النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي

النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

المؤلف:

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

مخالفة الكتاب والحديث بعدم اعطائه حقه من الفحص والتحقيق اكبر واعظم من مخالفتنا العلماء في ذلك بل مخالفتنا لهم في ذلك انما تعد فضيلة واتباعا للرسول صلى الله عليه وآله ولهم ايضا وقد ضرب ذلك الفاضل مثلا لعلي عليه السلام ولمعاوية بقوله شعرا.

كاشمس في الافق الاعلى ابو حسن

ومن معاوية في الارض قنديل

واراه قد اخطأ في هذا التمثيل لانه لا يلائم الواقع ولا يطابقه اما تمثيله عليا بالشمس فحق وصواب لانه باب مدينة علم المصطفى والمهتدون به كالمهتدين بنور الشمس واما تمثيله معاوية بالقنديل بالنسبة إلى نور على فخطأ لان معاوية كان يعارض عليا ويسبه ويكذبه ويحاول اطفاء ذلك النور الذي مثله بالشمس ولا كذلك القنديل بالنسبة للشمس فان القنديل ليس له ادنى طمع ولا قوة في تقليل ضوء الشمس ولكنه ضعف نوره عن نورها فأختفى وهذا التمثيل يمكن ان يصح لعلي عليه السلام مع احد اعراب الصحابة وعوامهم اما معاوية فيصح تمثيله مع نور علي بدخان كثيف تصاعد من مزبلة وانتشر انتشارا عظيما فأصاب عيونا رمدا واعشاها عن الاهتداء بذلك النور ولم يؤثر تراكم ذلك الدخان على الاعين الصحيحة النظر ثم تمزق ذلك الدخان المتراكم وصار هباء منثورا ولكنه ابقى آثارا في تلك الاعين المريضة ولا حول ولا قوة الا بالله.

قلت وهذا المؤلف الفاضل هو من محبي اهل البيت واني والله اتمنى له زوال تلك البقية الباقية في صدره من موالاة عدو الله وعدو رسوله واهل بيته وطرحه جانبا كما امر الله حتى يصفو له وداده للنبي عليه السلام ولاهل بيته وتخلص محبته لهم من شائبة محبة اعدائهم ويغسل قلبه من موالاة اولئك العتاه الفجر المحادين لله ورسوله فيكون حينئذ خالصا مخلصا محشورا ان شاء الله في حزب محمد وعلي واهل البيت بعيدا عن معاوية واحزابه والله

١٦١

يتولى الجميع بهداه.

المقام الثاني في بيان فساد الشبه التي توقفت بسببها الفرقة الثانية عن استباحة لعنه واعلان بغضه وتحريم موالاته كما سترى جميع ذلك موضحا ان شاء الله تعالى.

الشبهة الاولى وهي اعظم الشبه القائمة عند تلك الفرقة المتوقفة عن القول بجواز لعنه وسبه ووجوب بغضه وربما استحسنت بسببها تسويده والترضى عنه تعظيما له وهي الامر الذي دندن حوله انصار معاوية وبنوا عليه العلالي والقصور وزاد الطنبور نغمة والطين بلة اصلاح اكثر المحدثين والاصوليين على ان الصحابي هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وآله مؤمنا ومات على الايمان وقول الكثير منهم بعدالة من سموه بهذا المعنى صحابيا ولو شرب الخمر وقتل النفس وزنى وسرق واكل اموال الناس بالباطل وحاد الله ورسوله وعاث في الارض فسادا وارتكب كل كبيرة واوجبوا تأويل سيئاتهم وحملها على محمل حسن.

إذا قلت فأعلم ما تقول ولا تكن

كحاطب ليل يجمع الدق والجز لا

وها انا ابين لك معنى الصحبة لغة وعرفا واذكر ما يترتب عليها من فضل وحكم واقرر من كتاب الله تعالى وحديث نبيه عليه وآله الصلاة والسلام بطلان ما عللوا به تعديلهم من ارتكب الكبائر ممن سموه صحابيا واكشف لك الغطاء عما ستره الكثير من ان معاوية عار عن الفضائل الواردة عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله في فضل اصحاب محمد عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام حتى يعرف الحق طالبه.

فأقول الصحبة لغة هي المعاشرة قال : في القاموس صحبه كسمعه صحابة ويكسر وصحبة بالضم عاشره انتهى وتطلق على المعاشرة في الزمن القليل والكثير وقد يخصها العرف العام بمزيد الملازمة والنصرة والمؤازرة والاختصاص

١٦٢

فالصاحب للنبي صلى الله عليه وآله ومثله غيره هو من عاشره سواء كان مسلما أو كافرا برا أو فاجرا تقيا أو فاسقا كما اقتضته لغة العرب وقامت عليه الشواهد من القرآن والحديث وكلام العرب لاكما اصطلح عليه المحدثون من تخصيص اسم الصاحب بالمسلم فقط ومن حيث ان صدق الصاحب على المعاشر المسلم لا نزاع فيه فلا حاجة إلى تجشم ايراده الادلة عليه.

