وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي

وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

المؤلف:

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢١١

وانه كان مجتهداً في قتال أمير المؤمنين وقتله الانصار والمهاجرين ، وأنه يجوز أن يعول عليه في معالم الدين. انها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

(فصل)

هذا قيل من كثير مما تقلوه من قبائح اكبر الصحابة عندهم واكبر النساء عندهم أزواج النبي (ص) واكبر هن عائشة ، وقد خرجت الى قتال علي عليه السلام ومن معه من الانصار والمهاجرين بعد أن بايعه المسلمون (١) وخالفت الله تعالى في قوله (وقرن في بيوتكن) (٢) ، فخالفت أمر الله وهتكت حجاب رسوله وتبرجت في جيش عظيم واعتلت بدم عثمان وليست بولي الدم ولالها حكم الخلافة. مع أن ها طلبته من غير من هو عليه ، لان علياً لم يحضر قتله اجماعاً ولا أمر به كما رووه ، مع أنها كانت من اكبر المؤلبين على قتل عثمان وتقول : اقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا (٣) ، فلما بلغها قتله فرحت به فلما بايعوا علياً أسندت القتل إليه وقامت تطالب بدمه لبغضها علياً ، وتبعها على ذلك خلق كثير [ثلاثون ألفاً وقاتلوا بين يديها حتى قتل من كبرائهم وشجعانهم ستة عشر ألفاً وسبعمائة وتسعون رجلا ، وكان أتباع علي وجنده يومئذ عشرون ألفاً قتل منهم ألف وسبعون

__________________

١. الامامة والسياسة ١ / ٤٩.

٢. سورة الاحزاب : ٣٣.

٣. في لسان العرب ١١ / ٦٧٠ النعثل : الشيخ الاحمق ، ونعثل رجل من أهل مصر كان طويل اللحية كان يشبه عثمان ، وفي حديث عائشة اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا. تعنى عثمان ، وكان هذا منها لما غاضبته وذهبت الى مكة.

٨١

رجلا ، وقد قتل بسببها من أولاد الانصار والمهاجرين واتابعين سبعة عشر ألف وثمانمائة وستون] (١).

وفاطمة عليها السلام لما جاءت تطالب بحق ارثها الذي جعله الله لها في كتابه وتطالب بنحلتها من أبيها وكانت محققة مطهرة لم يتبعها مخلوق ولم يساعدها بشر فليعتبر في ذلك ذو اللب فان فيه معتبراً.

ثم انها جعلت بيت النبي صلى الله عليه وآله مقبرة لابيها ولعمر وهما أجنبيان فان كان هذا البيت ميراثاً وجب استئذان كل الورثة ولزوم كذب أبى بكر ، وان كان صدقة وجب استئذان المسلمين ، وان كان ملك عائسة كذبها أنها لم يكن لها ولا لابيها في المدينة دار.

وقد روى في الجميع بين الصحيحين أن النبي (ص) قال : ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة (٢).

وقد روى في الجمع بين الصحيحين أن النبي (ص) قال : إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتى هذا على شفير قبري. ولم يقل في الموضعين بيت عائشة. وقتل بسببها نحو ستة عشر ألفاً من المهاجرين والانصار وغيرهم ، وأفشت سر النبي صلى الله عليه وآله كما حكاه الله تعالى عنها (٣).

ونقل الغزالي كثيراً من سوء صحبتها للنبى (ص) ، فروى أن أبا بكر دخل يوماً على النبي وقد وقع في حقه منها مكروهاً ، فكلفه النبي أن يسمع منها ما جرى ويدخل بينهما ، فقال النبي : تتكلمين أو أتكلم. فقالت : تكلم ولا

__________________

١. الزايادة في النسخة المطبوعة فقط.

٢. صحيح البخاري ١ / ١٩٥ ، ٢٥٤ ، ٢ / ٩٧٥ ، ١٠٩٠ ، سنن الترمذي ٥ / ٧١٨.

٣. صحيح البخاري ١ / ٤٩٨ و ٢ / ١٠٥٠.

٨٢

تقولن الا حقاً.

وأيم الله لو خاطب المثل لمثله بذلك لعد مسيئاً للادب ، بل هذا يدل على أنها تعتقد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد يقول غير الحق.

