وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي

وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

المؤلف:

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢١١
٢١

٢٢

٢٣
٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله فاتح الاغلاق ، مانح الاعلاق ، مسبغ العطاء ، مسبل الغطاء ، الذي خلق الانسان فأجزل عليه الاحسان ، حيث أقام من نوعه أقواما فجعلهم لملته قواماً وعلى أمته قواماً ، ثم قرن طاعتهم بطاعته تفضلا بمنه الغمر ، فقال عز من قائل (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر) (١). ثم أوجب على من سواهم الاهتداء بمنارهم والاقتداء بمبارهم ، فاستفز ذوي الهمم للرجوع في الاحكام إليهم والاعتماد في سلوك طريق الانذار عليهم ، فقال جل ثناؤه (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) (٢).

أحمده على من طوقه ، وأمن وفقه ، ويمن دفقه ، وظن حققه ، ونعمة أولاها ونقمة ألواها ، ورحمة والاها.

__________________

١. سورة النساء : ٥٩.

٢. سورة التوبة : ٢٢.

٢٥

وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ، شهادة من صدع بالحق لسانه ونزع عن التقليد جنانه ، شهادة يحظى بها الشاهد ويلظى بها الجاحد ويرغم بها المنافق ويعظم بها الخالق.

وأصلي على سيدنا محمد خاتم الانبياء وحاتم الاسخياء. الذي أرسله بكتاب أحكمه وصواب ألزمه ، وغمرات (١) الشرك حينئذ طافحة وجمرات الشك لافحة (٢) ، فلم يزل بزناد الايمان قادحاً (٣) ، ولعباد الاوثان مكافحاً (٤) ، وبالحقوق طالباً ، وعن الفسوق ناكباً (٥) ، حتى شد من الحق قواعده ، وهد من الباطل أوابده (٦) ، وأظهر من الدين حقائقه ، وأنور من اليقين شوارقه ، فأقام بارسالة الحجة (٧) ، وقوم بآله وأنساله المحجة ، فأنار بهم الهدى ، وأبار الردى ، وجعلهم الحجج على خلقه ، والباب المؤدي الى معرفة حقه ، ليدين بهداهم العباد ، وتشرق بنورهم البلاد ، وجعلهم حياة للانام ، ومصابيح للظلام ، ومفاتيح للكلام ، ودعائم للاسلام ، بعد أن اختارهم من ارجح الخليقة ميزاناً ، وأوضحها بياناً ،

__________________

١. الغمرة : الانهماك في الباطل والشدة ، والجمع الغمرات. وغمرات الموت : شدائده والطافح : الممتلئ المرتفع.

٢. جمرة النار : القطعة المتلهبة منها. ولفحته النار : أصابت وجهه ، الا أن النفح أعظم تأثيراً منه.

٣. الزند : الذى يقدح به النار ، ويجمع على زناد ، مثل سهم وسهام. والقادحة : مستخرج النار من الزند.

٤. المكافحة : المضاربة والمدافعة تلقاء الوجه.

٥. نكب عن الشئ : عدل وأعرض.

٦. الابدة : الداهية تبقى على الابد ، والجمع الاوايد.

٧. في المطبوعة فأقام بارسال الحجة ..

٢٦

وأفصحها لساناً ، وأسمحها بناناً ، وأعلاها مقاماً ، وأحلاها كلاماً ، وأوفاها ذماماً ، وأبعدها همماً : وأظهرها شيماً ، وأغزرها ديما (١) ، فأوضحوا الحقيقة ، ونصحوا الخليقة ، وشهروا الاسلام ، وكسروا الاصنام ، وأضهروا الاحكام ، وحظروا الحرام.

فعليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم السلام ، صلاة وسلاماً دائمين بدوام الليالي والايام.

وبعد :

فيقول فقير رحمة ربه الغني (حسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني) أصلح الله أعماله وبلغه آماله : لما كان التفقه في زماننا هذا واجبا على كل المكلفين ، وبه تحصل السعادة في الدنيا والدين ، وهو ميراث النبيين وحلية الاولياء والمقربين ، فقد روينا بطريقنا الاتي ذكره وغيره عن محمد بن يعقوب الكليني (ره) عن علي بن محمد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن علي بن ابى حمزة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : عليكم بالتفقه في دين الله ، ولا تكونوا أعراباً ، فانه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا (٢).

