وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي

وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

المؤلف:

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢١١

آداب المحديثين والعلماء

(اصل)

اعلم أن علم الحديث علم شريف جليل ، ومن هو من علوم الاخرة ، من حرمه حرم خيراً عظيما ومن رزقه رزق فضلا جسيماً.

قال بعض العلماء : لكل دين فرسان وفرسان هذا الدين أصحاب الاسانيد.

وقال بعضهم : ليس في الدنيا مبتدع الا وهو يبغض أهل الحديث ، وإذا ابتدع الرجل بزغت حلاوة الحديث من قلبه.

وقال بعض الفضلاء : ليس أثقل على أهل الالحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته.

فالواجب على مريده وحامله ملازمة التقوى ومكارم الاخلاق والتواضع ومحاسن الشيم وتصحيح النية وتطهير قلبه من مجس المباهاة والمماراة.

فقد روينا بطرقنا عن محمد بن يعقوب عن محمد بن اسماعيل عن الفضل ابن شاذان عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عمن حدثه عن ابى جعفر

١٢١

عليه السلام قال : من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف وجوه الناس إليه فليبتوأ مقعده من النار (١).

وروينا بالطرق عنه عن علي بن ابراهيم رفعه الى ابى عبد الله عليه السلام قال : طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم : صنف يطلبه للجدل والمراء وصنف يطلبه للاستطالة والختل ، وصنف يطلبه للفقه والعقل : فصاحب الجدل والمراء مؤذ ممار يتعرض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفته الحلم قد تسربل بالخشوع وتخلى من الورع فدق الله من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه (٢) ، وصاحب الاستطالة والختل ذوخب وملق (٣) يستطيل على مثله من أشباهه ويتواضع للاغنياء من دونه فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم فأعمى الله على هذا خبره وقطع من العلماء أثره ، وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة (٤) وحزن وسهر قد تحنك (٥) في برنسه وقام الليل في حندسه (٦) يعمل ويخشى وجلا داعياً مشفقاً مقبلا على شأنه عارفاً بأهل زمانه مستوحشاً (٧) من أوثق اخوانه فشد

__________________

١. الكافي ١ / ٤٧ وفي آخره ان الرئاسة لا تصلح الا لاهلها ..

٢. الخيشوم : أقصى الانف.

والحيزوم : الصدر وقيل وسط الصدر.

٣. الخب بالكسر : الخدعة.

ملقته وملقت له : توددته وتملقت له كذلك.

٤. الكآبة : الحزن أشد الحزن.

٥. تحنك فلان : إذا أدار العمامة تحت حنكه.

والبرنس : كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أوجبة أو ممطر أو غيره. قيل : قلنسوة طويلة كان يلبسها الناسك في صدر الاسلام.

٦. الحندس بكسر الحاء والدال وسكون النون : اليل المظلم ، والظلمة أيضاً.

٧. لعله بأن المرضى من الناس من كل وجه عزيز الوجود وان مجالستهم ومخالطتهم تميت القلب وتفسد الدين ويحصل للنفس بسببها ملكات مهلكة مؤدية الى الخسران المبين ، فيختار الوحشة منهم والاعتزال عنهم.

١٢٢

الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانة (١).

(أصل)

ويستحب للعالم والمحديث إذا أراد حضور مجلس الدرس أو الحديث أن يتطهر ويتطيب ويلبس الثياب البيض النظيفة ويجلس بوقار تمكناً في مجلسه.

وإذا رفع أحد صوته زبره بما يناسبه ، ويقبل على الحاضرين كلهم ، ويجلس مستدبر القبلة ليستقبلها أصحابه لانهم في الاغلب اكثر منه ، ويفتح مجلسه ويختمه بحمد الله والصلاة على نبيه وآله ودعاء يليق بالحال ، ولا يسرد الحديث سرداً (٢) فيمنع ذلك عن فمه ، وليستنصت الناس إذا حصل في المجلس لغط (٣).

وكلما ذكر النبي أو أحد الائمة صلى عليه ، وكذا خلص الصحابة وأصحاب الائمة واكابر العلماء ينبغي الترحم عليه أو الترضي عنهم ، وان كان عنه عن أبيه ترضى عنهما.

