وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي

وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

المؤلف:

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢١١

وآله : ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (١).

وروينا بطرقنا عنه عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن ابى عمير عن هشام بن الحكم وغيره عن ابى عبد الله عليه السلام قال : خطب النبي صلى الله عليه وآله بمنى فقال : أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله (٢).

وروينا عنه عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النظر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ايوب بن الحر قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : كل شئ مردود الى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (٣).

وروينا عنه عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن ابى يعفور.

قال : وحدثني حسين بن ابى العلاء أنه حضر ابن ابى يعفور في هذا المجلس قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من يثق به ومنهم من لا يثق به.

قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله عزوجل أو من قول رسول الله (ص) والا فالذي جاءكم به أولى به (٤).

ونحو ذلك من الاحاديث وهو كثير.

وإذا ورد الخبر مخالفاً لهذه الادلة المذكورة لم يمكننا القطع بكذبه في

__________________

١. الكافي ١ / ٦٩.

٢. الكافي ١ / ٦٩.

٣. الكافي ١ / ٦٩.

٤. الكافي ١ / ٦٩.

١٨١

نفسه. بل قد يجوز كونه صحيحاً إذا أمكن أن يكون له وجه من التأويل ، أو يكون قد خرج على سبب خفي أو واقعة بعينها أو خرج مخرج التقية ، وانما يجب علينا الامتناع من العمل به.

فروع :

(الاول) قد يعلم كون الخبر صدقاً إذا كانت الامة قد أجمعت على العمل بمقتضاه وعلم أنهم لا دليل لهم على ذلك الا هذا الخبر.

أما إذا وافق الخبر الاجماع وجوزنا كون اجماعهم لدليل آخر فانه لا يقطع بصدقه ، وكذا إذا وافق الخبر نص الكتاب العزيز أو السنة المتواترة.

(الثاني) الخبر الذي يكون من قبيل ما يعمل به إذا احتمل وجوهاً كثيرة ولم يقم دليل على ارادة أحدهم بخصوصه وجب التوقف فيه ، ولا يقطع أيضاً أنه أريد به الجمع الا بدليل.

ومتى كان الخبر خاصاً أو عاماً وجب حمله على ما يقتضيه ظاهره ، الا أن يقوم دليل على أنه أريد به خلاف ظاهره فيصار إليه.

(الثالث) إذا كان الخبر يوافق أحد القولين للعلماء ولم نجد حديثاً يوافق القول الاخر وجب علينا العمل بالقول الموافق للخبر وطرح القول الاخر ، لان مأخذه في الظاهر لا يكون الا اجتهاداً ، وهو مردود لمخالفته النص ، أو قياساً أو استحساناً ونحن لا نقول بهما.

ولا يضرنا امكان كون القول الاخر موافقاً لحديث لم يصل الينا ، لان الاصل عدم ذلك.

١٨٢

(اصل)

وقد تواتر النقل عندنا عن علي عليه السلام وعن الائمة المعصومين من أبنائه وعن كبراء الصحابة بطلان القياس وذم متداوليه والتشنيع عليهم ، ونحن لا نطول كتابنا هذا بنقل ذلك ، إذا قد أجمع على بطلانه أصحابنا ، بل قد صار بطلانه من ضروريات دين أهل البيت عليهم السلام.

فجميع الاحكام يجب ردها الى السنة والكتاب والاجماع ودليل العقل.

وقد حكم العقل واستفاض النقل أن الكتاب والسنة لم يشذ عنهما شئ من أحكام الشرائع وما يحتاج الناس إليه أصلا ، بل في بعضها ان الكتاب العزيز وحده تضمن جميع ذلك ولكن لا تبلغه عقولنا.

فقد روينا بطرقنا عن محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن سماعة بن مهران عن ابى الحسن موسى عليه السلام قال : قلت أصلحت الله انا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فما يرد علينا شئ الا وعندنا شئ مسطر وذلك مما أنعم الله تعالى به علينا بكم ، ثم يرد علينا الشئ الصغير ليس عندنا فيه شئ فينظر بعضنا الى بعض وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه.

فقال : ما لكم والقياس ، انما هلك من هلك من قبلكم بالقياس.

ثم قال : إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وان جاءكم مالا تعلمون فها ـ وأهوى بيده الى فيه.

ثم قال : لعن الله أبا حنيفة كان يقول : قال علي وقلت وقالت الصحابة وقلت.

