وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي

وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

المؤلف:

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢١١

(أنبأنا اجازة) ، وهو الاجود.

وقال بعض المحدثين من العامة : المعهود بين الشيوخ أن يقول فيما عرض على الشيخ فأجازه شفاهاً (أنبأني).

الخامس : المكاتبة

وهي أن يكتب مسموعه لغائب أو حاضر بخطه أو بأمره لثقة.

وهي ضربان : مجردة عن الاجازة ، ومقرونه ب‍ (أجزتك ما كتبت اليك) بأن يكتب إليه أيضاً ذلك.

وهذه في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة بالاجازة.

وأما المجردة فمنع الرواية بها قوم ، [لان الكتابة لا تقضي الاجازة ، لانها اخبار أو اذن وكلاهما لفظي والكتابة ليست لفظاً ، ولان الخطوط تشتبه فلا يجوز الاعتماد عليها] (١).

وأجازها الاكثر ، ولهذا يوجد في مصنفاتهم (كتب الي فلان قال حدثنا فلان) ، وهو معمول به عندهم معدود في الموصول لا شعاره بمعنى الاجازة [وان لم يقترن بها لفظاً ، ولان الكتابة للشخص المعين وارساله إليه قرينة قوية على الاجازة للمكتوب.

وقد تقدم أن الاخبار لا ينحصر في اللفظ ، ولهذا يكتفى في الفتوى بالكتابة مع أن الامر في الفتوى أخطر] (١).

ويكفي في ذلك معرفة خط الكاتب ، وقد وقع للائمة عليهم السلام من ذلك الكثير الذي لا ينكر ، مثل (كتبت إليه فكتب الي) و (قرأت خطه وأنا أعرفه) ولم ينكر منا جواز العمل به ، ولو لا ذلك كانت مكاتباتهم وكتاباتهم عيثاً.

__________________

١. الزيادتان من النسخة المخطوطة.

١٤١

وشرط بعضهم البينة.

وهو ضعيف ، إذ هو غير معروف ، والاعتماد في ذلك على الظن الغالب : وهو حاصل مع معرفة الخط وأمن التزوير.

وطريق الرواية بها (كتب الي فلان قال حدثنا فلان) أو (أخبرنا مكاتبة) أو (كتابة) ، ولا يجوز اطلاق (حدثنا) و (أخبرنا) مجردين ليتميز عن السماع وشبهه ، وان جوزهما كثير من المحديثن.

وإذا صحت المكاتبة فهي أنزل من السماع ، فيرجح ما روي به عليها مع تساويهما في الصحة.

وكيف كان ف‍ (أخبرنا) هنا أقرب من (حدثنا) لانها اخبار في المعنى ، وقد أطلق الاخبار لغة على ما هو أعم من اللفظ ، كما قيل :

* تخبرني العينان والقلب كاتم *

السادس : الاعلام

وهو أن يعلم الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو الكتاب سماعه مقتصراً عليه.

وقد أوجب الكل العمل به إذا صح سنده ، وجوز الرواية به كثير من علماء الحديث تنزيلا له منزلة القراءة على الشيخ ، فانه إذا قرأ عليه وأقر بأنه روايته عن فلان جاز له روايته عنه وان لم يسمعه من لفظه ولم يقل له (أروه عني) أو (أذنت لك روايته عني).

وتنزيلا للاعلام منزلة من سمع غيره يقر بشئ ، فله أن يشهد به عليه وان لم يشهده بل وان نهاه ، وكذا لو سمع شاهداً بشئ ، فانه يصير شاهد فرع وان لم يشهده ، ولانه يشعر باجازته له كما مر في الكتابة.

١٤٢

ومنعها بعضهم ، لعدم وجود ما يحصل به الاذن ومنع الاشعار به بخلاف الكتابة إليه.

ويؤيد الاول ما رويناه عن ابى الحسن الرضا عليه السلام سابقاً (٢) وما نرويه عن ابى جعفر الثاني عليه السلام فيما يأتي.

السابع : الوصية

وهو أن يوصي عند سفره أو موته بكتاب يرويه فلان بعد موته.

وقد جوز بعض السلف للموصى له روايته ، لان فيه نوعاً من الاذن وشبهاً من العرض والمناولة.