وروى البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر قال : قام النبي (ص) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة وقال : الفتنة ههنا ـ ثلاثاً ـ حيث يطلع قرن الشيطان. وروى فيه أيضاً قال : خرج النبي (ص) من بيت عائشة وقال : رأس الكفر من ههنا حيث يطلع قرن الشيطان.

(فصل)

وهذا الذي نقلناه من الكتاب العزيز والسنة الصحيحة عندهم من مدائح الفريقين ومذامهما قليل من كثير ونزر حقير من جم غفير ، يعلم صدق ذلك من طالع صحاحهم وصحاحنا وكتب المناقب والثالب والسير والاخبار لنا ولهم. وحيث أنهم نقلوه في صحاحهم وغيرها لم يكن لهم سبيل الى انكاره ، ولهذا تمحلوا للجواب عنه بما يصغر [عن النقل] (١) ويحكم بفساده من له أدنى عقل ، وهو في الحقيقة يفيد العلم بعدالة الفرقة الاولى وصلوحهم لاخذ معالم الدين عنهم ، ويفيد العلم بفسق الفرقة الثانية أو كفرها ، لانه من قبيل التواتر معنى.

خصوصاً ومن ذكرناهم هم أفضل الصحابة عندهم فما ظنك بالمفضول. سلمنا أنه لا يفيد العلم فهو يفيد الظن الغالب ، فكيف يعدل عنه الى الوهم بغير

__________________

١. الزيادة من المخطوطة.

٨٣

دليل. سلمنا أن جميع ما نقلوه فيها كذب فكيف نصنع بالكتاب العزيز وكيف تركن النفس حينئذ الى صدق باقي ما نقلوه.

ونحن بحمد الله قد أفادنا الكتاب العزيز والسنة الثابتة عندهم والاحاديث الصحيحة عندنا الكثيرة المستفيضة بل المتواترة معنى والبراهين القاطعة المقررة في الكلام علماً ضرورياً بعصمة الفرقة الاولى فضلا عن عدالتها وبكفر الفرقة الثانية فضلا عن فسقها بحيث لا نشك فيه ولا نمتري.

ولو تنزلنا وسلمنا أنه في نفس الامر ليس كذلك لمن نكن مأئومين ، حيث أن هذا هو الذي أدانا إليه اجتهادنا ، ولا يكلف الله نفساً الا وسعها (١).

والعجب كيف جوزوا الاجتهاد في تخلف ابى بكر وعمر عن جيش أسامة وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله من تخلف عنه ، وفي احراقهما بالنار بيت علي وفيه علي وفاطمة والحسنين وهم أهل البيت الذين طهرهم الله وحث النبي على التمسك بهم واكد في الوصية بهم ، وفي سفك الصحابة بعضهم دم بعض ، وسفك طلحة والزبير وعائشة دماء الانصار والمهاجرين وقتال أمير المؤمنين عليه السلام ، وفي قتال معاوية وسفك دمه ودم من معه من الانصار والمهاجرين ولم يجوزوا لائمتنا وأكابر علمائنا الاجتهاد في سبهم والعدول عما نقلوه من أحكام الدين الى ما نقلوه عن أهل البيت المطهرين بعد ما نقلوه في شأن الفريقين من الامر الواضح البين.

وبالجملة لما رأينا الاله العظيم ورسوله الكريم قد مدحا أهل البيت وأمرا بالتمسك بهم كما ذكرناه ذما عامة أصحابه ونصا على ارتدادهم بعده بما نقلناه تمسكاً بأهل البيت المطهرين الذين أخبر النبي صلى الله عليه وآله أن المتمسك

__________________

١. سورة البقرة : ٢٨٦.

٨٤

بهم لن يضل أبداً ونقلنا أحاديثهم وأخذنا معالم شرعنا عنهم ورفضنا عامة أصحابه وطرحنا منا تفردوا بنقله ، الا من علمنا منه الصلاح كسلمان والمقداد وعمار بن ياسر وأبى ذر وأشباههم من أتقياء الصحابة وأجلائهم المقررين في كتب الرجال عندنا ممن لم يخل عن أهل البيت طرفة عين أو رجع إليهم عند ما ظهر له الحق ، وعليهم حملنا ما جاء في القرآن العزيز والسنة المطهرة من المدح للصحابة على سبيل الاجمال ، فاستقام لنا في الجمع بين مدحهم وذمهم الحال ، واهتدينا بذلك من فضل الله الى سواء الطريق ، والله ولي التوفيق.