(ودونك) ادلة صدق اسم الصحبة بين المسلم والكافر فضلا عن الفاسق والمنافق قال الله تعالى مخاطبا لمشركي قريش ما ضل صاحبكم وما غوى (وقال) جل شأنه قل انما اعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادي تتفكروا ما بصاحبكم من جنة (وقال) تعالى واملي لهم ان كيدي متين اولم يتفكر وما بصاحبهم من جنة (وقال) عز شأنه فقال لصاحبه وهو يحاوره انا اكثر منك مالا واعز نفرا (وقال) جل جلاله قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا وكان احدهما مؤمنا والآخر كافرا (وقال تعالى) كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران له اصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا (وقال) عزوجل وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا وقال : النبي صلى الله عليه وآله حين سئل ان يقتل رأس المنافقين عبدالله بن ابي لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه وكذلك قال : في قصة الرجل الذي قال : لما قسم غنائم حنين ان هذه لقسمة ما اريد بها وجه الله فقال عمر دعني يا رسول الله اقتل هذا المنافق فقال معاذ الله ان يتحدث الناس اني اقتل اصحابي.

(ويعلم) مما ذكرنا ان مجرد الصحبة لغة لا يختص بمسلم ولا بكافر وان الربح والخسران للمسلم في صحبة النبي صلى الله عليه وآله انما هو في احسان الصحبة واساءتها والصحبة النافعة ما قارنها التعظيم والانقياد له صلى الله عليه وآله وسلم والحب والاتباع كصحبة العشرة المبشرة والسابقين الاولين

١٦٣

من المهاجرين والانصار وأهل بدر واهل بيعة الرضوان ومن احسن احسانهم وعمل كعملهم رضي الله عنهم اجمعين والصحبة الضارة ما قارنها الخداع والنفاق والعداء له عليه السلام ولاهل بيته وارتكاب المخالفات بعده واقتراف الكبائر كصحبة عبدالله بن ابي وثعلبة والحكم بن ابي العاص والوليد بن عقبة وحبيب بن مسلمة ومعاوية وعمرو بن العاص وسمرة بن جندب وبسر بن ارطاة وذي الثدية الخارجي والمغيرة بن شعبة وامثالهم (والثواب والعقاب) والاجر والاصر مرتب على تلك الافعال فمن احسن فله الحسنى ومن اساء فعلية ما اكتسب من الاثم ومن خلط واحسن واساء فله ثواب ما احسن فيه وعقاب ما اساء به والموازنة في ذلك بحسب عظم الفعل وصغره ونية فاعله وتوبته واصراره ومرجع ذلك كله إلى الله قال الله تعالى للذين احسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قترو لاذلة اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم كأنما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون.

(ويشهد) لذلك ما جاء في حق خيار الصحابة من المبشرات والفضائل العظيمة والوعد بالحسنى كما سيأتي كثير من ذلك وما جاء في حق المحدثين والمسيئين والمنافقين منهم خاصة من الوعيد الشديد.

(فمن) ذلك ما اخرجه ابن عساكر عن ابي بكرة من حديث حدث به معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليردن علي الحوض رجال ممن صحبني ورآني فإذا رفعوا الي ورأيتهم اختلجوا دوني فأقول رب اصحابي وفي لفظ اصيحابي فيقال لا تدري ما احدثوا بعدك.

(واخرج) البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال : قال النبي (ص) انا فرطكم على الحوض ليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا اهويت لاناولهم

١٦٤

اختلجوا دوني فأقول اي رب اصحابي فيقول لا تدري ما احدثوا بعدك (واخرج) في صحيحه ايضا عن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول انا فرطكم على الحوض من ورد شرب منه ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ليردن على اقوام اعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم قال : ابو حازم فسمعني النعمان بن عياش وانا احدثهم هذا فقال هكذا سمعت سهلا فقلت نعم قال : وانا اشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال انهم مني فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي.

واخرج ابن عساكر ويعقوب بن سفيان عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله اني فرطكم على الحوض انظر من يرد علي منكم فلا القين ما توزعت في احدكم فأقول هذا مني وفي لفظ من امتي وفي لفظ من اصحابي فيقال انك لا تدري ما احدث بعدك فقلت يارسول الله ادع الله ان لا يجعلني منهم فقال انك لست منهم.

ونقل ابن عبد البر في الاستيعاب واخرجه احمد في المسند عن ام سلمة رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وآله ان من اصحابي من لا اراه ولا يراني بعد ان اموت أبدا قال فبلغ ذلك عمر فأتاها يشتد ويسرع فقال انشدك الله انا منهم قالت لا ولن ابرئ بعدك احدا (واخرج) احمد في المسند والطبراني في الكبير وبو نصر السبحزي في الابانة عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال انا آخذ بحجزكم اقول اتقوا النار واتقوا الحدود فإذا مت تركتكم وانا فرطكم على الحوض فمن ورد فقد افلح فيؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب امتي فيقول انهم يزالوا بعدك يرتدون على اعقابهم (وفي) رواية للطبراني في الكبير بعد قوله يا رب امتي فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك مرتدين على اعقابهم.