ومنعه بعضهم ، لبعده عن الاذن.

ولا بأس به ، إذ هو تعليق.

الثامن : الوجادة

وهو مصدر لوجد ، مولد غير مسموع من العرب.

وهو أن يقف الانسان على أحاديث بخط روايها أو في كتابه المروي له معاصراً كان أو لا يرويها الواجد ، فله أن يقول (وجدت) أو (قرأت بخط فلان) أو (في كتابه حدثنا فلان) ويسوق الاسناد أو المتن.

هذا هو الذي استمر عليه العمل حديثاً وقديماً ، وهو باب المنقطع.

وفيه شوب اتصال يجوز العمل به عند كثير من المحققين عند حصول الثقة بأنه خط المذكور أو روايته ، والاقال (بلغني عمن نقل عنه) أو (وجدت في كتاب أخبرني

١٤٣

فلان أنه خط فلان) أو (روايته) أو (أظن أنه خطه) أو (روايته) ، لوجود آثار روايته له بالبلاغ ونحوه.

ومنع اكثر العامة من العمل بها معه تحقق أنها روايته ، لانه لم يحدث بها لفظاً ولا معنى.

ويؤيد الاول ما رويناه بطرقنا المتكثرة عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن محمد بن الحسن بن ابى خالد شنيولة قال : قلت لابي جعفر الثاني عليه السلام : جعلت فداك ان مشائخنا رووا عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم تروعنهم فلما ماتوا صارت الكتب الينا.

فقال : حدثوا بها ، فانها حق (١).

وإذا وجد حديثاً في تأليف شخص قال (ذكر فلان) ، وهذا منقطع لاشوب فيه ، وذلك إذا لم يعلم أنه رواه والا فهو كالاول.

هذا إذا وثق بأنه خطه ، والا قليل (بلغني عن فلان) أو (قرأت في كتاب أخبرني فلان أنه بخطه) أو (أظن أنه خطه) أو (ذكر كاتبه أنه خطه) أو (تصنيف فلان).

وإذا نقل من تصنيف فلا يقول (قال فلان) الا إذا وثق بصحة النسخة ، والا فليل (بلغني عن فلان) أو (وجدت في نسخة من كتاب) ونحوه.

وقد تسامح الناس في هذه الازمان بالجزم في ذلك من غير تحر.

فان كان الناقل متقناً لا يخفى عليه غالباً الساقط والمغير رجونا جواز الجزم له.

والى هذا استروح (٢) المصنفون في كتبهم.

__________________

١. الكافي ١ / ٥٣.

٢. استروح : وجد ، وكذا أراح واستراح ، يقال : استروح الفحل واستراح : وجد ريح الانثى.

١٤٤

تنبيه :

من رأى في هذا الزمان حديثاً صحيح الاسناد صحيح الاسناد في كتاب أو جزء لم ينص على صحته علماؤنا أو بعضهم ولم يكن الكتاب معروف المؤلف ولم تكن نسخته صحيحة مروية بخصوص أو عموم لم يحكم بصحته ولم يجز الاعتماد عليه في الاحكام.

لا نعلم في ذلك مخالفاً.

والله ولي التوفيق.

(اصل)

(في الاسناد العالي والمنازل)

قال بعض العلماء : ان الاسناد من خواص هذه الامة.

واعلم أن طلب العلوفيه سنة مؤكدة ، وهو مما عظمت رغبة المتقدمين والمتأخرين فيه ، لانه أقل كلفة وأبعد عن الخطأ وأقرب الى الصحة ، لانه إذا طال السند كثرت مظان التحذير وإذا قل قلت.

وقد يتفق في النزول مزية ليست في العلو ، كأن يكون راويه أوثق أو أحفظ أو الاتصال فيه أظهر للتصريح باللقاء واشتمال العالي على ما يحتمل اللقاء وعدمه ك (عن فلان) ، فيكون النزول أولى.

والعلو أقسام : أجلها : القرب من المعصوم باسناد نضيف صحيح.

الثاني : القرب الى امام من أئمة الحديث وان بعد بعد ذلك (١).

__________________

١. اي وان بعد من هذا الامام الى المعصوم منه ..

