النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي

النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية

المؤلف:

السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى العلوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : اول من يبدل سنتي رجل من بني امية.

(واخرج) الطبراني في الاوسط عن عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : اكثر ما اتخوف على امتي من بعدي رجل يتأول القرآن يضعه على غير مواضعه ورجل يدعى انه احق بهذا الامر من غيره.

قلت : اول من ينطبق عليه هذا الوصف معاوية.

(واخرج) الديلمي عن عبدالله بن شبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم العن فلانا واجعل قلبه قلب سوء واملا جوفه من رضف جهنم.

(واخرج) الطبراني عن ابي برزة عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : ان بعدي أئمة ان اطعتموهم اكفروكم وان عصيتموهم قتلوكم أئمة الكفر ورؤوس الضلالة.

(واخرج) الترمذي وحسنه عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله انما اخاف على امتي الائمة المضلين.

(واخرج) الطبراني في الكبير عن سويد بن غفلة رضي الله عنه قال : سمعت أبا موسى الاشعري يقول قال : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيكون في هذه الامة حكمان ضالان ضال من اتبعهما فقلت يا أبا موسى انظر لا تكون احدهما قال فوالله ما مات حتى رأيته احدهما قال : وفي رواته مجهول.

(واخرج) أبو داود الطيالسي وابن ابي شيبة واحمد والدارمي وابو يعلي والطبراني والبيهقي في دلائله بسند حسن عن ابي عبيدة ومعاذ معا رفعاه : هذا الامر بدأ نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم ملكا عضوضا ثم كائن جبرية وعتوا وفسادا في الارض يستحلون الحرير والفروج والخمور ويرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله.

(واخرج) الطبراني عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله سيكون عليكم امراء من بعدي يأمرونكم بما لا تعرفون ويعملون بما تنكرون

١٤١

فليس اولئك عليكم بائمة حديث حسن.

(واخرج) ايضا عن كعب بن عجرة رضي عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : انها ستكون عليكم امرآء بعدي يعظون بالحكمة على المنابر فإذا نزلوا اختلست منهم قلوبهم انتن من الجيف فمن صدقهم بكذبهم واعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وانا منه وسيرد علي الحوض.

(واخرج) ابن ابي حاتم وابن مردوية والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال : رأى النبي صلى الله عليه وآله بني امية على منابرهم فساءه ذلك فأوحى الله إليه انما هي دنيا اعطوها فقرت عينه وهو قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس.

قال فخر الدين الرازي في تفسيره وهذا هو قول ابن عباس عن عطاء ثم قال : أيضا قال : ابن عباس الشجرة الملعونة في القرآن بنو امية يعني الحكم بن أبي العاص قال : ورأى رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام ان ولد مروان يتداولون منبره فقص رؤياه على ابي بكر وعمر وقد خلا في بيته معهما فلما تفرقوا سمع رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم يخبر برؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله فأشتد ذلك عليه واتهم عمر في افشاء سره ثم ظهر ان الحكم كان يتسمع إليهم فنفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ذكر الشيخ بن حجر الهيثمي جملة احاديث في هذا المعنى في كتابه تطهير الجنان منها ما قال : جاء بسند رجاله رجال الصحيح عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه انه صلى الله عليه وآله قال : لميدخلن الساعة عليكم رجل لعين فوالله ما زلت أتشوف داخلا وخارجا حتى دخل فلان يعني الحكم كما صرحت به رواية احمد (وبسند) قال : الحافظ الهيثمي فيه من لم اعرفه ان الحكم مر على النبي صلى الله عليه وآله بالحجر فقال : ويل لامتي مما في صلب هذا ويسند فيه رجل قال : الحافظ الهيثمي لا اعرفه انه صلى الله عليه

١٤٢

وآله وسلم قال : يكون خليفة هو وذريته من اهل النار وبسند فيه ضعيف انه صلى الله عليه واله وسلم سأل عليا ثم رفع رأسه كالفزع فقال قرع الخبيث الباب بسيفه فقال انطلق يا أبا الحسن فقده كما تقاد الشاة إلى حالبها فذهب إليه واخذ باذنه ولهازمه جميعا حتى وقف بين يدي النبي صلى الله عليه وآله فلعنه نبي الله صلى الله عليه واله وسلم ثلاثا ثم قال لعلي اجلسه ناحية حتى راح إلى النبي صلى الله عليه وآله ناس من المهاجرين والانصار ثم دعا به صلى الله عليه واله وسلم فقال : ان هذا يخالف كتاب الله وسنة نبيه ويخرج من صلبه من يبلغ دخانه في الفتنة حتى توارث فقال رجل من المسلمين صدق الله ورسوله هو اقل من ان يكون منه ذلك قال بلى وبعضكم يومئذ ممن يتبعه (وبسند) فيه مستور وبقية رجاله ثقات ان الحكم استأذن على النبي صلى الله عليه وآله فعرفه فقال : ائذنوا له فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين وما يخرج من صلبه يشرفون في الدنيا ويترذلون في الآخرة ذوو مكر وخديعة الا الصالحين منهم وقليل ماهم (وصح) انه صلى الله عليه واله وسلم قال : لكعب بن عجرة اعاذك الله ما امارة السفهاء قال امراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي الحديث (وصح) بلفظ هلاك امتي على يداغلمة من سفهاء قريش (وفي خبر) رواته ثقات الا لا يمنعن احدكم هيبة الناس ان يقول الحق إذا رآه وشهده فانه لا يقرب من اجل ولا يبعد من رزق قال أبو سعيد فحملني ذلك على ان ركبت إلى معاوية فملات اذنيه ثم رجعت والاحاديث في هذا المعنى كثيرة وفيما اوردناه منها ما يعرف به حال القوم وعتوهم على الله وهدم اركان دينه ولكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وما اصدق في هذا المقام قول ابي عطاء السندي رحمه الله.