__________________

١. الديم كشيم جمع ديمة : مطر يكون مع سكون ، وقيل المطر الذى يكون من غير رعد ولا برق ، تدوم يومها.

٢. الكافي ١ / ٣١. وقد وقع خلط بين السند والمتن ، فان هذا السند للحديث السابق على هذا الحديث في المصدر ، وسند هذا الحديث هكذا : الحسين بن محمد عن جعفر بن محمد عن القاسم بن الربيع عن مفضل بن عمر قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ... وروى أيضاً في المحاسن : ١٧٧.

٢٧

وروينا بالطريق المذكور عنه عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشا عن حماد بن عثمان عن ابى عبد الله عليه السلام قال : إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين (١).

ولا ريب أن التفقه موقوف على الاحاديث المطهرة المروية عن النبي صلى الله عليه وآله والائمة المعصومين عليهم السلام ، إذ قد تواتر عنهم (ع) ببطلان القياس النقل وحكم بذلك أيضاً صحيح العقل ، فكان الفحص عن أحاديثهم الواردة عنهم عليهم السلام في المعارف والحلال والحرام من أعظم المهمات واهمال ذلك ـ خصوصا في زماننا ـ من اكبر الملمات.

ولقد روينا بطريقنا الاتي وغيره من الطرق عن محمد بن يعقوب عن محمد ابن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن ابى البختري عن ابى عبد الله عليه السلام قال : العلماء ورثة الانبياء ، وذاك أن الانبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، وانما ورثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ حظا وافرا ، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه ، فان فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (٢).

وقد روينا بطريقنا عنه عن الحسين بن محمد عن احمد بن اسحاق عن سعدان بن مسلم عن معاوية بن عمار قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ورجل عابد من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل؟ قال : الراوية لحديثنا

__________________

١. الكافي ١ / ٣٢.

٢. الكافي ١ / ٣٢.

٢٨

يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد (١).

وروينا أيضاً بطريقنا عنه عن محمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن سنان عن محمد بن مروان العجلي عن علي بن حنظلة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا (٢).

وروينا من غير طريق محمد بن يعقوب بسندنا المتصل الى أمير المؤمنين وامام المتقين ويعسوب الدين علي بن ابى طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : رحم الله خلفائي. قيل : يا رسول الله ومن خلفاؤك قال : قوم يأتون من بعدي يروون آثاري وسنتي يعلمونها الناس (٣).

وروينا أيضاً من غير طريقه بسندنا المتصل الى جعفر بن محمد الصادق أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سارعوا في طلب العلم فلحديث واحد صادق خير من الدنيا وما فيها (٤).

وجب على كل ذي لب وحمية في الدين صرف العناية الى البحث عن طرق أحاديثهم ورواتها وكيفية الاستدلال بها واصطلاح الفرقة الناجية فيها ، وكنت ممن الله عليه فصرف فيها جملة من زمانه ووجه إليها عنان قلبه ويده ولسانه ، ورأيت فن أصول الحديث قد اندرس فيما بيننا رسمه وانمحى اسمه ، بل ذهب في زماننا هذا علمه وظنه ووهمه ، ولم يزل سلفنا الماضون يعتنون

__________________

١. الكافي ١ / ٣٣.

٢. الكافي ١ / ٥٠.

٣. في منية المريد ص ٢٤ وعنه في البحار ٢ / ٢٥ : رحم الله خلفائي. فقيل : يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال : الذين يحيون سنتى ويعلمونها عباد الله. وانظر أيضا كنز العمال ١٠ / ٢٢٩.

٤. بحار الانوار ٢ / ١٤٦ مع زيادة فيه.

٢٩

بشأنه ويبتنون افادة الاحاديث واستفادتها على قواعد بنيانه ، فلقد كانت قواعده بينهم متداولة غنية عن التعريف وان لم يفردوا لها كتابا بالتأليف ، لكنهم ضمنوا كتبهم الفقهية والاصولية وكتب الحديث والرجال كثيراً من ذلك.