ثم قال : اكنت تجلس إليه؟ ققلت : لا ولكن هذا كلامه.

فقلت : أصلحك الله أتى رسول الله صلى الله عليه وآله الناس بما يكتفون به في عهده؟ فقال : نعم وما يحتاجون إليه الى يوم القيامة.

فقلت : فضاع من ذلك شئ؟ فقال : لا هو عند أهله (١).

__________________

١. الكافي ١ / ٥٧.

١٨٣

وروينا بالطريق المتقدم عن يونس عن أبان عن ابى شيبة قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : ضل (١) علم ابن شبرمة عند الجامعة املاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده ، ان الجامعة لم تدع لاحد كلاماً ، فيها علم الحلال والحرام ، وان أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحق الا بعداً ، ان دين الله لا يصاب بالقياس (٢).

وروينا بالطريق المذكور عن يونس بن عبد الرحمن عن حسين بن المنذر عن عمرو بن قيس عن ابى جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : ان الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً يحتاج إليه الامة الا أنزله في كتابه وبينه لنبيه وجعل لكل شئ حداً وجعل عليه دليلا يدل عليه ، وجعل على من تعدى ذلك الحد حداً (٣).

وروينا بالطريق المتقدم أيضاً عن يونس عن حماد عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : ما من شئ الا وفيه كتاب أو سنة (٤).

وروينا عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد ابن خالد عن اسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن ابى المعزا عن سماعة عن ابى الحسن موسى عليه السلام قال : قلت له : أكل شئ في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه؟ قال : بل كل شئ في كتاب الله وسنة نبيه (٥).

__________________

١. في الوافى : أي ضاع وبطل واضمحل علمه في جنب كتاب الجامعة الذى لم يدع لاحد كلاماً ـ انتهى.

٢. الكافي ١ / ٥٧.

٣. الكافي ١ / ٥٩.

٤. الكافي ١ / ٥٩.

٥. الكافي ١ / ٥٩.

١٨٤

وروينا عنه عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه عن المعلى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : ما من أمر يختلف فيه اثنان الاوله أصل في كتاب الله عزوجل ، ولكن لا تبلغه عقول الرجال (١).

وأمثال ذلك كثير وفيما نقلناه مقنع انشاء الله تعالى.

تتمة :

العموم في الكتاب والسنة المتواترة والاحاديث الصحيحة يجب اجراؤه في كل فرد داخل تحت العموم ، إذ قد أمر أمير المؤمنين عليه السلام بتصيير كل فرع الى أصله من الكتاب والسنة.

وأيضاً لما كان القياس والاستحسان عندنا باطلين وكان ما وصل الينا من النصوص متناهياً وكانت الحوادث غير متناهية ـ لانها تجدد على مرور الازمان لزم رد الفروع الى أصولها.

نعم يخص العموم فيهما بأدلة العقل والكتاب العزيز والسنة المتواترة وغيرها عند كثير لئلا تتناقض الادلة.

(اصل)

وإذا صح الحديث ولم يعارضه أقوى منه أو مساو ولم تعرف فتاوى الاصحاب بخلافه وجب العمل به عند قاطبة متأخري أصحابنا ، سواء تضمن الوجوب أو التحريم أو الاباحة أو الندب أو الكراهية.

__________________

١. الكافي ١ / ٦٠.

١٨٥

وانما قلنا (ولم يعارضه أقوى منه) ليخرج ما جاء مخالفاً للكتاب العزيز أو السنة المتواترة أو قام الدليل القاطع على خلافه ، كما يتضمن تكليف ما لا يطاق أو تحسين ما قطع العقل بقبحه أو بالعكس.

لا مثل البراءة الاصلية ، لانها ليست دليلا قاطعاً ، لان العقل يجوز مجئ التكليف بخلافتها.

وانما قلنا (بوجوب العمل به) لانه يثمر ظناً راجحاً بلا مرية ، والعمل بالمرجوح ممتنع عقلا.

ولان المعروف من شأن الصحابة والتابعين وأصحاب الائمة عليهم السلام ومن بعدهم العمل به : يعلم ذلك علماً ضرورياً لمن تتبع آثارهم وسيرهم بحيث لا يرتاب فيه ، فان نازع بعد ذلك منازع فهو مكابر.