(اصل)

وأصولنا الخمسة (الكافي) و (مدينة العلم) وكتاب (من لا يحضره الفقيه) و (التهذيب) و (الاستبصار) قد احتوت على اكثر الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله والائمة المعصومين عليهم السلام عندنا وأهمها بحيث لا يشذ عنها الا النزر القليل.

وجمعت من الاحاديث الصحيحة وغيرها مما قد اشتمل على الاحكام العلمية والعملية والسنن والاداب والمواعظ والادعية والتفسير ومكارم الاخلاق ما لا يكاد يحصى ولا يوجد في سواها.

أما كتاب (الكافي) فهو للشيخ ابى جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ره) شيخ عصره في وقته ووجه العلماء والنبلاء. كان أوثق الناس في الحديث وأنقدهم له وأعرفهم به.

صنف الكافي وهذبه وبوبه في عشرين ستة ، وهو مشتمل على ثلاثين كتاباً ، تحتوي على ما يحتوي عليه غيره مما ذكرناه من العلوم ، حتى أن فيه ما يزيد

٨٥

على ما في الصحاح الست للعامة متوناً وأسانيد ، وهذا لا يخفى على من نظر فيه وفيها.

توفي هذا الشيخ (ره) ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، وقيل سنة تسع وعشرين سنة تناثر النجوم ، ودفن في باب الكوفة بمقبرتها في صراط الطائي.

قال الشيخ أبو عبد الله احمد بن عبدون (ره) : رأيت قبره في صراط الطائي وعليه لوح مكتوب عليه اسمه واسم أبيه. رحمه الله تعالى.

وأما كتاب (مدينة العلم) و (من لا يحضره الفقيه) فهما للشيخ الجليل النبيل ابى جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ره) ، وكان هذا الشيخ جليل القدر عظيم المنزلة في الخاصة والعامة ، حافاً للاحاديث بصيراً بالفقه والرجال والعلوم العقلية والنقلية ناقداً للاخبار ، شيخ الفرقة الناجية وفقيهها وجهها بخراسان وعراق العجم.

وله أيضاً كتب جليلة ، منها كتاب (دعائم الاسلام) وكتاب (غريب حديث النبي والائمة عليهم السلام) وكتاب (ثواب العمال وعقبها) وكتاب (التوحيد) وكتاب (دين الامامية) الى نحو ثلاثمائة مصنف.

لم ير في عصره مثله في حفظه وكثيرة علمه ، ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن ، ومات في الري سنة احدى وثمانين وثلاثمائة. رحمه الله تعالى.

وأما كتاب (التهذيب) و (الاستبصار) فهما لامام وقته وشيخ عصره ورئيس هذه الطائفة وعمدتها بل رئيس العلماء كافة في وقته ابى جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ره).

حاله وجلالة قدره أوضح من أن يوضح ، اعترف بفضله وغزارة علمه

٨٦

وعلو شأنه الخاصة والعامة.

ولد في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ، وقدم العراق سنة ثمان وأربعمائة ، وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر المحرم سنة ستين وأربعمائة بالمشهد الشريف الغروي على مشرفه السلام ، ودفن بداره ، وقبره الان هناك معروف. رحمه الله تعالى.

٨٧

أصول

(في التعريفات والتقسيمات والاصطلاحات)

(في الالقاب)

(اصل)

موضوع هذا العلم في الاصل المقصود بالذات السنة المطهرة ، وهي طريقة النبي صلى الله عليه وآله أو الامام المحكية عنه ، فالنبى بالاصالة والامام بالنيابة.

وهي : قول ، وفعل ، وتقرير.

ويتبع تلك البحث عن الاثار ، وهي أقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم. واكثر أهل الحديث يطلقون على الكل اسم (الحديث) ، ولهذا يقسمونه الى مرفوع وموقوف. وقد نشير هنا الى طريقهم في ذلك.

ثم ان البحث في السنة القولية اما : في المتن ، أو في السند.

٨٨

أما البحث في المتن :

وهو في الاصل ما اكتنف الصلب من الحيوان. ومتن الشئ : قوي ، ومنه حبل متين. ومتن الشئ : ما به يتقوم ويتقوى ، كما أن الحيوان يتقوى بالظهر.