ان الخيار من البرية هاشم

وبنو امية افجر الاشرار (١)

__________________

(١) لاشك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله من بيان النقائض والانذار بسوء

١٤٣

وبنو امية عودهم من خروع

ولها شم في المجد عود نضار

اما الدعاة إلى الجنان فهاشم

وبنو امية من دعاة النار

وبهاشم زكت البلاد واعشبت

وبنو امية كالسراب الجاري

__________________

مصير تلك الشجرة الاموية الا من صلح منهم وقليل ما هم كما اخبر وانهم لفئة سوء وفحش وخنافي الجاهلية ايضا فقد مربك في حديث سفينة رضي الله عنه قوله كذب بنو الرقاء يذمهم بذلك (اعلمت) من هذه الرقاء هي زوجة ابي العاص بن امية وام ولده الحكم بن ابي العاص وجده مروان الحكم لابيه قال ابن الاثير وغيره من اهل الاخبار هي الزرقاء بنت موهب كانت من البغايا ذوات الرايات التي يستدل بها على بيوت البغاء والفجور فلذلك يعير بها بنو مروان (ومر بك) ما نقل من زنا ابي سفيان تسمية واقراره واقامة معاوية السود على زنا ابيه ليستلحق زيادا بتلك الزنية المشومة (ومربك) ايضا ما ذكره حسان بن ثابت رضي الله عنه من حمل هند بنت عتبة ام معاوية وزوجة ابي سفيان من الزنا في قوله :

ونسيت فاحشة اتيت بها

يا هند ويحك سبة الدهر

زعم القوابل انها ولدت

ابنا صغيرا كان من عهر

وما نقله أبو الفرج من عشقها المسافرين ابي عمرو وحملها منه وسفره بعد حملها إلى الحيرة خوفا من الفضيحة قال في ربيع الابرار للزمخشري قالوا انها كرهت ان تضعه في منزلها فخرجت إلى اجياد فوضعته هناك وفي هذا يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه ايضا.

لمن الصبي بجانب البطحاء

في الترب ملقى غير ذي مهد

نجلت به بيضاء آنسة

من عبد شمس صلبة الخد

وقال فيه ايضا كان معاوية يعزى إلى اربعة وذكر منهم الصباح وهو مغن كان لعمارة بن الوليد وكان عسيفا لابي سفيان وكان أبو سفيان دميما قصيرا وكان الصباح شابا وسيما فدعته هند إلى نفسها فغشيها وقالوا ان عتبة ابن ابي سفيان من الصباح ايضا وذكر اهل الاخبار ان امية بن عبد شمس جد هذه الطائفة ذهب إلى الشام لما نافر عمه هاشما فاقام بصفورية وزنى باماء يهودية ولها زوج يهودي فولدت ولدا على فراش اليهودي فاستلحقه امية مع ان الولد للفراش وسماه ذكوان وكناه ابا عمرو وفده به مكة وابو عمرو هذا هو والد ابي معيط الذي هو والد عقبة المقتول ببدر صبرا ذكر ابن قتيبة وغيره انه صلى الله عليه واله وسلم لما امر بقتل عقبة قال له يا محمد ناشدتك الله

١٤٤

هذه ادلة جواز لعنه كما مرت بك واضحة متظافرة لا يبقى عند المؤمن المنصف ادنى ارتياب بعد سماعها واما من غلب عليه التعصب والتحمل وتقليد من لا يجديه تقليده فيما خالف الحق شيئا وتقديم قول فلان وفلان على قول الله ورسوله وكثير من اكابر الصحابة فلا كلام معه لان داءه داء عضال قل ان ينجو منه من ابتلى به انسأل الله العافية والسلامة.

اما ادلة منع تسويده والترضي عنه تعظيما واجلالا له فكثيرة ولكنا نورد منها طرفا يرجع إليه طالب الحق ويطمئن إليه من دينه وديدنه الانصاف ولم يعم بصيرته التقليد والتعصب (اخرج) البيهقي في شعب الايمان وابن ابي الدنيا وابو يعلى عن انس وابن عدي عن بريدة ان النبي صلى الله عليه وآله قال : إذا مدح الفاسق غضب الرب فاهتز لذلك العرش. حديث صحيح (وروى) ابو نصر السبخري في الابانة من حديث ابن عمروابن عباس رضي الله عنهم مرفوعا من وقر صاحب بدعة فقد اعان على هدم الايمان. واخرجه ابن عدي عن عائشة (واخرجه) أبو نعيم في الحلية والهروي في ذم الكلام من حديث

__________________

والرحم فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انما انت يهودي من اهل صفورية اي لارحم بيني وبينك (وقيل) كان ذكوان عبدا لامية فتبناه فلما مات امية خلفه على زوجته (قال الحلبي) في سيرته ويدل لهذا الثاني ما ذكر بعض المؤرخين ان معاوية سأل رجل من علماء النسب وفد عليه كم عمرك قال اربعون ومائتا سنة قال كيف رأيت الزمان قال سنيات رخاء يهلك والد ويخلق مولود فلولا الهالك لامتلات الدنيا ولولا المولود لم يبق احد فقال له هل رأيت عبدالمطلب قال نعم ادركته شيخا وسيما مقسما حسيما يحف به عشرة من بنيه كأنهم النجوم فقال هل رأيا أمية بن عبد شمس يعني جده قال نعم رأيته اخفش ازرق دميا يقوده عبده ذكوان قال ويحك كفه فقد جاء غير ما ذكرت ذاك ابنه فقال انتم تقولون ذلك انتهى (وفي ذلك) يقول الفضل بن عباس جوابا على ابيات للوليد بن عقبة يحرض فيها اخاه عمارة علي الخذ بثار عثمان صلى الله عليه وآله