والسيد المرتضى رحمه الله تعالى وجماعة من كبار علمائنا منعوا من العمل به ، محتجين بعدم الدليل الدال على وجوب العمل به.

وإذا لم يقم دليل على وجوب العمل لم يعمل به ، كما أنه لم يقم دليل على وجوب صلاة سادسة.

قالوا : وما نقلتموه من أن الصحابة ومن بعدهم كانوا يعملون بأخبار الاحاد ، فهي أيضاً أخبار آحاد لا تفيد علماً ، والعمل بخبر الواحد مسألة أصولية ولا يجوز أن يكون مستندها ظناً ، فكيف تعلمون أن الله تعبدكم بالعمل بخبر الواحد.

وبعد تسليم صدق هذه الاحاديث انما علم لكم أن الصحابة عملوا عندها لابها ، فجاز أن يكونوا تذاكروا بها نصاً أو تأيد بها عندهم دليل آخر ، فتاسوي حاصل والشك والتوقف فرض من فقد الدليل القاطع.

والاقوى الاول ، وفيما ذكرناه سابقاً مقنع.

وما ذكره رحمه الله كالمغالطة على المعلوم ، والادلة من الجانبين مستوفاة في الاصول.

١٨٦

(اصل)

(في من تقبل رواية)

أجمع جماهير الفقهاء والمحدثين على اشتراط كونه مسلماً بالغاً وقت الاداء دون وقت التحمل ، فيقبل روايته ما تحمله كافراً أو صغيراً.

وكذا يشترط كونه : عاقلا عدلا ، أي سليماً من الفسق وخوارم المروة.

ضابطاً ، أي متيقظاً ان حدث من حفظه ، ضابطاً لكتابه ان حدث منه.

عالماً بما يحيل المعنى ان روى به.

سالماً من الشك وقت التحمل والاداء.

ولا يشترط الذكورة ولا الحرية ولا البصر ولا فقهه ، لان المقصود الرواية لا الدراية ، ولا عربيته ولا العدد.

المشهور بين أصحابنا اشتراط ايمانه ، لان من عدا المؤمن فاسق.

وما عملوا به من أخبار غيره اما لانجباره بالشهرة وقد تقدم الكلام فيها ، واما لاعتضاده ببعض المرجحات.

وحينئذ المناسب اشتراط أحد الامرين من الايمان والعدالة أو الانجبار بمرجح.

ويعرف ضبطه بموافقته الثقات المتقنين غالباً ، فلا يضر النادر من المخالفة ولو كثر لم يحتج به.

هذا ان رواها من حفظه أو من غير الطرق المذكورة في المصنفات ، وأما الاصول المشهورة فلا يعتبر فيها ذلك.

ويقبل التعديل من غير ذكر سببه على الصحيح ، ولا يقبل الجرح الامبين السبب (١).

__________________

١. لاختلاف الناس فيما يوجبه ، فان بعضهم يجعل الكبيرة القادحة ما توعد الله تعالى

١٨٧

وكتب الجرح التي لم يبين فيها السبب فائدتها التوقف ليبحث عنه ويعمل بما يظهر.

والصحيح أن الجرح والتعديل يثبتان بواحد ، لانه من قبيل الاخبار لا الشهادة كما في أصل الرواية ، فكما لا يعتبر في الاصل كذا في الفرع.

وقيل : لابد من اثنين.

ويثبتان أيضاً بالاستقاضة ، باشتهار عدالته بين أهل النقل وغيرهم من أهل العلم ، كمشائخنا من عهد شيخنا محمد بن يعقوب الى يومنا هذا ، فانه لا يحتاج في هؤلاء الى تنصيص على تزكية لاشتهار ثقتهم وضبطهم.

وانما نتوقف فيمن فوقهم ممن لم يشتهر.

ويقبل تعديل وجرح من يقبل روايته.

وإذا اجتمع الجرح والتعديل قدم الجارح ، وقيل ان زاد المعدلون قدم التعديل.

والاول أصح ، لاخبار المعدل عن ظاهر الحال والجارح عن الباطل الخفي.

وأيضاً الجارح مثبت والمعدل ناف.

نعم ان وقع التعارض المحض (١) رجعا الى الترجيح بالكثرة ونحوها ، فان لم يثبت المرجح وجب التوقف.