وفي الاصطلاح هو : ألفاظ الحديث المقصوة بالذات التي تتقوم بها المعاني. فانه ينقسم باعتبار وضوح الدلالة على المراد منه وخفائها الى (نص) و (مجمل) و (ظاهر) و (مؤل) ، لان اللفظ ان كان له معنى واحد لا يحتمل غيره فهو (النص) ، وان احتمل فان تساوى الاحتمالان فهو (المجمل) ، وان ترجح أحدهما فان أريد المرجوح لدليل فهو (المؤل) ، وان أريد الراجح فهو (الظاهر).

ورجحانه اما بحسب الحقيقة الشرعية كدلالة الصوم على الامساك (١) عن المفطرات ، أو بحسب العرف كدلالة الغائط على الفضلة (٢). وهذان وان كانا نصين باعتبار الشرع والعرف الا أن ارادة الموضوع له الاول لم تنتف انتفاءاً يقيناً.

ومن الراجح (المطلق) ، وهو اللفظ الدال على تعلق الحكم بالمهية لا بقيد منضم دلالة ظاهرة.

ومنه (العالم) ، وهو اللفظ الدال على اثنين فصاعداً من غير حصر ، فان دلالته على استيعاب الافراد ظاهر لا قاطع.

وقد ينقسم باعتبار آخر الى (حقيقة) و (مجاز) و (مشترك) و (منقول) أي يأتي في ألفاظه هذه الامور (٣) ، و (مطلق) و (مقيد) و (عام) و (خاص)

__________________

١. لان الصوم. في اللغة موضوع لمطلق الامساك عن أي شئ كان منه ..

٢. والغائط. في اللغة موضوع لموضع منخفض من الارض منه ..

٣. يعنى يأتي في القابه وتسميته هذه الامور ، أي هذه الالفاظ منه ..

٨٩

و (مبين) في نفسه وما لحقه البيان وهو (المبين) اسم فاعل و (ناسخ) و (منسوخ).

وتحقيق ذلك ونحوه من وظائف الاصولي ، وانما الواجب على المحدث معرفتها من الاصول ليضع الاحاديث على مواضعها منها ، فيعطي كل حديث حقه إذا أراد العمل بالاحاديث وذلك من وظائف الفقيه ، فإذا عرفها وأعطى الحديث حقه من ذلك عمل به بعد صحة السند.

وانما نبهنا على ذلك لئلا يجترئ بعض القاصرين عن درجة الاستنباط على العمل بما يجده من الاحدايث صحيحاً ، فان دون العمل به بعد صحة سند بيداء لا تكاد تبيد.

(اصل)

وأما البحث في السند :

وهو المقصود من هذا الباب ، فاعلم :

ان (السند) هو طرق المتن ، أعني مجموع من رووه واحداً عن واحد حتى يصل الى صاحبه ، مأخوذ من قولهم (فلان سند) أي يستند إليه في الامور أي يعتمد عليه ، فسمي الطريق سنداً لاعتماد المحديثين والفقهاء في صحة الحديث وضعفه على ذلك ، والاسناد هو ذكر طريقه حتى يرتفع الى صاحبه.

وقد يطلق (الاسناد) على (السند) ، فيقال : اسناد هذا الحديث صحيح أو ضعيف ، وذلك لان المتن إذا ورد فلابد له من طريق موصل الى قائلة ، فهذا الطريق باعتبار كونه معتمداً للعلماء في الصحة والضعف يسمى (سنداً) ، وباعتبار تضمنه رفع الحديث الى القائل يسمى (اسناداً).

٩٠

ثم ان أسماء متن الحديث تختلف باعتبار اختلاف سنده في القوة والضعف والاتصال والقطع ونحو ذلك ، ويترتب على ذلك فوائد : جواز العمل به وعدمه وأنواع الترجيحات المقررة في الاصول.

وأما السنة الفعلية :

فان فعلهم (ع) إذا وقع بياناً تبع المبين في وجوبه وندبه واباحته ، وان فعلوه ابتداءاً فلاحجة فيه على الاقوى (١) الا أن يعلم الوجه الذي وقع عليه.

