وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي

وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

المؤلف:

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢١١

ولا ينبغي متابعة الشيخ إذا كان قد أجمل والمحل يحتاج الى البيان ، بل يجب بيانه بما يرفع الجهالة عنه وان كان الشيخ قد اختصر ذلك ، لان الشيخ ربما اعتمد على فهمه وشهرته في ذلك الوقت.

لكن ينبغي أن يميز كلامه الذي زاده عن كلام شيخه بقوله (هو فلان الفلاني) أو (نعني فلاناً) ونحو ذلك.

ومنع بعضهم الزيادة بدون البيان ، ولقد وقع لنا ولكثير من المتأخرين الالتباس في كثير من الرواة ، لحصول الاشتراك في أسمائهم وأسماء آبائهم وترك المتقدمين تعريفهم بما يرفع اللبس عنهم.

(اصل)

ومن الواجب المتحتم على الفقيه معرفة الرجال في الجرح والتعديل ونحوهما ، ليميز صحيح الحديث من ضعيفه ، وان اشتمل على القدح في المسلم المستور ، لكن يجب غاية التثبت ، فقد أخطأ فيه كثير.

وكذا يجب معرفة طبقاتهم في التقى والورع والعلم والضبط لاجل الترجيح عند التعارض ، ومعرفة مراتبهم في التقدم والتأخر في المولد والوفاة ليأمن القطع والقلب والارسال ، ومعرفة المختلف من أسمائهم والمؤتلف ليأمن التباس الثقة بالضعيف عند التصحيف والترحيف ، وتصحيح أسمائهم وأسماء آبائهم وكناهم وألقابهم وما يتبع ذلك ، ليضع كل واحد في موضعه.

وكل ذلك من المهم الذي لابد للفقيه والمحديث منه.

وقد جرت عادة مؤلفي أصول الحديث من العامة ذكر المختلف والمؤتلف والمتفق والمفترق وتصحيح المفردات والكنى والالقاب والنسب والموالي والاوطان وأشباه ذلك في كتب أصول الحديث. ونحن لو فتحنا باب ذلك هنا

١٦١

لطال واتسع المجال.

وقد كفانا المتقدمون البحث عن ذلك فيما ألفوه من الكتب النفيسة ككتاب الحافظ ابن عقدة وفهرست النجاشي وكتاب ابن الغضائري والشيخ ابى جعفر الطوسي وكتاب الرجال لابي عمر والكشي وكتب الشيخ ابى جعفر ابن بابويه القمي ، وما بأيدينا الان من الخلاصة وايضاح الاشتباه للعلامة وفهرست الشيخ الطوسي وكتاب ابن داود قد تكفل بأكثر المهم من ذلك.

لكن ينبغي للماهر تدبرما ذكروه فلعله يظفر بكثير مما أهملوه أو يطلع على توجيه قد أغفلوه ، خصوصاً مع تعارض الجرح والمدح ، فلا ينبغي لمن قدر على التمييز التقليد بل ينفق مما آتاه الله ، فلكل مجتهد نصيب.

(فصل)

ولقد مات النبي صلى الله عليه وآله عن مائة وأربعة عشر ألف صحابي ، وآخرهم موتاً أبو الطفيل مات سنة مائة ، وآخرهم قبله انس بن مالك. وقد جازف أهل السنة كل المجازفة بل وصلوا الى حد المخارفة ، فحكموا بعدالة كل الصحابة ، من لا بس منهم الفتن ومن لم يلابس ، وقد كان فيهم المقهورون على الاسلام والداخلون على غير بصيرة والشكاك ، كما وقع من فلتات ألسنتهم كثيراً.

بل كان فيهم المنافقون كما أخبر به الباري جل ثناؤه وكان فيهم شاربوا الخمر وقاتلوا النفس وفاعلوا الفسق والمناكر ، كما نقلوه عنهم.

ومنا نقلنا نحن بعضه فيما سبق من صحاحهم من الاحاديث المتكثرة المتواترة المعنى يدل على ارتدادهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فضلا عن فسقهم.

وزاد بعضهم في المجازفة والمخارفة فحكم بأنهم كلهم كانوا مجتهدين.