__________________

= عليها بالنار في كتابه العزيز ، وبعضهم يعم التوعد ، أي أعم من أن يكون توعد بالنار أو بغيرها من العذاب ، وآخرون يعمون المتوعد فيه من الكبائر أو السنة ، وبعضهم يجعلون جميع الذنوب كبائر وصغر الذنب وكبره عندهم اضافي ، ويشكل بأن ذلك آت في باب منه ..

١. بأن يقول الجارح : رأيت اليوم الفلاني شغله بالفسق في المكان الفلاني ، وشهد المعدل بأنه في ذلك اليوم كان بديار آخر في الوقت المذكور وهو مشغول بطاعة ، فهذا تعارض محض منه ..

١٨٨

ولو قال الراوي الثقة (حدثني الثقة) أو (العدل) ونحوهما لم يكف عند بعضهم لجواز كون غيره قد اطلع على جرحه.

وأصالة عدم الجارح غير كاف إذا لابد من البحث.

واضرابه عن تسميته مريب ، والاحتمال آت ، والاصح الاكتفاء إذا كان القائل عالماً بطرق الجرح والتعديل.

ولو قال (كل من رويت عنه فهو ثقة وان لم أسمه) فكذلك.

وقول العالم (هذه الرواية صحيحة) تعديل لراويها إذا كان لها طريق واحد.

وإذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلا عند الاكثرين. وهو الصحيح.

وعمل العالم وفتياه على وفق حديث ليس حكماً بصحته وان كان لا يعمل الا بخبر العدل.

وقال بعض العامة : هو حكم بصحته إذا لم يكن له شاهد ولا متابع ، ولم يكن عمله به للاحتياط.

وليس بشئ ، لجواز أن يكون عمله لدليل آخر ، وكذا ليس مخالفة عمله للحديث قدحاً في صحته ولا في روايته.

فروع :

(الاول) لا تقبل رواية مجهول العدالة عند الجماهير منا ومن العامة.

وأما المستور ـ وهو عدل الظاهر خفي الباطن كالممدوح غير المنصوص على ثقته ـ فقد تقدم أنه يحتج بها بعضهم ، وذلك كما اتفق في جماعة من الرواة تقادم العهد وتعذرت خبرتهم باطناً.

واكثر العامة أو كلهم يقبله ، وعليه عملهم في كتبهم المشهورة ، قالوا : لان

١٨٩

أمر الاخبار مبني على حسن الظن بالمسلم ونشر الحديث مطلوب ومعرفة الباطن متعذرة.

(الثاني) قال بعض العامة : المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء ولا يعرف حديثه الا من جهة واحدة.

وقال بعضهم : من روى عنه اثنان ارتفعت الجهالة عنه.

وكل ذلك ليس عندنا بشئ ، والمجهول عندنا من لم يوثق ولم يضعف ولم يمدح ، ولو روى عنه الناس وعلمت نسبته واسمه.

نعم لو علم صحة عقيدته ارتفعت جهالته من هذه الحيثية وكان ذلك نوعاً من المدح فربما دخل في قسم الحسن ، وكذا إذا روى عنه الناس وله كتاب ونحو ذلك.

وبالجملة مراتب المجهول تتفاوت كتفاوت الموثق والممدح والضعيف.

(الثالث) تقبل رواية التائب من الفسق الا الكذب في أحاديث الرسول (ص) فلا تقبل أبداً وان تاب ـ كذا قاله بعض العامة ، وهو مخالف لقواعد مذهبنا ومذهب العامة أيضاً.

والاقوى القبول ، وانه لا فرق بينه وبين الشهادة.

(الرابع) إذا روى حديثاً عن رجل ثم نفاه المروي عنه ، فان كان جازماً بنفيه وجب رده ، ولا يقدح ذلك في باقي رواياته عنه ولا عن غيره ، وان كان مكذباً لشيخه في ذلك ، إذ ليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا. كذا قيل ، وفيه نظر.

وان قال المروي عنه (لا أعرفه) أو (لا أذكره) أو نحو ذلك لم يقدح.

(الخامس) من روى حديثاً ثم نسيه جاز له روايته عمن رواه عنه والعمل به

١٩٠

على الصحيح. وهو قول الجمهور من الطوائف كلها ، لان الانسان عرضة النسيان والغرض أن الراوي عنه ثقة جازم ، فلا ترد روايته بالاحتمال.

وقد روى كثير من الاكابر أحاديث نسوها عمن أخذها عنهم فقالوا (حدثني فلان عني أني حدثته بكذا).