١٤٥

الثالث : العلو بالنسبة الى رواية أحد الاصول الخمسة أو غيرها من الاصول المعتبرة.

وقد اعتنى بها المتقدمون والمتأخرون ، وهو : اما بالموافقة ، أو الابدال أو المساواة ، أو المصافحة : فالموافقة : أن يقع لك حديث عن شيخ محمد بن يعقوب مثلا بطريق من غير جهته بعدد أقل من عددك إذا رويته عن محمد بن يعقوب عنه.

وأما البدل : فهو أن يقع هذا العلو عن مثل شيخ محمد بن يعقوب ، وهو في الحقيقة موافقه بالنسبة الى شيخ شيخ محمد.

وأما المساواة : فهي قلة عدد اسنادك بحيث يقع بينك وبين المعصوم ، أو أحد أصحابه ، أو من أخذ عن أحد أصحابه من العدد.

مثل ما وقع الشيخ الطوسي مثلا وبينه.

وهذا النوع لا يقع في مثل عصرنا أصلا.

وكذا المصافحة : وهي أن تقع هذه السماواة لشيخك فيكون كأنك صافحت الشيخ فأخذت عنه.

فانها أيضاً في زماننا مستحيلة.

وهذا العلو تابع للنزول ، فلو لم ينزل الشيخ الطوسي مثلا لم تعل أنت.

الرابع : العلو بتقدم وفاة ، فما ترويه عن من تقدمت وفاته أعلى (١).

الخامس : العلو بتقدم السماع ، وهو أن يسمع شخصان من شيخ وسماع

__________________

١. مثاله ما نرويه باسنادنا الى شيخنا الشهيد عن السيد عميد الدين عن العلامة جمال الدين ابن المطهر ، فانه أعلى مما نرويه عن الشيهد عن فخر الدين ابن المطهر عن والده جمال الدين ، وان تساوى الاسناد ان في العدد تتقدم وفاة السيد عميد الدين عن وفاة فخر الدين بنحو خمس عشرة سنة عن زين الدين الشيهد الثاني ..

١٤٦

أحدهما أقدم. فهو أعلى وان تساوى العدد.

وأما النزول فهو ضد العلو في الاقسام الخمسة ، وهو مفضول.

وقد فضله بعضهم إذا تميز بفائدة ، كأن كانت حال الشيخ في الاخر أحسن ، ولا بأس به.

١٤٧

اصول

(في كيفية رواية الحديث)

(اصل)

قد شدد قوم في الرواية وأفرطوا وقالوا : لا حجة الافيما يروى من الحفظ.

وهو عنت (١) بين بغير نفع ظاهر ، بل ربما كان أضر وأقبح ، لان الحفظ لصعوبته وعسره يلزم منه الحرج وتضييق الرواية وتقليلها ، مع أنه يتطرق إليه النسيان والشك والوهم ، وذلك لا يتأتى في الكتابة والمتكاتبة وان تطرق إليها التزوير لكنه شئ نادر الوقوع ، ومع ذلك لا يكاد يخفى.

وقال بعضهم : يجوز الرواية من الكتاب الا إذا خرج من اليد.

وتساهل بعضهم فجوز الرواية من الكتب التي لم تقابل : وهذا تفريط لا يجوزه ذو مسكة بدينه.

والذي يعتمده علماؤنا ومحدثونا واكثر علماء العامة جواز كتابتها والرواية

__________________

١. العنت : المشقة والخطأ.

١٤٨

منها إذا قام الرواي في الاخذ والتحمل بما تقدم من الشروط ، فيجوز حينئذ الرواية من أصله إذا كان مصححاً مأمون التزوير وان أعاره أو غاب عن يده ، لان التغيير نادر الوقوع ولا يكاد يخفى.

وقد ورد الامر من أئمتنا عليهم السلام بكتابة العلوم كلها والحرص عليها ، ولا شبهة أن الاحاديث من أجلها وأهمها ، فقد روينا بطرقنا عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بن عبد الله عن احمد بن محمد عن ابى ايوب المدني عن ابن ابى عمير عن حسين الاحمسي عن ابى عبد الله عليه السلام قال : القلب يتكل على الكتابة.(١).