انطلب ثارا الست منه ولاله

واين ابن ذكوان الصفوري من عمرو

كما اتصلت بنت الحمار بامها

وتنسى اباها إذ تسامى اولو الفخر

١٤٥

ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال من نظر إلى صاحب بدعة بغضا له في الله ملا الله قلبه امنا وايمانا ومن انتهر صاحب بدعة امنه الله يوم الفزع الاكبر ومن الان له أو اكرمه أو لقيه ببشر فقد استخف بما انزل على محمد (واخرج) ابن ابي الدنيا في كتاب الصمت وابو نعيم في الحلية واورده الزمخشري في سورة هود من قول الحسن من دعا لظالم بالبقاء فقد احب ان يعصى الله في ارضه (قال) الغزالي : فان جاوز الدعاء إلى الثناء عليه فذكر ما ليس فيه كان كاذبا ومنافقا ومكرما للظالم وذكره في الاحياء عن النبي صلى الله عليه وآله (واخرج) الحاكم في المستدرك والبيهقي واحمد في المسند وابو داود والنسائي عن بريدة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لا تقولوا للمنافق سيدنا فانه ان يكن سيدكم فقد اسخطتم ربكم (واخرج) الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الايمان عن بريدة ايضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال إذا قال الرجل للمنافق يا سيدي فقد اغضب ربه (وجاء) عنه عليه واله الصلاة والسلام من مدح سلطانا جائرا واحتفى به وتواضع له طمعا فيه كان قرينه في النار قال الله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار.

(وحيث) علمت ما ذكر تعلم ان تسويد معاوية والترضي عنه تعظيما له مغضب للرب كما في حديث انس وحديث بريدة واستخفاف بما انزل الله على محمد كما في حديث ابن عمر واعانة على هدم الاسلام كما في حديث ابن عباس ومسخط للرب كما في حديث بريدة ومحبة لعصيان الله كما جاء عن الحسن وكذب ونفاق واكرام للظالم كما زاده الغزالي والاحاديث في النهي عن توقير ارباب الظلم والنفاق والفسق كثيرة والاثار كذلك والاطالة بذكرها اسهاب وفيما ذكرناه اقوى زاجر لمزدجر.

فان قلت : ان الوعيد الوارد في الاحاديث السابقة انما هو في مدح الفاسق وتوقير المبتدع واكرامه والدعاء للظالم وتسويد المنافق فمن اين لك

١٤٦

قيام هذه الاوصاف بمعاوية حتى يكون توقيره وتسويده منهيا عنه (قلت) اما فسقه فظاهر لان الفاسق من ارتكب كبيرة أو اصر على صغيرة ومعاوية قد ارتكب كبائر الكبائر وجاهر بها واصر عليها وقد مر بك نقل كثير منها مما لا ينكره احد (واما) بدعته فكذلك فان المبتدع من احدث في الاسلام حدثاكما جاء عن رسول الله (ص) كل محدث بدعة ومعاوية رئيس المحدثين وكبير المبتدعين.

ومن العجب ان الجم الغفير من الناس بل ومن العلماء المقلدين يرون ان من يمسح رجليه بدلا عن الغسل في الوضوء مبتدعا وكذلك من يقول ان الحسنة من الله والسيئة من نفسك ومن يدخل في الاذان حي على خير العمل ومن يقول ان عليا افضل من ابي بكر ومن لا يجوز التكليف بالمحال ومن يقول بما جاء في القرآن ان لله جل وعلا وجها ويدا وعينا مع تنزيهه تعالى عن الجسمية والمشابهة ومن يقول ان النار محرقة بقوة خلقها الله فيها وان السيف قاطع بقوة خلقها الله فيه ومن يقول بانتفاء الجواهر الفردة ومن يؤلف مثل هذا الكتاب هؤلاء كلهم مبتدعون ضالون عند الاكثر من علمائنا اهل السنة.

(واما) من يقتل المسلمين صبرا ويسب عليا جهرا ويعيث في الارض فسادا ويحارب الله ورسوله عنادا ويصطفي البيضاء والصفراء من بيت اموال المسلمين ويتهكم باوامر سيد المرسلين فذلك عندهم عدل ثقة وصاحب سنة خليفة حق وامام صدق ذلك مبلغهم من العلم ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله و هو اعلم بمن اهتدى.

وأما اتصافه بالنفاق فستعلمه مما يأتي ان لم تك قد علمته مما قد سبق ذكره ولتعلم اولا ان النفاق لغة مخالفة الظاهر للباطن فان كان في اعتقاد الايمان فهو نفاق الكفر و الا فهو نفاق العمل ومراتبه متفاوتة وشعبه كثيرة كما ان الايمان كذلك ولا طريق لنا إلى معرفة النفاق بنوعيه من الاشخاص

١٤٧

الا بوحي الهي إذا امر الباطن لا يطلع عليه غير الله جل وعلا ولكن الرسول صلى الله عليه واله وسلم اخبرنا عن بعض علاماته واماراته في المتصفين به فإذا تحققنا وجود واحدة من تلك العلامات في شخص من الاشخاص علمنا نفاقه.