(السادس) إذا قال الراوي (حدثني فلان أو فلان) وهما عدلان احتج به والافلا ، وكذا لا يحتج به إذا قال (فلان أو غيره).

(السابع) لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماعه أو اسماعه ، كمن لا يبالي بالنوم في السماع ، أو يحدث لامن أصل مصحح ، أو عرف بكثرة السهو أو كثرة الشواذ والمناكير في حديثه.

وقد بين نقاد الرجال من علمائنا في كتبهم كثيراً ممن يتصف بهذه الصفة.

(الثامن) من بين في حديثه غلط فأصبر عليه سقطت روايته ان أصر عناداً.

(التاسع) من خلط لذهاب بصر أو لخرف أو فسق أو بدع أو كفر بغلو ونحوه قبل ما حدث به قبل ذلك دون ما بعده ودون ما يشك فيه ، كما في ابى الخطاب وأشباهه.

(العاشر) قد أعرض الفريقان من المخالف والمؤالف في زماننا هذا عن كثير من هذه الشروط ، لكون الاحاديث عندنا وعند

هم قد تلخصت وهذبت وجمعت في كتب معروفة مشهورة ، وقد صار المقصود ابقاء السلسلة متصلة الاسناد المختص بهذه الامة.

ولا يعتبر حينئذ الا ما يليق بالمقصود ، وهو كون الشيخ بالغاً عاقلا عدلا غير متساهل ولا مستخف بالاحاديث ، مثبتاً أحاديثه بخط غير متهم ، بروايته من أصل مصحح موافق لاصل شيخه.

١٩١

وقد شرط كل ذلك أيضاً أهل السنة الا العدالة ، فانهم بنوا على أصلهم من الاكتفاء بعدم التظاهر بالفسق.

(اصل)

(في ألفاظ التعديل والجرح)

لابد في التعديل من المفظ الصريح ، وأعلى مراتبه (ثقة) وقد يؤكد بالتكرار واضافة (ثبت) و (ورع) وشبههما مما يدل على علو شأنه ، ثم (عدل ضابط) أو (ثبت) أو (حافظ) أو (متفن) أو (حجة).

أما (عدل) فقط فغير كافية بدون انضمام ما ذكرنا انضمامه إليها ونحوه ، لاشتراط هذا المعنى معها في صحة الرواية.

أما ما ضمنا الى (عدل) ونحوه إذا انفرد فليس توثيقاً ، لانها أعم من المطلوب فلا يدل عليه.

وكذا (صدوق) و (خبر) و (عابد) و (معتقد) و (شيخ) و (صالح) و (وجه) و (لا بأس به) و (عالم) و (واسع الرواية) و (روى عنه الناس) ونحو ذلك فانه داخل في قسم الحسن ، وان كان بعضها أقرب من بعض ، فينقل حديثه للاعتبار والنظر ويكون مقوياً وشاهداً ، وبعضهم يحتج به كما قد مناه.

أما نحو (شيخ هذه الطائفة) و (عمدتها) و (وجهها) و (رئيسها) ونحو ذلك فقد استعملها أصحابنا فيمن يستغنى عن التوثيق لشهرته ، ايماءاً الى أن التوثيق دون مرتبته.

وأما ألفاظ الجرح : ك‍ (متقارب الحديث) ثم (لينه) ثم (وسطه) ثم (ليس بذاك القوي) ثم (فيه أوفي حديثه ضعف) ونحو ذلك. ومثل هذا يكتب

١٩٢

حديثا أيضاً للنظر والاعتبار ، وربما صلح شاهداً ومقوياً.

ثم (مخلط) ثم (متروك الحديث) ثم (ساقط) ثم (كذاب) ثم (غال) و (مجسم) وما أشبه ذلك مما يدل على كفره ، فلا يكتب حديثه ولا يعتمر.

(اصل)

(في كيفية كتابة الحديث وضبطه)

قد قدمنا أنه كان بعض السلف يكره كتابة الاحاديث لخوف التزوير وترك الحفظ للاتكال على الكتابة.

ثم بينا أن ذلك عنت بين ، وقدمنا ما يدل على وجوب كتابتها فضلا عن جوازه ، وقد وقع الاجماع على ذلك ، خصوصاً في زماننا هذا الذي كادت تندرس فيه آثار أهل البيت عليهم السلام ، بل اندرست اكثر معالمه وعلومه وكيفيات استفادته وافادته ، وكادت تنقطع روايته ويجهل قدره ونفعه.

