوء سيرته فكيف خالفوهم وصنعوا غير

٢١٤

الذي صنعوا ولو فرضنا ان الامر راجع إلى التقليد فقط فانا نقول لهم انكم لن تجدوا في جميع علمائكم الذين تقلدونهم من يداني أو يقارب امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه علما وعملا وورعا واحتياطا في الدين وحرصا على الحق وسابقة في الاسلام واقواله في معاوية وسبه ولعنه اياه وكشفه قبائحه وتحذيره من متابعة ضلاله مشهور متواتر وقد قدمنا طرفا من ذلك فهلا قلدتموه واتبعتم ما قاله اوليس هو اولى بالتقليد من اولئك العلماء الذين قلدتموهم واجدر بمعرفة الحق منهم ويحكم اتظنون اصابة مقلديكم وخطأ باب مدينة العلم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وامثاله من كبار الصحابة وكبار التابعين ان هذا والله لهو الخبط والغباوة وخدع النفس والهوى اليس قد جاء عن المعصوم صلى الله عليه واله وسلم في حق علي عليه السلام ما يدل صريحا على انه لا يفارق الحق في اقواله وافعاله واعماله كلها حتى ادعى له العصمة بسبب ذلك جماعة من اهل البيت الطاهر ولنذكر طرفا منهما تقوم به الحجة على الخالفين وتطمئن إليه نفوس الموافقين.

اخرج الحاكم والطبراني في الاوسط عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال علي مع القرآن والقرآن مع علي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض.

واخرج الطبراني والحاكم وابو نعيم عن زيد بن ارقم من حديث وفيه : فانه ـ يعني عليا ـ لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلال واخرج ابو نعيم في الحلية عن حذيفة انه صلى الله عليه واله وسلم قال ان تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم واخرج الديلمي عن عمار بن ياسر وابي ايوب بلفظ : يا عمار ان رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فأسلك مع علي واخرج الحاكم عن ابي ذر انه صلى الله عليه واله وسلم قال من فأرق عليا فارقني ومن فارقني فقد فارق الله (واخرج) الديلمي عن ابي ذر انه صلى الله عليه واله وسلم قال يا علي انت تبين للناس

٢١٥

ما اختلفوا فيه من بعدي (واخرج) الطبراني عن سلمان من حديث قال فيه صلى الله عليه واله وسلم هذا فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل يعني عليا (واخرج) نحوه الطبراني عن ابي ذر وابن عدي والعقيلي عن ابن عباس (واخرج) ابو يعلي وسعيد بن منصور عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحق مع ذا الحق مع ذا يعني عليا (واخرج) الخطيب عن انس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا وهذا حجة على امتي يوم القيامة يعني عليا (واخرج) الحاكم في المستدرك عن علي ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ان لله سيهدي قلبك ويثبت لسانك (واخرج) أبو نعيم في الحلية عن ابي بردة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ان عليا راية الهدى وامام الاولياء ونحو هذه الاحاديث كثيرة وهي وان لم تقتض العصمة لعلي على قول الجمهور لكنها تدل دلالة قوية على انه لا يفارق الحق وعلى انه اعلم الصحابة حتى انه لم ينقل انه استفتى احدا من الصحابة في مسألة مامع ان رجوع اكابر الصحابة إلى اقواله في المشكلات مشهور ومستفيض إلى قول ابن عباس ان عليا احرز تسعة اعشار العلم ووالله لقد شاركنا في العاشر وإذا كان كذلك فلم لا يكون تقليده احق واصوب من تقليد فلان وفلان ولكن على من تقرأ زبورك يا داود انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا اولوا مدبرين وما انت بهادي العمي عن ضلالتهم ان تسمع الا من يؤمن باياتنا فهم مسلمون.

ولربما يقول القائل انه نقل ايضا عن بعض السلف من اهل القرن الثاني والثالث القول بتعديل معاوية في الرواية وان السلامة متيقنة في السكوت عنه وهذا هو قول الاشعري والما تريدي.