وعنه عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسين بن علي الوشا عن عاصم بن حميد عن ابى بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : أكتبوا فانكم لا تحفظون حتى تكتبوا (٢).

وعنه عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن فضال عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : احتفظوا بكتبكم فانكم سوف تحتاجون إليها (٣).

وعنه عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد البرقي عن بعض أصحابه عن ابى سعيد الخيبري عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : اكتب وبث علمك في اخوانك ، فان مت فأورث كتبك بنيك ، فانه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه الا بكتبهم (٤).

__________________

١. الكافي ١ / ٥٢.

٢. الكافي ١ / ٥٢.

٣. الكافي ١ / ٥٢.

٤. الكافي ١ / ٥٢.

١٤٩

ولا شبهة أن كتابتها في زماننا هذا واجبة كما تقدم بيانه.

فروع :

(الاول) إذا وجد المحدث في كتابه خلاف حفظه ، فان كان حفظه منه رجع إليه قطعاً ، وان كان من فم الشيخ اعتمد على حفظه ان لم يشك.

وحسن أن يجمعهما فيقول (حفظي كذا وفي كتابي كذا).

وكذا ان كان حفظه من نسخة مأمونة معتمدة ، وان خالفه غيره قال (حفظي كذا وقال فيه غيري كذا) ، وكذا ان وجد في نسخة أخرى مثل نسخته في الصحة قال (في نسختي كذا وفي نسخة فلان كذا).

(الثاني) لو وجد حديثاً في كتابه الذي سمعه كله ولم يذكر الحديث فقد ذهب بعض المحدثين الى أنه لا يجوز له روايته.

والصحيح جوازها إذا كان الخط موثوقاً به والكتاب مصوناً يغلب على الظن السلامة من التغيير بحيث تسكن إليه نفسه والالم يجز.

(الثالث) إذا أراد الرواية من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة بما قد سمعه ولكنها سمعت على شيخه أو صححت وهو قد سمع الاحاديث من غير هذه النسخة أوله بهذه الاحاديث أو هذا الكتاب اجازة ، يجوز أن يروي منها إذا عرف ان هذه الاحاديث هي التي سمتها أو استجازها وسكنت نفسه الى صحتها وسلامتها.

ويجوز حينئذ أن يقول (حدثنا) أو (أخبرنا) بغير قيد ان كان قد سمع الاحاديث ، أو يقيد ذلك بقوله (اجازة) ان كان استجازها.

(الرابع) الضرير إذا لم يحفظ ما سمعه واستعان بثقة في ضبطه وحفظ كتابه واحتاط عند القراءة عليه بحيث يغلب على ظنه سلامته من التغير صحت روايته

١٥٠

والرواية عنه.

وكذا الامي الذي لا يحسن الكتابة.

(الخامس) يستحب للراوي أن يقدم الاسناد كما هو المتعارف ثم يورد الحديث فإذا أراد النقل في أثناء المتن الى حديث آخر قال (الخبر) أو (الخبر بتمامه).

ويكره أن يتعمد تغيير صورة المتن والاختصار منه وابدال لفظ بمرادفه للعالم بمدلولات الالفاظ كما يأتي.

وقيل بتحريم ذلك.

(أصل)

وإذا لم يكن المحديث عالماً بحقائق الالفاظ ومجازاتها ومنطوقها ومفهومها ومقاصدها خبيراً بما يختل معانيها لم يجز له الرواية بالمعنى بغير خلاف ، بل يتعين اللفظ الذي سمعه إذا تحققه ، والا لم يجز له الرواية.

وأما إذا كان عالماً بذلك فقد قال طائفة من العلماء لا يجوز الا باللفظ أيضاً وجوز بعضهم في غير حديث النبي (ص) فقط ، قال : لانه أفصح من نطق بالضاد وفي تراكيبه أسرار ودقائق لا يوقف عليها الا بها كما هي ، لان لكل تركيب معنى بحسب الوصل والفصل والتقديم والتأخير وغير ذلك لو لم يراع ذلك لذهبت مقاصدها ، بل لكل كلمة مع صاحبتها خاصية مستقلة كالتخصيص والاهتمام وغيرهما ، وكذا الالفاظ المشتركة والمترادفة ، ولو وضع كل موضع الاخر لفات المعنى المقصود.