واخرج أبو داود الطيالسي واحمد في المسند وعبد بن حميد وابو يعلي

١٦٥

والحاكم في المستدرك وابن ابي شيبة عن ابي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال الا ما بال اقوام يزعمون ان رحمي لا تنفع والذي نفسي بيده ان رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة الا واني فرطكم ايها الناس على الحوض الا وسيجئ اقوام يوم القيامة فيقول القائم منهم انا فلان بن فلان فأقول اما النسب فقد عرفت ولكنكم ارتددتم بعدي ورجعتم القهقرى (واخرج) الديلمي عن انس رضي الله عنه اياك وصاحب السوء فأنه قطعة من النار لا ينفعك وده ولا يفي لك بعهده.

اما ما ذكره اكثر المحدثين والاصوليين من اشتراط الايمان في اسم الصحابي وموته عليه فذاك اصطلاح خاص لهم ولا مشاحة في الاصطلاح فلا منازع لهم فيه وان نازع بعضهم بعضا إذ لا يترتب على تخصيصهم الصاحب بالمسلم امر محذور.

واما تعديلهم كل من سموه بذلك الاصطلاح صحابيا وان فعل ما فعل من الكبائر ووجوب تأويلها له فغير مسلم إذ الصحبة مع الاسلام لا تقتضي العصمة اتفاقا حتى يثبت التعديل ويجب التأويل على انهم اختلفوا في ذلك التعديل اختلافا كثيرا والجمهور هم القائلون بالعدالة.

قال في جمع الجوامع وشرحه والاكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة لانهم خير الامة قال صلى الله عليه وآله خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ومن طرأ له منهم قادح عمل بمقتضاه (وقيل) هم كغيرهم فيبحث عن العدالة فيهم الا من يكون ظاهر العدالة أو مقطوعها (وقيل) هم عدول إلى حين قتل عثمان ويبحث عن عدالتهم من حين قتله لوقوع الفتن بينهم حينئذ ومنهم الممسك عن خوضها (وقيل) هم عدول الا من قاتل عليا فهم فساق لخروجهم على الامام الحق (ورد) بأنهم مجتهدون في قتالهم له فلا يأثمون وان اخطأوا بل يؤجرون (انتهى بحروفه).

١٦٦

وهل هذه الخيرية بحسب الافراد أو بحسب المجموع لحا الجمهور إلى الاول والآخرون إلى الثاني.

قلت قد اعترض على استدلال الجمهور بهذا الحديث بأنه لا ينهض بمدعاهم لان الخيرية التي حاولوا بها اثبات عدالة كل الصحابة شاملة لمن كان في قرنه عليه السلام من المسلمين غير الصحابة فيلزمهم القول بعدالتهم كما قالوا بعدالة الصحابة وان كل فرد من اهل القرن الاول يكون اعدل وافضل من الحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وامثالهم من اهل القرن الثاني واللازم باطل فبطل الملزوم ويلزمهم ايضا تفضيل يزيد والحجاج واغيلمة قريش وابن زياد وامثالهم من فسقة القرن الثاني على اكابر اهل القرن الثالث كمالك والشافعي وسفيان وامثالهم وليس كذلك فتعين ان المراد في الحديث خيرية المجموع على المجموع وعليه لا ثبوت بالحديث المذكور لعدالة كل الصحابة بل يكونون كغيرهم فيبحث عن عدالتهم الا من كان ظاهر العدالة أو مقطوعها كالخلفاء الاربعة وغيرهم من الصحابة الذين لا مطعن فيهم ولهم السوابق والمشاهد مع النبي صلى الله عليه وآله على ان في صحة حديث خيرية القرون من حيث المعنى مقال مقبول الا ان تؤول الخيرية أو القرن بما يطابق المعنى لان الخمسين الاخيرة من سني اول القرون هي شر السنين على الاسلام والمسلمين إذ فيها كانت ولاية يزيد بن معاوية وقتل الحسين عليه السلام وعترته وخيار شيعته واستباحة المدينة الشريفة وهتك حرم ساكنيها وقتل اكابر الصحابة فيها ومحاصرة مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق وفيها شرب خلفاء الاسلام الخمور وارتكبوا الفجور وقتلوا المسلمين وسبوا حريمهم ونقشوا على ايديهم كما نقش على ايدي سبي الروم وذلك في خلافة بني مروان وامرة الحجاج (قال المارزي) في شرح البرهان في الصحابة عدول وغير عدول ولا نقطع الا بعدالة الذين لازموه صلى الله عليه وآله ونصروه

١٦٧

واتبعوا النور الذي انزل معه واما عدالة كل من رآه عليه الصلاة والسلام يوم ما اوزاره لما ما أو اجتمع به لغرض وانصرف فلا نقطع بها بل هي محتملة وجودا وعدما (انتهى) قال السيد الآلوسي وإلى نحو هذا ذهب ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (انتهى) وما رد به الجمهور على من قال بنفي عدالة من اقترف كبيرة كقتال علي مع الاصرار عليه بأنهم مجتهدون فيما شجر بينهم وغاية ذلك انهم اخظئوا فلهم اجر واحد مردود بما قدمناه في ابطال دعوى اجتهاد معاوية من ان الاجتهاد لا يصح في مقابلة المنصوص وبأنه لم يثبت ان الصحابة كلهم من اهل الاجتهاد بل الثابت ان منهم المجتهد ومنهم العامي فيكون حينئذ المجتهد منهم عدلا والعامي فأسقا وهو غير مرادهم.