ولبعد ما بين مظانها تتعسر الاحاطة بها على مريد سلوك هذه المسالك ، مع أنهم تركوا كثيراً من قواعده لم يكتبوها وان كانت متداولة بينهم يعرفها ذووها. فجمعت من مظان ذلك شوارد يعسر جمعها ، وقيدت منه أوابد (١) يكثر نفعها فجاءت في الحقيقة أنور من نور الحديقة ، وفي نظر العين أنضر من نظرة العين ، قد اتضح بها علم أصول الحديث واستبان ، وافتضح بها جهله واستكان ، ولقد يصدق الناظر فيها المثل السائر (كم ترك الاول للاخر) وسميتها (وصول الاخيار الى أصول الاخبار).

فدونك كلمات ينزر عددها ويغزر مددها ، تكسيك حيلد الاولياء وتلبسك حلة الانبياء ، وترشدك الى طريق النقل والتحصيل ، وتخرج قوتك القريبة الى الفعل الجميل.

ومما حثني على تأليف هذه الرسالة بعد هربي من أهل الطغيان والنفاق ، وأوجبه علي بعد اتصالي بدولة الايمان والوفاق ، ما شاهدته من اقبال أهلها على اقتباس الفقه والحديث وحسن سلوكهم ، وتحققت به صدق المثل السائر (الناس على دين ملوكهم).

فيا لله من دولة صافية المشارع ، ضافية (٢) المزارع ، مايعة الظل ، بحورها

__________________

١. الاوابد جمع آبد ، وهو بمعنى الوحش ، والمؤنث آبدة ، سميت بذلك لبقائها على الابد. قال الاصمعي : لم يمت وحشى حتف أنفه قط ، انما موته عن آفة ، وكذلك الحية على ما زعموا.

٢. الضفو : السعة والخير والكثرة ، رجل ضافى الرأس : كثير شعر الرأس.

٣٠

زاخرة (١) ، وبدورها زاهرة. دولة ملك ترجى الركائب الى حرمه ، وتوحى الرغائب من كرمه ، وتنزل المطالب بساحته ، وتستنزل الراحة من راحته ، قد بلغ نهاية الاطوار ، وبلغ غاية الاطوار ، فهو قبلة الصلات ان لم يكن قبلة الصلاة ، وكعبة المحتاج ان لم يكن كعبة الحجاج ، ومشعر الكرام ان لم يكن مشعر الحرام ، ومنى الضيف ان لم يكن منى الخيف ، بابه غير مرتج (٢) عن كل مرتج ، ونوابه أي منهج لكل ذي منهج.

إذا غلقت أبواب قوم لعلة

فبابك مفتوح وليس بمرتج

وسيفك موقوف على طلب العلى

وسيبك (٣) موقوف على كل مرتجي

فهو للارزاق في الخصب والجدب قاسم ، وللاعمار بالحرب والضرب قاصم ، فمنحه رغائب ومحنه غرائب ، قد أصبح لحجم الكفر ماحياً ولحمي الايمان حامياً ، بهمته تعزل السماك الاعزل لسموها ، وتجر على المجرة ذيل علوها ، همم لم يزل لسهام المعالي مقلا عراؤها لا ينام ، ولقد أو طأتك ذروة مجد لا تسامى ورتبته لا تسام ، وفصلت هذه المساعي غير القول فضلت في وصفها الافهام.

وكيف لا يكون كذلك وهو ثمرة غصن شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء (٤) لدى العزيز الغفور ، زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور (٥) ، فماذا عسى بمثلي أن يطري ويقول بعد مدح الله بهذه الشجرة والرسول ، لكني أتبرك فأقول اجمالا واجلالا وان استلزم للقصور

__________________

١. زخر البحر : مد وكثر ماؤه وأرتفعت أمواجه.

٢. ارتجت الباب ارتاجا : أغلقته أغلاقا وثيقا.

٣. السيب العطاء.

٤. سورة ابراهيم : ٢٤.

٥. سورة النور : ٣٥.

٣١

اخلالا : هي شجرة أصولها في التخوم وفروعها في النجوم ، فهم غيوث غامات في الجدب وليوث غابات في الحرب ، وصدور مجالس المعالي وبدور حنادس الليالي ، وجنة الخائف والجاني وجنة الحارف والخاني ، وسماء السمو والعلاء وسمام السماح والعطاء ، أقوالهم أشهر من يوم بدر وأفعالهم أنور من ليلة القدر.