١٦٢

وهذا يقطع من له أدنى عقل بفساده ، لانه كان فيهم الاعراب ومن أسلم قبل موت النبي (ص) بيسير والاميون الذين يجهلون اكثر قواعد الاحكام وشرائع الدين فضلا عن الخوض فيه بالاستدلال.

كيف والاجتهاد ملكة لا تحصل الا بعد فحص كثير وممارسة تامة بغير خلاف.

وامكان حصول النفحة والاجتهاد لهم دفعة لا نمنعه ، الا أنه لا يقتضي الحكم بذلك ، لانه خلاف العلم العادي والذي ألجأهم الى هذا القول البارد السمج مع العصبية ما قد تحققوه من وقع الاختلاف والفتن بينهم وانه كان يفسق ويكفر بعضهم بعضاً ويضرب بعضهم رقاب بعض ، فحاولوا أن يجعلوا لهم طريقاً الى التخلص.

كماجوزوا الايتمام بكل بروفاجر ليروجوا أمر الفساق الجهال من خلفائهم وائمتهم.

(فصل)

وقد وجه أهل السنة الطعن الينا ببغض كل الصحابة وسبهم ، وهذا جهل منهم أو تجاهل ، لان بغضهم وسبهم جميعاً لا يرضى به على وجه الارض مسلم وانما هم عندنا على ثلاثة أقسام : معلوم العدالة ، ومعلوم الفسق ، ومجهول الحال.

أما معلوم العدالة : فكسلمان والمقداد ممن لم يحل عن أهل البيت طرفة عين ، أو أنه حال أو شك ثم رجع لما تبين له الحق.

فنحن نتقرب الى الله تعالى بحبهم ونسأل الله أن يجعلنا معهم في الدنيا والاخرة.

وكتب الرجال التي عددناها مملوءة مشحونة بتعديل الجم الغفير منهم والثناء عليهم بحيث لا يستطاع

١٦٣

انكاره ولا يخفى على ذي بصر.

وأما معلوم الفسق أو الكفر : فكمن حال عن أهل البيت ونصب لهم الغض والعداوة والحرب.

فهذا يدل على أنه لم يكن آمن وكان منافقاً ، أو أنه ارتد بعد موت النبي (ص) كما جاء في الاخبار الصحيحة عندهم ، لان من يجب النبي لا يبغض ولا يحارب أهل بيته الذين اكد الله ورسوله كل التأكيد في مدحهم والوصية والتمسك بهم.

وفيما نقلناه فيما تقدم عن بعضهم من صحهاحهم كفاية.

وهؤلاء نتقرب الى الله تعالى والى رسوله ببغضهم وسبهم وبغض من أحبهم.

وأما مجهول الحال : فكأكثر الصحابة الذين لا نعلم خافو الله تعالى ورغبوا في ثوابه فتمسكوا بأهل بيته الذين أمر الله ورسوله بالتمسك بهم أم انحرفوا عنهم وتمسكوا بأعدائهم اتباعاً لهوى أنفسهم ورغبة في زينة الحياة الدنيا وزهداً في الله وثوابه.

فهؤلاء نكل أمرهم الى الله فهو أعلم بهم ولا نسبهم ونشتغل عن الخوض في شأنهم بما هو أهم.

وأما ما ورد عندنا وعندهم من الاخبار الدالة على ارتداد كل الصحابة أو ارتدادهم بقول مطلق فانه يجب حملها على المبالغة ، لان الذين ثبتوا على الاستقامة بعد الرسول كانوا قليلين ، وكثير منهم رجع الى الحق بعد أن عاند أو تزلزل.

ولو خفي منهم شئ لم يخف من كان مع علي عليه السلام في حرب الجمل وحرب صفين من الانصار والمهاجرين ، فلقد كانوا ألوفاً متعددة ، بل كانوا أعاظم عسكره ممن لم يحولوا عنه أو رجعوا إليه ممن حضر قتل عثمان أو ألب عليه أو رضي به ، وكثير منهم قتلوا بين يديه حباً له والا ظهار الدين وقدموا

١٦٤

على الله تعالى شهداء مرملين (١) بدمائهم لاجل اعلاء كلمة الحق من أيدي المنافقين والكفار من أعدائه.

فكيف يجترئ من يؤمن بالله واليوم الاخر ويحب الله ورسوله أن يسب كل الصحابة ، هذا مما لا يتوهمه عاقل في شأن مسلم.