وقد احتج القائلون ومنهم ان عبد البر بأن افضلية القرن الاول على الثاني والثاني على الثالث انما هي بحسب المجموع لا بحسب الافراد بحيث يمكن ان يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من هو افضل من الصحابة كما صرح به القرطبي احتجوا بحديث مثل امتي كالمطر لا يدري اوله خيرا وآخره أو خرجه الترمذي وابن حبان وصححه وبحديث ابن ابي شيبة من حديث عبدالرحمن ابن جبير بأسناد حسن قال : قال رسول ا صلى الله عليه وآله ليدركن المسيح اقواما انهم لمثلكم أو خير ثلاثا ولن يخزي الله امة انا اولها والمسيخ آخرها وبما روى احمد والطبراني من حديث ابي جمعة الانصاري قال : قال أبو عبيدة يا رسول الله ااحد خير منا اسلمنا معك وجاهدنا معك قال : قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني صححه الحاكم (واخرجه) البخاري في خلق افعال العباد من حديث ابي جمعة ايضا ولفظه كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة فقلنا يا رسول الله هل من احد اعظم منا اجرا آمنا بك واتبعناك قال وما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين اظهركم يأتيكم بالوحي من السماء بل قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين فيؤمنون به

١٦٨

ويعملون بما فيه اولئك اعظم منكم اجرا وبما اخرج الترمذي من حديث ابي ثعلبة رفعه تأتي ايام للعامل فيهن اجر خمسين قيل منهم أو منا يا رسول الله قال بل منكم وبحديث عمر مرفوعا قال : كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال اتدرون اي الخلق افضل ايمانا قلنا الملائكة قال : وحق لهم بل غيرهم قلنا الانبياء قال : وحق لهم غيرهم ثم. قال صلى الله عليه وآله افضل الخلق ايمانا قوم في اصلاب الرجال يؤمنونبي ولم يروني الحديث اخرجه الطيالسي وغيره وفي اسناده ضعف وبحديث امتي امة مباركة لا يدري اولها خير أو آخرها اخرجه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان مرسلا بسند حسن وبخبر طوبى لمن رآني وآمن بي مرة وطوبي لمن آمن بي ولم يرني. سبع مرات وبما روي ان عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبدالله بن عمر رضي الله عنهم ان اكتب لي سيرة عمر بن الخطاب لاعمل بها فكتب إليه سالم ان عملت بسيرة عمر فأنت افضل من عمر لان زمانك ليس كزمان عمر ولا رجالك كرجال عمر وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب بمثل قول سالم (قال) ابن عبد البر فهذه الاحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين اول هذه الامة وآخرها في فضل العمل الا اهل بدر والحديبية (انتهى) وروى عن ابن سيرين بسند صحيح ان الامام المهدي يكون افضل من ابي بكر وعمر (انتهى).

قلت وازيدك عمر مامران في القول بتعديل جميع الصحابة على اصطلاحهم معارضة للقرآن وللحديث فان الله سبحانه وتعالى سمى الوليد بن عقبة وهو صحابي فاسقا في موضعين من القرآن وأمر النبي والمؤمنين بالتشبث في قبول خبره فكيف ساغ للجمهور تسميته عدلا وقبول روايته قال : الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (اخرج ابن جرير) في تفسيره عن ابن عباس

١٦٩

رضي الله عنهما قال : كان رسول الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله بعث الوليد بن عقبة ابن ابي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات وانه لما اتاهم الخير فرحوا وخرجوا ليتلقوا رسل رسول الله صلى الله عليه وآله وانه لما حدث الوليد انهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان بني المصطلق قد منعوا الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضبا شديدا فبينما هو يحدث نفسه ان يغزوهم اذاتاه الوفد فقالوا يا رسول الله ان رسولك رجع من نصف الطريق وانا خشينا ان يكون انما رده كتاب منك لغضب غضبته علينا وانا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فانزل الله تعالى عذرهم في الكتاب فقال يا ايهاالذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة الآية.

قال ابن عبد البر ولا خلاف بين اهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت ان قوله عزوجل ان جائكم فاسق بنبأ نزلت في الوليد بن عقبة (انتهى). واخرج ابن جرير ايضا عن عطاء بن يسار في تفسير قوله تعالى افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون قال : نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب عليه السلام والوليد بن عقبة بن ابي معيط كان بن الوليد وبين علي عليه السلام كلام فقال الوليد بن عقبة انا ابسط منك لسانا واحد منك سنانا وارد منك للكتيبة فقال علي اسكت فأنك فاسق فأنزل الله فيهما افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون قال : لا والله ما استويا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة (انتهى).

قلت والوليد هذا هو اخو عثمان رضي الله عنه لامه وقد ولاه الكوفة وعزل عنها سعد بن ابي وقاص قال ابن عبد البر وله اخبار فيها نكارة وشناعة تدل على سوء حاله وقبيح افعاله وقال واخباره في شرب الخمر ومنادته ابا زبيد الطائي مشهورة كثيرة يسمج بنا ذكرها هنا قال وخبر

١٧٠

صلاته باهل الكوفة وهو سكران وقوله ازيدكم بعد ان صلى الصبح اربعا مشهور من رواية الثقاة من نقل اهل الحديث واهل الاخبار وفيه يقول الحطيئة.