ومن ثم قال النبي صلى الله عليه وآله : نضر الله عبداً سمع مقالتي وحفظها ووعاها وأداها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه (١).

__________________

١. سنن ابن ماجة ١ / ٨٤ ـ ٨٦ ، ٢ / ١٠١٥ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٤ ، سسن ابى داود ٣ / ٢٢٢ باختلاف في الالفاظ.

١٥١

وكفى هذا الحديث شاهداً بصدق ذلك.

والحق أن كل ذلك خارج عن موضوع البحث ، لانا انما جوزنا لمن يفهم الالفاظ ويعرف خواصها ومقاصدها ويعلم عدم اختلال المراد بها فيما أداه.

وقد ذهب جمهور السلف والخلف من الطوائف كلها الى جواز الرواية بالمعنى إذا قطع بأداء المعنى بعنيه ، لانه من المعلوم أن الصحابة وأصحاب الائمة عليهم السلام ما كانوا يكتبون الاحاديث عند سماعها ، ويبعد بل يستحيل عادة حفظهم جميع الالفاظ على ماهي عليه وقد سمعوها مرة واحدة ، خصوصاً في الاحاديث الطويلة مع تطاول الازمنة.

ولهذا كثيراً ما يروى عنهم المعنى الواحد بألفاظ مختلفة كما لا ينكر.

لما رويناه بطرقنا عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابن ابى عمير عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص.

قال : ان كنت تريد معانيه فلا بأس.(١).

وروينا بالسند المذكور عن محمد بن الحسين عن ابن سنان عن داود بن فرقد قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : اني أسمع الكلام منك فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجئ.

قال : فتعمد ذلك؟ قلت : لا. قال : تريد المعاني؟ قلت : نعم. قال : فلا بأس (٢).

نعم لامرية أن روايته بلفظله أولى على كل حال ، ولهذا قدم الفقهاء المروي بلفظهل على المروي بمعناه.

__________________

١. الكافي ١ / ٥١.

٢. الكافي ١ / ٥١.

١٥٢

وقد روينا بطرقنا عن محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن منصور بن يونس عن ابى بصير قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : قول الله جل ثناؤه (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (١).

قال : هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه لا يزيد فيه ولا ينقص منه (٢).

وبالغ بعضهم فقال : لا يجوز تغيير (قال النبي) الى (قال رسول الله) ولا عكسه.

وهو عنت بين بغير ثمرة.

وقد روينا بأسانيدنا عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد ابن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد والقاسم بن محمد عن علي بن ابى حمزة عن ابى بصير قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : الحديث أسمعه منك أرويه عن أبيك أو أسمعه من أبيك أرويه عنك.

قال : سواء ، الا أنك ترويه عن ابى أحب الي.

وقال أبو عبد الله عليه السلام : ما سمعته مني فاروه عن ابى (٣).

وروينا بطرقنا عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن احمد بن محمد عن عمربن عبد العزيز عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا : سمعنا ابا عبد الله عليه السلام يقول : حديثي حديث أبى ، وحديث ابى حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن : وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ، وحديث رسول الله قول الله عزو جل (٤).

__________________

١. سورة الزمر : ١٨.

٢. الكافي ١ / ٥١.

٣. الكافي ١ / ٥١.

٤. الكافي ١ / ٥٣.

١٥٣

وروينا بأسانيدنا عنه عن علي بن محمد عن محمد بن عيسى عن قتيبة قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها.

فقال : ارأيت ان كان كذا وكذا ما كان يكون القول فيها.

فقال له : معه ما أجبتك فهى من شئ فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، لسنا (١) من رأيت في شئ (٢).

فهذه الاحاديث تدل على جواز أن ينسب الحديث المروي عن أحد الائمة عليهم السلام الى كل واحد منهم والى النبي صلى الله عليه وآله.

وهذا أبلغ من الاتيان باللقب موضع الاسلم أو موضع الكنية ، ومن وضع الالقاب بعضها موضع بعض.