ويحسن بالمحدث وغيره الثناء على شيخه باللفظ والكتابة بما هو أهله والدعاء له ، ولا بأس بذكره بلقب أو وصف أو حرفة أو ام إذا عرف بها.

وإذا روى الحديث عن جماعة قدم أرجحهم ، ولينبه على صحة الحديث أو ضدها وما فيه من علو أو فائدة أو ضبط مشكل.

وليتجنب أن يحدث بما لا يحتمله عقول السامعين أو ما لا يفهمونه ، فقد روينا بأسانيدنا عن محمد بن يعقوب عن جماعة من أصحابه عن احمد بن

__________________

١. الكافي ١ / ٤٩.

٢. سردت الحديث سرداً : أتيت به على الولاء.

٣. الغط بفتح اللام والغين المعجمة : هو كلام فيه جلبة واختلاط ولا يتبين.

١٢٣

محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه السلام قال : ما كلم النبي صلى الله عليه وآله العباد بكنه عقله قط ، وقال : انا معاشر الانبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم (١).

ويستحب أن يختم مجلس الدرس والحديث بحكايات ونوادر وانشادات تناسب الحال في الزهد والاداب ومكارم الاخلاق ونحو ذلك ، فقد روينا بطرقنا عن محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن حفص ابن البختري رفعه قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : روحوا أنفسكم ببديع الحكمة ، فانها تكل كما تكل الابدان (٢).

(أصل)

وقد اختلف أهل السنة في الوقت الذي يتصدى فيه لا سماعه وافادته ، فمنعه بعضهم قبل وفور العلم وكمال القوة ، ومنعه بعضهم قبل الاربعين.

وليس بشئ.

والحق أنه متى احتيج الى ما عنده من العلم جلس له إذا كان قادراً على آدابه بحقه وشروطه في أي سن كان.

ويجب أن يمسك عنه إذا خشي التخليط لهرم أو خرف.

نعم الاولى له ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك ، لوفور علمه وعلو سنه وحسن ضبطه إذا كان أخذ الحديث عنه متيسراً وكانا في بلد واحد.

وإذا طلب منه الحديث وهناك من هو أرجح منه فالاولى له الارشاد إليه ، فان الدين النصيحة.

__________________

١. الكافي ١ / ٢٣.

٢. الكافي ١ / ٤٨ والكل بالفتح : الثقل.

١٢٤

ولا ينبغي أن يمتنع من بذل الحديث لاحد لكونه غير صحيح النية ، فانه يرجى له صحتها ، فقد جاء في الاثار عن بعض العلماء الاخيار أنه قال : طلبنا العلم لغير الله فأبى الا أن يكون لله.

وقال بعضهم : فأوصلنا الى الله.

وليجتهد كل الجهد على نشره واذاعته ببذله والترغيب فيه ، سيما في مثل زماننا هذا الذي كادت تندرس فيه آثار الوحي والنبوة والائمة المعصومين بالكلية ، فان بذل الجهد في افادته واستفادته في يومنا هذا من أهم الواجبات ، وقد روينا بطرقنا عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد ابن عيسى عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن منصور بن حازم عن طلحة بن زيد عن ابى عبد الله عليه السلام قال : قرأت في كتاب علي عليه السلام : ان الله لم يأخذ على الجهال عهداً بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهال.(١).

__________________

١. الكافي ١ / ٤١ ، وتمامه فيه لان العلم كان قبل الجهل ..

١٢٥

آداب طلاب العلم والحديث

(اصل)

قد قدمنا من آداب الطالب جملة ، ويجب عليه أيضاً تصحيح النية والاخلاص لله تعالى في طلبه والحذر من التوصل به الى أغراض الدنيا ، فقد روينا بأسانيدنا الى محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمد الاصفهاني عن المنقري عن حفص بن غياث عن ابى عبد الله عليه السلام قال : من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الاخرة نصيب (١).

وروينا عنه عن الحسين بن محمد بن عامر عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشا عن احمد بن عائد عن ابى خديجة عن ابى عبد الله عليه السام قال من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الاخرة نصيب ، ومن أراد به خير الاخرة أعطاه الله خير الدنيا والاخرة (٢).