تكلم في الصلاة وزاد فيها

علانية وجاهر بالنفاق

ومج الخمر في سنن المصلى

ونادى والجميع إلى افتراق

ازيدكم على ان تحمدوني

فمالكم ومالي من خلاق

(انتهى) (١).

__________________

(١) ذكر في الاسعاف من اخبار الوليد ان امرأة الوليد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشتكيه بأنه يضربها فقال لها ارجعي وقولي ان رسول الله قد اجارني فأنطلقت فمكثت ساعة ثم جاءت فقالت ما اقلع عني فقطع صلى الله عليه وآله وسلم هدية من ثوبه ثم قال : لها اذهبي بهذا وقولي ان رسول الله قد اجارني فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت يا رسول الله ما زادني الا ضربا فرفع يديه وقال اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا قال : واقام بالكوفة اميرا من طرف عثمان وكان يدني الشعراء ويشرب الخمر ويجالس ابا زبيد الطائي النصراني وصلى الصبح بالناس في المسجد الجامع اربعا وهو سكران وقرا في صلاته.

علق القلب ربابا

بعد ما شابت رشابا

فلما سلم التفت الي الناس وقال : ازيدكم فأني اجد اليوم نشاطا فقال ابن مسعود رضي الله عنه وكان على بيت المال مازلنا معك في زيادة منذ اليوم ثم تقايأ في المحراب وفيه يقول الحطيئة.

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه

ان الوليد احق بالعذر

نادى وقد تمت صلاتهم

أأزيدكم سكرا وما يدري

فأبوا ابا وهب ولو اذنوا

لقرنت بين الشفع والوتر

كفوا عنانك إذ جريت ولو

تركوا عنانك لم تزل تجري

قال : وروى عثمان رضي الله ضرب من اخبره يشرب الوليد الخمر فقال الناس عطلت الحدود وضربت الشهود وتسامع الناس في ذلك فجاؤا إلى عثمان فقالوا اتق الله ولا تعطل الحد واعزل اخاك عنهم فعزله وضربه الحد وحدث عمر بن شبة قال : لما قدم الوليد الكوفة وفد عليه ابو زبيد الطائي النصراني فأنزله الوليد دار عقيل ابن ابي طالب على باب المسجد فأستوهبها منه فوهبها له وكان اول الطعن عليه لان أبا زبيد كان يخرج من منزله يخترق المسجد إلى الوليد =

١٧١

واما معارضته للاحاديث فقد قدمنا قريبا في تعريف الصحابي كثيرا منها تعرف منه وجوه المعارضة لما ذكروا فلا نطيل باعادته فارجع إليه وفقك الله.

على ان نقول لهم ان الصحابة انفسهم لا يدعون لانفسهم هذه المنزلة الني ادعاها بعض المحدثين لهم من العدالة العامة فيهم وهم اعرف بانفسهم وبمن عاصروه وعاشروه من هؤلاء الذين كادوا يتخذون الصحابة انبياء معصومين كيف وقد نقل عنهم وشاع وانتشر رد بعض منهم روايات البعض الآخر واتهامه في النقل وعدم قبول ما جاء به الا بعد تثبت شديد وتحر عظيم (وقد صح) عن علي كرم الله وجهه انه يقول ما حدثني احد بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله الا استحلفته وما استثنى احدا من المسلين الا ابا بكر.

وقال كرم الله وجهه لعمر رضي الله عنه وقد افتاه الصحابة في مسألة واجمعوا عليها ان كانوا راقبوك فقد غشوك وان كان هذا جهد رأيهم فقد اخطأوا وقد صرح غير مرة بتكذيب ابي هريرة حتى قال مرة لا احد اكذب من هذا الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال عمر رضي الله عنه لما استأذنه

__________________

= وهو سكران فيتخذه طريقا ويسمر عنده ويشرب معه وعن ابن الاعرابي قال : اعطي والوليد ابا زبيد الطائي ما بين القصور الحمر من الشام ان القصور الحمر من الحيرة وجعله له حمى فلما عزل الوليد وولي سعيد انتزعها منه واخرجها عنه قال : ولما قدم سعيد بن العاص الكوفة موضع الوليد قال اغسلوا هذا المنبر فان الوليد كان رجسا نجسا فلم يصعده حتى غسل ومات الوليد فوق الرقة وبهامات ابو زبيد الطائي ودفنا في موضع واحد فقال في ذلك اشجع السلمى وقد مر بقبرهما.

مررت على عظام ابي زبيد

وقد لاحت ببلقعة صلود

وكان له الوليد نديم صدق

فنادم قبره قبر الوليد

قال المسعودي وخطب الناس يوما وهو سكران فحصبه الناس بحصباء المسجد فدخل قصره يترنح ويتمثل بأبيات لتأبط شرا.

ولست بعيدا من مدام وقينة

ولا بصفا صلد عن الخير معزل

ولكنني اروي من الخمر هامتي

وامشي الملا بالساحب المتسلسل

١٧٢

الزبير في الغزو اني ممسك بباب هذا الشعب ان تتفرق اصحاب محمد في الناس فيضلوهم وقال في سعد بن عبادة سيد الأنصار رضي الله عنه افتلوا سعدا اقتلوه فانه منافق وقال لقد اكثر علينا ابو هريرة وطعن في روايته وشتم خالد بن الوليد وحكم بفسقه وخون عمرو بن العاص ومعاوية ونسبهما إلى سرقة مال الفئ.