نسأل الله العصمة والتوفيق لما يحب ويرضى.

فالواجب على كاتبه صرف الهمة الى ضبطه وتحقيقه شكلا ونقطاً وتبييناً لحروفه بحيث يؤمن اللبس معه ، ولا سيما شكل الملتبس ونقطه فانه أهم.

وقد روينا عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد ابن عيسى عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن جميل بن دراج قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : أعربوا أحاديثنا فانا قوم فصحاء (١).

وبعضهم يكره شكل ما عدا الملتبس. وينبغي الاعتناء بضبط الملتبس من الاسماء اكثر ، فانه أهم.

فان لم يتيسر

__________________

١. الكا في ١ / ٥٢.

١٩٣

في نفس الكتاب كتب وضبط على الحاشية قبالته.

ويستحب تحقيق الخط دون مشقه وتعليقه. ويكره تعليقه.

وينبغي ضبط الحروف المهملة أيضاً ، بأن يجعل نقطة كل حرف معجم تحت نظيره المهمل ، وقيل يجعل فوقها كقلامة الظفر مضجعة على قفاها ، وقيل تحتها حرف صغير مثلها. وكل ذلك جائز.

نعم لا ينبغي أن يصطلح مع نفسه بشئ لا يعرفه الناس ، فان فعل فليبين في أول الكتاب أو آخره.

فوائد :

(الاولى) ينبغي لكاتب الحديث أن يكتب أول الكتاب بعد البسملة اسم الشيخ المروي عنه وكنيته ونسبه ونحو ذلك من التعريف والتوضيح ، وان أضاف تاريخ السماع ومحله كان اكمل كما فعله اكثر محدثينا ومحدثي العامة ، ثم يجعل بين كل حديثين دائرة حمراء أو سوداء كبيرة بينة أبين من كتابة الاحاديث كما كان يفعله المتقدمون ، ولو ترك مكانها بياضاً متسعاً بيناً جاز ، لان القصد التمييز.

وآكد من ذلك أن يفصل بين الحديث وغيره مما يتصل به من كلام المؤلف بهاء مشقوقة هكذا (ه‍) أو نحوها لئلا يختلط الحديث بغيره ، كما وقع لنا في بعض أحاديث التهذيب من الالتباس بكلام المقنعة وكلام الشيخ الطوسي رحمه الله ، فلم نميزه الا بعد عسر شديد وتفنيش تام.

وتكون الدائرة المذكورة أولا علامة لاول الحديث ، فان كان بعد الحديث حديث آخر اكتفي بها بينهما ، وان كان بعده كلام تعينت الهاء.

١٩٤

وهذا في مثل التهذيب والاستبصار واجب ، لاختلاط أحاديث التهذيب بكلام المقنعة وبكلام الشيخ ، واختلاط أحاديث الاستبصار بكلام الشيخ في وجه الجمع وغيره.

وقد ميزت بحمد الله في كتابي بعضاً عن بعض ، بحيث لا يلتبس منه شئ بشئ.

وينبغي أن تكون الدائرة المذكورة خالية الوسط.

فإذا قابل نقط وسطها نقطة ، ثم كلما قابل مرة نقط وسطها نقطة ليحص الاطمئنان بالنسخة.

ويكره في مثل (عبد الله) و (رسول الله) و (أبو محمد) كتابة الاول في آخر السطر والثاني في آخر الاول.

وأقبح من ذلك الفرق كذلك بين العاطف والمعطوف إذا كان بالواو ، وقد يسهل إذا كان بغيرها.

وأقبح من كل ذلك ـ بل لا يفعله ذو بصيرة ـ تفريق الكلمة الواحدة كذلك.

(الثانية) يستحب أن يحافظ الكتاب على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله والائمة عليهم السلام في كل حديث كلما ذكر ولا يسأم من تكراره ومن أغفله حرم أجراً جزيلا.

ولا يتقيد بما في الاصل ان كان ناقصاً ، لانه دعاء تنشئه لا شئ ترويه.

وكذا الثناء على الله تعالى ب‍ (عزوجل) وشبهه كلما ذكر.

وكذا الترضي والترحم على خلصاء الصحابة وأصحاب الائمة (ع) والعلماء والصالحين ، الا ما يكون في نفس السند فان ذلك يوجب تطويلا مملا قد أعرض عنه العلماء رغبة في الاختصار.