وبهذا يحصل الجمع بين ما جاء في الكتاب العزيز من مدح الصحابة في قوله تعالى (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) (٢) الاية ، وبين ما جاء من النصوص عندنا وعندهم على ارتداد الصحابة وذمهم. والله ولي التوفيق.

تتمة :

وأما فضل خلص أصحاب الرسول (ص) بعضهم على بعض وفضل خلص أصحاب الائمة (ع) وفضل خلص أصحاب الرسول على خلص أصحاب الائمة فمما لم يقم على شئ منه دليل واضح وان كان قد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أحاديث في فضل اشخاص بخصوصهم من أصحابه وورد عن الائمة عليهم السلام أحاديث في فضل أشخاص من أصحابهم في أنفسهم وعلى غيرهم.

الا أن اكثر الاحاديث قد تعارض بمثلها ، وليس للبحث في تعيين ذلك كثير فائدة.

ونحن نعلم أن التفاضل بينهم انما كان بحسب التقى والاعمال الصالحة ، لقوله تعالى (لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم) (٣). وكذا الكلام فيمن كان من

__________________

١. رمل الثوب : لطخه بالدم.

٢. سورة الفتح : ٢٩.

٣. سورة الحجرات : ١٣.

١٦٥

الصحابة على الفسق أو الكفر بنفاق أو محاربة أمير المؤمنين أو من أصحاب الائمة عليهم السلام فاسقاً أو كافراً بغلو أو تجسم أو شبههما ، فان تفاوت مراتبهم في ذلك لا يعلمه الا الله تعالى.

(اصل)

أذكر فيه سبب اختلاف الاحاديث بين أهل السنة فقط ، وبيننا وبينهم ، وبيننا فقط.

فان العامة أيضاً لم يتعرضوا الذكره مع أنه أمرهم وقد وقع بعد موت النبي صلى الله على وآله بغير فصل.

وترتب هذا الاختلاف اختلاف فتاوى العلماء وآرائهم ، وائمتنا عليهم السلام كشفوا القناع عن ذلك وبينوه بما لا مزيد عليه.

فأنا أذكر بعضاً مما وصل الي في ذلك عنهم عليهم السلام ، فان فيه مقنعاً.

فقد رويت بأسانيدي المتصلة الى محمد بن يعقوب رحمه الله تعالى عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن ابى عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال : قلت لامير المؤمنين عليه السلام : اني سمعت من سلمان وابى ذر والمقداد شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبى الله صلى الله عليه وآله غير ما في أيدي الناس ثم سمعت منك تصديق ما سمعته منك ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الاحاديث عن نبى الله صلى الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أن ذلك كله باطل ، أفترى يكذبون على رسول الله متعمدين ويفسرون القرآن بأرائهم؟ قال : فأقبل علي وقال : قد سألت فافهم الجواب ، ان في أيدى الناس حقاً وباطلا وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وعاماً وخاصاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً

١٦٦

ووهماً ، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله في عهده (١) حتى قام خطيباً فقال : أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. ثم كذب عليه من بعده.

وانما اتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس : رجل منافق يظهر الايمان متصنع بالاسلام لا ينأثم (٢) ولا يحترج أن يكذب على رسول الله (ص) متعمداً ، فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله ورآه وسمع منه ، فأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عزوجل (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم) (٣) ، ثم بقوابعده فتقربوا الى أئمة الضلالة والدعاة الى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الاعمال وحملوهم على رقاب الناس واكلوا بهم الدنيا ، وانما الناس مع الملوك والدنيا الامن عصمه الله. فهذا أحد الاربعة.

ورجل سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً لم يحفظه على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذباً ، فهو في يده يعول به ويعمل به ويرويه ويقول أنا سمعته من رسول الله ، فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو يسمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ

__________________

١. في المصدر على عهده ..

٢. أي لا يكف نفسه عن موجب الاثم ، أو لا يعد نفسه آثماً بالكذب على الرسول.

وكذا لا يتحرج. من الحرج بمعنى الضيق ، أي لا يضيق صدره بالكذب.

٣. سورة المنافقون : ٤.

١٦٧

الناسخ ولو علم أنه لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه انه منسوخ لرفضوه.