والذي يظهر لي أن ذلك انما يجوز إذا لم يتضمن كذباً ، فإذا روينا حديثاً عن جعفر الصادق عليه السلام جاز أن نقول على مقتضى هذه الاحاديث (عن رسول الله كذا) أو (قال كذا) ، لا مثل (حدثني) و (سمعته بقول).

فروع :

(الاول) اختلفوا في رواية بعض الحديث إذا كان تام المعنى ، فمنعه بعضهم بناءاً على منع الراواية بالمعنى.

والحق جوازه إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يخل بالبيان ولا تختلف الدلالة بتركه ، سواء جوزناها بالمعنى أم لا.

__________________

١. لسنا من الذين يخاطبون ب‍ رأيت. مثل الشافعي وابى حنيفة وغيرهما ممن يخاطبون برأيت ، فهم يقولون نعم رأينا ، بل أي شئ نقول في الجواب أي مسألة كانت فهو من رسول الله صلى الله عليه وآله منه ..

٢. الكافي ١ / ٥٨.

١٥٤

أما تقطيع المصنفين الحديث في الابواب بحسب المواضع المناسبة فأولى بالجواز ، وقد استعملوه كثيراً ، وما أظن له مانعاً.

(الثاني) إذا كان عنده للحديث عن اثنين أو اكثر والسند الباقي متفق والحديث متفق المعنى مختلف اللفظ فله جمعهما في الاسناد ثم يسوق الحديث بلفظ أحدهما فيقول (أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان) أو نحو ذلك.

ولو كان السند كله مختلفاً ساق السند الواحد برجاله ثم أتى باللفظ المختص بذلك السند ثم يسوق السند الاخر ويقول (نحوه) ، وان كان لفظ المتن أيضاً متفقاً قال (مثله).

(الثالث) ينبغي للراوي بالمعنى أن يقول بعده (أو كما قال) أو (شبه هذا) أو نحو ذلك ، ليحترز عن الكذب.

وكذا إذا اشتبه على القارئ كلمة فحسن أن يقول بعد قراءتها (على الشك) أو (على الظاهر) أو نحو ذلك ، ليتضمن ذلك اجازة واذناً من الشيخ للراوي لالفاظ الحديث إذا وقف عليها وللصواب في المشتبه إذ ظهر ـ كما قاله بعضهم.

(الرابع) نقل المعنى انما جوزوه في غير المصنفات ، أما المصنفات فلا يجوز حكايتها ونقلها بالمعنى ولا تغير شئ منها على ما هو المتعارف.

وقد صرح به كثير من الفضلاء.

(اصل)

لا ينبغي أن يروي الحديث بقراءة لحان ولا مصحف ، وعلى طالبه أن يتعلم من النحو والعربية ما يسلم به من اللحن.

قال الاصمعي : قال اني أخوف ما أخاف على طالب الحديث إذا لم يعرف

١٥٥

النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وآله (من كذب علي متعمداً فيتبوأ مقعده من النار) ، لانه صلى الله عليه وآله لم يكن يلحن ، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت به عليه.

وطريق السلامة من التصحيف والتحريف الاخذ من أفواه الرجال.

وإذا وقع في رواية ما هو معلوم اللحن أو التحريف وجب أن يصلحه وأن يرويه على الصواب ، ومنعه بعضهم فقال : يرويه كما سمتعه ويبين أن الصواب كذا.

وهو تطويل بغير طائل ، وكتابته كذلك اغراء بالجهل ، سيما وقد جوزنا الراوية بالمعنى.

والصواب اصلاحه في كتابه أيضاً إذا تحقق المقصود ولم يكن فيه احتمال والا تركه على حاله مع التضبيب عليه (١) وبيان الصواب على الحاشية ، ثم يقرأ عند الرواية على الصواب.

ولو قال (وفي روايتي كذا) لم يكن به بأس.

ولو رآه صواباً في حديث آخر أو نسخة أخرى وان لم تكن مروية له وجب الاصلاح على كل حال لتأكد القرينة في العلم بذلك ، خصوصاً إذا غلب على ظنه أنه من نفسه أو من الناسخ لامن الشيخ.