وأما فعلهم المجرد فانه يدل على الجواز ان كان في الافعال العرفية وعلى الرجحان ان كان في العبادات.

وأما السنة التقريرية : فان النبي صلى الله عليه وآله لا يقر على منكر وكذلك الائمة المعصومون بعده صلوات الله عليهم الالتقية ، فما فعل بحضرتهم أو غيرها مما علموا به ولم ينكروه من غير تقية فانه يدل على جوازه.

وأما البحث في سند السنة الفعلية والتقريرية ففيه ما في سند القوالية من الاقسام والكلام ، كما نبينه انشاء الله تعالى.

(اصل)

الخبر اما صدق قطعاً كخبر الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وآله ، أو كذب قطعاً كخبر مسيلمة بأنه أوحي إليه ، أو مظنون الصدق كخبر العدل ،

__________________

١. أي لا بياناً ، فلا حجة في كونه واجباً أو ندباً أو مباحاً منه ..

٩١

أو الكذب كبعض أخبار الفساق ، أو مشكوك كبعض أخبار المجهولين.

ثم الاخبار منها (متواتر)

وهو ما رواه جماعة يحصل العلم بقولهم للقطع بعدم امكان توطئهم على الكذب عادة. ويشترط ذلك في كل طبقاته صحيحاً كان أولا ، وهو مقبول لوجوب العمل بالعلم.

وهذا لا يكاد يعرفه المحدثون في الاحاديث لقلته ، وهو كالقرآن وظهور النبي والقبلة والصلوات وأعداد الركعات والحج ومقادير نصب الزكوات. نعم المتواتر بالمعنى كثير كشجاعة علي وكرم حاتم.

ويشترط كونه : ضرورياً لا مظنوناً ، مستنداً الى محسوس لا مثل حدوث العالم وصدق الانبياء ، وان لا يسبق الى السامع شبهة أو تقليد ينافي موجب الخبر كما حققه السيد المرتضى (ره) وتبعه المحققون ، لان حصول الشبهة والتقليد مانعان عن حصول العلم العادي من الخبر المتواتر ، ولهذا أنكر الكفار ما تواتر من معاجز نبينا صلى الله عليه وآله ، وأنكر المخالفون ما تواتر من النص على علي عليه السلام بالامامة.

والقدر الذي يحصل به التواتر غير معلوم لنا ، لكنا بحصول العلم نستدل على كمال العدد ، وذلك يختلف باختلاف الاخبار والمخبرين ، ويعسر تجربة ذلك. وان تكلفناه فسبيله أن نراقب أنفسنا ، فإذا أخبرنا بوجود شئ خبراً متولياً فان قول الاول يحرك الظن وقول الثاني والثالث يؤكده ، وهلم جراً الى أن يصير ضرورياً.

وحديث الغدير متواتر عندنا ، وحديث (من كذب علي فليتبوأ مقعده من

٩٢

النار) متواتر عند العامة لانه نقله عن النبي صلى الله عليه وآله الجم الغفير قيل أربعون وقيل اثنان وستون ثم لم يزل العدد في ازدياد على التوالي الى يومنا هذا ، وحديث (انما الاعمال بالنيات) غير متواتر وان نقله الان عدد التواتر وزيادة ، لان ذلك طرأ عليه في وسط اسناده.

ومنها (آحاد)

وهو بخلاف ، وهو ينقسم أولا الى : صحيح ، وحسن ، وموثق ، وضعيف.

الاول : الصحيح

وهو ما اتصل سنده بالعدل الامامي الضابط عن مثله حتى يصل الى المعصوم من غير شذوذ ولاعلة.

ومن رأينا كلامه من أصحابنا لم يعتبر هذين القيدين ، وقد اعتبرهما اكثر محدثي العامة. وعدم اعتبار الشذوذ أوجد ، إذ لا مانع أن يقال صحيح ، وهو المنكر كما يأتي.

وأما (المعلل) فغير صحيح : أما إذا كانت العلة في السند فظاهر ، وأما إذا كانت في المتن فكذلك ، لان المتن حينئذ يكون غير صحيح لما فيه من الخلل بالعلة ، فيعلم أو يغلب على الظن أنه على ما هو عليه ليس من كلامهم. نعم قال فيه صحيح السند.