قد فتشت أنسابكم مذ

كان آدم في الوجود

فرجحتمو كل الانام

بخصلتي فضل وجود

كيف لاوهم معدن جهود (١).

__________________

١. في المخطوطة وهم معدن عهدة. ، ولعله وهم معدن النبوة .. وفيها بعده : والله حسبى ونعم الوكيل.

٣٢

مقدمة

وفيها فصول :

(الفصل الاول)

قد تطابق العقل وهو البرهان القاطع وانقل وهو النور الساطع على شرف العلوم بأسرها وعلى جلالة شأنها وارتفاع قدرها ، إذ لم يزل العقلاء في جميع الازمان وكل الاديان يعظمون موقع العلم ويجهدون أنفسهم في استفادته وافادته ويعظمون أهله على مقدار ما لهم فيه من الخوض ويسقطون الجهال عن درجة الاعتبار بل يلحقونهم بقسم البهائم.

ويكفينا شاهداً على ذلك قوله تعالى (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (١) وقوله تعالى (انما يخشى الله من عباده العلماء) (٢) وغير ذلك مما

__________________

١. سورة الزمر : ٩.

٢. سورة الفاطر : ٢٨.

٣٣

يدل على شرفهم.

وأما ما يدل على شرفه وفضله والحث عليه من السنة المطهرة فهو اكثر من أن يحصى ، فقد روينا بأسانيدنا المتصلة الى محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن الحسن بن الحسين الفارسي عن عبد الرحمن بن الحسين بن زيد عن أبيه عن ابى عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، ألا ان الله يحب بغاة العلم (١).

وروينا أيضاً عن محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن حماد ابن عيسى عن القداح عن ابى عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقا الى الجنة ، وان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به ، وانه ليستغفر لطالب العلم من في السماوات ومن في الارض حتى الحوت في البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وان العلماء ورثة الانبياء ، ان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر (٢).

وروينا عنه عن الحسين بن محمد عن علي بن محمد بن سعيد رفعه عن ابى حمزة عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال : لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج ، ان الله تبارك وتعالى أوحى الى دانيال عليه السلام : ان أمقت عبيدي الي الجاهل المستخف بحق أهل العلم التارك

__________________

١. الكافي ١ / ٣٠ وليس فيه ومسلمة ..

٢. الكافي ١ / ٣٤ ، وقد أخرجه بطريقين ثانيهما ما ذكره المؤلف هنا وأولهما : محمد ابن الحسن وعلى بن محمد عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى عن احمد بن محمد جميعا عن جعفر بن محمد الاشعري عن عبد الله بن ميمون القداح.

٣٤

للقتداء بهم ، وان أحب عبيدي الي التقي الطالب للثواب الجزيل الملازم للعلماء التابع للحكماء القابل عن الحلماء (١)

وروينا عنه عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير ومحمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن ابن ابى عمير عن سيف بن عميرة عن ابى حمزة عن ابى جعفر عليه السلام قال : عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد (٢).

وروينا عنه عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن جميل عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : يغدو الناس على ثلاثة أصناف عالم ومتعلم وغثاء ، فنحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء (٣).

وأما ما روينا من غير طريقه فقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : من طلب باباً من العلم ليعلمه الناس ابتغاء وجه الله أعطاه الله أجر سبيعن نبياً صديقاً.

وروينا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم (٤). وروينا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : ان من الذنوب ذنوباً لا يغفرها صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا حج ولا جهاد الغموم (الجد خ ل) في طلب العلم.

وروينا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : العالم الواحد أشد على ابليس وجنوده من ألف عابد (٥).

__________________

١. الكافي ١ / ٣٥ وفيه التابع للحلماء القابل عن الحكماء ..

٢. الكافي ١ / ٣٣.

٣. الكافي ١ / ٣٤ ، بصائر الدرجات ١ / ٨.

٤. كنز العمال ١٠ / ١٤٥ ، منية المريد : ٢٣.

٥. كنز العمال ١٠ / ١٥٥ وفيه فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. ، البحار

٣٥

وروينا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : إذا كان يوم القيامة يقول الله تبارك وتعالى للعباد : ادخلوا الجنة فانما كانت منفعتكم لانفسكم ، ويقول للعالم : اشفع تشفع فانما كانت منفعتك للناس.