فنقول اما القول بتعديله فقد مر الجواب عنه في الشبهة الاولى واما القول بان السلامة متيقنة في السكوت عنه فليس مراد القائلين بذلك السكوت

٢١٦

عن تخطئته وعن اثبات لغيه وتحقيق ظلمه وجوره فانهم انفسهم لم يسكتوا عن شئ من ذلك وهم الذين اجمعوا على تخطئته وبغيه وبينوا فضائحه وقبائحه وملاؤا بذلك مسنداتهم وشحنوا بها تواريخهم فلم يبق الا ان يكون مرادهم السكوت عن لعنه أو سبه أو عنهما معا.

اما لعنه فقد قدمنا في صدر الرسالة بيان مشروعية لعن من استحق اللعن باحد مسوغاته مما تلبس معاوية بالاكثر منها فيكون لعنه مطلوبا تأسيا برسول الله وبملائكته وعملا بما جاء في كتابه تعالى من ذلك كيف وقد قال جل شأنه اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاغنون اليس هذا في حقنا خبرا بمعنى الامر كما في قوله عزوجل والمطلقات يتربصن ونحوه على ان التأسي وحده كاف في طلبه وحاشا من ذكرتم من السابقين ان ينهى عن امر شرعه الله تعالى وكرره في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله ولو سلمنا ان احدا منهم نهى عنه فلا اعتبار لكلام احد في مقابلة كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام فنحمل حينئذ اجلالا لمقامهم نهيهم عن ذلك على النهي عنه عند خوف الفتنة كما هو الغالب في الازمان السابقة أو على النهي عن لعن من لم يستحق اللعن اجمالا وهذا حق وصحيح فتعين كون مرادهم السكوت عن سبه لا تقرير قبائحه والرضا بها ونحن تنابعهم على ذلك ونعلم ان لا اثم فيه ولا فائدة إذا لم تدع إليه مصلحة وهي هنا موجودة (١) ولكنا لا نوافق من تجاوز ذلك من المتأخرين إلى ما لم يأمر به السلف من مدحه واطرائه بما ليس فيه والترضي عنه واعلان حبه والانكار على من اورد شيئا من مثالبه لاقامة حجة أو بيان محظور فمن مدحه أو ترضى عنه أو احبه وادعى انه متأس في ذلك بالسلف الاول فقد افترى عليهم (فقد) اورد ابن عبدالبرفي

__________________

(١) هي اولا امتثال قول الله تعالى ليبيننه للناس ولا يكتمونه ثانيا ارشاد جهلة المقلدين إلى الحق رجاء رجوعهم إليه ثالثا رفع التهمة التي يلصقها الخصم بنا من تقدبمنا اقوال علمائنا على النصوص الصريحة.

٢١٧

الاستيعاب بسند معتبر عن سفيان الثوري عن ابي قيس الاودي قال ادركنا الناس وهم ثلاث طبقات اهل دين يحبون عليا واهل دنيا يحبون معاوية والخوارج (انتهى).

هكذا كان السلف فاين هي الطبقة الرابعة من السلف التي تحب عليا ومعاويا كليهما اننا لو فتشنا وتقصينا لم نجد واحدا من جلة الصحابة والتابعين يحب معاوية كما يحبه اليوم المنتسبون إلى الاشعري والما تريدي ويصوب افعاله كما صوبها هؤلاء أو يتأولها له كما تأولوا وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون.

نسألك اللهم هداية وتوفيقا لنا ولهذه العصائب المتعصبة ليتهم حيث اطمأنت نفوسهم إلى معاوية استحسان مساوية وهشت افئدتهم إلى خلاف علي عليه السلام وحزبه سلكوا سبيلا من الانصاف ولو ضيقا فأن من المقرر الثابت في اصولهم انه لا يجوز الانكار على من ارتكب مختلفا فيه كما نص عليه القسطاني والاصوليون ثم انهم لم يجعلوا الخلاف امير المؤمنين عليه السلام واكابر الصحابة في هذه المسألة حظا من النظر في مقابلة قول الاشعري والما تريدي بل اسقطوا قوله وقول من موافقه عن درجة الاعتبار فلم يعدوا قوله خلافا اصلا وصاروا ينكرون اشد الانكار على من قال : بقوله وعمل بعمله في هذه المسألة وإذا قلت لهم تعالوا إلى ما انزل الله والى الرسول لم يستحيوا ان يجيبوك بقولهم حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا افلا يتوبون إلى الله ويستغفرون والله غفور رحيم.