ورجل آخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ، يبغض الكذب خوفاً من الله تعالى وتعظيماً لرسوله ، لم يسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه وعلم الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ ، فان أمر النبي (ص) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه ، قد كان يكون من رسول الله (ص) كلام له وجهان وكلام عام وكلام خاص مثل القرآن.

وقال الله عزوجل في كتابه (ما آتاكم الرسول فخذوه ومانها كم عنه فانتهوا) (١) ، فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله.

وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله عن الشئ فيفهم وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه ، حتى أن كانوا يحبون أن يجئ الاعرابي والطارئ فيسأل رسول الله حتى يسمعوا (٢).

ويدخل في قوله عليه السلام (سمع شيئاً ولم يحفظه على وجهه) مع قوله (ان في الحديث عاماً وخاصاً) ما كان عاماً مقصوراً على سببه وما كان حكماً في قضية مخصوصة فيروى على وجه يعم حكمه أو يتعدى.

وروينا بطرقنا عنه عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن ابى ايوب الخزاز عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه السلام قال : قلت له : ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى الله عليه

__________________

١. سورة الحشر : ٧.

٢. الكافي ١ / ٦٣.

١٦٨

وآله لا يتهمون بالكذب فيجى ء منكم خلافه؟ قال : ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن (١). ونحو ذلك من الاحاديث.

فهذا هو السر في اختلاف الاحاديث بين العامة وبيننا وبينهم أيضاً.

لان ائمتنا عليهم السلام لم يروونا الا الحق مما قد اختلف فيه الصحابة.

فخالف بعض أحاديثنا كل ما روي عنهم على غير وجهه.

وأما سبب اختلاف الحديث فيما بيننا فقط ، فبعضه قد يكون بعضاً مما سبق فانه كان ممن يسمي نفسه باسم الشيعة قوم غلاة ومبتدعة وفسقة ، كما كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله المنافقون والمرتدون والفسقة كما بينه أصحابنا في كتب الرجال ، فربما دسوا في أحاديثنا شيئاً مما يوافق آراءهم مما لا أصل له.

وكذا كان فيهم من وهم ولم يحفظ الحديث فأداه على غير وجهه ولم يتعمد الكذب.

ثم ينضاف الى ذلك من أسباب الاختلاف عندنا ماكان يخرج عن ائمتنا عليهم السلام على وجه التقية ، كما اشتهر بل تواتر النقل عنهم (ع) بأنهم كانوا ربما يجيبون السائل على وفق معتقده أو معتقده بعض الحاضرين أو بعض من عساه يصل إليه الحديث من أعدائهم المناوئين (٢).

فقد روينا بأسانيدنا الى محمد بن يعقوب وعلي بن محمد عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام قال : قال لي : يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلا ممن يتولانا بشئ من التقية؟ قال : قلت له : أنت أعلم جعلت فداك.

قال : ان أخذ به فهو خير له أو أعظم أجراً.

__________________

١. الكافي ١ / ٦٤.

٢. نأواه : عاداه ، وأصله من النوء وهو النهوض.

١٦٩

وفي رواية أخرى : ان أخذ به أوجر وان تركه والله أثم (١).

وروينا عنه عن احمد بن ادريس عن محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن علي عن ثعلبة بن ميمون عن زرارة بن أعين عن ابى جعفر عليه السلام قال : سألته عن مسألة فأجابني ، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثم جاءه آخر فأجابه بخلاف ما أجابنى وأجاب صاحبي ، فلما خرج الرجلان قلت : يابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد بغير ما أجبت به صاحبه.

فقال : يا زرارة ان هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم ، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان اقل لبقائنا وبقائكم.

قال : ثم قلت لابي عبد الله عليه السلام : شيعتكم لو حملتموهم على الاسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين. قال : فأجابني مثل جواب أبيه (٢).

ومثل ذلك ما ورد عنهم عليهم السلام كثير ، وهو مما لا شبهة فيه بين شيعتهم.