ثم لا ندري من أي النوعين نفاقه والنهي عن التعظيم للمنافق وعن تسويده وارد ب‍ (ال‍) الجنسية الشاملة لانواعه كلها إذ لم يأتي مايعين نفاقا دون نفاق والعلامات الواردة في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله هي الكذب في الحديث والخيانة في الامانة والخلف في الوعد والغدر في المعاهدة والفجور في الخصومة وهو الميل عن الحق والاحتيال لرده كما قاله شراح الحديث) وبغض علي ابن ابي طالب ومعاداته وبغض الانصار وغير ذلك وكل هذه الصفات موجودة في معاوية فان اكاذيبه قد امتلات بها الاسفار لاسيما ماكان منها في محاولته بيعة يزيد وقد مر بك فلا نطيل بأعادته.

وأما خيانته للامانة فاشهر من نار على علم فهل ينكرها انصاره في دماء المسلمين وقد قتل منهم العدد الكثير بغير حق ام في اموالهم وقد استأثر بها واصطفى بيضاءهم وصفراءهم وصرفها في اغراضه الفاسدة وزخارفه وملاذه وشهواته ام في اعراضهم وقد سب اكابرهم على المنابر وفي المحافل.

وأما خلفه بالوعد وغدره في معاهداته فغير مجهول ولو لم يكن منها الا غدره بالحسن عليه السلام حيث عاهده ان لا يبغي للحسن ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من شيعة علي غائلة سرا ولا جهرا وان يجعل الامر بعده شورى بين المسلمين لكفى فانه غدر بالحسن فقطع عطاءه ثم سمه وعهد بالامر بعده ليزيد وقتل حجرا واصحابه بعد تلك العهود والمواثيق.

وأمها فجوره في خصوماته واحتياله في رد الحق فاشهر من ان يذكر إذ جل خصوماته إذا لم نقل كلها من هذا القبيل ولا داعي إلى ان نثبت

١٤٨

معاداته وبغضه لعلي بن ابي طالب عليه السلام إذ لا ينكرهما احد وكتب السير طافحة بذلك وبغضه للانصار قد قدمنا ما يدل عليه في ذكر البوائق فارجع إليه.

أفبعد صدور هذه الكبائر من معاوية وثبوتها عنه بالتواتر والنقل الصحيح وسماع ما جاء من الآيات والاحاديث في حق مرتكبها يسوغ لطالب الحق الاغضاء والتغافل والتصامم عنها ثم مجاوزة الحد إلى اهدار تلك الادلة باطرائه والترضي عنه وتسويده اعتمادا على ما تداولته السنة سابقيه من ان معاوية مجتهد متأول مأجور الله يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور كم طمست بهذه الكلمات اعلام من الحق وكم جحدت بها حقائق وكم رفعت بها الوية من الباطل وشيدت بها ابراج من المغالطة كلمات ربما كان اول من قالها قالها لقصد خاص فاتخذت بعد ذلك حجة لدى القوم يعارضون بها كل دليل ويردون بها النص الصريح وينسخون بها ما جاء عن الله ورسوله كأنه نزل بها كتاب من الله أو وحي إلى رسوله اطلعهم به على ضمير معاوية وحسن قصدة وصلاح نيته ثم تراهم مع ذلك يرعدون ويبرقون ويأخذهم المقيم المقعد من الغيظ وينذرون بكل طامة ولامة ويمثلون كل هاوية عميقة امام كل من ناقشهم في دعواهم الحساب أو طالبهم بدليل على ما اخترعوه واعتمدوا عليه من اثبات الاجتهاد والاجر ايضا على بغي ذلك الطاغية واعوانه.

كان صالحوا اهل المصدر الاول يؤنبون معاوية ويعظونه ويواجهونه بتقريعه على سوء افعاله ومنهم من هجره في الله ومنهم من لعنه ودعا عليه ثم ذهب الصحابة واستفحل ملك بني امية وكثر تعديهم وطم جورهم فالتزم الكثير منهم السكوت عن ذكره خوفا من الفتنة ثم جاء اقوام من بعدهم فأتخذوا سكوت من قبلهم عن بيان فجوره واعلان فسقه وتجويز لعنه ذريعة إلى تبريره وتعذيله ثم ما لبثوا ان زادوا على ذلك انه امام حق وخليفة صدق

١٤٩

وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم وقالوا سيدنا وترضوا عنه حيث ذكر كما يترضى عن الصالحين وما مثلهم في ذلك الا كمثل رجل ذي سلطان وجبروت رآه بعض اهل الصلاح خارجا من مأخور الخمار متمائلا تفوح من فيه وثيابه روائح الراح وكان مع ذلك الصالح تلامذة خاف عليهم فتنة ذلك الجبار واعوانه ان خاضوا في امر ذلك الجبار وبينوا سيرته للعامة فسكت ذلك الصالح وامرهم بالسكوت عن ذكر المخازي فما لبث اولئك التلامذة ان قالوا لم يأمرنا الاستاذ بالسكوت عن ذلك الا لما يعلمه من حال ذلك السلطان انه من اهل الدين والفضل لانه انما دخل المأخور لازالة المنكرات وتكسير آنية الخمر ووعظ اهل الحانة وزجرهم ولذلك تضمخت ثيابه بالخمر وفاحت رائحتها منه فهو من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والقائمين بالقسط والعدل.