وقال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ماكنت ارى اني اعيش حتى يقول لي عثمان يا منافق وقال لو استقبلت من امرى ما استدبرت ما وليت عثمان شسع فعلي.

وهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها خرجت بقميص رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تقول ان هذا قميص رسول الله لم يبل وعثمان قد ابلى سنته وروى بعض الصحابة حديث الشؤم في ثلاثة فكذبته وروى بعضهم حديث التاجر فاجر فكذبته.

وانكر العباس وعلى وفاطمة رضي الله عنهم حديث الصديق نحن معاشر الانبياء لا نورث وقالوا كيف كان النبي يعرف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن الورثة واولى الناس بان يؤدي هذا الحكم إليه.

ولم يقبل سعد بن عبادة وكثير من الانصار حديث الصديق رضي الله عنه الائمة من قريش.

وقيل لابن عباس رضي الله عنهما ان عبدالله بن الزبير يزعم ان موسى صاحب الخضر ليس موسى بني اسرائيل فقال كذب عدو الله.

وكذب عروة بن الزبير وهو تابعي بن عباس وهو صحابي حين اخبر ان ابن عباس يقول ان النبي صلى الله عليه وآله اقام بمكة بعد البعثة ثلاثة عشرة ستة فقال كذب ابن عباس.

وقد جاء امثال هذا عن كثر من الصحابة رضي الله عنهم مما لا يمكننا

١٧٣

الا طالة بذكره فلو كانوا يعتقدون عدالة الكل كما قال هؤلاء لما ساغ لاحد منهم رد رواية الآخر بل يجب عليه قبولها والاذعان بما فيها وبالجملة فالقول بعموم التعديل مردود مهدوم بما تقدم ولم يبق بعد هذه النقول والايرادات لدى انقائلين به من حجة يدافعون بها عن هذه القاعدة التي اصطلحوا عليها الا ان يقول هذا لا يصح وهذا لم يثبت وان كان ثابتا وصحيحا في نفس لامر والله اعلم.

وقد اهمل كثير من اهل الحديث واجب لتثبت في الرواية كما امر الله من جانب وتجاوزوا القدر المطلوب من التثبت من جانب آخر فتراهم يصححون ويقبلون بلا ادنى توقف رواية من اخبر الله عنه في كتابه انه فاسق كالوليد بن عقبة ومن اخبر النبي انه وزغ ملعون كالحكم ومن اخبر عنه انه في النار كسمرة ومن اخبر النبي انه داع إلى النار كمعاوية وعمرو وامثالهم.

ثم تراهم يضعفون رواية من يقول فيه يحيى بن معين أو ابو حاتم أو ابن القطان أو ابن ابي خيثمة أو العجلي أو امثالهم لااعرفه اولا أحب حديثه أو في نفسي منه شئ أو كان يتشيع أو ربما كان يهم وأمثال هذا مما لا يثبت به جرح ولم يقم عليه دليل ولو كان من قيل فيه ما قاله احدهم من اصدق الناس واتقاهم درج على هذه طائفة وقبيل بعد قبيل داء عضال لا علاج له الا الابتهال إلى الله تعالى ان يجعلنا على بصيرة من هذا الامر توفيقا منه واحسانا.

اننا اهل السنة قدانكرنا على الشيعة دعواهم العصمة للائمة الاثنى عشر عليهم السلام وجاهرناهم بصيحات النكير وسفهنا بذلك احلامهم ورددنا ادلتهم بمارددنا افبعد ذلك يجمل بنا ان ندعي ان مائة وعشرين الفا حاضرهم وباديهم وعللهم وجاهلهم وذكرهم وانثاهم كلهم معصومون أو كما نقول محفوظون من الكذب والفسق ونجزم بعدالتهم اجمعين فنأخذ رواية كل فردمنهم قضية مسلمة نضلل من نازع في صحتها ونفسقه ونتصنامم عن كل

١٧٤

ما ثبت وصح عندنا بل وما تواتر من ارتكاب بعضهم ما يخرم العدالة وينافيها من البغي والكذب والقتل بغير حق وشرب الخمر وغير ذلك مع الاصرار عليه لا ادري كيف تحل هذه المعضلة ولا اعرف تفسير هذه المشكلة.