__________________

١. الكافي ١ / ٤٦.

٢. الكافي ١ / ٤٦.

١٢٦

ثم يسأل الله التوفيق لتحصيله ، وليستعمل الاخلاق الحميدة والاداب ، ثم يفرغ جهده في تحصيله ويغتنم امكانه ، ويبدأ بالسماع من أعلم وأتقى من يعلمه من الشيوخ ، فذا استوفى ما عنده أو غرضه منه طلب من عنده زيادة في أي قطر كان مقدماً الاقرب فالاقرب.

وذلك كان يستعمله الصدر الاول ، وأما الان فقد انحصر اكثر الاحاديث وأهمها في أصولنا الخمسة ، فالواجب الان كتابتها وتصحيحها وتكثير روايتها عن الشيوخ ما أمكن لتكثز عنده طرقها ويكون ذلك أروج للاتصال.

(اصل)

وينبغي لطالب العلم والحديث أن يستعمل ما يعلمه من أحاديث العبادات والسنن والاداب ، فان زينة العلم العمل ، وهو زكاته وسبب لقراره ، فقد روينا بأسانيدنا عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد ابن سنان عن اسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله عليه السلام قال : العلم مقرون الى العمل ، فمن علم عمل ومن عمل علم ، والعلم يهتف بالعمل فان أجابه والا ارتحال (١).

وروينا عنه عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن علي بن محمد القاشاني عمن ذكره عن عبد الله بن القاسم الجعفري عن ابى عبد الله عليه السلام قال : ان العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا (٢).

وروينا عنه عن الي بن ابراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمد عن سليمان

__________________

١. الكافي ١ / ٤٤.

٢. الكافي ١ / ٤٤.

١٢٧

داود المنقري عن حفص بن غياث قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : من تعلم العلم وعمل به دعي في ملكوت السماوات عظيماً (١).

(اصل)

وينبغي لطالب العلم والحديث أن يوقر شيخه ومن يسمع منه كل التوقير ، وأن يتأدب معه غايد الادب ، فان ذلك من اجلال العلم وأسباب الانتفاع والترقي فقد روينا عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى الععطار عن احمد بن محمد ابن عيسى عن الحسن بن محبوب عن معاوية بن وهب قال : سمعت ابا عبد الله عليه اسلام يقول : اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار ، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم (٢).

وبالجملة ينبغي أن يتحرى رضاه ما أمكن ، وان لا يطول عليه بحيث يضجره فقد روينا عن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بن عبد الله بن احمد بن محمد عن محمد بن خالد عن سليمان بن جعفر الجعفري عمن ذكره عن ابى عبد الله عليه السلام قال : كان يقول : ان من حق العالم ألاتكثر عليه السؤال ، ولا تأخذ بثوبه ، وإذا دخلت عليه وعنده قوم فلم عليهم جمعيعاً وخصه بالتحية دونهم ، واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه ، ولا تغمز يعينك ولاتشر بيدك ، ولا تكثر من قول (قال فلان وقال فلان) خلافاً لقوله ، ولا تضجره بطول صحبته ، فانما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتى يسقط عليك منها شئ ، والعالم أعظم أجراً من

__________________

١. الكافي ١ / ٤٤ ، وتمامه فقيل تعلم لله وعمل لله وعلم لله ..

٢. الكافي ١ / ٣٦.

١٢٨

القائم الغازي في سبيل الله (١).

ومن الادب أن يستشيره في أموره كلها ، وخصوصاً ما يتعلق بالتحصيل.

وليحذر أن يمنعه الحياء أو الكبر من أخذه ممن هو دونه في سن أو نسب أو غيرهما ، وليصبر على جفاء شيخه إذا وقع ، وليكتم ما عساه يعثر عليه من هفوة أو سهو ، فانه لا معصوم الامن عصمه الله تعالى : وليتعن بالمهم مما يعثر عليه ، وليكتبه بتمامه ولا يختصره ولا يضيع وقته فيما لا يعنيه ، فان العمر جوهرة نفيسة لا خلف لها ولا ثمن.