فالصحيح على هذا ما صح سنده من الضعف والقطع ومتنه من العلة. وكيف كان هو اختلاف في الاصطلاح.

٩٣

وقد يطلق عليه (المتصل) و (المعنعن) وان كان كل منهما أعم منه.

وقد يطلق نادراً الصحيح على سليم الطريق من الطعن وان اعتراه ارسال أو قطع ، فيطلق على ما كان رجاله المذكورون عدولا وان اشتمل بعد ذلك على أمر آخر ، فيقولون (روى ابن ابى عمير في الصحيح) وان كانت تلك الرواية مرسلة أو مقطوعة ، أو كان ذلك الذي اسندت إليه ليس عدلا امامياً ولكن صح ما سواه.

وإذا قيل (صحيح) فهذا معناه لا أنه مقطوع بصحته ، وإذا قيل (غير صحيح) فمعناه لم يصح اسناده لا أنه كذب.

ولا شبهة في تفاوت طبقات صحة الصحيح كما تتفاوت طبقات ضعف الضعيف وحسن الحسن.

وهو مقبول عند أكثر أصحابنا المتأخرين مطلقاً ، وعند الكل إذا اعتضد بقطعي كفحوى الكتاب أو فحوى المتواتر أو عمومهما أو دليل العقل أو كان مقبولا بين الاصحاب.

وقد يقبلون غير الصحيح أيضاً إذا اعتضد بما ذكرناه ويردون الخبر مطلقا بمخالفة مضمونه الكتاب أو السنة أو الاجماع ، لامتناع ترجيح الظن على العلم ، وباعراض الاكثر عنه وبمعارضته أقوى اسناداً أو متنا أو بمرجح من المرجحات.

إذا عرفت ذلك فصحاح العامة كلها وجميع ما يروونه غير صحيح ، فلا يحكم بكذب كل واحد واحد من أحاديثها ولا بصدقه الا بدليل من خارج ، ولهذا لم يزل علماؤنا المتقدمون والمتأخرون يتداولون نقل صحاحهم ورواياتهم بالرواية وصار ذلك متعارفا بينهم حتى اتصل الينا من طرقنا وطرقهم.

وانما نقلها أصحابنا لما يترتب عليها من جواز العمل بالسنن والادب

٩٤

والمواعظ وكلما لا يتعلق بالاحكام وصفات ذي الجلال والاكرام على ما اشتهر بين العلماء.

ويمكن أن يستدل لذلك بحديث (من بلغه شئ من أعمال الخير فعمل به أعطاه الله ذلك وان لم يكن الامر على ما بلغه) ولما تفيده من الاعتبار والشواهد في بعض الموارد كما نبينه في موضعه انشاء الله تعالى.

تنبيه : ما حذف من مبتدأ اسناده واحداً أو اكثر أو من وسطه أو آخره كذلك : فما كان منه بصيغة الجزم ك (قال) أو (فعل) و (روى) و (ذكر فلان) فهو حكم من المسند بصحته عن المضاف إليه في الظاهر ، وما ليس فيه جزم ك (يروى) و (يذكر) و (يحكى) فليس فيه حكم بصحته عن المضاف إليه.

وقد أورد الشيخ في التهذيب من القسمين أحاديث عديدة ، أسند كثيراً منها الى أصحاب الائمة عليهم السلام ، فما كان ذلك مذكور السند في ضوابطه فهو متصل ، وما لم يكن داخلا في ضوابطه فما كان بصيغة الجزم فهو حكم بصحته في الظاهر ، وما لا فلا. فيتدبر ذلك.

الثاني : الحسن

وهو عندنا ما رواه الممدوح من غير نص على عدالته ـ كذا قاله الشهيد والمتأخرون.

وفيه نظر ، لانه شامل لصحيح العقيدة وفاسدها ولمن كان ممدوحاً من وجه وان نص على ضعفه من وجه آخر ، وشامل لاقسام الممدوح كلها وبعضها لا يخرج الممدوح بها عن قسم المجهولين ، مثل (مصنف) و (كثير الرواية) و (له كتاب)

٩٥

و (أخذ عنه) وشبه ذلك.

والانسب ان يقال : هو ما رواه الممدوح مدحاً يقرب من التعديل ، ولم يصرح بعدالته ولا ضعفه مع صحة عقيدته.