(ما احمق) هؤلاء القوم يسارعون للذب عن هذا الطاغية فيتأولون له التأويلات البعيدة الفاسدة الضعيفة ويعمدون إلى سيئاته القبيحة المواضحة الفاضحة المتواترة فينكرون منها ما امكن انكاره ويبدلون الجانب الآخر بتلك التأويلات حسنات يمدحونه عليها ويطرونه بها ويفتاتون على الله تعالى في إثبات اثابته عليها ويظنون حينئذ انهم رتقوا بذلك فتقا في دين الله وانهم قد جمعوا الامة على الهدى وصانوا العامة عن الخوض فيما لا يجوز بزعمهم من ذكر مساوي ذلك الطاغية واعوانه انهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون تصرفوا كيف شاؤا وشوهوا وجوه المعاني تحاشيا عن ما يحط من مقدار ذلك الجبار في اعين المؤمنين كأنه لم يبلغهم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيما اخرجه الطبراني قال : حتى متى ترعون عن ذكر الفاسق اهتكوه يحذره الناس. واورده السيد محمود الالوسي في الاجوبة العراقية بعد ان صححه بلفظ اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس ولم

١٥٠

ينظروا إلى ما اخرجه ابن ابي الدنيا عن الحسن مرسلا : ثلاثة لا تحرم عليك اعراضهم المجاهر بالفسق والامام الجائر والمبتدع والى ما جاء في حديث انس وغيره انه صلى الله عليه وآله قال : عند ثنائهم بالخير والشر وجبت انتم شهداء الله في ارضه والى ما جاء من انه لاغيبة لفاسق وإلى ماصح بالتواتر والنقل الصحيح عن سيد الصادقين بعد الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وعلى الهم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وغيره من اكابر الصحابة من هتكهم معاوية وبيان حاله وحال اعوانه من انهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن وانهم شر اطفال وشر رجال (ولعمر الله) لو قام بهذه التأويلات والتعسفات العذر لمعاوية وأعوانه عند انصاره والمغفلين من اتباعهم فانه لا يقوم لهم بشئ من ذلك عذر عند الله تعالى وهو علام الخفيات والمطلع على السرائر ها انتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ام من يكون عليهم وكيلا.

اليس من الهوس والا فتيات على الله قولهم ان الله سيثيب معاوية وأعوانه على بغيهم وقد ذم الله البغي وكرر الزجر عنه واوعد مرتكبيه بعذابه الاليم كيف يتولى هذا الباغي واعوانه من يقرأ قوله تعالى انهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وان الظالمين بعضهم اولياء بعض والله ولي المتقين لو ان هؤلاء القوم وقفوا قليلا وحاسبوا ضمائرهم واطرحوا التقليد والتعصب جانبا لادركوا انهم وقعوا في هوة عظيمة وخطة اثيمة.

فان تنج منها تنج من ذي عظيمة

والا فاني لا اخالك ناجيا

ولعمري ان من رسخ في قلبه الايمان وخامر قلبه حب الله ورسوله واتباع الحق لا يقتنع بهذه المعاذير الفاسدة ولايتجر بهذه البضاعة الكاسدة أيم الله ما كتب مؤمن من هذه السفسطة شيئا الا وضميره يؤنبه وايمانه يوبخه فتراه يتغافل عن ذلك ويلجأ إلى التأسي بمن تقدمه من المقلدين

١٥١

ويظن ذلك كافيا في العذر وهيهات هيهات امنية من وساوس النفس وضلة من اضاليل الاماني قد كان لسابقيه اعذار مقبولة ظاهرة فانهم يشاهدون الدماء مسفوحة والقبور مفتوحة والسبحون مشحونة بكل من نطق بكلمة حق في ذكر شئ من تلك الحقائق في ايام بني امية وكذلك في ايام بني العباس اما الآن وقد اذهب الله ريحهم واراح الاسلام من شرهم فلا يبقى عذر لمعتذر.

روي ان ابا جعفر محمد الباقر رضي الله عنه قال : لعبض اصحابه يا فلان مالقينا من ظلم قريش ايانا وتظاهرهم علينا وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد اخبر أنا اولى الناس به فتمالات علينا قريش حتى اخرجت الامر من معدنه واحتجت على الانصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت الينا فنكثت بيعتنا ولم يزل صاحب الامر في صعود كؤد حتى قتل فبويع ابنه الحسن وعوهد ثم غدر به واسلم ووثب عليه اهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره وعولجت خلاخيل امهات اولاده فوادع معاوية وحقن دمه ودماء اهل بيته وهم قليل حق قليل ثم بايع الحسين من اهل العراق عشرون الفاثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في اعناقهم ثم لم نزل اهل البيت نستذل ونستضام ونقصي ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء اوليائنا ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى اوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة فحدثوهم بالاحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الايدي والارجل على الظنة وكان من يذكر بحبنا أو بالانقطاع الينا سجن أو نهب ماله وهدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمن عبيدالله بن زياد قاتل الحسين ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة واخذهم

١٥٢

بكل ظنة وتهمة حتى ان الرجل ليقال له زنديق أو كافر احب إليه من ان يقال له شيعة علي وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعا صدوقا يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ولم يخلق الله تعالى شيئا منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب انها حق لكثرة من قد رواها ممن لا يعرف بكذب ولا بقلة ورع انتهى (١).

وقال الشعبي مالقينا من علي بن أبي طالب ان احببناه قتلنا وان ابغضناه هلكنا وكان الامام أبو حنيفة يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي بن