وإذا تبينت ذلك اندفع به ما ربما يورده علينا بعض أهل السنة ، فيقول : إذا كان أخذكم دينكم ومعالم شرائعكم عن ائمتكم المعصومين كما تزعمون ، فمن أين وقع الاختلاف بين علمائكم وفي أحاديثكم ، فنقول : أما الاختلاف في الاحاديث فقد عرفت سببه وأنه لا خصوصية لنا به ، إذ وقع الاختلاف كذلك في الاحاديث المأخوذة عمن لا ينطق عن الهوى عندنا وعندكم ، مع أن زمن ائمتنا عليهم السلام كان أطول بكثير من الزمان الذي

__________________

١. الكافي ١ / ٦٥.

٢. الكافي ١ / ٦٥.

١٧٠

انتشر فيه الاسلام ووقع فيه النقل عن النبي صلى الله عليه وآله ، وكان الرواة عن ائمتنا (ع) اكثر عدداً وانتشاراً في الارض واختلافاً في الاراء والاهواء فوقوع الاختلاف في أحاديثهم أولى.

وأما اختلاف علمائنا في التعريفات التي لم يرد فيها نص بخصوصها فسببه اختلاف أنظارهم في مبادئها ومآخذها كما هو بين علمائكم أيضاً ، بل بين كل الطوائف من أصحاب الملل والنحل.

(اصل)

ومن أعظم المهمات عند الفقهاء والمحدثين من كل الطوائف معرفة مختلف الحديث ومعرفة ما يترتب على الاختلاف ، وإذا وردت مختلفة في الحكم فلا تخرج عن أقسام ثلاثة : (الاول) أن يقع التعادل والتضاد فيها من كل وجه.

وهو قليل الوقوع ، حتى منع من وقوعه بعض المخالفين. وليس بشئ.

وحكمه عندنا وعند اكثر العامة التخيير ، وقال بعض الفقهاء يتساقطان ويرجع الى مقتضى العقل. والصحيح الاول.

وقد جاء في بعض أحاديثنا عن الصادق عليه السلام أنه قال : بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك (١).

الا أنا روينا عن محمد بن يعقوب رحمه الله عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن عثمان بن عيسى والحسن بن محبوب جميعاً عن سماعة عن ابى عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحمدهما بأمر يأخذه والاخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ قال : يرجئه

__________________

١. الكافي ١ / ٦٦.

١٧١

حتى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه (١).

وسيأتي نحو هذا في حديث عمر بن حنظلة.

وقد استفاض النقل عن النبي والائمة عليهم السلام بالامر بالتوقف عند الاشتباه ، وهذا منه ولكن عمل أصحابنا وجماهير العلماء على الاول ، وهو التخيير.

ولعل مثل هذين الحديثين ونحوهما محمول على ما لا يضطر إليه الانسان بدليل (أرجئه) ، فيكون ورودهما على سبيل الاولوية والاحوطية ، أو يكون ذلك وما ورد فيه الامر بالتوقف محمولا على المبالغة والتأكيد في التثبت وكثرة الفحص عن المرجحات ، أو يكون الامر بالتوقف عند الاشتباه محمولا على من ليس له درجة الاستنباط والاستدلال ، أو على من يمكنه الترجيح ولم يبحث فيه ، أو نحو ذلك.

واعلم أن التضاد لا يجوز أن يقع في خبرين متواترين قطعاً لامتناع اجتماع النقيضين كما لا يقع بين دليلين قطعيين ، ولا يكون بين متواتر وآحاد لوجوب العمل بالمتواتر.

(القسم الثاني) أن يمكن الجمع بوجه ، أما بأن يعمل بأحدهما عى الاطلاق وبالاخر على وجه دون وجه ، أو بأن يعمل كل منهما من وجه دون آخر.

وذلك كما جاء في قوله عليه السلام : ألا أنبئكم بخير الشهود؟ قيل : نعم يا رسول الله.

قال : أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد (٢).

وقوله عليه السلام : يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد (٣).

__________________

١. الكافي ١ / ٤١.

٢. سنن ابن ماجة ٢ / ٧٩٢ وفيه خير الشهود من أدى شهادته قبل أن يسألها ..

٣. سنن ابن ماجة ٢ / ٧٩٢ ، سنن الترمذي ٤ / ٤٦٥ ، ٥٤٩.

١٧٢

فيعمل بالاول في حقوقه تعالى وفي الثاني في حقوق العباد ، فإذا أمكن مثل ذلك لم يجز طرح أحدهما مع صحته.