اليك فاني لست ممن إذا اتقى

عضاض الافاعي نام فوق العقارب

أما الامر بحسن الظن فحسن ولكنه ليس في مقام بيان الحق وابطال الباطل والكلام على جرح أو تعديل ولو سوغنا هذا لتعطلت الاحكام وبطلت الحدود والشهادات وكبكب الشرع على ام رأسه اذلا وجه لتخصيص اشخاص دون آخرين بحسن الظن بهم في كل ما يفعلونه إذا ترتب على فعله حكم شرعي الا بمخصص شرعي واني بذلك ولو عممنا القول بذلك لكان حسن الظن حسنا بكل فرد من افراد المسلمين في كل ما يفعله كما يقول به بعض الصوفية فيتأول حينئذ لكل منهم ما ارتكبه من القبائح والبدع المضلة والكبائر ويحمل كل ذلك على محمل حسن وقصد صالح ويدخل في ذلك الخوارج وغلاة الرافضة فيما يرتكبونه من البدع والتفكير والسب وهلم جرا اللهم غفرانك ان بهذا يتعطل الشرع وتلتبس الامور ويختلط الحابل بالنابل بل الواجب اجرء كل شئ في مجراه عند ارادة ايضاح الحقائق وبيان المشروعات وبهذا عمل الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم وهكذا عمل جهابذة اصحاب الحديث في الجرح والتعديل في رواة الحديث الا فيمن له صحبة على حسب اصطلاحهم في تعريف الصاحب وهي نقطة الانتقاد عليهم ومحل الاشكال إذ كيف يمكن طالب الحق ان يعتمد ما قالوه ويجري على ماجروا عليه من التسوية صحة واحتجاجا بين روايات الحكم والوليد ومعاوية وعمرو واشباههم سبحان الله افمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله لا والله ثم لا والله ان الاذعان للحق شان المنصفين ولكن اكثرهم للحق كارهون.

١٧٥

ودونك الآن ـ كما وعدنا ـ بعض ما جاء من الآيات والاحاديث الدالة على فضائل زمر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي عنهم يعرف بها علو مقدارهم عند الله وعظيم منزلتهم لديه مما يوجب علينا توقيرهم واحترامهم ومحبتهم واعتقاد حسن سلوكهم ومصيهم غير ان كثيرا من الناس يوردونها مغالطة في فضائل عموم كل من سمى باصطلاح المحدثين صحابيا ليدخلوا في تلك الفضائل معاوية واشباهه ولكن إذا تأملها المنصف المقيد نفسه باتباع الحق والاذعان له لم يجد لمعاوية وامثاله فيها ناقة ولا جملا وعرف ان بينه وبين تلك الفضائل بعد المشرقين (اما الآيات) فمنها قوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون وتنهون عن المنكر الآية قال ابن عبد البر قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عزوجل كنتم خير امة اخرجت للناس هم الذين هاجروا مع محمد صلى الله عليه وآله.

اثبت الله سبحانه وتعالى لهذه الامة الخيرية على سائر الامم ولا شئ يعدل شهادة الله بذلك ولا شك ان الصحابة رضوان الله عليهم هم المقصودون اولا بالخطاب وهم صدر الامة وخيرها وهذه الخيرية هي بحسب مجموع هذه الامة على مجموع غيرها لا بحسب افرادها على افراد الامم الاخرى إذ لو كان كذلك للزم ان يكون الفاسق من هذه الامة خيرا من حواريي عيسى عليه السلام وانبياء بني اسرائيل وهو باطل اجماعا وإذا كان بحسب المجموع حرج اهل الكبائر والبوائق من هذه الامة عن هذه الخيرية كمعاوية وابنه وكثيرين غيرهما على ان الله تعالى بين جهة الخيرية بقوله تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ومعاويد واعوانه بضد ذلك على خط مستقيم فانهم كما قدنا ذلك عنهم واثبتناه يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويدعون إلى النار قاتلهم الله انى يؤفكون.

ومنها قوله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين

١٧٦

انبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم اعد الله الجنات للسابقين الاولين من المهاجرين والانصار ورضى عنهم كما اخبر وللذين اتبعوهم باحسان اترى معاوية واتباعه من المتبعين بالاحسان لا والله بل سلكوا سبيلا معاكسا لما سلكه السابقون وركبوا متن طرق البغي والجور والضلالة.

سارت مشرقة وسرت مغربا

شتان بين مشرق ومغرب

ومنها قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه هؤلاء هم اهل الصفة رضي الله عنهم وليس منهم ذلك الطاغية ولا احد من انصاره كما اجمع على ذلك اهل التفسير اخرج البيهقي في شعب الايمان وابن مردوية وابو نعيم في الحلية عن سلمان قال جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله عيينة بن بدر والاقرع بن حابس فقالوا يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وارواح جبابهم يعنون سلمان وابا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف جالسناك وحدثناك واخذنا عنك فانزل الله تعالى اتل ما اوحي اليك من كتاب ربك إلى قوله اعتدنا للظالمين نارا. يهددهم بالنار واخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن عبدالرحمن بن سهل ابن حنيف قال نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في بعض ابياته واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي فخرج يلتمسهم فوجد قوما يذكرون الله فيهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس معهم وقال الحمد لله الذي جعل في امتي من امرني ان أصبر نفسي معهم.

(ومنها) قوله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة الآية هؤلاء هم اهل بيعة الرضوان اختصهم الله تعالى برضاه حين بايعوا رسول الله تحت الشجرة على الموت في قتال ابي سفيان ومعاوية ومن

١٧٧

معهما من كفار قريش وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لايدخل النار احد بايع تحت الشجرة.

(ومنها) قوله تعالى للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله اولئك هم الصادقون والذين تبؤوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولا خواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤف رحيم.