وروينا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : نظرة في وجه العالم أحب الى الله تعالى من عبادة سبعين سنة صائم نهارها وقائم ليلها. ثم قال : لولا العلماء لهلكت أمتي.

(الفصل الثاني)

ولا شبهة أن العلوم تتفاضل أيضاً في أنفسها : وأفضلية بعضها على بعض اما بحسب شرف الموضوع أو بحسب تفاوت الغاية.

ولا يخفى أن العلوم الاسلامية أفضل مما عداها : أما الكلام فلشرف موضوعة وغايته : وأما باقي العلوم الاسلامية من التفسير والحديث والفقه وما يتبع ذلك فلما يترتب عليها من المصالح والسعادة الدنيوية والاخروية.

ويؤيد ذلك ما رويناه بطرقنا المتصلة الى محمد بن يعقوب عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان عن درست الواسطي عن ابراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن موسى عليه السلام قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد ، قال : فإذا جماعة قد أطافوا برجل ، فقال : ما هذا؟ فقيل : علامه فقال : وما العلامة؟ فقالوا : أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والاشعار العربية.

__________________

٢ / ٢٥ ، بصائر الدرجات ١ / ٧ وفيه متفقه في الدين أشد على الشيطان من عبادة ألف عابد ..

٣٦

قال : فقال النبي (ص) : ذاك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه. ثم قال النبي (ص) : انما العلم ثلاثة : آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنة قائمة وما خلاهن فهو فضل (١).

فعلى هذا يكون الزائد عما يحتاج إليه في العلوم الاسلامية من المنطق والحكمة والعلوم الرياضية والاديبة وغير ذلك كله فضلا لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه بنص الرسول والائمة عليهم السلام ، بل يكون الاشتغال به في مثل زماننا هذا سفهاً حراماً على من لم يتفقه في دينه لافضائه الى ترك الواجب كما لا يخفى على من يؤمن بالله واليوم الاخر.

وان كانت هذه العلوم شريفة في أنفسها فيكون الساعي فيها لذلك التارك لما يهمه من أمر دينه من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (٢).

اللهم وفقنا لصرف أوقاتنا فيما يرضيك عنا ، وتقبل ذلك بفضلك واحسانك منا ، انك أنت الجواد الكريم.

(الفصل الثالث)

ولما روينا بأسانيدنا المتصلة الى محمد بن يعقوب (ره) عن الحسين بن محمد الاشعري عن المعلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن عبد الله بن ابى نجران عمن ذكره عن ابى عبد الله عليه السلام قال : من حفظ (٣) من أحاديثنا

__________________

١. الكافي ١ / ٣٢.

٢. سورة الكهف : ١٠٤.

٣. قال الشيخ بهاء الدين في الاربعين : الظاهر أن المراد الحفظ عن ظهر القلب ،

٣٧

أربعين حديثاً بعثه الله تعالى يوم القيامة عالماً فقيهاً (١).

وروينا من غير طريقه بسندنا المتصل الى رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : من حفظ على أمتي أربعين حديثاً فيما ينفعهم من أمر دينهم بعث يوم القيامة من العلماء (٢).

وروينا أيضاً عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : من تعلم حديثين ينفع بهما نفسه ويعلمهما غيره فينتفع بهما كان خيراً له من عبادة ستين عاماً (٣).

وروينا أيضاً بسندنا المتصل الى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من حفظ على أمتي حديثاً واحداً كان له أجر سبعين نبياً صديقاً.

ولا شبهة أن الحديث المعتبر عند أهل النقل كافة الذي يجب العمل به هو المتصل لا المنقطع عند جمهور العامة.

وقد من الله تعالى علي فاستخرجت من الكافي ما يزيد عن أربعين حديثاً ، وقد تلوت عليك منها جملة بعضها يتعلق بفضل التفقه في الدين وبعضها يتعلق

__________________

فانه هو المتعارف المهود في الصدر السائف ، فان مدارهم كان على النقش في الخواطر لا على الرسم في الدفاتر ، حتى منع بعضهم من الاحتجاج بما لم يحفظه الراوى عن ظهر القلب. وقال : ولا يبعد أن يراد بالحفظ الحراسة عن الاندراس بما يعم الحفظ عن ظهر القلب والكتابة والنقل بين الناس ولو من كتاب وأمثال ذلك. وقد يقال : المراد بحفظ الحديث تحمله على أحد الوجوه الستة المقررة في الاصول. الى آخر ما قال.