والقيد الاخير لاخراج من كان فاسد العقيدة ولم ينص على ثقته ومدح ، فانه من قسم الضعيف على ما قلناه ومن الحسن على ما عرفوه [والمراد أنه رواه من هو كذلك وباقي رجاله عدولا ، والا كان ضعيفاً ، لان الحديث يتبع أخس ما فيه من الصفات على ما اصطلحوا عليه.

واعلم أن ما تقدم في الصحيح آت هنا ، وهو أن الحديث يوصف بالحسن وان اعتراه قطع أو ارسال بل أو ضعف إذا وقع الحسن بعد من النسب إليه ، كما حكم العلامة وغيره بأن طريق الفقيه الى منذر بن جبير حسن مع أن منذر مجهول ، وكذا طريقه الى ادريس بن زيد ، وان طريقه الى سماعة حسن مع أنه واقفي وذكر جماعة أن رواية زرارة في مفسد الحج حسنة مع أنها مقطوعة] (١) وعلى كل حال فالحسن وسط بنى الصحيح والضعيف ، فهو قريب الى الصحيح ، حيث أن رجاله مستورون ، واحتمال الكذب أقرب إليه من الصحيح وأبعد من الضعيف.

والحاصل عن شرائط الصحيح معتبرة في الحسن ، لكنه لابد في الصحيح من كون العدالة ظاهرة وكون الاتقان والضبط كاملا ، وليس ذلك شرطاً في الحسن.

وعند العامة هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله.

وقال بعضهم : هو الذي فيه ضعف قريب محتمل يصلح للعمل به.

ولهم تعريفات أخرى متقاربة ، وعليه مدار

__________________

١. الزيادة موضوعة في المخطوطة في المتن وفي المطبوعة في الهامش.

٩٦

اكثر أحاديثهم ، وقبله اكثر علمائهم وعمل به عامة فقهائهم ، بناءاً على قاعدتهم من عدم اشتراط علم العدالة والاكتفاء بعدم علم الفسق في الشاهد والراوي.

وأما اكثر علمائنا فلم يعملوا به بناءاً على قاعدتهم من اشتراط علم العدالة وعدم الاكتفاء بعدم علم الفسق فيهما ، ولكن كثيراً ما يحتجون به كما يحتجون بالصحيح وان كان دونه في القوة ، ويعملون به إذا اعتضد بما يقويه من عموم أو حديث آخر أو شبههما ، وقد عمل به الشيخ وجماعة (١).

وربما قالوا (حديث حسن الاسناد) أو (صحيحه) دون قولهم (حديث حسن) أو (صحيح) ، لانه قد يصح أو يحسن الاسناد دون المتن لعلة أو لشذوذ على قررناه فيما سبق.

تنبيه : قد يروى الحديث من طريقين أو أكثر أحدهما صحيح والاخر حسن أو موثق أو ضعيف ، فيغلب فيه الاقوى يكون الاخر شاهداً ومقوياً له.

وقد يحكم بعض علمائنا بصحة حديث والاخر بحسنه أو توثيقه أو ضعفه ، اما لانه رواه بطريق صحيح لم يقف عليه الاخر ، واما لاعتقاده ثقة الراوي وعدم اعتقاد الاخر ذلك ، فيحكم كل واحد بحسب ما وصل إليه.

الثالث : الموثق

وهو من خواصنا ، لان العامة يدخلونه في قسم الصحيح.

__________________

١. ممن اكتفى في العدالة بظاهر الاسلام ولم يشترط ظهورها فصل المحقق في المعتبر والشهيد ، فقبلوا الحسن والموثق بل والضعيف إذا كان العمل بمضمونه مشتهراً بين الاصحاب ، حتى قدموه على الصحيح حيث لا يكون العمل بمضمونه مشتهراً منه ..

٩٧

وهو عندنا ما رواه من نص أصحابنا على ثقته مع فساد عقيدته بوقف أو عامية أو شبههما. وقد يسمى (القوي).

وقد يراد بالقوي مروي الامامي غير الممدوح ولا المذموم ، أو مروي المشهور في التقدم غير الموثق.

والاول هو المتعارف بين الفقهاء.

الرابع : الضعيف

وهو ما لم يجمع صفة الصحيح أو الحسن أو الموثق ، أعني ما في سنده مذموم أو فاسد العقيدة غير منصوص على ثقته أو مجهول وان كان باقي رجاله عدولا ، لان الحديث يتبع لقب أدنى رجاله.