ويكره الرمز لذلك ، كما يكره بل يحرم افراد النبي عن الال بالصلاة أو السلام كما يفعله أعداؤهم.

١٩٥

هذا مع ما قدرووا في صحاحهم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : من صلى علي ولم يصل على آلي فقد جفاني.

ورووا أيضاً في عدة أحاديث أن الصحابة لما قالوا : كيف الصلاة عليكم يا رسول الله؟ فقال : قولوا (اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد) (١).

فقد رواه البخاري بأربع طرق ، ورواه أيضاً مسلم في صحيحه ، ورواه امامهم الثعلبي بثلاث طرق.

ولكن هذا غير عجيب بعد ما فعلوه من بغضهم ونصب العداوة والحرب لهم بعد ما نقلوه في شأنهم.

(الثالثة) الواجب على ناقل الحديث أن يقابل نسخته بأصل شيخه أو أصل معتمد معلوم الصحة ، ولا عبرة بكونه عتيقاً أو عليه كتابات البلاغ ، فانا قد شاهدنا شيئاً من ذلك مشحوناً بالغلط.

بل لابد من امتحان النسخة بمقابلة جانب منها بغيرها من النسخ ونحوه ليعلم صحتها.

والافضل أن يمسك هو وشيخه كتابيهما أو ثقة ضابط ذو بصيرة غير أو غير شيخه أو ثقتين ضابطين غيرهما ، فان لم يقابله بهذا الشرط لم يجز روايته ولا النقل منه.

(الرابع) المختار في تخريج الساقط ، وهو (اللحق) بفتح اللام والحاء : أن يخط من موضع سقوطه في السطر خطاً صاعداً قليلا معطوفاً بين السطرين عطفة يسيرة الى جهة اللحق ويكتب اللحق قبالة العطفة في الحاشية التي تجاوز أول السطر من الصفحة اليمنى والتي تجاوز آخر السطر من اليسرى ان اتسعت لذلك والا ففي الجهة الاخرى ، الا أن يسقط في آخر السطر فتخرج الى آخره

__________________

١. صحيح البخاري ٢ / ٧٠٨ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٩٥ ، سنن ابى داود ١ / ٢٥٧.

١٩٦

على كل حال مع السعة.

ثم ان كانت في الجانب الا يسر كتبت صاعداً الى أعلى الورقة مطلقاً ، الا أن تكون كلمة أو كلمتين فتكتب على سمت الاسطر.

وان كانت في الجانب الايمن كتبت صاعداً أيضاً ان كانت سطراً واحداً ، فان زادت كتبت الى أسفل.

ثم يكتب في انتهاء اللحق (صح) ، وليكتب واضحاً كخط الاصل ، الا أن يخشى الضيق.

وأما الحواشي من غير الاصل كشرح وبيان غلط واختلاف رواية أو نحو ذلك فليكتب على غير نسق اللحق بخط أدق من الاصل وسطوره على سمت الاسطر ، لكن بانحراف يسير الى أعلى أو الى أسفل ، وليعلم لها بخرجة لطيفة فوق الكلمة التى هي لها أو باء هندية أو نحو ذلك.

(الخامسة) شأن المتقنين التصحيح والتضبيب ، وهو التمريض ، وقد يسمى التشكيك.

والتصحيح : كتابة (صح) صغيرة فوق كلام صح رواية أو معنى وهو عرضة للشك أو الخلاف أو الوهم.

وأما التضبيب : فان يمد خطه أوله كالصاد الصغيرة ، ولا يلصق بالممدود عليه على ما فسد لفظاً أو معنى أو كان فيه نقصاً أو لبس أو نحو ذلك.

هكذا كان يفعله الصدر الاول وما بعده.

وأما المتأخرون فربما استعملوه قليلا ، والمستعمل بين المتأخرين في عصر الشهيد وما قاربه التضبيب بباء هندية هكذا (٢) فوق الكلمة ثم يكتبون باء هندية أخرى مثلها بأزائها على الحاشية ليسهل تصحيحه إذا أريد. وهو في غاية

١٩٧

الحسن ، وعليه عملنا في كتب الاحاديث وغيرها.

وبعضهم ينقط ثلاث نقط عليه ثم على الحاشية بأزائه ، ولا بأس به.