وكذا لو كان لاحدهما وجه من التأويل وجب تأويله والعمل بالاخر ، سيما إذا عضد التأويل دليل أو حديث آخر.

وانما يكمل للجمع العلماء الجامعون بين الحديث والفقه والاصول الاذكياء الغواصون على المعاني.

وأحسن ما صنف فيه عندنا كتاب الاستبصار ، فانه لم يشذ عنه الا القليل.

ومن تبصر في مطالعته لم يكد يخفى عنه وجه الجمع بين حديثين وان كان الشيخ رحمه الله أتى فيه بأشياء يمكن الجمع بالحمل منهما وبأشياء غير مرضية ، لكنه سباق الغاية في ذلك وانما يمشي الماشي بعده على أثره ويستضئ بنوره.

وقد ألف الشافعي للعامة فيه شيئاً لم يستوف ما هناك ولكنه نبههم على الطريق ، وصنف لهم بعده ابن قتيبة فأتى بأشياء مرضية وغير مرضية.

(القسم الثالث) أن يترجح أحدهما على الاخر بوجه من التراجيح المقررة في الاصول الراجعة الى سنده أو متنه أو زمانه أو حكمه أو نحو ذلك.

وقد كفانا الاصوليون البحث عن وجوهه.

وأما حقيقته فهو عبارة عن النظر والفحص عما يتقوى به كل واحد منهما ثم الموازنة بين المرجحات والحكم لما كان مرجحاته اكثر وأقوى. وهذه لجة عميقة بل مجر متسع لا يكاد يدرك قراره.

وكثير من الاختلاف حصل باختلاف أنظار الفقهاء في ذلك ، حيث أن بعضهم قد يتفطن لمرجحات لم يتفطن لها الاخر ، أو يترجح في نفسه قوة مرجح على آخر ويترجح العكس عند آخر ، أو نحو ذلك.

١٧٣

واعلم أن المحققين من العلماء على وجوب الفحص في الترجيح على المجتهد ليعمل بالراجح ، بل كاد يكون اجماعاً.

ومنع بعض المخالفين منه ليس بذي وجه ، لان العرف والعقل والشرع يقتضي وجوب العمل بالراجح : أما العرف : فظاهر ، لان من تتبع العمل بالاوهام وترك الامور الراجحة عد سفيهاً.

وأما العقل : فلانه يمنع من العمل بالمرجوح مع وجود الراجح ويحكم على فاعله أيضاً بالسفه.

وأما الشرع : فلا يخفى فيه وجوب العمل بالظن الغالب في اكثر موارده من لدن نبينا صلى الله عليه وآله الى يومنا هذا.

وأما ما جاء في القرآن من النهي عن اتباع الظن فالمراد به الوهم ، لانه يطلق على اسم الظن لغة اما حقيقة واما مجازاً ، أو المراد فيما الغرض فيه العلم من العقائد كما هو الظاهر ، لان الايات وردت في حق الكفار ، لانه كانوا يتركون الامور الجليلة ويتبعون الاوهام والامكانات التي توافق أهواء أنفسهم.

وأحاديثنا شاهدة بوجوب الترجيح والعمل بالراجع ، ومقبولة عمر بن حنظلة ترشد أيضاً الى ذلك والى فوائد اخرى ، فلنوردها لكثرة نفعها : رويت بأسانيدنا المتصلة الى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان والى القضاة أيحل ذلك؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الى الطاغوت وما

١٧٤

يحكم له فانما يأخذه سحتاً وان كان حقاً ثابتاً له ، لانه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفروا به ، قال الله عزوجل (يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) (١).

قلت : كيف يصنعان؟ قال : ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فانني قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمه فلم يقبله منه فانما استخف بحكم الله وعلينا رد ، والراد علينا الراد على الله ، وهما على حد الشرك بالله.

قلت : فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكون الناطرين في حقهما فاختلفا فيما حكما وكلاهما اختلف في حديثكم؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت الى ما يحكم به الاخر.

قال : قلت : فانهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه؟؟ قال : فقال : ينظر الى ما كان من رواياتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك ، فان المجمع عليه لا ريب فيه.