__________________

(١) اقول لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال : فان جماعة قد ادعوا ضعف الحديث الذي جاء في حق علي عليه السلام انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد العلم فليات الباب وافرط بعضهم فأدعي وضعه وفسر بعضهم قوله صلى الله عليه واله وسلم فيه وعلي بابها فقال اي مرتفع والحديث المذكور قد ورد بطرق كثيرة فقد اخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك وصححه والطبراني وابن مردويه وابو نعيم والخطيب والعقيلي وابن عدي وابن حيان وغيرهم ثم جاؤا في مقابلته ايضا بحديث آخر منكر اسنادا ومتنا كما قاله ابن عساكر والحديث هو ما اخرجه ابن عساكر في تاريخه وغيره قال انبانا أبو الفرج غيث بن علي الخطيب قال : حدثني أبو الفرج الاسفرائيني قال : كان ابو سعد اسمعيل بن المثنى الاسترابادي يعظ بدمشق فقام إليه رجل فقال ايها الشيخ ما تقول في قول النبي صلى الله عليه وآله انا مدينة العلم وعلي بابها قال : فأطرق لحظة ثم رفع رأسه وقال نعم لا يعرف هذا الحديث على التمام الا من كان صدرا في الاسلام انما قال النبي صلى الله عليه وآله انا مدينة العلم وابو بكر اساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها قال : فاستحسن الحاضرون ذلك وهو يردده ثم سألوه ان يخرج لهم اسناده فاغتم ولم يخرجه لهم انتهى (قلت) لعلك قد علمت ما ذكر هو في هذا الحديث من انه موضوع أو ضعيف ولكني اقول فيه من حيث المعنى انكاره من وجوه لم ار من تعرض لذكرها وهي (اولا) انه لا يستجاد من سيد الحكماء وامير الفصحاء ان يمثل في كلامه بسقف المدينة إذ لم توجد في الدنيا مدينة مسقوفة حتى يكون الحكيم ممثلا بها ولم نر ذلك في كلام احد من العرب اللهم الا ان يكون لخصوص البيوت (ثانيا) انه يقتضي تقديم ابي بكر على النبي صلى الله عليه واله وسلم حيث جعله اساسها والاساس مقدم على البنيان لانه اصله واقدم منه ولانه لولاه لما قام البناء (ثالثا) انه لو صح الحديث لاقتضى تمثيل عمر وعثمان رضى الله عنهما بالسقف والحيطان غاية القدح فيهما لان السقف

١٥٣

الحسين وحمل المال إليه والخروج معه على اللص المتغلب المسمى بالخليفة يعني هشام بن عبدالملك.

وذكر زين الدين العراقي رحمه الله انه كان في بعض ايام بني امية إذا سمعوا بطفل سمي بعلي قتلوه فكان الناس يبدلون اسماء اولادهم (وكان) الحسن البصري يروي احاديثه التي عن علي عليه السلام مرسلة خوفا من بني امية وهكذا كان الامر في ايام بني العباس وقد اشار إلى هذا العلامة احمد الحفظي في ارجوزته حيث قال :

والحسن البصري يروى عن علي

علومه وللسماع يجتلي

لكنه لو قال هذا قتلا

فكان يروي للحديث مرسلا

قال الامام احمد بن حنبل

لسائل عن فضل مولانا علي

ماذا اقول بعد كتمان العدا

للنصف من فضل الولى حسدا

ونصفه خوفا من القتل وذا

حقيقة يعرفها من احتذا

واظهر الله من الكتمين (١)

ما ملا البرين والبحرين

__________________

والحيطان والسور كما في رواية اخرى انما هي حواجز قوية تمنع فيض نور العلم المديني إلى الخارج فكأنهما الكاتمين للعلم والمانعين عنه من اراد الوصول إليه وحاشاهما من ذلك ومن المضحك هنا قول بعض المؤلفين ان كلا من الاساس والحيطان والسقف اعلى من الباب لان ذلك قول من يقوده التعصب إلى ارسال الكلام على عواهنه من غير امعان نظر في المعاني (انتهى جامعه).

(١) اقول لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال : فان جماعة قد ادعوا ابن يحيى العلوي رحمه الله ذكر قول بعضهم ان سبب كثرة الاحاديث الصحيحة الواردة في فضل الامام علي عليه السلام هو ما قام به اعداؤه من لعنه وسبه فحدث كل من الصحابة بما سمع من فضله لرده تلك البدعة والتحذير منها فقال الجد عبدالله رحمه الله ليس الامر كذلك لان الصحابة قد بلغوا جميع ما حفظوه عن نبيهم وبلغ التابعون جميع ما وعوا من اصحاب نبيهم وهكذا ولو وجدت احاديث في فضل غير علي من الصحابة كالتي جاءت في فضل علي لنقلت بطرق اكثر واشهر لعدم الخوف من عقاب الظالمين على روايتها ثم قرأ قوله تعالى ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (انتهى جامعه).

١٥٤

وهكذا ملك بني العباس

قد ضربوا الاخماس في الاسداس

وما قضى المنصور ذو الدوانق

في حجج الله على الخلائق

محمد ونفسه الزكية

والمحض عبدالله والذرية

وحبسه الديباج حتى صارا

كالجيفة الملقاة لا توارى

وفعل هرون بيحيى صدعا

صم الجبال والقلوب اوجعا

وحمل موسى الكاظم السجاد

من طيبة الفيحا إلى بغداد

مسلسلا عن اهله مطردا

ومات في سجن الغوى مقيدا

والآن زال العذر والحق ظهر

فأستلم الركن وقبل الحجر

وطلع النجم على الجهات

وامن الخلق من العاهات

وجاء نصرالله والفتح فما

بعد الهدى الا الضلال والعمى

نعم بقي حتى الآن لمعاوية انصار واذناب من العلماء الجامدين على ما في كتب المتأخرين ومن الغوغاء الذين لا يدرون الصواب من الخطاء ولا يفرقون بين الحق والباطل لا شوكة لهم ولا صولة ولكنهم يسلقون بالسنتهم كل من كشف غبار شبهة عن قبائح معاوية وينبزونه بالابتداع والرفض ويعربدون عليه عربدة السكارى جهلا منهم وحماقة وهذا هو غاية ما في استطاعتهم من اذية من صدع بالحق في هذا الباب ولا ارى في هذا عذرا كافيا للذين يريدون الله والدار الآخرة في كتم قبائح ذلك الطاغية والتملق بتعظيمه وتسويده وتوقيره والترضي عنه اجلالا له فان كل ذلك مغضب الله تعالى ومسخط له ومعين على هدم الاسلام كما مر بك قريبا في احاديث من لا ينطق عن الهوى وهي والله الجديرة بالاذعان لما فيها ورفض ما خالفها وماذا يضر الصادع بالحق والناطق بالصدق من سباب هؤلاء العصبة المتعصبين والطغام المتعنتين وماذا يلحقه من صخبهم واستطالتهم على عرضه إذا كان عند الله تعالى وعند رسوله عليه الصلاة والسلام وعند الصالحين من عباده محمودا مشكورا مبرورا.