(السادسة) إذا وقع في الكتاب ما ليس منه نفي بالضرب أو الحك ، والضرب أولى.

فيخط فوق المضروب خط بين دال على ابطاله مختلط به ، ولا يطمسه بالسواد ولا بغيره فيصير مستقبحاً بل يترك ممكن القراءة.

وبعضهم لا يخلطه بالمضروب عليه بل يخط فوقه ويعطف على أوله وآخره وبعضهم يحوق على أوله وآخره نصف دائرة.

وبعضهم يضع دائرة صورة أوله وأخرى آخره.

وبعضهم يكتب (لا) في أوله و (الى) في آخره.

والاول أولى من كل ذلك ، لان ذلك قد يخفى فيوقع الناسخ منه في الغلط كما شاهدناه كثيراً.

وأما إذا وقع تكرار ، فبعضهم يختار الضرب على الثاني ، وهو جيد ان تساويا والا بقي أحسنهما صورة وأبينهما.

وان كان التكرار أول السطر ضرب على الثاني ، أو آخره فعلى الاول ، وان كان آخر سطر وأول آخر فعلى آخر السطر.

فان تكرر المضاف أو مضاف إليه أو الموصوف أو الصفة أو نحو ذلك روعي الاتصال أو يراعى الاحسن والابين.

وأما الحك والكشط فهو عندهم مكروه ، لانه عناء وربما أفسد الورق أو أضعفه.

١٩٨

خاتمة

قد غلب على اكثر المحدثين منا ومن العامة الاقتصار على الرمز في (حدثنا) و (أخبرنا) ، وشاع ذلك بحيث لا يخفى ، فيكتبون عن حدثنا (ثنا) فقط ، وقد يحذفون الثاء أيضاً ، ويكتبون من أخبرنا (أنا).

هذا ، وأما ما فعله عامة محدثينا كابن بابويه والشيخ الطوسي رحمهما الله تعالى وأمثالهما من ذكر الرجل فقط من غير (حدثنا) ولا (أنبأنا) ولا الرمز له ، فانما يفعلونه في الاكثر في أعالي السند إذا حذفوا أوله للعلم به ، فيكون المعنى عن محمد بن يحيى مثلا ، فيحذفون (عن) أيضاً اختصاراً.

وانما فعلوا ذلك لان كيفية الاخذ في أعالي السند يخفى في الاغلب على متأخري المحدثين ، وانما المقصود أن يبينوا أنه مروي عنه أعم من أن يكون بقراءة أو باجازة أو غير ذلك من طرق النقل ، فلهذا اقتصروا على ذكر الراوي فقط.

ومن غير الاكثر ما فعله محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله ، فانه حذف

١٩٩

ذلك من الاول أيضاً ، لما ذكرناه من أن المراد اثبات الراوية.

وأما إذا اتصل بهم السند فلا يكادون يخلون بذكر (حدثنا) أو (أخبرنا) أو الرمز له ، كما هو في كثير من التهذيب وباقي كتب الاحاديث.

فائدتان :

(الاولى) إذا كان للحديث اسنادان أو اكثر تامان أو ناقصان كتبوا عند الانتقال من سند الى آخر (ح) علامة للتحويل ، فيقرأ القارئ حاء تامة ليدل على التحويل.

ومنهم من قال : ان هذه الحاء رمز عن (صح) ، لئلايتوهم أن متن الحديث سقط ولئلا يركب الاسناد الثاني على الاسناد الاول فيجعلهما واحداً.

والحق أنها من التحويل من اسناد الى آخر ، أو من الحائل بين الاسنادين كما قدمناه.

وما ذكروه من التعليل ثانياً هو نفس ما قلناه.

ومحمد بن يعقوب والشيخ الطوسي رحمهما الله وكثير من محدثينا يكتفون بحرف العطف ، سواء كان السند الثاني تاماً أم ناقصاً. ولا بأس به.

(الثانية) قد اصطلحوا على حذف اشياء في الكتابة دون القراءة ، وجرت العادة بذلك واشتهر بحيث لا يخفى ولا ينكر : فمنها : لفظة (قال) بين رجال السند.

ومنها : لفظة (وبالاسناد المذكور) أو (وبه) ، وذلك عند كتابة الاجزاء المشتملة على أحاديث باسناد واحد.

ومنها : همزة (أبى فلان) عند النداء ، نحو (يا با سعيد).

ومنها : الف (يا) في نداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

٢٠٠