وانما الامور ثلاثة : أمر بين رشده فيتبع ، وأمر بين غيه فيجتنب ، وأمر مشكل يرد علمه الى الله ورسوله ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حلال بين ، وحرام بين ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

قلت : فان كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟

__________________

١. سورة النساء : ٦٠.

١٧٥

قال : ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.

قلت : جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة.

ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والاخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ قال : ما يخالف العامة فقيه الرشاد.

فقلت : جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعاً؟ قال : ينظر الى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالاخر.

قلت : فان وافق حكامه الخبرين جميعاً؟.

قال : إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى امامك ، فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (١).

فهذا الحديث وأمثاله تضمن وجوب الترجيح في المفتي والحديث ووجوب العمل بالراجح كما لا يخفى.

(اصل)

(في معرفة الاعتبار بالمتابعات والشواهد)

وهو عبارة عن النظر في الحديث هل تفرد به راويه أم لا وهو (اعتبار المتابعة) ، وهل جاء في الاحاديث ما يوافقه معنى أم لا وهو (اعتبار الشاهد).

وهو نوع من أنواع الترجيح لم يبحث عنه الاصوليون وجرت عادة أصحاب الحديث بالبحث عنه.

وهو أمرهم يتعرف به الفقهاء والمحدثون أحوال الحديث وبكثر بحثهم

__________________

١. الكافي ١ / ٦٧.

١٧٦

واعتناؤهم به.

مثال الاول أن يروي علي بن ابراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن ابى نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس حدثنا عن ابى جعفر عليه السلام.

فيعتبر الناظر هل روى هذا الحديث ثقة آخر غير علي عن أبيه ، فان لم يوجد فثقة غير أبيه عن عبد الرحمن ، فان لم يوجد فثقة غير عبد الرحمن عن عاصم ، فان لم يوجد فثقة غير عاصم عن محمد بن قيس ، فان لم يوجد فثقة غير محمد عن ابى جعفر عليه السلام.

فأي ذلك وجد كان متابعة وازداد الحديث به قوة واعتباراً ، لان ذلك يثير الظن أن له أصلا يرجع إليه.

والمتابعة التامة أن يرويه غير علي عن أبيه وغير أبيه عن عبد الرحمن ـ الى آخر سند.

وإذا رواه غير أبيه أو غير عبد الرحمن أو غير عاصم أو غير محمد سمي كل واحد من هذه الكيفيات (متابعة ناقصة) تقصر عن الاولى بقدرها بعدها عنها.

وقد يطلق على المتابعة ـ تامة أو ناقصة ـ اسم الشاهد أيضاً.

ومثال الشاهد أن يروي غير هؤلاء حديثاً آخر عن ابى جعفر عليه السلام أو غيره من المعصومين بمعناه ، ولا يسمى هذا متابعة.

وإذا قالوا (هذا مما تفرد به فلان) كان ذلك مشعراً بانتفاء المتابعات ، وإذا انتفت مع الشواهد أيضاً تمحض فرداً.

وحينئذ ان كان مخالفاً لرواية من هو أحفظ منه كان ضعيفاً ويسمى (شاذا) و (منكراً) ، وان كان غير مخالف والراوي عدل ضابط كان (صحيحاً) ، وان قصر عن ذلك وكان ممدوحاً كان (حسناً) ، والا كان أيضاً شاذاً منكراً مردوداً.

١٧٧

ويدخل في المتابعات والشواهد رواية الضعفاء ، لانها لا اعتماد عليها بل على ما جاءت هي شاهداً أو متابعة له. ويختلف ذلك في القوة والضعف بحسب اختلاف الرواة. والله الموفق.

اصول اربعة

(الاول) الخبر يتأيد بدليل العقل ، أي ما اقتضاه.

كأن يحكم العقل بأن الاشياء قبل ورود الشرع على الاباحة والحظر فيجئ الخبر موافقاً لذلك ، فيتأيد كل منهما بصاحبه ، ويكون حينئذ دليل العقل مؤيداً لهذا الخبر إذا عارضه مثله.

وبعضهم يرجح الخبر المخالف لدليل العقل ، لانه مؤسس لحكم شرعي.

وفيه بحث ، وتوقف الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى.

(الثاني) إذا كان أحد الخبرين مروياً بلفظه والاخر بمعناه ، رجح بعضهم المروي باللفظ على المروي بالمعنى مطلقاً.