(اصل) ولا ينبغي أن يعتني بالجمع والرواية دون معرفته وفهمه ومعرفة ضعفه وصحته وفقهه ومعانيه ولغته واعرابه واسماء رجل سنده ، محققاً كل ذلك بحسب الامكان معتنياً باعراب مشكله وضبطه من كتب اللغة وتبيين غريبه ، وهو ما وقع في متنه من لفظة غريبة غامضة بعيدة عن الفهم لقلة استعمالها.

وهو فن مهم اعتنى به القدماء من الخاصة والعالمة ، وقد ألف أبو جعفر محمد بن بابويه (ره) كتاباً في غريب أحاديث النبي والائمة (ع) ، وأحسن ما ألف العامة فيه كتاب الغريبين يعني غريب القرآن والحديث.

ثم ينبغي أن يذاكر بمحفوظه ويباحث أهل المعرفة ممن هو فوقه أو دونه أو مثله ما أمكن ، فان حياة العلم مذاكرته ، وقل أن ينكشف مجلس المباحثة والمذاكرة الا عن فائدة جديدة ، ومن مارس علم صدق ذلك.

وقد روينا بأسانيدنا عن محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن

__________________

١. الكافي ١ / ٣٧.

١٢٩

ابن ابى عمير عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ان الله عزوجل يقول : تذاكر العالم بين عبادي مما تحيى عليه القلوب الميتة إذا هم انتهوا فيه الى أمري (١).

وروينا عنه عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد ابن سنان عن ابى الجارود قال : سمعت ابا جعفر عليه اسلام يقول : رحم الله عبداً احيى العلم.

قيل : وما احياؤه؟ قال : ان تذاكر به أهل الدين وأهل الورع (٢).

وروينا عنه عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن عبد الله بن محمد الحجال عن بعض أصحابه رفعه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا ، فان الحديث جلاء القلوب ، ان القلوب لترين كما ترين السيف (٣).

وقال بعض الفضلاء :

إذا لم يذاكر ذوالعلوم بعلمه

ولم يستفد علماً نسي ما تعلما

وكم جامع للكتب في كل مذهب

يزيد على الايام في جمعه عمى

(اصل)

وإذا تأهل للتصنيف فليصنف جامعاً للناظائر مرتباً للابواب ، ليشتهر بذلك العلم والاحاديث ، وليعتن بالشروح وبيان المشكل والتفاريع على الاحاديث

__________________

١. الكافي ١ / ٤٠.

والنظر شرح المولى محمد صالح لمازندرانى لاصول الكافي ١ / ١٢٧ فقد ذكر وجوهاً في شرح هذا الحديث الشريف.

٢. الكافي ١ / ٤٧.

٣. الكافي ١ / ٤٧.

١٣٠

ما أمكنه من المسائل الفقهية وبيان ما فيه من الفصاحة واللطائف الادبية ، فان ذلك باب من أبواب الجهاد في الله تعالى.

ثم ليتق الله في رواية ما لم يروه من الاحاديث وترك ما يشك في صحته الا ان يبين ذلك ، فقد روينا عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن علي بن النعمان عن عبد الله بن مسكان عن داود بن فرقد عن ابى سعيد الزهري عن ابى جعفر عليه السلام قال : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه (١).

وروينا عنه عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن هشام بن سالم قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : ما حق الله عزوجل على العباد؟ فقال : أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا عمالا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا الى الله حقه (٢).

(اصل)

(في كيفية سماع الحديث وتحمله)

والذي استقر عليه البحث بين الخاصة والعامة من ذلك ثمان طرق :

الاول : سماع لفظ الشيخ من حفظه أو كتابه

وهو (الاملاء) ، هو أرفع الاقسام عند الجماهير ، لان الشيخ أعرف بوجوه تأدية الحديث ، ولانه خليفة النبي والاخذ منه كالاخذ منه ، والنبى قد أسمع الناس ، ولان السامع أوعى قلباً وتوزع الفكر الى القارئ أسرع.

__________________

١. الكافي ١ / ٥٠.