١٥٥

إذا رضيت عني كرام عشيرتي

فلا زال غضبانا علي لئامها

واما الادلة على وجوب بغض معاوية في الله فكثيرة ايضا قال الله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم وابناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون.

المحادة المغاضبة والمخالفة كما في القاموس وغيره (وقال) الفخر الرازي رحمه الله في تفسيره المعنى انه لا يجتمع الايمان مع وداد اعداء الله تعالى وذلك لان من أحب احدا امتنع ان يحب مع ذلك عدوه وهذا على وجهين احدهما انهما لا يجتمعان في القلب فإذا حصل في القلب وداد اعداء الله لم يحصل فيه الايمان فيكون صاحبه منافقا والثاني انهما يجتمعان ولكنها معصية وكبيرة وعلى هذا الوجه لا يكون صاحب هذا الوداد كافرا بسبب هذا الوداد بل كان عاصيا في الله انتهى ثم قال : فيه ايضا وبالجملة فالآية زاجرة عن التودد إلى الكفار والفساق ورد عن النبي صلى الله عليه وآله انه كان يقول اللهم لا تجعل لفاجر ولا فاسق عندي نعمة فاني وجدت فيما اوحيت لاتجد قوما يؤمنون بالله (الآية انتهى).

قلت كما دلت الآية بمنطوقها على ان موادة من حاد الله ورسوله من الكفار والفساق مخطورة فكذلك تدل بمفهومها على ان بغض من حاد الله ورسوله مأمور به مطلوب.

وقد أخرج أبو داود الطيالسي عن البراء ابن عازب رضى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله اتدرون اي عرى الايمان اوثق قلنا الصلاة قال : الصلاة حسنة وليست بذلك قلنا الصيام فقال مثل ذلك حتى ذكرنا الجهاد فقال مثل ذلك قلنا اخبرنا يارسول الله قال : اوثق عرى الايمان الحب في الله

١٥٦

والبغض فيه واخرجه حمد في المسند من حديثه.

واخرج الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس رضي الله عنهما اوثق عرى الايمان الموالاة في الله والحب في الله والبغض في الله (وفي) قوت القلوب لابي طالب المكي وفي الاحياء ايضا يروى ان الله سبحانه وتعالى اوحي إلى عيسى عليه السلام لو انك عبدتني بعبادة اهل السموات والارض وحب في ليس وبغض في ليس ما اغني عنك ذلك شيئا (ومن) القوت ايضا قال روينا عن عمر بن الخطاب وابنه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : لو ان رجلا صام النهار لا يفطر وقام الليل لم ينم وجاهد ولم يحب في الله ويبغض في الله ما نفعه ذلك شيئا.

واخرج احمد في المسند عن أبي ذر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله احب الاعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله (واخرج) في المسند ايضا عن عمرو بن الجموع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحق لعبد صريح الايمان حتى يحب في الله ويبغض في الله.

وفي قوت القلوب والاحياء يروى ان الله تعالى اوحي إلى موسى عليه السلام هل عملت لي عملا قط فقال الهي اني صليت لك وصمت وتصدقت وزكيت فقال ان الصلاة لك برهان والصوم جنة والصدقة ظل والزكاة نور فأي عمل عملت لي قال : موسى الهي دلني على عمل هو لك قال يا موسى هل واليت لي وليا قط عاديت لي عدوا قط فعلم موسى ان افضل الاعمال الحب في الله والبغض في الله (وفيه) ايضا قال : الحسن البصري رحمه الله مصارمة الفاسق قربان إلى الله عزوجل.

(وفي) كتاب مكارم الاخلاف للشيخ رضي الدين الطبرسي رحمه الله قال : قال عليه وآله الصلاة والسلام من تولى جائرا في جوره كان قرين

١٥٧

هامان في جهنم إلى غير هذا مما جاء في هذا الباب.

وقد سئل الامام احمد بن حنبل رحمه الله أيؤجر الرجل على بغض من خالف حديث رسول الله صلى الله عليه وآله قال : اي والله بهذا يتضح لك ان بغض معاوية امر مشروع يلازم الايمان ويثاب عليه الانسان وان حبه وتوليه امر يسخط الرحمن ويباين الايمان وحقيق بالمؤمن الغيور على حرمات الله ان تهتك وعلى حدوده ان تتعدى وعلى الدين ان يبدل وعلى الشرع ان يستخف به إذا عرف ما ارتكبه معاوية من الموبقات واقترفه من المظالم المتعدي ضررها إلى الامة بأسرها وجرأته على الله عزوجل وتهاونه باوامره واستخفافه بزواجره ان يبغضه ويعاديه حتى يحق له صريح الايمان بمعادة من عادى الرحمن فان النبي صلى الله عليه وآله قال : في حق علي بن ابي طالب عليه السلام اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وقال : عليه وآله الصلاة والسلام عادى الله من عادى عليا وليس على ظهر الكرة الارضية اعدى لعلي من معاوية وقد صرح كرم الله وجهه بذلك في مواطن مذكورة في محالها من كتب السير.