تنبيه :

قد يروى الحديث من طريقين حسنين أو موثقين أو ضعيفين أو بالتفريق ، أو يروى بأكثر من طريقين كذلك فيكون مستفيضاً.

وكيف كان لا شبهة أنه أقوى مما روي بطريق واحد من ذلك الصنف.

وهل يعادل في القوة ما فوقه من الدرجة؟ لم أقف لاصحابنا في هذا على كلام.

وبعص العامة حكم بأنه لا يبلغ ، وبعضهم حكم ببلوغه.

والذي أقواله : ان هذا الامر يختلف جداً بحسب تفاوة الرواة في المدح وبحسب تكثر الطرق وقلتها وبحسب المتن من حيث موافقته لعمومات الكتاب أو السنة أو عمل العلماء أو نحو ذلك ، وقد يساوي الحسن إذا تكثرت طرقه الصحيح أو يزيد عنه إذا كان ذا مرجحات أخر ، لان مدارك ذلك على غلبة الظن بصدق

٩٨

مضمونه التي هي مناط العمل وان كان لا يسمى في العرف صحيحاً.

واعلم أن ما يقارب الصحيح عندنا في الاحتجاج ما رواه علي بن ابراهيم عن أبيه ، لان أباه ممدوح جداً ولم نر أحداً من أصحابنا نص على ثقته ولكنهم وثقوا ابنه.

بل هو عندنا من أجلاء الاصحاب ، واكثر رواياته عن أبيه.

(اصل)

هذا التقسيم الذي قسمناه هو أصل التقسيم عند أصحابنا والعامة لكن باستثناء الموثق ، وقد ينقسم الى أقسام أخر باعتبار ما يعرض له فتخلف ألقابه ، وهو أنواع : الاول : المقبول وهو ما تلقاه العلماء بالقبول والعمل بمضمونه من أي الاقسام كان [ويجب العمل بمضمونه ، وذلك كحديث عمر بن حنظلة] (١).

الثاني : المشهور

وهو ما زاد روايه على ثلاثة ، ويسمى (المستفيض) أيضاً ، وقد يطلق على ما اشتهر العمل به بين الاصحاب.

وعند العامة هو ما شاع عند أهل الحديث خاصة ، بأن نقله رواة كثيرون أو عندهم وعند غيرهم ، نحو (انما الاعمال بالنيات) أو عند غيرهم خاصة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم (للسائل حق وان جاء على فرس) (٢) و (يوم نحركم

__________________

١. الزيادة من المخطوطة.

٢. سنن ابى داوود ٢ / ١٦٢.

٩٩

يوم صومكم). قال بعضهم : هذان حديثان يدوران في الاسواق وليس لهما أصل في الاعتبار.

الثالث : المسند

وهو ما اتصل سنده كائناً من كان ، أي لم يسقط منه أحد من الرواة ، بأن يكون كل واحد أخذه ممن هو فوقه حتى يصل الى متنهاه كائناً من كان.

ويقال له (المتصل) و (الموصول) ، ويقابله (المنقطع) مرسلا أو معلقاً أو معضلا كما يأتي.

وبعض العامة يجعل (المسند) ما اتصل سنده الى النبي صلى الله عليه واله ، وعندنا يكون ما اتصل بالمعصوم ، فيخرج الموقوف على غيره إذا جاء بسند متصل ، لانه لا يسمى في العرف مسنداً ، و (المتصل) ما اتصل سنده بقائله مرفوعاً كان أو موقوفاً.

والاول أضبط وأشهر.

الرابع : المعنعن

وهو ما يقال في سنده (فلان عن فلان).

والصحيح عند العامة أنه متصل إذا أمكن اللقاء وأمن من التدليس [بأن لا يكون معروفاً به] (١).

وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه خلاف بين المحدثين ، والاصح عدم اشتراط شئ من ذلك ، لحمل فعل المؤمن على الصحة.

وأما عندنا فلا شبهة في اتصاله بالشرطين المذكورين.

وقال بعض متأخري العامة : قد كثر في زماننا وما قاربه استعمال (عن) في

__________________

١. الزيادة من المخطوطة.

١٠٠