٢. الكافي ١ / ٥٠.

١٣١

ولا خلاف في أنه يجوز للسامع حينئذ أن يقول (حدثنا) و (أخبرنا) و (أنبأنا) و (نبأنا) و (سمعته يقول) و (قال لنا) و (ذكر لنا).

هذا في الصدر الاول ، ثم شاع تخصيص (أخبرنا) بالقراءة على الشيخ و (نبأنا) و (أنبأنا) بالاجازة.

وقال بعضهم (حدثنا) و (أخبرنا) أرفع من (سمعت) ، إذ ليس في (سمعت) دلالة على أن الشيخ رواه اياه.

وأما (قال لنا) و (ذكرنا) فك (حدثنا) ، غير أنه لا يقال سماع المذاكرة وهو به أشبه ، وأوضع العبارات (قال) و (ذكر) من غير (لي) أو (لنا) [لانه أعم من كونه سمعه منه بواسطة أو وسائط ، لكنه محمول على السماع منه إذا تحقق القاؤه] (١).

الثاني : القراءة على الشيخ

ويسميها اكثر المحديثين (عرضاً) لان القارئ عرضه على الشيخ ، سواء قرأت أو قرأ غيرك وأنت تسمع من كتاب أو حفظ ، سواء حفظه الشيخ أو لا إذا أمسك أصله هو أو ثقة ذو بصيرة.

وهي رواية صحيحية بلا خلاف.

نعم اختلفوا في مساواتها السماع من لفظ الشيخ : فبعضهم رجحها ، وبعضهم رجحه ، وبعضهم ساوى بينهما.

والاحوط في الرواية بها (قرأته على فلان) أو (قرئ عليه وأنا أسمع فأقربه).

ومنع جماعة فيها (سمعت) ومنعت أخرى (حدثنا) ، ولا بأس بالمنعين نعم يجوز (أخبرنا) عند الجماهير والمتأخرين.

__________________

١. الزيادة من النسخة المخطوطة.

١٣٢

ومتى كان الاصل بيد غير موثوق به لم يصح السماع ان لم يحفظه الشيخ.

وإذا قرئ على الشيخ قائلا (أخبرك فلان) أو نحوه والشيخ مصغ فاهم غير منكر صح السماع جازت الرواية.

ولا يشترط نطق الشيخ على الاصح عند الجمهور ، وقال بعضهم ليس له أن يقول (حدثني) لانه كذب ، وله أن يعمل به وان يرويه قائلا (قرئ عليه وهو يسمع).

والحق الاول وأنه يجوز (أخبرنا) ، لان القراءة عليه والسكوت في معرض النقل عنه كالنطق.

وطريق العلماء المعروف بينهم أن يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ أو شك هل كان معه أحد (حدثني) ومع غيره (حدثنا) وفيما قرأه عليه (أخبرني) وفيما قرئ بحضرته (أخبرنا).

ولا يجوز عندهم ابدال كل من (حدثنا) و (أخبرنا) بالاخر في الكتب المؤلفة.

فرع :

إذا نسخ السامع حال القراءة من الشيخ أو غيره ، قال بعضهم : لا يصح السماع.

وهو خلاف ما عليه الصدر الاول.

ولو قيل : انه ان فهم المقروء عليه صح والافلا.

كان ذا وجه.

على أن الجواز مطلقا ـ كما عليه الصدر الاول ـ أوجه إذا أمن السقط أو التغيير ، بأن يفوته شئ من المسموع أو يحرفه ، والا لم يجز جزماً.

ويجري هذا الخلاف فيما لو تحدث الشيخ أو السامع ، أو أفرط القارئ في السماع ، أو أدغم بعض الكلمات في بعض.

والحق أنه يعفى عن القليل منه

١٣٣

سيما مثل اليوم والكتب مضبوطة معرفة ، ولكن يشترط صحة النسخة وعدم تغير المعنى.

ويستحب للشيخ أن يعم الاجازة لكل السامعين برواية ذلك الكتاب ما قرئ منه وما لم يقرأ ، وان كتب لاحدهم كتب (سمعه مني) أو (علي) أو (سمع بعضه وأجزت له روايته عني عن مشائخي بطرقي المتصلة الى المصنف ثم منه الى الائمة المعصومين عليهم السلام).