وإذا البينات لم تغن شيئا

فالتماس الهدى بهن عياء

وإذا ضلت القول على

علم فماذا تقوله النصحاء

يتجح اناس من انصار معاوية ويحتجون بأن القول بتعديله ووجوب تأويل قبائحه وجواز حبه وتسويده هو قول الجم الغفير من المحدثين ثم

٢١٨

من اتباع الاشعري والماتريدي وان هؤلاء هم الجماعة والسواد الاعظم المأمور بلزومهما عند الاختلاف كما جاء في الحديث الشريف فأغتروا بذلك وظنوا الكثرة عاصمة عن الخطاء وملازمة للحق وان كانت ادلة الاقل اقوى وحجتهم اظهر واوضح وهيهات هيهات ان السواد الاعظم والجماعة هو من كان على الحق ولو واحدا كما قدمنا ذلك عن سفيان الثوري رحمه الله. قال ابن القيم رحمه الله في اغاثة اللهفان قال ابو محمد عبدالرحمن ابن اسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع حيث جاء الامر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وان كان المتمسك به قليلا والمخالف له كثيرا لان الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الاولى من عهد النبي صلى الله عليه وآله واصحابه ولا نظر إلى كثرة اهل الباطل بعدهم قال عمرو بن ميمون الاودى صحبت معاذا باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام ثم صحبت بعده افقه الناس عبدالله بن مسعود رضى الله عنه فسمعته يقول عليكم بالجماعة فان يد الله على الجماعة ثم سمعته يوما من الايام وهو يقول سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فأنها لكم نافلة قال قلت يا اصحاب محمد ما ادرى ما تحدثونا قال : وما ذاك قلت تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول صل الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة قال يا عمرو بن ميمون قد كنت اظنك من افقه اهل هذه القرية. تدري ما الجماعة؟ قلت لاقال : ان جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة. الجماعة ما وافق الحق وان كنت وحدك وفي طريق اخرى فضرب على فخذي وقال : ويحك ان جمهور الناس فارقوا الجماعة وان الجماعة ما وافق طاعة الله عزوجل قال نعيم بن حماد يعني إذ افسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل ان تفسد وان كنت وحدك فأنك انت الجماعة حينئذ ذكره البيهقي وغيره وقال فيه سئل

٢١٩

بعض اهل العلم عن السواد الاعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الاعظم فقال محمد بن اسلم الطوسي هو السواد الاعظم قال : وصدق والله فان العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة وهو الاجماع وهو السواد الاعظم وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى واصلاه جهنم وساءت مصيرا (انتهى).

على اننا لا نسلم معاوية ما ادعوه من ان المحدثين والاشاعرة والماتريدية هم جمهور هذه الامة واكثرها بل ولانسلم لهم ان جميع من ذكروه قائل بما زعموه في حق معاوية معتقد صحته.

اما المحدثون فانا لم نجد الا عن القليل منهم تصريحا بما زعم هؤلاء من تعديل معاوية وتأويل بعض قبائحه والآلاف المؤلفة منهم اما ناقمون عليه أو ساكتون عنه بسبب ما يقتضيه زمانهم وما اشتمل علهى من فتن بني امية ومظالهم.

واما الاشاعرة والماتريدية فالكثير منهم بل الاكثر ناقمون في انفسهم على هذا التعديل والتأويل متأففون من هذه الاقوال متبرمون من هذه التحملات نافرة قلوبهم من ذلك الطاغية وموبقاته وجرائره معرضون عن ذكره جملة.

أما الخاصة منهم فيما اطلعوا عليه من الدلائل القوية على بطلان ما حرره مقلدوهم وضعف ما استند إليه سابقوهم واما العامة منهم فيما دعتهم إليه الفطرة الايمانية وساقتهم نحوه الالهامات الربانية وهل بعد هذا يصح ان يقال ان السواد الاعظم هو القائل بتعديل معاوية وامثاله والموجب تأويل قبائحه والمثبت له أجر الاجتهاد على فعل المنكرات لابل السواد الاعظم والجماعة هم فئة الحق المفسقون له والمانعون من تعظيمه والقائلون بجواز لعنه بما اكتسب من موجبات اللعن والمصرحون بوجوب بغضه لمحادته لله

٢٢٠