يشهد الله وملائكته والمؤمنون ان معاوية وانصاره ليسوا من الذين جاؤا من بعد يستغفرون لسابقيهم بل جاء معاوية بسب اول المهاجرين اسلاما واقربهم قرابة إلى النبي صلى الله عليه وآله ويلعنه واهل بيته على المنابر وقتاله وبغيه علي الله وعلى رسوله عاش هو وابوه وبنوه حربا لله تعالى ولرسوله واهل بيته عاملهم الله بما يستحقون.

(ومنها) قوله تعالى محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيما هم في وجوههم من اثر السجود إلى ان قال جل وعلا وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجر عظيما وصف الله اصحاب رسوله بشدتهم على الكفار والتزاحم بينهم وبكثرة الركوع والسجود ابتغاء فضل الله ورضوانه ثم ودعهم إذ ذاك بالمغفرة والاجر العظيم وهذا كله فيمن اسلم قبل صلح الحديبية لان الآية نزلت عقيبة كما ذكره المفسرون ومعاوية وابوه وانصاره إذ ذاك يسجدون للات والعزى وهبل وهم الكفار الذين اغاظهم الله كما ذكر في الآية بأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وماذا يغني من اورد هذه الآية في فضائل كل

١٧٨

من سماه المحدثون صحابيا مدعيا عموم قوله تعالى والذين معه حتى يدخل طاغية الاسلام وحزبه في هذا العموم وهيهات هيهات.

(ومنها) قوله عزوجل لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسره من بعدما كاد تزبغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم انه بهم رؤف رحيم.

ما ادعى أحد ان معاوية من المهاجرين ولامن الانصار فلا مدخل له في توبة الله عليهم وان كان من جيش العسرة فان التوبة وقعت للمهاجرين والانصار فحسب.

(ومنها) قوله عزوجل لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير.

كلا الطائفتين المقاتلتين موعود من الله بالحسنى ولا ريب في ان النار محرمة على كل من سبقت له لان الله جل جلاله يقول ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون ومعاوية لم يكن ممن انفق وقاتل لا قبل الفتح ولا بعده فلا نصيب له من ذلك الوعد بالحسنى وحضوره ان صح مع النبي في غزوة تبوك لا يفيد دخوله في الطائفة الثانية لانه لم يقع في تلك الغزوة قتال اصلا اما دعوى من ادعى ان التقييد بالانفاق والقتال في هذه الآية وتقييد الاتباع بأحسان في الاخرى لا مفهوم له ولا يخرج به من لم تكن له هذه الصفات فدعوى ساقطة وتلاعب بمعاني كلام الله ومكابرة وعناد للحق افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا (واما) الاحاديث فمنها ما اخرجه الشيطان وغيرهما عن ابي سعيد قال : كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شئ فسبه خالد فقال النبي صلى الله عليه وآله لاتسبوا اصحابي فلو ان احدكم انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه (قال) الحافظ بن حجر وغيره

١٧٩

من شراح الحديث فيه اشعار بأن المراد بقوله اصحابي اصحاب مخصوصون لان الخطاب كان لخالد ومن معه من باقي الصحابة وقد قال لو ان احدكم انفق وهذا كقوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل (وبمثل) هذا اللفظ جاءت احاديث كثيرة وكلها تشير ان المراد منها اصحاب مخصوصون بل لا يمكن حملها على العموم والشمول فلا نطيل بذكرها ولاخفاء في ان الطاغية في معزل بعيد عن ما يترتب عليها من الفضل (١).

(ومنها) ما اخرجه المحاملي. والطبراني والحاكم عن عويمر بن ساعدة رضي الله عنه انه صلى الله عليه وآله قال ان الله اختارني واختار لي اصحابا فجعل لي منهم وزراء وانصارا فمن سبهم فعلية لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.

لاريب في ان الاصحاب والاصهار في الحديث إذا فرضت صحته هم اصحاب واصهار مخصوصون وليس المراد الصحبه بالمعنى اللغوى إذ لو كانت مرادة لدخل فيها كثير من المنافقين واهل الكبائر ولدخل في الاصهار حيي بن اخطب وغيرهم من المشركين والفسقة وانما المراد بالاصحاب كما في الاصحاب الاخرى من نصره ووازره وجاهد معه واتبعه باحسان كما ان

__________________

(١) مما يؤكد ان المقصود بالاصحاب حيث ذكروا في الاغلب الاحاديث هم الاصحاب مخصوصون كما اقتضاه العرف العام ما رواه ابن بابويه في كتاب عيون اخبار الامام علي الرضا بن موسى الكاظم رضي الله عنهما اخرج بأسناده احمد بن محمد الطالقاني قال : حدثني ابي قال حلف رجل في خراسان بالطلاق ان معاوية ليس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في ايام علي الرضا رضي الله عنه فافتى الفقهاء بطلاقها فسئل الرضا فافتى انها لا تطلق فكتب الفقهاء رقعة فانقذوها إليه وقالوا من اين قلت يابن رسول الله انها لم تطلق فوقع في رقعتهم قلت هذا من روايتكم عن ابي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لمسلمة الفتح وقد كثروا عليه انتم خبرة واصحابي خبرة ولا هجرة بعد الفتح فأبطل الهجرة ولم يجعل هؤلاء اصحابا له قال : فرجعوا إلى قوله (انتهى).

١٨٠