فروع :

(الاول) لو عظم مجلس الاملاء فبلغ عن الشيخ أو القارئ رجل آخر ، فذهب بعضهم أنه يجوز لمن سمع المبلغ أن يروي ما بلغه اياه عن الشيخ.

وهو حق ان كان المبلغ ثقة وأمن التغيير بقرائن الحال.

وذهب كثير من المحققين الى أنه لا يجوز.

(الثاني) يجوز السماع من وراء حجاب إذا عرف صوته أو أخبر به عدلان أو عدل واحد واعتضد بقرائن الاحوال بحيث أمن التلبيس.

وكذا يجوز القراءة عليه والرواية عنه كذلك.

(الثالث) إذا قال المسموع عنه بعد السماع (لا تروي عني) أو (رجعت عن اخبارك) أو نحو ذلك غير مسند ذلك الى خطأ أو شك ونحوهما لم يمتنع روايته.

(الرابع) لو خص قوماً بالسمع فسمع غيرهم بغير علمه جاز لهم الرواية عنه.

(الخامس) لا يشترط علم الشيخ بالسامعين : فلو أسمع من لم يعلمه بوجه جاز ، وكذا لو قال : أخبركم ولا أخبر فلانا.

١٣٤

الثالث : الاجازة

وهي كما قال الحسين بن فارس : مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية أو الحرث ، تقول : ستجزته فأجازني إذا سقاك ماءاً لما شيتك أو أرضك ، وكذا طالب العلم يستجيز العالم فيجيزه علمه ، فعلى هذا يجوز أن يقول : أجزت فلاناً مسموعاتي ، وأجزت له رواية مسموعاتي ، أو الكتاب الفلاني.

وهي على أضرب : (الاول) أن يجيز معيناً لمعين ، ك (أجزتك الكافي) أو (ما اشتمل عليه فهرستي) وهذا أعلى أضربها المجردة عن المناولة وأعلى منها.

ومن الاجازة المقرونة بالمناولة أن يقرأ عليه حديثاً من أول المجاز وحديثاً من وسطه وحديثاً من آخره ثم يجيزه ما قرأه وما بقي منه ، كما ورد الامر به عن جعفر الصادق (ع) ، فقد روينا بأسانيدنا المتصلة الى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد ومحمد بن الحسين عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : يجيئنى القوم فيسمعون مني حديثكم فأضجر ولا أقوى. قال : اقرأ عليهم من أوله حديثاً ومن وسطله حديثاً ومن آخره حديثا (١).

والذي استقر عليه رأي العامة والخاصة جواز الرواية باجازة المعين للمعين وان تجرد عن المناولة والقراءة. وقال بعضهم : لها حكم المرسل. وهو باطل.(الثاني) أن يجيز معيناً غير معين ، كـ (أجزتك مسموعاتي).

والخلاف فيه أقوى من الاول ، ولكن الجمهور أو جبوا العمل بها وجوزوا الرواية لكل ما ثبت عنده أنه سمعه.

__________________

١. الكافي ١ / ٥٢. الضجر : القلق من غم وضيق نفس مع كلام.

١٣٥

(الثالث) أن يجيز معيناً لغير معين بل بوصف العموم ، ك (أجزت هذا الحديث أو كتاب الكافي لكل أحد أو لاهل زماني أو لمن أدرك جزءاً من حياتي).

وفيه خلاف ، والاقوى أنه كالالولين وقد استعمله اكابر علمائنا (١).

(الرابع) اجازة غير معين لغير معين بل بوصف العموم ، ك (أجزت كل أحد مسموعاتي).

والذي يظهر أنه جائز أيضاً ، ولا شبهة أنه لو لم يكن مع العموم ك (أجزت رجلا) أو (رجلين) أو (زيداً) وهو مشترك بين جماعة لم يجز ، وان كان المجاز معيناً.

وكذا لو أجاز غير معين لمعين ك (أجزتك كتاب المجالس) وهناك كتب متعددة.