١. الكافي ١ / ٤٩.

٢. كنز العمال ١٠ / ٢٢٤.

٣. كنز العمال ١٠ / ١٦٣ وفيه أو ويعلمهما. وسنة. بدل عاما .. البحار ٢ / ١٥٢.

٣٨

بفضل رواية الاحاديث وبعضها يتعلق بفضل العلم بقول مطلق ، واكثر يتعلق بفن أصول الحديث التي هي المقصود من هذه الرسالة ، وسأتلوه عليك في أبوابه انشاء الله تعالى.

(أردت أن أذكر طريقا واحدا)

من طرقي الى محمد بن يعقوب (ره) ليتصل اسنادها وليحص لتأليف رسالتي هذه ثواب من روى أربعين حديثاً فضلا عن الحديث الواحد والحديثين : أخبرني بكتابه الكافي بتمامه الشيخان الامامان الفاضلان الورعان السيد الجليل المتأله حسن بن السيد جعفر الحسيني نور الله تربته اجازة والشيخ الجليل النبيل زين الدين علي بن احمد العاملي زين الله تعالى الوجود بوجوده وأفاض عليه من منه وجوده قراءة لبعضه وسماعا لبعضه واجازة لباقيه ، كلاهما عن شيخنا الفاضل التقي الورع الشيخ علي بن عبد العالي الميسي ، عن الشيخ شمس الدين محمد بن داود المؤذن الجزيني ، عن الشيخ ضياء الدين علي ، عن والده السعيد الشهيد محمد بن مكي ، عن رضي الدين المزيدي ، عن محمد ابن صالح ، عن السيد فخار. (١)

(ح) (٢) وعن الشيخ ضياء الدين بن مكي ، عن السيد تاج الدين ابن معية الحسني عن الشيخ العلامة الجليل جمال الدين ابن المطهر ، عن الشيخ المحقق نجم الدين بن سعيد ، عن السيد فخار ، عن شاذان بن جبرئيل ، عن ابى القاسم محمد بن ابى القاسم الطبري ، عن الشيخ الفقيه ابى علي الحسن ، عن أبيه شيخ

__________________

١. فخار مشتق من الفخر منه ..

٢. علامة تحويل منه ..

٣٩

الطائفة ابى جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، عن الشيخ الامام الاعظم ابى عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد ، عن الشيخ الامام الفقيه ابى القاسم جعفر ابن قولويه ، عن الشيخ الامام ابى جعفر محمد بن يعقوب الكليني.

(أصل)

وقد جرت عادة المؤلفين في أصول الحديث من علماء العامة بتعريف من نقلوا عنه الحديث وذكر فضائلهم وتواريخهم وتمجيد مؤلفيهم وذكر تواريخهم وفضائلهم ومؤلفاتهم ترويجاً لامرهم ، فلنذكر من نقلنا عنه أحاديثنا وأخذننا معالم ديننا أو سبب العدول عما تفرد العامة بنقله ، فان لنا في ذلك العذر اللائح (١) بل البرهان الواضح ، ثم نذكر بعضاً من أصحاب حديثنا وبعضاً من مؤلفاتهم فيه تذكرة للطالبين وجرياً على عادات المؤلفين ، فنقول : قد أخذنا أحاديثنا التي فيها معالم ديننا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأخيه علي وابنته فاطمة وولديهما الحسن والحسين وأولاده التسعة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

أما رسول الله صلى الله عليه وآله فهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، ولد بمكة في شعب ابى طالب يوم الجمعة بعبد طلوع الفجر سابع عشر شهر ربيع الاول عام الفيل ، وكانت أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب قد حملت به أيام التشريق في منزل أبيه عبد الله بمنى عند الجمرة الوسطى (٢).

__________________

١. اللائح : البارز الظاهر.

٢. قلت : هذا ما عليه الاكثر ، ويلزمه أن تكون مدة الحمل به صلوات الله عليه وآله

٤٠