وهكذا إذا درس من كتابه بعض الاسندا أو المتن فانه يجوز استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته وسكنت نفسه الى أن ذلك الساقط هو كذا.

فروع : (الاول) الواجب على المحدث إذا كان في سماعه بعض الوهن أن يثبته حال

__________________

١. التضبيب بمعنى التمريض ، وسيجئ في آدابه كتابة الحديث كيفيته.

١٥٦

الرواية. ومنه ما إذا وقع من شيخه شك في لفظه فليبين ذلك.

وان كان قد حدثه عن حفظه حال المذاكرة فليقل (حدثنا مذاكرة) كما كان يفعله الصدر الاول.

وإذا كان الحديث عن ثقة ومجروح وجب ذكرهما أو الاقتصار على الثقة.

وإذا سمع بعض الحديث عن شيخه وبعضه عن آخر وجب أن يبين ما رواه عن كل واحد منهما.

ولو بين اجمالا أن بعضه عن فلان وبعضه عن فلان صار كل جزء منه كأنه رواه عن أحدهما مبهماً ، فلا يحتج بشئ منه ان كان فيهما مجروح.

(الثاني) يجوز عند أصحاب الحديث تقدم المتن في الرواية ، ك‍ (قال الصادق كذا) ثم يقول (أخبرنا به فلان عن فلان) الى آخره.

ويجوز حينئذ للراوي أن يرويه كذلك وأن يقدم الاسناد.

وإذا روى المحدث حديثاً باسناد ثم اتبعه اسناداً آخر لاجل ذلك المتن قال في آخر الاخر (مثله) ان كان المتنان متفقين لفظاً ، ويجوز للراوي حينئذ أن يروي المتن بالسند الثاني.

وان كان بين المتنين تخالف ما قال في آخر الاخر (نحوه) ، ولا يجوز حينئذ رواية المتن باسند الثاني.

وقال بعضهم : إذا كان الراوي الاول من أهل الحذق والتفطن لمعاني الالفاظ وجوزنا الرواية بالمعنى جاز. وهو محل توقف.

ولم يفرق بعضهم بين (مثله) و (نحوه) ، وجوز رواية المتن بالسند الثاني مطلقاً. والتحقيق ما قلناه.

(الثالث) إذا ذكر الاسناد وبعض المتن ثم قال (الحديث) أو ذكر الحديث الى آخره وأراد السامع روايته بكماله ، فقد منعه بعض وجوزه الاكثرون إذا علم المحدث والسامع باقي الحديث أو كان حديثاً معروفاً مشهوراً.

١٥٧

ولو اقتصر على المذكور ثم قال (وهو هكذا) ثم ساقه بكماله كان أحسن.

(اصل)

ما يرويه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله في الكافي بقوله (محمد ابن يحيى) مثله ، فالمراد حدثنا محمد بن يحيى أو أخبرنا قراءة أو اجازة أو نحو ذلك ، أو المراد رويت عن محمد بن يحيى بنوع من أنواع الرواية.

فإذا قال بعد ذلك (عن فلان) فكأنه قال ان محمداً مثلا قال رويت عن فلان بنوع من أنواع الرواية كما قلناه ، فحذف القول ومقوله وبقي متعلق القول اختصاراً.

وما يرويه الشيخ الطوسي رحمه الله في الكتابين وغيره عمن لم يلقه قطعاً نحو قوله (الحسين بن سعيد) ، فالمراد حدثنا الحسين بن سعيد أو أخبرنا أو روى لنا بنوع الرواية ، ولكن بوسائط رجال السند المتصل به الذي قد تقرر.

وهذا الاصطلاح من خواص أصحابنا ، وانما اعتمدوا ذلك لكثرة أحاديثنا وكون المقصود اتصال سند الرواية بأي نوع اتلق.

فأتوا بلفظ يندرج تحته الجميع روماً للاختصار ، وان كان تبيين وجه المأخذ في كل راو أحسن كما يفعلونه في كثير من المواضع

فوائد :

(الاولى) لو تلفظ الانسان بهذا المحذوف لم يحسن عندنا ، لانه إذا قال (الحسين بن سعيد عن ابن ابى عمير) مثلا لم يعلم مأخذ الحسين بن سعيد عن ابن ابى عمير بأي طريق من الطرق ـ أي (حدثنا) أو (أجزنا اجازة) أو

١٥٨

(قراءة) أو (سماعاً) أو نحو ذلك ـ فكيف يجزم بواحد من هذه المعاني.