نعم لو أجاز رجلا يعرفه باسمه أو بوجه أو جماعة كذلك جازوان لم يعرفهم بأعيانهم.

ومن الباطل (أجزت لمن يشاء فلان) أو (لمن يشاء الاجازة).

وبالجملة التعليق مبطل على ما يتعارفه أهل الصناعة.

[ولو كانت في قوة المطلقة اتجه الجواز ، مثل (لمن شاء الاجازة) أو (لفلان ان شاء) أو (لك ان شئت) لان متقضى كل اجازة تفويض الرواية بها الى مشيئة المجاز له ، فكانت حكاية حال لا تعليقاً حقيقياً] (٢).

(الخامس) اجازة المعدوم ، ك (أجزت لمن يولد لفلان). والجمهور منا

__________________

١. استعمله السيد تاج الدين ابن معية لما طلب منه شيخنا الشهيد الاجازة له ولاولاده ولجميع المسلمين ممن أدرك جزءاً من حياته فأجازهم ذلك بخطه منه ..

٢. الزيادة من النسخة المخطوطة.

١٣٦

ومنهم لم يقبلوها.

ولو عطفها على موجود ك.(أجزتك ومن يولد لك) أمكن جوازه ، وقد فعله جماعة من العلماء.

[ويصح لغير المميز من المجانين والاطفال بعد انفصالهم ، لا أعلم فيه خلافاً.

وقد وجدت خطوط جماعة من فضلائنا بالاجازة لابنائهم عند ولادتهم ، منهم السيد جمال الدين ابن طاوس لولده غياث الدين ، وشيخنا الشهيد استجاز من اكثر مشائخه بالعراق لاولاده الذين ولدوا بالشام قريباً من ولادتهم ، وقد رأيت خطوطهم له ولهم بالاجازة.

وذكر الشيخ جمال الدين احمد بن صالح قدس الله سره أن السيد فخار الموسوي اجتاز بولده مسافراً الى الحجة ، قال : فأوقفني والدى بين يدي السيد فحفظت منه أن قال : يا ولدي أجزت لك ما يجوز لي روايته.

ثم قال : وستعلم فيما بعد حلاوة ما خصصتك به.

وعلى هذا جرى السلف والخلف ، وكأنهم رأو الطفل أهلا لتحمل هذا النوع ليؤدي بعد حصول أهليته ، حرصاً على توسع السبيل الى بقاء الاسناد الذي اختصت به هذه الامة وتقريبه من الرسول بعلو الاسناد.

وفي الاجازة للحمل قولان ، الصحة نظراً الى وجوده والعدم نظراً الى تميزه وقد تقدم أنه غير مانع ، فيتجه الجواز.

وتصحح للكافر ، وتظهر الفائدة إذا أسلم ، وللفساق والمبتدع بطريق أولى] (١).

(السادس) اجازة ما لم يتحمله المجيز بوجه ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز وهي باطلة قطعاً.

__________________

١. الزيادة من النسخة المخطوطة.

١٣٧

وأما قولهم (أجزت لك ما صح أو يصح عندك من مسموعاتي) فصحيح يجوز الرواية به ، لما صح عنده سماعه له قبل الاجازة لا بعدها.

فعلى هذا يجب عليه البحث ليعلم أنه مما كان قد تحمله قبل الاجازة والا لم يجز له روايته.

(السابع) اجازة المجاز ، ك (اجزتك مجازاتي).

وقد منعه بعضهم ، والاصح جوازه.

نعم ينبغى للراوي تأمل ما يرويه بذلك لئلا يروي ما لم يدخل تحتها.

فرعان :

(الاول) ينبغي للمجيز كتابة أن يتلفظ بها [لتحقق الاجازة الذي متعلقة اللفظ أو الاذن] (١) ، فان اقتصر على الكتابة مع قصد الاجازة فقد منع بعضهم من ذلك.

[والصحة أولى ، كما تصح الرواية بالقراءة على الشيخ مع أنه لم يتلفظ بما قرئ عليه ، ولتحقق الاذن والاخبار بالكتابة مع القصد ، كما تحقق الوكالة بها عند بعضهم ، حيث أن المقصود مجرد الاباحة ، وهي تتحقق بغير اللفظ كتقديم الطعام الى الضيف ورفع الثوب الى العريان ليلبسه ، والاخبار يتوسع بها في غير اللفظ عرفاً] (١).