يقول انصار معاوية انما نحبه لصحبته رسول الله صلى الله عليه وآله ولا سلامه ونقول لهم فلم لا تبغضونه لاساءته الصحبة كما سترى ذلك فيما سيأتي ولارتكابه الجرائم التي قدمنا ذكرها ان الحب في الله والبغض في الله متلازمان فمن زعم انه يحب في الله وهو لا يبغض فيه فقد غره بالله الغرور افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب.

ان مثل هؤلاء ومعاوية في ذلك كمثل رجل كان عدوا لدودا لمالك عظيم عادل فأظفر الله ذلك الملك بعدوه وانقاد له صاغرا راغم الانف وكان بعد ذلك ربما مشى في جند الملك وربما تألفه الملك بكلمات وربما حذر منه اتباعه ثم بعد مدة غير طويلة حكمت الاقدار على ذلك الملك العظيم بالذهاب إلى مملكة

١٥٨

اخرى اعظم من هذه فرتب الملك امور هذه المملكة وجعل فيها نوابا من خاصته واهل بيته وسن لهم قوانين وحد لهم حدودا في جميع امورهم ووعدهم إذا قدموا عليه بالمكافاة الحسنة والمواهب الجسيمة لمن اتبع ما سنه لهم وبالعقاب الشديد والعذاب الاليم لمن خالفه ثم بعد غيبوبة الملك وذهاب بعض نوابه إليه انتهز ذلك العدو الفرصة وجمع رعاعا واوباشا وغرهم بالاكاذيب وخدعهم بالاماني ثم ثار بهم في وجه اخي الملك وهو إذ ذاك نائبه واظهر زورا ان أخا الملك قد اخطأ في أمر ما ليغر اتباعه بذلك ثم لم يزل يراوغ مرة ويحارب اخرى حتى ذهب اخو الملك إليه بداع دعاه فأستحفل؟ ذلك العدو الباغي ووثب على المملكة ونحى عنها ولد الملك ثم قتله وابطل اكثر قوانين الملك وطرد خواصه والحق الذل بعشيرته ورهطه واهل مودته وسلط عليهم وعلى جميع الرعية رعاعه وسلفته واستصفى اموالهم ولم يأل جهدا في القتل والفساد والجور ثم تألفت بعد عصابة يتسابقون إلى المدح والثناء على ذلك الرجل الباغي جهارا ويتهافتون على تعظيمه وستر عيوبه وفواقره ونهى الناس عن ذكرها ويحثونهم على التكذيب بوقوعها مهما لكنهم ذلك ويختلفون له المعاذير الواهية.

ويرغبون إلى الملك ان يسبغ عليه افضاله ويجازيه بأحسن الجزاء على ما ارتكب من الفظائع في بيت الملك وخاصته ورعيته لانه واحد من جنده واغتفروا له كل عظيمة في جنب هذه المقدمة العقيمة وتصامموا وتعاموا عن ما اصاب الملك من هتك في اولاده وذل في خاصته وافساد في رعيته ومجاهرة بعصيانه واهدار لاحكامه واهانة لشرفه ثم مع هذا يزعمون انهم صاروا بعملهم هذا اخص الناس بالملك واطوعهم له واقربهم منه والاحق بعنايته وحلول نظره عليهم لانهم التزموا الادب مع الملك في زعمهم بحفظهم حرمة جنده الذي ربما مشى في ركاب الملك أو قضى حاجة من طفيف حاجاته فهم

١٥٩

لذلك يرجون من الملك الجوائز ويؤملون منه العطايا فهل ترى من عاقل على ظهر الارض لا يقطع بحماقة اولئك القوم أو بمراغمتهم للملك وكلا الامرين ضلال ووبال ولا حول ولا قوة الا بالله.

والحاصل ان كثيرا من الامة قد اتخذوا معاوية حبيبا مودودا كما اتخذت بنو اسرائيل عجلا معبودا كتب عليه انه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير وسينكشف لهم الغطا ويتبين الصواب من الخطا وستغشاهم الندامة إذا حشروا معه يوم القيامة فان المرء يحشر مع من احب وكفى بالمسلم خسارة ان يأتي ربه في زمرة امامها معاوية الباغي ووزيرها عمرو الطاغي وينفصل عن عصابة قائدها محمد المصطفى ووزيرها علي المرتضى مثل الفريقين كالاعمى والاصم والسميع والبصير هل يستويان مثلا افلا تذكرون.

(تذييل)

وقفت قريبا على كتاب لاحد فضلاء العصر اسبغ الله عليه فضله في فضائل الصحابة رضوان الله عليهم وقد ذكر فيه جملة صالحة مما ورد في فضلهم من الايات القرآنية والاحاديث النبوية الا انه عمم من ذلك ما كان خاصا واطلق من ذلك ما كان مقيدا تبعا لبعض من تقدمه من العلماء وتقليدا محضا لهم حتى انه اثبت لمعاوية وعمرو وامثالهم بذلك التعميم والاطلاق طرفا من الفضائل التي لا تدل تلك الآيات والاحاديث على شئ منها واعتذر عن بعض بوائقهم وفضائعهم بما اعتذر به عنها من قلدهم من دعوى الاجتهاد لهم واثبات الثواب على ما ارتكبوه من الكبائر والقبائح ولم يعط الادلة حقها من التخصيص والتقييد هيبة من الاقدام على مخالفة من قلدهم وتلك قضية انما يؤيدها الوهم ويهدمها البرهان إذ من البديهي ان اقدامنا على

١٦٠