وقال بعضهم : إذا كان كلاهما فظناً ضابطاً عارفاً بمفهوم اللفظ ومنطوقه وما يحيل معناه فلا ترجيح بذلك ، إذ قد أبيح له الرواية باللفظ والمعنى معاً.

وان لم يكن الفراوي بالمعنى كذلك رجح المروي باللفظ.

(الثالث) رجح اكثر العلماء المسند على المرسل ، وبعضهم عكس وقال ان المرسل لم يرسل روايه الا بعد جزمه بصحته ، بخلاف المسند فان راويه قد لا يجزم بصحته ويحيل أمره على سنده ، والاول أقوى.

نعم ان كان مرسله لا يروي الا عن ثقة فلا ترجيح ، ولهذا سوى أصحابنا بين ما يرسله محمد بن ابى عمير وصفوان بن يحيى والبزنطي وبين ما يسنده غيرهم.

١٧٨

(الرابع) لا شبهة عندنا في تقديم الصحيح على الحسن والموثق عند التعارض إذا لم يمكن تأويلهما ، وأما إذا أمكن تأويلهما أو حملهما على بعض الوجوه ، فانه يجب عند من يعمل بهما ويرجح ذلك على طرحهما بالكلية.

بل قد رأينا للشيخ الطوسي رحمه الله في مواضع متعددة يؤل الصحيح ويعمل بالحسن أو الموثق عند التعارض ، لنوع من الاخبار أو مساعدة بعض الادلة.

وأما إذا لم يعارضهما صحيح فقد قبلهما جماعة من علمائنا واحتجوا بهما كالشيخ ومن نهج نهجه ، سيما إذا عضد أحدهما رواية أخرى أو دليل آخر : أما الحسن فلانه يثير ظناً راجحاً قريباً مما يثيره الصحيح ، بل بعضه لا يكاد يقصر عنه ، كما يرويه ابراهيم بن هاشم ونحوه.

وأما الموثق فلان نقل المذهب قد يعلم بالفساق فضلا عن الموثقين ، كما يعلم من مذهب الشافعي كذا وان لم ينقله عنه عدل ، لقول الصادق عليه السلام : إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما يروى عنا فانظروا الى ما رووه عن علي عليه السلام فاعملوا به.

وقد عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير ، والواقفية مثل سماعة وعلي بن ابى حمزة وعثمان بن عيسى وبني فضال والطاطر بين وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه.

وقد يحتج للعمل به وبالحسن : ان المانع من العمل بخبر الفاسق فسقه للاية فإذا لم يعلم الفسق لم يجب التثبت كما في الخبر المجهول ، فكيف الموثق أو الممدوح. وبهذا احتج من قبل المراسيل.

١٧٩

وأجيب : بأن الفسق لما كان علة لتثبت وجب العلم بنفيه حتى يعلم وجوب انتفاء التثبت ، فيجب الفحص.

وفيه نظر ، لان الاصل عدم وجود المانع في المسلم ، ولان المجهول لا يمكن الحكم بفسقه والمراد في الاية الفاسق.

وقال بعض العامة : لا يحتج برواية المبتدع مطلقاً.

وقال الشافعي : يقبل ان لم يكن يستحل الكذب لنصر مذهبه.

وقيل : يقبل ان لم يكن داعية الى مذهبه وبدعته.

وهو الاظهر عندهم وقول الاكثر ، ولهذا احتج صاحبا الصحيحين وغيرهما من أئمة الحديث عندهم بكثير من المبتدعة غير الدعاة.

أما من كفر ببدعة فلا تقبل روايته اجماعاً منا ومنهم ، كالغلاة والمجسمة وشبههما.

وأما ترجيح الحسن عند على الموثق أو بالعكس أو التساوي مما لم يحضرني لاصحابنا فيه مقال ، وللنظر فيه مجال.

(اصل)

إذا جاء الحديث بخلاف الدليل القاطع من الكتاب أو السنة أو الاجماع ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه ، وجب طرحه من أي الانواع كان ، لان هذه الادلة تفيد العلم والخبر لا يفيده.

وعلى هذا وقع الاجماع واستفاض النقل.

فقد روينا عن محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن ابى عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه

١٨٠