(الثاني) لا ينبغي الاجازة ولا يستحسن الا إذا علم المجيز ما يجيزه وكان المجاز له من أهل العلم والصلاحية للفهم والرواية.

وقد اشترط ذلك بعضهم ، وليس بمعتبر عند الفقهاء والمحدثين.

الرابع : المناولة

وهي ضربان : مقرونة بالاجازة ، ومجردة.

__________________

١. الزيادتان من النسخة المخطوطة.

١٣٨

فالمقرونة على أنواع :

الاجازة مطلقاً ، واكمل منها أن يقرأ من أول المناول حديثاً ومن وسطه حديثاً ومن آخره حديثاً ، كما ورد الامر به عن الصادق عليه السلام وقد نقلناه سابقاً (١).

ومن صورها : أن يدفع الشيخ الى الطالب أصل سماعه أو مقابلاته ويقول (هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عني) أو (أجزت لك روايته عني) ثم يبقيه معه تمليكاً أو لينسخه.

[وهي دون المساع لا شتمالها على ضبط الروياة وتفصيلها بما لا يتفق في المناولة.

وقيل : هي مثله ، لتحقق الضبط من الشيخ] (٢).

ومنها : أن يدفع إليه الطالب سماعه فيتأمله وهو عارف به ثم يعيده إليه ويقول (هو حديثي أو روايتي فاروه عني) أو (أجزت لك روايته).

وقد سمى بعضهم هذا (عرضاً) ، وقد سبق أن القراءة عليه تسمى أيضاً عرضاً ، فليسم هذا (عرض المناولة) وذاك (عرض القراءة).

وهذه المناولة كالسماع في القوة عند الاكثر ، والاقوى أنها منحطة عن السماع والقراءة.

ومنها : أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه له ثم يمسكه الشيخ ، وهذا دون ما سبق.

ويجوز روايته إذا وجد الكتاب أو آخر مقابلا به موثوقاً بموافقته ما تناولته الاجازة.

ولا يظهر في هذه المناولة كثير مزيد على الاجازة المجردة في معين ، ولكن

__________________

١. انظر ص من هذا الكتاب.

٢. الزيادة من النسخة المخطوطة.

١٣٩

شيوخ الحديث يرون لها ميزية.

ومنها : أن يأتيه الطالب بكتاب ويقول (هذا روايتك فناولنيه وأجزني روايته) فيجيبه إليه من غير نظر فيه وتحقق لروايته.

وهو غير جائز ، الا أن وثق بخبر الطالب وصدقه وديانته.

ولو قال (حدث عني بما فيه ان كان حديثي مع براءتي من الغلط) كان جائزاً.

الضرب الثاني : المجردة وهي أن يناوله مقتصراً على (هذا سماعي) ، فلا يجوز له الرواية بها على ما صححه الفقهاء وأصحاب الاصول.

وقيل بجوازها ، وهو غير بعيد ، لحصول العلم بكونه مروياً له مع اشعارها بالاذن له في الرواية.

ويؤيده ما رويناه بأسانيدنا عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى باسناده عن احمد بن عمر الحلال قال : قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام : الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول اروه عني يجوز لي أن أرويه عنه قال : فقال عليه السلام : إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه (١).

ولو صحت هذه الرواية لم يبق في المسألة اشكال.

تنبيه :

جوز جماعة اطلاق (حدثنا) و (أخبرنا) في الرواية بالمناولة ، وهو مقتضى قول من جعلها سماعاً.

وحكي عن بعض جوازهما في الاجازة المجرة أيضاً.

والصحيح المنع فيها منهما وتخصيصهما بعبارة مشعرة بهما ، ك (حدثنا اجازة) أو (مناولة) أو (اذنا) أو (فيما أطلق لي روايته).

وبعض المتأخرين اصطلح على اطلاق (أنبأنا) في الاجازة ، وبعضهم يقول

__________________

١. الكافي ١ / ٥٢.

١٤٠