نعم لو تحرى لفظاً يصلح على كل حال ـ نحو (قال رويت عن ابن ابى عمير) لم يكن به بأس الا أنت طويل ولا ثمرة مهمة له.

وأما ما في آخر السند مثل قولهم (محمد بن مسلم قال أبو عبد الله عليه السلام) فهنا لفظة (قال) محذوفة قبل لفظة قال الموجودة وفاعلها محمد بن مسلم ، أي قال محمد بن مسلم قال أبو عبد الله عليه السلام.

ولو تلفظ القارئ بها إذا كانت محذوفة كان أنسب مع أن حذفها قليل.

اما إذا قال (عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله انه يحرم كذا أو يجب كذا) فالمراد كما تقدم رويت عن ابى عبد الله عليه السلام اما بأن سمعته يحدث أو قال لي أو نحو ذلك.

وبعض محدثي العامة يجعل مثل هذا مرسلا ، لانه أعم من أن يكون سمعه منه بغير واسطة أو رواه عنه بواسطة.

وهو من حيث اللفظ محتمل ، الا أن أصحابنا رضوان الله عليهم استعملوه في المتصل وفهموا منه عند الاطلاق الاتصال وصار ذلك متعارفاً بينهم لم يرتب فيه منهم أحد فيما أعلم.

(الثانية) ما يرويه الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى في الكتابين وما يرويه غيره مما حذف أول سنده للعلم به اختصاراً ، الاولى للقارئ ان كان الشيخ أن يذكر أول المجلس أو الكتاب السند تاماً ثم يقول في أول كل حديث (وبالسند المتقدم الى الحسين بن سعيد) أو (بسندي المتقدم) أي أروي لكم أو أرويكم بسندي إليه.

هذا ان كان الكل عن الحسين بن سعيد ، وان اختلف رجال السند المروي

١٥٩

عنهم فالاولى ذكر السند الى كل واحد منهم أولا ثم يقول (وبالسند المتقدم الى فلان) إذا كان قد تقدم ذكر السند.

وان كان القارئ التلميذ فكذلك الاولى أن يذكر أول المجلس السند المتصل بأول السند المذكور ثم يقول (وبسندكم المتقدم الى الحسين بن سعيد) ، أي أروي عنكم بسندكم إليه.

ولو حذف كل ذلك أمكن صحة الرواية أيضاً ، لان المراد معلوم.

ولو لم يذكر في أول الكتاب أو المجلس السند وقال الشيخ أؤ القارئ (وبسندي الى فلان) أو (بسندكم الى فلان) كفى ذلك.

وكذا إذا كان السند متصلا بالمصنفين كما في الكافي وكثير من التهذيب يقول الشيخ إذا قرأ (وبسندي المتصل الى محمد بن يعقوب ـ مثلا ـ قال أخبرنا عدة من أصحابنا) ولو حذف (قال) جاز للعلم به.

وان كان القارئ التلميذ قال (وبسندكم الى فلان قال أخبرنا فلان) الى آخره ، وان لم يكن حاضراً في ذهنه رجال السند وتريبهم ، لان العلم الاجمالي كاف ، ولكن الاولى ما قدمناه من التبيين.

(الثالثة) قد جرت عادة المحدثين أن يذكروا أسماء شيوخهم وأنسابهم ويعرفوهم بما يقتضيه الحال ويرفع عنهم الجهالة في أول الحديث إذا رووه مفرداً.

ولو كان كتاباً تاماً جاز استيفاء ذلك في أول الكتاب والاقتصار في الباقي على ما يرفع اللبس ، حتى الاضمار كاف مع أمنه.

وأما باقي الشيوخ فالواجب ذكر كل شيخ بما يرفع الجهالة عنه ، الا أن يكون كثير التكرر بحيث يكفي مجرد الاسم في فهمه ، فان تكرير ذلك يستهجن إذ هو تطويل بغير فائدة.

١٦٠